الفصل الرابع _ حب علي حافة المرض
الفصل الرابع " حياة جديدة "
بعد عدة أشهر قاربو الخمسة دخل كرم مكتب رنيم بمرح وهو يدندن ممازحاً إياها ،، لقد تطورت علاقتهم سوياً .. علاقة خارج إطار العمل .. علاقة دق بها قلب كل منهما للأخر وقد رأى كرم بها كل ما يجذبه .. ما يألفه .. ما يشعره بالألفة والتجاذب معها وما يجعل نبضاته تخفق بقربها وقد وجدت هي فيه رجلاً بحق ،، رجلاً عاشقاً لها يغير عليها ليس متحكماً بقدر ما هو محتوياً وحنوناً .. رجلاً أشعل فتيل مشاعرها فتدفق متسللاً لخلاياها .. لمسامها حتي احتل قلبها قابضاً إياه ومتغلغلاً فيهِ بعشقه .
تراقصت دقاتها وهي تراه يجلس أمامها علي خشب المكتب واضعاً ملف أمامها وحثها علي فتحه لتعقد حاجبيها وهي تفتحه بهدوء لتصيح بدهشة بعد ذلك ،، لقد رُفع مرتبها لضعفين ونصف غير حصولها علي نسبة من كل مشروع سوف تنفذه لتهمس متلعثمة : ايه .. ايه ده .
نظرت له بدهشة : أستاذ كرم ليه .
ضيق جبينه ممتعضاً ،، مازالت تنكر مشاعرها رغم رؤيته بوضوح لصدرها الذى يعلو ويهبط بدون انتظام منذ دخل عليها .. أو ربما لا تنكر ولكنها تنتظر خطوته الصريحة نحو علاقتهم لتكون علاقة جدية أمام الله وأمام الجميع ،، غير ذلك فهي ليست من النوع الذى يتغنج ويحب ويصرح بهذا الحب دون رابط رسمي ،، عكرت مزاجه باللقب التي لا تنفك عن قوله رغم تحذيره لها عدة مرات ليجيبها : ده حقك إنتِ أثبتي إنك تستحقي وإنك مهندسة شاطرة ،، غير إن أرباح الشركة زادت جداً بسببك ،، وكل تطور منك هنقابله بترقيتك كدى .
سألت مستفسره : هنقابلة .
أومأ لها قائلاً : إدارة الشركة ده مش قرار أخدته عشان إنتِ البنت اللي بحبها وعايز أتجوزها ولا حاجة ،، لا ده قرار خدناه بإجتماع وبشهادة كل الشركة إنك تستحقي وفي مهندسين قبلك حصل معاهم كدى .
توسعت عينيها وهي تستمع لكلماته ثم تضرجت وجنتيها بحمرة رهيبة لتنظر للملف قائلة برقة : شكراً .
تنهد قائلاً بعبث : شكراً ليكي علي اللي بتقدميه لشركتي يا رنيمي .
ابتلعت ريقها بتوتر وصمتت ولكنه لم يتحرك من مكانه لتنظر له متسائلة : في حاجة تاني .
نظر لها قائلاً بضيق : أنتِ مسمعتيش اللي قولته .
صمتت لينظر لها بحدة لتجيبه بهدوء خائفة من نظرته : سمعت .
حك ذقنه متسائلاً : وأنا قلت إيه بقي سمعيني كدى .
لا يمكنه إحراجها بهذا الشكل : أستاذ كرم لو سمحت .
أجابها بضيق : بطلى أستاذ ديه بقي متخلنيش اتنرفز عليكِ .
أهو هكذا ليس متنرفزاً ،، هل هذا هدوءه نفضت عنها رداء الوهن المسيطر عليها كلما كانت جواره وحاولت حتي هتفت بقوة : لو سمحت يا كرم بيه وجودك في مكتبي الوقت ده كله وبالشكل ده ممكن يخلى حد يتكلم عننا .
قال بتلاعب : وهو انتِ مديانا فرصة عشان يكون فيه إحنا ،، وبعدين هو أنا بقول بلاش أستاذ عشان تقوليلي يا بيه .
