رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 39 - جـ 1 - السبت 20/9/2025
قراءة رواية ثنايا الروح كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ثنايا الروح
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا الخولي
الفصل التاسع والثلاثون
الحزء الأول
تم النشر السبت
20/9/2025
كانت نغم تقف أمام المرآة الطويلة في غرفة النوم، تضع اللمسات الأخيرة على حجابها.
كانت تحاول بتركيز أن تضبطه بشكل مثالي، فاليوم يوم مهم ولا تريد أي شيء أن يشتت انتباهها.
كانت قد ارتدت ملابس بسيطة ومحتشمة لكنها كانت تشعر بأنها مختلفة، كأن هالة من السعادة تحيط بها.
في تلك اللحظة انفتح باب الحمام وخرج جاسر.
كان قد انتهى لتوه من حمامه ويرتدي فقط مئزار الحمام الداكن الذي كان بالكاد يغطي جسده الرياضي، وشعره مبلل قليلاً.
سار بهدوء وثقة وتوقف بجانبها تماماً أمام المرآة لم يقل شيئاً فقط أخذ مشطاً من على منضدة الزينة، وبدأ يمرره في شعره بحركة بطيئة ومدروسة متظاهراً بالانهماك التام في تسريح شعره لكن نغم التي أصبحت تحفظ حركاته، شعرت بنظراته الجانبية تلتهمها من خلال انعكاس المرآة.
رفعت عينيها لتلتقي بعينيه في المرآة، فوجدته يبتسم لها تلك الابتسامة الجانبية الماكرة ثم وبحركة سريعة وخاطفة، غمز لها بعينه اليمنى.
لم تستطع نغم أن تمنع نفسها انفجرت في ضحكة خافتة ضحكة صافية خرجت رغماً عنها لقد كان هذا وجهاً جديداً تماماً لجاسر وجهاً لم تكن لتتخيل وجوده جاسر القاسي الشامخ، يغمز لها بمرح كالمراهقين.
فهمت على الفور ما وراء نظرته، فتصنعت الجدية وقالت بنبرة تحمل تحذيراً مصطنعاً وهي لا تزال تنظر إلى انعكاسه في المرآة.
_ لأ مش هيحصل.
ترك جاسر المشط ومال نحوها قليلاً متظاهراً بالحيرة والدهشة.
_ مش هيحصل إيه؟
_ اللي في دماغك ده أنا خلاص لبست ومش هغير تاني.
قالتها وهي تحاول أن تبدو حازمة لكن ابتسامة خفيفة كانت تهدد بالظهور على شفتيها.
اقترب منها أكثر ويداه الآن تستندان على منضدة الزينة على جانبيها، حاصراً إياها بينه وبين المرآة.
_ وأنا إيه اللي في دماغي؟ أنا مش فاهم حاولي تفهميني اكده، يمكن أكون تجيل في الفهم شوية.
كان صوته هامساً ومشاكساً وأنفاسه الدافئة تلفح عنقها مما جعلها تشعر بارتباك لذيذ.
أدركت أنها لو استمرت في هذه اللعبة ستخسر بالتأكيد.
فقررت أن تستخدم سلاحها الوحيد.
_ جاسر لو اتأخرت على الامتحان، أو روحت وأنا مش مركزة هتبقى أنت السبب.
عندما سمع كلمة "الامتحان"، تغيرت ملامحه قليلاً تنهد تنهيدة طويلة تحمل يأساً مصطنعاً وابتعد عنها ببطء رافعاً يديه في حركة استسلام مسرحية.
_ خلاص خلاص الامتحان أهم، عادي تتعوض.
اتجه نحو خزانة الملابس ليختار ملابسه وهو يقول بصوت مسموع، وكأنه يكلم نفسه لكنه كان يقصدها هي.
_ وأنا اللي كان قصدي شريف كنت بس بتأكد إن الحجاب مظبوط ولا لأ.
