الفصل السادس - بنات حورية
الفصل السادس
" أنا أسفل عيادتك هل انتهيتي " .
تسائل سفيان بعد أن صف سيارته أمام عيادة رسيل وحدثها علي الهاتف لتجيبه :
" ما زال لدي حاليتين سفيان اذهب أنت أشكرك " .
عرض بإخوة لترفض هي : " هل تريدين أن أنتظرك " .
" لا سأعود بمفردي لا يوجد مشكلة " .
انتهت من الحديث معه وخرجت تجلب حالتها المقبلة فوجدت العيادة فارغة إلا من مساعدتها فهتفت بحيرة :
" ألا يوجد أحد " .
أخبرتها مساعدتها : " لقد رحلت مدام إيمان بإبنتها لأن جائها هاتف عاجل واتصلت صاحبة الموعد التي يليهم وألغت موعدها أيضاً " .
أومأت بتفهم : " حسناً إذاً أنا سأذهب وأنتِ أغلقي العيادة ،، واااه حضري لي جدول الغد أولاً " .
تجهزت رسيل لتخرج ثم أخذت مواعيد حالات الغد ورحلت ،، وفي طريقها للعودة توقفت سيارتها فجأة .. حاولت وحاولت تشغيلها ولكنها توقفت بلا حراك ،، استغفرت ربها وهي تري أن السيارة تعطلت بجوار مقابر يخيم عليها الليل بهدوء مريب لذا أخذت تفكر ثم اهتدت لسفيان لابد أنه قريب منها فهي غادرت بعد مكالمته فوراً لذا هاتفته ولم يخيب ظنها وهو يأمرها :
" أغلقي السيارة جيداً وابقي بداخلها وأنا قادم إليكِ " .
تحكمت بخوفها وسيطرت علي أعصابها ولعبت بهاتفها قليلاً وهي تنتظره حتي داهم الطريق ثلاث سيارات بسرعة عالية توقفوا أمام تلك المقبرة بظلامها ونزل منها رجال يبدو عليهم أنهم من الأرياف والقري بملابسهم المكونة من جلباب وعمة ،، فظنت أن هناك متوفي سيدفنوه ولكن ما رأته كان جريمة بشعة .. توسعت لها أعينها بفزع وهي تراهم يجرون خلفهم فتاة كالذبيحة يحفرون قبرها بينما هي تبكي وتتوسل لهم بالرحمة ... هل سيقتلوها ويدفنوها !! فكرت برعب يسيطر عليها ولكن ما رأته كان شئ عديم الرحمة فهم حتي لم يرأفو بها حتي يقتلوها أولاً .. بل دفنوها حية .. ودت لو تساعدها وهي تري كل ما يحدث ولكن كيف ؟؟ . لقد شلت حواسها وهي تتابعهم ببكاء ...
وعند تلك الفتاة كانت تتوسل كما تري رسيل ..
بشهقات مذعورة تحدثت وهي تري قبرها الذي يحفر امام عينيها:
" جدي جدي والله ليس لي ذنب " .
وكاد قلبها يقف وهي تشهق بدون تقطع وهي تري جدها جامد البنية وصارم الملامح لا يوجد للشفقة مكان بقلبه وكل ما يدور بخلده هو غسل عاره بيده متغافلاً عن حقيقة كونها انتهكت وليست آثمة .. ووالدها من خلفه لا يختلف جموداً عنه ،، فتوجهت بحديثها لأخيها الكبير علهُ يشفق هامسه برعب :
" ا ..ا .. ااخـ .. اخـ ..اخي .. اا .. ر.. ارر .. ارج.. ج.. جو ..ك . " .
وبات الأمل الضئيل منعدماً وهي ترمق الطريق المظلم تنتظر حاميها الوحيد ولكنه لم يإتي بعد فأغمضت عينيها مستسلمة وهي تلفظ بالشهادتين بشفتين مرتجفتين قبل أن تشعر بتلك الدفعه القاسية والتي لا تحمل بين جنباتها أي رحمة وقبل أن تعاشر تلك اللحظة المميتة وهي تدفن حية كان الله بها رحيم فغابت عن وعيها وتركت لهم زمام الأمر فليكتبو نهايتها بأيديهم بجهل تحت مسمي غسل العار ...
