-->

الفصل العاشر - عشق ناضج وعشق مجنون


الفصل العاشر

 

حاول بإستماتة أن يرمق هاتفه ليرى كم الساعة لتتوسع كلتا عينتاه على مصرعيها ليجدها عبرت الرابعة عصراً وهناك عدة مكالمات من أبيه، سمر، وأكرم كما أنه تيقن أن يوم غد بالعمل سيكون من أسوأ الأيام التي تمر عليه.. يعلم أنه لن يستطيع النوم سوى بالساعات الأولى بالصباح بعد استيقاظه متأخراً هكذا.. لينهض وهو يفرك وجهه ويسُب بداخله لينا التي كانت السبب في استيقاظه لبعد الخامسة صباحاً..

مشى بخطوات هادئة للمطبخ وهو يحاول الرؤية أمامه وأثار النعاس لا تود تركه أبداً.. هو حتى يشعر أنه يود أن يُعيد أدراجه إلي سريره حتى يستسلم لذلك النعاس اللعين والنوم مرة أخرى..

مد يده ليأخذ مكونات القهوة ثم بدأ تحضيرها ليضعها على الموقد أمامه وهيأ فنجاناً ليضعها به في النهاية ثم وقف منتظراً حتى تنضج تماماً بينما أستمع صوتاً جعله بالرغم عنه يعطيه سائر اهتمامه..

"صحيت متأخر أوي كده ليه؟!" همست لينا بإبتسامة ليلتفت لها وكاد أن يُجيب ولكنه رآها تتحدث بهاتفها ليرفع كلاً من حاجبيه ثم قرر أن يتحاشها ونظر فيما يصنعه بدلاً من أن تدفعه تلك الصغيرة للغضب كما تفعل دائماً

"وأنت كمان يا حبيبي وحشتني اوي.." توسعت زرقاوتاه ثم عقد حاجباه وهو يسمعها بعناية وأعطاها كامل انتباهه ولكن دون أن ينظر لها

"أكيد طبعاً نفسي أشوفك.." صدحت ضحكتها لتستفزه "هو أنا عندي كام بدر يعني!!" صاحت بالمزيد ليلتفت هو لها وتوجه نحوها بخطوات متسارعة ثم جذب الهاتف من على أذنها لتنظر هي له بتعجب

"أنت مين؟!" صاح بهاتفها لتبتلع رولا من صوته الذي بدا غاضب ثم فعّلت كاتم الصوت لتهرع على بلال 

"بلال كنت بكلم لينا وفجأة الخطوط دخلت في بعض وفيه واحد بيكلمني.. تعالى شوفه" 

"ايه ده مين ده كمان؟!" تحدث بلال في تعجب ثم تناول هاتف أخته 

"بقولك أنت مين ولا دلوقتي عامل أطرش ومسمعتنيش؟!" صاح صهيب ليزداد تعجب بلال على الطرف الآخر 

"أنت أهطل يا ابني.. رايح تكلم بنات الناس وتقولهم أنت مين؟! جرا ايه يا حيلتها ما تظبط" ابتعد بلال بالهاتف حتى لا تسمعه رولا ولكنها ابتسمت دون أن يراها 

"أنا اللي أظبط يا ابن الـ.." توقف من تلقاء نفسه عندما وجدها أمامه ونظرت له واحدى حاجبيها قد تمردا لتزفر في حنق من أفعاله "يالا يا شاطر روح شوف مذاكرتك.. ما أهو العيال  اللي زيك" نظر لها وكأنما يقصدها هي بالكلام "موراهمش غير التفاهة!!" أنهى المكالمة ثم تفقدها بزرقاوتين انهالا بالحيرة حتى هي استطاعت أن تقرأهما وكاد أن يلتفت ولكن صوتها أوقفه 

"ممكن أفهم بعد اذنك ايه الـ Show (العرض) الهايل اللي عملته ده من شوية؟!" تفحصها بزرقاوتين تائهتين في ملامحها ولكنه حاول أن يتمالك الموقف وحاول أن ينظر لها بتقزز وقسوة ووضع هاتفها بجيب بنطاله ثم تصنع عدم الإكتراث والتفت ليتابع صنع قهوته..

