الفصل السابع - شهاب قاتم
الفصل السابع
في مساء نفس اليوم..
رجع يجر أرجل الخيبة ينزف كالمطعون بسكين لم تُنتشل من جسده بعد.. لماذا يحدث له كل ذلك؟ وكأنما اتفقت المقادير على ألا يتركوه منتصراً أبداً..
زوجة وابن؟ هذا ما كان ينقصه..
"بشمهندس.. الورق اللي معاها مظبوط، ولو الموضوع وصل للمحاكم موقفك قدام الناس وسمعتك مش هاتكون احسن حاجة، أنا رأيي إنك تتفق معاها بالتراضي على جزء من الورث افضل من إنها تشاركك في الشركة" حدثه المحامي بمنتهى الجدية بينما لم ينبس شهاب ببنت شفة وأستغرق في التفكير
"حضرتك معايا؟" ناداه المحامي بعد أن لاحظ شروده
"معاك.."
"طيب حضرتك تحب تـ.."
"أنا عايز معاد مع الست دي" قاطعه بهدوء دون أية مشاعر ولا حتى ملامح تأثر حتى ارتاب المحامي أنه يعرف بالأمر مسبقاً
"هو أنت كنت على علم بجواز والدك الله يرحمه؟"
"خدلي معاد معاها، هي والمِتر بتاعها، ولو حابب تيجي مافيش مشكلة.. بس ياريت يكون برا الشركة" لم يلق بالاً إلي ذلك السؤال الذي استمع له من المحامي ليمط الرجل شفته في تعجب "أنا هاحل كل حاجة معاها بالتراضي.."
"خلاص، اللي تشوفه" هز الرجل كتفاه
"ابقى أكد عليا بالمعاد.." أخبره ثم توجه خارج مكتبه ليغادر.
رياح تلك العاصفة لم تكن سوى رياح إعصار مقحف، اشتد بضراوة ليأتي على أعتى ما شيد من جبال بداخله لوالده ويزعزه كنبته وليدة لم يتأصل جذرها بعد..
ما الذي فعله كي يطعنه والده بزواج وابن آخر؟ أكان سيئاً إلي مثل هذا الحد؟ لقد فعل ما لم يُطلب منه، لقد كان هو السبب في تشييد هذه الإمبراطورية، لم يتنصل منه ولم يتركه بل وكان أهم أسباب هذا الثراء الذي يريد الآن أن يُلقي به لإمرأة وطفل!
دارت الأفكار بعقله كثيراً، أهناك أخ له؟ ابن كرم الدمنهوري؟! أذهب به لأفضل المدارس؟ أأغدق عليه بالأموال ببذخ؟ أجعله يعيش بترف من أصل أموال شهاب؟ أكان عليه حقاً أن يستبدله بطفل آخر؟ لماذا فعل به ذلك؟
أمسك بكفاه مؤخرة عنقه بعد أن خلل شعره بعصبية شديدة وهو يجوب منزله دون توقف وقد تملك الأدرينالين من عروقة ليُنسيه النوم والراحة التي كان يفتقر لها طوال صباح اليوم!
أطلق زفيراً في حنق وضم شفتاه المرتجفتان ثم طاح بأحدى يديه بالمحتويات التي تعتلي مكتبه ثم ذهب ليركل كل ما أستطاع من أثاث ليلهث بشدة عند توقفه بالنهاية بعد أن بدت الغرفة كمُخلفات قصف ناري على احدى القرى المُحتلة من استعمار مخزي دام لسنوات وانتهى اليوم بدمار تلك اللمحات الجيدة المتبقية بداخله لوالده!
أيظن الجميع أنه سيصبح الخاسر بالنهاية؟ والدته، بدر الدين وعائلته؛ غادة! وحتى تلك المرأة التي لم يرها ولم يسمع عنها بل ولم يلاحظ وجودها بحياة والده تظن أنها ستتغلب عليه؟
يبدو وأنها ساذجة، سيلهو معها قليلاً وسيرى ما إن كانت تستحق أم لا! ثم سيفاجئ الجميع بأنه الأذكى، الأفضل، والوحيد الذي على الجميع أن يفكروا آلاف المرات قبل أن يعبثوا معه..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"جرا إيه يا ابن الكلب ما تهدى، مش ممكن بوزك انت وهي شبرين من ساعة الغدا.. ما تهمد!" ضربه بخفه على ذراعه
"يعني عاجبك يا بابا حركاتها دي" حدثه سليم بإنزعاج
"يا واد مش كده بالراحة.. خايف عليها من الزفت التاني يبقى تلعبها صح"
"يادي النيلة.. يالا اديني درس في العلاقات"
"ما هو طول ما أنت بعصبيتك دي مش هتعرف تلعبها صح، خد الخبرة من أهل الخبرة بقى واسمعني"
"أهلاً!" تحدث بتهكم "اتفضل يا بدر باشا"
"قولها طب لما نرجع من السفر، لما اشبع منك شوية، طب افرضي هاتجبيلنا نونو بدر يدلعه هابقى قلقان عليكي.. شوية سايس فيها لغاية ما نشوف آخرتها معاه إيه وساعتها بقى إنشالله تفتح شركة، بطل تبقى غشيم يا واد مش كده" ابتسم له ليعقد سليم حاجباه في إنزعاج
"دي دماغها ناشفة وهتفضل تزن تزن لغاية ما نوصل برضو للي حصل من شوية"
"يالهوي عليا وعلى دماغك يا ابن ليلي.. قوم ياض اسمع الكلام وقولها إنك هتسيبها تشتغل بس بعض كام يوم حلوين مع بعض.. صالحها وخدها كده بالهداوة وهي مفيش احن ولا اطيب منها! وحسك عينك اسمع إنك عليت صوتك عليها.. فاهم ولا أفهمك بالعافية"
"يووه بقا يا بدر"
"قوم بدل ما أقوملك واخليك قدامها شبه الكوز.. اسمع الكلام يالا!"
