-->

الفصل السادس - عشق ناضج وعشق مجنون


الفصل السادس

 

لم تتخيل بيوم أن مجرد ارتطام عابر لسيارتها بسيارة رجل آخر فد توصلها أن تحيا تلك الحالة من الرومانسية، علاقة حب جميلة تعيشها مع رجل مثل أمجد، رجل يُفكر بمنتهى المنطقية الشديدة والنضوج دون إغفال المرح والمشاعر.. لقد ظنت أنها لن تملك أبداً رجل إلي جوارها لتتقاسم معه علاقة كالتي تتقاسمها معه الآن..

كإمرأة بالثمانية والثلاثين من عمرها لم تتخيل أنها ستعيش قصة حب مرة أخرى بعد وفاة زوجها، لربما فكرت بالأمر لحظياً وهي بالعشرينيات، لقد كانت فكرة الزواج بالنسبة لها مرعبة للغاية، فلربما أي رجل وقتها لترتبط به وقتها كان سيصمم على الإنجاب مرة أخرى، أو لربما كان سيتحكم بتلك التحكمات الغريبة بأن تترك عملها وتتفرغ لمنزلها وتكوين أسرة، لربما كانت لتلاقي الرفض الشديد من كل المحيطين بها لمجرد إرادتها في الزواج مرة ثانية بعد موت زوجها..

لا يعني الزواج مرة ثانية أنها نسيت زوجها الذي كانت تحبه بجنون، ولا حتى يعني أنها توقفت عن حبه، ولا يعني ظلمها لإبنتها التي وجدتها مُدركة للغاية لكل ما تفتقده هي نفسها، فكرت كثيراً بأن زواجها ليس لصورة اجتماعية ولا احتياج للمال ولا حتى الأبناء، ولكن الزواج به الكثير من الأمور التي كانت تشعر بفقدانها كلما مر الوقت عليها وحدها.. ألا يعني الزواج السكينة؟ المودة والرحمة؟ المساندة والمشاركة في كل شيء بالحياة بدايةً بالمصاعب والأعباء إلي السعادة والفرحة والمرح؟ 

لا تصدق أنها قاربت من الوصول إلي كل ذلك مع أمجد، ذلك الرجل الرائع الذي كلما قصت عليه أحدى المصاعب التي تواجهها تجده بطريقة ما يُبسط الأمر للغاية حتى يتلاشى شعورها بالإرتباك والخوف.. لا تُصدق أنها بعمرها ذلك وجدت الرجل الذي يُعامل ابنتها كإبنته بل وتفوق عليها هي نفسها في الإقتراب الشديد من ابنتها وكأنه هو من رباها وحده طوال تلك السنوات الماضية، لا تُصدق أنها وجدت به الحنان الشديد لكل ما يطرأ عليها من مواجهات عصيبة في يومها، احتواء غريب يُشعرها به كلما مرت الأيام لتدرك كم من الوقت عانت وحدها وجعلها تتمنى بينها وبين نفسها لو وجدته منذ سنوات عديدة حتى تهنأ بوجوده معها..

ارتشفت من كأس العصير أمامها وبداخلها بعضاً من الإرتباك، بالرغم من التقدم الشديد والهائل السريع الذي آنسته وحققته بعلاقتها بأمجد بغضون الأيام الماضية ولكنها لا تزال تحمل في نفسها بعض الخوف من مواجهة ابنه صهيب.. لقد صممت على التحدث معه على إنفراد، هي تُصدق أمجد ولا ترتاب به ولا تشكك بكلماته التي لطالما تحدث بها عن دعم ابنه ولكن لربما صهيب لا يتقبل فكرة زواجهما، لربما لا يُحبذها ورافضاً للأمر برمته عكس ابنتها التي تيقنت أنها تدعم زواجهما للغاية.. ويحاول فقط اظهار دعمه مثلما يُخبرها أمجد ولكن بقرارة نفسه قد يكون غير متقبلاً لزواج أبيه..

