-->

الفصل الحادي عشر - عشق ناضج وعشق مجنون


الفصل الحادي عشر

جال بغرفته ذهاباً وإياباً ومنها إلي الشرفة ثم يحاول الجلوس على سريره جرب أن يجلس على كرسي أمام السرير، جرب النهوض، عقد الذراعان، خلل شعره مُفكراً لأكثر من عشرات المرات.. حاول فعل أي شيء ممكن ولكنه لا يستطيع أبداً أن يجد إجابة على كل ما حدث سوى أنه معجب بها!

لن يكذب على نفسه بإيجاد مبررات شتى؛ هو يعلم نفسه جيداً.. لطالما حاول أن يرى الفتاة التي ستجذبه من أول نظرة، لطالما ذهب بعدة مواعيد غرامية كي يتبين ما إذا كانت الفتاة التي سيلتقي بها ستجذبه أم لا.. لم يكن هذا عبثاً منه أبداً.. هو واعي ومدرك تماماً لما يفعله! لم ينظر بحياته بأكملها لفتاة إلا ليرى هل يشعر بتلاقي فكري وإنجذاب بينهما أم لا.. ولكنه يعي الآن أن لينا تجذبه كما لم تفعل أية فتاة من قبل!

أمامه سمر كل يوم بالعمل وفتيات أخرى، أمامه العديد من تلك الفتيات من صديقات خطيبة أكرم صديقه اللاتي يجبره لملاقتهن.. ليست هناك من لفتت نظره بمثل تلك الطريقة التي تفعلها لينا! ولكن هل معنى إنجذابه لها أن تغضبه وتستفزه هكذا ثم يأتي بغضون قضاء عدة جدالات معها ليقبلها!

لم يقبل فتاة قبلها أبداً، كانت هذه قُبلته الأولى التي يتشاركها مع فتاة، لم يشعر بتلك الحاجة الشديدة ولا حتى الإنجذاب ليُقبل فتاة مثل ما شعر وهي أمامه تصرخ بتلك الشفتان وتلك الملامح الطفولية وتحرك وجنتيها الممتلئتان بتلك الطريقة التي سلبت عقله وجعلته يفعلها وكأنما ألقت عليه تعويذة سحرية ليفعلها وجذبته إليها في ثوانٍ لتُجبره على عدم التحرك ولا تركها دون أن يُقبلها!

منذ متى ويقع صهيب في مثل تلك الحالة الغريبة التي آتت له؛ يكاد يقسم أنه كان مُنَوماً مغناطيسياً عندما فعل ما فعله.. لا هو بحياته بأكملها لم يتجادل مع فتاة بتلك الشراسة حتى يقبض على يديها! هو لا يكترث لأي فتاة تتحدث عن رجل أو تهاتفه أو حتى تفعل أي لعنة فهو يدرك أن هذا ليس شأنه وليس من حقه أن يعرف ولكن لماذا كل شيء مختلف معها؟!

ما الذي فعلته به هذه الفتاة في غضون يومٍ وليلة؟! تجعله يُفكر! تجعله يشعر بالغيرة! تؤرقه للساعات الأولى من الصباح! تُشعل غضبه في ثوانٍ وكأنما بيدها عصا سحرية! تُخمد نفس الغضب الذي أشعلته في جزء من الثانية! ها هو تجعله يُجن الآن من كُثرة التفكير.. 

أعليه الإعتذار؟ هل ستتقبل؟ هل سيصل الأمر لوالده؟ ماذا سيظن عنه بعد تلك السنوات من محاولات إقناعه أنه شخصاً مهذباً مع الفتيات ولا يبالغ ولا يتمادى بأية أفعال معهن؟ماذا لو قصت على والدتها ما حدث، كيف ستنظر له حينئذٍ؟ هذا بإعتبار أنها لن تملك الجرأة لتحدث والده.. عن من يتحدث لنفسه.. لينا؟! تلك الفتاة هي من أجرأ الفتيات التي عاملهن بحياته.. ليس لجرأتها بالمظهر ولكن كلماتها ومواجهتها لطالما أتسمت بالجرأة وعدم الخوف.. لن يستبعد إذن أن تُخبر والده بحقيقة ما فعل معها! 