"حاضر" زفر ثم نهض بملامح ممتعضة ليُتمتم "شكلي كده لازم أعيش أنا وهي بعيد عن البيت ده"
"بتقول حاجة يا حيلتها؟"
"سلامتك يا حاج" صاح وهو يبتعد ليبحث عن زينة حتى يحاول إصلاح الأمر..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"حبيبتي هو خايف عليكي، ده غير إنك عارفة هو عصبي ازاي"
"يا طنط بس مش كده، يعني ايه يقولي غبية" عقدت ذراعيها لتتحدث لنورسين بحنق
"زوزا.. اخد انهو فستان، ده ولا ده؟" قاطعت سيدرا حديثهما
"خدي الاتنين يمكن تحتاجي تبدلي" ابتسمت لها بإقتضاب ولا يزال جدالها مع سليم لا يغيب عن عقلها
"طيب بصي بقا لو قولتي طنط دي تاني وشغل الأدب السامي ده أنا هازعل منك، ولا عايزة تحسيسيني إن عجزت"
"والله أبداً"
"يبقى خلاص.. نور وبس.. اتفقنا؟"
"حاضر يا نور"
"ولو عايزة تنرفزي خالو قوليلي يا نوري قدامه" غمزت لها بمزاح لتبتسم لها زينة
"آه ما سليم قاللي على اللقطة دي"
"صايع برضو، حافظ بدر صم ابن الإيه" ابتسمت زينة وكذلك نورسين لتعود نورسين لحديثها معها
"حلو ولا صايع؟" قاطعتهما سيدرا مرة أخرى ليلتفتا لها ظناً منهما أنها تشترك في الحديث بينما كانت تأخذ رأيهما في ملابس البحر
"اخوكي لو شافك بالمايوة ده وأدهم بيه كمان موجود هيعمل من فخادك بتاتيس.. اتلمي وخدي واحد عادي يا سيدرا لو مكونتيش عايزة يتنكد عليكي يا حبيبتي" اجابتها نورسين
"يووه بقى" تمتمت بحزن
"سيبك منها وركزي معايا.. دي هتاخد رأينا في المانيكير والتوك والميكب ومش هانخلص" حدثتها نورسين لتبتسم زينة "اوعي وحسك عينك تطلعي مشاكلك انتي وسليم لحد، حتى أنا وخالو.. إلا بقى لو الموضوع بقى كبير ومبقاش ينفع يتسكت عليه.. ساعتها هتلاقينا في ضهرك قبل سليم.. إنما لو من أول مشكلة طلعتي خصوصياتكوا بره عمرك ما هترتاحي يا زينة"
تريثت زينة وهي تُفكر في كلمات نورسين بمنتهى الهدوء لتجدها واقعية ومنطقية للغاية لتتابع نورسين حديثها
"طب دي مشكلة علشان الشغل، ومرة علشان متعصب عشان مش عارف إيه، ومرة كمان علشان مش عارفين تتفقوا، ساعتها سليم مش هيرجع يبصلك نفس البصة بتاعة زمان" سكتت لتنظر لها زينة في تعجب
"سليم بيحبك أوي يا زينة، شايفك أقرب حد ليه بعد بدر، شايف إنكو اتخلقتوا لبعض وإن محدش بيفهمه ولا بيسعده قدك، تفتكري لو فضلتي تطلعي مشاكلكم بره ده مش هيجيب زعل ما بينكم؟"
"عندك حق" همست في تفهم
"بقولكوا إيه! اخد جاكيت ولا مش هاسقع اوي؟"
"يا بنتي بقى اهمدي انتي ناطة كده في الحوار، سيبيني اقول كلمتين للبنت"
"يعني خلاص.. بتتكلموا في الإقتصاد الدولي.. ما حوار وهيعدي.. وطول عمر سليم بيموت فيها ولو عملت إيه هيتصالحوا"
"شوفتي القر جاي منين" همست لها نورسين لتضحك زينة بخفوت
"سولي بقولك" صاحت بنبرة مرتفعة قاصدة أن تُنبه والدتها وكذلك زينة بأن سليم قادم "اخد جاكيت ولا الجو حلو"
"خديه احتياطي يا سيدرا"
"بقولك إيه.. ادخل صالحها هتيجي سكة معاك" همست له بخفوت ليومأ لها بأنه يعلم لتغمز هي له
"حبيبيتي يا أختي وربنا" عانقها لتصدح هي بضحكتها
"آه يا جزمة.. عايزاكي تغيري.. قومي ياختي شوفي جوزك" همست لها نورسين وهي لا تصدق أنها هي من تتحدث هكذا عن ابنتها لتنهض وتتجه نحوه وكذلك فعل سليم الذي ترك سيدرا للتو
"بقولكوا هو المفروض اخد معايا حـ.."