أجبرت ابتسامة بشوشة لترتسم على شفتاها وتهللت ملامحها وهي تحاول بإستماتة أن تُخفي ارتباكها من مواجهته عندما رآته قادماً وصممت على أن تسلط جميع تركيزها على كل ما سيفعله من تحركات أو إيماءات حتى تدرك ماهية شعوره وتفكيره بزواجهما..

"أنا شوفت صور وسمعت البشمهندس وهو بيتكلم عن جمالك بس واضح الحقيقة أحلى بكتير" أخبرها في إعجاب وهو يُصافحها لتجد نفسها تبتسم بقليل من الخجل 

"مش للدرجادي يعني.. أنا حلوة آه بس مش أوي كده" أخبرته بإبتسامة رائعة تهللت بها ملامحها أكثر 

"مش للدرجادي ايه.. ده لو مكنش البشمهندس أمجد قاللي كنت جوزتهولك غصب عنه" نظر لها بإعجاب وهو يجلس على الكرسي المقابل لكرسيها 

"ياااه.. ده أنت شكلك عايز تخلص منه بسرعة أوي بقا" 

"لا أخلص من البشمهندس!! مقدرش طبعاً.. ده أنا محلتيش غيره.. أنا كنت بس نفسي أشوفه عايش مبسوط" 

"إن شاء الله هتشوفه أسعد راجل في الدنيا" 

"لا بقا ما خلاص شوفته.. من ساعة يوم الحادثة ده وهو اتغير خالص"

"اتغير ازاي يعني؟" ضيقت ما بين حاجبيها وهي تتفحص ملامح هذا الرجل الوسيم أمامها 

"بقا بيسهر، ولازق في موبايله، وبيحكيلي عن مدام جيهان بضحكة حلوة كده.. بجد متعرفيش أنتي عملتي فيه ايه!" أخبرها بإبتسامة لتبتسم له هي الأخرى 

"أفهم من كده إنك معندكش أي مانع لجوازي أنا وباباك؟!" سألته ثم ركزت بشدة بملامحه وإيماءاته ليزفر هاززاً رأسه 

"مانع ايه بس!! مانع ايه؟! ده أنا ما صدقت إنه لقى أخيراً واحدة قلبه يتفتحلها بعد العمر ده كله.. ده أنا هاجي أبوس ايديك كمان شوية علشان تتجوزوا النهاردة قبل بكرة" لم تعد تدري ماذا عليها القول ونظرت له في سعادة وكل ما يخبرها به لم يتركها دون أن تطمئن بماهية شعور صهيب تجاه زواجهما لتنظر له في عشق تام وامتنان "قوليلي بقا أقولك يا طنط ولا يا ماما؟" سألها رافعاً احدى حاجباه 

"ولا طنط ولا ماما.. قولي يا جيجي واعتبرني صاحبتك"

"جيجي!!" توسعت عيناه ثم رمقها في جدية "بس كده البشمهندس هيغير على فكرة ومش عايزين مشاكل من أولها" تعالت ضحكاتها في قهقهات وهي تنظر له وأكملا جلستهما سوياً ليتناولا أطراف الحديث معاً..

--

 

"لأ.. أنا خايفة أوي.." تحدثت جيهان في توتر 

"جرا ايه يا جيجي.. خايفة من ايه؟!" سألتها لينا في جدية شديدة وهي تتفحص ملامح والدتها 

"حاسة.. حاسة إني.. إن شكلي مبهدل كده وشبه البنات البيئة اللي هنا وردة وهنا فيونكة.. أنا هاغير كل ده" أجابتها في ارتباك شديد

"ياربي الست دي هتشلني" خللت لينا شعرها بأصابعها في عصبية ثم توجهت لتدفع والدتها للنظر بالمرآة "بذمتك بصي.. فين اللي هنا وردة وهنا فيونكة؟ ده أنتي شكلك زي القمر.. اللي يبصلك يقول خمسة وعشرين سنة مش تمانية وتلاتين أبداً.. الفستان هادي ورقيق وهياكل منك حتة، شعرك تحفة وسبحان الله مش منعكش ولا هايش ولا أي حاجة زي ما متعودة عليكي.. والميكب اللي جننتيني وأنا بحطهولك رقيق أوي وماشي مع الفستان وشكلك كله على بعضه حلو أوي.. وحتى الفرنش اللي في ضوافرك هادي ولايق مع الإستايل كله.. حرام عليكي بقا يا جيجي أنا عمري في حياتي ما شوفتك حلوة زي دلوقتي" 

