-->

الفصل الثالث - عشق ناضج وعشق مجنون


الفصل الثالث

"صهيب!! أنت ازاي تتكلم كده.. اتفضل انزل وصلهم ولما تيجي ليا كلام معاك!" صاح به بلهجة لا تحتمل النقاش لتتعالى أنفاس صهيب في غضب

"لا لو سمحت يا عمو متشكرة ومش عايزة حاجة منه هو بالذات" تحدثت لينا وهي تذهب بطريقها لباب المنزل

"يا حبيبتي معلش أنا آسف على أسلوبه.. بس مش هينفع تروحي دلوقتي لوحدك" 

"لا متجراش حاجة أنا هتصرف"

"ما تسيبها بقا يا بابا" صاح صهيب ليرمقه والده زاجراً اياه 

"أنا غلطانة أصلاً إني قعدت في البيت ده ثانية واحدة" تمتمت بينما سمعها الجميع وهي في طريقها للخارج 

"استني بس يا حبيبتي انتي ساكنة فين؟" أوقفها أمجد 

"في مدينة نصر"

"طيب لسه على ما توصلي فيها بتاع ساعة إلا تلت.. ميصحش بردو تكوني لوحدك أنتي وصاحبتك" 

"وأنا مش مضطرة أستحمل أسلوبه ده.. ومش عايزة جمايل من حد" حدثته في غضب 

"مش مضطرة.. يا شيخة احمدي ربنا إن بابا فارق معاه أصلاً" تحدث صهيب بإستهزاء ونبرته غاضبة لتتجه هي نحوه في غضب 

"أنت مالك بيا أصلاً!! أنا وجهتلك كلام؟ ولا بكلم باباك؟ وبعدين أنا مش فاهمة أنت مالك من ساعة ما جيت وأنت حاططني دم سنانك و.."

"وأنا هاحط عيلة صغيرة زيك دم سناني ليه إن شاء الله؟! أنتي أصلاً بتاعة صغيرة ولا تفرق معايا" قاطعها مجادلاً اياها وملامحه مستنكرة لكلماتها 

"تصدق إنك مش محترم بأسلوبك الـ.."

"مين ده اللي مش محترم!! أنتي هتستعبطي ولا ايه؟ ما تتكلمي كويس!!" قاطعها مجدداً 

"يا ولاد خلاص مينفعش كده" 

"يالا يا لينا نمشي" حاول كلاً من رولا وأمجد أن يُنهيا هذا العراك 

"آه ما أنا فعلاً هامشي علشان ده إنسان مش محترم!!" التفتت لتغادر

"ما تلمي لسانك!! مين ده اللي مش محترم؟" صرخ بها غاضباً

"أنت.. من ساعة ما خبطت وأنت أسلوبك معايا زي الزفت.. فيه ايه لكل ده؟ زي ما تكون مستقصدني"

"وأنا هستقصدك ليه؟ كان فيه بيني وبينك حاجة؟ أنتي اللي لسانك زي المبرد من ساعة ما جيتي"

"يا صهيب خلاص!!" زجره والده ليحاول أن يُنهي هذا العراك المحتد 

"يعني عجبك كلامها يا بابا؟ ده بدل ما تشكرنا إنك شايل موبيل مامتها و هترجعهولها جاية تتكلم بالأسلوب ده" تحدث بغضب وقد سيطرت على ملامحه الحمرة الشديدة

"أنت بتستفزها" تمتم بين أسنانه المتلاحمة غضباً من طريقة ابنه اللاذعة "خلاص يا حبيبتي أنا هاوصلك.. وأنت اتفضل على فوق" نظر لكليهما وهو يتحدث لهما ليرمقه صهيب غاضباً ثم توجه للأعلى 

"لا متشكرة ومش عايزة جمايل بعد اذنك" حدثته لينا 

"يا حبيبتي مش هاينفع.. دقيقتين أغير وأجي معلش استنيني"

"خلاص بقا يا لينا عمو هيوصلنا.. تعالي نقعد على ما يجي" نظرت لها تزجرها على طريقتها غير المبررة كلما تحدث ذلك الرجل أو تفوه بشيء ليصدح هاتفها بالرنين لتجد أن والدتها هي المتصلة 