"تعالي يا سيدرا واحنا هنحضر الشنط" قاطعتها والدتها وهي تجذبها بخفة لتسير معها
"استني بس يا مامي عـ.."
"يا بنتي اتلمي بقى وسيبيهم شوية سوا" قاطعتها هامسة لتنظر لها بزرقاويتين مُحذرتين
"طيب" تمتمت لتذهب معها
"أنا آسفة.. مكنش ينفع احكيلهم كده" أخبرته بنظرة أدرك من خلفها أنها تعني ما تقول
"وأنا آسف، مكنش ينفع أتعصب عليكي كده" جذبها ليعانقها فعانقته هي الأخرى "حقك عليا" همس بأذنها لتتفقد وجهه
"إيه رأيك اشتغل معاك زي زمان؟" نظرت له بدلال وزرقاويتين متوسعتين
"هنشوف الموضوع ده.. بس كده مش هاعرف أشتغل.. هنقضيها سفالة" همس لها بخبث لتصدح ضحكتها
"أيوة يا سيدي الله يسهله" صاح بدر الدين الذي مر على مسافة منهما لتشعر زينة بالخجل
"أنا بقول نشوفلنا اربع حيطان يلمونا بدل القاعدة هنا"
"بتقول حاجة يا حيلتها؟" صاح والتفت إليه ولم يُكمل طريقه
"بقول احلى حاجة القاعدة مع بدر هنا"
"منور يا حيلتها" ضحك كلاهما بخفوت ليُمسك سليم بيدها ثم توجها لغرفتيهما سوياً حتى ينفردا ببعضهما البعض قليلاً..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"بابا" نادته فيروز بهدوء ووالدها جالساً بغرفة الجلوس يقرأ كتاباً
"تعالي يا حبيبتي" التفت نحوها مبتسماً
"ينفع اتكلم مع حضرتك شوية؟"
"آه طبعاً يا سلام.. تنوريني"
توجهت لتجلس جانبه وقد لاحظ والدها ملامحها التي تبدو وأنها ليست بخير ليشعر بالقلق فربت على ظهرها في حنان
"مالك يا حبيبتي فيه إيه؟ انتي كويسة يا فيروز؟"
"لا يا بابا مش كويسة خالص" اخبرته في وهن لتنهي جملتها بنحيب شديد ليعانقها هو وأخذ يُربت على ظهرها لتجد الكلمات بعدها تنساب منها دون شعور..
"كان لازم ده يحصل.. كان لازم تواجهي" أخبرها والدها وهي لا تزال تحتضنه
"بس اللي ضايقني يا بابا إن كان قدام واحد غريب"
"بس حصل، وأنا متأكد دلوقتي إنك ممكن تروحي هناك تاني وتالت ورابع، ومحدش عارف، رب صدفة خير من ألف ميعاد" لاحظت أن والدها لا يأتي على ذكر شهاب
"أنا لولا الورق والشك اللي شوفته في عينيه مكنتش هروح، تفتكر يا بابا هاقدر؟" ارتفعت برأسها لتنظر بملامح والدها ليبعد عنها قليلاً في هدوء
"الموضوع صعب، صعب أوي يا فيروز" شعرت بقليل من الراحة لبداية تحدث والدها إليها بالأمر وخاصة أنها أغفلت عن ذكر التفاصيل الجنسية وكذلك العديد من التفاصيل الأخرى كتشخيص الحالة وتجارته المشبوهة وعلاقته بغادة! فقط كان يكفي أنه مريض وهناك من يريد مساعدته فطلب منها المساعدة..
"أنا عارفة إنه صعب، بس أنا عندي أمل"
"والله مش عارف أقولك إيه! أظن انتي عندك خبرة كافية إنك تتعاملي مع الـ patients (مرضى) ده انتي حتى اتعاملتي مع قتالين قتلة ودي حاجة أنا معملتهاش" أخبرها بإبتسامة لتبتسم فيروز بفخر وهي ترفع احدى حاجبيها "بس اهم حاجة إنه يصدق فعلاً إنه عنده مشكلة ومحتاجة تدخل من اخصائي"
"متقلقش يا بابا"
"أنا شوفته، هو شكله إنسان محترم، بس معرفش حالته كاملة علشان اديكي رأيي، وعموماً لو احتاجتيني في حاجة أنا تحت أمرك يا ستي"
"تسلم يا دكتور.. بكرة اجي اقولك إني عملتله format وبقى مية مية" غمزت له في مزاح
"إيه يا بنتي format إيه.. قومي يا بنتي نامي"
"إيه يا دكتور الكلام لا يليق ولا إيه؟" غمزت له مجدداً ليضحك لها
"أيوة كده يا فيروز، عايز أشوفك بتضحكي تاني.."