تسائلت تعض شفتيها : حضرتك عايز إيه .
قال بهمس مقترباً منها فتراجعت بانكماش : حضرتي عايز ميعاد مع بابا عشان أقوله أد إيه أنا بحب بنته اللي تعبتني ديه وعايز أتجوزها .
ابتسمت بخجلها الساحر هامسة : حاضر .
أطلق تنهيدة طويلة وهذا كان أول تفاعل منها معه ليجيبها بسرور : لا مش مصدق قولتي حاضر ده أنا قولت هتقعديني جمبك للصبح علي ما توافقي يا شيخة .
تنحنحت بحمرة خجولة منه .. كرجل يحدثها مباشرةً هكذا .. لا بد أن يفهم كم يخجلها الأمر
ولا بد أن يفهم أيضاً أنها لم تكن لتتجاوب أبداً مع عبثه وكلامه المعسول حتي لو كانت نيته صافية حتي يثبت تلك النية ويصبح هناك ما هو رسمياً بينهم .. رفع حرجها عنه وهو يخرج من جيبه كارته الخاص : إدي ده لبابا وخليه يكلمني لو بنته موافقة طبعاً يعني .
ولا بد أن يفهم أيضاً أنها لم تكن لتتجاوب أبداً مع عبثه وكلامه المعسول حتي لو كانت نيته صافية حتي يثبت تلك النية ويصبح هناك ما هو رسمياً بينهم .. رفع حرجها عنه وهو يخرج من جيبه كارته الخاص : إدي ده لبابا وخليه يكلمني لو بنته موافقة طبعاً يعني .
هتفت بتلعثم وقلبها سيخرج من مكانه بعد تلكَ المفاجأت : معايا .. أنا معايا كارت حضرتك .
وضعه بجيبه مجدداً وهو يقف بعصبية لم تفهمها ويتمتم وهو في طريقه للخروج : حضرتك !! برده مفيش فايدة .
ابتسمت بوله تام وخيالات الرومانسية وفراشات الحب تحوم حولها .. فرحة بل تكاد تطير فرحاً وأخيراً أخذ هو تلكَ الخطوة ليريح قلبها .. ليريح مشاعرها التي كانت تخبأها عنه داخل صدرها .
■■■
وصل كرم لمنزل رنيم تصاحبه والدته وعلي ذراعيه باقة ورد منمقة مع علبة هدايا .. يدعو الله أن تمر تلكَ الليلة على خير وكما يتمني فكم بذل مجهوداً ليقنع والدته علي الموافقة وإن مازالت علامات الرفض تحتل ملامحها حتي الأن .. ولكم يتمني حقاً كما أخبر والدته بكل صراحةً أن تحترم رغبته وتحترم حبه لرنيم وتدعمه .
لم يصدق عيناه حين رآها تتهادي أمامه بفستان أبيض تتخلله نقط سوداء كثيرة .. الأبيض كان يليق بها .. كانت ملكة متوجة بالأبيض ! لما لا يراها إلا بالأسود دائماً إذاً .
شعرها وآآآه من شعرها .. آآآه من رائحتها أيضاً التي ملئت صدره بعبقها حين انحنت قليلاً عليه تعطيه قهوته .. بصعوبة منع نفسه من أن يلامس خصلاتها التي تهدلت أمامه وهو يأخذ كوب القهوة قائلاً بعد أن أطلق أنفاسه المحبوسة : شكراً يا سكر .
شعرها وآآآه من شعرها .. آآآه من رائحتها أيضاً التي ملئت صدره بعبقها حين انحنت قليلاً عليه تعطيه قهوته .. بصعوبة منع نفسه من أن يلامس خصلاتها التي تهدلت أمامه وهو يأخذ كوب القهوة قائلاً بعد أن أطلق أنفاسه المحبوسة : شكراً يا سكر .