مراقبة تلك الوحشية كانت اكبر من طاقة تحملها .. ودت لو تساعد تلك المسكينة التي رغم بعد المسافة بينهم شعرت بخوفها الظاهر بلغة جسدها وإنتفاضها المستمر .. فهطلت دموعها كشلال من أعلي جرف طويل لا ينتهي وراحت تشهق بقوة وهي تراهم إنتهوا من مهمتهم تاركين الفتاه خلفهم وحيدة تحت التراب تموت بأبشع الطرق .. آلا سبيل لنجاتها ؟! وكأن الله استمع لها فلاحظت من بين دموعها ذلك الرجل الذي ترجل من سيارتهِ التي دوت بصوت مرعب أثر توقفه المفاجأ بعد قيادتهِ السريعه .. تابعتهُ وهو يتمسك بالرجل الكبير محدثاً إياه بخوف تلقفتهُ من ملامحه :
" جدي اين اختي .. ماذا فعلتم بها " .
صرخ بهم بنبرة وحشية - جهورية - وقد هاجمتهُ الفاجعه المريرة والذي يأبي تصديقها وهو يري صمتهم البشع :
" أين هي " .
حدثهُ جدهُ بنبرة قوية :
" لقد أخدت جزائها " .
راقبهم وهم يغادرون بسياراتهم واحدة تلو الاخري بعجز فرفع يديه لشعرهِ يشدهُ بقوة ودموعه في سبق مرير وهو ينظر لتلك المقابر وظلمتها المتوحشة هامساً :
" صغيرتي ... " .
ثم تابع بهمسه الذي يقطع نياط القلب :
" أسف لقد تأخرت " .
وفي تلك اللحظة كانت رسيل وصلت إليه بعد أن ترجلت من سيارتها لتحدثه ببكاء هي الأخري وهي تجر قدميها لداخل تلك المقبرة : " ربما لم تتأخر " .
اتبع خطواتها بدون تفكير حتي ركعت ارضاً واخذت تحفر بيديها المرتجفة هامسة ببكاء :
" هنا .. دفنوها هنا " .
لم يفكر مرتين وإندفع في لحظتها يحفر بكلتا يديه بقوة شديدة بعد ان مشط المكان حوله بنظره متفحصة فلم يجد ما يساعده وهي تساعده بكل ما تملك من إستطاعه وقدرة علي التحمل وهي تستمع لهُ وهو يناجيها : " كوني بخير .. كوني بخير " .
وصل سفيان ورأي سيارتها مفتوحة وهي غير متواجدة دب الرعب أوصاله وهو يبحث عنها بعينيه حتي لمحها بعيداً في تلك المقابر فإندفع لها جارياً وما إن رأته حتي وقفت هامسة ببكاء :
" سفيان سفيان ساعده لقد دفنوها حية " .
لم يفهم سفيان شئ ولكنه راح يساعد هذا الشخص فيما يفعله حتي ترائت لهم الفتاه فشهق الرجل بصدمة وقلبه يكاد يتوقف وهو يخرج أخته من بين التراب ضامماً إياها بقوة نافياً أي فكرة بشعة تراوده فهبطت رسيل مرة أخري بجوارها متحسسة لنبضها هاتفة بسرعة فرحة :
" ما زالت تتنفس علينا إسعافها فوراً " .
حملها أخاها بدون تفكير متجهاً لسيارته ثم توقف سائلاً إياهم :
" هل يوجد مشفي قريب من هنا " .
أومأت بسرعة : " نعم تعال معنا " .
اتجهوا جميعهم للمشفي بسيارة سفيان .. التفتت رسيل للرجل الذي يضم اخته ويمسد علي شعرها هامساً داعياً لله أن ينقذها متحدثة :
" أعطني يديها " .
فعل منفذاً مراقباً لها فقاست نبضها مرة أخري فوجدته يتباطئ فوضعت ظافرها أسفل ظفر الفتاه لتضغط بقوتها فشهقت الفتاة بقوة وانتفض جسدها باعثة لأخيها قليل من الراحة بحركتها ولكنها استكانت مرة أخري فطمأنته رسيل :
" ستكون بخير لا تقلق كان نبضها يتباطئ .. اسرع سفيان " .