"يا جماعة عمو أمجد جه تحت" دلفت رولا بهرجلة وهي تصيح بكلتاهما لتتوتر جيهان أكثر 

"لأ.. لأ.. خليه يستنى.. أنا لسه هاغير.. لأ مش هانزل معاه لأ" 

"اهي رجعت تغني لأ لأ تاني!!" زفرت لينا في ضيق من تصرفاتها 

"فيه ايه بس يا طنط جيجي؟" توجهت نحوها رولا وحدثتها في استفسار لإرتباكها الواضح 

"حاسة إن شكلي كله وحش وإني لازم أغير الميكب و.. لأ مش هالحق" تحدثت في توتر 

"والله يا طنط شكلك قمر.. وبعدين يعني دهعمو أمجد بيموت فيكي وهيشوفك حلوة في أي حاجة" غمزت لها بإبتسامة 

"الله يكرمك قوليلها أحسن دي جننتني من الصبح" تحدثت لينا بنبرة امتلئت بالإرهاق والسأم 

"بجد يا رولا" 

"والله العظيم زي القمر وحلوة اوي وتجنني" ابتسمت لها بعذوبة لتبتسم لها جيهان في توتر لتستمع ثلاثتهم لجرس الباب "أنا هاروح افتح" تحدثت رولا 

"لا لا استني.. أنا لسه ملبستش الـ shoes" تحدثت جيهان بإرتباك لترفع لينا يدها بحذاء والدتها 

"روحي يا شيخة خلينا نخلص من جو التوتر ده" أومأت إلي رولا لتذهب وتتركهما 

"ماشي يا جزمة.. عايزة تخلصي مني؟" نظرت لها جيهان في تحفز بينما أقتربت لينا منها وهي تغلق رباط حذائها الأنثوي للغاية حول ملتقى ساقها بقدمها 

"أنا أقدر يا جيجي أعيش من غيرك بردو.. أنا بس مش فاهمة أنتي متوترة أوي كده ليه" 

"مش عارفة يا لينا.. حاسة إني في حلم ومش مصدقة أي حاجة بتحصل حواليا" همست جيهان لتنهض لينا بعدما أنتهت من مساعدتها في توصيد الحذاء 

"مبروك يا ماما" ابتسمت لها وقد دمعت عينتيها السعيدتان لتدمع عينا جيهان مثلها "ربنا يسعدك مع عمو أمجد ويعوضك عن كل اللي عشتيه.. أنتي عمرك ما قصرتي معايا في حاجة وربتيني أحسن تربية وعمري ما كنت محتاجة حاجة وملقتهاش.. ربنا ما يحرمني منك ويارب أشوفك مبسوطة على طول" قبلت كلتا يديها لتجذبها جيهان في عناق 

"يا جزمة عقبالك.." همست بنبرة تحشرجت بالبكاء وهي تعانقها 

"لا بقا متعيطيش لا الماسكرا تسيح وعمو أمجد يتجوز باندا" أخبرتها لتفرق عناقهما وجففت جيهان عينتيها بينما استمعا لطرقات على الباب لتهرع لينا كي تفتحه لتجد أمجد يبدو وسيماً للغاية وحمحمت وهي تقف لتنظر له في مزاح ولم تفتح سوى القليل من الباب

"ضروري يعني تتجوز ماما.. ما أنا موجودة أهو" ضحك أمجد 

"افتحي يالا.. هنبقا نشوف موضوع جوازك ده بعدين" 

"طب تدفع كام وأنا أعديك؟" صاحت في تحفز ليرفع حاجبه 

"اشتراك Netflix ، موبيل جديد، لابتوب جديد، وهوصلك كل يوم الجامعة بنفسي" همهمت لينا وهي تضيق عينتيها في مُزاح ورمقته قالبة شفتيها وكأنها تُفكر في عرضه الذي عرضه عليها للتو 

