-->

رواية جديدة ثنايا الروح لرانيا الخولي - الفصل 49 - جـ 2 - الثلاثاء 30/9/2025

 

قراءة رواية ثنايا الروح كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ثنايا الروح

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا الخولي


الفصل التاسع والأربعون

الحزء الثاني 

تم النشر الثلاثاء  

30/9/2025


كانت كلمات نغم الأخيرة معلقة في الهواء ثقيلة ومفاجئة كحجر أُلقي في مياه راكدة. 

نظر جاسر إليها ثم إلى الباب المفتوح خلفها وفهم على الفور كل ما يدور في رأسها. 

رأى غيرتها المكتومة خلف قناع الثبات الذي ترتديه بشق الأنفس، ورأى أيضاً قوتها وهي تتغلب على هذه الغيرة لتسمح لابنة عمه، التي كانت تعتبرها عدوتها اللدودة بالدخول إلى أقدس مكان في حياتها.

أومأ برأسه ببطء في موافقة صامتة تحمل الكثير من المعاني، موافقة لم تكن لشروق بقدر ما كانت لنغم إقراراً منه بنضجها وقوتها الجديدة.

استدارت نغم وخرجت لكنها تركت الباب مفتوحاً قليلاً عمداً، حركة لا واعية تقول إنها لا تزال هنا، وأن هذا عرينها وأنها تراقب وتسمع.


بعد لحظات ظهر ظل شروق عند الباب.

ترددت للحظة كأنها تستجمع كل ذرة من شجاعتها لعبور هذه العتبة. 

ثم دخلت كانت خطواتها مترددة، خافتة على عكس خطواتها الواثقة المعتادة. 

كان رأسها منخفضاً كأنها تحاول أن تختبئ من نظراته التي طالما عرفت أنها تخترق الدروع. 

وقفت على بعد خطوات من السرير، عاجزة عن النظر إليه مباشرة، ويداها متشابكتان أمامها في حركة عصبية.

_ حمدلله على سلامتك يا جاسر.

كان صوتها خافتاً مهزوزاً، بالكاد يُسمع لم يرد جاسر على الفور بل ظل يراقبها بنظرته الثاقبة التي تقرأ ما خلف الكلمات. 

كان يرى فيها انكساراً حقيقياً انكساراً لم يره عليها من قبل. 

لقد اختفت تلك المرأة المتعجرفة ولم يتبق سوى فتاة خائفة تائهة.

_ الله يسلمك اتفضلي.

جلست على طرف المقعد كأنها تستعد للفرار في أي لحظة. 

بقيت صامتة لثواني طويلة كانت أثقل من الدهر، تجمع فيها شتات نفسها ثم رفعت عينيها المليئتين بالدموع المحبوسة ونظرت إليه، نظرة مباشرة لأول مرة.

_ أنا... أنا آسفة.

لم يكن اعتذاراً عن الماضي بل كان اعتذاراً عن كل شيء، عن وجودها في حياته عن الألم الذي سببته، عن الكارثة التي حلت به. 

تنهدت بعمق وكأنها تزيح جبلاً عن صدرها ثم انطلقت الكلمات منها في فيضان لم تعد قادرة على كبحه.

_ أنا السبب في اللي حصلك.

صمت جاسر وتركها تكمل كان يعرف أن هذه اللحظة قادمة، وكان يعرف أن أفضل ما يمكن فعله هو أن يتركها تفرغ كل ما بداخلها.

_ أبويا... أبويا هو اللي أمر بالحادثة دي هو اللي كان عايز يقتلك.

لم تبدُ على ملامح جاسر أي مفاجأة كان هدوؤه مرعباً، كأنه كان يقرأ كتاباً يعرف نهايته. 

هذا الهدوء شجعها على الاستمرار، على كشف الحقيقة كاملة.

_ أنا سمعته بالصدفة وهو بيكلم حد في التليفون... كان صوته واطي، بس أنا سمعته... سمعته وهو بيديله الأمر اتجننت... حسيت إن الأرض بتدور بيا 

حاولت أتصل بيك كتير في اليوم ده عشان أحذرك بس مكنتش بترد... معرفتش أوصلك. 