لم تعد تستطع التحمل فانفجرت في الضحك مرة أخرى التفت إليها وهو يخرج قميصاً، وعلى وجهه ابتسامة انتصار، لأنه نجح في إضحاكها مرة أخرى لقد اكتشفت فيه شخصية جديدة اليوم شخصية مرحة تعرف كيف تداعبها وتجعلها تضحك من قلبها، وأدركت أن كل يوم تقضيه معه، هو رحلة جديدة لاكتشاف رجل لم تكن تعرف بوجوده.
ارتدى ملابسه بسرعة، ثم وقف أمامها مرة أخرى وقد أصبح بكامل أناقته المعهودة، لكن عينيه لم تكن عليه بل كانت مثبتة عليها بالكامل.
_جاهزة؟
أومأت برأسها وهي تلتقط حقيبتها محاولة تجاهل النبض المتسارع في قلبها تحت وطأة نظرته.
_جاهزة.
سارا معاً نحو الباب لكن قبل أن تلمس يدها المقبض تحرك هو ووقف أمامها مانعاً طريقها بجسده.
توقف فجأة واستدار نحوها
تغيرت نظراته المرحة إلى شيء آخر تماماً شيء أعمق وأكثر كثافة، كانت نظرة رجل يقف على حافة الهاوية ويرى خلاصه أمامه.
_نغم.
نطق اسمها كأنه الكلمة الوحيدة التي يعرفها.
_نعم؟
لم يجب فقط ظل ينظر إليها يتفحص كل تفصيل في وجهها، كأنه يحاول أن يحفر صورتها في ذاكرته أن يختزنها في روحه لتكون وقوده لبقية اليوم.
ثم وكأنه لم يعد يحتمل قال بصوتٍ أجش ومبحوح صوت رجل يصارع نفسه
_مش هجدر.
وقبل أن تفهم ما يعنيه كان قد قطع المسافة بينهما، لم تكن حركة سريعة أو عنيفة كانت حركة رجل ينجذب إلى مغناطيسه الوحيد رغماً عنه.
وضع يده برفق خلف عنقها وأمال رأسها قليلاً ثم انحنى وقبلها.
لم تكن قبلة مشاكسة أو مرحة ولم تكن قبلة شهوة، كانت قبلة ارتواء قبلة رجل كان يتضور جوعاً وعطشاً، ووجد أخيراً مصدر الحياة كانت قبلة عميقة طويلة، وبطيئة تحمل كل حبه وشوقه وكل خوفه من فقدانها.
كانت قبلة رجل شعر بأنه لو تركها تذهب دون أن يذوق طعم شفتيها، فإن روحه ستظل ناقصة معلقة بين السماء والأرض، كانت قبلة يختم بها على قلبه يؤكد لنفسه أنها حقيقية أنها ملكه، أنها هنا.
ابتعد عنها ببطء شديد وأسند جبينه على جبينها وأنفاسهما تتلاحق وتختلط، أغمض عينيه كأنه يستجمع شتات نفسه بعد تلك اللحظة التي فقد فيها السيطرة.
_آسف بس كان لازم.
أغمضت عينيها هي الأخرى وشعرت بقلبها يذوب تماماً، لم تعد قادرة على الغضب منه لم تعد قادرة على أي شيء سوى الاستسلام لهذا الشعور الجارف.
همست بصوتٍ بالكاد يُسمع صوت امرأة استسلمت تماماً
_احنا اكدة هنتأخر على الطيارة وعلى الامتحان.
ابتسم ابتسامة تحمل كل الحب والرضا في العالم ابتعد قليلاً وقبلها قبلة خفيفة على وجنتها
_متجلجيش هوصلك في معاده بالظبط بس المرة الچاية... مفيش امتحانات.
ثم أمسك بيدها وشابك أصابعه بأصابعها بقوة، كأنه يخشى أن تضيع منه في المسافة القصيرة إلى السيارة.
فتح الباب وخرجا معاً تاركين وراءهما غرفة مشبعة بالضحك والحب وبداية يوم جديد في رحلة اكتشافهما لبعضهما البعض.
