-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 32 - جـ 2 - الإثنين 15/9/2025

 

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل الثاني والثلاثون

الحزء الثاني 

تم النشر الإثنين  

15/9/2025


كان المطعم هادئًا وأنيقًا يطل على حديقة خضراء صغيرة بعيدًا عن صخب القاهرة. 

جلس مالك وروح على طاولة في زاوية منعزلة يستمتعان بوجبة الغداء وبصحبة بعضهما البعض

كان الجو بينهما مريحًا ودافئًا كأنهما في فقاعة خاصة بهما.


قطعت روح قطعة صغيرة من طعامها، ثم رفعت عينيها إلى مالك الذي كان يراقبها بابتسامة حانية.

_ الأكل هنا حلو جوي يا مالك شكرًا إنك خرجتني.

مد يده عبر الطاولة وأمسك بيدها برفق.

_ المهم إنك مبسوطة مفيش حاچة في الدنيا تهمني أكتر من راحتك.

شعرت بالدفء يسري في أوصالها من لمسته وكلماته تنهدت بارتياح ثم سألته السؤال الذي كان يدور في ذهنها.

_ هنرچع الصعيد ميتى يا مالك؟ إتوحشت أمي جوي.


نظر إليها بقلق خفيف.

_ عارف انها وحشتك بس مش عايز أتعبك في السفر وإنتِ في حالتك دي خلينا نحضر فرح أكمل وليلى الأول وبعدها بيومين تلاتة نرجع على طول، عشان تاخدي راحتك و متتعبيش من الطريق.


أومأت برأسها في تفهم وشعرت بالامتنان لاهتمامه الزائد بها.

_ اللي تشوفه يا حبيبي.

بعد لحظات من الصمت الرومانسي وتبادل النظرات التي كانت تحمل كل معاني الحب، أنهيا طعامهما

قال مالك وهو يمسح فمه بالمنديل

_ ودلوجت جه وقت الجزء التاني من الخروجة.

نظرت إليه بحيرة.

_ جزء تاني؟

ابتسم بمكر.

_ طبعًا مش معجول هتروحي فرح صاحب عمري من غير ما تكوني لابسة أحلى فستان في الدنيا يلا بينا.

❈-❈-❈

كانت صبر تجلس على المقعد في عيادة الطبيبة تفرك يديها بتوتر وهي تنتظر دورها. 

حين نادتها الممرضة دخلت بقلبٍ مقبوض تحمل هموم الدنيا فوق كتفيها. 

استقبلتها الطبيبة بابتسامة هادئة حاولت أن تبث بها بعض الطمأنينة

_ إزيك يا صبر، أخبارك إيه النهاردة؟ تعالي اتفضلي.

جلست صبر على المقعد أمام الطبيبة 

_الحمد لله يا دكتورة رغد.

سألتها 

_الحمل عامل ايه معاكي؟

ردت صبر بقلق

_بقالي فترة بيجيني وجع بيستمر فترة ويروح، وصداع ودوخة مستمرين.

طلبت منها الطبيبة ان تصعد على السرير

استلقت صبر على السرير المخصص للفحص وبدأت الطبيبة تمرر جهاز الأشعة على بطنها المنتفخة. 

كانت عينا صبر معلقتين بالشاشة تترقب رؤية طفلها، وأيضاً تتابع ملامح الطبيبة القلقة التي تمرر جهاز الأشعة 

الصمت في الغرفة كان ثقيلاً ومخيفاً تقطعه فقط أصوات الأجهزة الطبية، لم تعد صبر تحتمل هذا التوتر فسألت بصوت حاولت جاهدة أن تجعله ثابتاً

_فيه حاجة يا دكتورة؟ حضرتك ساكتة ليه؟

رفعت الطبيبة عينيها من على الشاشة ونظرت إلى صبر نظرة جادة زادت من خفقان قلبها.

_هو جوزك فين يا صبر؟ ليه كل مرة بتيجي لوحدك؟ أنا محتاجة أشوفه ضروري.

