-->

الفصل الأول - عطر الفهد


الفصل الأول

في 1/6/2001 كانت السماء في لندن تمطر بغزاره كأنها تذرف دموعها على هذا الملاك الملقى أمام دار الأيتام ....

كانت إيزابيلا المشرفة الخاصه بدار الأيتام تلقي نظرتها الأخيره على الأطفال في فراشهم لكي تطمأن عليهم ... و قبل ذهابها إلى غرفتها تستمع لجرس بوابة الدار يدق ... لترتدي معطفها و تلتقط مظلتها و تخرج لترى من بالخارج ... و هي تتسائل أين رجال الأمن اللذين من المفترض بهم حراسة الدار ليلا ... لتقول بالطبع ذهبوا إلى غرفتهم بسبب الأمطار الغزيره .... لتمر بغرفتهم أولا تجدهم يجلسون بالقرب من المدفأه ....

إيزابيلا : ألم تسمعون رنين جرس الباب منذ قليل ...

ألبرت : لا  إيزابيلا لم نستمع إليه ..

إيزابيلا : حسنا ... تعال معي ألبرت ...

لينهض ألبرت و يحمل مظلته يتبع إيزابيلا للخارج .... التي ما إن فتح ألبرت البوابه وجدت لفه صغيره بلون الروز موضوعه في سرير صغير مخصص لحمل الأطفال ... لتحملها إيزابيلا التي أعطت مظلتها لألبرت ... و ما إن حملتها حتى سمعت بكاء هذا الملاك الذي يصرخ و مع البكاء ضرب البرق السماء كأنه يود صعق من ألقى هذا الملاك هكذا بدون قلب في هذا الطقس الممطر ....

إيزابيلا و هي تحمل تلك اللفه و تدلف بها إلى الداخل : هيا ألبرت أسرع سوف يموت من بتلك اللفه إذا لم نقم بتدفأته ... هيا .. 

لتدلف إيزابيلا لغرفتها و معها ألبرت و تقوم بإزاحة القماش الذي يمنعها من رؤية من بتلك اللفه ... و ما إن أزاحتها حتى قابلتها رائحه جميله تفوح من تلك اللفه لتبتسم إيزابيلا ... و تنظر إلى وجه المتواجد بتلك اللفه لتقابلها عينان من العسل تلمع ببريق بسبب الدموع العالقه بهما ... لتبتسم إيزابيلا و تبدأ بنزع الثياب المبتله لتعلم أن هذا الملاك لم يكون سوى فتاه جميله ذو رائحه عطره ... و تقوم بتبديل ملابس تلك الطفله بأخرى نظيفه تتواجد دائما في الدار لتلك الحالات و يتم هذا بمساعدة ألبرت ...

ألبرت بإبتسامه : بماذا سوف ننادي هذا الملاك ؟

إيزابيلا بإبتسامه : عِطر ... سوف نناديها عِطر .. فرائحتها جميله ...

ألبرت و هو يقبل جبين الطفله : فعلا .. فهي جميله ...

إيزابيلا : أبقى معها ألبرت ريثما أحضر لها زجاجه من الحليب فهي بالطبع جائعه ...

ألبرت و هو يحمل الطفله : أهلا يا جميله ....

لتنظر له الطفله و قد بللت وجهها بدموعها بسبب جوعها ... ليبتسم إليها و هو يجفف وجنتيها الممتلئه و محمره بطريقه لطيفه بأنامله برقه و حنان ....

ألبرت لنفسه بهمس : لا أعلم كيف يقدرون على إلقاء ملائكه مثلك أمام الدار ... إذا لم يكونوا قادرين على تحمل مسؤلية ملاك مثلك لماذا يجلبونهم للحياه ... و لكن لا يهمك يا صغيره ... فأنا و إيزابيلا بجانبك و لن نترككي أبدا ...

أتت إيزابيلا بعد قليل و معها زجاجة الحليب لتأخذ عطر من ألبرت و تقوم بإطعامها ... لتلتهم عطر الحليب بجوع و متعه ثم تغفو و هي بين يدي إيزابيلا و زجاجة الحليب في فمها الصغير ...

إيزابيلا بهمس لألبرت : يمكنك الذهاب ألبرت ... سوف تنام عطر معي الليله ... فهي بحاجتي ...

