-->

الفصل الرابع عشر - عشق ناضج وعشق مجنون



الفصل الرابع عشر



"مين دي يا صهيب؟!" سألته وهي تنظر لها بتقزز لتمتعض ملامح لينا لطريقتها ولم تلق لها سمر بالاً بينما التفتت له بملامح مستفسرة 
"دي.. لينا.. بنت طنط جيهان مرات بابا" أخبرها لتهز لينا رأسها في تهكم "لينا.. تعالي أتعرفي على سمر.. زميلتي في الشغل!" لا تدري لماذا رمقته بإحتقار ثم توجهت للأعلى وهي تحمل صينية الطعام وغادرتهما وكأنه لم يتوجه لها بكلمات..
"شوفتي الحيوان.. جايب فتاة الليل بتاعته دي معاه البيت ولا كأني موجودة!" تحدثت في غيظ بهاتفها وهي تلتهم ما أمامها من طعام في نهم تام
"اهدي بس.. فتاة ليل ايه؟!" 
"اللي شوفناها معاه في الكافيه ويوم الفرح"
"آه.. أفتكرتها.. بس ازاي جايبها كده البيت؟"
"عرفتي.. عرفتي إن كان معايا حق لما قولتلك إنه قليل الأدب ومش محترم!! تخيلي بقا لو أنا مكنتش موجودة كان ايه اللي حصل!"
"استني بس ما يمكن فيه ظروف ولا حاجة خليته يجيبها البيت"
"ظروف ايه إن شاء الله اللي تخليه يجيبها البيت؟" سألتها بإنزعاج شديد حتى تعجبت رولا نفسها من طريقتها
"معرفش.. أنا بحاول اهديكي شوية أصلي شايفاكي متعصبة أوي" ساد الصمت لبرهة بينما لينا تتناول طعامها في نهم وهي تشعر بالغضب الشديد "هو أنتي مضايقة علشان جت معاه ولا مضايقة منه هو نفسه؟"
"بصي.. أنا معرفش أنا مضايقة ليه بس أنا مضايقة وخلاص.. ومش هاسيبه على اللي بيعمله ده، هو فاكرها سايبة"
"استني بس يا مجنونة.. هتعملي ايه؟"
"مش فرحان انه جايبها البيت.. أنا بقا هنكد عليهم!" 
"استني بـ.."
"سلام وهكلمك تاني"
أنهت المكالمة وبداخلها قررت أنها لن تدعهما وشأنهما أبداً ولابد أن ترى ما يفعلاه، ولم تدرك أنها تفعل شيء غريب عنها ولأول مرة تفعله تجاه شاب ما..
❈-❈-❈
"مش ناوية تقوليلي Mr عمرو عايز مني ايه بكرة؟!" سألها بإبتسامة مقتضبة وهو لا يطيق تحركها في مطبخ منزله 
"تفتكر هيعوزك ليه يعني.." نظرت له بمكر شديد "ممكن تناولني الصلصة من التلاجة" تحدثت ليه ليومأ في حنق يحاول أن يُخفيه ثم توجه لمبرد الطعام ليرى الورقة التي تركتها لينا ليعقد حاجباه في استغراب ثم قرآها 
"الأكل موجود في الفرن.. سخنه!!"
للحظة شرد بتلك الورقة ثم تناولها ليثنيها وأخفاها بجيب بنطاله وشعر كم كان غبياً لموافقته أن يُحضر سمر معه اليوم.. ها هو كاد أن يحدث بينهما أول موقف قد يستطيع يشكرها وقد كانت لتتحسن الأمور قليلاً ولكن ها هو أفسد كل شيء..
"صهيب.. فين الصلصة؟!" صوت سمر أفاقه من شروده ليفتح المبرد حتى يحضر لها ما تريد "أنت مش معايا ولا ايه؟!" سألته ليسأل نفسه هل تحدثت بشيء ولم يسمعها؟!