ابتلعت صبر ريقها بصعوبة وردت بصوت خفيض كأنها تعترف بسر مؤلم

_بس إحنا منفصلين يا دكتورة بقالنا فترة.

عقدت الطبيبة حاجبيها وقالت بحزم

_ولو منفصلين لازم يكون موجود معاكي الفترة الجاية الوضع مش بسيط وده ابنه برضه.

أنهت الطبيبة الفحص وساعدت صبر على النهوض ثم جلست خلف مكتبها وقالت بنبرة لا تحتمل الجدال

_اسمعيني كويس يا صبر انا مش هخبي عليكي لأن مفيش حد معاكي اعرفه، بصراحة حالتك صعبة أوي 

ضغطك عالي جداً ودي حاجة متطمنش أبداً في المرحلة دي من الحمل. 

الألم اللي بتحسي بيه ده ممكن يكون مؤشر خطر.

شعرت صبر بأن الأرض تميد بها وحاولت أن تكتم دموعها التي تجمعت في عينيها بقوة.

أكملت الطبيبة وهي تكتب في ورقة العلاج

_أنتِ لازم ترتاحي راحة تامة ومفيش أي مجهود نهائي لو الضغط فضل عالي بالشكل ده ممكن تدخلي في ولادة مبكرة وساعتها البيبي هيحتاج حضانة واحتمالات الخطر هتكون كبيرة.

أخذت صبر ورقة العلاج بيد مرتعشة بالكاد ترى الكلمات من خلال غشاوة الدموع التي أبت إلا أن تنزل على خديها بصمت.

نبهت عليها الطبيبة بصرامة أخيرة

_الأدوية دي تتاخد في مواعيدها والراحة أهم من أي حاجة تانية حياتك وحياة ابنك متوقفين على ده.


خرجت صبر من عيادة الطبيبة وهي تشعر بأن قدميها بالكاد تحملانها كانت الكلمات القاسية والمقلقة تتردد في أذنيها كطنين لا يتوقف "ولادة مبكرة" "حضانة" "خطر". 

جلست على أقرب مقعد في ممر المستشفى، تحاول أن تستجمع أنفاسها وتسيطر على الانهيار الذي يوشك أن يبتلعها.


في تلك اللحظة، أضاءت شاشة هاتفها باسم "ليان" ورن الهاتف بصوت عالٍ اخترق صمتها الحزين، مسحت دموعها بسرعة وحاولت تعديل نبرة صوتها قبل أن تجيب.

_ألو.

جاءها صوت ليان المبهج والقلق في آن واحد

_صبر! إيه يا حبيبتي طمنيني، الدكتورة قالتلك إيه؟ أنا قلبي واكلني عليكي من الصبح.


أغمضت صبر عينيها بقوة تأخذ نفسًا عميقًا لتمنع صوتها من الارتجاف وقالت بكذبة بيضاء

_جالتلي كله تمام الحمد لله شوية إرهاق عادي يعني عشان الحمل وكدة.

ردت ليان بارتياح واضح

_الحمد لله يا حبيبتي، طمنتيني كنت مرعوبة يكون فيه حاجة، طيب محتاجة أجيلك أو أعملك حاجة؟


أجابت صبر بسرعة وهي تنهض لتغادر المكان الذي شهد على مخاوفها

_لا لا يا ليان متجلجيش خالص، أنا زينة وهروح على البيت أرتاح شوية متشيليش هم.


أنهت المكالمة وأعادت الهاتف إلى حقيبتها وبمجرد أن تأكدت أن الخط قد أُغلق سمحت لدموعها بالهطول مرة أخرى وهي تسير وحيدة في الممر الطويل، تشعر بعبء العالم كله فوق كتفيها.


❈-❈-❈


عاد جاسر إلى السرايا في وقت متأخر من الليل، كعادته منذ أن أُجبر على إتمام زواجه من شروق

كان يهرب من هذا البيت من هذا الجناح ومن هذه المرأة التي أصبحت زوجته على الورق فقط. 