"هارد ازاي بس دلوقتي" تمتمت لينا في ارتباك 

"هاتي الموبيل وأنا هتفاهم معاها" تحدث أمجد لتنظر هي له بتوتر

"لا لا متتعبش نفسك.. أنا لما هوصل هكلمها" أخبرته بالمزيد من التوتر وهي ترمق الهاتف 

"ما تديهوله بقا يا لينا.. مش هتجرى حاجة يعني" صاحت رولا صديقتها "اهو يا عمو اتفضل"

"الله!! جرا ايه رولا.. ايه الطريقة دي" لم تعد تتحمل هوجائية صديقتها 

"آلو.." أجاب أمجد الهاتف وهو في طريقه للأعلى ليبدل ملابسه 

"ايه ده أنت مين؟!" صاحت مستفسرة في قلق

"أنا أمجد يا مدام جيهان ولينا لـ.."

"أنت ازاي ترد على موبيل البنت وهو أنت معاها ليه ولا لسه قاعدة عندك لغاية دلوقتي و.."

"استني بس اهدي" قاطعها بعدما أستمع لصوتها الغاضب

"ايه اللي اهدي دي و.."

"يا مدام مش هاسيب البنت في وقت متأخر زي ده تروح لواحدها" 

"ازاي وهي قالتلي انها في الطريق.. اديهاني لو سمحت!" حدثته بلهجة لا تحتمل النقاش

"مدام جيهان.. البنت مكنش معاها شاحن لنوع موبيلك فاستنت تشحنه علشان تبعتلك الحاجات اللي أنتي عايزاها، وكانت خايفة تقلقي عليها.. علشان كده قالتلك انها في الطريق" حاول أن يشرح لها ما حدث  

"ازاي وفيه شاحن spare في البيت؟!" 

"ما هو باظ وهي مرديتش تعرفك! وبعدين حضرتك متقلقيش يعني لينا زي بنتي وأكيد مش هارضالها تروح لوحدها أو بحاجة مش كويسة.. وعموماً أنا نزلت وراكي وحاولت ألاقيكي بس حضرتك اختفيتي.. حصل خير وياريت بس متبقيش مضايقة" نظر بشاشة الهاتف ليرى اسمها على موقع التواصل الإجتماعي الشهير وحسابها حتى يستطيع الوصول إليه

"أنت هتوصلها ازاي؟! مش بلال ورولا معاها؟" تعجبت ليشعر أمجد بالإرتباك "لو سمحت اديهاني" صاحت به في لهجة غاضبة للغاية ليحمحم وهو لا يريد أن يتسبب بالمشاكل للينا

"هو صحيح حضرتك بتصلحي العربية فين؟" حاول أن يُثني تفكيرها عن الأمر

"عند ميكانيكي جنب البيت"

"آه أصل أستاذ أحمد الراجل الكبير ده اللي كان معانا النهاردة وداني الحرفيين عند واحد بيقول انه كويس.. إن شاء الله ترجعي تلاقيها اتصلحت.. ومعلش أنا النههاردة اتعصبت كتير ولبخت في الكلام شوية وكانت غلطتي فعلاً.. يا ريت متكونيش لسه مضايقة من اللي حصل" 

"حصل خير.. ممكن لو سمحت تديني لينا" أخبرته ليجدها لا تزال مصممة على الحديث مع ابنتها

"طيب ممكن بس حضرتك تستني دقيقتين علشان هي تحت وأنا بغير علشـ.."

"ازاي واقفة في الشارع و.." قاطعته بعصبية ونبرة قلقة 

"لا يا مدام جيهان.. هي تحت في البيت في الدور اللي تحت!" قاطعها لتتنهد بقليل من الراحة 

"آه!! فهمت" أخبرته وقد تداركت خطأها 

"أنا عارف إن سفرك لسه هيطول.. لو تحبي أساعد لينا في أي حـ.."

"لا لا لأ.. متشكرة جداً.. بعد اذنك خليها تكلمني لما تنزلوا.. سلام!" 

أنهت المكالمة سريعاً وهي لا تدري كيف سمحت لنفسها بأن يُحدثها بتلك الطريقة التي تجاوبت لها تماماً بل وجارته بالحديث.. 

