الفصل الثاني عشر - عشق ناضج وعشق مجنون
الفصل الثاني عشر
"أنت ازاي تكسفني كده قدامهم؟ أنت بتطردهم من البيت ولا ايه مش فاهمة؟ حرام عليك بقا النكد بتاعك ده كل شوية!! أنت مالك أصلاً بعمل ايه ومين دول؟" صاحت به سائلة بغضب وارتعشت تقاسيم وجهها وهي تنظر له بتقزز
"أنتي اللي ازاي تقفي مع واحد كده بالمنظر ده لا وبتلعبيله في شعره كمان!! المرة الجاية بقا اجي الاقيكو نايمين مع بـ.."
"يا قذر يا حيوان أنت بتقول ايه؟!" صرخت به لترفع يدها لمحاولة صفعه ليُمسك بيدها مُسرعاً ونظر لها بغضب ليقترب نحوها
"ما أنتي مش مدياني سبب غير إني أقول كده باللي بتعمليه"
"يا متخلف ده أخو صاحبتي أعرفه من أيام ما كنت عيلة صغيرة! وبعدين أنت مالك أصلاً بيه ولا بغيره"
"مالي إني راجل البيت ده وأنتي دخلتي راجل تاني بدون علمي.. على الأقل كنت أكون موجود!" صاح بين أسنانه المُطبقة في غضب وهو ينظر لها في لومٍ منزعج من أفعالها بينما تحاول هي إفلات قبضته المُمسكة بيدها
"راجل البيت على نفسك و.."
"راجل عليكي غصباً عنك" قاطعها وتعالت أنفاسه بغضب وهو يقرب وجهه منها في حالة من اللاوعي وسط غضبه
"راجل بس عشان دخلت واحد جوا البيت بدون علمك!! ماشي لو هنقول ده حقك عشان أنت راجل، فين بقا رجولتك دي وأنت بتهزقني من أول مرة دخلت فيها بيتكم لغاية دلوقتي؟ فين رجولتك وأنت بتمسك ايديا بالمنظر ده كل شوية؟ فين رجولتك وأنت بتبوسني النهاردة الصبح؟" سألته ليرمقها بنظرات الحيرة وهو يتفحص عيناها الغاضبتان ولم يستطع إجابتها على أسألتها ثم استعاد قراره بالتريث والإنتظار قليلاً معها فلاحظت صمته غير المعتاد لتبتسم له في انتصار "ايه.. القطة كلت لسانك دلوقتي؟! عرفت إنك غلطان؟" سألته بنبرة استفزازية ليتفحص ملامحها لمرة أخيرة ثم ترك يدها في هدوء
"أنا غلطان إني بتكلم معاكي أصلاً..!" همس بغضب أمام أنفاسها المتعالية في ارتباك ثم التفت وغادرها ليتركها بحيرة شديدة وأصطحب حيرته معه ليختفي عن عينتيها لعدم مقدرته لمواجهة تلك العينتين فهو بالنهاية يشعر وكأنما ملامحها تسبب له حالة من الضياع الشديد!
❈-❈-❈
"أنا خلاص زهقت وقرفت من إهماله ليا بجد!! ناقصني ايه بس علشان يحس بيا" تحدثت سمر حانقة بهاتفها
"يا سمر قولتلك كذا مرة مش شرط كل اللي الراجل يعوزه هو شكل الواحدة الحلوة وخلاص!" قالت ماهيتاب وهي تحاول إقناعها ربما للمرة الآلف
"ما أنا أتكلمت وضحكت وحكيت وسألت وأهتميت.. ناقص ايه تاني المفروض أعمله ومعملتوش؟!"
"يا حبيبتي حاولي تبصي للموضوع بطريقة تانية" زفرت ماهيتاب في سأم من سمر التي لا تتغير أبداً
"ازاي يعني؟!"