فضلت أتصل زي المجنونة، بس مكنش فيه رد.

أغمضت عينيها بألم وهي تتذكر تلك اللحظات من العجز المطلق، صوت والدها البارد وصمت هاتف جاسر المطبق.

_ أنا عارفة إن مفيش حاچة بتستخبى عليك... وعارفة إنك أكيد كنت خابر أو شاكك، ذكاؤك ميخلهوش يفوتك حاچة زي دي. 

بس كان لازمن أجولهالك بنفسي كان لازم تسمعها مني.

كان لازمن تعرف إني... إني مستحيل أكون موافجة على حاچة زي دي مهما كنت بكره نغم، ومهما كنت غيرانة منيها... أنت ابن عمي لحمي ودمي.


فتح جاسر عينيه ونظر إليها لم يكن في نظرته لوم، بل كان هناك سؤال سؤال عملي بارد، يتجاوز الدراما العائلية إلى قلب المؤامرة.

_ مين اللي ورا عمي؟ صخر التهامي مش بالغباء اللي يخليه يعمل حاچة زي دي لوحده، ويستخدم طريقة مكشوفة زيها هو مجرد واجهة مين اللي بيحركه؟

ابتلعت شروق ريقها لقد عرفت دائماً أن جاسر يرى ما لا يراه الآخرون، أنه يرى خيوط اللعبة كلها.

_ معرفش... أقسم بالله ما أعرف هو عمره ما بيتكلم في شغله جدامي كل اللي سمعته في المكالمة دي، إنه بعد ما خلص كلامه قال للطرف التاني إن "الباشا الكبير" هيكون مبسوط بالخبر ده.


أومأ جاسر برأسه ببطء كأنه يركب قطع الأحجية في عقله. 

"الباشا الكبير،،

هذا هو الخيط الذي كان يبحث عنه ثم نظر إليها مرة أخرى، نظرة طويلة فاحصة كأنه يقرر مصيرها الآن.

_ جاسر... أنا عارفة إني دمرت حياتك من يوم ما دخلتها وعارفة إن چوازنا ده كان غلطة من الأول، وأنا اللي أچبرتك عليه.


أخذت نفساً عميقاً وقالت الكلمات التي كانت تجهزها منذ أيام، الكلمات التي كانت تظنها خلاصه وخلاصها.

_ لو عايز تطلجني... أنا موافجة ده حقك أنا مستعدة أخرج من حياتك وحياة نغم للأبد

اتنازل عن كل حاجة وامشي من اهنه يمكن لما أبعد، الشر يبعد عنكم

أنتم الاتنين تستاهلوا تعيشوا في سلام، أنا مش هجدر أعيش وأنا شايفة أبويا بيحاول يجتلك، وأنا السبب في وجودي بينكم.


كانت كلماتها صادقة نابعة من إحساس عميق بالذنب، ورغبة حقيقية في التكفير عن خطايا لم ترتكبها هي، بل ارتكبت باسمها لم يرد جاسر، بل ظل صامتاً يفكر. 

لقد اعترفت له بكل شيء، ووضعت مصيرها بين يديه، تاركة له القرار في كيفية إنهاء هذه المسرحية المأساوية.


❈-❈-❈


كانت شقة نسرين، والدة أكمل تعج بالحياة والفرح كانت السيدة تمشي في أرجاء الشقة وهي تحمل حفيدها قاسم، تغني له تارة، وتداعبه تارة أخرى والفرحة الصافية ترتسم على وجهها

كانت صبر تراقبها بابتسامة هادئة، وتشعر بالدفء يغمر قلبها لقد كانت حماتها بمثابة أم ثانية لها، حنونة ومحبة.

بعد أن نام قاسم أخيراً في سريره الصغير، جلست نسرين بجانب صبر في الشرفة ومع كل منهما كوب من الشاي الدافئ.

_ شفتي الواد قاسم ده؟ كل يوم بيحلو عن اليوم اللي قبله واخد عيون أبوه وشخصيته.

ابتسمت صبر وقالت بصوت خفيض.

_ واخد طيبة قلبك إنتي يا ماما.

ربتت نسرين على يدها بحنان.