"كل ده بسببك يا زفتة!! ماشي أنا ليا حساب معاكي لما تروحي!" 

--

"صهيب.. أنت لسه صاحي.. آسفة لو بكلمك متأخر كده" نفخ أنفاس غاضبة على تلك التي تحدثه بعد العاشرة والنصف مساءاً ولولا أنها مساعدة مدير البنك لم يكن ليجبها أبداً

"لا اتفضلي يا آنسة سمر.. فيه حاجة أقدر أساعد فيها؟" سألها بمنتهى الجدية والرسمية الشديدة 

"أصلي كنت بفكر أوزع على الناس flyers وكنت محتارة أوي في الـ design فقولت اخد رأيك" أخذ يُخرج لسانه في استهزاء على ما تقوله وملامحه تتلوى في استخفاف 

"مفيش مشكلة.. ابعتيلي على الواتساب وأقولك رأيي" لم يرد أن يظهر بمظهر الموظف غير المتعاون "مع السـ.." 

"ثواني كده" قاطعته عندما شعرت أنه أوشك على إنهاء المكالمة ليُلقي الهاتف على السرير في انزعاج ثم خلل شعره بعصبية ليزفر في سخط منها ثم تناول الهاتف مرة أخرى "اهو بعتلك الـ designs على الواتساب.. ممكن تقولي رأيك" تفقد سريعاً هاتفه وهو لا يطيق تلك الطريقة التي تتحدث له بها وذلك العهر في همساتها المقززة 

"تاني صورة كويسة" اختار أي تصميم لينتهي من تلك المكالمة في أسرع وقت ممكن 

"أنا بردو ده كان عاجبني.. شكلنا ذوقنا واحد.. ميرسي أوي يا صهيب بجد كنت محتارة ومش عارفة اختار" همست له بإمتنان 

"لا ولا يهمك أنا معملتش حاجة" أخبرها من باب اللياقة 

"تعرف يا صهيب أنا بحب ذوقك أوي في لبسك وطريقتك علشان كده قولت إنك أنت اللي هتساعدني" همست له بإغراء بينما ازدادت قبضته على الهاتف حتى أقترب من تهشيمه 

"شكراً" لم يعرف ماذا عليه القول سوى ذلك 

"نفسي في مرة نروح نعمل shopping مع بعض"

"إن شاء الله" لم يعد يطيق تلك المكالمة "معلش والدي بينده.. سلام" أنهى المكالمة ليزفر في ضيق من تلك الفتاة اللعوب فهو لم يعد يتحمل طريقتها معه منذ أن بدأت بالعمل 

"بص بقا أنا جبت أخري.. أنا هقدم طلب انقل فرع تاني" حدث صديقه أكرم 

"فيه ايه بس مالك يا ابني ايه اللي حصل؟"

"سمر يا سيدي مش عايزة تحل عني.. وكل يوم والتاني تلاقي حجة تكلمني بيها وأنا اتخنقت.. هي ايه يعني عشان assistant مدير البنك فكراني مش هاتكلم!!" تحدث في إنزعاج ونبرة غضب جلية 

"يا عم ما تخرج معاها مرتين ولا تتسلالك شوية.. يعني هي سمر أول ولا آخر واحدة هتتسلى معاها"

"وأنا من امتى بتاع تسلية!! اه بخرج مع بنات بس مش بنية التسلية.. وكمان اللي اسمها سمر دي مش نازلالي من زور بأسلوبها القذر ده"

"ماشي يا واد يا مؤمن.. بس فهمني تنقل من البنك ازاي يعني.. يا ابني انت عامل شغل حلو اوي والمدير عارفك وهيبقالك مستقبل كويس وبعدين أنت سنك صغير.. هتضيع السنتين اللي اشتغلتهم على الأرض وتروح تبتدي من أول وجديد"

"اتزفت ولا اتهبب بس تطلع من دماغي بقا وتحل عني"

"اهدى يا صاوصاو وصلي على النبي كده وبكرة يجيلها عدلها وتحل عننا" زفر في سخط من مناداته بهذا الإسم 

"تصدق أنا غلطان اني بكلمك"

"ايه يا عم .. اضايقت من صاوصاو يا عصفورتي"