"وتبعد صهيب عني!!" أخبرته مضيقة ما بين حاجبيها 

"هطردهولك من البيت كمان يا ستي" ضحكا سوياً لتستمع لينا لزفرة صهيب الواقف خلفه ولكنها لم تكترث 

"خلاص اتفقنا.. ادخل بقا للمزة أحسن دي طلعت عنينا من الصبح" فتحت الباب بأكمله ليدلف ناظراً لها بإبتسامة وهو لا يصدق أنه سيتزوج من تلك الجميلة التي تبدو وكأنها فتاة بالعشرينات من عمرها وكأنما تلك الفتاة التي أنجبتها هي صديقتها فحسب فأقترب منها ليقبل جبهتها أمام الجميع لتصيح رولا ولينا خلفه في إعجاب 

"زي القمر" همس لها ثم قبل كلتا يديها في رقة لتبتسم له في خجل وكأنها فتاة صغيرة لم تواجه رجل قبله أبداً ولم تستطع أن تحدثه ليشابك أصابعه بأصابعها "مش يالا ولا ايه؟" أخبرها لتومأ له ثم توجهت معه للخارج ليفسح لهما الجميع الطريق وتبعهما كلاً من رولا وصهيب الذي رمق لينا في امتعاض لتبتسم له هي الأخرى ابتسامة غير مُرحبة تماماً..

--

"شوفتي.. عرفتي إن كان ليا نظرة من زمان في عمو أمجد.. ده طلع رومانسي بشكل.. مالوش أخ صغير شوية ولا حاجة" تحدثت رولا إلي لينا اللتان وقفتا لتشاهدان أمجد وجيهان يرقصان سوياً بمنتهى التناغم وعينتيهما تفيضان بالعشق لبعضهما البعض 

"أول مرة تبقي صح في حاجة" تنهدت لينا بإبتسامة "بس بجد أنا مبسوطة علشانها أوي" 

"ومين ميتبسطش يا بنتي.. ده هيدلعها آخر دلع.. ورد وباخرة تحفة وشبكة سوليتير والراجل حلو أوي و.."

"بت أنتي بتقري على ماما!!" قاطعتها وهي ترمقها بعصبية 

"بصراحة آه" ضحكت لها وهي توسع من نظرة عينها لها 

"عارفة لو مكناش وسط الناس كنت جيبتك من شعرك والله"

"يا لينا أعمل ايه طيب وهي اتجوزت الكراش بتاعي"

"كراش في عينيك يا حيوانة"

"طب بصيله كده.. والله شبه بدر" تنهدت في إعجاب 

"سيبي الراجل في حالة.. ده شوية وهيولع يا بنتي من عينك" 

"مش قادرة بصراحة.." تحدثت لصديقتها لترمقها لينا بنظرة جانبية منزعجة منها "إلا صحيح أنتي هتباتي النهاردة في البيت لوحدك؟" سألتها في اهتمام 

"لأ.. ماما وعمو أمجد أتفقوا إني هاروح البيت مع صهيب.. وعمو أمجد جهزلي أوضة تحفة لازم تيجي تشوفيها" 

"يا سيدي يا سيدي.. بياخد باله من كل حاجة" غمزت لها 

"يا ستي سيبي الراجل في حاله بقا"

"طب وأنتي هتعملي ايه مع صهيب.. ناوية تولعيها بردو ولا بقيتو أحسن؟" تنهدت لينا ونظرت لها في حيرة 

"أنا وهو مبنتكلمش أصلاً.. وحتى لما كنت بشوفه مكنتش بكلمه.. واد رخم"

"بس الصراحة مُز أوي.. بصي يا بنتي عامل ازاي.. عيون ايه وجسم ايه.. صحيح هذا الشبل من ذاك الأسد اوعدنا يارب" تنهدت رولا في اعجاب لتزفر لينا على كلماتها 

"بت أنتي.. هو أنتي هتفضلي تريلي كده على كل راجل شكله حلو.. وعلى فكرة بقا الحلاوة مش مهمة لو كانت الراجل شخصيته زبالة زي الزفت اللي قاعد هناك ده.. ده مقرف.. وبيتكلم دايماً بعدم احترام.. وبصي البت اللي قاعدة معاه لابسة فستان عامل ازاي؟ لو ده اختياره يبقا راجل مش محترم!" أخبرتها في جدية 

"خليكي أنتي فكري كده بالطريقة دي وسيبيني أنا أعاكسهم براحتي.." 