" ها قد وصلنا " هتف سفيان وهو يترجل داخلاً للمشفي وقبل دخول الرجل بأخته كان سفيان يخرج مع المسعفين بالسرير النقال .
أخذوها منهم وبعد ساعة ونصف كاد يفقد السيطرة علي نفسه من الخوف فيهم حيث ادخلوها لغرفة العمليات خرج له الطبيب فهجم عليه متسائلاً : " كيف هي " .
استرسل الطبيب بتلقائية ظناً منه أنه يطمئنه ولم يكن يعرف أنه يصدمه بلا رحمة :
" المدام بخير ولكن للأسف فقدت جنينها لذا أجرينا لها غسيل للرحم عوضكم الله " .
تركه الطبيب في صدمته ورحل .. شاهد صغيرته وهي تخرج من غرفة العمليات لغرفة أخري وكلام الطبيب يتردد بذهنه ..
" مدام .. جنين .. غسيل رحم " أخته الأنسة العذراء كيف لها أن تكون حامل هل كانت تلك الداية الذي نعتها بالمتخلفة الجاهلة علي حق .. تذكر مكالمة زوجة أخيه وكلامها حين هاتفته تخبره بخوف :
" صهيب يجب أن تأتي فوراً نحن هنا عندك في المنزل ،، لقد جائت والدتك بالداية لتكشف علي بيسان وهذه الداية تخبرهم أنها حامل ،، تعال بسرعة صهيب إنهم يأخذونها ولا أعلم إلي أين ،، يقول جدي أنه سيغسل عاره " .
تذكر أيضاً صراخه عليها بغضب :
" أشغليهم افعلي اي شئ حتي أتي أقسم سأقتل هذه الداية الجاهلة المتخلفة كيف يستمعون إليها ".
لقد لحق بهم بصعوبة ليكتشف أن أخته .. صغيرته الذي فرحها بعد شهرين فقط علي أعز أصدقائه أيعقل أن يكون صديقه الذي إئتمنه علي أخته .. لم يستطع نطقها والصدمة تشل حواسه ولكنه تمتم بكلمات سمعتها رسيل التي اقتربت منه تواسيه :
" كيف ،، كيف مازال فرحها بعد شهرين إسلام الحقير سأقتله " .
تغضنت ملامحها بألم ولكنها تصرفت بهدوء تذكره أنه أعاد أخته من الموت للتو :
" حمداً لله علي سلامتها " .
نظر لها بشرود وهو يومئ لها متمتماً بالشكر ثم تحفزت حواسه وهو يري إسلام يقبل عليهم يجري بخوف :
" أين بيسان هل هي بخير " .
كان صهيب عاقلاً لدرجة جعلته يأمره بالمضي خلفه حتي لا يفتعل فضيحة ويفضح شقيقته وفي ممر ضيق لكمه بعنف .. إن كان أو غيره فسيفرغ غضبه به الأن .. أمسك تلابيبه صائحاً بكل شئ في هيئة اتهام لتبهت ملامح الأخر بعدم تصديق غير مستوعباً ولا يريد أن يستوعب :
" ما هذا الكلام الأحمق الذي تتفوه به ،، بيسان لا يوجد أشرف منها "
وهنا فقد صهيب أعصابه فضرب أنفه بقسوة :
" ماذا تقصد يا حقير هل تنكر فعلتك لقد كانت حامل " .
نفي بحدة وهو يمسح الدماء من أنفه بعنف :
" شقيقتك وحدها الذي ستجيبنا علي تلك الأسئلة " .
وبغضب اتجه يسأل عن غرفتها متجهاً لها ومن خلفه صهيب ولكن رسيل وقفت في طريقهما متحدثة بإدراك لحالة الفتاة التي ستنهار بلا شك وبدافع مهنتها :
" إن كانت مظلومة ولن تقفا معها فلن أدعكما تدخلا لها " .
قطب صهيب حاجبيه هل يعقل أن تكون أخته مظلومة لكانت أخبرته فوراً وقتل الحقير الذي تجرأ عليها بينما الأخر قطب حاجبيه باستنكار : " من هذه الأن ابتعدي عن طريقي " .