"امشي امشي يا أكرم أنا مش ناقص .. بدل ما تواسيني بتتريق.. وكمان متخانق مع أبويا ومفياش حيل للمناهدة"

"اواسيك على سمر!! ده البت على الفرازة ومكنة صح.. أنت اللي مش عايز تتبسطلك يومين.. ده أنا المفروض بدل ما أواسيك اديك في دماغك.. بس قولي ايه حكاية خناقة أبوك ده.. من امتى وأنتو بتتخانقو؟"

"يا عم ده حوار مقرف.. كنت قاعد بتفرج على الماتش و.." أكمل المكالمة ليقص على صديقه ما حدث عله يشعر بقليلاً من التحسن..

--

"لا يا عمو أنا معنديش أخوات.. أصل بابا مات من زمان وأنا كنت صغيرة أوي.. كان عندي سنتين" اجابته بعدما تجاذب معها أطراف الحديث 

"امال مين بلال؟" 

"بلال ده أخويا يا عمو" أجابته رولا لتقسم لينا بداخلها أن تذيقها أشد العذاب 

"آه.. فهمت"

"فهمت ايه بالظبط؟" سألته لينا بعدما سمعت ما تمتم به 

"أصلي كلمت والدتك وقالت ان المفروض بلال كان يجي معاكي أنتي ورولا.. خدي بالك بقا أحسن شكلها متعصب جداً.. كلميها كده براحة علشان هي قلقانة عليكي" 

"بس كده العمارة اللي جاية على اليمين" تحدثت رولا ليتوقف أمجد "متشكرة جداً لحضرتك" أخبرته ليومأ لها ثم خرجت من السيارة 

"العفو يا بنتي أنا معملتش حاجة"

"كلميني لما تروحي" أخبرت لينا ثم أشارت لها لتودعها "باي"

"باي" ودعتها هي الأخرى بينما أنتظر أمجد للتأكد من أن رولا دلفت بوابة المنزل ووصدتها خلفها 

"يعني هي متعصبة أوي!!" نظرت له في حيرة وارتباك 

"بصراحة هي معاها حق.. شكلها بتخاف عليكي جداً"

"اه ما هي دايماً بتخاف وبتقلق.. بس أنا يعني كنت هاعمل ايه.. بلال كان مع أصحابه وبيفضل يتريق عليا أنا ورولا وأنا كنت عايزة ابعتلها الحاجة.. ده جزاتي يعني"

"حصل خير يا حبيبتي أنتي بس ابقي اعتذريلها وابقي خدي بالك ومتروحيش بيت حد متعرفيهوش تاني كده ممكن يطلع حد مش كويس لا قدر الله" زفرت في قلة حيلة

"ماشي.. عندك حق" تمتمت بنبرة حزينة 

"بلاش التكشيرة دي بقا وقوليلي امشي الطريق ازاي" التفتت له بإبتسامة 

"حاضر"

--

ابتعد قليلاً بسيارته بعدما تأكد من صعودها للمنزل وقد أحتفظ برقمها ثم صف السيارة مرة أخرى ولم يستطع الإنتظار كي يصل لمنزله وتناول هاتفه ليطالع حسابها وأخذ يشرد بكل صوره أكثر من اللازم.. لا يُصدق أن هذه المرأة تملك فتاة بالتاسعة عشر وعلى هذا القدر من الجمال، شرد مجدداً بتفاصيلها وعينتيه اللاتي سحراه وخلبا عقله، لأول مرة منذ وفاة زوجته وهو يشعر بأنه يريد التعرف على إمرأة والحصول عليها كي تُصبح زوجته.. لم يعرف كيف حدث ذلك أو متى حدث ولكنه حدث على كل حال وقرر أنه لن يتركها لتضيع من يده.. فإمرأة مثلها تبدو ناجحة، جميلة، ظروفهما تتشابه، كما أن ابنتها على قدر من الإحترام بالرغم من تلك الطفولية الشديدة التي حدثت بها صهيب ولكنها تبقى بالنهاية فتاة على قدر جيد للغاية من التربية ولا تتقبل أن يتحدث لها رجل بطريقة لا تليق ولا حتى قبلت أن تدلف المنزل منذ أول دعوة ولابد من أن والدتها هي من وراء كل ذلك..