"معلش.. مش مركز شوية.. قلة نوم بقا!" كم تمنى بداخله أن تتحلى ببعض الذوق الذي لطالما أفتقدته لتتركه وتغادر على الفور 
"أنت ايه اللي سهرك أصلاً؟" سألته بينما تناولت مسحوق الصلصة من يده وهي تحاول أن تتلمس أصابعه ليبتعد هو عنها مستنداً بجسده على الجزيرة الرخامية التي تتوسط المطبخ 
"مفيش.. مجاليش نوم" تمتم مجيباً بينما علم أن كل ما يحدث له هو بسبب التفكير في لينا 
"لا حاول بقا تنام النهاردة كويس عشان هتحتاج تركز بكرة" 
"أركز في ايه بالظبط؟" زفر في ضيق وهو يحاول معرفة سبب إجتماع يوم غد وابتسمت له بخبث بعد أن فرغت من ترك الإناء على نار متوسطة حتى ينضج الطعام وأقتربت منه بخطوات مغرية
"صهيب أنت شاطر أوي والكل عارف ده" همست بطريقتها المغرية التي يتقزز منها بينما تلمست ذراعه في جرأة شديدة ولم يرَ أي منهما لينا التي تراقبهما بفم أنفرج في دهشة ولم تستمع لهمسهما "أنت ذكي وملتزم في شغلك وعشان كده أنا قولت لـ Mr عمرو إنك أكتر واحد في القسم تستحق الترقية الجاية" ابتسمت له ليتنحنح مُطلقاً بحة رجولية وهو يحاول أن يبتعد عن لمستها وابتسم هو بإقتضاب 
"متشكر يا سمر بجد!" لا يدري ماذا عليه القول سوا ذلك 
"أنت عارف إن أنا عينه في البنك كله، وعارفة إنك أحسن واحد وتستحق الترقية دي.. لو عليا كنت رقيتك بنفسي بس أول ما لقيت الفرصة مسكتش وفضلت أقنعه لغاية ما وافق" أخبرته بينما أنتظرت منه المزيد وأقتربت منه مرة أخرى ليومأ لها 
"شكراً" لا!! لن تحصل منه على المزيد أبداً.. هكذا قرر بقرارة نفسه 
"صهيب.. أنت عمرك ما حسيت بحاجة من ناحيتي؟!" سألته بتوسل حقيقي اتضح بعينتيها ليشعر هو وكأنما وقع بورطة لسؤالها الذي لم يتوقعه بينما شعرت لينا بالغيظ الشديد ولا تدري لماذا وتمنت لو أنها أستطاعت أن تستمع لحديثهما سوياً ولكنها لو أقتربت ستظهر لهما.. حمحم صهيب في ارتباك فهو يشعر بالطبع بمشاعر عديدة نحوها، كالكراهية والتقزز وأحياناً الإحتقار ولكنه لا يستطيع أن يخبرها بذلك "أنت مش بتلاحظ إني كل ما بحاول أقرب منك بلاقيك بتبعد عني؟" همست له ليزداد ارتباكه 
"سمر بصي أنا.." حمحم مجدداً "أنا مبفكرش في الإرتباط دلوقتي!" أخبرها ظاناً أنه يُنهيها عن كل ما تريد أن تشاركه من مشاعر 
"ليه يا صهيب .. هو أنا وحشة؟!" أقتربت منه بجرأة وهي تحاول أن تتلمس وجهه ليحاول هو الإبتعاد بينما توسعت عينتا لينا التي تراقبهما في صمت 
"ليه متجربش؟!" همست وأخذت تقترب منه بالرغم من محاولاته للإبتعاد "أنا من زمان وأنا حاسة بحاجات كتيرة أوي من ناحيتك.. أرجوك متبعدش عني أكتر من كده" همست له وأخذت خطوة أخرى لتقترب منه حتى أصبحت مفاتنها ملاصقة لصدره وأستطاعت أن تتلمس وجهه وتعالت أنفاسها وهي تنظر له في وله ليُمسك هو يدها في محاولة أن يجعلها تبتعد عنه 
"أنا كل الرجالة بتتمناني.. ليه أنت مش حاسس بيا؟" سألته بينما شُل لسانه ولم يستطع أن يصدها
"سمر بعد إذنك.. قولتلك مبفكرش في الموضوع خالص"
"يعني عمرك ما اتشديتلي؟ عمرك ما حسيت بحاجة من ناحيتي؟" رفع حاجباه وتقطب جبينه وهو يوشك على دفعها بعيداً ولكنه يعلم أنها تستطيع أن تدمر مستقبله المهني بأكمله "جرب تقرب مني.. مش هتندم.. هاخليك أسعد راجل في الدنيا!" أقتربت منه لتقبله بجرأة وقبل أن يدفعها آتت لينا لتبتعد سمر عنه وهي تنظر نحوها بغلٍ شديد بينما تصنعت لينا أنها منشغلة بإفراغ صينيتها ليحمحم صهيب مجدداً وتوجه لهاتفه ليراسل أكرم صديقه كما أتفقا وتصنعت سمر إنشغالها بإعداد الطعام لتتوجه نحو الفرن لتجد طعام مُعداً مُسبقاً..
