اقتباس - الفصل التاسع والعشرون - الجزء الثاني - كما يحلو لكِ - النسخة العامية
الفصل التاسع والعشرون
النسخة العامية
الجزء الثاني
اقتباس
تجمدت بمكانها ثم انصتت مليًا لخطواته فوق
هذه الأرض المبطنة بالكامل بالبساط إلى أن تيقنت من ذهابه ومن شدة صدمتها لم تستطع
أن تتحرك ولو بمقدار أُنملة واحدة، كل ما ذهب إليه عقلها أن يكذب، أو أن هذا مجرد
اختبار جديد..
كيف عساها أن تتوقع غير ذلك؟ لقد اعتادت
الأمر معه، هو كاذب، ويضعها بمئات الاختبارات، وعند عودته بهاتفها لابد أن تُكمل
حتى خط النهاية في هذه السباق المرير الذي أخيرًا لاح شريط الفوز على مرمى عينيها!!
ترددت لبُرهة بداخلها عما لو كان محقًا في مقصده،
هل هذه ستكون البداية لعلاجه؟ أم هو يفعل شيء لا يقتنع به فقط من أجل أن يحصل على
المزيد من عشقها؟ لا، لن ينجح في ذلك، مع أول عثرة وأول هوة سيتساقط بهوة امراضه
إلى الأبد ولن يتغير أبدًا!
لقد عاهدها على الصدق ولم يفعل، لقد أخبرها
أنهما لن يتواجدان بهذه الغرفة الجحيمية اللعينة ولقد دخلاها من جديد، لقد أخبرها
أنه سيكون الرجل الذي تتمناه ومع أول نوبة أو ارتياب أو موقف طبيعي قد يحدث بين أي
زوجين يُخالف كل ما كان عليه.. هي لن تقع في هذا الفخ مرة أخرى..
لم تعد تلك الساذجة الضريرة بالوقوع في العشق
وحسب، فلقد تيقنت أنه هناك الكثير في الحياة أهم من العشق والانجذاب الجسدي.. ولو
ستتملكها عاطفتها تجاهه عليها العودة برأسها حوالي أسبوعين ماضيين فقط لتتذكر كيف
كانت كحيوان أليف بدخل قفص حديدي مُكبل من عنقه ولا يحق له التصرف كبنو البشر..
استمعت لخطواته من جديد فادعت ملامح التوجع
بينما هي مستقرة على الفراش لا تتحرك ومازالت ممسكة بأسفل بطنها وهمهمت في آلم
بهدوء لتستمع لصوت ارتطام بجانب الفراش ثم أحست به يقترب منها وانعكست شفتاه بقبلة
مطولة على جبينها وأخبرها وهو يمسح على خصلاتها:
-
أنا جبتلك موبايلك وفتحته، ابقي طمنيني عليكي
أول ما تصحي
همهمت له كاستجابة وفتحت عينيها مُدعية الإرهاق
وهزت رأسها بالموافقة ثم اغمضت عينيها ليقبل وجنتها من جديد ثم همس بالقرب من
أذنها:
-
هتوحشيني يا بنوتي..
التفت وغادرها بينما لم تر بعد ما تركه بجانب
هاتفها ولم تدرك كذلك ذلك الانزعاج بداخله فبمجرد قيامه بتشغيل هاتفها وجد كمية من
الاهتزازات التي لم تتوقف سوى بعد ما يقارب من أربع دقائق بعد كل تلك الاشعارات
التي وصلتها!
كاد أن يذهب فوجدت نفسها تتكأ على يديها
وهتفت تناديه:
-
عمر
استدار وحدقها بتساؤل فوجدها تنظر إليه بإرهاق
وحزن في نفس الوقت ولم يكن يعلم أن تلك الأيام الماضية معها ستمثل له فارقًا
للغاية هكذا وعاد من جديد ليجلس على طرف الفراش عندما قرأ حاجتها له بعسليتيها
لتضمه بشدة وحاولت أن تتماسك ولا تبكي، هذه هي المرة الأخيرة التي ستقوم بمعانقته
هكذا وسيضمها بين ذراعيه، لا تريد أن تذهب دون وداع بينهما وحتى ولو كان من
جانبها.. ربما هي أنانية ولكنها لا تتحكم في هذا الشعور اللعين الذي يولده قلبها
كلما نظرت إليه أو فكرت به!