"أنا حقيقي مش فاهمة أنت مالك بيا.. أنت أخدت الموبيل ليه؟" سألته في هودء ليلتفت رامقها بنظرة منزعجة ولم يبادلها الكلمات لتتنهد هي في ضيق "ممكن كفاية بقا تحشر مناخيرك في خصوصياتي وترجعلي الموبيل!" حدثته في هدوء لتستفزه أكثر ليلتفت لها ولم يعد يستطيع التظاهر بالهدوء أكثر من هذا 

"أنتي عايزة ايه بقا؟" سألها هامساً

"عايزة موبيلي اللي أخدته عشان أكمل مكالمتي.." رفعت حاجبيها في استنكار ثم مدت راحة يدها له ليعطيها الهاتف مرة أخرى  

"أنتي اللي زيك مالهوش موبايلات، أنتي متتكلميش ربع كلمة لغاية ما طنط جيهان تيجي وتشوف حل في اللي بتعمليه" بدأت نبرته تأخذ لهجة الحدة 

"وايه هو اللي بعمله بالظبط؟" تظاهرت بعدم المعرفة ليبتسم لها نصف ابتسامة 

"بتكلمي راجل محدش يعرف عنه حاجة ونازلة غراميات فيه من امبارح!!" أقترب نحوها لتتصنع التعجب وعقدت حاجبيها في استغراب 

"مين قال!! تقصد إنك أنت اللي متعرفش عنه حاجة! عشان كده هتموت أوي وواخد مني الموبيل.." ابتسمت له في تهكم "لما تبقا تعرف اللي بتتكلم عنه يا اسمك ايه أنت ابقا أعمل اللي أنت عايزه.. إنما أنت مالكش حُكم عليا عشان تعرف أنا بكلم مين ولا حتى تاخد موبيلي مني.." نظرت له بملامح استفزته ليبدأ في الشعور بالغضب ولم يستطع اجابتها بينما تفقدها بنظرات ود لو يعلم من خلالها ماهية تلك الفتاة الواقفة أمامه "أنت عملت كده ليه يا صهيب؟!" سألته في جدية ليعقد حاجباه عندما نطقت اسمه بتلك الطريقة الغريبة التي لا يملكها سواها 

"عملت كده عشان.. عشان.." لم يجد الكلمات ولكنه أسرع عندما وجد سبب مقنع "عشان أنا اللي مسئول عنك لغاية ما بابا وطنط يرجعوا!" زفر في راحة بعدما أخبرها 

"وأنت مين أصلاً عشان تكون مسئول عني؟!"

"أنا.. أنا.." لم يجد الكلمات مجدداً لتضحك هي بخفوت 

"بص.. أنت غلطان ومش من حقك أبداً اللي أنت عملته.. هات الموبيل وبطل شغل العيال ده بقا.. عيب حتى ده أنت أكبر مني.. مش عيب لما راجل زيك يعمل شغل الأطفال ده؟!" حسناً.. لقد أستطاعت أن تستفزه ببراعة ليقترب منها أكثر في غضب 

"بصي بقا.. لا أنا ولا ربايتي اللي اتربيت عليها اتعودنا على إن يبقا فيه بنت في سنك بتكلم واحد وهي مفيش بينها وبينه أي رابط أو علاقة.. كونك متعودة تكوني مش محترمة فده ميبقاش في البيت ده.. يبقا بعيد عن هنا.. أظن إني قولتلك كل اللي عندي ومش محتاجة تسمعي تهزيئ أكتر من كده.." رمقها بإحتقار لترفع هي يدها لتصفعه ولكنه أمسك بها وتعالت أنفاسه في غضب لتنظر هي له بغضب ماثل غضبه ورفعت يدها الأخرى لتصفعه ولكنه أمسك بها أيضاً 