وهنا وقف له سفيان يزجره : " لا تحدثها هكذا " .
تكلمت رسيل بهدوء : " أرجوكما يجب أن تهدءا ،، أنا طبيبة نفسية وبخبرتي أقول لكما أن الفتاة ستفيق في حالة انهيار عصبي حاد إذا فاقت أساساً ولم تدخل في غيبوبة من صدمتها ،، لذا عليكما التريث ومعاملتها بهدوء حتي تتعافي أولاً ومن ثم لتكتشفوا الحقيقة ثانياً "
وتابعت لإسلام بتريس : " فهمت أنك خطيبها لذا يجب ألا تراك بتلك الحالة خاصةً إن كانت مظلومة لن تتحمل التشكيك بها منك شخصياً أنا أتكلم من ناحية إذا كانت مظلومة لأنها لو كانت كذلك وسوف تقف معها وتساعدها فتفضل فلن أمنعك فلتدخل لها ،، أما إذا كانت غير مظلومة هذا أمر يعود لكما بالتصرف معها ولكن رأيي كطبيبة فلتتعافا أولاً حتي لا تنتكس صحتها " .
لن ينكر كلاهما أن الهدوء تسلل لهم مرسلاً أملاً لهم فهتف إسلام بهدوء : " فهمت هل أدخل الأن " .
بدا لها أنه شخص حضاري متفهم ويحبها لذا ابتعدت عن الباب :
" تفضل " .
دخل إسلام لها وبقي صهيب ينظر لرسيل بتفكير لو كانا في وقت أخر لوقع لعيناها السماوية التي سلبت لبه فجلس بتفكير في حديثها شادداً شعره : " آآه يا بيسان لِمَ تقتليني هكذا " .
.............................................................
وقف أمام سريرها متمسكاً بنهايته ينظر لها بعمق ،، نائمة كالملاك نعم ما زالت ملاك هكذا يراها تتنفس إصطناعياً ،، فكر في ما يحدث معهم وفي كلام تلك الطبيبة ،، إذا كانت بيسان روحه وحياته مظلومة ألن يقف معها ... لا وألف لا سيجد هذا النذل ليدفنه حياً كما فعلو بها وعند هذا الحد تغضنت ملامحه بألم وهو يفكر في رعبها وقتها وخوفها حيث لم يكن متواجد ليحميها منهم .
لا يعرف كم من الوقت ظل يتطلع لها وهو واقفاً ثم جالساً بجوارها لقد دخل عليه صهيب مرة مع تلك الطبيبة وخرجوا وهو مازال هنا لن يتحرك حتي يعرف ويطمئن ... تململت وتأوهت فشعر بقلبه يتوجع عليها .. لم تفتح عينيها ولكن دموعها وإنتفاض ملامحها وصدرها نبئان بإنهيارها فإضطر للمسها وهو يضرب وجهها بخفة بجمود هامساً متلعثماً وكأنه لم ينطق اسمها من قبل :
" بـ ... بيسان " .
فتحت عينيها شاهقة ظنت أنها ميتة وتحلم به فهمست ببكاء :
" إسلام " .
ولكن أيوجد ميت يحلم ويشعر بما تشعر به .. هي تتنفس أكانت تحلم أم كانوا يمزحون معها أم رأفو بها ليخرجوها .. هدأت وهس تشعر بنفسها حية فنظرت حولها بتعب حتي وقعت عينيها عليه يتطلع إليها بعينين لم تفسرهما أبداً فبكت وهي تود أن ترتمي بحضنه أو بأحضان أخيها نعم هي تحتاج صهيب فوراً وإلا ستنهار فهمست وكأنها تتوسله أن يأتي بأخيها :
" أين صهيب أريده ،، أريد صهيب " .
هتف بجمود : " هو بالخارج " .
بكت طالبة إياه فوقف علي مضض منفذاً طلبها وقلبه لا يطاوعه أن يقسو عليها وهي بتلك الحالة رغم أنه عقله يود أن يقتلها ويريح ثورته وبالخارج تحدث : " لقد فاقت إنها منهارة وتريدك " .