_ وإنتي يا حبيبتي؟ مالك؟ حاساكي مهمومة أكمل مزعلك في حاجة؟

هزت صبر رأسها بسرعة.

_ لأ طبعاً! أكمل ده مفيش في حنيته وطيبته أنا اللي... أنا اللي حاسة إني مقصرة معاه أوي اليومين دول.

_ مقصرة إزاي بس؟ ده إنتي شايلة بيتك وابنك وحملك على كتافك.

_ عشان كده بالظبط من ساعة ما قاسم اتولد، وأنا كل وقتي وكل تفكيري معاه ولما بدخل أنام، بكون مهدودة ومبشوفش قدامي. 

بحس إني مبقتش أهتم بأكمل زي الأول، وهو راجع تعبان من شغله ومحتاج اللي ياخد باله منه.

نظرت نسرين إليها نظرة عميقة، مليئة بالحكمة والتفهم.

_ اسمعيني يا صبر يا بنتي الراجل زي الطفل الصغير بالظبط، مهما كبر وعلت مناصبه بيفضل محتاج اهتمام ودلع وأكمل بيعشقك، وشايلك فوق راسه متجيش على نفسك، بس برضه متنسيهوش.

صمتت للحظة ثم قالت بابتسامة ماكرة.

_ وأنا عندي ليكي الحل.

_ حل إيه؟

_ أنا بكرة إجازة من الشغل، وقاعدة في البيت إيه رأيك تسيبي قاسم معايا النهاردة، وتقومي تلبسي وتروحي لجوزك؟ خلي الليلة دي بتاعتكم لوحدكم. 

بيت هادي وعشا حلو وكلمتين حلوين عوضيه عن كل الأيام اللي فاتت.

لمعت عينا صبر بالفكرة شعرت بالحماس واللهفة فجأة. 

فكرة أن تقضي ليلة هادئة مع أكمل، بعيداً عن مسؤوليات الأمومة بدت كحلم جميل.

_ بجد يا ماما؟ مش هتقل عليكي؟

_ تقل إيه بس؟ ده أنا أبيع الدنيا عشان ساعة أقضيها مع الواد ده. 

يلا قومي متضيعيش وقت.


نهضت صبر بسرعة، وقبلت رأس حماتها بحب وامتنان دخلت غرفتها، وارتدت أجمل ما لديها وتعطرت بعطرها المفضل، وشعرت بأنها عروس تستعد للقاء زوجها. 

ودعت ابنها النائم بقبلة خفيفة ثم غادرت الشقة وقلبها يرقص من الفرحة واللهفة.


في طريقها إلى شقتها اشترت بعض الحلوى التي يحبها أكمل كانت تتخيل ردة فعله حين يراها، وكيف سيفاجئ بوجودها. 

كانت تخطط في رأسها لكل تفاصيل الليلة، وكيف ستعوضه عن كل لحظة انشغلت فيها عنه.


وصلت إلى باب الشقة وأخرجت مفتاحها بهدوء، تريد أن تفاجئه. 

لكن ما إن اقتربت من الباب حتى سمعت صوتاً من الداخل لم يكن صوت التلفاز كان صوت حديث، وصوت امرأة.


تجمدت يدها وهي على وشك وضع المفتاح في القفل، من هذه التي تتحدث مع زوجها في شقتهما في هذا الوقت من الليل؟ انقبض قلبها بشدة، وشعرت ببرودة تسري في أوصالها.

فتحت الباب ببطء شديد، بحركة شبه صامتة ودخلت.

كانت الصدمة

كان المشهد أمامها كفيلم من أسوأ كوابيسها أكمل يقف متوتراً غاضباً وأمامه مباشرة على بعد خطواة صغيرة منه تقف امرأة أخرى بكامل زينتها تبدو وكأنها على وشك احتضانه. 

لم تكن غريبة لقد عرفتها من الصور القديمة إنها ليلى خطيبته السابقة.


كان الوضع كله يصرخ بالخيانة قربهما من بعضهما توقيت الزيارة نظرة التحدي في عيني ليلى، وصدمة أكمل التي بدت في عينيها كأنها صدمة من قُبض عليه متلبساً.