"تصدقي أول مرة أحس إن أخوكي الرخم احسن منك!! أنا رايحة أقعد معاه وسيباكي" أخبرتها في ضيق ثم تركتها وغادرت لتجلس مع بلال

--

"حلو أوي الفرح بجد يا صُهيب.. هادي وشيك وباباك ما شاء الله عسول أوي.. عقبالك" ابتسم لها بإقتضاب ليومأ لها في عدم ترحيب "وأنت بقا مش ناوي تتجوز بعد جواز باباك؟" سألته هامسة بتلك الطريقة المُغرية التي يتقزز هو منها 

"لا لسه بدري" أخبرها بإقتضاب 

"ليه.. أنت يعني مش شايف حد بيحبك ونفسك ترتبط بيه؟" سألته وهي تمرر يدها على ذراعه ليرمقها في غضب 

"لأ!! معلش بعد اذنك هاروح أشوف أكرم وخطيبته" نهض مبتعداً عنها وهو يزفر في تعجب من محاولاتها التي لا تنتهي في التقرب منه 

"عجبك الموقف الزبالة اللي أنا فيه ده بسببك!!" تحدث صهيب إلي أكرم في غضب ليضحك الآخر له 

"يا عم صاوصاو اهدى كنت بتكلم بحسن نية والله"

"اهي جت وشبطت!! وأنا أصلاً مش ناقص قرفها هي كمان.. دي مش عايزة تحل عني بطريقتها القذرة دي قدام الناس.. تقول ايه طنط جيهان عليا ولا الناس اللي يعرفونا" تعالت أنفاسه في إنزعاج 

"يا عم دي مُزة فشخ والناس هتكلها بعينيها، أنا مش فاهم أنت ازاي أهبل كده"

"بتقول حاجة يا حبيبي!!" صاحت خطيبته في تحفز 

"بقول إن أنتي مُزة وزي القمر والناس هتاكلك بعنيهم وأنتي جنبي" زفر صهيب زفرة متهكماً على أكرم الذي تحول في ثانية واحدة "معلش صهيب عايز ياخد رأيي في حاجة في الشغل" ابتسم لها لتومأ له في اقتضاب مضيقة عينيها 

"شغل بردو!!" همست في تهكم 

"طبعاً يا حبيبتي.. دقيقتين ومش هتأخر" ابتسم لها مجدداً ثم توجه بصحبة صهيب ليبتعد عنها قليلاً حتى لا تسمع حديثهما 

"ينفع اللي أنت عملته ده؟ ليه جبت سيرة الفرح قدامها في المكتب!" تعالت أنفاسه في إنزعاج 

"يا عم ما تعديها أنا مكنتش أقصد حاجة"

"ماشي يا أكرم.. مش هنسهالك أبداً" شرد بنظره ليجد لينا تنظر بهاتف رجل جالساً بجانبها ويضحكان سوياً 

".. لما أنت كده.. يبقا خليك ناشف وقولها في وشها صريحة" 

"بتقول ايه؟!" لم يستمع لما قاله حقاً فقد كان يتابع لينا بزرقاوتيه ولا يدري كيف شرد بها 

"أنت مش معايا شكلك" نظر أكرم إلي ما ينظر إليه صهيب "ناوي تنقل العطا من سمر للينا ولا ايه؟"

"يا عم اهمد الله يكرمك.. أنا أطيق العمى ولا أطيق اللي اسمها لينا دي.. مش عارف هنعيش في بيت واحد ازاي!" 

"لا واضح فعلاً إنك مش طايقها" ابتسم في تهكم "بس البت بردو مُزة و.."