"يا سلام، عيوني يا احلى بابا في الدنيا"
"وهاعمل نفسي مش واخد بالي بس بقالك كتير مبتتمرنيش.. نسيتي النادي واصحاب النادي ولا إيه؟"
"لسه والله كان الموضوع في بالي وبقول عايزة ارجع تاني"
"طيب يالا، ول حبيتي نروح سوا أنا معنديش أي مانع"
"ربنا يخليك ليا يا بابا وميحرمنيش منك" أقتربت منه لتعانقه فبادلها وربت عليها في حنان
"يالا أنا هاقوم أنام علشان عندي بكرة مواعيد بدري والوقت أتأخر" نهض من على الأريكة وهو يُحدثها
"تصبح على خير يا دكتور"
"وأنتي من أهله يا حبيبتي" نهضت فيروز ثم ذهبت لتطفئ الأنوار وبعدها ذهبت لغرفتها وهي تشعر بالتحسن بعد أن تحدثت لوالدها وجلست على سريرها لتتفقد الساعة التي عبرت الثانية عشر صباحاً لتتنهد وسحبت يومياتها من أسفل الوسادة ثم أمسكت بالقلم الذي وضع بداخله وعدلت من جلستها ثم شرعت في الكتابة
"12 أغسطس 2019
وحشتني يا ماهر أوي، والنهاردة افتكرت كل حاجة حلوة جمعتني بيك، افتكرت حاجات كتيرة اوي، اول مرة روحنا البيت، ليلة فرحنا، يوم ما قولتلك إني حامل، وآخر ليلة لينا مع بعض!
أنا منستش أي حاجة ولا عمري هاقدر أنسى، بس اللي خوفني من نفسي اوي إني انهرت قدام واحد أنا معرفهوش.." جففت احدى دموعها ثم عادت لتتابع
"تفتكر يا ماهر هاقدر أكون كويسة بعدك؟ تفتكر هاقدر أكمل؟ وتفتكر هاقدر على شهاب؟! التعامل معاه صعب اوي، ده تقريباً مبيحسش خالص ولا جواه شفقة حتى.. أنا بعد اللي حصلي النهاردة قدامه أي حد في الدنيا كان ممكن يحاول يبين مشاعر حتى لو بيكدب، لكن ده كان حجر!" كتبت تلك الجُملة ثم وجدت نفسها توصد الدفتر وشردت بواحدة من أصعب اللحظات التي مرت عليها بحياتها بأكملها، وكانت اليوم!! أمام شهاب..
"اشمعنى هو؟ اشمعنى هو من بين كل زمايله؟ ليه موتوه؟" شعرت بقلبها يتمزق لأشلاء ولكنها تابعت ولم تكترث لتلك النظرة الجامدة بعينيه
"ليه مفضلش معايا؟ ليه بعد ما بقت كل حاجة خلاص بقت حلوة، كنت حامل، وهو اترقى في شغله، ليه ياخدوه مني بعد كل ده" استمر بكاءها المرير ليزيد هو من عقدة حاجباه ولكنها لم تعلم ما الذي تفعله!! لم تعلم بما ذكرته! ولم تعلم أنه فقط الآن وجد شخص يتذوق مثل ذاك العلقم الذي دامت مرارته إلي اليوم ولا يستطيع تغير مذاقه بفمه إلي الآن! وكم شعر بالتشفي فقط لإدراكه أن هناك من يعاني مثله!
لم يُصدق وقتها أنها قامت برفضه للتو، لا يُصدق أن بعد أن ابتسمت الدنيا بأكملها إليه تأتي من يعشقها قلبه لتبتر تلك الإبتسامة ليحل محلها آلم مدقع لا ينتهي..
يستحيل أن تكون هذه غادة، يستحيل أنها من أخبرته بمثل هذه الطريقة أن هناك علاقة بينها وبين هيثم، سيحاول معها اليوم مرة أخرى!
ظل منتظراً إياها طوال اليوم وهو يتابعها من بعيد حتى كادت أن تقود سيارتها لتغادر ولكنه هرول نحوها في رعب يتفاقم بداخله من إن رفضته مجدداً.. ولكنه سيوضح لها كل شيء الآن حتى يُقنعها بالإستمرار معه..
"غادة.. استني ارجوكي" همس ليوقفها وهو يتحدث بصعوبة لتتآفف هي ونظرة إليه نظرة غير مُرحبة بتاتاً
"عايز إيه يا شهاب؟"
"غادة أنا لسه بحبك.. وعندي استعداد أعمل أي حاجة علشانك.. أنا حتى كسبت فلوس كتيرة اوي وممكن.. يعني.. اللي انتي عاوزاه هاعمله، ولسه فيه فلوس تاني هـ.."
"كسبت كام مثلاً؟ عشرة مليون جنيه!" قاطعته بلهجة ساخرة
"لأ.. حوالي.. ستة مليون جنيه و.."
"بقولك إيه! عارف العشرة مليون جنيه دول ميجوش ربع حساب بابي في البنك، احنا كنا اصحاب وانت ساعدتني.. مش مشكلتي إنك حبتني وأنا ياما ناس أُعجبت بيا.. عادي زيك زيهم" قاطعته لتختفي حدقتيه خلف كتل من الدموع التي لا تزال أسيرة بين جفنيه
"بس أنا هاقدر أسعدك و.."