"ايه ده.. ده فيه أكل هنا بس شكله قديم.. أنا هارميه!" تحدثت بتآفف وتقدمت يدها لتتناول الطعام الموضوع بالفرن لتشعر لينا بأنها ستقتل تلك الفتاة لا محالة
"ترمي ايه؟ أنا الأكل ده لسه عملاه!!" توجهت نحوها في شراسة تامة ليقترب صهيب منهما 
"ما أنا خلاص عملت أكل.. ده بقا مالهوش لازمة خلاص!" حدثتها وهي ترمق الطعام بعنجهية ثم نظرت لها لترفع لينا احدى حاجبيها في تحفز 
"هو ايه اللي ملهوش لازمة.. وأنتي مالك أصلاً.. كان بيتك ده علشان تقولي ايه اللي يترمي وايه اللي ميترميش؟!" احتدت نبرتها وتحولت لتلك النبرة التي لطالما جادلته بها لترفع سمر حاجبيها في دهشة 
"لينا خلاص الأكل مش هيترمي.. معلش مكانتش تعرف!" هنا تدخل صهيب لتنظر له سمر في دهشة أخفتها جيداً
"هو ايه اللي معلش.. وهي ست بتاعة بتاعتك دي مالها ومال الأكل أصلاً ولا بأي حق جاية البيت معاك لوحدها كده وكمان واقفة بتعمل أكل! أنت بتدافع عنها ليه؟ ده بدل ما تقولها تحترم نفسها وتفكرها إنها ضيفة في البيت ده و.."
"خلاص يا لينا!" قاطعها بنبرة غاضبة لتتصنع سمر قلة الحيلة
"عاجبك كلامها ده يا صهيب.. مين أصلاً البنت دي علشان تقولي كده؟" زيفت البُكاء وتحدثت بنبرة مزيفة بالحزن 
"مين البنت دي!!" تمتمت لينا في اندهاش من طريقتها "ما تحترمي نفسك و.."