ولك يُدرك بقرارة نفسه أن هذا هو حقها المُطلق.. كلمات إعتذار.. لربما تلك الكلمات ستترك له يومان أو ثلاثة بإعادة تفكيره في الأمر برمته، فإعجابه الشديد بها الذي أدركه لتوه ليس بمنطقي أبداً، كيف له أن يقع بالإعجاب بفتاة لم يتسنى له أن يعرف عنها شيء ولم يحدث بينهما شيء سوى العراك والمجادلة وإلقاء الكلمات اللاذعة على بعضهما البعض؟ سرعة كل ما حدث تفتت عقله لأشلاء من كثرة التفكير ولا يجد ولو مبرر وحيد لذلك الموقف المجنون الذي وقع به!!

"هات موبيللي لو سمحت!!" استمع لصوتها المُرتفع الذي امتلئ بالغضب بمزامنة طرقاتها على باب غرفته لتنتشله من تفكيره "أنت يا بني آدم أنت مش سامع كل ده!!" صاحت بكل ما أستطاعت من قوة على أن يرتفع صوتها ليصل لمسامعه ليزفر هو في إرهاق، فلقد عاد ذلك اللسان اللاذع اللعين حتى يتجادل معه مرة أخرى "بقولك هات المـ.." 

توقفت من تلقاء نفسها عندما فتح الباب مرة واحدة لتتلاقى أعينهما لثانية واحدة ولم تجد لينا بداخلها القوة على مبادلته النظرات فأشاحت بعسليتيها التي بدتا بندقيتين اللون بعيداً لتهمس في خفوت بنبرة جادة 

"الموبيل بعد إذنك" 

"لينا أنا.." حاول التحدث ولكنه لم يستطع ليتنهد وهو يتفقدها بزرقاوتيه ليدرك تماماً أنه معجب بشدة بتلك الملامح التي أمامه وبكل تفاصيلها "أنا مكنتش أقصد اللي عملته من شوية وأنـ.."

"الموبيل!!" أشارت بسبابتها في حزم تام وقاطعته ليعي أنها لن تتقبل ولو كلمة واحدة منه 

"أنا كنت عايز أقولك إني آ.."

"أنت مبتفهمش عربي!! أنا جاية أخد الموبيل وماشية.. مجيتلكش عشان تتكلم معايا!" صاحت به وقاطعته مجدداً لتسري الجرأة بداخلها من جديد ثم رفعت نظرها له وأخيراً أستطاعت فعلها 

"وأنتي مبتفهميش إني عايز أكلمك بهدوء!! ما تتزفتي تخرسي وتسمعي" استفزازها له لم يفشل ولو لمرة واحدة في إغضابه 

"ميهمنيش كلام واحد زيك أصلاً وبعدين هتقول ايه يعني؟! ما هو أكيد هيكون كلام غبي زي اللي متعود تقوله!" صاحت به ثم فتحت راحة يدها لتعود من جديد لهدفها الذي لم تأتي سوى من أجله "هات الموبيل وانجز!" 