"أنت مين أنت أصلاً عشان تقول عليا محترمة ولا لأ؟" سألته بغضب 

"كل اللي بتعمليه بيقول كده.. وأنا الراجل اللي قاعد معاكي ومسئول عنك"

"أنت أصلاً لو كنت راجل مكنتش قولتلي كلام زي ده" تعالى غضبه أكثر ودفها من كلتا يداها الممسك بهما إلي أن ارتطمت بالجدار خلفها ليستمع لأنينها 

"راجل غصب عنك.. ومش شايف غير إنك مش محترمة علشان بتكلمي واحد و.."

"أنت تعرف مين ده أصلاً؟!" قاطعته صارخة وبدأت الدموع تتكون بعنتيها 

"سألتك امبارح وأنتي مقولتيش.. مستنياني أخمن" صرخ بها غاضباً هو الآخر 

"وأنت أصلاً مالك!! مالكش دعوة.. لا أخويا ولا أبويا ولا خطيبي ولا جوزي يبقا مالك بيا؟ هيفرق معاك في ايه؟"

"هيفرق في إن بيتنا المحترم تدخله واحدة مش محترمة زيك.."

"أنت أصلاً تعرف ايه عن الإحترام ياللي من يوم ما شوفتك وأنت إنسان قليل الأدب وقليل الذوق وتعرف واحدة فعلاً شكلها مش محترم و.."

"وأنتي مالك بيا.. عيلة هتحكم على تصرفاتي ولا ايه؟" صرخ بها مقاطعاً وأقترب منها أكثر في عصبية 

"بالظبط زي ما أنت مالكش دعوة بيا.. أنت لو كنت راجل وعندك مخ تفكر بيه كنت عاملتني زي ما عمو أمجد بيعاملني إنما أنت متخلف و.."

"أقسم بالله لو غلطتي بلسانك ده تاني أنا.."

"ايوة بقا هتعمل ايه يعني أكتر من اللي بتعمله؟" قاطعها لتقاطعة ليُطبق أسنانه ولم يعد يتحمل ذلك الغضب الذي يندفع بدماءه كلما تحدث معها وازدادت قبضتيه حول يديها 

"أنا بحذرك.. كلمة تاني و.." أقترب منها هامساً بين أسنانه المُطبقة لتشعر هي بأنفاسه 

"أنت آخرك كلام.. ومش هاتعمللي حاجة.. ولا هتعرف.. عشان أنا مبعملش حاجة غلط!" قاطعته رافعة احدى حاجبيها في جرأة ولم تكترث لإقترابه الشديد منها ليلهث غاضباً وقد تحولت تقاسيم وجهه للإحمرار من شدة الغضب 

"وكلامك لراجل أنا معرفهوش ده مش غلط؟"

"وأنت مين أصلاً بالنسبالي عشان تعرفه؟ هتموت وتعرف مين بدر ليه؟ هيفرق معاك في ايه؟" صاحت به وقد أحتد عراكهما 

"علشان أنا من حقي أعرف كل حاجة عنك" صرخ بها بنبرة غاضبة وقد ارتفع صوته أكثر من أي مرة ماضية وحدق بعينتيها بزرقاوتيه وهو لا يشعر سوى بالإستفزاز الشديد منها

"ومين اداك الحق ده إن شاء الله؟ أنا ابقا ايه أصلاً بالنسبالك علشان تبقا عايز تعرف كل حاجة عني؟ لا أختك ولا مراتك ولا حتى قريبتك وكل اللي بيجمعنا هو جواز ماما وعمو أمجد وأنت ابنه وبالنسبالي أنت عندي ابنه وبس.. إنما أنا ابقا بالنسبالك ايه علشان تسألني وتتعصب عليا وتقول إني مش محترمة وتاخد موبيلي، هيفرق معاك في ايه يا صهيب؟ أنا بالنسبالك ايه علشان تعمل كل ده؟" صاحت بالمزيد من الأسئلة التي لا يجد لها إجابة ولكن غضبه تحكم بلسانه 