ألبرت و هو ينظر لعطر بحنان : بالطبع صغيرتي ... فهي بحاجه إليكي ...

إيزابيلا بخجل : ألبرت ... كف عن مناداتي بصغيرتي ...

ألبرت و هو يطبع قبله على جبين إيزابيلا : ألا يحق لي تدليل حبيبتي و خطيبتي ...

إيزابيلا بحب : بلى حبيبي ... يحق لك ...

ألبرت بحب : أحبك بيلا ...

إيزابيلا و قد توردت وجنتيها : أحبك ألبرت ...

ألبرت و هو يقبل عِطر من وجنتيها : تصبحين على خير يا صغيره ...

إستلقت إيزابيلا على الفراش و هي تحتضن الصغيره لصدرها تبثها الدفئ و الحنان لترفع الغطاء عليهما و هي تبتسم بحب لهذا الملاك النائم بين ذراعيها ......



 ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

في أحد قصور أحياء لندن الراقيه التي لا يسكن بها سوى الأثرياء ... يجلس طفل ذو 6 اعوام على مائدة الطعام بجانبه أخيه ذو 4 أعوام محاطين بوالدهم و والدتهم ليتناولون العشاء ....

كاظم بإبتسامه ( الأب ) : هيا أخبروني بأحداث يومكم ...

فهد ذو ال 6 أعوام : اليوم تم تكريمي في الصف لأني إجتزت إختبار المتفوقين دراسياً ... و اخبروني في إدارة المدرسه أنهم يريدون منك الذهاب إليهم بالغد مع والدتي لأمرٍ هام ...

كاظم بإبتسامه و فخر : هذا جيد بني .. جيد جداً و أعتقد إني أعلم سبب طلبهم هذا لي ... كاظم و هو ينظر للطفل الآخر .... و أنت أوس أخبرني عن يومك ...

أوس ذو ال 4 أعوام : اليوم كان لطيف و المعلمه الخاصة بالصف أخبرتني إنني سوف أكون مثل فهد في الذكاء و الإجتهاد ... فهي كانت تقوم بتدريسه و هو في مرحلتي العمريه ...

جاسمين الوالده : أجل إنها الأستاذه ماريا ... هي سيده لطيفه دائمة التشجيع للأطفال الأذكياء و المتفوقين .....

كاظم و هو ينظر بفخر لأبنائه : لا تعلمون كم تجعلوني فخوراً و أنا أستمع إلى هذا الحديث ...

فهد بجديه : إطمأن يا أبي سوف تظل فخوراً بنا مدى الحياه ...

أوس و هو يؤيد أخيه بطفوليه : نعم أبي .. هذا صحيح ...

أنهوا حديثهم لينهض كاظم يحمل فهد و معه جاسمين التي حملت أوس و يصعدوا بهم الدرج لغرفة كلاً منهم و يضعوهم في فراشهم ثم يقرأون لهم قصه لطيفه ليذهبوا في نومٍ عميق ..... ليذهب كاظم و جاسمين إلى الجناح الخاص بهما ...

كاظم و هو مستلقي على السرير يحتضن جاسمين : أتعلمي حبيبتي ... أشعر بالفخر و السعاده تملأ قلبي ... هذان الطفلان يجعلاني فخوراً بهما و بكِ  أيضاً ...

جاسمين بحب : لماذا فخوراً بي ...

كاظم بهمس دافئ و هو يجعلها تستلقي على الفراش ليعتليها : أنتِ من تقومي بتدريسهم و تعليمهم كل شيء ... أنا في العمل طوال اليوم ... فالفضل يعود إليكِ في أي إنجاز يقوما به ... فأنا فخوراً بكِ أكثر منهما ....

أنهى حديثه ليلثم شفتيها في قبله مليئه بالحب و الشغف لتبادله و يأخذها إلى عالمهما الخاص .... ليأتي الصباح و يتحضر الجميع حيث ذهب كاظم و معه جاسمين إلى المدرسه مع أبنائهما ... ليتجه كاظم و زوجته إلى مكتب المدير ....

كاظم و هو يجلس ببرود و فخر و هو يضع قدم فوق الأخرى : لقد أخبرني فهد أنكم تريدون رؤيتي أنا و زوجتي ...

المدير بإبتسامه : هذا صحيح سيد كاظم ...

جاسمين : و ما هو سبب ذلك ....

المدير بجديه : إن إبنكما فهد قد إجتاز إختبار للمتفوقين و الأذكياء يؤهله أن يقوم بدمج سنين دراسته و تسريعها ... بمعنى أن يتخطى كل عامين من الدراسه في عامٍ واحد ...

كاظم بإبتسامه : هذا جيد ...

جاسمين بسعاده : بل ممتاز ... هذا رائع ...

المدير بسعاده : بالطبع ... لكن هذا سوف يكون مرهقاً له .... و متعب .. قد لا يتمكن من أن يحيا بطبيعيه كما الأطفال في عمره ...

كاظم : لا تحمل هم هذا الأمر فنحن لن نضغط عليه .... سوف نوفر له كل شيء ليكون مرتاحاً ...

جاسمين بسعاده : بالطبع سوف نبذل قصارى جهدنا ...

المدير بسعاده : هذا جيد ... لأن يبدو أن شقيقه أوس سوف يخطو على خطاه .. فعلاماته و مؤشرات ذكاءه تدل على هذا ....

جاسمين و هي لا تتمالك نفسها من سعادتها بطفليها لتحتضن كاظم : هذا رااااائع حبيبي ... راااائع ...

كاظم و هو يقهقه بسعاده : جاسمين نحن لا نزال في مكتب المدير ....

جاسمين و هي تبتعد بخجل و وجنتين متوردتين : آسفه ....

المدير و هو يبتسم : لا داعي للأسف سيدتي ... فلو كانا هذان طفلاي لكنت أشعر بنفس سعادتك ... الله يحفظهم لكم .....

أنهى كاظم و جاسمين مقابلتهم مع المدير ليقوم كاظم بتوصيل جاسمن للقصر بينما هو ذهب للمبنى الإداري لمجموعة شركاته التي تعمل في مجال المقاولات و الهندسه حيث عمله كمالك لتلك المجموعه و التي يكون أسمها هو ( مجموعة جاسمن للهندسه و المقاولات ) حيث تعد من أكبر المجموعات المتخصصه في هذا المجال في لندن و بعض الدول الأوروبيه و العربيه الأخرى .....


عندما وصل كاظم إلى مكتبه طلب من مساعده الشخصي أن يقوم بتحويل المبلغ المالي إلى حساب دار الأيتام حيث يتبرع شهرياً بمبلغ مالي لدار الايتام حتى يستطيعون الإنفاق جيدا على هؤلاء الأطفال .. كما أنه يتكفل أحياناً بدراسة و عمل الأطفال الذين يتركون الدار بعد أن يتموا عامهم ال 18 .......


 ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

في الصباح إستيقظت إيزابيلا على ضربات لطيفه صغيره في خصرها ... لتفتح عينيها و تنظر بجانبها تجد عطر تقوم بتحريك قدميها الصغيره و هي تنظر إليها بعينيها العسليه الواسعه و يبدو أنها جائعه و تريد أن تغيير الحفاض الخاص بها ....

إيزابيلا بمرح : أوووه ... يبدو أن ملاكي جائعه و تريد أن تغتسل و تغير حفوضها ... صحيح ...

لتبدأ إيزابيلا بملاعبة عطر التي بدأت ضحكاتها تنتشر بأنحاء الغرفه .... لتنهض إيزابيلا و تذهب للحمام و هي تحمل عطر لتستحم و تحمم معها عطر ثم تبدل لها حفاضها و تلبسها نفس ملابس أمس حتى تقابل مديرة الدار .... لتخرج بعد ذلك من غرفتها و هي تحملها لتجد ألبرت يقف عند باب غرفتها ينتظرها ....

إيزابيلا بدهشه : ألبرت ... ماذا تفعل هنا في هذا الوقت المبكر ...

ألبرت و هو يحمل منها عِطر بحنان و لهفه : لم أستطع الإنتظار لرؤية هذا الملاك ...

إيزابيلا و هي تصطنع العبوس : أي أنك لم تأتي لرؤيتي ... ألم تشتاق إلي ...

ألبرت بحنان و هو يقبل وجنتها : بلى حبيبتي ... أنا أشتاق إليكي كل ثانيه تمر علي بدونك ... لكن تلك الصغيره ... لا أعلم لقد أسرتني ...

إيزابيلا و هي تداعب وجنة عطر بحنان : أنا أعلم .. فهي أسرتني أنا أيضا ... هيا لنذهب إلى السيده سوزان ... لنرى ما سنفعله بخصوص تلك الملاك ... لكن أولاً دعني أحضر لها زجاجة الحليب الخاصه بها ....

ذهب ألبرت و هو يحمل عطر إلى الحديقه الواسعه الملحقه بالدار ليجلس على إحدى المقاعد و هو يحتضن هذا الملاك كما يلقبها و يقوم بصنع حركات مضحكه بوجهه ليسمع قهقه طفوليه بصوت عذب من تلك الجميله التي بين ذراعيه ليجد عدد من أطفال الدار الذين كانوا يلعبون في الحديقه ملتفين حوله ينظرون لتلك الصغيره بين ذراعيه و التي تناظرهم بعينيها الواسعه العسليه و إبتسامه ترتسم على شفتيها ... ليبدأ الأطفال بملاعبتها حتى أتت إيزابيلا و هي تحمل زجاجة الحليب لها لترى هذا التجمع و تسمع الضحكات السعيده من الأطفال بسبب سعادتهم بهذا الملاك لتوقن أن تلك الفتاه عندما تكبر سوف تسلب العقول و القلوب .... لتحملها من بين ذراعي ألبرت و تقوم بإطعامها ... ثم تذهب بها إلى مكتب المديره ... لتطرق الباب و تدلف إلى الداخل و هي تحمل عطر بين ذراعيها و تقص لسوزان ما حدث ... لتقوم سوزان بحمل عطر من ذراعي إيزابيلا ...

سوزان بإبتسامه و هي تنظر لعِطر التي تمتص أصابعها و تنظر إليها بعينيها المتسعه و رموشها السوداء الكثيفه : أهلا بكي يا صغيره ... أتمنى أن تعجبكي الإقامه بيننا ...

إيزابيلا : أريد أن أكون المشرفه الخاصه بها سيدتي .. إذا سمحتي لي ...

سوزان و هي تلاعب عطر : بالطبع إيزابيلا ... و هناك شيءٍ آخر فالمربيه كاسندرا قد وضعت طفلها منذ أسبوعين .. دعيها تقوم بإرضاع عطر ... فهذا مفيد لها أكثر من الحليب الصناعي ...

إيزابيلا بسعاده : هذا رائع ..

سوزان : و أيضا إذهبي مع ألبرت لشراء بعض الثياب المناسبه لها و كل ما تحتاجه هي و الأطفال الآخرين أيضاً ... فالسيد كاظم قام بتحويل الأموال اليوم ... هذا الرجل حقا مثال رائع لرجال الأعمال الأثرياء ...

إيزابيلا : هذا صحيح ...

لتعطي إيزابيلا عطر إلى كاسندرا لكي تقوم بإرضاعها و الإهتمام بها و قد رحبت كاسندرا بشده بهذه الصغيره التي أسرتها كما فعلت مع الجميع .... لتذهب إيزابيلا مع ألبرت لتتسوق حاجيات عطر و الاطفال ....

مرت 5 سنوات كبرت فيهم عطر أسرت قلوب و عقول كل من يراها في دار الأيتام ... كانت إيزابيلا و ألبرت يمثلون الأم و الأب بالنسبة لها فهي تناديهم بأمي و أبي و خاصة بعد أن تزوجا ... و في إحدى الأيام لاحظت إيزابيلا أن عطر تقوم بحركات بعينيها و كتفيها غير طبيعيه ... لتتحدث مع سوزان مديرة الدار و تخبرها بما تراه لتقترح عليها سوزان أن تعرض عطر لطبيب ... لتفعل إيزابيلا هذا و تذهب بعطر معها ألبرت إلى طبيب مختص بالأعصاب ...  ليجري بعد الفحوصات و الاشعه للصغيره التي كانت قلقه و لا تعلم ما يدور حولها و أخذت إيزابيلا تقوم بتهدئتها ...

الطبيب بعد أن رأى التحاليل و الأشعه : يؤسفني أن أخبركم أن هذه الصغيره الجميله مصابه بمتلازمة توريت .....

 ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

#يتبع

بقلم
SilverAngel