سقط كيس الحلوى من يدها على الأرض محدثاً صوتاً خافتاً كان في ذلك الصمت مدوياً كانفجار.


❈-❈-❈


كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشر ليلا وقد اخبرها أنه سيعود في التاسعة كانت تجوب غرفة المعيشة ذهاباً وإياباً، وقلبها يخفق بقلق مع كل دقيقة تمر كانت تعرف أن سند في مشوار عمل بعيد ومرهق، وأن الطريق طويل وخطير في هذا الوقت من الليل. 


أمسكت بهاتفها للمرة المئة تحدق في شاشته المظلمة تقاوم رغبتها في الاتصال به حتى لا تشتت انتباهه أثناء القيادة.


كانت كل الأصوات في القصر قد خمدت، ولم يبق سوى صوت خطواتها القلقة وصوت دقات الساعة التي كانت تبدو كضربات مطرقة على أعصابها.


وفجأة سمعت ذلك الصوت الذي كانت تنتظره بفارغ الصبر صوت المفتاح وهو يدور في قفل الباب الخارجي.


تجمدت في مكانها للحظة، كأنها لا تصدق ثم دون تفكير ركضت نحو الباب حافية القدمين.


ما إن انفتح الباب ودخل سند متعباً ومرهقاً حتى ارتمت بين ذراعيه بقوة ودفنت وجهها في صدره، متشبثة به كأنها تخشى أن يختفي مرة أخرى.


تطايرت كل كلمات العتاب والقلق التي كانت تجهزها ولم يتبق سوى كلمة واحدة خرجت من بين شفتيها بصوتٍ مخنوق بالدموع والشوق

_ وحشتني... وحشتني جوي يا سند.


فوجئ سند بهذا الاستقبال العاصف لكنه سرعان ما استجاب له، أسقط حقيبته ومفاتيحه على الأرض بصوتٍ مكتوم ولف ذراعيه القويتين حولها وضمها إليه بقوة أكبر، كأنه يريد أن يخبئها داخل ضلوعه. 

استنشق رائحة شعرها بعمق وأغمض عينيه وشعر بكل تعب السفر ومشقة الطريق يذوب ويتلاشى.


همس في أذنها بصوتٍ أجش من فرط الشوق

_ وإنتي وحشتيني أكتر يا جلب سند وروحه.


ابتعد عنها قليلاً ليرى وجهها فلاحظ دموعها التي تلمع في الضوء الخافت مسحها بإبهامه برفق وحنان لا حدود له.

_ كل ده جلج؟ أنا كويس يا حبيبتي متخافيش.


هزت رأسها وهي لا تزال تتنفس بصعوبة.

_ جلبي كان هيجف من الخوف عليك الطريق، والوقت...


قاطعها بابتسامة دافئة وهو يرفع وجهها إليه بكلتا يديه.

_ وأنا طول الطريج مكنتش شايف جدامي غير وشك ده كنت بعد الدجايج والثواني عشان أرچع وأشوفك.


نظر في عينيها بعمق ذلك النظر الذي كان يذيبها دائماً.

_ تعرفي إيه اللي كان مصبرني؟ إني عارف إن فيه هنا روح مستنياني روح لو غابت عني، حياتي كلها تضلم.


لم تعد تحتمل ألقت بنفسها في حضنه مرة أخرى لكن هذه المرة لم يكن عناق قلق، بل عناق حب خالص عناق يحكي عن ليالي من الانتظار وأيام من الشوق.


حملها سند بين ذراعيه بسهولة، كأنها ريشة وتوجه بها نحو غرفتهما لم يقل كلمة ولم تقل هي كلمة لم تكن هناك حاجة للكلام كانت لغة العيون واللمسات والأحضان كافية لتروي كل الحكايات.


أغلق باب غرفتهما بقدمه وفي تلك اللحظة أغلقا الباب على العالم الخارجي كله، ولم يبقَ في عالمهما الخاص سوى رجل عاشق عاد إلى وطنه وامرأة كانت هي الوطن كله.


❈-❈-❈


بعد أن غادرت شروق تركت خلفها فراغاً مشحوناً بالأسئلة والتوتر وصمتاً أثقل من أي كلام. 