"معرفش.. معرفش أنتي ايه.. بس أنا مش قابل ده" أقترب منها أكثر صارخاً

"ومش قابله ليه؟"

"معرفش" صاح بمنتهى الغضب ولكنه بدا صادقاً وظل ناظراً له لتبادله النظرات ولهاثه الغاضب جعلها ترتبك وكذلك قوة قبضتاه على يديها ولكنه وجد نفسه يشرد بتلك الملامح وتفاصيلها التي لم يراها بفتاة أخرى سواها

"ابعد عني" همست في توتر ليلهث هو وهو يتفقد ملامحها بأكملها عاقداً حاجباه "بقولك ابعد.. ايه مبتفهمش؟" همست مجدداً "لو سمحت خللي عندك دم وابعد!" سمعها ولكن لا يدري لماذا لا تتحرك قدماه ولا يستجيب جسده لكلماتها "وهو بقا اللي مش محترمة ماسكها ليه من ايدها ومش عايز تبعد عنها؟ مش أنا وحشة أوي.. ابعد بقا عني لغاية ما أهلنا يجوا يتصرفوا ويشوفوا أنا بعمل حاجة غلط ولا لأ.. مش أنت الكبير المسئول عني.. فيه كبير يعمل اللي أنت بتعمله ده.. ابعد بقا يا رخم يا بايخ.. عرفت دلوقتي إنك أنت اللي مش محترم و.."

لم يدري ماذا حدث لتلتصق شفتاه بشفتيها لتتوسع عينتاها في دهشة وخجل شديد بل وصدمة من فعلته بينما وجد نفسه يوصد عينتيه وأخذ يقبلها دون أن يشعر بما يحدث حوله ولا حتى أدرك أنها تحاول تتفلت منه بشتى الطرق ولكنه شعر بإستكانة داخلية غريبة من نوعها حتى خضعت لها جوارحه هي الأخرى ليبتعد عنها في وجل مما فعله هكذا دون مقدمات ولا حتى مسمى بينهما ليرمقها بإرتباك وهو يحاول إلتقاط أنفاسه بينما تحاول فعلتها هي الأخرى لتحصل على بعض الهواء وامتعضت ملامحها وهي تنظر له في عدم تصديق لتزداد حيرته وهو ينظر إليها ولم يجد منها سوى صفعة جديدة ثم هرولت للأعلى، ليجد أنها محقة تماماً بما فعلته، بينما لم يدري ما الذي فعله هو وكيف فعل ذلك إلي الآن!!..  

--

"هتجنن يا ماهيتاب.. ده مش واخد باله من أي حاجة خالص.. بقا أنا اللي أي راجل يتمنى بس يتكلم معايا كلمتين بيعمل معايا كده؟ أنا مش عارفة محتاجة أعمل ايه تاني أكتر من كده علشان يحس بيا" صاحت سمر في حقد يتآكلها وهي تتحدث لصديقتها بالهاتف 

"ما يمكن يكون بيحب واحدة تانية!" أخبرتها بنبرة منزعجة 

"أنا متأكدة إن مفيش أي حد في حياته.. وبعدين مين دي بس اللي هتبقا أحلى مني ولا معاه طول اليوم زيي" 

"معلش يا سمر.." واستها وهي بالكاد لا تطيق التحدث إليها فما تمر به مع عائلتها لا يترك لها لحظة دون الشعور بالحزن والإكتئاب الشديد 

"أنا مش عارفة أعمل معاه ايه تاني أكتر من كده.." حدثتها في غيظ 

"طب ما تحاولي تصارحيه وتكلميه بهدوء" همست لها وهي بالكاد تستطيع التركيز فيما تقوله 

"تفتكري يعني بعد كل اللي بعمله ده هو مش فاهم؟ ده أنا حاولت كتير وبردو مفيش فايدة!"