توسعت عينيها بخجل وهي تجلس جوار والدتها بعد ذلك غير مصدقة ما تفوه بهِ امام عائلتها لربما لأنها نقية لأبعد الحدود فخشيت أن يظن والدها أنها تعطيه وجهاً بالخارج .. لذا نظرت للأسفل خائفة قليلاً ومتوترة من نظرات الجميع خاصةً نظراته هو ووالدته .
قسراً توقف كرم عن النظر لها مُراعياً مشاعر تلكَ العائلة البسيطة وهو يبتسم لوالدها الذي يُدعي رحيم قائلاً بهدوء جاد : لولا نجاح رنيم في مجالنا مكنتش عرفتها أبداً .
أومأ رحيم برزانة وسرور قائلاً : أيوة يا ابني رنيم حكتلي ازاي شوفتو بعض بعد سنتين من شغلها عندك في الشركة .
توترت ملامح كرم قليلاً لا يعلم هل يقصد بذلك ما فعلته أم لا ولكن رحيم قال بعدها موضحاً : رنيم مش بتخبي علينا حاجة ،، ويمكن اللي كان بيحصل من سنتين ده عشان توصل للي وصلتله دلوقتي ،، واحنا مؤمنين ان كل حاجة من عند ربنا خير حتي لو كنا احنا شايفنها شر .
أومأ كرم متفهماً وباعتذار أخبره : أنا أسف يا رحيم بيه أنا لو كان عندي علم باللي بيحصل ليمكن كنت أسمح بأنه يستمر أبداً .
قهقه رحيم وقال برفق ممتنناً : أنا مش رحيم بيه يا ابني ممكن تنادين بعمي أو ببابا زي ما تحب واحنا طبعاً بنشكرك علي اللي عملته مع رنيم .
انتفخ داخل كرم براحة عجيبة وهو يردف ناظراً لرنيم بتسلية : أنا رجعت الحق لصاحبته يا عمي .
ثم تابع طالباً : ندخل في الي جايين عشانه بقي أنا يشرفني جداً جداً جداً أطلب إيد السكر بنتك أقصد رنيم بنت حضرتك .
قهقه رحيم ونظر لابنته التي كانت تتمسك بكفين الصغير اخيها بشدة بخجل والذي كان يجلس جوارها بخجل متمسكاً بها هو الأخر بشدة ،، سألها بهدوء : ايه رأيك يا رنيم يا بنتي .
وأجابته بهمس مرتعشة : اللي تشوفه يا بابا .
وقبل أن يتنهد كرم براحة ويجيب رحيم صدح صوت الصغير الخجول بخوف والذي يُدعي زين وهو يتمسك بيدين اخته بقوة : بابا هتديه ايد رنيم ليه يا بابا .
ابتسمت رنيم بدموع وهي تحتضن أخيها بل صغيرها الأول وكم ود كرم أن يقول أنه لن يأخذ ذراعيها فقط بل سيأخذها كلها ولكنه اكتفي بالتحديق بهِ وبها مبتسماً وتولي رحيم الرد عليه قائلاً : لا يا حبيبي هو ميقصدش أنه ياخد ايديها هو يقصد انه عايز يتجوزها ايه رأيك نخليهم يتجوزو .
نظر زين لاخته قائلاً وهو يزم شفتيه : يعني ايه تتجوزو .
همست رنيم بخجل وهي تناشده أن يصمت : هقولك بعدين .
اومأ الصغير قائلاً ببراءة : طيب أوافق ولا لا .
ضحك الجميع ليقول كرم بتوسل : وافق يا زين باشا وأنا هعملك كل اللي انتَ عايزه .
تذكر زين فوراً بعد قول كرم المشاهد الكرتونية الذي رآها اليوم علي شاشة التلفاز ليقل بخجل : عارفة السمكة نيمو .
تنحنح كرم وهو يقول ببسمة مترقباً : آه عارفها ايه عايز سمكة .
نفي الصغير وهو ينظر لرنيم بخجل قبل أن ينظر لكرم مجدداً قائلاً : لا مش عايز سمكة لأن السمكة مكانها في البحر بس ينفع ترجع نيمو لباباها عشان هي اتخطفت من باباها انهاردة الصبح .