فبعد أن قصت عليه لينا كيف تعيشان بمفردهما وكيفية تفوقها في عملها وإهتمامها بإبنتها وكذلك تأمين حياة جيدة لها جعلها كل ذلك تعلو في نظره للغاية، فهي ليست إمرأة جميلة فحسب بل إمرأة على قدر هائل من تحمل المسئولية والإستقلال وليست بالمرأة الضعيفة التي تعتمد على الآخرين.. 

ربما أن لسانها سليط.. قليلاً.. يُمكن عند غضبها فقط.. ولكن لن ينكر أن ما حدث اليوم قد يجعل أي شخص غاضباً.. كما أن أول ما أخبرها به عندما سخر من قيادتها كان لا يليق.. عليه إذن إنتظار عودتها والتحدث معها بهدوء ولربما يتبين كيف تشعر هي نحوه.. تشعر!! أليس هذا مبكراً نوعاً ما؟ أهو يشعر بشيء؟ هذا مبكراً للغاية وهو أيضاً يستبق الأحداث.. عليه التريث والإنتظار ولربما سيتعارفا بشكل أفضل.. هو لم يقض معها سوى أقل من ساعتان.. عليه الحكم على ما أن شعر لها بمشاعر أم لا بطريقة أفضل من ذلك إذن!!

ترك هاتفه المحمول جانباً ثم شرع في القيادة ليصل إلي منزله ولأول مرة منذ ما يقارب من عشرون عاماً وجد نفسه يُفكر بإمرأة دون توقف..

دلف المنزل ليرى أن صهيب قد ترك كأسان العصير منذ مغادرة لينا وصديقتها فهذا يعني إعلان عصيانه التام على كل ما حدث ويبدو وأنه سيتوقف عن التعامل معه لفترة ليست بالقصيرة.. زفر ثم توجه للأعلى حيث غرفة صهيب ليتحدث معه وطرق الباب ثم دلف ليجده جالساً بالشرفة يطالع شيئاً ما على هاتفه..

"صهيب" ناداه بينما لم يرفع نظره عن هاتفه 

"نعم يا بابا" اجابه بإقتضاب 

"يعني هتكلمني وأنت باصص في موبيلك كده؟" 

"اتفضل يا بابا" تنهد ثم وصد هاتفه ونظر له 

"كان ينفع يعني تعمل اللي عملته ده؟" أخبره لائماً اياه 

"هو يعني اللي البتاعة دي عملته كان ينفع.. وبعدين أنا مش فاهم خبط مين وايه الموبيل وايه الفيلم الهندي ده كله" صاح بإمتعاض 

"هحكيلك كل حاجة.. وكمان كنت عايز أخد رأيك في موضوع كده.."

--

"تقدري تفهميني أنتي ازاي تروحي بيت راجل غريب منعرفهوش لواحدك.. ازاي تعملي كده من غير ما تقوليلي؟!" صرخت بها لتبتلع لينا في تردد 

"يعني يا ماما كنت أعمل ايه.. بلال كان مع أصحابه وقال لأ مش هيوادينا" 

"ولو!! كنتي تستنيه لبكرة ولا بعده" زجرتها بالمزيد

"والله يا ماما كنت عايزة اجيبلك الحاجة اللي على الموبيل مش أكتر.. وبعدين عمو أمجد طلع كويس جداً وراجل محترم.. وحتى وصلني أنا ورولا لغاية البيت.. متضايقيش بقا والنبي" 

"أول وآخر مرة تعمليها" صاحت بها بغضب ثم زفرت لتتابع "يا حبيبتي يا لينا أنا كنت خايفة عليكي.. أفرضي طلع راجل مش كويس؟ أفرضي كانت أي حاجة حصلت.. تخيلي بقا أنا كان هيحصلي ايه لو جرالك حاجة" حدثتها بهدوء بعد أن هدأت ثورتها 

"معلش حقك عليا أنا آسفة ومش هتتكرر تاني.. وبجد طلع إنسان محترم أوي!! بس عليه حتة ابن!! يا سااتر!! مقرف وخنيق ورخم أوي"

"ومراته بقا كانت في البيت ولا هو وابنه بس؟" سألتها في استفسار

"لا هو مراته ماتت من زمان ومعندوش غير صهيب.." تريثت لبرهة ثم تابعت "بس شكلهم مستريحيين أوي وعمو أمجد شكله محترم وابنه على قد ما هو مز بس رخم رخامه!! بجد رخم اكتر من بلال"

"طيب ياختي وبطلي تعاكسي الولاد يا بنت!"