❈-❈-❈
كانت السيارة تشق طريقها بهدوء وسلاسة على الطريق السريع المؤدي إلى البلدة
في الخارج كانت المناظر الطبيعية تتغير تدريجياً من صخب المدينة إلى هدوء الأراضي الزراعية أما في الداخل فكان هناك عالم آخر عالم خاص بنغم وجاسر.
كانت نغم تحاول جاهدة أن تركز الكتاب مفتوح وعيناها مثبتتان على السطور، لكن عقلها كان في مكان آخر تماماً
كانت الكلمات تتراقص أمامها بلا معنى والحروف تفقد قدرتها على تشكيل جمل مفهومة.
كل ما كانت تفكر فيه هو الأيام القليلة الماضية ذلك التحول الدراماتيكي في حياتها وفي شخصية الرجل الذي يجلس بجانبها الآن، ويقود السيارة بيد واحدة بمنتهى الثقة والهدوء.
تنهدت بيأس وأغلقت الكتاب بقوة أكبر من اللازم مما لفت انتباهه.
_ مش فاهمة حاچة.
قالتها بصوت خافت يرتجف من الإحباط.
_ كل اللي ذاكرته... حاسة إنه اتمسح من دماغي أنا هدخل الامتحان أسجط.
بدأت الدموع تتجمع في عينيها دموع القلق والعجز لم يلتفت إليها جاسر على الفور، بل ظل ينظر إلى الطريق أمامه لكن يده الأخرى تركت عجلة القيادة لتجد يدها وتضغط عليها برفق وقوة في آن واحد.
_ بصيلي.
قالها بنبرة هادئة وحاسمة، نبرة لا تحتمل الشك.
رفعت نغم عينيها المبللتين نحوه ابتسم لها ابتسامة جانبية واثقة، تلك الابتسامة التي كانت تملك قدرة غريبة على إعادة ضبط عالمها.
_ مفيش حاچة اسمها هتسجطي أنتِ تعبتي وذاكرتي، والمعلومات دي كلها موچودة چوه دماغك بس الجلج عامل عليها غيامة أول ما هتمسكي ورجة الأسئلة، كل حاچة هتفتكريها أنا واثق فيكي.
لم تكن كلماته مجرد تشجيع عابر، بل كانت كإصدار حكم نهائي لقد أصدر قراره بأنها ستنجح، وبطريقته جعلها تصدق ذلك شعرت بموجة من الطمأنينة تسري في جسدها تمحو القلق الذي كان يسيطر عليها هذا هو تأثيره تأثير قوته التي أصبحت الآن مصدر أمانها.
سحبت يدها بهدوء ومسحت دموعها، لكنها لم تبعد عينيها عنه ظلت تتأمل ملامحه الجانبية خط فكه الحاد الطريقة التي تتركز بها عيناه على الطريق، وذلك الشموخ الذي لم يفارقه حتى وهو يطمئنها.
لاحظ نظراتها الطويلة فألقى عليها نظرة خاطفة قبل أن يعود للنظر إلى الطريق.
_ بتبصيلي كده ليه؟
تنهدت نغم تنهيدة طويلة، كأنها تخرج معها كل حيرتها ودهشتها.
_ مش مصدجة.
_ مش مصدجة إيه؟
_ مش مصدجة إنك أنت هو جاسر
جاسر اللي خطفني وعذبني، اللي كان كل همه يكسرني مش متخيلة إننا هنا دلوجت مع بعض، وكأن كل الظروف اللي حوالينا دي مش موچودة وحبينا بعض عادي.
صمت جاسر للحظات وكأنه يسترجع شريط حياته هو الآخر.
تغيرت ملامحه قليلاً، وأصبحت أكثر عمقاً.
_ وأنا كمان متخيلتش حاچة زي دي.
قال بصوت هادئ يحمل صدقاً نادراً.
_ أنا اتربيت على إن الحب ضعف، وإن الحنية قلة حيلة اتربيت على إن الجوة هي كل حاچة، وإن تارنا هو اللي بيحدد جيمتنا.
كنت ماشي في طريج كله سواد وكنت فاكر إن ده هو النور.