تعداه ودخل لها بينما وقف هو مستنداً علي الباب بحسرة ،، تقدم صهيب منها حتي بات بجوارها لتندس داخل أحضانه باكية بعنف بادلها وبثها دفئه وأمانه مسلوباً إنها صغيرته الذي انتشلها بصعوبة من مجتمعهم الفكري العقيم لعائلته وأتي بها لتعيش معه هنا وعلمها وكبرها ورعاها لقد تربت علي يده هو والدها وليس أخوها فقط .. سمع همسها الباكي :
" كاذبين إنهم كاذبين لا تتركني لهم " .
" أخبريني ما حدث بالتفصيل لأنني اتماسك بصعوبة لا يعلمها إلا الله " حدثها بجمود لتخبره وهي تشهق وتبكي كالمذبوحة :
" لقد احتلو المنزل فجأة ظننتهم جائوا لزيارتنا ولكن .. ولكن جائواً لأنهم يشكون بي والله هم كاذبون تلك الداية جاهلة لا تفطن لشئ أنا شريفة أقسم لك أخي أنا شريفة " .
قطب صهيب جبينه بغضب .. إنها تنكر ألا تري أين هي ابتعد عنها بحدة وقبل أن يتحدث دخل إسلام الذي استمع لحديثها منفعلاً :
" أنتِ كنتِ حامل أيتها المدام حامل ومازلتي تنكرين " .
انتفضت من صياحه فتمسكت بصهيب بخوف غير مستوعبة لما ألقاه بوجهها فأمسك صهيب يديها ضاغطاً عليهم فتطلعت له بنظرات تائهة ولم تستوعب ما قاله هو الأخر :
" نحن بالمشفي بيسان لقد كنتِ حامل وأجهضتي من فعل بكِ هذا تكلمي " .
ارتعشت تحت يدي أخيها وشعرت بالخوف من كلاهما ولكنها نفت بحدة صادقة : " ماذا تقول هذا ليس صحيح " .
صرخ صهيب بعنف وهو يتخلص من سيطرته لاطماً وجهها صارخاً : " لقد انكشف كل شئ لا تكذبي " .
صرخت هي الأخري وبكت بعنف وهي تبتعد بجسدها عنهم لأول السرير خائفة .. لم تتحمل رسيل تلك الأصوات فدخلت لهم ستساند تلك الفتاه حتي لو كانت مخطأة فاقتربت منها فإحتضنتها بيسان تخبئ نفسها منهم كل ما تريده الشعور بالأمان فهي خائفة وسيتوقف قلبها ... زجرتهم رسيل بشراسة بعينيها وكما توقعت الفتاة علي حافة الإنهيار ولكن إسلام لم يأبي وهو يهددها بزيف بمهنته كونه ظابط :
" سأحرر قضية زنة ضدك وستعترفين بالمحكمة حينها أيتها الشريفة ولنري كم ستخبئين هذا الحقير الذي سأدفنه وإياكي في قبر واحد " .
نفت بحدة وانهارت .. وضعت يديها علي أذنيها متقوقعه علي حالها هاتفة بصراخ : " كاذبون كاذبون كاذبون .. أنتم أيضاً تريدون موتي .. أكرهكم أكرهكم .. لم يلمسني أحد أنا شريفة .. تريدون أن تتخلصوا مني كاذبون أنتم كاذبو... " .
لقد انهارت تماماً وهي تصرخ بهم ولم تهدأ إلا بتدخل الطبيب الذي حقنها بمهدأ جعلها تسترخي وتنام في حين كان هناك ثوران أحدهما مصدق والأخر لا فإسلام ظن أنها تنكر واشتعلت نار أخري بداخله ظناً منها أنها تخبئ من أخطأت معه خوفاً عليه ولكن أخيها الذي رباها والذي يعرفها أكثر من نفسه صدقها لتشتعل بداخله نار أخري ألا وهي الغدر والشرف والحرقة علي صغيرته الذي مسها شخص حقير ... لن يكون صهيب إن لم يأتي به ويحرقه حياً .