ضحك كرم بقوة وهو يخبره متسائلاً : هي مين اللي اتخطفت نيمو .
أومأ الصغير لتخبره نسمة : حبيبي نيمو ولد يعني نقول عليه هو مش هي .
قال زين بسرعة : ماشي ينفع ترجعه هو لباباه .
أومأ كرم بانصياع : لو وافقت اني اتجوز رنيم هنرجع نيمو لباباه .
انشرح صدر زين وقال بسعادة : ماشي موافق بس هنرجعها امتي .
تنفس كرم الصعداء بعد استمتاعه بتلكَ المحادثة مع الصغير قائلاً بسرعة : في أي وقت يا حبيبي نقرأ الفاتحة بقي يا عمي .
أومأ رحيم مبتسماً وقرأ الجميع الفاتحة بما فيهم زهرة التي كانت تتابع كل هذا الحديث بجزل وداخلها نيران مشتعلة بسخرية فجة من تمثيلهم المتقن علي ابنها الغبي ولكن لم ينطلي عليها هي ذلك التمثيل المبتذل وخاصةً تلكَ الخجولة التي تجلس قي مقابلها وعينيها لم ترفع عن الأرض .. تلكَ التي تعرف جيداً كيف ستتعامل معها في القريب العاجل .
بعد قليل من الوقت وقف كرم قائلاً : ممكن أعمل مكالمة في البلكونة يا عمي .
أومأ رحيم قائلاً لزين ورنيم : ورو البلكونة لكرم يا ولاد .
وقف زين وأمسك كرم من بنطاله ساحباً إياه : تعالي .
حملت رنيم زين بعد أن أدخلاه الشرفة لتقل بصعوبة وهي تنوي الذهاب : اتفضل خد راحتك .
وضع يدهِ أمامها يمنعها عن الحركة دون أن يلمسها فبتلك الأشهر الفائتة عرف جيداً أنها تحافظ علي نفسها حتي لو من تلامساً بسيطاً ،، وقال بجدية : استني بس راحة فين أنا مقولتلكيش لسة ان الأبيض هياكل منك حتة .
ارتعشت خلاياها ونبض قلبها ببراءة مشاعرها فتجيبه بهمس سعيدة فقد خطت تلكَ الخطوة وهي مترددة في ارتداء الأبيض : شكراً .
تنهد قائلاً دون سأم : العفو يا ستي بس ديه الحقيقة .
ثم أكمل بعبثه الرجولي وهو يستند علي السور من خلفه بجسده ليشتد القميص أكثر حول عضلاته وتبتلع هي ريقها ببطئ خائفة أن تفتضح أمامه بسبب تلك الارتعاشات التي تصيب مسامها تأثراً من جاذبيته : بس قوليلي ليه بقي ماسكة في الأسود طالما الأبيض يجنن عليكي كدي .
قالت بخجل : عادي أنا بحب الأسود أكتر .
همهم متفهماً ثم قال بجدية عابثة : عموما الأبيض آه صحيح يجنن عليكي بس من هنا ورايح متلبسيش غيره غير لما نكون لوحدنا طبعاً لكن وانتِ خارجة البسي لونك اللي بتحبيه ده عادى ،، كويس انك مش بتخرجي بيه عشان أعرف أتمالك نفسي يا سكر .
كان هذا كثير عليها وقد أصبحت كتلة حمراء بائنة رغم ظلام الليل لتقل بسرعة : أنا هدخل حضرتك هتعرف ترطع لوحدك أكيد .
قاطع طريقها مجدداً قائلاً بصدمة : ح ايه يا اختي .. لا وحياتك عندي انا قريت فتحتك خلاص يعني من هنا ورايح لا فيه أستاذ ولا حضرتك ولا يا فندم ولا يا كرم بيه فاهمة يا رنيمي .
أومأت بطاعة قبل أن تتركه وتدخل حتي لا يغشي عليها من فرط خجلها تاركة إياه يُجري مكالمته إن كان يوجد مكالمة عليهِ إجرائها بالفعل .
#يتبع