"لينا قولت خلاص.. اتفضلي على أوضتك" صاح مقاطعاً بينما نحبت سمر ببكاء مصطنع 
"لا والله!! أنت بتزعقلي علشان اللي لابسة من غير هدوم دي؟ وكمان بتقولي أطلع على أوضتي.. ليه فاكرني صغيرة ولا ايه؟ أنا زيي زيك في البيت ده!!" وضعت يداها بخصرها في إعتراض تام ليزفر صهيب في حنق 
"بقا أنا مش محترمة!!" تمتمت متصنعة المزيد من الحزن
"معلش يا سمر خلاص.. حقك عليا.." حاول أن يوقفها عن البكاء الذي أنطلى عليه "وأنتي" نظر نحو لينا في غضب "حسابنا بعدين.. اتفضلي أطلعي فوق!" تحدث بين أسنانه المُطبقة في غضب لينفرج فمها مشدوهة لطريقته معها وازداد غضبها في شراسة لا تتوافق مع ملامحها البريئة 
"طبعاً عايزني أطلع فوق علشان أنت مش محترم وعايز الجو يخلالك معاها!!" صاحت دون إكتراث لما يغادر شفتيها ليزداد غضبه وتعالت أنفاسه المتلاحقة إنزعاجاً منها "عاملي بس فيها راجل وجي تقولي بكلم مين ومبكلمش مين وتقولي راجل البيت ومسئول عني وعامل محترم.. إنما أنت شوف بتجيب معاك بنات أستغفر الله العظيم وعمو أمجد مش موجود.. بس والله لا أعرفه كل حاجة.." نظرت له في تحفز وتصاعد غضبها أكثر بينما رمقت سمر في تقزز وأعادت نظرها إليه لترمقه في احتقار 
"أنا فعلاً غلطانة إني نزلت لمستوى واحد قليل الأدب زيك.. أول ما ماما ترجع هي وعمو أمجد مش هاقعد هنا ثانية واحدة.. مش هاستنى تقرب مني بمزاجك ولا تبوسني تاني بقلة الأدب بتاعتك.. جتك القرف أنت واللي تعرفهم" نظرت لكليهما بإحتقار ثم التفتت لتغادر ليشعر صهيب وكأنما بحراً جليدياً سقط عليه بينما أدركت سمر الآن أن ما يبعدها عنه طوال تلك المُدة هي تلك الفتاة الصغيرة وأقسمت بداخلها أن تُزيحها من طريقها حتى تحصل على صهيب لها وحدها..
❈-❈-❈
"عرفتي.. عرفتي كل ده مش حاسس بيا ليه؟! عشان بيحب واحدة تانية!!" صاحت بغضب في هاتفها وهي تتحدث لصديقتها ماهيتاب التي تحاول أن تبدو بخير وتكتم بكاءها 
"طيب يا سمر.. أديكي عرفتي السبب.. ابعدي عنه ده ميستاهلكيش" همست لها بينما ثارت سمر 
"أبعد عنه!! بالسهولة دي!! استحالة!" حدثتها بلهجة غاضبة 
"يا حبيبتي ما ينفعش تفضلي عايشة في الوهم ده.. ابعدي عنه وهو لو حاسس بيكي هـ.."
"ابعد بعد كل ده!! بيكدب عليا ويقولي مبيفكرش في الارتباط ورايح يجري ورا العيلة الصغيرة دي ومش حاسس بيا أنا بكل جمالي ده!!" قاطعتها بعصبية شديدة "بس لأ مش هاسيبه بالسهولة دي"
"ناوية تعملي ايه يا سمر تاني؟!" سألتها بنبرة مرتجفة حُزناً فها هي سمر التي تُعد أقرب أصدقائها لا تشعر بها 
"هابعده عنها.. هاكرهم في بعض!" همست في إصرار وعينتيها الزرقاوتان تُفيضتان بالشر الخالص 
"لا يا سمر.. مش صح طبعاً.. مينفعش تعملي كده" حاولت إثناءها عن قرارها ولكنها لم تعلم كم هي غارقة في هوسها الشديد به
"لا صح.. صح لأنه مش حاسس بيا ورايح يختار عيلة بدالي.. سايبني بجمالي ووقفتي جانبه ورايح يحب الجربوعة دي" 
"يا حبيبتي الحب مش بالعافية"
"أنا بقا هخليه بالعافية!" ساد الصمت بينما حاولت ماهيتاب استنشاق بعضاً من الهواء في وسط بكاءها المكتوم لتتآفف سمر "أنتي بتعيطي ليه؟!"
"أهلي صمموا على اللي كان متقدملي والخطوبة كمان عشر أيام.. مش عارفة يا سمر أعمل ايه!" نحبت بشدة بعد أن أجهشت ببكاء مرير لتبعد سمر الهاتف عن أذنها ونفخت بزفرة مطولة في ضيق 
"أرفضي.. هو ايه يعني.. ما تاخدي قرار بدل ما أنتي جبانة كده" حدثتها في إنزعاج 
"حاولت والله وقولتلهم.. مفيش فايدة فيهم.. مصممين إننا نتجوز" همست في حُزن لتنظر سمر بزرقاوتيها في ملل للأعلى بإمتعاض 
"بصي بقا أنتي لازم تـ.." أنهت المكالمة ثم جعلته على وضع الطائرة "جبانة وغبية ومقرفة.. خليكي كده!" تمتمت بعد أن وصدت المكالمة لتزفر في إنزعاج من صديقتها ثم أخذت تفكر بمنتهى الشر كيف ستفرق بين صهيب وتلك الفتاة التافهة..