"طيب يا سمر وأنتي ايه اللي يجبرك تعملي كل ده علشان واحد مش حاسس بيكي؟ حاولي تبعدي عنه وتفتحي قلبك لحد غيره" زفرت في إرهاق 

"بحبه يا ماهي.. بحبه أوي.. من أول يوم شوفته فيه وأنا اتجننت بيه.. عمري ما شوفت نفسي مع راجل تاني غيره" حدثتها في صدق 

"ما يمكن مش هو ده الإنسان اللي هيقدر يسعدك"

"أنا مجرد وجودي معاه بيسعدني أوي.. معندكيش فكرة ببقا عاملة ازاي لو أخد يوم أجازة.. ببقا هموت واروح أشوف ماله.. ولا يوم الجمعة والسبت.. بيعدوا عليا كأنهم عشرين سنة مش يومين" ساد الصمت بينما تنهدت ماهيتاب وهي لا تدري ماذا عليها القول! فلقد تحدثتا بهذا الأمر أكثر من مرة ولم تجدا له أي حل أبداً.. لا تعرف ما سبب ذلك الهوس برجل يصغرها بعامين ولا يُلقي لها بالاً أبداً.. لا تعرف لماذا لا تتوقف سمر عن ملاحقتها اياه.. لا يتحدثا سوى عن ذلك الأمر منذ ما يقارب من سنة كاملة منذ بداية عملها بذلك المصرف.. متى ستلقي لها ولو اهتماماً بسيطاً؟ ألا تشعر بتغير نبرتها منذ بدء المكالمة؟ ألا تهتم لها؟ لماذا لا تسألها عما تشعر به ولو لمرة واحدة بحياتها؟ "ماهي أنتي معايا؟"

"آه.." همست مجيبة لتتآفف سمر ولكن دون أن تلاحظها ماهيتاب

"مالك؟!" سألتها بإقتضاب

"بابا وماما.. مشاكل تاني علشان موضوع الخطوبة ده.." اجابتها متنهدة وهي لا تُصدق أنها بالنهاية تكترث لها وسألتها عما بها 

"ما تقوليلهم إنك مش عايزاه يعني.."

"قولتلهم مرة واتنين وتلاتة.. مفيش فايدة"

"لا بقا لازم تشوفيلك حل.. قوليله مش طايقاك وابعديه عنك.." زفرت في حنق من تلك المُشكلة التافهة بالنسبة لها 

"ما أنا قـ.."

"طب معلش جرس الباب بيرن.. هكلمك تاني.. باي" قاطعتها لتنفخ في سأم "أنا مش ناقصة قرف بقا!! كل شوية الحوار السخيف ده.. خنقتيني يا شيخة!" تمتمت بملامح ممتعضة ثم تناولت هاتفها لتتفقد حساب صهيب على احدى مواقع التواصل الإجتماعي..

--

"والله خايفة عليهم.. صهيب عصبي ولينا مجنونة وبجد خايفة ارجع الاقي واحد فيهم ضرب التاني" ضحك أمجد على حديثها 

"هو صهيب عصبي فعلاً بس متقلقيش.. هو عاقل وقلبه حنين واستحالة يعني يبالغ" 

"هو صحيح عصبي أوي كده ليه؟!" 

"تصدقي فعلاً مش عارف!! مع إن لا أنا ولا مامته الله يرحمها كنا عصبيين أوي كده"

"طب أنت كنت بتتعصب عليه مثلاً وهو صُغير؟" سألته بملامح مستفسرة 

"خالص والله.. أنا كنت ممكن أعاقبه بأي طريقة غير العصبية والضرب والكلام ده لو غلط مثلاً"

"غريبة" أخذت شهقياً مطولاً وهي تهز كتفيها بتلقائية ثم زفرته بأكمله "ممكن يكون خايف عليك؟!"