-
بنوتي هما كام ساعة وراجعلك..
-
عارفة
سرعان ما همست مُعقبة بثقة ثم تابعت وهي تدعي
التعب:
-
أنا بس كان نفسي تكون جانبي النهاردة، بس
بردو شغلك لازم تخلصه، خليك بس ترجع كام يوم وبعد كده الأيام جاية كتير..
فرق عناقهما ليحدق بملامحها متفحصًا لتنظر له
ببراءة وملامح مُتعبة، بعد ما فعله بها ليلة أمس يتعجب؛ لقد قاربت على فقد وعيها،
أعجوبة أنها استطاعت الاستيقاظ بعد مرور القليل من الوقت، ولكن هو يعرف أنها
تستيقظ دائمًا بسبب الألم ثم تغرق في نوم عميق.. هذا ليس بجديد عليها..
ابتسم لها بلين ثم قبل أناملها لتتابعه
بعينيها وقبل جبهتها مرة ثانية ونهض لترفع عينيها نحوه وأشار لها مودعًا بابتسامة
وملامحه تلك أفضل ما قد تتمنى أن تتذكره وتحفره في ذاكرتها عنه للأبد وقت
افتراقهما..
سرعان ما ذهب للخارج ولم يكترث لارتياده "برق"
حتى يذهب للخارج وحتى ولو بملابسه الرسمية ثم عدل قليلًا من هندامه واستقل الكرسي
الخلفي للسيارة وانطلق بصحبة سائقه لمقر عمله وعقله مُشتت بين تلك المشاعر وبين أن
يُهيئ لـ "يزيد الجندي" أنه حاول وهذه كانت محاولته الأخيرة.. يرضى أم يقبل،
لا يكترث لهذه اللعنة بعد الآن، فلقد كانت "روان" محقة.. هو لم يعد طفل
بعد اليوم ليُملي عليه ما يفعله، لقد طفح الكيل من اتباعه خطاه وقوانينه..
بالرغم من صعوبة الأمر وشبه استحالته، ولكن
لكل قانون ثغرة يستطيع عن طريقها خرقه.. وفي خضم يقينه من هذا بمنتهى الإيمان..
نسي بالكامل أن شبه استحالة خسارة من يعشقها واستطاعتها خرق كل قانون سنه وتملكها
لكل الثغرات كالخاتم بأصابعها ترتديه كيفما يحلو لها ستحدث في أقل من ساعتين تمامًا!
❈-❈-❈
نهضت سريعًا بعد أن تيقنت من مغادرته للمنزل وبالطبع لم
يكن لديها وقت لتضيعه، فاتجهت لتنخفض بجسدها وهي تستكشف كيف سيمكنها أن تتخلص من
كل هذا البساط الذي غلف الأرضية بالكامل وليس له بداية من نهاية فأخذت تتبعه فلم
تجد أي شيء فسرعان ما اتجهت لأسفل الفراش وأخذت تتحسس بيدها وجود ما يدل على أي
شيء وبمجد تلمسها لشبه تجعيدات في الأرضية ارتفع نبض قلبها ارتباكًا.. لقد كانت
"يُمنى" مُحقة..
اخذت تحاول التلفت يمينًا ويسارًا لترى كيف يُمكنها
التخلص من البساط ولكن كونها زوجة "عمر الجندي" لوقت لا بأس به كان
عليها أن تجد حل لكل شيء، فلقد تعلمت منه الكثير..
اتجهت حبوًا للخارج وجسدها بأكمله يؤلمها، فهي لم تكن
تمزح، لقد اقتربت دورتها الشهرية بالفعل وما فعلاه بالأيام الماضية قد جعلها
بالكاد تستطيع الوقوف على قدميها وبصعوبة تُحارب الشعور بسائر أنحاء جسدها المفتقر
للراحة بأعجوبة!
تمسكت بالسرير وكادت أن تمسك بهاتفها بينما وجدت وردة
حمراء وظرف ورقي لتدري أنه واحدًا من رسائله، ربما لاحقًا ستقرأها، ولكن أهم شيء
الآن هو أن تستطيع الوصول لتلك الأوراق وترك المنزل قبل عودته..