❈-❈-❈
"ده مش ممكن.. ده إنسان قذر.. سايبها تحسس عليه بمنتهى السفالة وقلة الأدب.. بقا هو ده اللي كنتي مبهورة بيه!! طلع شخصية قذرة!" صرخت بلهاث غاضب في هاتفها وعكصت شعرها لأعلى محكمة اياه بقلم رآته أمامها
"اهدي بس يا لينا!"
"اهدى.. اهدى ايه بس وأنا مضطرة أعيش مع حيوان زيه" لهثت بغضب 
"معلش بكرة طنط جيهان ترجع و.."
"أنا فعلاً هستناها ترجع علشان أعرفها إني مش هاقدر أقعد في البيت ده ولو لثانية واحدة!" قاطعتها بلهة طغى عليها الإصرار
"طيب ماشي.. اهدي بس" حاولت رولا أن تهدئها 
"تخيلي لو أنا مكنتش موجودة كان عمل معاها ايه؟" شردت وهي تتحدث في إنزعاج والعديد من الأفكار والتخيلات تسيطر على عقلها 
"أنتي بردو متعرفيش هي جت ليـ.."
"ولا القذر ده يكون بيفكر يعمل معايا زي ما بيعمل معاها!" صاحت في إندهاش وكان عقلها الخاطئ من يتحدث وليست هي لتقاطعها مجدداً
"ما هو بقاله كذا يوم معاكي يا لينا و.."
"وباسني وقرب مني وكان مش لابس قدامي وحاجة في متنهى القذارة.. لأ أنا استحالة أفضل قاعدة معاه في بيت واحد أبداً!" قاطعتها للمرة الثالثة لتزفر رولا في ضيق وهي لا تستطيع إكمال جُملة واحدة 
"بقولك ايه بقا!! أنتي بصراحة شكلك غيرانة وأنا فاهماكي كويس وعارفة إنك بـ.."
"طب هنتكلم بعدين.. باي" قاطعتها مجدداً وأنهت المكالمة عندما أستمعت لطرقات على باب غرفتها لتحاول أن تُهدأ من أنفاسها المتعالية في غضب ثم توجهت نحو الباب وهي تطلق زفيراً مطولاً ووصدت عينتاها لبرهة لتحصل على بعض الهدوء ثم تحفزت ملامحها وأرتسمت الجدية على وجهها بأكمله ثم رفعت احدى حاجبيها وعقدت ذراعاها ونظرت له بعد أن فتحت الباب لينفجر هو ضاحكاً ما أن وقعت زرقاوتاه عليها..
"تصدق إنك إنسان مُهزأ علشان جاي بتضحك في وشي بعد كل اللـ.." توقفت عن الحديث من تلقاء نفسها عندما تقدم ودفعها للداخل "ايه يا حيوان أنت ما تسيبني ولا فاكرني واحدة مش محـ.." توقفت مجدداً عن الحديث عندما توقف عن دفعها ونظرت لنفسها بالمرآة لتجد مظهرها غريب للغاية وهي تعكص شعرها لأعلى بتلك الطريقة لتجذب القلم من شعرها بينما بدأت ضحكاته في الهدوء "وحتى لو شكلي يضحك ده ميدلكش الحق إنك تمد ايدك عليا بالأسلوب ده تاني.. سامع ولا لأ؟!" صرخت به في تحذير بينما أطال النظر لها وهو يتفقدها بزرقاوتين متعبتان يريدان النوم بشدة 
"اقعدي يا لينا أنا عايز أتكلم معاكي شوية" أخبرها بعد أن التقط أنفاسه متنهداً بعد نوبة الضحك التي أصابته 
"لا أنا مفيش ما بيني وبين واحد زيك كلام .. اتفضل أطلع برا أوضتي!" أخبرته بإنزعاج ونظرت بعيداً عن وجهه ليزفر هو في إرهاق 
"بقولك ايه متنرفزنيش .. أنا أصلاً مش قادر أتكلم كلمتين على بعض وعايز أنام.. أقعدي واسمعيني وبعدين ابقي أعملي اللي تعمليه"
"لا مش هتكلم معاك.. اتفضل لو سمحت برا" أخبرته في عناد بنبرة ناهية لنقاشهما 
"بقولك ايه!! أسمعي الكلام ولو لمرة وبطلي شغل عيال صغيرين وأسمعيني بقا متتعبنيش معاكي" صاح بها بنبرة حادة 
"عيال صغيرين!!" كررت كلماته في دهشة غاضبة "طب بقا هو ده اللي عندي وإذا كان عاجبك ولو مش عاجبك يبقا ليه جي تتكلم معايا أصلاً و.." 