أدار رأسه ونظر في عينيها مباشرة للحظة نظرة اخترقت روحها.
_ لحد ما ظهرتي أنتِ، أنتِ الوحيدة اللي جدرتِ تروضِي الشر اللي كان چوايا الشر اللي اتربيت عليه بعنادك، بجوتك، وحتى بدموعك كنتِ بتخبطي في الجدار اللي أنا بانيه حوالين جلبي، لحد ما هديتيه أنتِ مسحتي كل السواد ده من حياتي، وخليتيني أشوف الدنيا بشكل مختلف.
عجزت نغم عن الكلام كانت كلماته اعترافاً كاملاً، شهادة ميلاد جديدة له كان الفضل فيها لها.
_ أنا حبيتك يا نغم مش "حبيتك عادي" أنا حبيتك كأني كنت غرقان ولجيت طوج النجاة الوحيد بتاعي عشان اكده مستحيل أسيبك تاني.
أعاد يده ليمسك بيدها مرة أخرى، وشبك أصابعه بأصابعها بقوة في تلك اللحظة، على ذلك الطريق السريع، لم يكونا مجرد رجل وامرأة، بل كانا عالمين اصطدما وبدلاً من أن يدمرا بعضهما البعض، اندمجا ليخلقا عالماً جديداً خاصاً بهما وحدها عالماً لا مكان فيه للماضي بل للمستقبل الذي سيبنيانه معاً.
❈-❈-❈
كان أكمل يقف في صالة الشقة كامل الأناقة في بدلته، لكن هدوءه الخارجي كان يخفي قلقاً ونفاد صبر، كان يلقي نظرة على ساعة يده كل عشر ثواني ثم ينظر نحو باب غرفة النوم المغلق لقد تأخر عن عمله لكن الأهم من ذلك أنه لا يريد لصبر أن تتأخر عن امتحانها.
أخيراً انفتح الباب ببطء خرجت صبر ترتدي ملابس بسيطة ومريحة ويبدو على وجهها الإرهاق الممزوج بالإصرار، كانت والدته تسندها بذراعها، وتساعدها على المشي بخطوات بطيئة وحذرة.
ما إن رآهما حتى أطلق زفيراً طويلاً وارتسمت على وجهه ابتسامة ارتياح
_ أخيراً، أنا قلت هتطلعوا على صلاة الضهر.
نظرت إليه نسرين نظرة عتاب أمومية، وهي تواصل السير بصبر نحو باب الشقة.
_ ما أنا قولتلك من الصبح روح شغلك وأنا وباباك كنا هنوصله ونجبها مكنش له لازمة تعطل نفسك.
اقترب أكمل منهما وتناول يد صبر الأخرى برفق كأنهما يسلمان مهمة ثمينة.
_ لأ أنا اللي عايز أوديها بنفسي.
قالها بنبرة حاسمة لا تقبل الجدال لكن عينيه كانتا تنظران إلى صبر بحنان فضح كل قلقه.
وقفت نسرين أمامهما عند الباب وتحولت فجأة من الأم الحنون إلى الطبيبة الصارمة التي تعطي تعليماتها
_ اسمعني كويس يا أكمل أولاً، هتسوق براحة مش عايزة مطبات ولا فرامل مفاجئة ثانياً مش هتجهدها بالكلام الكتير، سيبها تراجع في دماغها بهدوء ثالثاً، أول ما توصل هتنزل معاها لحد باب اللجنة مش هتسيبها لوحدها مفهوم
أومأ أكمل برأسه كالتلميذ المطيع وهو يبتسم لوالدته التي أصبحت حامية حمى زوجته وحفيدها.
_ مفهوم يا دكتورة نسرين أي أوامر تانية؟
_ أيوه خلي بالك منها.
قالتها بنبرة عادت فيها حنية الأم ثم انحنت وقبلت جبين صبر.
_ ربنا معاكي يا بنتي.
أخذ أكمل صبر ونزل بها إلى السيارة فتح لها الباب وانتظر حتى جلست بشكل مريح ثم أغلقه برفق ودار ليجلس في مقعده.