"أف بقى.. أنا بحب واحد تاني.. بحب هيثم، خلاص ارتحت! خلي عندك كرامة بقى وبطل شغل جنون، مبحبكش يا شهاب، أنت بالنسبالي زميلي" صرخت به لتقاطعه
"بس قولتلك إني بحبك وقربت منك و.."
"أوف! أنا مش هاخلص بقى ولا إيه؟" قاطعته وهي تضرب بحذاءها الأرض أسفلها في نفاذ صبر
"حبيبتي.. انتي لسه هنا؟!" آتى هيثم وبدا متفاجئاً في البداية
"آه يا حبيبي كنت مروحة اهو"
"طيب فيه حاجة ولا إيه؟" سألها بينما كان ينظر لشهاب الذي لم يستطع تمالك تلك الدمعة المباغتة التي هبطت على وجنته
"يا عم سيبك ده واحد مجنون" تحدثت في سخرية وهي تضحك ثم جذبت هيثم من يده وولت ظهرها لشهاب "قولي بقى هتجيلي الساعة كام النهاردة؟" حاوطت عنقها بذراعه ليشاهدهما شهاب في حسرة وقد تآكله الغضب ليجد نفسه تلقائياً يتحدث إلي وليد
"أنا موافق!"
عاد من تلك الذكرى المُقيتة ليجد نفسه مستنداً على سيارته أمام ذلك المنزل الذي لا يأتي إليه سوى عندما يُريد أن ينفرد بنفسه فتنهد وتفقد الساعة ليجدها أصبحت الواحدة صباحا فتوجه بكسل نحو المنزل ليدخله ثم وصد الباب وبعدها طبع أرقام الكود السري وبدأ يخلع ملابسه ليُلقيها أرضاً شيئاً فشيء..
توجه نحو الغرفة الرئيسية ليدلف الحمام وترك المياة الباردة تنساب على جسده ووصد عيناه وهو يُفكر لماذا اليوم يبدو كريهاً للغاية هكذا..
حاول ترتيب أفكاره، ليتذكر أمر بدر الدين ليزفر أسفل المياة في حقد شديد، ثم ذهب عقله ليُفكر بين زوجة والده تارة، وبين تلك المرأة فيروز التي لا يعلم بعد ما خلفها، بدت صادقة للغاية ولكنه فقد سيطرته على مشاعره أمامها، تنتظر النساء عناقاً أو كلمات معسولة في مثل تلك المواقف.. وهو بمنتهى الغباء لم يبادر بأي منها، فقط كل ما فعله كان تفقده للوقت بمنتهى الجدية ثم سألها عن الأوراق!
"الورق فين؟" ازدادت عقدة حاجباه لتعود فيروز إلي أرض الواقع
"أنا.. أنا آسفة" همست بصعوبة بالغة بين شهقاتها التي تخلفت على بكاءها ثم مشت في وهن صوب خزانة الملابس لتُخرج بإيدٍ مرتجفة من صندوق خشبي مُثبت بالداخل بعد أن فتحته بمفتاح أسود صغير ملف شفاف ثم التفتت وهي تعطيه إليه..
"الورق اهو.. ياريت تبلغني امتى حابب تبتدي وإذا كنت موافق ولا لأ!" حدثته دون أن تنظر إليه ليتفحصها هو بنظرات قاسية ولا يزال لا يكترث لمشاعرها ثم تفقد ما بالملف ليجد أن الورق وتاريخه يبدوان صحيحان ومنطقيان..
"يالا.." أخبرها لتتبعه هي في صمت ولا تدري لماذا لم تواجهه ولا حتى لم تتحدث إليه
"قسماً بالله غبية، ده أنا مش دكتورة لأ! عيلة في تمهيدي وربنا" تمتمت بعد أن تذكرت ما حدث لتنهض جالسة القرفصاء على سريرها لتزفر في غيظ "ازاي كنت هبلة كده، أبو الطيبة والسذاجة!" تحدثت إلي نفسها ثم تابعت "وأهو الزفت النوم طار من عيني.. خليني بقى مرزوعة كده للصبح ولا لحد ما سي زفت ده كمان يحن ويرد عليا! جته نيلة"
هزت رأسها في سخرية وتهكم عندما تذكرته
"الورق فين!" تحدثت لتقلد نبرته العميقة "جتك القرف فيك وفي شاكلك.. رخم.. كلكيعة رخامة" زفرت في ضيق ثم نهضت لتجوب غرفتها وهي تُفكر بخطوتها القادمة معه متى ستكون، بل وكيف ستكون، وربما ستتشبث بجملته وإرادته المُزيفة بأن يكونا أصدقاء "أنا اصاحب واحد زيك.. جتك البلا"
تمتمت في إنزعاج ثم اطنبت التفكير لتجد نفسها تتوقف بمنتصف الغرفة لتلك الإبتسامة التي ارتسمت على شفتاه بعد أن لاحظتها بطرف عينيها، نوعاً ما كان يبدو صادقاً
"معلش معلش.. ممكن تركن هنا ثواني؟" صاحت بالسيارة فجأة وهي تلتفت إليه ليحاول هو السيطرة على ما تبقى من أعصابه