تركوها تستريح ولكن كلاهما كالثور الجريح في ممرات المشفي يسيرون بغضب حتي همس سفيان لرسيل :
" ألا يجب أن نرحل وجودنا هنا ليس له أهمية " .
أومأت له وقلبها لا يطاوعها ثم تحركت معه بإتجاه صهيب متحدثة برفق : " أراك متفهم أكثر من خطيبها هذا لذا أرجوك لا تدمر أختك ،، هذا الكارت الخاص بي به عنوان عيادتي إذا احتجت لي كطبيبة لأختك إن لم تتعافي نفسيتها جيداً فسأساعدها بالتأكيد " .
...............................................................
" لن أشتري المصنع بهذا الشكل " .
تحدثت چيلان لچود .. يجلسان علي طاولة تلتصق بنافذة مقابلان لبعضهما .. تنطر للخارج للطرقات التي أصبحت نظيفة نوعاً ما فأيدها :
" نعم لا يمكن سيتوقف عمل المصنع كثيراً في فصل الشتاء " .
سمعهم الرجل وهو يدخل لهم بالصدفة فابتسم بضيق وهو يقترب متحدثاً :
" كنت آمل أن يباع المصنع " .
چيلان بحرج : " عمي تفضل لنتحدث معاً " .
جلس الرجل معهم لتتابع چيلان : " هذا المصنع لن يفيدنا في الحقيقة بل سيضرنا أحياناً ،، ولكن هذا المصنع يفيد قريتكم جداً لذا بقاءه ملكك ولأهل القرية سيكون أفضل أليس كذلك " .
" نعم يا ابنتي ولكن " قاطعته بعد قوله :
" إذا كنت تقبل يا عمي أستطيع التكفل بعملية ابنتك وليبقي مصدر رزقكم كما هو " .
لم يقبل الرجل : " لا كيف أقبل هكذاً دين ومن أين سأسدده سأضطر لبيع المصنع لتسديده أيضاً " .
سارعت بالقول : " اعتبره تبرع يا عمي والله لا أريد أي أموال بالنسبة لي سيكون عمل خيري لوجه الله " .
لم يقبل الرجل رغم قلبه الذي ينافي عقله في قراره حتي هتفت چيلان بإقرار :
" إذاً سنشتري المصنع " .
ابتسم چود لها فهو يفهمها عن ظهر قلبه وبصدارة رحب ساندها حتي تم بيع المصنع في عدة أيام مقبلة وإرسال الأموال من أبيها لها حتي تم الأمر تماماً وأمام المصنع وقفت مع چود والرجل فتحدث الرجل :
" مبارك عليكم وهذا مفتاح المصنع " .
وهنا تحدثت چيلان بدفئ :
" بل مبارك لكم يا عمي والدي متبرع بهذا المصنع للقرية بأكملها ،، نحن لن نرضي بقطع رزق كل تلك الأهالي " .
................................................................
اليوم عادت للعمل مجدداً .. خمسة أيام بتلك القرية وكأنها هدنة ليحتلها الهدوء .. في خضم إنهماكها دخل والدها لها لتقف مبتسمة له فتحدث وهو يجلس مكانها كما تحب هي وتجلس هي أمامه بطفولة فأنبها بحنانه : " قد أصريت علي العمل رغم أني قلت لك لترتاحي في البيت قليلاً " .
" أساساً كنت في راحة يا أبي " تحدثت بمشاكسة ليبتسم لها بدفئ
ذراعه اليمني تلك وفتاته القوية الذي يعتمد عليها بعمي وبدون تفكير عندما هاتفته لتخبره بإرادتها عن شراء المصنع والتبرع به وهي تخبره القصة كاملة لتجعله مرفوع الرأس مفتخراً بتلك فتاة .. قوية .. نقية .. وطفولية تلك الصفة التي تتمتع بها هي وأخواتها ووالدتهم طفلته الصغيرة التي كانت وستظل هكذا .
لقد جاء ليطمئن عليها ويخبرها بوصية جدها حيث أنها جائت أمساً متأخرة ولم يفاتحها أحد في الموضوع لذا بدأ حديثه متنهداً :
" لقد ترك جدك وصية " .
غمغمت بحزن : " رحمه الله ،، وصية حقاً " .