"يعني إنك تسيبيه شوية وتشيليه من دماغك، تبعدي عنه، متبقيش سهلة ومتاحة ليه طول الوقت.. مش يمكن اهتمامك الـ Over ده هو اللي مخليه مش طايقك؟!"
"ايه يعني مش طايقني دي.. طب لعلمك بقا طايقني وكل ما بيشوفني بيضحكلي.. وأنا غلطانة إني بحكي ليكي أساساً.."
"فيه ايه يا سمر مالك؟ فجأة كده بتكلميني بطريقة غريبة.. على فكرة أنا خايفة علـ" تعجبت ماهيتاب صديقتها بينما صاحت بها سمر بطريقة تركت الأخرى في حالة من الدهشة الشديدة
"أنتي أصلاً مين أنتي علشان اجي وأكلمك وأحكيلك.. مش كفاية باخد رأي واحدة معقدة زيك في حياتي.. أنا بجد غلطت لما عرفت الأشكال اللي زيك بس خلاص أوعدك من هنا ورايح مش هكلمك تاني.. في ستين داهية!!" تحدثت سمر بعصبية وهي تقاطع كلماتها ثم أنهت مكالمتها وبقرارة نفسها تعلم أنها تختار الموت ولا تختار نسيان صهيب أو الإبتعاد عنه..
هي تعلم جيداً أين الصواب ولكن هناك جزءاً بعقلها يشعر بسعادة كلما رآت وجهه.. كلما نظرت لضحكته.. كلما أقتربت وشعرت برائحته الرجولية.. لا لن تتركه ولن تبتعد عنه.. وحتى لو كان ذلك هوس به وليس عشق فهي لا تمانع.. لن تتوقف حتى يُصبح ملكها بأي طريقة من الطرق الممكنة.. ولن تستمع لتافهة مثل ماهيتاب فمن هي حتى تستمع لها على كل حال!!
❈-❈-❈
جلست بتلك الغرفة التي خصصها لها أمجد بغرفته وهي لا تستطيع التوقف عن التفكير بكل موقف وكل وقت جمعها بصهيب منذ دخولها هذا المنزل إلي ما حدث منذ قليل، غضبهما الذي لا يتوقف عن التبادل كلما أجتمعت به، كلماتهما اللاذعة التي لا يتوقفان عن رمي بعضهما البعض بها، تلك الطريقة التي يقترب منها بها.. يداه التي تعانق يديها بقوة في الآونة الأخيرة.. قبلته تلك المفاجأة، وغيرته التي تأكدت منها منذ قليل!!
ماذا يريد؟ أمعجب هو؟ أم هو فرض سيطرة وتحكم ليس إلا؟ ولكن أيُقبل كل من يريد أن يتحكم بها ويفرض سيطرته عليها؟ لا تدري وقد أُرهقت من التفكير!!
وماذا عنها هي الأخرى؟ لو كان إعجاباً ممزوجاً بفرض تحكمات وسيطرة هل تقبله هي؟ هل يُعجبها هو الآخر؟ هل كل ما تفعله معه هو مجرد مزاح واستفزاز ليس إلا لأنها لم تواجه مثل هذا الموقف في حياتها؟
شعرت بالإحتياج الشديد لوالدتها وتمنت لو أنها هنا.. كم أنها تجعل دائماً الأمور واضحة أمامها.. فكرت بأن تتحدث لها ولكنها شعرت ربما أن هذا ليس بالوقت المناسب أبداً.. إذن عندما تعود ستقص عليها الأمر منذ بدايته حتى ترى ما تستطيع فعله..