"ازاي يعني؟" اجابها أمجد سائلاً وهو يعقد حاجباه في تعجب 

"يعني.. من الحياة الجديدة وإني أنا ولينا ناس ميعرفهومش وممكن يكون غيران شوية لا ناخد مكانه ونشغل وقتك عنه!" تريثت لبرهة وهو يتفحص ملامحها لتُكمل مُسرعة "أنا عارفة انه فرحان بموضوع جوازنا وعايز يشوفك مبسوط بس ساعات الواحد بيحس بحاجات غصب عنه يعني.. وبالذات أنت وصهيب مالكوش غير بعض من سنين وحياة كل واحد فيكو واقفة على التاني.. وقريبين من بعض وأصحاب كمان.." 

"أنتي بتجيبي الكلام ده منين؟!" ضيق عيناه مبتسماً بإقتضاب وهو يتفحص ملامحها في عشق تام 

"أنا عكيت ولا ايه؟!" زمت شفتيها وانقبضت ملامحها وهي تنظر له بعينتين مستفسرتين 

"بالعكس.. صهيب فعلاً عنده حتة الغيرة دي شوية.. ده زمان لو كنت بتشغل عنه بحاجة كان بيضايق وموده يفضل قافل لغاية ما أروح وأصالحه" 

"يعني كلامي صح؟!" 

"وهو القمر بيقول حاجة غير الصح؟!" ابتسمت له جيهان لتتوسد صدره 

"يبقا لما نرجع لازم بقا ترجع معاه زي زمان بدل ما يضايق" 

"عندك حق.. هو بس لما بيحب حد وبيتعلق بيه بيبقا عايز يعرف عنه كل حاجة ويفضل معاه طول الوقت.. زي ما بيكون خايف لا يبعد عنه"

"يا حبيبي" تمتمت جيهان في تعقيب على كلمات أمجد "بردو العيشة من غير أم صعبة يا أمجد.. وبتخلي الواحد لما يكبر يبقا نفسه في حد يكون كل حياته.. الأم هي الحنية"

"والأب يعني زي أمجد كده مينفعش؟" أخفض عينتيه لها ليرمقها في تساؤل ولمحت هي عقدة حاجبيه 

"الأب يعني تحمل مسئولية.. ضهر وسند.. حماية.. أمان.. وأظن مفيش زيك في المواضيع دي.. إنما الأم هي الحنية والإحتواء والطبطبة والحضن" همهم وهو ينظر لها مُضيقاً عيناه "لما الواحد بيكبر من غير واحد فيهم بيفقد جزء كبير ودايماً بيعيش حياته كلها يدور عليه لغاية ما يلاقيه.. ويوم ما بيلاقيه مبيسبهوش لحظة.." 

"أنتي دماغك كبيرة كده ازاي يا جيهان؟!" سألها وهو يتفحصها لتنهض هي ناظرة له وتنهدت 

"الزمن بيعلم يا أمجد حاجات كتير" اجابته ثم رفعت كتفيها وأخفضتهما في عفوية 

"يا ريتني لاقيتك من زمان.. كان كبر في حضنك" أخبرها لتبتسم له 

"متقلقش.. لسه أقدر أعوضه" نظر لها بمكر ليجذبها في ثوانٍ أسفله 

"طب عوضيني أنا الأول احسن عيشت سنين كتيرة من غير واحدة حلوة وكان حالي يصعب على الكافر" ضحكت ليبتسم في سعادة لسماعه لتلك الضحكة وأقترب ليُقبلها في عشق لا متناهي..

--

"لا يا رولا.. ده.. ده قليل الأدب.. أنا هبص في وشه ازاي بعد كل اللي عمله ده.. ولا هاقول لماما ايه؟! ولا عمو أمجد!! يا لهوي.. لأ.. لأ مش هاقدر أقولهم.. أنا مكنتش متصورة إن الموضوع هيوصل لكده أبداً معاه!" تحدثت إلي صديقتها في صدمة 

"اهدي بس.. لاحظي إنك بتتكلمي من تليفون البيت وممكن يسمعك لو فيه تليفون تاني.." 

"لا مفيش غير ده" استمعت لزفرة رولا في راحة 

"طب بقولك ايه ما تفوقي كده من الصدمة اللي أنتي فيها دي وتركزي معايا!"