"هششش!! أنتي ايه يا شيخة لسانك ده مبرد!" كمم فمها بكف يده لتتوسع عينتاها من جرأته معها التي لا يتوقف عنها أبداً بينما أختفت بقية كلماتها في انعكاس شفتيها التي تغمغم بشيء لا يستطيع تبيه أثراً لوقفه اياها عن المتابعة بتلك الطريقة 
"هابعد ايدي ولو نطقتي بحرف مش هيحصلك طيب!" أخبرها بلهجة محذرة بينما ابعد يده في هدوء وهو يلتقط أنفاسه التي بالكاد أستطاعت ملاحقة جنونها الذي لا نهاية له "يا ساتر!! فظيعة!" تمتم وهو يرمقها وكادت أن تتحدث ليضع سبابته أمام شفتاه "ولا كلمة!!" نهاها عن الحديث لترفع احدى حاجبيها في تمرد بينما جذبها رغماً عنها من يدها ودفعها لتجلس على السرير
"أنت يا مجنون ايه اللي أنت بتعـ.."
"مش قولت مش عايز أسمع كلمة؟!" نظر لها بقسوة وهو يقاطع إعتراضها على ما يفعله "كل ده عشان عايز أقولك كلمتين.. أنتي مش ممكن!" هز رأسه في عدم تصديق على ما تفعله 
"عايز ايه؟!" صاحت به وهي ترمقه بغضب
"مش عايز اسمع كلمة منك غير لما أخلص كلامي للآخر.. اتفقنا ولا شغل الجنان هيشتغل؟!" تفحصتها زرقاوتاه لتشير له برأسها أن يبدأ بالحديث فزفر هو براحة وأقترب ليجلس بجانبها لتصرخ هي به مجدداً
"أنت كمان هتقعد؟!" نظر لها بقسوة موسعاً عيناه اللتان تحولتا للرمادية لتبتلع هي من تلك النظرة فهو يبدو مُربكاً هكذا للغاية وأشاحت بعينتيها بعيداً عن عينتيه الموترتان 
"بصي.. سمر من يوم ما أشتغلت في البنك وهي بتعاملني بطريقة مش تمام وبتلزقلي كل شوية.."
"وأنا مالي بست زفتة بتـ.."