"آه طبعاً" اجابها بلباقة ليجدها تعبث بمحتويات حقيبتها إلي أن أخرجت كل ما معها من اموال ثم ترجلت من السيارة بخفة ثم عادت إليه مرة أخرى
"تعالى تعالى ده راجل طيب اوي" أخبرته وذهبت مسرعة ليتعجب في البداية ثم تابعها بعينيه ليزفر في ضيق وترجل هو الآخر وتبعها في هدوء عكس هرولتها ليجدها جالسة أرضاً بملابسها دون اهتمام أمام رجل طاعن في العمر ويبدو أنه كفيف لا يرى ولكنه جلس على ما يشابه حجراً عملاقاً
"عم جابر.. وحشتني اوي"
"انتي مين يا بنتي؟"
"كده بردو يا عم جابر، أنا فيروز بنت احمد عبد الحي"
"الدكتورة بنفسها، ياااه، فينك وازيك يا بنتي عاملة إيه؟ وحشتيني يا فيروز"
"وأنت أكتر يا عم جابر، طمني عليك أحوالك عاملة إيه؟" حدثته بنبرة مرحة ليبتسم الرجل في وهن
"زي ما انتي شايفة يا بنتي، خلاص البصر راح ومعدش فيها قد ما مضي"
"يا راجل يا عجوز أنت زي الفل اهو" أخبرته وهي تدس في جيبه بهدوء دون أن يلاحظ كل ما كان معها من أموال "واديني جيتلك وشوفتك وهاجيلك على طول بعد كده" أخبرته ثم التفتت إليه لتذهب ابتسامته بسرعة ويحل محلها وجهاً صارماً
"هستناكي يا بنتي، وسلميلي كتير على والدك"
"يوصل.. قولي يا عم جابر بجد مش محتاج أي حاجة؟"
"الحمد لله يا بنتي في نعمة.. ابقي بس عدي سلمي عليا"
"عيوني يا راجل يا طيب.. وانت ادعيلي على ما اجيلك تاني"
"دايماً بفتكرك وبدعيلك وربنا العالم"
"تسلملي يا عم جابر، هستأذنك علشان ورايا مشوار"
"اتفضلي يا بنتي"
نهضت بخفة وشعرت براحة غريبة بعدها والإبتسامة لم تغادر شفتيها بينما يتطلعها شهاب بين الحين والآخر دون أن تلاحظ أو هي من تركته ينظر إليها
"ده عم جابر، كان بياخد باله من المسجد هنا من زمان، ولما كبر ونظره راح أهل الحتة عملوله الأوضة دي جانب الجامع، معندوش ولاد وعمره ما اتجوز، وكل الناس هنا تعرفه، أنا بحبه جداً وبرتاح لما بطمن عليه من وقت للتاني" أخبرته ليهمهم هو ولم يعطها أكثر من تلك الهمهمة كتعقيب لتدرك هي بداخلها أنها لن تستسلم بينما ازداد هو تعجبه، من هذه المرأة وما ورائها!
أهي صادقة أم تدعي؟ ماذا تريد من كل ما تفعله؟
هي لا تجذبه إليها مثل بقية النساء ولكن ما تفعله لا يجذب رجلاً! أم هذه طريقة جديدة يتبعنها هذه الأيام؟!
ظل يسأل نفسه كثيراً ولكنه لم يجد أية إجابات.. حسناً سيُراقبها.. وسيعمل كذلك على إتمام تصميم تلك المستشفى.. إمّا أثبتت له صدق نواياها وإما سيكتشف أنها كاذبة.. ووقتها لن يتوانى في أن يُمثل بجسدها حتى لو وصل الأمر لقتلها!
وصد المياة ثم جفف جسده ليُلقي بالمنشفة أرضاً وتوجه لسريره يجر قدماه في إرهاق شديد ليُلقي بجسده فوقه ثم توسد ذراعه غير مكترثاً بمواعيد الغد ولا بعد الغد.. سيؤجلها بالصباح.. سيعمل فقط على هذا التصميم أولاً، سيرى ما خلف تلك المرأة ذات الحدقتان اللتان لا يعلم ما لونهما، ثانياً زوجة أبيه العاهرة.. بالطبع هي عاهرة لتتزوج رجلاً في سن والده.. ثم سيختتم بالنهاية أمر بدر الدين..
سينتقم، حتماً لا محالة سيفعلها، ولكن عندما يستيقظ.. فلقد كانت الأيام الماضية مُرهقة للغاية وخاصة اليوم!
ولكن لماذا ذلك الإرهاق اللعين يذهب ويحل محله الأرق عندما نحتاج للنوم؟!
زفرت فيروز في ضيق شديد وتفقدت الوقت لتجد الساعة عبرت الثانية والنصف صباحاً لتلعن عقلها الذي لا يتوقف عن التفكير في الأمر برمته وتحليل نظراته وكلماته القليلة وإبتساماته الخادعة وتصرفاته التلقائية المُجردة من المشاعر، لغة جسده التي تفضحه وهو لا يلاحظ أنها تراقبه.. لقد أرهق عقلها من كثرة التفكير!!