بمجرد أن انطلقت السيارة، ساد صمت مريح التزاماً بتعليمات والدته لكن أكمل لم يستطع كان يختلس النظر إليها كل بضع ثوانٍ كانت تبدو شاحبة، لكن في عينيها بريق قوة لم يره من قبل.
مد يده وأمسك بيدها التي كانت تستقر على ساقيها.
_ خايفة؟
سألها بصوت هامس.
هزت رأسها بنفي وابتسمت له.
_ مش وأنت معايا.
ضغط على يدها برفق وشعر بقلبه يمتلئ بحب لم يكن ليتخيل أنه قادر عليه.
_ أنا فخور بيكي أوي يا صبر فخور بقوتك وإصرارك.
تورد خداها من كلماته وشعرت بدفء يسري في جسدها.
_ الفضل ليك أنت اللي اديتني القوة دي.
عندما وصلا إلى الجامعة، لم يكتفِ بإنزالها عند البوابة أوقف السيارة ونزل معها وسار بجانبها، ذراعه حول خصرها يسندها، غير مهتم بنظرات الطلاب الفضولية.
كان يمشي ببطء يتناسب مع خطواتها، كأنه حارسها الشخصي.
ظهرت ليان وهي تقول بمرح
_فعلا من لقى أحبابه.
ابتسم أكمل لها بامتنان
_لأ ازاي انا اللي بسلمها ليكي اهه، بس دي أمانه
_ماشي يا سيدي واحنا قدها.
أخذت يد صبر وقالت
_انا معها متقلقش.
أومأ أكمل بثقة
_عارف وواثق
نظر لصبر وقال
_ اول ما تخلصي رني عليا آجي أروحك.
انحنى وقبل جبينها قبلة طويلة دافئة تحمل كل دعواته وأمنياته لها.
_ بالتوفيق يا قلبي.
دخلت صبر إلى القاعة وشعرت بأنها ليست وحدها شعرت بقوته تحيط بها، وبحبه يمنحها الأمان.
❈-❈-❈
كان المكتب الفخم غارقاً في دخان السيجار الكوبي باهظ الثمن
جلس "هاشم عزامي" رجل في أواخر الخمسينيات من عمره يرتدي بدلة أنيقة تفوح منها رائحة الثروة والنفوذ وجهه هادئ لكن عينيه تحملان برودة قادرة على تجميد الجحيم.
يجلس صخر التهامي امامه لكنه على غير عادته لم يكن في موضع القوة كان يبدو متوتراً وعيناه تتحركان بقلق أمامه على المقعد الوثير
ضرب هاشم بكف يده على المكتب ضربة خفيفة لكنها كانت كصوت طلقة في سكون المكتب.
_ ازاي الأرض دي مش عارف تخلصها لحد دلوقتي؟!
قالها بانفعال بارد ومحسوب انفعال رجل لا يطيق الانتظار.
_ أنا صبري نفد يا صخر بقالنا سنين بنخطط للموضوع ده
حاول صخر الحفاظ على رباطة جأشه أمام هذا الرجل.
_ يا هشام بيه الأمور اتعجدت.
أنا عملت كل اللي عليا عيلة الرفاعي خلاص اتنازلوا عن حجهم في الأرض بعد اللي حصل ومبجاش ليهم صوت.
نظر إليه هاشم بسخرية وأطلق نفخة من دخان سيجاره.
_ ومين اللي له صوت دلوقتي؟
قال صخر بتوتر واضح
_ جاسر... ابن أخويا هو اللي متحكم في كل حاجة، الأرض باسمه بعجد عرفي من أبويا وهو اللي رافض يبيعها بيجول إنها أرض وضع يد من أيام جدي، وإن كرامة العيلة متسمحش إنها تتباع.
انفجر هاشم ضاحكاً ضحكة عالية لم تكن تحمل أي مرح، بل كانت تحمل استهزاءً عميقاً.
_ كرامة العيلة؟
قالها وهو يميل بجسده إلى الأمام، وعيناه مثبتتان على صخر كعيني صقر يوشك أن ينقض على فريسته.