لم تعد نغم قادرة على الجلوس في المكان شعرت بأن الهواء أصبح خانقاً، وأن جدران البيت تطبق عليها.


لم تكن متقبلة لوجود شروق في حياة جاسر ليس كابنة عمه بل كامرأة أخرى. 

امرأة شاركته طفولته وكانت يوماً ما "مكتوبة له"

كانت ترى في عيني شروق المنكسرتين بقايا حب قديم حب لم يمت بل تحول إلى رماد قد يشتعل من جديد بأي نسمة هواء هذا الإحساس كان يأكل روحها. 

هي تثق في جاسر تثق به الآن أكثر من أي وقت مضى لكن غيرتها كانت شعوراً لا إراديا سماً يسري في عروقها رغماً عنها يذكرها بأنها لم تكن الأولى وأن هناك دائماً "ما قبلها".


هربت إلى المطبخ كجندي جريح ينسحب من ساحة المعركة

كانت بحاجة إلى أي شيء لتشغل به يديها وعقلها. 

أمسكت بسكين وبدأت تقطع الخضروات بحركة آلية عنيفة وكل ضربة على لوح التقطيع كانت صدى لضربات قلبها المضطرب. 

كانت تعيد مشهد دخول شروق اعترافها نظراتها لجاسر صمته هو... كل تفصيل كان بمثابة شوكة صغيرة تنغرس في قلبها وتتعمق أكثر مع كل لحظة.


دخلت ونس المطبخ ووجدتها على هذه الحال رأت الشرود في عينيها ورأت يديها اللتين تعملان بلا وعي، ورأت الدموع التي تتجمع في زاوية عينيها وتهدد بالهطول اقتربت منها بهدوء ووضعت يدها على كتفها.

_بتعملي إيه اهنه يا نغم؟


انتفضت نغم وسقطت السكين من يدها محدثة صوتاً معدنياً حاداً على الأرضية كأنه صوت انكسار شيء بداخلها.

_مفيش يما... بساعد سامية.


نظرت ونس في عينيها مباشرة، بنظرة حنونة وحازمة.

_بتساعدي سامية، ولا بتهربي من چوزك؟


لم تستطع نغم الإجابة

لقد أصابت حماتها الحقيقة بدقة مؤلمة انهار السد الذي كانت تبنيه، وانفجرت في بكاء صامت بكاء مكتوم يهز كتفيها.


لم تقل ونس شيئاً فقط سحبتها برفق إلى حضنها وتركتها تبكي، تفرغ كل ما بداخلها من غيرة وقلق وخوف. 

كان حضناً دافئاً حضن أم تعرف متى تتكلم ومتى تترك الدموع تقوم بالعمل.


بعد لحظات هدأت نغم قليلاً وقالت بصوت مختنق بالدموع وهي لا تزال في حضن ونس

_صعب... صعب جوي يما.


ربتت ونس على ظهرها.

_إيه هو اللي صعب يا بتي؟


ابتعدت نغم قليلاً ومسحت دموعها بكف يدها كطفلة صغيرة.

_صعب... إني أسيب چوزي مع واحدة تانية في أوضتنا... وأخرج صعب أشوفها بتبصله كيف وأعمل نفسي مش شايفة أني بثق فيه، والله بثق فيه... بس غصب عني الچمرة اللي في جلبي دي هتحرجني.


تنهدت ونس وأمسكت بوجه نغم بين يديها، وأجبرتها على النظر إليها.

_ومين جالك إن ده سهل؟ الغيرة دي طبيعة كل ست بتحب چوزها لازمن تغير عليه لو مغيرتيش، يبجى مبتحبيهوش بس الفرق بين الست العاجلة والست اللي بتخرب بيتها بإيدها، هي بتعمل إيه بالغيرة دي.


مسحت دمعة هاربة من عين نغم بإبهامها.

الهروب مش حل يا بنيتي اللي في جلبك ده لو متكلمتيش فيه معاه، هيكبر وهياكلك من چوه جاسر فوج مستنيكي اطلعي لچوزك وواچهيه جوليله إنك مش متجبلة الوضع، جوليله إنك غيرانة

صرخي فيه لو عايزة، عاتبيه طلعي كل اللي چواكي في وشه

بس بلاش تهربي وتسيبيه يخمن إيه اللي چواكي الراچل بيحب الست الجوية اللي بتعرف تاخد حجها منه، مش اللي بتهروب وتستخبى الجوة في المواچهة، مش في الهروب.