"مش قولت مش عايز أسمع كلمة غير لما أخلص!" نفخت بحنق بمنتهى الطفولية عندما قاطعها وازداد اقتراب ذراعيها المنعقدتان لصدرها ثم اهتزت ساقيها في مضض ليهز رأسه هو في إنكار وهو لا يُصدق أنه يُبرر لها شيئاً ولكن لربما تلك الطريقة التي يود أن يتبعها معها ستغير كل شيء 
"البنت دي تبقا مساعدة مدير البنك.. وللأسف ممكن بكلمة منها توديني في ستين داهية.. علشان كده مضطر أستحملها.. ياما حاولت أصدها بس مفيش فايدة فيها.. والنهاردة صممت تيجي معايا علشان بس تعرفني مدير البنك عايزني بكرة في إجتماع ليه" أطلق زفرة طويلة في راحة عندما شاركها تلك المعاناة بداخله لتنظر هي له ولا تزال تنظر له بإنزعاج 
"أنا مبطيقهاش أبداً ولا بطيق أبص في وشها بس مضطر أتعامل معاها علشان الدنيا تمشي" لانت نبرته التي احتدت منذ قليل 
"طب وأنا مالي بكل الكلام ده؟!" سألته وقد لانت نبرتها هي الأخرى 
"مالك إني حاسس إني مُجبر أفسرلك كل حاجة في حياتي!!" رفعت حاجبيها في دهشة وهي تنظر له في عدم تصديق وقبل أن ينفعل لسانها المُزعج أكمل حديثه "بصي يا لينا أنا معجب بيكي!" توقف للحظة حتى يرى أثر كلماته عليها لتبتعد هي للخلف وهي تنظر له بإستغراب 
"أنا لقيت نفسي مشددولك بالرغم من خناقتنا الكتير اللي مبتخلصش.. مش عارف ازاي حسيت بكل ده فجأة.. وعارف إن علاقتنا ابتدت بطريقة زي الزفت وكل حاجة اتطورت بسرعة في تلت أيام وأنا نسيت نفسي وقربت منك وفاهم إن اللي عملته لما بوستك مكنش يصح!!" توقف لبرهة لتشرد هي للأرض بنظرها "أولاً أنا آسف وأوعدك إن حاجة زي دي مش هتتكرر" تنهدت في حيرة ولم تستطع أن تتحدث له 
"ثانياً أنا عمري ما كنت كداب.. لا بكدب على نفسي ولا بكدب على غيري.. وشايف إن كل حاجة بتحصل بسرعة بس للأسف دي مشاعري.. فاهم إن كل حاجة متلخبطة بس.. بس أنا كل يوم مشاعري ناحيتك بتزيد.." همس لها بصدق شديد ليلاحظ ارتباكها ويدها التي حكت مؤخرة رأسها في توتر 
"أنا بتأسفلك عن كل حاجة حصلت ما بيننا.. وياريت تديني فرصة أبتدي معاكي من جديد.. ياريت تحاولي معايا نبدأ صفحة جديدة سوا.. لو عايزة تتعرفي عليا أو تشوفي مشاعرك من ناحيتي هتكون ايه.. وأرجوكي بلاش جنان وعصبية وأهدي وأياً كان قرارك أنا هاقبله.. ومتتسرعيش وخدي وقتك زي ما تحبي" زفر بعمق وشعر براحة رهيبة وكأنما أثلج صدره بنطقه لتلك الكلمات وتفقدها ليلاحظ عدم ارادتها في النظر له ليطنب بالمزيد 
"أنا أول مرة أحس إني عايز أقرب من بنت كل ما بشوفك.. بحس حاجة غريبة بتجبرني أقرب منك.. بغير عليكي اوي.. حاسس إني عايز أعرف بتفكري في حد ولا لأ!! بتجنن لما بسمعك بتتكلمي عن واحد ولما شوفتك وأنتي مع أخو صاحبتك ده حسيت إني عايز أموته.. عمر ما حسيت بكل ده غير ناحيتك أنتي" تنهد بالمزيد من الراحة وهو يترك العنان لكل تلك الكلمات لتغادر سجن عقله وقلبه المرتبكان بوجودها أمامه بينما لاحظ ارتباكها الذي يزداد من كلماته 
"بصي.. أنا عارف إن كلامي مفاجئ ليكي.. فهسيبك تاخدي وقتك.. وأنا مستعد لأي حاجة عايزة تعرفيها عني وأي سؤال عايزة تسأليه أنا موجود.. يا ريت تفكري في الموضوع لأني أتمنى نكون أقرب من كده يا لينا" تفحصها للمرة الأخيرة بينما نهض ليغادرها "تصبحي على خير" همس وهو يبتسم لها بإقتضاب ثم تولد بداخله إرتباكاً من نوع جديد.. يعلم أنه سيعاني طوال الفترة المُقبلة ليعلم قرارها ولكنه يتمنى أن منطقيته بحديثه معاها اليوم ستغير الوضع بينهما.. 


يُتبع..