زفر في ضيق وهو يهُز رأسه في عدم تصديق فيبدو أن تلك الفتاة لا تتقبل أبداً سوى صوت رأسها ولن تكترث أبداً في حياتها ولو لمرة واحدة بأن تستمع لأحد!! رمقها بالمزيد من النظرات بعينتيه اللاتي مالتا للون الرمادي دون شعور منه ثم أومأ بالموافقة ليُخرج الهاتف من جيبه ثم ناولها اياه 

"اتفضلي" همس لها 

"يا ريت بقا ايدك الطويلة متاخدهوش تاني" أخبرته بلذاعة ثم توجهت لتغادر لغرفتها ليتبعها هو 

"لينا" ناداها ولم تكترث للإلتفات له "استني بس" أخبرها مجدداً وأكملت هي طريقها "هو أنا هتحايل عليكي ولا ايه!!" صاح بغضب بعد أن أوقفها جاذباً اياها من ذراعها لتنظر له بدهشة

"تاني!! أنت ايه؟ معندكش دم ولا أخلاق؟ معندكش إحساس إني مش طايقة أتكلم معاك ولا أبصلك؟ .. ولو مش حاسس اديني قولت أهو.. متجيش جنبي يا صهيب ومالكش دعوة بأي حاجة أنا بعملها ولم نفسك وإياك تيجي تكلمني مرة تانية ولا تتدخل في خصوصياتي! فاهم الكلام ولا أعيد تاني" 

تلاقى فكاه في عصبية شديدة من ملامحها الغاضبة وكلماتها التي لم يعد يطيقها ولا يتحملها وأسلوبها الخشن الذي لا يفارق لسانها أبداً لينعكس طوال الوقت بكلماتها الشكسة التي تتركه غاضباً ورفع أحدى حاجباه وهو يشعر بإستهزاءها لشخصه ليقترب أخذاً خطوة تجاهها وبدأت أنفاسه في التعالي غضباً 

"أنتي فاكرة ايه إن شاء الله؟ ما تتعدلي في الكلام.. أنا هتحايل يعني على سيادتك عشان كنت عايز أعتذرك" 

"تعتذرلي!!" تحدثت في سخرية "لا.. وفر على نفسك علشان مش هاقبل إعتذار على واحد مش محترم زيك"

"بصي بقا طولة لسانك وايديكي دي أنا هبطلهوملك!"

"طولة لسان وطولة ايدي!!" صاحت في إنكار غير مُصدقة لحديثه "لا وأنت اللي ازازة بلسم بتخر حنية.. قال يعني لسانك مش طويل.. ولا ايدك !! بقولك ايه ابعد عني عشان أنا مش هاتكلم مع واحد زيك تاني!" كادت أن تغادره ليُمسك بيدها مرة أخرى ودفها للجدار أمامه ليوقفها ونظر له بغيظ شديد "أنت عايز بقا قلم تاني ولا هـ.."

"ما تخرسي بقا!!" صرخ بصوت مرتفع دفعها للتوتر "ده أنتي مقرفة!! بدل ما كنت عايز أعتذرلك خلتيني أفكر إني متخلف أصلاً عشان فكرت فيكي كبني آدمة وقولت اللي عملته ميصحش! إنما أنتي!!" أشار لها بسبابته في استهزاء "والله ما تستاهلي"

"بجد؟!" علا كلاً من حاجبيها "طب لما أنا مستاهلش ماسكني ليه وموقفني قدامك؟ لما أنا مستاهلش فكرت أصلاً تعتذرلي ليه وجيت تجري ورايا من أوضتك؟ ولما أنا مستاهلش أهتميت ليه أصلاً تعرف أنا بكلم مين مرة والتانية وأخدت موبيلي مني؟ ولما أنا مستاهلش قربت مني وبوسـ.."

"عشان غبي" قاطعها صارخاً بحرقة غضب شديدة لتبتسم هي بعذوبة لأول مرة منذ أن عرفها يرى تلك الإبتسامة تعتلي شفتيها ليجد نفسه يتحول في ثوانٍ من جحيم الغضب لسكينة أثلجت صدره وهدأت قبضته على يدها وأخذ يتفقد ملامحها التي تبدو رائعة للغاية ورغماً عنه شرد بها 

"كويس إنك عارف نفسك" افلتت من أمامه ثم هرعت لغرفتها بسرعة ولم يدري هو كيف حدث هذا في غضون ثوانٍ..