كل ليلة كان يأمل أن يجدها نائمه ليتسلل إلى الأريكة في غرفة المعيشة وينام هناك لكنها كانت دائماً تنتظره.


في تلك الليلة ما إن فتح باب غرفة النوم حتى تجمد في مكانه. 

لم تكن تنتظره كالعادة بملابسها العادية بل كانت تقف أمام المرآة، وقد أعدت له فخاً متقناً. 

كانت ترتدي قميص نوم من الحرير الأسود، يكشف أكثر مما يستر وشعرها منسدل على كتفيها بطريقة مدروسة، ورائحة عطرها القوية تملأ المكان.

استدارت إليه ببطء وعلى شفتيها ابتسامة إغراء واثقة.

_ حمد لله على السلامة يا حبيبي اتأخرت النهاردة.

لم يرد جاسر بل أغلق الباب خلفه بهدوء وظل واقفاً في مكانه، ينظر إليها بنظرة باردة لم تستطع اختراقها.

_صاحية ليه؟

اقتربت منه بخطوات متمايلة ووضعت يديها على صدره.

_ كنت مستنياك معجولة حبيبي يرچع ومكنش في انتظاره؟

أبعد يديها عنه ببرود.

_ جولتلك ميت مرة متستنينيش روحي نامي.

لكن شروق لم تكن تنوي الاستسلام هذه الليلة بعد حديثها مع والدتها

قالت بصوت هامس ومغناج.

_ ولحد ميتى يا جاسر؟ 

لحد ميتى هنفضل إكده؟ إحنا متچوزين وأنا مرتك، وده حجي وإنت... إنت كمان ليك حج.

مررت أصابعها على صدره مرة أخرى، ثم على رقبته وهي تقترب منه أكثر.

_ إنت واحشني جوي.

في العادة، كان سيدفعها بعيداً ويخرج من الغرفة. 

لكن هذه المرة كان مرهقاً ومحطماً ومشتاقاً. 

عندما أغمض عينيه للحظة ليهرب من نظراتها، لم يعد يرى شروق

لقد حلت محلها صورة أخرى... صورة "نغم".

فتح عينيه ببطء

رأى نغم أمامه ببرائتها، بخجلها، بنظرة الحب التي رآها في عينيها في تلك الليلة الوحيدة. 

شعر بنفس اللهفة، بنفس الشوق الجارف الذي يشعر به كلما تذكرها عقله كان يعلم أنها شروق، لكن قلبه وروحه كانا يصرخان باسم "نغم".


دون وعي منه، استجاب لجسده الخائن. 

رفع يديه المرتعشتين ووضعهما على خصرها وجذبها إليه بقوة. 

شهقت شروق بانتصار معتقدة أنها نجحت أخيراً.


دفن جاسر وجهه في عنقها، يستنشق رائحة عطرها، لكنه كان يتخيل رائحة "نغم" الطبيعية.

همس بصوت متحشرج لكن الكلمة لم تكن موجهة لها.

_ وحشتيني...

احتضنها بقوة كأنه يحتضن طيفاً يخشى أن يختفي شعرت شروق بقوة مشاعره، فتشبثت به أكثر وظنت أنها امتلكته.

بدأ جاسر يقبل عنقها بلهفة، قبلات ضائعة تبحث عن صاحبتها الحقيقية كان في عالم آخر، عالم لا وجود فيه لـ شروق عالم يسكنه هو و"نغم" فقط.

رفع رأسه ببطء وعيناه نصف مغمضتين، وقد استبد به الشوق


مال نحو شفتيها كان على وشك أن يقبلها أن يختم هذه اللحظة الخائنة بقبلة.

لكنه في الثانية الأخيرة، فتح عينيه بالكامل.

الصورة تبددت

الحلم تلاشى، لم تكن "نغم" هي التي بين ذراعيه كانت شروق تنظر إليه بلهفة وانتصار.

شعر بصدمة عنيفة كمن أفاق من كابوس ليجد نفسه في حقيقه

شعر بالاشمئزاز من نفسه ومنها، ومن ضعفه.