اتجهت تعدو للأسفل ثم أمسكت بسكين حاد واتجهت من جديد
لتعود إلى الغرفة ثم تركت السكين جانبًا وهي تشعر بارتباك هائل ثم تناولت زفرة
مطولة وحاولت أن تزحزح السرير قليلًا لتنطلق زفرات مصحوبة بصوت متوجع منها وهي
بالكاد حركته إلى الجانب قليلًا ثم لهثت من المجهود القليل الذي بذلته وجلست على
ركبتيها وهي تحاول أن تمزق هذا البساط بأي طريقة فوق تلك التعرجات التي لمستها
أسفل البساط..
في البداية بدا الأمر صعب للغاية ولكن كلما مزقت المزيد
بدأت تلاحظ ما يبدو كباب مُغلق فلم تكترث بوجع يديها، لقد تحملت آلام وأوجاع شتى
لا تضاهي هذا الألم في شيء، عليها فقط أن تُسابق الوقت وتسرع بالأمر!
تعلم أنها لابد من أن تعرف سريًعا عن هذه الخزينة حتى
تستطيع أن تخبر "علا" مساعدتها الشخصية بإحضار هذا الجهاز الذي حضرته
مُسبقًا وستستطيع عن طريقه فتح الخزينة نفسها أم أن مفتاح الخزينة هو الذي أعطاه لها
بصحبة واحدة من رسائله بالسابق.. ستكتشف هذا عما قريب!
ستكون كارثة حتمية وقت اكتشافها أنه كان صادق، وكذلك
كانت حبيبته السابقة!!
❈-❈-❈
بعد مرور أكثر
من نصف ساعة بقليل..
-
صباح الخير يا باسم
رفع "باسم"
نظره نحوه وابتلع وقفز من مقعده وتعجب لرؤيته يبتسم بهذه الطريقة التي لم يلمحها
على وجهه قط منذ أن عرفه، يا تُرى ما الذي حدث له بإجازته الطويلة تلك وجعله يبتسم
هكذا؟
طرد تلك
الأفكار سريعًا من عقله قبل أن يغضب ويصب غضبه عليه وتلعثم لوهلة قبل أن يكون جملة
مفهومة ولكنه اجابه في النهاية:
-
صباح الخير يا مستر عمر
لانت ابتسامته
أكثر بينما أملى أمره باقتضاب غير مبالغ به وهو يضع يديه بجيبيه:
-
تعالى معايا
ارتبك قليلًا واستطاع قراءة ذلك على ملامحه ليستمتع
"عمر" بداخله على خوف هذا الرجل منه.. لا يصدق أنه بعد كل هذه السنوات
معًا وبالرغم من أنه لم يؤذه سوى ببعض الغضب والكلمات دون مواقف جادة، ما زال
يرتعب منه للغاية!!
مشى بتأني يتفقد صرحه الذي لا يعلم كيف بناه، أو؛ هو يعلم
ولكنه يُريد الفرار من هذه الحقيقة المُرة للأبد، وهناك أيضًا ما لا يريد الفرار
منه والتصريح به، كل هذا النجاح لا يجعله يشعر بالراحة، لا يريده، ولا يتمنى
الاستمرار به، فرؤية كل هذا لا تذكره سوى بانتقامه من "يُمنى" واثبات ما
يُمكنه فعله ليس إلا..
توقف بالرواق أمام احدى المكاتب ثم أشار نحو
"باسم" فطرق الباب ثم تقهقر خلفه قليلًا ليخبر "عمر" صاحب هذا
المكتب الذي قصده من البداية وأخبره:
-
تعالى يا كريم عايزك
مشى قليلًا للأمام ثم فعل المثل بمكتب قريب من المكتب
الأول ونادى صاحبه الذي تبعه وهو يستمتع للغاية بنظراتهم المتسائلة وملامحهم
المبهمة..
اتجه للجهة المقابلة من نفس الدور فهو يعلم أن هذان
المحاميان بينهم الكثير من الود، مثل المحاميان في الجهة المقابلة، حزبان بشركة
المحاماة الخاصة، رجلان ورجلان ونزال عنيف على الكثير من القضايا، وحرب دائمة بين
الحزبين لا تنتهي..