"عايزة ايه يا رولا تاني؟ كل اللي حصل ده من تحت دماغك وأنا أصلاً مش عايزة خطط منك تاني.." 

"استني بس وصفي نيتك كده واسمعيني"

"عايزة ايه يا آخرة صبري!"

"لما يعني.." حمحمت ثم تابعت "لما باسك كده محستيش إن فيه حاجة غريبة؟!" 

"غريبة بس!!" صرخت بها لتبعد رولا سماعة الهاتف من كثرة صراخها "أنا مش عارفة ازاي أصلاً ده حصل.. زي ما يكون كل حاجة حصلت بسرعة.. مش عارفة.. بس.. أنا.. أنا ضربته بالقلم عشان هو قليل الأدب و.."

"أنتي متلخبطة يا لي لي" أخبرتها بنبرة واثقة وهي تبتسم 

"اه طبعاً من اللي عمله!!" أخبرتها بلهجة قاطعة 

"مممم.. يعني مش من حاجة تانية؟"

"رولا!! اتلمي!! مفيش حاجة تانية ولا تالتة!"

"طيب.. أنا يعني كنت بطمن على صاحبتي" 

"طيب ياختي متشكرين لخدماتك" ساد الصمت لبرهة لتتحدث رولا من جديد 

"أنتي هتجيبي موبيلك منه تاني ازاي؟"

"معرفش.. أنا مش عارفة هبصله ازاي أصلاً.. ولا هتعامل معاه تاني ازاي"

"ممم.. مش قولتي انه هو اللي غلطان وقليل الأدب و.."

"طبعاً غلطان غصب عن عينه" قاطعتها بإنفعال 

"طيب خلاص روحي صوتي في وشه وقوليله هات الموبيل أكلم ماما" 

"لا لأ.. لأ يا رولا لأ.. مش هاقدر"

"أهو اديكي بتغني لأ اهو زي طنط جيجي لما بتبقوا متلخبطين!" أخبرتها لتبتلع لينا في حيرة بينما فجأة استمعت كليهما لصوت صراخ والدة رولا

"ايه ده مالها طنط؟"

"بتتخانق مع بلال من الصبح"

"فيه ايه.. نفس حوار الكلية بردو مش كده؟"

"وهو أحنا بقا ورانا غيره.. دول فظاع"

"والله أخوكي ده أهبل.. هندسة ايه اللي عايز يسيبها بعد اربع سنين"

"وربنا كلمناه في الموضوع كذا مرة ومش عايز يسمع لحد.."

"لا أنا هحاول معاه.. بلال دماغه جزمة بس قلبه طيب وهيسمعلي"

"ماشي يا حنينة" تحدثت رولا بنبرة ساخرة 

"أقفلي بقا لما أروح أشوف هاعمل ايه مع سي زفت ده كمان! أنا هاعيش من غير موبيل ازاي.. ده أنا هموت وأكمل الرواية" 

"آه الله يكرمك وأنا كمان هموت وأقراها، اجمدي كده وهاتني منه الموبيل.. وابقي طمنيني حصل ايه" 

"خلاص أوك.. باي" 

أنهت مكالمتها ثم غرقت بالحيرة.. ما فعله لا يدل سوى على أنه إمّا شخص لا يتحلى بالأدب، أو أنه يريد التقرب إليها ويشعر بالغيرة من أي رجل آخر قد تعرفه مثل ما أخبرتها رولا!! زفرت وهي تحاول إيجاد طريقة مقنعة لتتحدث معه وتحصل على هاتفها مرة أخرى ..

"أنا مغلطتش فيه.. هو اللي غلط ولو عنده دم يديهوني من سُكات وميرفعش حتى عينه فيا!! ده المفروض يتأسفلي" حسمت أمرها ونهضت بجرأة شديدة لتتجه لتبحث عنه حتى تحصل على هاتفها مرة أخرى!!



يُتبع..