دفعها بعيداً عنه فجأة وبقوة، حتى أنها ترنحت وكادت تسقط.

_ إنتِ...


نظر إليها باشمئزاز وقرف، كأنه ينظر إلى حشرة سامة. 

لم يستطع حتى أن يكمل جملته استدار بسرعة وخرج من الغرفة، وصفق الباب خلفه بقوة هزت أركان الجناح.

تركها واقفة في منتصف الغرفة، ترتجف من الصدمة والغضب والإهانة، وقد أدركت للتو أنها مهما فعلت فإنها لن تستطيع أبداً أن تمحو طيف "نغم" من قلبه.


❈-❈-❈


في شرفة مكتبه الواسعة وقف جاسر كصقر جريح، لم يعد يرى الحديقة أو أضواء المدينة البعيدة كل ما كان يراه هو وجهها وهي تبتعد، وصدى كلماتها الأخيرة يتردد في أذنيه: 

"اخرج من حياتي".


أمسك هاتفه بيد ترتجف قليلاً وهو الذي لم ترتجف يده يوماً حتى وهو يواجه الموت بحث عن اسمها الذي استطاع الوصول إليه بعد عناء "نغم"، وضغط على زر الاتصال.


رنة... اثنتان... ثلاث... ثم انقطع الخط لقد رفضت المكالمة.

شعر بطعنة باردة في صدره لكنه لم يستسلم ضغط مرة أخرى نفس النتيجة

رفض 

ومرة ثالثة، ورابعة كل رفض كان كصفعة على وجهه تذكره بالمسافة الهائلة التي أصبحت تفصلهما.


أغمض عينيه بقوة وأخذ نفساً عميقاً محاولاً السيطرة على الإعصار الذي يعصف بداخله الاتصال لن يجدي هي تعلم أنه هو ولن تسمح لصوته بأن يخترق دفاعاتها مرة أخرى. 

لم يبقى أمامه سوى الكلمات المكتوبة.

فتح نافذة الرسائل وبدأ يكتب ثم يمسح ثم يكتب مرة أخرى. 

كيف يمكن أن يختصر ستة أشهر من الجحيم في بضعة أسطر؟ كيف يعبر عن حبه دون أن يبدو ضعيفاً، وعن ألمه دون أن يبدو مهزوماً؟


أخيراً استقر على كلمات تجمع بين شموخه كـ "جاسر التهامي" وضعفه كـ "رجل يحب". 

كلمات لا تطلب بل تعلن لا تتوسل بل تضع الحقيقة أمامهما.


في غرفة نغم


كانت نغم تجلس على سريرها تضم وسادة بقوة ودموعها قد جفت تاركة وراءها شعوراً بالفراغ. 

كان هاتفها يهتز بجانبها مرة بعد مرة ورقمه الاي تحفظه جيداً يضيء الشاشة في كل مرة. 

مع كل اهتزاز كان قلبها ينقبض وجزء منها يصرخ بها لترد، وجزء آخر أقوى كان يضغط على زر الرفض بقسوة.


بعد أن توقفت المكالمات تنهدت بارتياح ممزوج بالخسارة. 

لكن بعد لحظات أضاءت الشاشة مرة أخرى معلنة وصول رسالة.


ترددت 

كانت تعلم أن قراءة هذه الرسالة ستكون خطأ كانت تعلم أنها ستفتح جرحاً بدأ للتو في الالتئام لكنها لم تستطع المقاومة.

بحذر فتحت الرسالة وبالفعل كانت منه.

قرأت الكلمات ببطء وكل كلمة كانت تخترق درعها الواهي:

"رفضك لمكالماتي مش هيغير الحقيقة، صوتي ممكن تحجبيه لكن وجودي محفور في روحك زي ما هو محفور في روحي، أنتي بتكدبي على نفسك لو فاكرة إنك تقدري تمحيني. 

أنا مش جزء من ماضيكي يا نغم، أنا قدرك، كل يوم بيمر وإنتي بعيدة هو يوم ضايع من عمرنا مش من عمري لوحدي، لسة عندي أمل... مش إنك تسامحيني، الأمل إنك تبطلي تحاربي الحقيقة الوحيدة اللي بيننا لما تتعبي من الهروب... أنا موجود."