"ما تجيب سيرة عدلة بقا" قاطعه في إنزعاج ولا يدري لماذا لم يُعجبه حديث أكرم عنها بتلك الطريقة ليسير دافعاً اياه لركن بعيد لا يستطيع عن طريقه رؤية لينا 

--

"حبيبتي قلقانة ليه؟!" همس أمجد بنبرته الرجولية لتلتفت له جيهان ناظرة إليه 

"يعني.. قلقانة على لينا.. أنت عارف هي وصهيب عاملين ازاي" أخبرته بنبرة قلقة

"متقلقيش.. هو صهيب عصبي بس راجل واستحالة يدايقها وأحنا مش موجودين.. وبعدين ده أسبوع يعني مش سنتين" أومأت له وملامحها لا تزال يعتريها القلق والإرتباك وأعادت نظرها أمامها "لا شكلك كده مش مبسوطة" أخبرها لتلتفت له مجدداً ناظرة له بإستغراب 

"لا طبعاً يا أمجد مبسوطة" ابتسمت له "بس أنت عارف أنا بكون قلقانة على لينا ازاي.."

"قولتلك متقلقيش.. وكلها ساعتين وهنوصل وأنتي عارفة انها بتسهر وهنطمن عليها" ابتسم لها ثم جذب يدها ليُقبلها "خليها سفرية حلوة بقا وفكي كده يا جيجي" توسعت ابتسامتها وهي تنظر له 

"متأكدة هتبقا حلوة علشان معاك" أخبرته في رقة ليبتسم لها مُضيقاً عيناه في مكر 

"ده أحنا واثقين أوي بقا" 

"أكيد.. ولو موثقتش فيك هاثق في مين بس" 

"لا الكلام ده كتير عليا" غمز لها لتتوسع ابتسامتها "وبعدين جبتي الثقة دي منين وأحنا لسه موصلناش.. مش يمكن أطلع راجل نكدي ولا حاجة؟" 

"لا استحالة تكون نكدي أبداً، أنا متأكدة إني هاعيش عمري كله معاك مبسوطة"

"طب مش تستني تعرفي الأول هنعمل ايه وبعدين تحددي هتتبسطي ولا لأ؟" نظر لها بخبث لتضيق ما بين حاجبيها في تعجب 

"هنعمل ايه يعني؟" سألته بعفوية ليقترب هو منها بمقعد الطائرة المجاور له وأخذ يهمس بأشياء جعلتها توسع عينتيها في دهشة ودفعت حمرة الخجل لوجهها بأكمله..

--

"مين ده اللي كنتي قاعدة معاه النهاردة ساعة الفرح؟!" استسلم عقله أخيراً وأطلق ذلك التساؤل الذي يُحيره منذ أن رآهما سوياً وظل يُفكر بالأمر حتى أقتربا من الوصول لمنزلهما لترمقه لينا بمقعد السيارة المجاور له 

"وأنت مالك أصلاً!" اجابته بملامح ظهر عليها الضيق ليرمقها في إنزعاج 

"ما تردي عِدل.." أخبرها في تحفز 

"أنا أرد بالطريقة اللي تعجبني.. وأظن إن مالكش دعوة بيا.. وبعدين ردي كان عِدل ومفيهوش حاجة غلط!!" أخبرته في إنزعاج ثم ترجلت من السيارة وتركته ما أن صفها بالمرأب ولم تنتظره وتوجهت لتدلف المنزل ثم طلبت المصعد وما إن آتى دلفته ثم شعرت بالإرتباك لعدم إمتلاكها رمز السماح للمصعد ثم فجأة وجدت المصعد يرتفع بها للدور الأخير!! 

ابتلعت في ارتباك وأدركت فداحة غبائها فكان عليها أن تنتظره حتى تصعد معه للمنزل فهو أيضاً من يمتلك المفتاح وهي لا تملكه بعد ثم حاولت إقناع نفسها بأن أي مكان بعيد عنه هو المنطق المطلق أياً كان ما ستفعله!!