"الله يحرقك بجاز" تمتمت ثم جذبت الوسادة فوق رأسها وهي تُخرس عقلها وتتوعد له أشد الوعيد إن لم يتوقف عن التفكير ويتركها تذهب في النوم والحصول على قسط من الراحة سوف تُهلكه بمنوماً لن يستطيع الصمود أمامه!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
بعد مرور أسبوع..
صباح يوم الأثنين .. 19 أغسطس 2019
استيقظ أخيراً بعد أيام عكف فيها على إنهاء التصميم لهذا المستشفى الضخم الذي سيسلط عليه جميع الأضواء بهذا المجتمع السخيف الذي يُصدق كل شيء بسهولة.. ليس لأنه اقتنع بالفكرة ولا ليس لأنه يُشفق على تلك المرأة ولا متأثراً بما أخبرته من ترهات ولكن هو المستفيد الأول بالنهاية..
إمرأة مثلها، بإعتبار أنها ستكمل معه ذلك المشروع الطبي الضخم ماذا ستكون نهايتها؟ دفينة بين إدارة المشفى! أم ستقوم بإنشاء قسم لإكتئاب ما بعد الولادة..
ابتسم في سخرية ثم نهض لصنع بعض القهوة ليأخذها وتوجه لتلك الغرفة المليئة بأدوات لطالما استخدمها عند إنشاءه لتصاميم جديدة ومهمة ليقف أمام ما صممه وهو ينظر إليه بمنتهى الزهو والراحة.. بالرغم من أن تلك المرأة ظنت أنها ستخدعه وستتملك منه بحيلتها السخيفة، ولكنه قد استعاد شغفه مرة أخرى بإنهاء تصميماً لا يوجد بالعالم بأكمله!! فريداً من نوعه ولا يستطيع أحد بالحياة أن يصمم مثل ذلك التصميم الرائع سوى شهاب الدمنهوري وحده!
أتظن أنه كان ليترك والدته أن تجبره على العودة إلي حياتها بتلك الطريقة الغبية! أتظنه لا يزال ذاك الطفل الصغير المتعلق بها ويظن الحياة بعدها ستنتهي؛ هيهات!
فقط بمراقبتها عدة أيام اكتشف بمنتهى السهولة علاقتها بوالدته واخته وكذلك اخيه! يا لها من غبية، أكانت تظن أنها ستجمع ذلك العقد المفروط ليسعد الجميع! ساذجة! وبشدة!
لم ينس ثمار يوم الجمعة الماضي عندما ذهبت إلي منزل والدته، وقتها اكتشف كل ما كانت تخفيه وبمنتهى السهولة..
أمّا عن تلك الأفعى التي تظن أنه سيدعها تأخذ نصيباً من أمواله فسيدهسها حتى تزهق روحها!! سيجعلها تظن أن لها حظاً فيما ترك والده ثم ستفاجئ بالنهاية أن كل ما أوشكت على الوصول إليه كان مجرد سراب.. بالإضافة إلي أنها ليست أموال والده، بل أمواله!
أظنت أنه ساذج مثل والده، سيقتنع بتلك الفقيرة وسيشفق على حالها هي وابنها ليُعطيهم المزيد من الأموال.. لا تعرف بعد من هو ولا تعرف كيف جمع تلك الأموال، لا تعرف أنه قتل من قبل وليس لديه أدنى مشكلة أن يقتل مجدداً إذا تعلق الأمر بالأموال!
تفقد هاتفه لينظر بإستمتاع إلي احد صور زينة وذلك الفتى المزعج سليم بأحد الدول الأوروبية ليبتسم بتهكم ليتمتم في سخرية لاذعة
"اتبسطولكوا يومين.. هانت"
نال قسطاً من الراحة، أنهى تصميماً لن يضاهيه احد في إبداعه، عرف كل ما كان يود معرفته..
والآن عليه العمل..
بمن يبدأ!! ربما فيروز! أمرها هين وسيتخلص منها بسرعة شديدة بعد أن يضعها في مكانها الطبيعي كأي إمرأة..
عليه أن يستعيد نشاطه، سحره وجاذبيته، وقريباً سيملك أكثر من إمرأة ليضاجعها بمنتهى الإنتقام، ولكن بمن يبدأ، عاهرة، فتاة شهيرة، فيروز، أم زوجة ابيه! سيرى وقتها..
علم أنه لم يذهب ليتمرن منذ كثيراً من الوقت، كان عليه ألا يُفرط في ذلك، كما أنه اليوم لن يذهب للصالة الرياضية ليبدد غضبه، بل سيذهب لرؤية الناس، سيستمتع، وسيكسب نظرات مفتتنة به وبلياقته وكم يروقه ذلك حقاً!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
لقد تزوجا إذن.. ولقد سمحت لهما والدتها هديل!! وحتى إياد وأسما قد تمت خطبتهما! يا للسخرية! أهذه من كانت لا تكره أكثر من بدر الدين وشاهندة الخولي.. الآن تزوج زينة إلي سليم وتقوم بخطبة أسما إلي إياد.. ماذا أيضاً تخبئه هديل؟
لن تستطيع فعل أي شيء بجلستها بالمشفى هنا.. تلك المهدئات اللعينة التي يحقنوها بها تجعلها نائمة طوال الوقت، عليها قريباً أن تخرج من بؤرة الصمت التي تدعيها وتبدأ في قول بعض الكلمات مع إدعائها الذي سيستمر بالشلل..