أومأ : " أراد جدك أن تتزوج إحداكن بسفيان ابن عمك " .
توسعت عينيها بتفاجأ .. تفاجأ فقط وليس صدمة فهي تعلم أن لو وقع الإختيار عليها وقالت فستكون لا كما تريد ولن يجبرها أحد فهمست بترقب : " ومن منا قد تتزوجه " .
" رغم أني معارض ولكن قد وافقت سبأ " .
" سبأ " صاحت بصدمة ليجيبها :
" هذه رغبة جدك ،، يريد تزويج سبأ وسفيان وقد وافقا " .
تغيرت نبرة والدها للحزن وملامحه كذلك لتسبقه هي :
" تخشي عي سبأ أليس كذلك " .
تحدث بما يدعو به ربه حقاً : " أخشي علي جميعكن حبيبتي وأريد الإطمئنان عليكن قبل رحيلي " .
توسعت عينيها مزمجرة بصياح : " أبي " .
دمعت عينيها لمجرد الفكرة صائحة : " لا تقل هذا مرة أخري أدامك الله لنا يا بابا " .
ذهب لها واحتضنها وهنا دخل چود فجأة كما اعتاد فلم يعلق دياب وهو يحدثها : " جئت لأخبرك بوصية جدك فقط سأعود للعمل " .
ثم توجه لچود ابن صديقه المرحوم : " كيف حالك بني " .
" بخير يا عمي شكراً لسؤالك " .
خرج دياب في حين جففت چيلان دموعها وهي تجلس خلف مكتبها فجلس چود أمامها مشاكساً :
" لماذا تبكين يا چوچو " .
شهقت بخفوت وزجرته : " ما چوچو تلك احترم حالك " .
ضحك ملئ قلبه وتحدث بسلامة : " اسف يا سيدتي والأن اخبريني لما تبكين حقاً " .
رفعت كتفيها وحركت ملامحها تعبيراً لعدم وجود شئ فتسائل :
" إذاً ترك جدك المرحوم وصية " .
نبضت عروق قلبها ولمع خبثاً بعقلها لتري ردة فعله فتحدثت ببرود :
" نعم يريد جدي أن تتزوج إحدانا بسفيان " .
ونظرت له تتابع ملامحة التي تكاد تقسم أنها أصبحت أخري لا تعرفها ما احمرار عينيه المفاجأ وهو يهتف بحدة :
" إحداكن من بالظبط !! "
هتفت بتلاعب باردة : " لا أعلم ولكن راما صغيرة وأصلاً متقدم لها شخص ،، وهيا مازالت تدرس ،، لورين لتوها بدأت للعمل ولن تحب من يقيد حريتها " .
وتابعت بمزاح :
" ورسيل لن تقبل إلا بشخص يحمل الجنسية التركية " .
وقف صائحاً بوجهها فجأة : " ولم يتبقي غيرك لتتزوجيه أليس كذلك " .
تفاجأت وتراقص قلبها فرحاً من المفاجأة إنه يغير حسناً لتستمع بالمزيد من غيرته تلك فهتفت بتلاعب :
" أنا الكبري يعني ... "
ضرب المكتب بقبضته مخرساً إياها لا يريد سماع المزيد فرمقها بشراسة مهدداً بدون وعي لكلماته ولكن بثقة لقلبه ومشاعره :
" علي جثتي أتفهمين علي جثتي إن تزوجت من غيري " .
فغرت شفاها فهو تعدي ما قد تريد سماعه بما تفوه به .. لقد كادت تبكي وهو أخيراً قد لفظ حبها من قلبه لشفتيه .. ابعدت نظرها عنه وملامحها تبتسم ويديها ترتجف بعشق هل يصح ما يحدث معها هل يصح أن يعترف لها في غمرة غضبة هكذا انتفضت وهو يضرب المكتب مرة أخري صائحاً فاضحاً نفسه ومشاعره تجاهها قبل خروجه من مكتبها بعنف :
" وأنا الذي كنت أخطط لسهرة رومانسية لأعترف لكي " .
هل هي سعادتي .
أخيراً تطرق أبوابي .
كما تمنيت .
كما حلمت يا كل أحلامي .
يتبع...
...........................................................