لم تكن رسالة اعتذار لم تكن رسالة توسل، كانت إعلاناً صارخاً بالملكية ليس ملكية جسد بل ملكية قدر مشترك. 

لم يقل "ارجعيلي" بل قال "أنا موجود" واضعاً الكرة في ملعبها ومؤكداً لها أنه لن يذهب إلى أي مكان. 

لقد ذكّرها بأنها ليست مجرد ضحية بل هي الطرف الآخر في معادلة حبهما وأن هروبها هو هروب من نفسها أيضاً.


أغلقت الهاتف ووضعته بعيداً عنها كأنه قطعة من الجمر ثم انفجرت في بكاء مرير، لم تكن تبكي من كلماته بل كانت تبكي من صدقها كانت تبكي لأنها تعلم أنه على حق كانت تبكي لأنها ورغم كل شيء كانت تتمنى أن تكون لديها الشجاعة لتتوقف عن الهروب.


❈-❈-❈


كان صخر التهامي يجلس في مكتبه الفخم، لكن فخامة المكان لم تكن تعكس العاصفة التي تدور في عقله لقد أصبح جاسر لغزاً، قوة لا يمكن السيطرة عليها وهذا ما كان يقلقه أكثر من أي شيء آخر.

انفتح الباب ودخلت ابنته شروق لم تكن تلك الفتاة المتكبرة التي يعرفها الجميع

كانت ملامحها تحمل مرارة الهزيمة، وعيناها محمرتان من بكاء مكبوت. أغلقت الباب خلفها ووقفت أمامه كطفلة تائهة

قال صخر بصوت أجش دون أن يرفع عينيه عن الأوراق التي يتظاهر بقراءتها

_خير؟ 

انفجرت شروق ولم تعد قادرة على التحمل.

_لحد ميتى يا بوي؟ لحد ميتى هفضل في الإهانة دي؟

رفع صخر نظره ببطء ونظراته الباردة كانت تحمل سؤالاً صامتاً.

أكملت شروق بصوت يرتجف من القهر

_جاسر... بيعاملني كأني هوا كأني حتة من أثاث الأوضة مبيكلمنيش، ولو بصلي بيبصلي بجرف، لسة بيحبها يا بوي... لسة بيحب بت الرفاعي دي! أني بسمعه بالليل بينادي اسمها وهو نايم.


كانت كل كلمة من كلماتها تزيد من اشتعال النار في صدر صخر، لم يكن الأمر يتعلق بمشاعر ابنته بقدر ما يتعلق بسلطته هو التي تتآكل جاسر لم يتحدى نفوذه في العمل فقط بل تحدى قراره الشخصي بزواجه من ابنته، وجعل من هذا الزواج إهانة علنية له.

قال صخر بصوت هادئ ومخيف هدوء يسبق العاصفة

_انتي اتچوزتيه عشان تكسريها وتملكي جاسر، مش عشان تعيطي كيف الولاية إكدة.

ردت شروق بيأس

_وأني أعمل إيه؟ هو مش شايفني واصل، كل تفكيره معاها من يوم ما هربت وهو ميت بالحيا، بيدور عليها زي المجنون ولو لجاها اني واثقة انه هيرچعها له.... 

أني خايفة يرجعها ويرميني.

هنا طرح صخر السؤال الحاسم السؤال الذي سيحدد كل شيء نظر في عينيها مباشرة وبنبرة لا تحتمل الكذب سأل

_لمسك؟

تجمدت شروق في مكانها وشعرت بالدم يندفع إلى وجهها لم تكن إهانة فقط، بل كانت تأكيداً لفشلها كامرأة وكزوجة. 

أطرقت رأسها وقالت بصوتٍ خافت، صوت مليء بالخجل والإحراج.

_لا.