الآن الجميع ينظرون إليها مثل زينة أليس كذلك؟ نوبات الصرع والبكاء والتظاهر، كل ذلك يأتي بثماره مع تلك العائلة الغبية..
يا لكِ من أفعى! أهكذا استملت إليك قلب الجميع؟ لنلعب لعبتك إذن وسنرى ما إن آتت بثمارها!
"أروى يا حبيبتي.. كلميني.. قولي أي حاجة.." أقتربت منها هديل وهي تلامس يدها في حنان وقد كادت أن تلتفت إلي والدتها لتصرخ بها أن تكف أو أن تذهب لأي لعنة بعيداً عنها ولكنها تحملت وهي تقنع نفسها بمزيداً من الصبر!
"طيب.. قوليلي مين عمل فيكي كده وأنا اجيبهولك زي الكلب قدامك.. مين اغتصبك يا اروى، إيه اللي حصل يا حبيبتي؟" همست هديل ببكاء وهي تنظر إلي ابنتها التي لا تتغير ولا تستجيب لأي من كلماتها ولكن دون علم من هديل أنعشت الذكريات بعقل أروى التي صرخت حرقة وبكت بمرارة شديدة لتذهب هديل وتستدعي الطبيب!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"يا بنتي اترزعي بقى خيلتيني" تحدثت هبة بسأم
"مش.. أحسن ما اكون.. قاعدة باكل زي البقرة" أخبرت صديقتها بلهاث بعد أن انتهت من عدوها وارتمت بجانب صديقتها لتجلس في إرهاق
"جعانة ونفسي مفتوحة اعملكوا إيه يعني"
"ماشي ياختي.. كله علشان البيبي.."
"البيبي ده شكله كده هيجنني.. مش كفاية ابتدى من دلوقتي اهو بقيت قد الخرتيت بسببه ولا بسببها" أخبرتها متصنعة الحزن
"يا حبيبتي ربنا يقومك بالسلامة ويتمملك على خير.. هاتيلنا أنتي بنوتة جميلة وأنا هاربيها وروحي انتي خسي بعدها" ابتسمت إليها بصدق
"اهو كلام.. ووقت الجد بكرة تخلعي"
"بقى أنا بقول كلام يا جزمة!" مدت يدها لتضربها بخفة على ذراعها
"أنتي الموكوس التاني ده مردش عليكي ولا كلمك؟" سألتها هبة قاصدة اخيها شهاب لتومأ فيروز بالإنكار
"لا، ويارتني ما اتصلت بيه، وافتكري بقى ربع جنيه مخروم احسن!"
"طيب بقولك إيه ما تيجي نروح أي حتة غير الجيم ده"
"ماله الجيم، زي الفل اهو، والله عمو بدر كان عنده حق إنه حلو"
"اه ياختي حلو للفراكين اللي زيك، إنما أنا بقيت وزة في نفسي خلاص، كفاية كده بقى اسبوع عمالة تهري بين الجيم وبين التدريب.. قوميني بقى من هنا بدل ما هاعيط والله وأنا بفتكر الأيام الخوالي وقد إيه كنت مزة"
"طيب يا وكسة حياتي عايزة تروحي فين؟" اسندت وجنتها على يدها ونظرت إليها في انتظار
"أي كافيه.. بس لازم المولتن كيك تبقى عنده حكاية"
"يخربيتك ده انتي ناقص تاكليني يا هبة مش كده" توسعت عينتيها وهي تنظر لها لتزجرها
"مش عايزين نونو.. اشربوا بقى"
"كلي حاجة مفيدة، خضار ولا سمك ولا حاجة مشوية، إنما اللي انتي بتعمليه ده مش طبيعي يا بنتي.. نظام أي سوبر ماركت بحاله في ساندوتش ده هيبهدلك قدام"
"بت اسكتي وسيبيني في حالي وقومي غيري هدومك دي علشان نمشي من هنا، ووحياتك لا تعزميني على مولتن كيك"
"ماشي يا ستي.. فوريرة"
نهضت لتحل شعرها وهي تمرر اصابعها به لتعلم أنها في حاجة شديدة للإستحمام فتوجهت نحو غرفة الخزانات لتتناول من الخزانة الخاصة بها حقيبتها المتواجد بها متعلقاتها لتستحم وتبدل ثيابها ثم وصدتها والتفتت لتذهب نحو منطقة الإستحمام ولكنها وجدت هاتفها بيدها لتقرر أن تتركه إلي هبة بدلاً من أن تحتفظ به في الحقيبة وهي تعلم حظها جيداً، سيستحم معها بالتأكيد..
توجهت مرة أخرى لتعود إلي هبة وأخذت المنعطف وهي في طريقها إلي صديقتها ولا تزال تمرر أصابعها في شعرها لتتوقف وهي ترى أمامها شهاب لتتمالك أثر المفاجأة عليها ثم ابتسمت إليه بلباقة..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يتبع...