ترجلت من المصعد لترى رجل هو وزوجته يدلفانه وابتسما لها لتبادلهم الإبتسامة بوقار ثم قررت أن تهبط الدرج فمنزلهما يقع بالدور الرابع على كل حال.. 

وقفت أمام المنزل ثم أخذت تطرق الجرس ولم يجبها هو لتتعجب هل حقاً سيتركها دون أن يفتح لها الباب لتبتلع في وجل فكيف ستعود في مثل هذا الوقت لشقتها هي ووالدتها كما أنها لم تتذكر أن تحمل أية نقود في حقيبتها الصغيرة التي لائمت فستانها ليتعالى رعبها وأخذت تطرق بيدها على الباب في جنون..

"أنت يا بني آدم أفتح" صاحت بنبرة مرتفعة وأكملت الطرق ولم يجبها "والله العظيم هاكلم عمو أمجد وأقوله... أفتح بدل ما الم الناس كلها عليك دلوقتي" أستمرت في الطرق بسرعة على الجرس والباب بآن واحد بينما استمعت لصوت المصعد الذي توقف بنفس الدور لتلتفت خلفها لتجده قد آتى ولم تدرك أنه أستمع لصوتها منذ ثوانِ ليرمقها في غضب متمتماً

"غبية!!" 

"على فكرة بقا أنا سمعتك.. أنت هتفضل تتكلم دايماً بعدم احترام كده؟" صاحت به في انزعاج بينما لم يكترث وتوجه ليفتح الباب لتدلف خلفه ووصدت هي الباب "هو أنا مش بكلمك!!" صرخت خلفه ليلتفت هو لها بنفاذ صبر 

"بقولك ايه.. شغل الجنان بتاعك ده على المسى أنا مش عايز.. وآه أنتي ستين غبية.. واقفة وبتخبطي في نص الليل والجيران هتسمعك وأنا أصلاً طلعت بعد منك.. أنتي متخلفة يا بنتي!!" صاح متهكماً وهو ينظر لها فيتقزز 

"تصدق إنك قليل الأدب علشان تقولي الكلمة دي!! والله لما عمو أمجد يجي لا هقوله على كل اللي بتعمله ده.. أنا أصلاً غلطانة إني وافقت أجي أبات هنا.. ومن الصبح مش هتلاقيني في البيت.. أنا مش هاجي هنا غير لما عمو أمجد هو ماما يرجعوا من السفر.. وإياك تكلمني نص كلمة لغاية الصبح.. بني آدم مش محترم فعلاً" صرخت به ثم توجهت بطريقها للأعلى ولكنه أوقفها بنبرته الرجولية الغاضبة 

"بصي.. هبل مش عايز.. همّ أتفقوا إنك هتترزعي هنا لغاية ما يرجعوا يبقا تسمعي الكلام من سُكات ومش عايز أسمعلك صوت" حدثها صارخاً وهو يتبعها 

"اترزع!!" تمتمت في إندهاش ثم التفتت له وهي لتوها صعدت درجتان على المصعد "أنت فاكر نفسك ايه؟ أنت مين أنت أصلاً علشان تكلمني بالأسلوب ده؟ أنت مش ناوي تحترم نفسك بقا" صرخت به في غضب شديد ليحدثها بغضب مماثل 

"أنا محترم غصب عنك"

"إحترام ايه ده اللي بتتكلم عليه إن شاء الله وأنت كل ما تشوفني تكلمني بالأسلوب ده؟ أنا مش فاهمة أنت ازاي بجد ابن عمو أمجد وأنت إنسان بتكلمني كل مرة بعدم إحترام.. وصاحبتك قليلة الأدب اللي بتقعد معاها دي وجايبها في وسط الناس اللي تعرفنا في الفرح.. وكمان جاي آخر الليل تقولي غبية وتعلي صوتك عليا.. على فكرة أنا مش هاسمحلك إنك تـ.." أخذت خطوة للأمام ونست تماماً أنها فوق الدرج وشرعت في السقوط لتجد نفسها بين ذراعيه ونظرت له بعنتين متوسعتين في غضب تام!!

--

 

يُتبع..