زمن القلم لم ينتهي
زمن القلم لم ينتهي
ما بين القلم والإنسان علاقة حميمة، تبدأ باكراً عندما يكون القلم من أغلى ممتلكات الطفل وأكثرها حضوراً في حياته اليومية ما بين البيت والمدرسة. وعندما يكبر الإنسان يبقى القلم في أقرب جيوب الملابس جهة القلب تمامآ ولكن، ثمة من يرى أن هذه الأداة الصغيرة الرفيعة التي لا يزيد طولها عن الشبر، وذات الفضل في صياغة معارفنا وما نحن عليه، باتت اليوم مهددة بفعل التطور التكنولوجي الذي بدأ يقترح بدائل لها ،وسواء أكانت المخاوف على مصير القلم في محلها أم لا، فإنه يستحق وقفة أمام تاريخه وحاضره، ولو من باب التكريم والاعتراف بما له من فضل علينا..
الآن؛ في عصر الحاسوب والأجهزة اللوحية الذكية، لا نرى إلا الممسكين بأجهزتهم بالفعل، تتراقص أصابعهم عليها، تكتب رسائل، أو مقالات أو أشعار أو روايات .. فهل لكلتا الكتابات الطعم نفسه، والإحساس عينه؟ وهل نسي كتابنا وأدباؤنا القلم ، وصار درباً من الماضي، وتراثاً عتيقاً، أم أنه لا يزال الوسيلة الفضلى للتعبير عن الفكر؟ أي حياة الناس ولم يعد الوسيلة الوحيدة للكتابة كما كان في السابق، ولكن للقلم ربما مكانة خاصة في حياة البشر، لأن هناك ارتباطاً وثيقاً بالحراك التعليمي والثقافي والفكري أيضاً، إذ إن بعض الناس يرون فيه حالة من العلاقة مع الرغبة في الكتابة، حالة فيها نفس، يستمد منه حضوره الفكري، للتعبير عما يجول في نفس الكاتب ، أي أنه عامل محرض للكتابة ياسادة !!
بالنسبة لي أنا ..لم أستغن عن القلم، وكثير مما أكتبه، يكون بالقلم على ورقة بيضاء ، أخط فيه بداية فكرة لرواية أو إقتباس ما قد خطر داخل مخيلتي ، لا أعتقد أن زمن القلم انتهى ولن ينتهي ، إنما أصبح له منافس وشريك قوي، وهو الحاسوب، وقبله كانت الآلة الكاتبة ، وإتجاه الناس إلى الحاسوب بقوة ، جعلهم يتجاهلون أهمية القلم ويفقدون جمال خطوطه .. وأكرر ثانيآ أنا لا أستطيع أن أستغني عن القلم حتى بوجود أجهزتي الذكية بجانبي ؛ فحين أشرع في كتابة نص أو رواية ، فإن القلم هو وسيلتي لبداية الفكرة، من البداية حتى النهاية وفي المرحلة الأخيرة أيضآ، بعد أن أطمئن إلى رسو النص على الشكل النهائي ، تأتي مرحلة النقل على الحاسوب..إن القلم رفيقي في كتابة الكلمة ومايثيرني أكثر هو محوها والخربشة والاستبدال والمراجعة والأوراق المنثورة نحوي والفوضى تعم المكان ، ووضع الخطوط تحت الكلمات المعتمدة التي أركز عليها. هكذا عشنا مع القلم منذ الصغر، والحاسوب ليس كل شيء، هو الآن بديل عن القلم، بسبب عصر السرعة الذي نعيشه، والتقنيات الكثيرة...لكن لو تعطل الحاسوب أو عانى مشكلة ما، فيشرئب القلم، ليقول: أنا هنا ..إذن لا يمكننا الاستغناء عنه !!