_ أنت لسه بتتكلم عن الكرامة يا صخر؟ الكرامة دي أنا اللي دفنتها لك بإيدي يوم ما حطيت في دماغك فكرة التار.
تجمد الدم في عروق صخر نظر إلى هاشم بعدم تصديق.
_ قصدك إيه؟
نهض هاشم من مكانه وبدأ يسير ببطء في أرجاء المكتب.
وقف أمام صخر مباشرة وانحنى عليه وصوته أصبح كالهمس السام.
_ أنا اللي كملت التار ده كله بعد ما اتوقف... عشان في الآخر نخلص من عمك وبعدها أخوك وتضعفوا وتيجي أنت في الآخر تقدملي نص الأرض التاني على طبق من دهب
النص ده لوحده مبقاش جايب همه وخلاص مهمته انتهت كل اللي يهمني انك تسلمني الجزء التاني بتاع الرفاعية.
كانت كل كلمة سكيناً يغوص في كبرياء صخر ويدمره
لكنه مجبر على تحمله لأجل المكاسب التي وعده بها ذلك الرجل
_ ودلوقتي...
أكمل هاشم وهو يعود إلى مقعده ببرود.
_ ابن أخوك هو اللي واقف في طريقي بس ده مش هيدوم كتير.
زي ما عرفت أزرع التار، هعرف أزرع الرصاصة اللي هتخلصني منه.
نظر إلى صخر وتابع
_ قدامك حل من اتنين يا صخر، يا تقنعه يبيع الأرض دي خلال أسبوع باسمي عشان اعرف اتصرف فيها، يا إما هعتبرك أنت كمان عقبة في طريقي.
وأنت عارف كويس أنا بعمل إيه في العقبات اللي بتقف قدامي.
أطفأ هاشم سيجاره في المنفضة الكريستالية بحركة عنيفة ونهائية، ثم نهض ونفض سترته وغادر المكتب تاركاً صخر وحيداً، يفكر في تهديد هاشم.
❈-❈-❈
كانت آخر دقيقة في وقت الامتحان هي الأطول في حياة نغم ما إن أعلن المراقب عن انتهاء الوقت حتى سلمت ورقتها وشعرت بجبل من القلق قد أزيح عن صدرها خرجت من القاعة بخطوات سريعة وعيناها تبحثان عنه في لهفة بين جموع الطلاب.
ورأته.
كان واقفاً مستنداً إلى سيارته مكتوف الذراعين يرتدي نظارته الشمسية التي تخفي عينيه لكنها لا تخفي هيبته الطاغية، كان كجزيرة من الهدوء والقوة في خضم فوضى الطلاب الصاخبة ما إن رآها تقترب حتى اعتدل في وقفته، وخلع نظارته وارتسمت على شفتيه تلك الابتسامة الواثقة والجميلة التي أصبحت تذيب كل دفاعاتها.
سارعت بخطواتها نحوه وبمجرد أن أصبحت أمامه لم تنتظر منه أن يسأل.
_ حليت كويس أوي.
قالتها بفرحة طفولية وعيناها تلمعان
فتح لها باب السيارة كالأمراء.
_ كنت عارف.
قالها ببساطة وثقة كأنه لم يشك في ذلك للحظة.
ركبت السيارة وركب هو بجانبها قبل أن يدير المحرك التفت إليها ورفع يده ليمسح خصلة شعر صغيرة تمردت على حجابها.
_ مبروك مقدماً
قالها بمشاكسة ثم انحنى وقبل جبينها قبلة سريعة لكنها كانت عميقة الأثر.
_ دلوجت نستاهل نحتفل.
أدار المحرك وبينما كان يستعد للانطلاق وقبل أن تسأله حتى عن طبيعة هذا الاحتفال حدث ما لم يكن في الحسبان.
طرقات حادة ومفاجئة على زجاج نافذة السيارة بجانبها جعلتها تنتفض في مكانها التفتت بفزع لتجد مالك واقفاً هناك