"أعاكس!! ده صهيب ده لو آخر واحد في المجرة أنا استحالة أعاكسه.. ده بايخ!" 

"ماشي.. روحي انتي بقا لروياتك وسيبيني أنام عشان أصحى بكرة أكمل كام حاجة نقصاني"

"ماشي يا جيجي تصبحي على خير واوعي تزعلي مني.. هاتي بوسة بقا" بعثت لها بقبلة استمعت لها لينا 

"وأنتي من أهله يا حبيبتي وخدي بالك من نفسك"

"حاضر يا جيجي .. باي" ودعتها ثم أتصلت برولا لتجيبها بعد أول جرس

"أنتي يا متخلفة يا هبلة.. ايه اللي أنتي عملتيه مع الراجل ده النهاردة؟! أنتي مجنونة يا رولا؟!" زجرتها بشدة

"أنتي over كده ليه.. الراجل عسول أوي وشكله حلو ومقدرتش أقاوم بصراحة.. تحسيه بطل رواية كده من اللي بنقرا عنهم" تنهدت في إعجاب 

"يا بنتي رواية ايه أنتي هبلة!! أفرضي كان طلع مش كويس.. كنا عملنا ايه دلوقتي؟!" 

"ما هو كويس أهو وراجل gentle ومسبناش لوحدنا.. بلاش مبالغة بقا!" 

"ماشي يا زفتة بس اياكي تعمليها تاني.."

"ايه هتقري الجزء التاني من الرواية النهاردة؟"

"لا أنا عندي كام حاجة عايزة أعملها ومكلتش من الصبح ولسه هنضف البيت.. اوضتي بقت مزبلة ومش ناقصة جيجي لما تيجي تديني درس جديد بسبب الموضوع ده"

"طيب طيب.. قومي انجزي اللي وراكي ولما تخلصي قوليلي علشان نقراها سوا"

"خلاص ماشي.. يالا سلام"

"سلام" أنهيا المكالمة بينما نهضت لينا وبدأت في ترتيب غرفتها قبل صُنع الطعام!

--

"القمر بتاعنا عامل ايه النهاردة؟!" تحدث أمجد بالهاتف فهو يهاتفها الآن كل يوم 

"تمام يا عمو أمجد والله ومتحرمش من سؤال حضرتك.. حضرتك عامل ايه؟"

"أنا كويس يا حبيبتي.. مش محتاجة حاجة أجيبهالك؟"

"متشكرة أوي يا عمو عندي كل حاجة وخلاص ماما هتيجي اهي النهاردة"

"اه ما أنا في طريقي للمطار أهو هاروح اجيبها"

"بجد شكراً يا عمو أنا مش عارفة أشكر حضرتك ازاي"

"مفيش شكر ولا حاجة يا حبيبتي.. محتاجة أي حاجة؟"

"لا شكراً ربنا يخلي حضرتك"

"ماشي مع السلامة" أنهى المكالمة ليزفر بقليل من الإرتباك فها هو قد كسر الجليد مع ابنتها وأصبح يتحدث لها كل يوم لطيلة أسبوع بأكمله ولم يعد يطيق الإنتظار أكثر 

"آلو" أجاب صهيب الذي وجد اسمه يظهر على الشاشة 

"ايه يا سيادة البشمهندس.. الناموسية كحلي ولا ايه؟ فينك من الصبح؟"

"ما قولتلك اني هاروح اجيبها النهاردة من المطار وانا في طريقي اهو" 

"ايوة يا سيدي.. الحب مرمطة صحيح" ضحك بخفوت 

"لا حب ايه.. بدري شوية على الكلام ده" أنكر إعترافه بما يشعر به 

"ده أنا هتموت عليها.. فكرك السرحان اللي في الموبيل في أكونت الفيسبوك بتاعها مش باين يعني؟ ده لحست دماغك"

"يا واد حد يقول لأبوه لحست دماغك"

"أبوه ايه بقا.. ده أنا شكلي اللي بقيت بابا وعجزت وأنت الله يسهله يا سيدي.. يعني مفيش غدا سوا النهاردة!"