سقطت كلمة "لا" في صمت المكتب كصخرة

لم يصرخ صخر ولم يغضب بل على العكس ارتسمت على وجهه ابتسامة باردة ومخيفة لقد تأكد الآن

جاسر لم يعد مجرد شاب متمرد بل أصبح عدواً داخل الجدران. 

لقد عصى أمره الأهم وتحدى رجولته وسلطته ككبير للعائلة. 

لقد أعلن الحرب عليه دون أن ينطق بكلمة

أدرك صخر في تلك اللحظة أن جاسر قد خرج عن طوعه تماماً، لم تعد هناك سيطرة عليه، لقد بنى مملكته الخاصة وأصبح هو الملك ولم يعد يعترف بسلطة أحد فوقه.

قال صخر بهدوء وهو ينهض من كرسيه ويقف أمام النافذة ينظر إلى ممتلكاته الشاسعة.

_خلاص.

نظرت إليه شروق بحيرة

_خلاص إيه يا بوي؟

استدار نحوها وفي عينيه كانت هناك قسوة لا تعرف الرحمة

_خلاص، جاسر اختار طريقه وجه الوقت اللي يعرف فيه إن كل طريق وليه نهاية

وإن اللي بيعصى صخر التهامي... بيكتب نهايته بإيده.

لم تكن كلماته تهديداً بل كانت حكماً قد صدر، لقد قرر صخر أن يقتلع هذا التمرد من جذوره، حتى لو كان هذا الجذر هو ابن أخيه الذي رباه بنفسه. 

المعركة القادمة لن تكون ضد عائلة الرفاعي، بل ستكون داخل جدران هذا البيت.


❈-❈-❈


قاد مالك سيارته في شوارع القاهرة الراقية، حتى توقف أمام واجهة زجاجية أنيقة لمحل صغير لا يحمل اسمًا كبيرًا، لكنه كان يبدو فخمًا وذوقه رفيع. 

كانت الفساتين المعروضة في الواجهة قليلة لكن كل قطعة منها كانت تبدو كتحفة فنية.

ترجل مالك وفتح لها الباب.

_ إيه رأيك؟ المحل ده حاچته كلها مستوردة ومميزة.

نظرت روح إلى المكان بإعجاب.

_ شكله يجنن.

دخلا معًا 

كان المحل من الداخل أكثر جمالاً، ديكوره بسيط ودافئ، والملابس معلقة بعناية فائقة.


كانت هناك سيدة أنيقة تتفحص فستانًا، وتقف أمامها فتاة تساعدها ظهرها لهما. 

كانت الفتاة تتحدث بهدوء وثقة

_ اللون ده يا فندم هيليج جدًا على حضرتك، وقصته جديدة ومختلفة.

تجمد مالك في مكانه هذا الصوت... هو يعرفه جيدًا.

في تلك اللحظة استدارت الفتاة لتضع الفستان على الشماعة مرة أخرى فوقعت عيناها على مالك وروح الواقفين عند الباب.

اتسعت عيناها بصدمة، وتوقفت الكلمات في حلقها.

لم تكن سوى صبر.

صبر الفتاة التي كانت زوجة لى أكمل صديقه، تقف الآن في قلب القاهرة في محل راقي ترتدي ملابس بسيطة، وتتعامل مع الزبائن بمهارة وثقة لم يعهدها فيها من قبل.


انصدم مالك تمامًا لم يكن يتوقع أبدًا أن يراها هنا. 

كيف؟ ومتى؟ ولماذا؟ آلاف الأسئلة دارت في رأسه في لحظة واحدة

نظر إلى روح التي كانت تنظر إليه باستغراب، ثم عادت ونظرت إلى الفتاة التي تجمدت في مكانها، ولم تفهم سبب هذه الصدمة المتبادلة.


لقد جاء ليشتري فستانًا لزوجته، فوجد نفسه وجهًا لوجه مع الفتاة التي كسرت قلب صديقه لقد أصبح العالم فجأة... صغيرًا جدًا.

لكن ما صدمه أكثر هو جوفها الممتلئ

_حامل؟!

يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا الخولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة