NEVER LET ME GO 3 (AFTER BURN) - الفصل السابع
الفصل السابع
لقد صرتِ عذابي،
وكُتب عليَّ أن ألجأ مرتين إلى المنفى،
هاربًا أو مرغمًا على الفرار من أقرب الأشياء إلى الرجل وأكثرها تجذرًا في صدره،
الوطن .. والحب!!
من رسائل غسان كنفاني إلى غادة السمان
•¤•¤•¤•
أربدت الصدمة خلايا عقله وأربكته مكانه ليجد نفسه متسمرا يشاهدها بينما توصد عليه الباب دون حراك لثانية وربما يزيد، قبل أن يندفع بجسدٍ تتصاعد حرارته صوب الباب علَّه ينجح في جعلها تتراجع، أو على الأقل يتدارك أسبابها في هذا الفعل الأرعن!!
للمرة الثانية جعلته يشعر بمدى حماقته وسذاجته أمام تصرفاتها الجنونية التي تستدرج عقله بسلاسة من منطقة التعقل والهدوء الذي جاهد لشهورٍ ليتقنه، لتأتي هي -ودون أن يشعر- تهدم هذا في رفة جفن!!
وعلى الجانب الآخر من الباب وقفت هي بقلبٍ تتدافع دقاته بوحي من الأدرينالين، عينيها متوسعة تراقب ضرباته التي انهمرت على الباب، مناديا اياها بصوت جهوري يتصاعد منه حنقه وغضبه الذي يهدد بالإنفلات، إلا أن ذلك لم يجدي معها، خاصة بعد أن ظفرت بانتصارها الأول ونجح مخططها -الذي لم يكن إلا خطة دفاعية وليدة اللحظة- لردع هذا المجرم وتحجيم شره المهدد لها .. فاندفعت تتسابق خطواتها في الرواق الضيق المؤدي للدرج الحديدي لتكمل ما عزمت على فعله لإفساد خطته الخبيثة أيا كانت، والتخلص منه بأسرع وقت، بعد أن تضافرت بداخلها الشكوك وأوغرت صدرها بأنه يضمر لها الشر، وربما ينتوي تكرار فعله المشين معها بعد أن نجت من محاولته الأولى!!
هكذا هداها عقلها لهذا التصرف لتنقذ نفسها من براثنه المتوعدة بعد أن تبدت لها ردود فعله المبتزله وكأنها حركة مستهلة ﻹستغفالها وإستغلال حالتها النفسية المتردية .. لذا سحقا له ولغضبه، لقد فعلت ما تحتمه عليها غريزة البقاء!!
صعدت للطابق الثاني حيث جناحه الخاص وبقية الغرف الرئيسية -بما فيهم غرفتها- وهدف محدد يتصدر عقلها كحلٍ منقذ لها من تلك المحنة، وهو الحصول على هاتفه، بالتأكيد يحتفظ به هنا في مكانا ما .. ظلت تدور حول نفسها لأكثر من دقيقة باحثة عنه بينما مازال بامكانها سماع صوته الذي تحول لصراخ جارف كوحشٍ بري وقع بالآسر تزامنا مع عنف ضرباته التي أرعدت حواسها ويضعها في حالة متدنية من الفزع والخوف، والذي بالتالي ساهم في تشتيت عقلها وأفقدها تركيزها، وكأنه يدق على وترٍٍ حساس في ذاكرتها، فأصبحت لا إراديا تتخبط في الأثاث حتى انتهى بها الحال واقفة بين كومة من الفوضي.
أمسكت بشعرها تجذبه بجزع وقد عجزت عن إيجاد الهاتف، بينما لا يكف عن إرهابها بصوته فقط!! .. لتلمح بعدها ذلك السلم الخشبي الداخلي الذي ينتصف الجناح، ودون تفكير صعدته وبداخلها تدرك بأنه سيقتادها لدور ثاني من الجناح الموجود بالطابق العلوي لليخت، وكأنها قد رأت هذا من قبل!! .. وما إن أطلت برأسها في الجناح حتى تأكد حدسها ووجدت نفسها تسير بألفة في الجناج وكأنها تعلم كل جزئية به حتى عثرت على ضالتها ملقاه بإهمال على منضدة قريبة وسط عدة كؤس فارغة.
انتشلته بيدٍ غير متماسكة وقد تمكنت منها رجفتها العصبية فما لبث أن سقط الهاتف منها لتجثو وراءه أرضا وتلتقطه مره أخرى بأعصاب منهكة داعية ألا يكون هناك رمز سري للحماية .. وهذا ما كان، فقد انفتح معها الهاتف دون عائق لتصعق بما لم تكن تتوقعه.
وجهها، فقط وجهها الذي كان مقربا لدرجة إحلاله للشاشة بالكامل .. بدت سعيدة، بل بالكاد تحتوي سعادتها، ضحكتها الخرقاء تجوب إتساع فمها لتطفو السعادة على عينيها فتزيدها بريقا .. وكأن الألم لم يعرف طريقه إلى قلبها قط، وكأنها لم ترى من هذه الحياة أي هم أو ضغينة أو جرح!!
تملكت منها الصدمة لثانية وألبكتها، سمحت لنفسها أن تستغرق وتشرد في هذه الصورة، وراحت تردد بين جانبات نفسها تسجوب ذاكرتها عن تلك اللحظة وتلك السعادة، هل كانت معه، بجانبه، أكانت تشعر بالحب تجاهه، كيف كان مذاقه، وكيف كانت هي حينها؟؟ .. وكيف انتهت كل هذا أيضا .. راحت تسأل نفسها عن ذلك الوقت الذي تسممت فيه هذه السعادة .. وقت أتخذت القرار الخاطي، وأصبحت فيه حياتها عكس ما كانت تريد!!
ليقاطع شرودها صفير عالي مزعج يبدو كصفير إنذار الطوارئ، ليرتبك تفكيرها في حدوث خطب ما ولكنها ما لبثت أن فطنت بأنه هو .. يحاول تحذيرها من العبث في أشياءه وربما أيضا يحاول إرهابها، لتعود إلي سجيتها سريعا وتعلم بأن وقتها بدأ ينفذ ولن يمضي الكثير حتى تجده أمامها، وإن لم تسرع في طلب النجدة سيضيع ما فعلته هباء!!
● ● ●
حبست أنفاسها بترقب وهي تعد بذهنها الكلمات التي عليها قولها لمَن سيجيب عليها إلا أن الصمت الذي طال أكثر من اللازم هو كل ما رن بالطرف المقابل .. أنزلت الهاتف عن أذنها لتنظر به وتعاود الإتصال من جديد حتى تسرب بداخلها الشك من أن يكون السبب هو إشارة الإتصال وهذا ما وجدته عندما تفحصت الشبكة، مجال التغطية منقطع بهذه المنطقة، فتلقائيا ترجلت بسرعة للخارج وهي توجه الهاتف في كل إتجاه والنتيجة ذاتها .. تعذر الإتصال.
اعتصرت الهاتف وهي تكاد تبكي من مشاعر اليأس التي تتفشى بداخلها كالسم، وراحت تجري في جميع أنحاء المركب وتحاول رافضة التسليم بالنتيجة البائسة علها تلتقط أي إشارة .. وحينما لم تجد ذلك، صعدت الطابق السطحي للمركب على أمل أن يجدي ذلك نفعا لتقابل شئ لم تقع عينها عليه من قبل .. آشعة الشمس كانت تضرب مباشرة السطح لتكشف عن مسبح جاكوزي كبير يحتل مساحة الوسط ومن حوله الكثير من الآرائك والكراسي المسطحة للإسترخاء وبالمقابل بار للمشروبات كريستالي فاخر التصميم وغرفتان إضافيتان متقابلتان .. لم تركز بذلك كثيرا لتكرر فعلتها من جديد، تجري لاهثة هنا وهناك بينما تناجي ربها أن ينتشلها مما هي به.
سوء حظ، أو ربما لعنة تطاردها، لم تعد تعرف ما هي عالقة به بالضبط .. لم تعد تعرف شئ سوى أنها هالكة إذا بقيت مع ذلك المسخ المقيت .. تعاظمت بداخلها غصه بكاء مميتة يتوارى خلفها كم هائل من المشاعر السلبية التي تنهش روحها .. ما يحدث معها يفوق طاقتها النفسية على الإحتمال، حتى بلغت ذروتها من ذلك فوجدت يدها ترفع، ودون أن تدري أنها فعلت، كانت تطوح الهاتف في البحر بإنفعال بينما تفرج عن صرخة حانقة تسب بها هذا العالم اللعين!!
بعد لحظات، وبينما كانت عالقة في عتمة أفكارها الحالكة هبط عليها حل آخر من السماء لتندفع من مجلسها في الفور كمن لدغه حية هابطة مرة أخرى إلى مقصورة القيادة.
مسحت وجهها لتتبدى لها رؤية أفضل وهي تطوف برأسها في الغرفة متفحصة ما بها من معدات وأجهزة تقنية شديدة الحساسية، ردار إرسال وشاشات مراقبة تعكس المدار الذي هم به، بزخ بداخلها شعور بالرهبة كونها بالتأكيد لم يكن لديها أي علم عن ماهيتها أو آلية عمل كل هذا .. ومع ذلك تجرأت ودنت بدفعة من الأمل تفتش بين كل هذا عن مبتاغها الأخير .. عثرت على عدة مخططات جغرافية داكنة اللون يبدو أنه كان يستعملها مؤخرا .. وللحظة بزغ بداخلها سؤال عن موقعهم الحالي، ترى أين هي الآن؟؟
نفضت كل هذا من ذهنها حين أمسكت بذلك الجهاز الأسود الصغير الذي كان يتوارى جانبا في أحد الأركان .. تلقفته وكأنها تقبض على حياتها .. جهاز بحجم هاتف كبير، به شاشة متوسطة الحجم يليها أزرار عديدة تشبه خاصة الهاتف التقليدي، ويعلوه مؤشر ضبط صغير وعمود إرسال أسود (إريل)، ويتوسطهما زر ضخم ينضغط للإسفل .. نعم، هذا ما كانت تبحث عنه .. جهاز لاسلكي .. بالتأكيد هذا سينجح هذه المرة!!
لم تكن تعلم كيفية إستخدامه ولكن بديهيا همت بالضغط على الزر العلوي الذي تبينت أنه للإرسال لتبدأ الأشارة، إلا انها توقفت حالما لمحت ذلك الزر الجانبي وتعلوه كلمة (Help)، تبهجت ملامحها على الفور وقد وجدت مبتغاها .. ضغطته دون تردد وتحمحمت حينها لتقول بصوت مهزوز أمام الميكروفون:
- النجدة .. النجدة .. أنا مختطفة بمركب ما ولا أستطيع تحديد موقعي .. هل هناك أحدي يتلقى هذه الرسالة؟؟
انتظرت ما يكفي بأعصاب مستنزفة وآذن متحفزة ﻹلتقاط أي شئ ولو حتى تشوش، وبداخلها قد تنامى الأمل مخبرا إياها بأن الجهاز الذي بيدها يبدو حديث وبالتأكيد به GPS سيرسل إحداثيات عن القارب مع نداء الإستغاثة، لكنها تفاجئت بذلك الصمت المستفز مرة أخرى .. رفعت الجهاز أقرب وهي تضغط الزر ثانية هاتفه بصوت يمزج بين الحدة والتوسل:
- النجدة أجبني .. هل هناك أحد على الجانب الآخر .. هل يسمعني أحد؟؟ .. أجبني .. أرجوك!!
لا شئ على الإطلاق، تشتت عقلها وبات تسليمها بالحقيقة دربا من دروب الخبل؛ لذلك راحت تتفحص الجهاز متشككه بخطأ استخدامها له، حتى تنبهت لما جعل نبضات قلبها تخبو .. الشاشة منطفئة، أليس من المفترض أن تكون مضائه، بالتأكيد يجب أن تكون كذلك ولكن لما لا تستجيب لعبثها الغاشم بكامل أزرار الجهاز، حرفيا لم تترك زر إلا وضغطته عدة مرات دون جدوى .. هاج انفعالها أكثر وقبضت على الجهاز بكلتا يديها وهي تضغط على الزر العلوي هادرة بنبرة أوشكت على الإنهيار:
- أجبني .. أجبني، هل يسمعني أحد .. ارجوك أجبني .. أجبن... اللعنة!!
قذفت الجهاز بطريقة متحاملة من الجحيم الذي يستعر بداخلها، قذفته أكثر من مرة ليحطم الشاشات التي كانت تعمل أمامها فبدأت تصدر صوت طنين انذار .. اشعرتها هذه الحركة بنفحة من الهدوء اللحظي إلا أنه لم يطفئ وهج رأسها المتصهد، خاصة وقد شعرت بنبضات قلبها تتصارع على عكس تنفسها الذي أخذ منحنى هابط .. فعلمت أنها البداية، انها الآن تقف في مهب موجة عاتية ستعصف بأساسيتها النفسية ولم يعد بإمكانها فعل شئ ﻹنقاذ نفسها!! .. لا لا، لا يمكن أن يكون هذا حقيقي .. لا يمكن أن يكون ما يحدث معها طبيعيا .. تبا لذلك، لقد أخذت كفايتها من كل هذا الهراء .. رباه لا يمكن أن تكون مع ذلك المسخ بمكان واحد، انها لا تتحمل مجرد رؤيته أمامها .. ستموت، بالتأكيد ستموت، وهي لا يجب أن تموت الآن .. واللعنة، ليس بعد كل ما نجت منه!!
تداعى سائر جسدها بهذه الهزيمة لتجد قدماها بالنهاية تعافر للصمود وقد تفشى بها روح الإستسلام كالحمى .. تمسكت بمنضدة القيادة لثواني تحاول عبثا تهدئت الصخب الذي يتوهج بصدرها حتى تنبهت فرائسها بأنها ليست وحدها!!
"اللاسلكي معطل ونحن عالقون بمنطقة خارج نطاق التغطية .. هذا ما كنت أحاول توضيحه لكِ من البداية!!"
بنظرة منهزمة حانت من جانب عينها رأته، كان واقفا يعقد ذراعيه أمام صدره مستندا على جانب باب المقصورة، ويبدو أنه كان يستمتع بالعرض الذي يشاهده منذ مدة .. وما إن تكونت بعينها هيئته الجاهمة الخالية من أي عاطفة، سوى الغضب .. الغضب والقسوة التي كانت تعتم ملامحه وتعطيها نكهة كالحة .. حسنا، لم تعرف بعدها ماذا أصابها!!
بروده جليدية تفشت بأطرافها وشحوب أخذ روحها للقاع، كل خلية ببدنها أصبحت تنتفض فزعا .. تلك النظرة التي تحتل محياه، هي تعرفها .. اللعنة، بل وتعرف ماذا يتبعها ايضا .. تحجرت مقلتيها لثواني كانت كافية لتتوافد على ذاكرتها العديد من الومضات والصور الذهنية القادرة على جعل رأس العاقل يشيب، وكأنها تعايش أحد كوابيسها .. ولكن هذه المرة في صحوتها، وفي وضح النهار!!
في حين تبدلت ملامحه لأخرى ساهمة وهو يراقب اعتصارها لحدقتيها بينما تهز رأسها كلا الجانبين برفضا بائن تزامنا مع تراجع خطاها وكأنه قد تمثل أمامها شبحا قادم من قلب الجحيم .. وما إن شعرت بتقدمه خطوة واحدة منها لداخل المقصورة حتى انفرجت اجفانها بالكاد لتراه ومن ثم تفجرت منها صرخة جازعة أربدت بدنه وشلت قدمه بموضعها، وبحركة مفاجأة تعثرت وتكومت في الأرض أمامه من فرط ذعرها .. إلا إنها لم تتوقف فقد تابعت تتقهقرها وزحفها ببطئ، تمد ذراعيها أمامها بوضع دفاعي وعينيها الملتاعة تبحث عن منفذ للهروب.
رغم ما كان يعتمل بداخله قبل لحظات من عواطف مندلعة بسبب فعلتها الغاشمة إلا أنه فور أن رآها هكذا تهادت بنيان صلابته أمام إنكسارها ومضى بخطواته نحوها قاصدا احتوائها وطمئنتها، لينفي في طريقه أي سبب قد يجعلها على هذه الشاكلة، إلا أنه لم يتسبب سوى في زيادة هلعها وانخراطها في صراخها المستغيث .. احتضنت جسدها بحماية مستمرة في ترديد كلمات مبهمة وقد تركزت حدقتيها الغائمة بالدموع عليه بنظرة زائعة بالكاد يظن أنها تراه:
- "لا لا.. توقف .. ليس مرة أخرى .. لا تفعل هذا، توقف!!"
تسمر مكانه مرة أخرى، ولكن هذه المرة قد عصفت بكيانه، استشعر إنسحاب روحه معها وهي تزحف للخلف بجسدها حتى سكنت أبعد بقعة في الغرفة إلى جوار أريكة جلدية سوداء، تضمه في وضع جنين .. اللعنة على ذلك، شيئا بداخله أعادة إلى تلك اﻷيام الجحيمية حينما كان يدخل عليها القلعة ويراها بهذا الوضع المزري، تردد الكلمات الباهتة ذاتها بلا حياة، أو أمل، ومع ذلك لا يرحمه ضعفها ولم ينكسر لنظرتها التي تشطره الآن ﻷشلاء، بل ولشذوذه وإنحدار مرضه كان يتلذذ برؤيتها هكذا، وينجرف في تيار نشوته التي تستحثه على سحق آدميتها!! .. السؤال المميت هنا، هل بعد كل هذا مازال يستحق الحياة؟؟
فتح عينيه على واقعه المرير كمرارة الحنظل، ليجدها قد زادت من رجوعها حتى ظن بأنه ستنغاص بالحائط، ولم يدرى أنه بتلك اللحظة كانت هذه أقصى أمنياتها .. بأنفاس منقبضة يأخذها من السعير وعين تلذعها دموع الحسرة، وقلبا يعتصر لما آل بها، رفع ذراعيه عاليا باستسلام ثم ركع أمامها على مسافة منها ليثبت لها أنه لا ينتوي أي أذية لها، إلا أنه قد بدى وكأنها لم تفقه هذا لتستمر في ترديد كلماتها بطريقة شبة آلية وكأنها مقطع صوتي مسجل .. تحشرج صوته وهو يتمتم بها برجاء وقلة حيلة بائنة:
- لا تخافي فريدة ارجوك لن...
صوته .. صوته فقط كان كفيل بإشعال فتيلة جنونها وقدحها أكثر ففور أن سمعته إزدادت إنكماشا على نفسها أكثر وأطلقت العنان لصراخ هستيري لا عهد له به .. صراخ متوجع مصحوب بأنين كمن تنتزع روحه .. تعتصر عينيها بفجاعة وكأنما تنوي فقأها، وتصد أذنيها بكلتا كفيها لتكف صوته عنها .. صراخها أفقده إتزانه العقلي وبات في حالة تيه واضحة وﻷول مرة لا يعرف ماذا عليه أن يفعل .. تماما هذا ما حذره منه دكتور مايك في مكالمته الأخيرة، حذره من عواقب وجودهما معا، من تفاعل حالته النفسية وتأثرها لحالتها، والعكس!!
يالله، فليمت حالا على أن يراها بهذا العذاب!!
أفاق من شخوصه على صوت نهيجها العالي الصادر عنها بينما تلوذ بذراعيها لتحمي وجهها وجسدها .. جسدها يهتز بعنف وصوت نهيجها يزداد في العلو بالتزامن مع نوبة سعال حاد تعتريها وبات انها تفشل كبحها .. رفعت رأسها حينما آلمت بها نوبة الإختناق وبات وضع جسدها يحول دون المسار الطبيعي للتنفس، تبا، حدث ما كانت تخشاه .. ها هي سقطت بنوبة هلع في غير محلها!!
وبينما كانت تشذب أنفاس عميقة دون أن تعبئ رئتيها حتى احتدم وجهها بحمرة خانقة نفرت لها العروق، رمقت وجهه القريب وهو يقوم بمحاولات ﻹبعاد يديها عن عنقها ورفع رأسها، ليتبدى ذلك لها وكأنه يشرع في تكبيلها مستغلا نوبة مرضها .. جسده الضخم الذي يحاصرها بهذه الطريقة جعل فزعها يتعاظم وجسدها يتضائل أمامه أكثر مكافحة لتلافي لمساته التي تحرقها .. حتى تيقت من أنه لا فائده، ضربات قلبها تهرع بجنون لن تستطيع رئتيها المجهدتين مجارته، إنها بحاجة مميتة لدواؤها وإلا ستسقط دون فرصة في النجاة .. أضحى الموت أقرب هذه اللحظة .. ظلت تشيح بوجهها، تدافع بوهن وتحصر جسدها عنه حتى انبطحت جانبا لتزحف بعيدا عن متناول يده وكأن الفرار مازال متاحا، حتى لو كانت النهاية، فهي لا تحبذ أن يكون وجهه الدميم آخر ما تحتفظ به عيناها!!
وبين محاولتها الأخيرة البائسة، شعرت بضغطة محكمة من أدهم، استهدف بها أصبعيه الباردان شريانها السباتي بجانب عنقها، ليفصل الأكسجين عن مخها ويضع بذلك حدا لشقائها.
● ● ●
اتخذ من الأرض مجلسا مستندا بظهره إلى فراشها بعد أن وضعها به بعد هذا الطوفان .. عقله في حاله فوضى، ليس فقط عقله، بل هو بالكامل في حالة فوضى .. جسده منهك مصبب بالعرق من المجهود الذي بذله طوال الساعة الماضية .. ياللهي لم يكن يتصور أن الأمر سيفضي به إلى هذه النقطة .. فوضى ما بعد الدمار .. كم الخسائر هنا لا يمكنه حصرها، لا يمكنه تحمل كلفتها!!
رغم عنه راح يعيد على نفسه ما حدث قبل قليل وحتى ما سبق كل هذا .. بتلك اللحظة التي أوصدت عليه الباب، تصاعد منه غبار الغضب وبات عقله في شتات من أمره، ما فعلته كان بمثابة صفعة لاذعة تلقاه ليدرك مدى التحول الذي صار بشخصها .. حقا عجز عن تمييز فريدة التي يعرفها من تلك المرأة الغاضبة المندفعة كبركان غاشم!!
يأس من استجابتها له، وعلم حينها أن لديها خطتها الخاصة والتي تعمل عليها الآن بينما هو بالأسفل يلهث كجرذ وقع في المصيدة .. هذه الفكرة أججت من غضبه الحالك وجعلته في حالة سيئة ومع تزايد وقت حجزه تزيده قربا من نسخته القديمة .. وتبا لذلك، بات لا يكترث!!
دائما ما كانت السيطرة والتحكم بكل شئ ما يبقيه في حيز الإتزان العقلي .. فعلى النقيض، فقدان السيطرة يشعره بالإختناق وإنعدام الحيلة .. يوقظ بداخله مشاعر غير محببه تهلكه .. تقضى على كل ذره تعقل يمتلكها .. تعيده لذلك الطفل ذو العشرة أعوام العاجز أمام خيانة زوجة أبيه .. العجز كان عدوه اﻷول، والذي بالمناسبة فعل كل ما فعله على مدار حياته ليتغلب عليه، لينتزعه من داخله، ليثبت للعالم بأنه ليس بعاجز، أو ضعيف .. وبفعلتها الخرقاء تعاظمت بداخله هذه المشاعر واستيقظت من سباتها الواهي حتى صارت كمارد عفي يصارعه الآن ليتولى زمام الأمور منه بالكريقة التي يعرفها!!
واللعنة، هذا مهلك!!
صفق رأسه بالباب علَّ يسكت الأصوات التى تنهش عقله الآن، أخرج زفير منهك بإحباط وقد تيقن بأنها لا تلقي له أي لعنة .. تبا، تبا، تبا، عقله يؤذيه بخيالات عما تفعله فريدة بالأعلى الآن .. يريد أن يلطم عقله على عدم إحترازه منها ومن ردة فعلها .. تبا لذلك مرة أخرى، فقد أضاعت بفعلتها ما قضى من أجله ما بقي من الليل وحتى النهار يفكر به!!
لم يضيع الكثير في هذا وراح يبحث عن شئ يمكنه من فتح هذا الباب الحديدي المثقل .. أول ما بادر ذهنه هو كسر القفل المقبض للباب ليسهل عليه تفكيكه إلا أن هذه الفكره باتت أصعب خاصة وهذا القفل لا يعمل بشكل يدوي تقليدي فقط بل آلية عمله مزدوجة تجمع بين النظام اليدوي والكهربائي، لذا سيواجه صعوبة في الإقتراب من دائرة القفل الكهربية دون التعرض للصعق!!
لحظة..
حينما وصل لهذا الإستنتاج تبددت معالم الغضب من قسماته تدريجيات وهو يتجه إلى علبة التحكم الكهربائي الرئيسية، وبلحظة كان يضغط مفتاح الطوارئي لينفتح الباب على الفور .. كسائر أبواب المركب التي فتحت أتوماتيكيا في نفس اللحظة كإجراء احترازي في حالات الطوارئ.
أطلق زفير لاهث يفصح عن الضجيج الذي بداخله، وعاد بذاكرته حيث الليلة السابقة، بعد أن شهد إنهيارها الذي جعل صلابته النفسية تتهادى .. حينها لم يبقى أمامه سوى خيارين، لا ثالث لهم .. إما أن يعلن عجزه أمام إنهيارها ويستسلم لحقيقة أن ما جناه بحقها ليس به رجعه ويتركها وشأنها تتكبد توابع جريمته .. وإما تثور داخله ليس روحه العنيدة المثابرة التي تأبى التسليم بالهزيمة، بل روحه العاشقة حتى النخاع، التي ترحب بالموت على أن تسلم بمآل معشوقته!!
كان عليه أن يختار بين أن يمضي بطريقه وكلاهما خاسر بتلك المعركة، كلاهما عليه التعامل مع ندوبه الخاصة .. وصدقا ندوبه هي الأكثر عمقا وألما .. أو أن يبذل حياته لتظفر هي بمكانة الناجي الوحيد من المعركة!!
في الحقيقة، كان قرار لا يحتمل التفكير .. فريدة، ولا شئ سوى فريدة .. فريدة أولا وقبل أي شئ .. قبل حتى نفسه .. ليبدأ في تنفيذ ما توصل إليه منذ بداية النهار .. يبدأ في رطأ الصدع الذي أحدثه في حياتها وتأهيلها عمليا لعودتها لما كانت عليه قبل أن تلقاه .. أليس هذا حلمها الأثير .. حسنا، هو مستعد لفقد روحه في سبيل تحقيقه!!
كل ما أراده هو أن يوفر أطول وقت لهما معا يساعدها أولا على إخراج مخزون مشاعرها التي تجد منفذها الوحيد في كوابسها وقد صار على يقين بأنها شبه دائمة .. شيئا بداخله أخبره أنه ليس بشيئا عارض .. ربما ﻷنه يعاني مثليتها، حتى ولو كانت على نفس درجة العنف.
لذلك قرر أن يدعي تعطل اليخت بهما ويفعل ما بوسعه ﻹقناعها متقصدا إبطال أي وسائل مساعدة قد تلج عقل فريدة، ﻷنه كان متأكد من أنها لن تصدق حدوث هذا بسهولة فكان عليه إقناعها بطريقة عملية واقعية .. وعليه، فقد اختار أولا بقعة إقليمية تنعدم بها تغطية الهاتف ليتوقف بها، وبعدها قام بفصل المحرك عن العمل، وأتبع هذا بقطع آخر إجراء بديهي قد تلجأ له وهو جهاز اللاسلكي والذي لم يجد صعوبة في إحراق مجسات الإرسال به.
يعلم، انه يعود لعادته في الإحتيال والكذب عليها من جديد، يعلم انها لا تستحق هذا منه أبدا .. ويعلم أنه تصرف متهور يعرضهما لعواقب قد تكون وخيمة .. ولكن مبرره في ذلك أنها فرصته الوحيدة في إعادتها لنفسها، في تخطيها لما حدث، لتخطيه هو شخصيا .. وإذا كانت هذه هي الطريقة الوحيدة التي قد تمهله الوقت حتى يتثنى له هذا، فليكن .. إضافة إلى أنه كان لديه أكثر من خطة بديلة ينتوي إستخدامها كمخرج لهما في حالة لم يفلح معه الأمر، مثلا هاتفه والذي سيكون مجديا في منطقة شاملة التغطية يمكنه الوصول لها عن طريق إحدى الزوارق المطاطية الموجود بالقارب.
نعم، لقد تفحص المنطقة الإقليمية أكثر من مرة ودرسها بشكل جيد العديد من المرات، فلم يكن سيسمح للحظ السئ أن يلعب أحد الأدوار هنا!! .. حتى المحرك واللاسلكي، ما أحدثه بهما من أعطال، كان من اليسير عليه إعادة كل شئ إلى سابق عهده .. لكن بعد أن تعود فريدة أولا!!
إلا أنه، وكم يشق عليه قول هذا الآن .. كان مخطئ في هذا، فها هو الحظ السئ قد لاحقه بل واحتل دور البطولة في قصته أيضا .. لم يكن في حسبانه أبدا ما فعلته فريدة، لم يكن في حسبانه أن تحبسه، وأن تلقي بهاتفه في عرض البحر .. وأخيرا لم يكن يتوقع ما أصابها بعد كل هذا.
ولكن هذا ما حدث .. نحن هنا أدهم .. واجه الحقيقة اللعينة، أنت السبب بكل هذا .. وما رأيته كان.. كان نقطة في بحر الجحيم الذي ألقيته به .. هذه اهي الحقيقة الذي ستلازمك لعنتها إلى مماتك!!
رمقها من خلف كتفه .. كانت تبدو ساكنة كبحر بعد ثورة أمواجه، رغم هذا، لا أحد يمكنه أن يتنبأ بما يدور بعقله المتعب الآن .. وهذا تماما ما ذكره بهيئتها بذلك المؤتمر بإيطاليا، كانت تبدو حينها بالهدوء ذات، جميلة، سليمة ومعافاه مما أحدثه بها .. هذا ما خاطره وقتها، لم يطرق عقله أبدا ما ينطوي خلف هذا الهدوء الهش وهذه الملامح الباسمة .. كل مدى يتأكد من أحمق لعين، قدر ما جمعهما من وقت، لم يعرفها قط .. لم يعرف شئ عن مدى قدرتها على التحمل، صحيح أنه قد رأي جانب من هذا بالقلعة، وكيف أنها فضلت الألم على أن تنحني له، وكلما حاول كسرها كانت تعجزه هي بصمودها وتحاملها .. ورغم كل ما فعله بها، إلا أنه الخاسر في معركته ضدها .. كان الخاسر وليس لأنه كان يقف على الجانب الخاطئ ويرى الأكاذيب كحقائق، ولكنها خسر أمام كبرياؤها الذي يعترف بأن أقوى الرجال تنازلوا عنه مبكرا بوضعٍ كوضعها!!
إنها قوية .. كل شيئا بها يثبت هذا .. إنها أقوى حتى منه هو .. روحها محاربة تأبي الإستسلام، ولذلك هي ستتجاوز كل ذلك .. هو شديد الثقة واليقين بهذا!!
لكن لكي تفعل هذا عليها أولا أن تقف وتواجهه بجسارة .. لا أن تمضي وتتجاهله وتتجاهل ما ينشب بداخلها من حريق يأبي الإنطفاء .. عليها أن تقتنع بأنها صاحبة الحق هنا، وصاحب لا يختبئ من الجاني .. بل يستمر دفاعه بإستبسال إلى أن يستعيد حقه، هذا ما يجب أن يحدث .. وهذا ما أشار عليه به دكتور مايك سابقا، لا بد لهما من مواجهه عادلة، جولة أخيرة ينهوا بها معركتهم رغم إدعائهم بالنهاية .. لكن الحقيقة انها مازالت حية بداخلهم تتغذى على أرواحهما.
عرف ما عليه فعله، سيدفعها بكل السبل للتسليم بهذا الحقيقة .. لا بد لها من من مواجهه ما هي بصدده، مواجهة الشياطين التي تنهش داخلها .. مواجهته هو .. وليس ذلك فقط، بل عليها الإقتناص لنفسها، تعهد لها سرا بأنه سيساعدها في هذا .. وإلا ستظل إلى أبد عمر تنكر شياطينها بالنهار وتسمح لها بتعذيبها ليلا، بل شن هجمات عليها من وقت لآخر نهارا.
رغم أن المعني بحديث مايك حينها كان هو .. لكنه يعلم أنها اكثر حاجة منه إلى ذلك .. ويعلم أيضا أنه بحدوث هذا ستطلق سراح نفسه المأسوره منذ ذلك الحين .. حينها، وحينها فقط، يمكن أن يتركه وهو على يقين بأنها ستكون بخير!!
● ● ●
I’d climb every mountain
انا مستعد لتسلق كل جبل
And swim every ocean
والسِباحة في كل محيط
Just to be with you
لأكون معكِ مجددًا
And fix what I’ve broken
وأُصلح ما كسرته داخلكِ
Oh, ’cause I need you to see
لأنني أحتاجكِ لتتأكدي
That you are the reason
بكونكِ السبب بوجودي
If I could turn back the clock
إذا استطعت العودة بالِزمن
I’d make sure the light defeated the dark
سأجعل حُبي لكِ يهزم الظلام
I’d spend every hour of every day
وأقضي الساعات كاملةً معكِ كل يوم
Keeping you safe
محاولًا لأجعلكِ بأمان
I’d climb every mountain
مستعد تسلق كل جبل
And swim every ocean
والسِباحة في كل محيط
Just to be with you
لأكون معكِ مجددًا
And fix what I’ve broken
وأُصلح ما كسرته داخلكِ
● ● ●
إنهيار تلو الآخر، تتصدع بنيانها النفسية وتتهاوى أمامه لتكشف عن مدى الدمار الذي أحدثه بطوفانه.
جسدها ساكن، عيونها موصدة بسلام، كل شيئا بها يوحى بالهدوء الذي تنعم به ولا يفسد هذا المظهر الناعم سوى تلك العبرات التي كانت تنهال من بين جفونها بصمت .. صمت مميت تدفع ثمنه من أنفاسها المطبقة!!
لن تتوقع أبدا أن خلف هذا الهدوء الواهي، ملايين الشظايا المتراشقة بروحها .. انها تنزف .. وجرحها غائر يعلن بفجاعة هزيمتها أمام نفسها .. الخسارة بائنة لا تقبل الشك، لمَّ عليها نكران ذلك .. كل ما حدث كان حقيقي، ولا أحد يستطيع أن يفهم شعور الإنتكاسة سوى من جربها!!
في غياهب نفسها المظلمة حيث القاع هي ترقد هناك .. ولا أمل لها من العودة .. الحياة ليست عادلة .. تضعها بنفس الإختبار ثانية بعد أن نجت منه بمعجزة سابقا، ولكن هذه المرة فارقة، لا أحد بالجوار .. لا أحد سوى المسخ الذي أردى بها إلى هنا .. فلنحصي معا فرصها في النجاة، صفر!!
مضت ساعات وهي على هذا الوضع البائس منذ أن فتحت جفونها لتجد نفسها بذات العرفة اللعينة وذكريات إنهيارها المهين تتردد في خلفية عقلها .. حسنا، لم يعد هناك سبب يدفعها للمقاومة، فاستسلمت مرحبة بالظلام ليبتلع روحها .. الظلام ذاته الذى فارقته من مدة طويلة لدرجة أنها كادت تنساه.
ما بين غفوة متقطعة وبكاء مدمي قضت ما بقى من النهار حتى أظلم مشهد البحر غرفتها ليكثف من من مشاعرها السوداوية .. مشاعر تدفعك دفعا لتوسل الموت على أن تكون في صحبتها .. المشكلة لم تكن تكمن فقط في أنها حاولت الخلاص ممَن دمر حياتها وانتهى بها الأمر مختنقه في نوبة فزع أسفل قدميه .. الأمر كله يكمن فيما حدث بالسنتان الماضيتان .. ما حدث بعد أن صحت من موتها المؤقت لتستقبل حياة ليست كتلك التي تركها .. ما حدث كان عبارة عن فجوة زمنية مظلمة أبتلعت حياتها لسنة كاملة، سنة كاملة لا تتذكر منها أي شئ سوى الظلام .. سنة أخذت منها الكثير، أشياء بداخلها تكسرت وأخرى تغيرت كثيرا حتى أصبحت غير قادرة على التعرف علي نفسها .. ولم تكن تتوقع أن تنجو من كل هذا يوما!!
والآن، عودة مرة أخرى لنقطة السقوط ذاتها، وكل ما أحرزته من تقدم في حالتها، كأنه لم يكن!! .. وهذه الفكرة كفيلة بأن تجعل نحر عنقها بمثابة طوق الخلاص، رصاصة الرحمة التي ستخلصها من الدائرة المفرغة التي ملت من الدوران بها دون جدوى.
● ● ●
Mirrors they never lie,
المرايا لا تكذب أبدا ،
Don't see myself inside
لا أرى إنعكاسي بداخلها
Why can’t I get it right?
لماذا لا أستطيع فهمها بشكل صحيح
I don’t know
لا اعرف
So I walk into the dead of night
لذا أمشي في جوف الليل
Where my monsters like to hide
في المكان الذي تحب وحوشي الاختباء به
Chaos feels so good inside
الفوضى تشعر بالراحة داخلي
Now I know
الآن انا اعرف
I've lost control again
لقد فقدت السيطرة مرة أخرى
Always do the same and not to blame I've lost control again
دائما أفعل نفس الشئ، وانا لسه الملامه، لقد فقدت السيطرة مرة أخرى
I don't know who I am
انا لا اعرف من أكون
Always do the same and not to blame I've lost control again
دائما أفعل نفس الشئ، وانا لسه الملامه، لقد فقدت السيطرة مرة أخرى
● ● ●
خوفها يتفاقم ولا يسمح لها بالنوم حتى .. خوف غير محدد السبب .. انقباضة غليظة تتوسط صدرها وتسلبها أنفاسها .. رغما عنها مدت يدها في الظلام إلى الكومود لتنتشل دوائها كمحاولة بائسه في التفاوض مع الوحوش التي تتصارع داخلها .. لم تعثر أصابعها على شئ سوى صينية بها طعام بادر وكأنه كان هنا من قبل أن تستيقظ.
عبثت حولها ولكنها فشلت في إيجاد شئ لتنهض بجسد ينتفض من الألم، أعصابها في حالة هذيان ترتعش دون رادع .. أضائت النور ولم تمهل عينها الوقت للتأقلم معه وأخذت تضرب بيدها كل شئ مفتشه عن علب دواءها التي كانت هنا ولم تجد أي منها .. لم تجد سوى صحون الطعام والعصير البارد وكوب صغير به أربعة أقراص.
إنتشلت الكوب بيد تسيطر عليها الرجفة لتتبين بأنها أقراص من دواء .. الوغد سرق دواؤها مستغلا غفوتها وتفضل عليها بقرص واحد من كل عبوة .. إلام يريد الوصول بتصرفه هذا، لم تتوقف للتفكير كثيرا وقد ضرب بفعلته هذه موضع التعقل بدماغها ليجعلها خارج نطاق المنطق وانتطلق له تغلي كتنور ثائر.
● ● ●
بهذا للوقت من الليل، رغم جسده الذي يأن من الإرهاق والتعب، إلا أنه كان يقوم بمهام التنضيف للمركب ويمسك بيده ممسحة بخارية لتنظيف السطح العلوي الذي يقطن به كنوع من الإلهاء والتشتيت عما يصول بعقله من سيناريوهات لما يمكن أن يحدث أو ينتهي به الأمر حتى سمعصوت خطوات غاضبة تدق الدرجة باتجاه فعلمه أن عليه للآن مقبلة موجة أخرى فائرة .. هذا كثير، لم يتعافى بعد من موجة الصباح!!
ألقى بالممسحة ووقف بتأهب لها وقد يرتدي بنطال (كارو) قصير وتيشيرت قطني زيتي اللون .. شعره مشعث من العمل وجهه يتندى بعرق طفيف .. كتم أنفاسه حينما رآها تقف أمامه بتلك الهيئة الهالكة .. لا يعرف كيف يمكن أن تتدنى حالة شخص بهذا الشكل خلاك ساعات قليلة.
جفونها تتساقط، قدميها غير ثابته على الأرض ملابسه التي ترتديها كانت تضفي على هيئتها الضغف وتظهرها بجحم أصغر داخل تيشيرت رمادي يماثل ما يرتديه مع سروال رياضي من نفس اللون .. حسنا، طالتها عليه كانت مريبة وأوغر القلق والخوف بصدره، فليعينه الله على ما هو قادم!!
- أين الأقراص؟؟ .. أين أقراصي اللعينة!!
هسهست بها فريدة من بين أسنانها كمَن على حافة الهاوية ارتجاف شفتيها اللا إرادي أكد هذا .. الحقيقة أنها بالكامل كانت ترتجف وهذا ما جعله ينشطر من الداخل بسبب عجزه اللعين عن مساعدتها .. تمالك نفسه وهو يتحدث معها بنبره عقلانية ونظرة عينه كانت كتلة من الألم:
- أقراصك وضعتها مع الطعام فريدة، يمكنك التأكد من هذا فق...
- أريد العلب .. أين علب الدواء، بأي حق تأخذهم!!
حسنا، هذا ما كان يخشاه .. كيف يوضح لها ذلك الآن، كيف يخبرها من أنه يخشى عدم إتزانها النفسي ولا يضمن ما قد يأمرها عقلها به للتخلص من صحبته الثقيلة عليها .. نعم شخصا في حالتها لا يمكن التنبأ بأفعالها خاصة بعدما فعلته هذا الصباح .. لذلك اكتسب وجهه لمحة من الجمود وهو يجيبها:
- آسف فريدة .. لا أستطيع إعطائها لكِ .. فقط جرعتك العلاجية وسألتزم بأعطائها لكِ كل يو....
- اللعنة عليك، أيها اللعين المختل!!
ضربت بقدمها الممسحة لتسقط على قدمه لصر أسنانه بتألم لا يوازي أبدا ألم قلبه لما تعانيه والذي يعلم بأنه المتسبب الوحيد بحالتها، ليراقبها وهي تزرع أمامه مجيئا وايابا بينما تمسك برأسها .. ومن ثم توقفت لتتناثر حروفها بتلعصم وتأتأة وكأن جهازها العصبي فقد السيطرة على النطق:
- هذا .. هذا ما تريده .. تريد .. تريد أن تجعلني .. تجعلني مختلة .. أليس كذلك .. ها .. تريد أن تجعلني مخ.. مختلة أيها المختل اللعين!!
كانت تصرخ بها بتلعثم لسانها ثقيل تجد مشقه بالغة في قول هذا ثم طاحت في الغرفة تلقي بكل ما يقابلها كإعصار، تفتش بجنون على حبوبها إلا في الحقيقة رؤيتها آنذاك كانت مشوشة، عقلها غائب ليس معها .. اللعنة، لقد عادت .. لقد عادت لحالتها السابقة .. قلق، إكتئاب، إضطراب ما بعد الصدمة، نوبات فزع حاد لدرجة تصيبها بالتأتأه .. ماذا أيضا؟؟ .. حقا ماذا يريد أن يفعل بها أيضا!!
وقفت أمامه بعدها تلهث بجسد ينتفض من الإختلاجات .. في حين إكتفى هو بمشاهدتها وقد توقع منها رد فعل مشابه لكن كم كان شاق عليه .. حسنا، لا مانع لديه فيما تفعله إذا كان هذا سيريحها بالنهاية ولو حتى قليلا ومع ذلك توسلها بصوت متعب:
- فريدة أرجوك اهدئ ولا تفعلي هذا بنفسك .. صدقيني أنا لا أبيت النية ﻷذيتك .. إهدئ ودعينا نتحدث .. كفى انتي متعبة دعيني أساعدك حتى ارجوك انتي تحتاجين للمساعدة انظري...
قاطعه عن الإسترسال في رجاؤه ضحكاتها الهستيرية التي أخذت تتعالي بشكل جنوني، وأثبت هذا دموعها التي كانت تنهمر بالوقت ذاته بينما توليه ظهرها وترفع رأسها للسماء كانها تطلب العون .. يريد مساعدتها، أليس هذا لطيفا؟! .. ظلت على هذا لثانية وأكثر تجمد بها أدهم وقدمه تخونه بالإقتراب وغمرها داخل أضلعه رغما عنها واللعنة على عوقب هذا .. وبالفعل كان على وشك فعل هذا حينما سكنت فريدة مرة واحدة وكأنها قد افرغت شحنة غضبها في نوبة الضحك هذه للتنهد طويلا وتمسح وجهها من الدموع المتطفلة قبل أن تلتفت بوجه منبسط مربد بالحمرة وعين محتقنة لتسأله بنبرة عملية باردة متغلبة على تلعثمة وكأنها لم تكن هي:
- ألن تعطيني الدواء؟؟
رمقها بحاجبان معقدان وتطل من عينه نظرة ريبة لما قد ترتكبة من حماقة أخرى في حالة رفضه، ولكنه أبدا لن يسمح لها بأذية نفسها .. فإكتفى بهز رأسه رفضا هذه المرة وقد فشل لسانه في ايجاد الكلمات المناسبة لحالتها المزاجية .. لتصدر له إماءة صغيرة ثم اردفت بكلمة أخيرة:
- حسنا!!
ثم رحلت .. ومع رحيلها إندلع حريق آخر بداخله وقد أنبأته نظراتها المتحدية أنها قد عقدت العزم على فعل شئ .. هو ليس بغبي ومهما تغيرت فريدة هو مازال يعرفها ومازال يستطيع قرأتها كنفسه .. هرول ورائها ليستفهم منها عما تنتويه ولكن قدماه توقفت وحدها وبداخله قد تأكد بأنها لن تريحه مطلقا ولن تخبره وعلى هذا سيفقد السيطرة على نفسها وستزيد فرصه في العودة لسلوكياته القديمه معها والتي بالمناسبة هي ما اوصلتهما إلى هنا!!
شعر بالإختناق والعديد من الخيالات المرعبة تطوف بخاطره وتضعه أكثر في حفرة عجزه .. رفع رأسه للسماء بعينٍ متألمه، كل ما حوله من أكسجين لا يفيد في تفريج الضيق الذي يقتله .. فريدة مريضة الآن أدهم، ومريضة جدا، ما تفعله لن يفيد بعلاجها، هي تحتاج لطبيب ليساعدها وليس للشخص الذي جنى عليها .. وبالنهاية لم يجد أمامه سوى أن يرتضي بذلك ويسلم بعجزه فمن الآنانية أن يصر على مساعدتها وهو في الحقيقة يزيد حالتها سوءا .. والآن إذا فعلت بنفسها شيئا بسبب حماقتك ماذا ستفعل بنفسك حينها!!
قبض بقوة على صدره، يستنجد بتعويذته الآثيرة، يستفتيها ماذا يفعل .. يسألها هي، مالكة قلبه، ماذا يفعل، لا يستطيع تركها بهذه الحالة، فقط روحه لا تتطاوعه على فعل هذا!!
وباللحظة التالية كانت يتنفس بسعة صدر وكأنها ألهمته الإجابة .. سيصبر، عليه أن يصبر قليلا، البدايات دائما بالغة الصعوبة، وتلك الموجة العاتية لم يبقى الكثير حتى تصفو، وحتى ذلك الحين سيتجرع ألمها برحابة حتى تشفى .. أما الآن، وبرغم إرهاقه وتعبه إلا أنه لديه مهمة ليست بهينة .. لا يجب أن يفارق بابها أبدا حتى يكون على أتم الإستعداد لنوبة جنونها القادمة.
● ● ●
وبالفعل ظل يجالس بابها متيقظا ﻷي صوت غريب يصدر من الداخل .. يراقب عن كثب من أسفل الباب خطواتها التي تترنح في كل إتجاه ولم تركض بفراشها للحظها .. وهذا .. هذا سئ .. إنها تفكر الآن، وليكن الله في عون على ما تضمره بعقلها له!!
مسح وجهه بعيون تحترق لساعة راحة ونال التعب منه وظهرها كان يصرخ من الجلوس لساعات على هذا الحال .. لينظر جهة السلم وينتبه بعدها لضوء النهار المتسلل من فتحته العلوية .. فلينهض ليعد لها أي شئ لتأكلها .. وليتها تأكله وإلا لن يجد حينها مبرر أمام نفسه لدفع سلوكياته الغوغائية عنها!!
بعد قليل كان يطرق بابها برفق مناشدا اياها أن تستجيب .. حقا إذا تصلب رأسها معه أكثر من هذا هو مَن سينهار هذه المرة وربما يستسلم أيضا لفكرة العودة .. كان على وشك منادتها فهو يعلم بأنها مستيقظة ولكنه فوجئ بالباب يفتح وتطل هي بهيئتها المنهكة لكن نظرة عينها هي ما إختلف بها .. شحذ إبتسامه باهتة على فمه:
- صباح الخير
إكتفت بهز رأسها وعلى محياها تلك النظرة التي لم يستطع تفسيرها، فهي نظرة مسالمة .. فقط نظرة مسالمة ليست بموضعها .. ليس هذا ما أعد نفسه له .. تحمحم بعدما وجد أنه اطال النظر لها أكثر مما ينبغى وخشي أن تسئ فهم هذا لذا مد يده لها بصينية الطعام وهو يضيف بإقتضاب:
- فطورك!!
لم تأخذ من شئ، فقد إكتفت بالإشارة له بعينها لشئ محدد في الصينية وعندما تتبع نظرتها فهم انها تقصد الكوب الذي يحوي الأقراص .. آوه لا، ليس هذا مرة أخرى .. رفع رأسه لها يهزها بتعب من الجدال في هذا الأمر:
- لا فريدة .. أنا لا أستطيع...
أوقفته بإشارة من يدها وهي توضح بصوت مازالت تسيطرت على التأتأة:
- لا .. لا أقصد ذلك .. ذلك الأمر .. هذا
ثم أشارت له على الكوب مرة أخرى:
- آخذ منه .. قرصين وليس .. ليس واحد!!
تشتت عقله لثواني مع تلعثمه وقد ظن أن كان لحظي بسبب إنفعالها .. أما الآن .. تبا، ماذا فعلت!! .. أغمض عينه ليبتلع حسرته ثم عاد ليركز معها ويحاول فهم ما تريد:
- لا أفهم .. أليست جرعتك اليومية قرص واحد من كل دواء؟؟
أشارت له بالرفض وهي تكرر بتقطع:
- أحتاج لقرص .. لقرصين من هذا .. قرص صباحا وقرص .. قبل النوم.
حدقها بإسترابه فيما قالت ولكنها أضافت موضح بشبه رجاء:
- أحتاجه!!
لم تزد عن قول هذه الكلمة والتي كانت كافية ليلحظ تلك الرجفة التي هزت يمناها وما إنتبهت هي لعينه حتى أحكمت قبضتها لتوقفها وتسأله مرادها بعينها هذه المرة .. لتشتد أصابعه تلقائا على الصينيه ويخبئ عينه بها مدعيا تفحص ما تريد وهو يسألها بصوت أجش:
- أي نوع؟؟
أجابته على الفور وهي لا تصدق أنه أخيرا استجاب:
- الأصفر!!
اعطاها الصينية لتمسكها منه لحين يخرج علب الدواء التي تبين أنها لا تفارقه .. وهذه الفكرة جعلتها تطلق عليه سبه نابية بسرها بينما تراقبه يفتح إحدى العلب ويخرج منه القرص الذي تريده ليضعه بالكوب وهو يهتف بها بنبرة تمزج بين الطلب والآمر:
- أنتِ تحتاجين للطعام أيضا!!
أومأت له بوداعه لتختفي بالداخل للحظة وتعود له بصينية الطعام التي تركها لها بالأمس، ولتثير دهشته، الصينية كانت شبه فارغة .. نظر لها بعين يملئها التساؤلات، هل فعلا تناول طعام الأمس؟؟ .. لتجيبه بنظرتها المسالمة ذاتها.
مسح عنقه من الخلف وهو يراقبها بينما تغلق الباب ونظراتها متركزة أرضا وكأنها تهرب من خاصته التي تطاردها بعلامات الإستفهام .. لعن شكوكه المتنامية تجاهها ولام نفسه على ذلك .. واللعنة أليس هذا ما كان يتمناه، والآن يفسده بشكوكه الغبية!!
دع الأمر يمضى نحو الشفاء أدهم، ربما تكون بادرة خير!!
الحقيقة أنه لم يستطع فعل هذا أبدا، فعلى مدار الأيام التالية لم يكف عن مراقبتها ليلا وبالنهار كان يتسلل قرب نافذتها ليتتبع حركاتها .. إلا إنه لم يجد ما يثير قلقه، فعلى ما مضى كانت هادئة، تقضي يومها ما بين نوم، تستلقي بملل، وتتأمل البحر ثم تنام من جديد .. الجدير بالذكر، لم ينتابها خلال تلك الأيام أية كوابيس .. بدا له ذلك وكأنها تتعافى .. وهذا كان كافي ليطفئ بداخله الشكوك نحوها!!
في الصباح كان يدق بابها ككل يوم لتفتح له بنظراتها الهادئة .. وليس هذا فقط، بل كانت تجيبه بصوت تعافى من تلعثمه وهذا أثلج قلبه قليلا.
بعد أن تناولت من الطعام وأخرجت له الصينية الفارغة وكاد بعد أن تغلق الباب إلا أنه أوقفها هاتفا:
- هاي!!
عندما حصل على إنتباها أضاف بغمغمه منخفضة:
- ألم يحن الوقت لتخرجي من هذه الغرفة؟؟
أعطته على الفور نظرة تحذيرية وكأنه يقتحم خصوصيتها .. ليبرر على الفور:
- أنا لا أقصد أي شئ .. فقط دعينا نتحدث قليلا لنرى ماذا نفعل بوضعنا الحالي!!
كاد أن تتحدث معترضة فسبقها مكملا:
- لا تتحدثي معي إن شئتي ولكن ..
توقف ليبتلع التوتر الذي أصابه من فكرة رفضها:
- الحياة هنا ليست منحصرة على البحر فقط، هناك أشياء كثيرة يمكنك فعلها .. أشياء رائعة .. يوجد مكتبة وغرفة ألعاب فيديو وغيرها، هناك حمام جاكوزي أيضا إذا أردتي الإستجمام، يوجد أيضا مكتبة موسيقية وأفلام .. فقط لا تحبسي نفسك لحين الإنتهاء مما نحن بها، فحين يمكنك النظر للأمر وكأنه عطلة!!
حانت منها إبتسامه خبأتها سريعا بإشاحة وجهها ولم يستطع تحديد إذا كانت إبتسامة ساخرة أو لا .. هيا فريدة، لا تضيعي كل هذا سدى .. أطفأت قلقه كلها حين هزت رأسها موافقة:
- حسنا .. فقط أمنحني بعض الوقت!!
لم يستطع أن يمنع إبتسامه مرتاحة ترسمت على ثغرة ليردد قبل أن تغلق بابها:
- أنتظرك!!
وسأنتظرك للأبد فريدة!!
تمتم بهذا لنفسه وهو لا يستوعب أن الغمة التي كانت بينهما شارفت على الإنقشاع وهو بطريقه الآن لإصلاح ما أفسده!!
● ● ●
وعلى الطرف الآخر من الباب، وقفت تلتقط أنفاسها بصعوبة، وقد بذلت مجهود مضاعف لتبدو أمامه بهذا الثبات والهدوء .. ألقت الطعام جانبا دون إكتراث ملتقط برجفة بائنة كوب الدواء لتمضي في طريقها نحو المرحاض.
فتحت إحدى الأدراج التي تحوي المناشف وأخرجت واحدة بعينها، لتضعها بحذر شديد على الرخامة أم المرآة ومن تفتحها لتكشف عن العديد من الأقراص الملونة تخص دواؤها، والتي خزنتها على مدار خمسة أيام ليصبح في حوزتها الآن جرعة كبيرة من الدواء والتي بدون شك ستكون قاتلة!!
ظن أنه يستطيع أن يفرض عليها أمر لا تقبله .. ظن أنه يستطيع معاودة السيطرة عليها .. ظن أنه يستطيع حمايتها من الموت إذا قررت هي هذا .. إذا ظن هذا بالفعل فهو واهم ومغفل كبير وستثبت له هذا!!
جمعت الحبوب كلها بكوب واحد، لم يعد هناك وقت لتضيعه، لقد قضت الأيام الماضية في التفكير بهذه اللحظة، وها هي قد حانت .. رفعت الكوب أمامها تقابل إنعكاسها بالمرآة .. تنظر بعينٍ ميتة لتلك المرأة المنهزمة التي تقابلها نظره حكت بها الكثير .. ثم همس بصوت بالكاد يسمع:
- هاي .. هذه النهاية فريدة .. قتالك انتهى في معركة كانت محسومة من البداية .. لم يعد بإمكانك فعل شئ .. تقبلي الهزيمة!!
Mirrors they never lie,
المرايا لا تكذب أبدا ،
Don't see myself inside
لا أرى إنعكاسي بداخلها
Why can’t I get it right?
لماذا لا أستطيع فهمها بشكل صحيح
I don’t know
لا اعرف
You're always watching me fall
انت دائما تشاهدني أسقط
Shadows they like my wall
الظلال، كأنها حائطي
Why do I feel so small?
لماذا أشعر أنني ضئيلة جدا
I don't know
لا اعرف
I've lost control again
لقد فقدت السيطرة مرة أخرى
Always do the same and not to blame I've lost control again
دائما أفعل نفس الشئ، وانا لسه الملامه، لقد فقدت السيطرة مرة أخرى
I don't know who I am
انا لا اعرف من أكون
Always do the same and not to blame I've lost control again
دائما أفعل نفس الشئ، وانا لسه الملامه، لقد فقدت السيطرة مرة أخرى
● ● ●
يتبع