"يا ابني وأنا حايشك.. ما تروح تحب وتتجوز كمان.. ولا هتغدا برا"

"ايوة بقا.. عازم المُزة.. وبعدين لا يا بشمهندس أنا ضد الإستعجال" 

"ماشي يا اخويا.. ربنا يصبرني بقا.. يالا أقفل علشان أركز في الطريق"

"أوبااا.. واضح اننا بقينا بنخاف.."

"تصدق إنك رخم.. يالا أقفل" 

"ماشي يا عم العاشق الولهان.. سلام" 

أنهى المكالمة مع ابنه ليزفر في قلق وإرتباك فهو متشوق لرؤيتها ولم يعد يتحمل هذا الإبتعاد أكثر من ذلك.. صف السيارة ثم تأكد من هندامه ودلف لقاعة الوصول لإنتظارها وبالرغم من أنه قد وصل مبكراً إلا أنه لا يريد أن تضيع ولو لحظة واحدة دون أن يراها..

أخذ ينظر نحو هؤلاء المسافرين الذين وصلوا للتو ويتحرق لرؤية ملامحها ووجهها الجذاب بفارغ الصبر ليراها بعد مرور دقائق تأتي مع وفد نساء وملابسهن تبدو واحدة لتبتسم لهن مودعة إياهن ليشرد هو بتلك الإبتسامة التي جعلت قلبه يخفق بشدة وظل ناظراً نحوها ولم يفيقه من شروده سوى تحركها للمغادرة ليتوجه هو نحوها مسرعاً ومبتسماً إليها 

"حمد الله على السلامة" مد يده ليصافحها 

"الله يسلمك.." ابتسمت له هي الأخرى وصافحته ولم يترك يدها لينظر له كي يُمتع عيناه بالنظر لتلك الإبتسامة التي تبدو كشمساً غزت عالمه الليلي الذي لم تزوره الشمس منذ سنوات عديدة "معلش بقا عطلت حضرتك"

"لا مفيش عطلة ولا حاجة" أخبرها وهو لا يزال محتفظاً بإبتسامته "أتفضلي" شعر بالإستغراب من ملامح وجهها التي امتعضت في انزعاج 

"طب سيب ايدي طيب وأنا أتفضل" همست بلهجة متعجبة 

"آه آسف.. معلش مخدتش بالي" هزت رأسها له وهي تنظر له بغرابة ثم توجها سوياً للخارج 

"أستاذ أمجد.. أنا حابة أتأسفلك.. يعني.. كنت عصبية معاك اوي بسبب اللي حصل وأنا كنت متوترة بس علشان الأسبوع ده كل سنة عليا بيبقا صعب" أخبرته معتذرة بينما دلفت سيارته 

"لا محصلش حاجة"

"ومتشكرة بجد إنك واخد بالك من لينا الفترة دي"

"لا ده لينا دي بنتي.. أنا طول عمري كان مفسي يبقا عندي بنت.. بس ربنا رزقني بقا بصهيب"

"ربنا يخليهولك" ساد الصمت لفترة وعينا أمجد لا تفارقها لتحمحم في توتر ثم تحدثت مرة أخرى بينما شرع هو بالقيادة "ايه أخبار العربية"

"تمام.. بس لسه مخلصتش وقدامها شوية"

"يا نهار أسوح.. لسه مخلصتهاش!! وأنا هاعمل ايه دلوقتي؟ امال طول الأسبوع اللي فات ده كنت بتعمل ايه؟ أنت بتستهر بيا ولا ايه مش فاهمه.." أكملت صراخها لينظر لها متنهداً ليصف السيارة على احدى جوانب الطريق وهي لا تزال تصيح بكلمات لم يعد يكترث لها ليلتفت لها بمنتهى الهدوء الذي عاكس نبرته

"جيهان!!" توقفت عن الحديث وهي ترمقه في ارتباك بعد مناداته لها بتلك الطريقة التي شابهت الصراخ تماماً!!


يُتبع..