ثم إن القلم مرتبط بالورق الذي تعودنا أن يكون مرجعنا، وحامل أرشيفنا، بجميل ذكرياته التي لا يمكن أن يعك صفوها «مقرصن» ليتعرض ل«فايروس» رغم هجمة أطوار وأجيال من وسائل التواصل الاجتماعي التي فتن بها الكثير، واستسهلوا التعامل بها، كي يختصروا وقتاً وجهداً تستغرقه الكتابة بالقلم ، ناسين أو متناسين أننا يمكن أن نضيع جهداً وفكراً اشتغلنا عليه لسنوات، عن طريق ضغطة زر بالخطأ على مقالة أو قصيدة أو موضوع مهم، لم يؤكد ب«الحفظ»
هنا تأتي أهمية وجود القلم الذي لا أعتقد أننا يمكن أن نستغني عنه، فوجوده ليس للوجاهة أو للتوقيع على الشيكات أوالتوقيع للمعجبين على إهداء كتاب، إنما هو لمن أدمن اقتناءه واستخدامه ؛ حيث لا يجد راحته سوى في الكتابة بالقلم والخربشات على الورق، بدءاً من فكرة الكتابة .. إن الإمساك بالقلم ورائحة الورق، طقس مقدس يضيف إلى الكتابة ألقاً وزهواً يختلف عن كتابة لوحة المفاتيح التي لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، متعة الكتابة وإعادة التعديل والشطب والحذف والإضافة بالقلم، لها طعم خاص جداً، لا يعرفه من تركها، واستعاض عنها بالأجهزة الحديثة، غير المضمونة البتة ، زمن القلم لم ينته وسيظل سنداً ومتكأ لمن أدمنه وتعود عليه، وسعادتي لا تكتمل إلا بوجود أكثر من ثلاثة أقلام معي، أينما رحلت، تحسباً لأي طارئ، فلربما داعبتني فكرة شاردة فجأة، وكان الهاتف أو جهاز الحاسوب لا يعملان، في مكان ليس فيه كهرباء، ولولا القلم الذي يرافقني، لضاعت فكرتي !!
الكاتب، له حديث مختلف مع القلم؛ إنه ذاكرته، إنه فرحه، ألمه؛ هو حين يأتي على هيئة قصيدة أو نص رواية.. لذا حين يقرأ عبارة «بقلم فلان» يعرف أنها تعني أحياناً «بألم فلان»، بصمته ببوحه بما تكاثف فيه من عمر صعب أن تصفه، صعب أن تكتب عنه، وأنت تكتب به وهو يكتبك في عالم التقنية اليوم الذي يسير فيه كل شيء بالأدوات الذكية، من حواسيب، وأجهزة لوحية، وهواتف محمولة، صارت الكتابة بالقلم مستحيلة، فالمقالات والعمل الإعلامي كله أضحى مربوطاً بتلك الأجهزة، ولا وجود للقلم هنا البتة وكذلك التعبير عبر وسائل التواصل الحديثة، من «فيس بوك، و«تويتر»، و«واتس آب»، وسواها، لا وجود فيه للقلم؛ فلوحة المفاتيح، هي وسيلتنا الوحيدة رغم ذلك، لا يمكنني أن أستغني عن القلم؛ لأن كتابة رواياتي التي هي توأم روحي، والإلهام الذي أتنفس به إبداعياً، لا أستطيع أن أخرجه من وجداني وفكري إلا بالقلم، فلكتابة الرواية أو أي إقتباس أو مقال القلم له طعم مختلف، ومذاق آخر تأتيني الخاطرة الإلهامية، فتمتد يدي تلقائياً إلى قلمي رفيق روحي فأخط، وأكتب وأمحو، ثم أمزق، وأعيد الكتابة،وأضع خطوطاً هنا وعلامات هناك، لا يتمكن من صنعها إلا القلم...
هذا تقرير مفصل عن معاصره كبيرة ونزاع بين القلم والتكنولوجيا الحديثة المعاصرة ، القلم الذي لايمكن أبدآ
لأي بدائل له من إحتلال مكانته ..
بقلم : نفين زيا