فعل المثل ونادى الأول ثم الثاني ليصبح متبوعًا بأربعة
من المحامين ومساعده الشخصي فعليه أن يجري بعض الاختبارات ليرى ما الذي سيفعله
عندما يتوقف عن المحاماة للأبد، فكلماتها ما زالت تتردد بأذنيه حتى الآن!
دلف جميعهم مكتبه ثم جلس يتوسطهم ولم يغفل عن تلك
النظرات المشحوذة بالضغينة بين الحزبين ليبتسم ساخرًا بداخله، لو تزوج بأربعة نساء
ستتوافقن قبل أن يتفق هؤلاء الرجال أمامه!
زفر بعمق وتفحص ملامحهم ثم سأل واحدًا منهم وهو يتفحصه:
-
احكيلي كده عن أهم عشر قضايا مسكتهم طول السنة دي وقولي عملت فيهم ايه!
تعجب الرجل وارتبك ولكنه كان يتوقع هذا وهو يتقصد أن
يصنع منه أضحوكة، فهو أضعفهم شخصية، التابع الأول لـ "كريم هيكل"
وبالطبع لن يترك "كريم" أن تقع دميته للخدش أو التكسر، فكاد أن يتحدث
بدلًا منه واعطاه نظرة جادة وأخبره بتحذير وهو يشير إليه:
- سألته هو مش أنت، دورك جاي.. اهدى!
❈-❈-❈
لقد كانت هي صادقة معها بمكان الخزينة، ولقد كان هو صادق معها بما يخبرها إياه، لقد كانت هي محقة، ولقد كان هو كذلك، وعقلها قارب على مغادرة رأسها من شدة الصدمة!!
ارتجفت أناملها التي تغلف فمها وحاولت أن تستيقظ من
صدمتها وهي تتلفت حولها بعد أن أضاءت نور وحيد، هذه غرفة وليست خزينة، وبابها
الحديدي متروك بالفعل على مصراعيه مفتوح لأي أحد، والباب الأول الخشبي المثبت
بالأرضية كان بالفعل مفتاحه ما أعطاه إياها، ولكنها لا تستطيع أن تصدق أن كل ما
اختفى اثناء نوبة هوسه من حواسيب وهواتف خاصة بهما هما الاثنان قد وضعها هنا..
هل يُمكن أنه نسي الباب مفتوحًا اثناء نوبة هوسه
الأخيرة؟ لو كان هذا التخمين حقيقي فستكون هذه أول مرة في حياتها معه تمتن بشدة
لمرضه!!
تفقدت الغرفة حولها وهي ترى الكثير من الأوراق والملفات
واقراص مدمجة وذاكرات تخزين، المكان يعمه الفوضى بشكل غير منطقي، لم ترى أي من
أشياءه مبعثر بهذه الطريقة قط، على كل حال لم يعد أمامها سوى أن تتصرف وبسرعة..
بدأت تنظر بالأوراق لتجد بعضًا منها عقود، والبعض أوراق
اتفاقيات، ثم ابتلعت في ذعر عندما وجدت أن كلماته بالرسائل كانت صادقة، هذه هي الهويات
المزيفة لتلك النساء اللاتي ذكرهن بكلماته، بل والرجال؛ لكن الحقيقة موجعة، تختلف
اختلاف شاسع عما تراه عينيها من صور أُناس لا تعرفهم مخطوط بجانب وجوههم من هم
حقًا وفي أي بلد ولدوا!
حاولت أن تجمع كل ما استطاعت بالطبع لن تستطيع أن تأخذ
كل هذا واتجهت نحو ما تعرفه، الأقراص المدمجة وذاكرات التخزين المحمولة، أخذت
تضعهم فوق الأوراق بعناية ثم وجدت صورة تجمعه بـ "يُمنى" فوق قرص مدمج
يبدو قديمًا وبجانبهما ذاكرة تخزين تبدو مختلفة وضعت بجانب خرقة غريبة وكأنها
بقايا شيء ما قديم للغاية، فانتباها الفضول ولكنها جمعت كل ما استطاعت على دفعات وضعتهم
على الفراش ثم حاولت الاستعداد لبقية خطتها، لن تقبل سوى الفرار منه ولن تهدأ حتى
ترى كل ما هو عليه دون تجمل وكلمات مخادعة منمقة برسائله!
يُتبع..