--

 

دلفت غرفتها ثم وصدتها بالمفتاح كي لا يستطيع الدخول أبداً ثم شعرت بإرتباك شديد من مواجهتها له.. فإقترابه منها ونظراته لها بتلك الطريقة لم تكن هينة عليها أبداً.. فلربما كانت رولا مُحقة بسؤالها لها عن ما الذي يحدث كلما أقترب منها! هي لن تستطيع الصمود أمامه كل مرة.. فتلك اللعبة السخيفة الي تلعبها والتحلي بالشجاعة والجرأة أمامه لن تستطيع أن تحافظ عليهما كلما واجهته!

هذه المرة شعرت وكأنما كل شيء أختلف.. ربما نفس المجادلات ونفس العراك ونفس الأنفاس الغاضبة التي تصدر منه ولكن شعورها كان مختلف، شعورها تجاهه والتردد الشديد الذي عملت على إخفاءه لم يواتيها أبداً بمواجهة أب شخص من قبل وكأنما صهيب أصبح غير الجميع برمتهم!

زفرت في حيرة ثم توجهت لتجلس فوق سريرها في شرود تام وهي تفكر بكل ما حدث اليوم ثم استعادت تلك اللحظة التي قبلها بها وأخذت تربط بينها وبين كل مشهد رومانسي رآته أو بوصفٍ بواحدة من تلك الروايات التي لا تتوقف عن قرآتها.. فملامحه كانت تبدو مستمتعة.. جسده بأكمله وكأنما دلف عالم آخر غير متواجد بتلك الحياة التي يعيشها الجميع.. عيناه الموصدتان وكأنما هذا الغبي يمتك أحاسيس تجاهها لا يُود التفريط بها أبداً لذا وصد عيناه ليتمسك بكل شعور يتقاسمه بملامسة شفتاه لشفتيها!

أتستطيع الصمود أمامه وأمام كل ما يحدث؟ أما تلك العينتان التي لا تعرف حقاً ما لونهما؟ أمام تلك الملامح الجذابة بشدة؟ هل تستطيع أن تفعلها؟! 

تنهدت وهي تشعر بالحيرة الشديدة في الأمر بأكمله ثم ودت لو أن والدتها كانت معها الآن لتُخفف قليلاً من ذلك العبأ الذي لا تدري متى آتى ليستقر على كتفيها تاركاً اياها في همٍ شديد وتفكير متواصل غير نهائي!

وماذا ستكون ردة فعل والدتها عندما تعرف أن صهيب قد قبلها؟ هل ستثور ثائرتها؟ هل ستُخبر أمجد؟ هي تدرك أن والدتها دائماً تتفهم الأمور ولم تندم ولو لمرة واحدة قصت بها على والدتها أمر حدث معها، ولكن لو وصل الأمر إلي أمجد، هل سيكون هذا سبب لحدوث شجار بينهما؟ هي لا تريد لوالدتها التي لتوها وجدت السعادة معه الشجار مع زوجها ذلك الرجل المُحب اللائق الذي لم ترى منه سوى كل الإحترام والحنان تجاهها هي وأمها!

أطنب عقلها بالتفكير، رولا تلك المجنونة ستشعل الأمر حتماً بخطة جديدة حتى تُفسد الأمر أكثر.. فلقد قبلها المرة الفائتة، ماذا سيفعل لو أكملت أستفزازه لأكثر من هذا؟! 

زفرت بعمق ثم تناولت هاتفها لتُرسل لصديقتها رسالة بأنها أستعادت الهاتف وأخبرتها أنها ستستكمل قرآة تلك الرواية التي كلتاهما تُريدان إكمالها سوياً بشدة وهي تظن أنها ستثنيها عن تفكيرها بالأمر بأكمله!! 

--

 

"لي لي وحشتني أوي يا أمجد" همست وهي تحاوط عنقه ونظرت له في عشق ولكن إشتياقها لإبنتها انعكس بعسليتيها كثيراً

"زهقنا مني ولا ايه؟!" ابتسم لها مُضيقاً عيناه 

"لا أخص عليك يا أمجد متقولش كده.. أنا بس حاسة إني .."

"من غير ما تقولي.. أنا بهزر معاكي على فكرة.." قاطعها بإبتسامة ثم أحاط خصرها بذراعيه ليقربها نحوه "طيب أنا عارف إنها وحشتك وأنا كمان الواد صهيب وحشني.. ايه رأيك بدل ما نرجع السبت الجاي نروح نطب عليها يوم الخميس الصبح؟! وبالمرة بردو نبقا قضينا معاهم يومين بدل الأنانية اللي احنا فيها دي؟" رفع حاجبه بإبتسامة رائعة لتتوسع إبتسامتها هي الأخرى له 

"والله ما عارفة أقولك ايه! بجد وفرت عليا كلام كتير وكنت خايفة تضايق مني!" 

"متقوليش حاجة.. أنا كمان صهيب وحشني" همس وهو يحدق بعنتيها لتبتسم هي له بعذوبة 

"امال لما يتجوزا ويسبونا هنعمل ايه بس؟"

"لا.. صهيب هيسكن جنبي في نفس العمارة، الدور والباقي على لينا" حدثها بنبرة تغلب عليها الإنتصار لتضيق ما بين حاجبيها وهي ترمقه مضيقة عينتيها

"تقصد يعني إن أنا بس اللي هتضايق لما نكبر؟" ابتسمت لها ابتسامة مستفسرة ليومأ لها بالموافقة 

"بس لأ.. مش هاسيبك تضايقي أبداً.. هبسطك!" 

"وهاتبسطني ازاي بقا؟!" ضيقت عيناها وهي تنظر له في مكر ليبادلها النظرات اللعوب 

"لا دي بقا أقولك عليها فعلي متنفعش شفوي أبداً" صدحت ضحكتها ليقترب منها وهو يُقبلها ليشرعا في بدء عزف سيمفونية جديدة من احدى سيمفونيات عشقهما المحموم التي أعادتهما من جديد للشعور بالحياة مرة أخرى!

--

"أنا ازاي حاسس من ناحيتها بحاجة بعد كل ده؟!" سأل نفسه وهو لا يدري إلي أين تأخذه قدماه فلقد صف سيارته جانباً منذ الكثير من الوقت وظل يسير كثيراً لينظر حوله ليجد أنه قد أقترب من النادي الرياضي المُلحق بالمجمع السكني فدلفه ثم أخذ يسير للمزيد من الوقت وهو يُفكر بمشاعره تجاه لينا.. 

لن ينكر إعجابه الشديد بملامحها وجمالها الذي لا يستطيع أي رجل أن ينكره ولكن شخصيتها صعبة للغاية، كلماتها لاذعة طوال الوقت، وشعوره أنها تُفكر برجل آخر يجعله ساخطاً بداخله لا يدري لماذا.. ولكن هو يريد الإقتراب منها وبنفس الوقت لا يطيق كلماتها التي تصرخ بها.. تلك الحيرة لا تتركه أبداً ولا يدري ما الذي عليه فعله..

"ايه.. في بيت حماتك ولا ايه؟!" حدث أكرم صديقه بالهاتف

"لا يا عم.. هربت منهم الحمد لله"

"طيب تمام.. بقولك ايه ما تجيلي النادي شوية"

"لا أنا ما صدقت افخد النهاردة" عبس صهيب قليلاً ثم حمحم 

"تصدق إن أنا غلطان إني كلمتك!!" حدثه بإنزعاج

"شكلك اصاوصاو فيك حاجة .. احكي احكي"

"متبقاش سخيف بقا وتخليني أندم إني كلمتك!!" صاح حانقاً ثم زفر في تآفف 

"خلاص يا صهيب باشا.. اديني اتعدلت أهو.. قولي بقا فيه ايه"

"لينا يا سيدي.. بنت الست اللي بابا اتجوزها.." قص عليه الأمر برمته منذ أول وهلة وقعت عيناه عليها إلي معاركهما الكلامية الضارية إلي النهاية بتلك القبلة التي تبعها جدالاً عنيفاً ليشارك صديقه بحيرته الشديدة عله يجد له حلاً وطريقة مناسبة كي يستطيع التعرف على مشاعره وما عليه فعله معها!!

" ***!! أنت أول مرة تبوس!! وكسة عليك يا أكرم ياللي صاحبك خام" صاح صديقه في حسرة جلية بعد أن أطلق كلمة تعجب وقحة تُشابه السُباب!! 

"يوووه!! أقفل يعني ولا غلطان إني بتهبب وبقولك على اللي حصل؟" زجره بشدة وهو يشعر بالغضب لسخرية صديقه منه وبنفس الوقت لم يُعطه حلاً بعد كي يستطيع التصرف بتلك الورطة التي وقع بها

"يا عم خلاص اهدى!!" زفر أكرم مُفكراً "ايه بتحبها مثلاً؟ وفيها ايه؟"

"لا لا.. حب ايه! ممكن إعجاب مش أكتر"

"ماشي هنفترض إنه إعجاب بس مش أكتر وبعدين؟ هتعمل معاها ايه؟"

"مش عارف.. وهو أنا يعني لو عارف كنت كلمتك؟"

"طب بص بقا.. أنت عايزها ولا مش عايزها؟" سأله ليغرق صهيب بدوامة من الصمت الشديد دلت على حيرته وتفكيره العميق "أهي دي بقا الزتونة.. لو عايزها قولها الموضوع بسيط ومظنش هيقابلك مشـ.."

"يا أكرم دي صغيرة ومجنونة أوي! أنا مش عارف أنا ازاي بفكر فيها كده!" قاطعه بنبرة منزعجة 

"بس لازم تحدد يا عايزها والموضوع هياخد شكل تاني خالص يا تبطل هبل وتعقل.. يا إما متجيش تشتكي"

"تصدق إنك عيل مقرف" 

"مقرف بس صح.. فكر كده وقرر أنت عايز ايه بالظبط!" أخبره صديقه وكان هذا آخر ما تذكره من مكالمته له فهو لا يدري أهو يُريدها حقاً أم لا.. يُريد أن يبدأ معها علاقة أم أنه قرار غير قويم أبداً.. 

زفر في تفكير ليحاول أن يصل لما عليه فعله ليدرك بالنهاية أن كل شيء حدث بسرعة شديدة ولابد له من بعض الوقت حتى يُقرر ما عليه فعله وأختيار الأنسب لهما سوياً

"ايه ده صهيب أنت هنا؟!" أستمع لصاحبة هذا الصوت الذي لا يكره أكثر منها ليتنهد في ضيق دون أن تلاحظ ليجبر إبتسامة على شفتاه..

"أهلاً يا سمر!!"

-- 

"يا ابني أنت مجنون.. حد يسيب هندسة بعد كل السنين دي؟" تحدثت له لينا بينما أستمعت لصوت رولا من بُعد 

"لا بس حلو المطبخ ده.. شبه اللي بيطلعوا في التلفزيون" 

"اهو بيت فيه ناس كل واحد يلهو في ليلاه.. جت عليا أنا يعني.. ما في داهية هندسة" تحدث لها بلال وهو يُشير بسبابته على رولا أخته 

"طب أنا هقولك.. كده كده فاضلك سنة.. خدها وتيجي زي ما تيجي وبعدين هيكون قدامك اللي تحبه براحتك أبدأ فيه زي ماتحب" 

"أنا خلاص جبت آخري من عمارة دي!! مبقتش طايقها ولا طايق نفسي كل ما بدخل الكلية" هز رأسه في انكار وهو يشرد أمامه ممعناً في التفكير 

"بقا كده لما تبقا مهندس ومز زي القمر كده.. مفيش بنوتة هتقدر تقاوم.. مهندس بقا وجاذبية شديدة وحاجة كده من بتاعت الروايات دي.. هتاكل مع البنات والله وهتنفعك قدام" رمقها ملتفتاً لها بنظرة جانبية 

"تاني روايات.. أنتي يا بنتي معجونة أنتي وأختي بمية غباء"

"أسمع مني بس والله بنحب المهندسين" غمزت له ليبتسم لها "تعالي يا رولا كده ثانية" صاحت لتأتي رولا على مضض

"لسه معملتش العصير وجبت الفشار بس" غمغمت ثم نظرت لكليهما "ايه عايزين ايه؟" صاحت بهما في استياء فلقد نادتها لينا قبل أن تنتهي 

"بذمتك لو أخوكي ده وهو مز كده ومهندس ولاقيته زيه تقدري تسيبيه؟!" 

"بلال ده لو مكنش أخويا كنا زماننا مخطوبين!! بس مش عشان حلاوته لأ!! عشان مهندس" أخرجت لسانها في غيظ 

"تصدقوا إنكوا بنات تافهين وأنا غلطان إني قاعد معاكم!! يالا أنتي وهي أنا ماشي من هنا وبردو هاسيب هندسة" نهض ليغادر ولكن جذبته لينا من يده وفجلس مجدداً على الأريكة بجانبها 

"ماشي رايح فين احنا قولنا هنتفرج احنا التلاتة على الفيلم متبقاش رخم بقا" صاحت لينا في إنزعاج 

"لا يا ستي أنتو تافهين.. أنا هاروح لأصحابي" تحدث بلال وقبل أن يحاول النهوض مجدداً وقفت رولا أمامه لتعرقل نهوضه الوشيك 

"اقعد ياض بدل ما أزعلك" تظاهرت رولا بالصلابة ليحاول هو النهوض بينما أمسكت لينا بذراعه لتدفعه على الأريكة 

"تزعلي مين يا هبلة أنتي.. أنتي عبيطة يا بت" صاح بأخته 

"طب ما بلاش لا أزعلك بجد!" زجرته في تحذير شديد 

"طب وريني يا هبلة كده تقدري تعملي ايه!" 

"ماشي بس أنت اللي قولت!" أخبرته في تحفز ثم اقتربت نحوه وهي تُمسك بالصحن الممتلئ بالفُشار ثم جذبت قميصه القطنللأمام وتركت الصحن ليسقط عليه بالكامل حتى تعلقت حبات الذرة المنفوشة بشعره وأصبحت تحول بين جسده وبين قميصه "عرفت بقا!" أخرجت لسانها له مرة أخرى كالطفلة تماماً لينهض هو غاضباً بينما أبتعدت هي لتهرول بعيداً أمّا لينا فقد أخذت تقهقه بشدة على مظهره

"طب وربنا يا رولا لا أوريكي" صرخ بمنتهى الغضب "وأنتي كمان حللي عني.. والله ما أقعد معاكو تاني" صاح حانقاً ثم خلع قميصه ليزيل بقايا الملح بداخله لتنهض لينا أمامه وأخذت تضحك بشدة ومررت يدها بشعره لتساعده في إزالة الفٌشار الساكن بين خصلاته ولكنها لم تستطع أن توقف ضحكاتها "ما تبطلي يا لينا شـ.." 

"لينا!!" توقفت عن ضحاكاتها لتلتفت لترى صهيب الذي يبدو وكأنه يغلي من الغضب وصياحه بنبرته القاسية التي قاطعهما بها نبأتها أنها عليها أن تتجادل معه من جديد!

يُتبع..