"أيوة يا رولا" أجابت هاتفها وقد لاحظت صديقتها اختلاف نبرتها المرحة
"مال صوتك؟ المجنون ده عمل ايه تاني؟" سألتها بإهتمام
"فضل يقولي ازاي أكون واقفة مع بلال كده وشوية كلام مستفز" أخبرتها وهي مُستغرقة في التفكير
"طب وبعدين.. الحوار خلص على ايه يعني؟"
"مفيش.. اتعصبنا على بعض وفي الآخر قال إنه غلطان إنه بيتكلم معايا وسابني ومشي.." حدثتها في هدوء لم تتقبله رولا
"وأنتي بتفكري في ايه دلوقتي؟"
"مش عارفة.. حاسة إن كل اللي أنا فيه ده غلط ومش عارفة أعمل ايه"
"اللي شايفاه إنه بيغير عليكي أوي.. بدر وبلال جننوه يا عيني"
"وحتى لو بيغير ده مش من حقه.. يا رولا أفهمي احنا أصلاً مفيش ما بيننا حاجة تستدعي غيرته دي"
"ما هي ياختي بتبدأ كده" ابتسمت رولا بالرغم من أن لينا لا تراها
"تبدأ ايه بس.. هو مش بيحب فتاة الليل اللي لازقاله في كل حتة دي!! ماله بيا أنا بقا" حدثتها حانقة
4سئش2ضي"مين قالك إنه بيحبها؟ وبعدين أشمعنى يعني بتجيبي سيرتها.. بتغيري يا قطة أنتي كمان ولا ايه؟" تأثرت ملامحها مجدداً بالرغم من عدم رؤية لينا لها
"يوووه!! بغير ايه بس.. متبقيش قفيلة أنتي كمان أنا مش ناقصة قرف"
"طيب اهدي كده وصلي على النبي"
"عليه الصلاة والسلام"
"قومي قومي يا شيخة فكي وسيبك من المجنون أبو عيون حلوة ده وتعالي نكمل الرواية"
"ماشي.. هاخد شاور ونكملها"
"تمام هستناكي"
شعرت بأنها تريد إنهاء المكالمة لأي سبب كان فحديثها عنه لن يُفيدها الآن وخاصةً أنها تُفكر به منذ يومين ولم تتوقف أبداً عن التفكير بكل ما يفعله معها..
❈-❈-❈
"تعرف يا أمجد.. الوحدة حاجة صعبة أوي.. كنت بحاول أهرب منها بأي طريقة بس غصب عني كنت بحس بيها.. لما لينا تنام بدري علشان جامعتها ولا امتحاناتها ولما يكون معنديش شغل مهم والروتين قاضي على يومي كله.. كنت في الآخر بحس بالوحدة.. كانت بتوجعني.. كان غصب عني بفكر وبقول لو لينا سابتني أنا هيجرالي ايه.. وفي الآخر كنت بصبر نفسي وأطبطب على نفسي بكلمتين وأحاول أنام علشان بكرة.. وحتى بعد ما كنت بضحك على نفسي بكرة ده كان بيتكرر، ووجع الوحدة بيتكرر وعمري ما خلصت منه أبداً"
همست وهي تجلس بين ساقيه بينما ظهرها يتوسد صدره وذراعيهما متعانقتان في دعم شديد منه وأحتواها بالكامل بتلاصق جسديهما معاً..
"عمرك ما هتكوني لوحدك تاني.." همس وهو يعانقها أكثر
"وجودك جنبي يا أمجد عوضني حاجات كتيرة أوي، فيه اللي بجد مكنتش واخدة بالي منه، وفيه اللي كنت باخد باله مني ومطنشاه، وفيه اللي كان بيسببلي عبء كبير أوي ومجرد وجودك في حياتي غير كل حاجة"
"جيهان يا حبيبتي أنتي مش لوحدك.. أنا كمان مر عليا وحدة، واحتياج لحد يكون جنبي، رعب من فكرة إن صهيب بيكبر وفي الآخر هكون لوحدي.. أنا زيك بالظبط"
"طب ليه متجوزتش من زمان؟" سألته هامسة
"علشان نفس السبب اللي أنتي متجوزتيش علشانه من زمان" وصدت عيناها وكأنها تحاول الغرق بجسدها بأكمله كي يحتويها جسده أكثر
"طب أنا ست.. وتقريباً كده المطلقة والأرملة حرام عليهم يتجوزوا في مجتمعنا.. أنت ايه بقا اللي منعك من الجواز؟" سألته لتشعر به يأخذ شهيقاً عميقاً ثم تركه يتفلت بهدوء وضمها إليه أكثر
"أنا قولتلك إني كنت عايز الحب.. مش الجواز وبس.. آه أنا كنت بعاني من الوحدة زيك بس معاناتي لأني مش لاقي اللي أحبها كانت أكبر.. يمكن علشان مراتي الله يرحمها مكنش فيه ما بيننا حب وجربت الجواز من غير حب وقررت إني استحالة أعمل في نفسي كده تاني" أجابها لتستمع له في هدوء ولم تعقب على كلماته ولكنه شعر بأنه يريد التحدث بالمزيد فتابع حديثه
"كل حاجة يا جيهان بتفرق مع وجود حب.. يعني وأنتي بين ايدي دلوقتي غير معاها، الكلام نفسه معاكي غير معاها، التفاهم معاكي غير معاها.. مش بقول إنها وحشة أو مكنش فيهما بيننا تفاهم؛ بالعكس.. بس لما الراجل بيحب ست بتحبه الحياة نفسها ما بينهم بتتغير.. وحتى لو ماكنش فيه تفاهم كبير ما بينهم فالحب بيحل حاجات كتيرة، إنما لو فيه تفاهم ومفيش حب تحسي إنك في علاقة عملية، زي علاقتك بحد في شغلك أو جارتك أو قريبتك من بعيد.. أنا كنت عايز الحب قبل الجواز والعلاقة ووجود حد جانبي يبعد عني الوحدة وخلاص!"
"ويا ترى لقيت الحب كله اللي كنت عايزه؟!" سألته بنبرة هامسة ولكنها اتسمت بالمزاح الإستنكاري
"لقيته بالسنتي.. صوت وصورة وكل حاجة.. أنا حبيت فيكي شخصيتك القوية.. وحبيت فيكي البنوتة الصغيرة المستخبية.. حبيت فيكي جرأتك الواضحة وحبيت جبنك وخوفك اللي محدش يلاحظه بسهولة.. حبيت ملامحك من ساعة ما عيني شافتك..حبيتك أوي لدرجة إنك خلتيني بتمنى صبح وليل إن صهيب يحب زيي ويتجوز عن حب ويلاقي اللي يحبها ويتجوزها"
"ياااه كل ده حب!! أنا محظوظة أوي بقا" ابتسمت بعذوبة وأصابعها بحثت عن خاصته ليتشابكا الأصبع سوياً
"أنا اللي محظوظ إني لقيتك بعد السنين دي كلها.. الحب اللي حسيته معاكي خلتني بتمنى أشوف كل الناس بتحب بعض"
"بمناسبة الناس!!" التفتت له بين ساقيه وهي تنظر له في تساؤل "لو صهيب جه وقالك إنه عايز يتجوز بنت أنت مش موافق عليها هتعمل ايه؟!" سألته وعينتيها المليئتان بالحيوية تجعله يقع بعشقها أكثر ولكن ملامحه امتعضت من ذلك السؤال
"وأنا ايه يعني اللي مش هيخليني موافق عليها؟!" هز كتفاه بتلقائية
"يعني.. شكل أو مستوى أو.."
"هششش!! متكمليش" قاطعها بعقدة حاجبان طفيفة "أنا مبفكرش كده يا جيهان.. أنا مش متخلف أوي كده.. الطريقة دي أنا عمري ما أفكر بيها أبداً.. صهيب حر.. أنا ربيت وكبرت وواثق من اختياراته.. يوم ما يصارحني ويقولي إنه حب واحدة وعايز يتجوزها أو يرتبط بيها عمري ما هعارض سعادته.."
❈-❈-❈
"أنا جبت آخري من زفتة اللي أسمها سمر دي.. في الشغل وكمان في النادي.. ناقص أفتح حنفية بيتنا الاقيها نازلالي منها" تحدث صهيب حانقاً لأكرم بهاتفه
"اهدى بس يا صاوصاو.. مكنتش مُزة يعني اللي تضايقك كده!"
"بردو هتقولي مُزة! يا ابني دي إنسانة مريضة.. إنسانة معندهاش كرامة علشان تعمل كل اللي بتعمله ده!"
"طب لما هي معندهاش كرامة ما تيجي معاها سكة و.."
"لا لأ.. مش أنا يا أكرم اللي يعمل كده" قاطعه نافياً بحدة ما أوشك صديقه على قوله
"طيب عملت ايه مع لينا؟!" زفر محاولاً أن يغير مجرى الحديث
"بص.. أنا لازم ادي نفسي وقت معاها.. حتى لو معجب بيها لازم أتأكد كمان من مشاعري ليها ومشاعرها ناحيتي"
"أنا مش عارف جو المثالية اللي أنت عايش فيه ده هيخلص امتى!"
"مش أحسن من الفشكلة والهرجلة اللي أنت عايش فيهم!! بنات بنات وعط وفجأة تخطب!"
"طب بقولك ايه!! أنا جاتلي فكرة حلوة تحللك كل الحوارات اللي أنت فيها دي!" أخبره في حماس
"قول يا سيدي!"
"ما تغيظ لينا بسمر وتبعد سمر عنك بلينا!!"
"لأ.. بطل شغل هبل.. مش أنا اللي يعمل كده" زفر في ضيق
"ولا هبل ولا حاجة.. فكر كده في كلامي.. سمر لو عرفت إن فيه حد في حياتك هتبعد.. ولينا لو حاسة من ناحيتك بحاجة هتتجنن وهتعمل حاجات كتيرة هتبينلك إنك فارق معاها" أخبره محاولاً إقناعه
"لا لأ.. ده شغل هطل مش بتاعي"
"يا عم بس اسمع الكلام.. ولا أنت مش عايز سمر تحِل عنك؟!"
"أكيد عايز أبعدها بس مـ.."
"اللي زي سمر شايفة نفسها أحسن واحدة في الدنيا ولو شافتك مع حد تاني هتموت جواها" قاطعه في ثقة "وبردو لينا لو سحبت معاها ناعم هتعرف إذا بتفكر فيك ولا لأ.." تريث لبرهة بينما توقف صهيب عن الحديث وفهم أكرم أنه يُفكر بإقتراحه "يعني خروجتين حلوين.. شوية ضحك.. إهتمام.. بيحبوا همّ الحاجات دي اوي وبتجيب معاهم سكة"
"بس أنا مش عايز أكدب عليها!" زفر في تردد
"ومين قال إنك هتكدب على حد.. أنت ببساطة هتعمل مع لينا زي ما بتعمل مع باقي البنات اللي بتخرج معاهم علشان تشوف إذا كنت هترتاحوا سوا ولا لأ.. وسمر هتخليها تفهم إنك بتفكر في غيرها وإنك مش عايزها" حدثه بتلقائية ليحاول إقناعه بينما تنهد صهيب بعد لحظات من الصمت
"ماشي.. هافكر في الموضوع"
"ايوا بقا يا صاوصاو!! *** أم دماغك الجزمة دي يا جدع" صاح في حماس
"طب وهي سمر هتعرف منين إني بفكر في حد غيرها أو هـ.."
"لا يا باشا دي بقا سيبها عليا أنا" قاطعه مسرعاً
"ربنا يسترها.. أنا حاسس إن فيه مصيبة هتحصل من ورا الحوار ده"
"لا يا عم ولا مصيبة ولا غيره وبكرة تروق وتحلى"
"ماشي.. اتخمد بقا علشان الشغل"
"اه لسه هقولك.. الساعة بقت اتنين !"
"يالا أشوفك بكرة.. سلام"
"سلام"
ثنى ذراعه أسفل رأسه وهو يتكأ عليه، ولا يدري ما تلك الورطة التي وقع بها ولماذا وافق على كلمات أكرم وإقتراحه المتهور الذي أقترحه وأقنعه به منذ قليل؟!
هل هذا لأنه يود يُجرب أشياء جديدة مع لينا؟ أم أنه يود أن يتأكد من ماهية مشاعره نحوها؟ أم لربما يريد أن يتأكد ما إن كان الإعجاب متبادل؟!
إعجاب ماذا؟ لقد تشاركا معارك ضارية شديدة بكلمات تراميا بها بمنتهى الغضب واللذاعة!! هو يحلم إذن بأنها قد تُعجب به.. ولكن هذا ليس مستحيلاً.. سيجعلها تُعجب به!! ولكن هو لم يتمن أبداً سوى فتاة تُعجب به هو الآخر منذ البداية!!
زفر حانقاً وظل يُفكر بها تارة يتذكر مجادلات عدة خاضا فيها، وتارة يتذكر ملامحها ليجد نفسه يشرد بإبتسامة ثم يعود لتسرعه بما فعله وقبلته إليها ثم يرتطم رأسه بعنف متذكراً طريقتها المجنونة وطفوليتها.. وظل يُفكر ويُفكر حتى تفلت الوقت تماماً ولم يشعر بنفسه حتى رمق ضوء النهار قد كسا السماء بأكملها ليلعن داخل نفسه وتفقد الوقت ليجد أن الساعة أصبحت الخامسة والنصف صباحاً وأدرك أنه أمامه ساعة واحدة وبعض دقائق أخرى حتى يستعد لتواجده بالعمل فزفر في ضيق على تلك الحالة التي وصل إليها ونهض ليصنع كوباً عملاقاً من القهوة حتى تساعده على بدء يومه..
❈-❈-❈
"خلاص!! أنا جبت أخري.. هاموت وأنام! نكمل الباقي بكرة" تثائبت لينا وهي تُرسل لصديقتها رسالة صوتية ثم وصدت هاتفها وتركته يسقط من يدها لتجد أهدابها تتلاقى في تلقائية وقبل أن تستسلم للنوم وجدت هاتفها يصدر إهتزازاً
"ها.. عايزة ايه بقا روحي نامي.." همست لها بنعاس وهي تُجيب مكالمتها
"على فكرة مستواكي قل أوي.. فين لينا اللي كانت بتخلص الرواية في ليلة؟"
"لا الرواية دي فيها ناس كتير وأنا صدعت منها وعايزة أنام.. نكمل بكرة" سيطر المزيد من النعاس على صوتها الذي تحدثت به لصديقتها
"صدعتي!! حسبي الله!"
"روحي نامي بقا وسيبيني أنا كمان أنام.. الساعة قربت على ستة"
"ماشي ياختي.. أنا مش جايلي نوم!! هاقوم أكمل الروايـ.."
"متبقيش ندلة.. والله أموتك لو كملتيها من غيري" تثائبت مجدداً وهي تقاطعها ولم تكترث حتى بفتح عينتيها الموصدتان
"لا لا متقلقيش.. دي رواية تانية مش دي"
"ماشي.. اقفلي بقا أحسن مش قادرة أبص حتى في الموبيل ولا قادرة أقوم من الليفنج أروح أوضتي" همست إليها
"ماشي تصبحي على خير"
"وأنتي من أهله.." همست مجدداً بينما تركت نفسها لتستسلم للنوم ..
في نفس الوقت كان صهيب أعد قهوته وصعد للأعلى حتى يتناولها في شُرفة غرفته وهو يتمنى أن يحصل على بعض نسمات هواء الصباح العليلة وهو يستمتع بهذا السكون بالمنزل، لقد أشتاق له حقاً.. فهو لم يستمتع به منذ حضور لينا إلي منزله مؤخراً ليتنفس في راحة متنعماً بالهدوء ولكن ما أزعجه هو وجود ضوء ينبعث من غرفة المعيشة ليزفر حانقاً على تصرفاتها، فلقد ظن أنها تركت ضوء الغرفة دون أن تغلقه..
غير وجهته وتوجه للغرفة ليوصد النور ليجدها نائمة في هدوء شديد، لا تنزعج حتى من تلك الأضواء حولها، لا تكترث لدرجة حرارة مكيف الهواء المنخفضة للغاية التي قد تعرضها للمرض..
هز رأسه في إنكار على تصرفها الطفولي ووضع كوب قهوته جانباً ثم ذهب ليُحضر غطاء ليضعه عليها ثم دلف الغرفة مجدداً ووصد الضوء وأقترب ليضع الغطاء عليها وعدل من درجة الحرارة ليجعلها ملائمة ثم نظر لها لمرة أخرى ليرى يدها لا تزال ممسكة بهاتفها ليبتسم بإقتضاب ثم أخذه ليضعه على المنضدة أمام الأريكة ليجدها تزم شفتيها بطريقة طفولية وتمدهما للأمام لتتوسع ابتسامته وهمهمت أثناء نومها وهي تبدو منزعجة لعد راحة رأسها الذي تستند به على ذراعها أسفلها..
أحضر قهوته وجلس في الضوء المنخفض الذي يتسلل الغرفة وهو يتفحص ملامحها وينظر لها في سلام شديد، دون غضب ودون صياح.. تبدو مختلفة كثيراً الآن بخصلاتها المتمردة في حُرية على وجهها بالكامل..
ظل ينظر لها أكثر وهو يرتشف من قهوته وسأل نفسه العديد من الأسئلة وهو يروي ظمأ عيناه من ملامحها التي بحث عنها لكثير من الوقت في فتيات عديدة ولكنه لم يجدها إلا هُنا بتلك الصغيرة المجنونة تماماً التي يبدو وأنها لا تُطيق وجوده ولا النظر لوجهه..
وجد نفسه يقترب للغاية منها ويده تمتد لا إراديا لإزاحة خصلات شعرها عن جبهتها وكأنه لم يعد يستطيع تحمل عرقلة تلك الخصلات التي تُخفي ملامحها التي وقع أسيراً لها في الآونة الأخيرة.. يريد أن يحفظها عن ظهر قلب حتى يُسكن عقله المشتت بها كلما فكر بها وآتت على مُخيلته..
حمحمت في إنزعاج من ملامسة أنامله لوجهها ولكنه لم يكترث سوى بالإستمتاع بالإقتراب منها وهو ينظر لها دون أن يتشاركا مجادلة ولم يدرك أن أنفاسه ورائحة قهوته وكذلك تحركه بالقرب منها قد شعرت هي به..
وجدت رائحة غريبة تتسلل لأنفها، هي ليست رائحة القهوة فحسب.. بل هناك نسمات دافئة غريبة ترتطم بوجهها وخاصة بالقرب من شفتيها.. تحمل رائحة غريبة لأول مرة تشتمها.. أيُعقل أنها تركت النافذة مفتوحة؟ أم أن هناك شيئاً غريباً قد أشتعل بجانبها مُصدراً تلك النسمات الدافئة؟! ولكن تبدو الرائحة شهية.. بل غريبة ولذيذة ودفئها ممتع..
ارتسمت ابتسامة ناعسة على شفتيها بينما ازدادت رغبته المُلحة أكثر في تقبيلها علّها تشعر وتدرك بمدى عشقه لتلك الملامح ولكنه يعلم ويعي أن هذا ليس بصائباً.. ليس بصائباً أبداً.. بل سيكون تعجل مجنوناً طفولياً إذا قبلها ثانيةً في تسرع وخاصةً أنها مستسلمة للغاية وغير واعية لوجوده بجانبها.. لا بل الأمر سيكون أصعب!! سيكون أصعب للغاية لأنها الآن تنظر لها بعينتين مشدوهتان بإقترابه الشديد منها!!
يُتبع..