كانت كلمات ونس هي الدفعة التي كانت تحتاجها كانت كالمياه الباردة التي أيقظتها من دوامة أفكارها. 

أومأت برأسها بصمت، وفي عينيها تصميم جديد تركت المطبخ وخرجت بخطوات ثابتة، متجهة إلى الطابق العلوي لم تعد تهرب لقد قررت أن تواجه العاصفة، حتى لو كانت هذه العاصفة بداخلها هي.


❈-❈-❈


صعدت الدرج ببطء وكل خطوة كانت تزيد من خفقان قلبها، وقفت أمام باب جناحهما للحظة ثم فتحته ودخلت.


كان راقداً على السرير يسند ظهره إلى كومة من الوسائد، ويتصفح هاتفه ما إن شعر بوجودها حتى أغلق الهاتف ووضعه جانباً وعيناه لم تفارقاها وهي تقترب.

_ تعالي.

كانت نبرته هادئة دافئة، لكنها لم تخفف من توترها اقتربت وجلست على حافة السرير أمامه عيناها في الأرض.

مد يده وأمسك يدها برفق وشعر ببرودتها.

_ بتهربي مني ليه؟

رفعت عينيها إليه وكانت مليئة بالدموع التي كانت تحبسها.

_ أنا تعبت يا جاسر مبجتش جادرة أتحمل.

_ من إيه؟

_ من كل حاچة من وچودها في حياتنا من فكرة إنها مراتك زيي بالظبط

من نظراتها ليك ونظراتك ليها

أنا... أنا لما طلبت تشوفك لوحدكم حسيت كأن حد بيخلع جلبي من مكانه حسيت إني بسلمك ليها بإيدي.


بدأت دموعها تسيل على خديها، وخرج صوتها متقطعاً محملاً بكل الألم الذي شعرت به.

_ أنا خابرة إنها بنت عمك وعارفة إنها اعترفتلك بكل حاچة بس أنا مش جادرة أتجبلها مش جادرة أتجبل فكرة إن فيه واحدة تانية بتشاركني فيك غصبت عني. 

بحاول أكون جوية وبحاول أعدي الموضوع بس مش جادرة الإحساس ده بيجتلني.

كان جاسر يستمع إليها بصمت ويتألم لي ألمها. 

رأى صدق مشاعرها ورأى عمق حبها الذي كان السبب في هذه الغيرة المدمرة. 

سحبها إليه برفق وجعلها تجلس بجانبه واحتضنها بذراعه السليمة.


_ حجك

كل اللي بتحسي بيه ده حجك وأنا آسف إني حطيتك في الموجف ده.


_ طب والحل؟ أنا مش هجدر أعيش اكده.

تنهد جاسر ومسح على شعرها بحنان.

_ إنتي عارفة إن جوازي منها مؤقت، عشان الكلام اللي اتجال في البلد، وحالياً مش هينفع أطلجها واعادي ابوها لحد ما أعرف مين اللي وراه.


_ طب على الأجل... على الأجل طلجها بينك وبينها خليك چوزي أنا لوحدي خلي الورج ده مجرد حبر، بس في الحجيجة وفي جلوبنا، أكون أنا مراتك الوحيدة.

كانت تتشبث به وتترجاه بعينيها كانت تطلب منه طمأنينة وعداً، شيئاً تتمسك به في وسط هذه العاصفة نظر في عينيها مباشرة ورأت فيهما حناناً وعطفاً لكنها لم ترى الموافقة.


فاجأها برده كلمة واحدة هادئة، لكنها كانت قاطعة كالسيف.

_ لأ.

اتسعت عيناها بصدمة وعدم تصديق كيف يرفض طلبها البسيط هذا؟ كيف يرفض أن يمنحها هذا السلام النفسي الذي تتوق إليه؟ شعرت وكأن الأرض قد سُحبت من تحت قدميها مرة أخرى.

يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا الخولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة