الفصل الرابع والعشرون - شهاب قاتم
الفصل الرابع والعشرون
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
~ الأهم ليس إقناع الآخر إنما حضّه على التفكير!
(برنارد فيربير)
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"يا حبيبتي، ما كفايانا كلام بقى عن أروى.. احنا مش خارجين نفرفش شوية.. إيه لازمتها السيرة دي؟" تحدث سليم بضيق وامتعضت ملامحه
"سليم يا حبيبي.. معلش أنا محتاجة أكلمك شوية أكتر عن موضوع أروى.. أنا أهو مثال قدامك، فاكر شخصيتي القديمة؟" تنهدت زينة وهي تلتفت إلي سليم بالسيارة "أنت أقرب حد ليا، أقرب من خالو واخواتي وماما.. أنا كنت مكسوفة لغاية فترة كبيرة من إني أصارحك أو أصارح حد.. أنا يا سليم كان عندي نوع من إضطرابات الشخصية.. كنت بعاني من الهيستيريا.. أو يعني شخصية هيستيرية"
نظر لها سليم بعدم فهم لما ترمي إليه لتبتسم هي بإقتضاب ثم رمقته وهي تزفر بعمق بزرقاويتين تفتقرا للدعم وفهمها ليتلمس يدها في احتواء وحب ليعطي لها هذا الدعم الذي لمس الحاجة إليه من عينتيها
"هو أنا طبعا مش متخصصة علشان أشرحلك الموضوع بس هحاول أديلك لمحة.. أنا فيروز فهمتني إني بعاني من حب الظهور، وحب الذات زيادة عن اللزوم.. كنت بتباهى بجمالي كان عندي ثقة إني حلوة اوي علشان كده كنت بصد أي حد لما سافرت.. كنت عايزة الأكتر، والأحسن، الراجل فعلا اللي يقدرني وكنت بحس إني كتير على أي حد ما عدا أنت!! كنت دايما بدور على الإهتمام الزيادة وعايزة اهتمام ماما بأروى يتحول ليا ولما فشلت قررت أسافر ألمانيا ودي كانت فترة إكتئاب صعبة اوي عليا!!" ابتلعت وهي تنظر له بينما صف هو السيارة إلي احدى جوانب الطريق ونظر لها بإهتمام
"موضوع الصرع اللي كان بيجيلي فهمت إنه رد فعل من عقلي علشان اجذب بيه الإنتباه والكل يجري عليا يقولي مالك، وفهمت التشتت والتذبذب اللي كنت فيه، كنت ببقى مبسوطة معاك وفجأة أتحول، أو مبسوطة معاك ومقتنعة بكل اللي أنت بتقوله وبعدها أشوف شهاب واقتنع بيه.. وبعدين أرجع أقول إيه اللي بعمله ده.. وحاجات كتيرة أوي من تصرفاتي اللي مش مفهومة ابتديت أفهمها.. ولما روحت لدكتور تاني بعد فيروز ابتدت الدنيا توضح في عيني" حمحمت ثم تابعت
"تيتا وخالو وفي بيتكو ومع بابا الله يرحمه كنت بشوف الدلع والحنية والخوف عليا.. والدلع الزيادة اللي كنت بشوفه وبعدين اجي اتصدم بشخصية ماما ومعاملتها ليا وأحكامها اللي مبتخلصش كان بيخليني عايزة منها نفس الدلع والإهتمام وأجذب انتباهها بأي طريقة!! بس مكنتش بنجح في ده.. ده كان زي خناقة بيني وبين نفسي أنا مش فاهماها.. أنا مكنتش بكره ماما، أنا كنت ولا زلت بحبها وعايزة أجذب انتباهها بأي طريقة.. بس منجحتش..
ده كَبَر جوايا صراع من نوع تاني وحرب بين مشاعري وتفكيري وخلاني اهرب على ألمانيا لأني فشلت.. طبعا أنا مكنتش أتصور إني بعاني من ده ولا حتى كنت أتخيل إن عايزة اشوف اهتمامك واهتمام شهاب وخالو وماما واخواتي.. عايزة الإهتمام بأي طريقة.. علشان كده رجعت من المانيا بشخصية جديدة محدش يعرفها علشان ألاقي الإهتمام!!
التفسير اللي قالهولي الدكتور إني كبت كل التجارب القديمة جوايا واتبعت أكتر إني اتشكل بشخصية جديدة علشان بردو الاقي اهتمام واجذب الإنتباه.. عندي أنانية.. ويا سليم اوعى تخاف مني.. بس أنا سألت الدكتور كذا مرة!! أنا بحبك فعلا.. مش أنانية والله بس أنا بحبك بجد.. بحبك قبل كل ده وبحبك بعد ما اتعالجت وعمري ما.." قاطعها وهو يجذبها في عناق دافئ عندما رآى دموعها تنهمر على وجهها
"أنا مكسوفة إني أواجه حد بحالتي دي بس.."
"هششش" قاطعها وهو يمرر يده على ظهرها "أنا بحبك زي ما انتي.. زينة القديمة والجديدة وزينة مراتي هافضل احب كل الشخصيات اللي جواكي مهما كان إيه"
"استنى يا سليم أنا محتاجة اتكلم" فرقت العناق وهي تنظر له بأعين لا تزال تبكي "أنا مكنتش حاسة بنفسي، ولا كنت أعرف أنا بعاني من إيه.. كنت دايما تايهة ومشتتة وبتعامل بمنتهى الأنانية ومش فارق معايا حاجة غير نفسي واللي أنا عايزاه.. من ناحية لفت النظر مش أكتر، كنت بلفت نظرك حتى بالطريقة الغلط، وفي وسط الإهمال اللي شوفته من ماما واخواتي كنت بستجيب لأي اهتمام خارجي.. بس بالمساعدة عرفت، قدرت قيمة العلاج نفسها.. التمارين والأدوية وكل حاجة اللي بمشي عليها ساعدتني كتير.. وأنا لسه هاكمل إن شاء الله علشان أكون أحسن! علشان نفسي، وعلشانك وعلشان أكون جديرة بحبك ده ومش عايزة أبدا أكون أنانية معاك في علاقتنا.. وعلشان أخواتي وماما وخالو وكل اللي بحبهم!!" جفف دموعها وهو يبتسم إليها في عشق شديد وقبل جبهتها
"أنا لما فهمت كل ده فهمت إن أي حد ممكن يكون أحسن لو واظب على العلاج.. يمكن تفرقة ماما ما بيننا واحنا صغيرين دي البذرة اللي شوهتنا كلنا.. بس زي ما أنا ما بقيت أحسن ممكن أروى تكون احسن يا سليم.. ممكن تتغير لو أنت لغاية دلوقتي شايفها عمرها ما هتتغير.. بس ليه لأ؟!
أنا شايفاها مش زي زمان واتحسنت جامد بعد الحادثة.. بقت مش زي الأول، وأديك شايف حالتها.. علشان خاطري سامحها وابدأ معاها صفحة جديدة.. احنا أخوات وأنا بحبها وعايزاها تكون أحسن، بس أروى كانت بتحبك في يوم.. صحيت فجأة لقتنا متجوزين وسعدا مع بعض.. حاول تعاملها عادي علشان تتقبل تتحسن وكأن كل اللي فات مات.. علشان نساعدها يا سليم!! علشان خاطري" همست له في توسل ليومأ إليها ثم جذب يدها برقة ليقبلها
"حاضر يا زوزا.. علشان خاطر أم العيال بس.. بكرة هاكون عندها وهاروحلها" ابتسم إليها لتنظر له بمزاح
"أم العيال ولا العيال يا سولي!! وضحلي بالظبط!"
"أم العيال هي الأصل برضو.. وبعدين أنا عايز عيون زرقا فلازم ننول الرضا اليومين دول ولا إيه؟" غمز لها في مزاح
"مممم.. لا أنا كده هتغر وأرجع هيستيرية حقيرة خد بالك"
"ولا أجن واحدة في الدنيا هافضل بموت فيكي.." قبل يدها مرة أخرى وهما يتبادلا النظرات والإبتسامة لا تفارق أي من وجوههما
"حيث كده بقى.. مكان رومانسي بسرعة على الكورنيش! four seasons؟" توسعت عيناها في حماس
"ما بلاش المكان الموبوء ده.."
"المرة اللي فاتت كانت زينة القديمة اللي بتسكر وبتشرب سجاير.. المرادي واحدة تانية خالص!" ابتسمت إليه وجذبت يده لتقبلها بعد أن لاحظت انزعاجه من تلك الذكرى القديمة "خلاص بقى ذكريات جديدة حلوة"
"حاضر" أخبرها زافرا وهو يدير محرك السيارة "حاضر يا مغلباني حاضر"
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
نظرت إليه وهو يغادر ووقفت في انبهار شديد ولكنه لم يظهر على ملامحها، ألهذا الحد جنون العظمة قد تملك من عقله!! لديها طريقا وعرا مع هذا الرجل ولن يكون سهلا أبدا.. ولكن عليها استغلال استقباله لأمر المرض في حد ذاته، عليها أن تكون متنبهة لكل ما سيصدر منه طوال فترة بقائها معه، عليها أن تكون ذكية.. لن ينفع معه أسلوب العنف لأنه ببساطة سيقابله بعنف أشد، وأسلوب الضغط والتكرار يبدو أنه يؤتي بثماره معه ولكنها عليها أن تستخدم ذلك الأسلوب رويدا رويدا..
ربما ستبدأ في مصادقته من جديد، لقد تقبل الفكرة من قبل وسيتقبلها مرة أخرى هي على ثقة من هذا، الهدوء، الذكاء، والثقة، تلك هي المفاتيح التي ستساعدها على عبور أولى أبواب تلك الحواجز المنيعة للمرور لقلاعه المحصنة التي لا تعلم عنها شيء، فلقد رآت كم يأبى ويرفض بشدة الإفصاح والتحدث بالأمور وحتى ولو كانت من طفولته!
"إيه ده يا شهاب نزلني!" صاحت في دهشة عندما حملها على كتفه وتدلت رأسها وشعرها على ظهره وحاولت الإفلات ولكن قبضته كانت قوية للغاية، شيء ما به تغير، لم يكن بمثل تلك القوة من قبل!
"ندهت مرة فضلتي متنحة.. وأنا مش فاضي للهانم على ما تيجي ولسه هتنزلي السلم في سنتين!! قولت أنجز" رمقت الدرجات في رعب وهو يهبط بها الدرج لتوصد عينيها وتشبثت به وارتفعت خفقات قلبها في خوف من مجرد المنظر بينما أدركت أن عقلها قد غفل تماما في إيجاد حلول معه ولم تستمع له وهو ينادي عليها أمّا الآن فهي تموت رعبا وبالرغم من عدم تقبلها لتلك الطريقة التي يحملها بها ولكنه تختار الموت نفسه بدلا من المرتفعات.. شهاب أيضا قد تختاره إذا كان سيُخلصها من مواجهة تلك المرتفعات اللعينة أيا كانت الطريقة التي سيعاملها بها وقتها!
"آه" صرخت في آلم عندما شعرت به يُلقي بجسدها على السرير ولم تدرك أنه كان يحملها لكل ذلك الوقت، اللعنة على خوفها اللعين!! متى ستنتهي من رهاب المرتفعات! متى؟!
"أنا مش فاضي للهري ده.. لما اكلمك تاني مرة تردي! سامعة؟" صاح بها لتنظر إليه وهي تعتدل على السرير ثم جلست وتحلت بقليل من الثقة ولم تخف من ملامحه التي يبدو أنه يعلم تأثيرها جيدا على النساء!! ولكنه لم يعلم أنها تعرف مع من تتعامل!
"آسفة بس سرحت.. كنت فعلا بفكر ازاي هانزل السلم ده كله لوحدي.. الموضوع بيخوفني" اعتذار بمنتهى الهدوء بمصاحبة نبرة هادئة وملامح امتنان "شكرا يا شهاب إنك ساعدتني.. بس لو سمحت بلاش ترميني كده تاني!! ده مش أسلوب أبدا تتعامل بيه مع واحدة ست.. أنا عارفة إن مكنش قصدك واتعصبت مني وفعلا إللي عملته حاجة تستفز أي واحد مشغول زيك، بس أرجوك بلاش كده مرة تانية"
هل تستفزه أم تزجره أم تُخبره بم يفعله؟ تؤنبه، تترجاه وتتوسله؟ أي دائرة لعينة هي تدور بها؟ تلك المرأة غريبة وتصرفاتها غريبة وبدأ بالفعل في التفكير في قتلها دون تردد بمنتهى البرود!! أهي تجلس القرفصاء على السرير بمنتهى الأريحية؟ ألا تخاف؟! وقف لبرهة يتمعن في تفاصيلها ناظرا إلي عينتيها بتساؤل وعقدة حاجبان ليزفر في النهاية متقززا.. يبدو أن هذا تأثير عدم النوم!!
"اتفضلي يا هانم.. أنا مريض ازاي" أخبرها متهكما بينما ألقى بجسده بجانبها على السرير لتبتعد قليلا ثم نظرت إليه بإبتسامة بسيطة مقتضبة في عدم تصديق لما يفعله
"شهاب مظنش إن السرير المكان المناسب إننا نتكلم فيه.. ممكن نقـ.."
"هري كتير مش عايز، أخلصي واتهببي اتكلمي" قاطعها وهو يضع ساعده على جبهته بينما قام بتمديد جسده على السرير لتتفحصه مليا مضيقة عينيها لمظهره، هذه ليست طبيعته أبدا.. نظرت إلي ملامحه لتجد وجهه مشدود موصدا لعينيه وأسفلهما تلك العلامات الغامقة التي تدل على إرهاقه يبدو متعبا ويفتقر للنوم وما أكد لها الأمر هو تثاؤبه
"شهاب أنت آخر مرة نمت امتى؟" همست سائلة بعد أن تفقدته ليفتح عينيه ملتفتا إليها بوجهه
"مش فاكر" زفر بنفاذ صبر ثم تابع "مظنش جايين نتكلم عن نمت اخر مرة امتى، انجزي واتكلمي" أخبرها بضيق ثم أعاد توصيد عينيه
"طيب أنت شكلك فعلا مرهق اوي، ولازم تكون مركز معايا لما نتكلم سوا" أخبرته ثم ابتعدت لتغادر ليوقفها جاذبا يدها
"انتي مش ناوية تـ.."
"شهاب، قوم بص لنفسك، عينك مدمعة، بتتاوب، وشك مرهق جدا.. أنا عايزاك تكون مرتاح.. والدنيا مش هاتطير! أنا موجودة وهتلاقيني الصبح ومظنش هاعرف اهرب في الحراسة والضلمة والصحرا اللي احنا فيها" همست وهي تقاطعه ثم نظرت له بإهتمام حقيقي لتزداد عقدة حاجباه وهو لأول مرة يشعر وكأن هناك من يكترث لأجله
"نام براحتك واول ما تصحى هنبقى نتكلم في كل حاجة" ابتسمت له بإقتضاب واستغلت أن قبضته لانت على معصمها لتنهض بسرعة من جانبه "تصبح على خير" أخبرته وهي تترك الغرفة لينظر هو لها، أهي تكترث أم تُكسب نفسها وقتا؟!
لا يوجد من يكترث لأجله، ولا يوجد إمرأة تكترث على الإطلاق سوى لنفسها!! ولكنه سيريها.. ربما غدا لأنه يشعر بضرورة النوم، جهازه العصبي لم يعد يتحمل، فهذا اليوم الثالث الذي لم ينم به.. سيجري مكالمة واحدة ما إن رحلت تلك اللعينة لتحضيرات الغد وسينام فورا!!
"لا سيبي النور ده أنا هاقوم أقفله" أخبرها وهي توصد الأضواء لتلتفت ناظرة له بغرابة بعد أن أعادت فتحها بينما نهض هو من على السرير وبدأ في خلع قميصه "حابة تتفرجي؟" التفت لينظر لها بجرأة ووقاحة لتهُز هي رأسها في انكار وغادرته ليصيح خلفها "اختاريلك اوضة ونامي فيها علشان بكرة الصبح مسافرين!"
أوقفتها نبرته العالية، إلي أين؟ أكان صادقا فيما يتحدث به بخصوص أمر المشفى؟ أم تلك حيلة أخرى؟! زفرت في إرهاق من تلك الورطة التي وقعت بها ثم مشت في ذلك الرواق لتكتشف بقية المنزل!!
لماذا ثراءه مزعج إلي هذا الحد؟ ولماذا آتى بها إلي هنا؟ إلي الآن تعرف أنها لم تصدر ولو تعبيرا واحدا يهتم لثراءه أو أثنت عليه! ماذا يريد بعد كل ذلك؟!
هل هو العلاج كل ما يريده؟ أم هو منجذب إليها كلعبة جديدة يملى فراغ وقته بها؟ أم علم شيئا ويريد الإنتقام منها مثل ما يفعل مع بقية النساء؟ ولكن لحظة، هو كان صادقا.. إذن لا ينام مثل ما شكى لها من قبل.. كان واضحا ذلك عليه للغاية.. أمّا عن أمر أنها تريد أن تقنعه بمرضه فيبدو نوعا ما منطقي.. لو كان يريد الإنتقام لكان قتلها ولكنه ترك أمامها السلاح الملقم بالطلقات النارية! أهذه كانت طريقته في الإدلاء ببداية ثقته بها؟!
زفرت زفرة مطولة ثم عكصت شعرها لأعلى وأحكمت جذبه للخلف وارتطم عقلها بالكثير من الأفكار.. أخذت كوب القهوة التي صنعتها وهي تتفقد الوقت لتجدها عبرت التاسعة بقليل لتشعر بالإستياء من نفسها!! أهذه هي المعالجة النفسية التي تعاني من الأرق؟ تحتسي القهوة بعد التاسعة!!
ابتسمت في سخرية على حالها واقنعت نفسها أنها تريد التركيز على ما ستفعله معه وليس هناك وقتا لتضيعه، مشت مرة أخرى لتتفقد الغرف، وقد ذُهلت حقا من تلك التصميمات والطراز الحديث واحتواء هذا المنزل على خمس غرف غير تلك التي نام هو بها.. أهذا فندق وهي لا تعلم؟!
مطت شفتيها ثم مشت وهي تحتسي بعضا من القهوة ثم مرت بجانب غرفته لتجد ضوءا منخفضا قد تسرب من أسفل الباب، ألا يزال مستيقظا؟! هزت كتفيها بإستغراب ونهت نفسها عما تفعله وأدركت أن عليها التركيز سريعا وعليها أن تُفكر وتجد مدخلا في منتهى الإقناع لذلك الوغد الذكي المتحاذق في أسرع وقت دون الإغفال عن حيله الرخيصة تلك التي يتبعها معها!!
ذهبت لغرفة مكتبه ثم جلست تترأس المكتب وأخذت تبحث عن أوراق فارغة حتى وجدت البعض في احدى الطابعات الموضوعة على احدى الطاولات الجانبية بجانب مكتبه وأخذت القلم وتمنت بداخلها ألا يعلم ولو حرفا مما ستخطه بيدها وما هي سوى مجموعة من أفكار ولكنها باللغة الأسبانية التي عشقتها منذ نعومة أظافرها.. أهذه هي أوراق الإتفاقية!! لماذا تركها هنا؟ أحيلة منه أنها قد تُخفيها؟ لا يهم!!
درجات السيكوباتية، أنواعها، أسبابها، مراجعة سريعة في عدة نقاط للعلاج السلوكي المعرفي.. عليها الغوص في طفولته!! توصلت لهذا الحل الذي بدا منطقيا ثم احتست بعضا من تلك القهوة بجانبها وهي تتذكر ما أخبرتها به آمال والدة شهاب!!
منطقة شعبية، فضيحة، طفل صغير.. كما كاد أيضا أن يتحدث عن والده ويبدو أنه لم يسمح له وهو طفل بأن يقترب من أدواته أو أدوات عمله.. ويا ترى كيف أقنعه بأن والدته إمرأة سيئة؟! كيف تعامل هو وقتها؟! عليها الغوص في تلك الطفولة ولكن بمنتهى الحيلة!!
تعارف.. أصدقاء من جديد.. دعم.. هدوء ثم الهدوء.. إظهار واتباع عدم التطفل الشديد وعدم إظهار اللهفة، عليها أن تدعم موقفها بأسباب في منتهى المنطقية مثل أن تثني على ذكاءه، ثراءه، قدرته على فعل أي شيء، وستخبره بمنتهى الصراحة بأنها لو فقط نطقت ولو بحرف يستطيع أن ينتقم منها ومن كل من عرفتهم يوما ما.. هذه ما يُحبه السيكوباتي! هذا ما يشبعه بالراحة.. حسنا!!
رمقت الساعة بعد أن رتبت أفكارها وهي تراها تعبر الثانية عشر بدقائق ثم تذكرت أنه أخبرها بأنهما مسافران في الصباح ولكن تلك القهوة اللعينة قد تفوقت عليها وعلى استطاعتها بالنوم! لتُفكر بالمزيد إذن!!
طفولتك عزيزي ما هي إلا مجموعة من الأحداث مضت وولت وأنت الآن أفضل مما كنت عليه سابقا، لذا لن يفرق بأن تخبرني، المزيد من إظهار مقدرته على تدمير كل ما قد تنشره عنه، المزيد من الثقة المتبادلة بعدة مواقف.. عليها أن تسيطر على عقله بشدة حتى لا يجد مفر من إخبارها.. عليها حضه على التفكير وإشغال عقله بالكثير من الأمور حتى يستسلم لها في النهاية.. لكن كذلك عليها أن تتصرف بمنتهى الحذر وعليها دائما أن تتحكم في هدوءها وسيطرتها على غضبها مهما استفزها..
ستخبرني وستقص لي كل شيء حتى استطيع إخبارك، فأنا لا أعرف سوى شهاب، الرجل الثري الناجح الجذاب الذي يتمنى الكثيرين أن يصبحوا مثله!! تملق.. الكثير منه بالبداية.. وسيأتي الأمر بعدها..
إذا كنت لا تود الحديث عن نفسك فسأتحدث أنا عن نفسي قليلا!! هذا أيضا قد يجعله منفتحا للحديث!! يكفي كل ذلك التفكير.. رأسها تؤلمها بشدة.. شردت أفكارها في تخيل حوارهما معا بالغد، بما قد يفعله، عليها البداية من نقطة الصفر وإكتساب ثقته، أو المزيد منها بإعتبار أنه قد أصبح يثق بها بمقدار ضئيل للغاية.. علينا أن نضع أسس لتلك العلاقة!! وبسرعة!! حتى اقنعك واثبت لك ما تريد وحتى تثق بي أنا الأخرى!! دلكت أسفل رأسها في إرهاق ولم تتوقف عن التفكير!! عليها أن ترسخ علاقتهما بالبداية، هذا ليس مجرد مريض يعاني من بعض البارانويا ويأتي إلي أخصائية ليتحدث، لا بل هو يفتقر إلي الإقناع وسيكوباتي ببعضا من البارانويا!!
ماذا سيحدث إن أخبرتني؟ هل يستطيع أحد من ماضيك العبث معك الآن بعد كل ما وصلت له؟! ببساطة ستسطيع أن توقفهم أو حتى تدمرهم بعد ما وصلت له من نفوذ!! اللعنة لقد فرغت القهوة! ربما ستنهض لاحقا لصنع المزيد!
المزيد من التخيلات، المزيد من الدقائق تمر، المزيد من الأفكار تراوضها، تذكرت العديد من أساليب العلاج، ستبدأ بشهاب الطفل حتى تكسب ثقته حتى يستطيع أن يُخبرها ببقية الأمور.. عنقها يؤلمها.. بالرغم من أن الكرسي مريح ولكن ظهرها كذلك يؤلمها.. تثاءبت ثم أنسدلا جفنيها في غفلة منها وارتمت رأسها لأحدى الجوانب وهي تبحث عن وضعية مريحة ليستقر بها جسدها النحيف وهي تثني قدماها أسفلها وسقطت في النوم وقد أصبحت الساعة الثالثة فجرا..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
الثلاثون من سبتمبر، الرابعة وأربعون دقيقة.. ثماني ساعات من نوم هانئ! هذا ما أدركه بعد أن تفقد هاتفه.. أكان النوم مريحا؟ لا يدري.. وضع الهاتف مرة أخرى بجانبه بعد أن تفقد الساعة ليذهب عقله ويفكر بفيروز!! هي هنا معه بالمنزل! جيد! أين هي يا تُرى؟! وما الذي تفعله؟!
تثاءب وهو يمسح آثار النوم من على وجهه ثم نهض لا يرتدي سوى سروال قطني قصير.. ليس داخلي على كل حال.. شاءت أم آبت هي تمكث في منزله وسيتبع قوانينه هو ولتذهب معتقداتها وحدودها إلي الجحيم!! يكفي إكتراثا لتلك المرأة وبما قد تظنه وبما قد تفعله!
قام بثني منكبيه للخلف في محاولة منه على استعادة نشاطه واتجه إلي المطبخ حافي القدمين ثم وضع القهوة لتنضج وذهب لمبرد الطعام الذي وجده مثلما تركه! إذن لم تتناول شيء!! فلتذهب للجحيم هي ومعتقداتها! مجددا!
نظر لتلك الأنواع من الجبن، أكثر من خمسة عشر نوعا.. ابتسم ابتسامة جانبية وهو يتذكر طفولته البائسة الفقيرة ثم جذب ما لا يقل عن خمس أنواع وأوصد الباب وصنع شطيرة بثلاثة أنواع فقط وتناولها ثم أعاد المتبقي للمبرد وسكب قهوته ثم اتجه ليبحث عن تلك المرأة الملعونة!
كل الغرف فارغة، أين نامت؟! تقززت ملامحه ثم عاد مجددا للطابق الأسفل وهو يبحث عنها ليجدها أخيرا بغرفة مكتبه، نائمة على الكرسي.. ملامحها تبدو رائعة.. حزينة ولكن رائعة!! ومتعبة! وجميلة.. لا، لا تتصف تلك الساذجة بأي مما فكر به!
ما تلك الوريقات!! أقترب ليتفقد ولكن كانت دهشته! تركت الإيطالية، الإنجليزية، الفرنسية والروسية وحتى العربية لتخط كلمات لعينة بالإسبانية!! عليها اللعنة تلك الساذجة! ماذا كتبت! ما تلك الطلاسم! ها هو أيضا ورق الإتفاقية.. لماذا جعلها توقع عليها على كل حال؟!
شعر بالغضب وتعالت أنفاسه ثم عاد ليرمقها ليجد أنفاسه تهدأ، داكنتيه شاردتان.. أين سخونة تلك اللعنة التي يحتسيها؟ أحدق بها واقفا أكثر من اللازم؟ لقد أشرق الصباح.. ولماذا تتحرك! أهذا هو السلاح لا يزال موضوعا على المنضدة منذ أمس، غريب!! لماذا لم تأخذه؟
الضوء أيها الغبي قد انتشر بالغرفة لهذا قد شعرت بالقلق.. ابتعد مسرعا ليجلس على أريكة بعيدا عنها وتظاهر أنه يحتسي القهوة في هدوء، مذاقها قذر بحق!! عليه أن يتظاهر بأنه لا يتابعها.. فات هذا الآن! ولكنه سيتصرف!
"آه" همست بألم وهي تدلك عنقها وتفقدت المكان حولها وهي تحارب ضوء النهار لتدرك أنها لا تزال بغرفة مكتبه "فكرة غبية" تمتمت بعد أن أدركت أنها قد غفت على الكرسي منذ الأمس أما شهاب فعقله يصرخ بأن عينيها خضراء لا محالة!! لقد رآها بمنتهى الوضوح الآن!
"صباح الخير" همست ثم نهضت بصعوبة وهي تستجمع نفسها بينما لم يُجبها "آه.. غبية" تمتمت في خفوت وهي تحاول الوقوف على قدميها التي أدركت أنهما ثُنيتا طوال الليلة الماضية لتتعالى أنفاسه وهو يتابعها وظهر الغضب على ملامحه دون أن تراه هي، تأوهاتها لا تساعده! ليُدرك أن شهرًا لعينًا ونصف الشهر الملعون من عدم مضاجعة النساء أغبى ما فعله يوما ما!!
"هي الساعة كام" سألته بملامح بدأت آثار النوم في مغادرتها وأخذت في تمديد ساقيها ليرمق هو الساعة بعينيه ثم أعاد نظره إليها ففهمت ما يعنيه ثم نظرت نحوها لتجدها السادسة والنصف صباحا فتركته ثم توجهت للمطبخ لتصنع القهوة هي الأخرى!
ذلك الصداع مدمر للغاية.. عليها الإستحمام!! ولكن هي لا تملك أيا من الملابس اللعينة، ماذا ستفعل الآن؟! زفرت في تعب ثم سكبت قهوتها وأخذت تجمع شعرها الذي تعلم أنه قد تبعثر في منتهى العبث ليتركها قبيحة!! يا تُرى كيف نظر لها.. فليحترق رأيه! لا تود مثلا الحصول على نظرات إعجاب.. خاصة من ذلك السيكوباتي..
التفتت لتجده خلفها.. لماذا توقفت عن ذلك العرض الممتع من تمديد جسدها وتخليل شعرها؟ لماذا لم تستمر؟! إمرأة لعينة تُفسد كل شيء بمنتهى السهولة!
"خلصي والبسي علشان منتأخرش" أخبرها بإقتضاب وهو ينظر إليها بينما لا تزال مشوشة قليلا
"حاضر بس أنا معنديش هدوم! مش عارفة البس ايه!" حدثته بعفوية
"الأوضة اللي قدام اوضتي فيها شنطة هدوم" أخبرها زافرا في حنق وكأنه لا يطيق حتى صوتها لتبتعد سريعا عنه بعينيها وكذلك قدميها فهي لن تظهر أبدا أي تعبيرات تُذكر كلما رآته عاري الصدر إلي أن يسأم الأمر ويبدأ في ارتداء قميصا
"شكرا" أخبرته في طريقها ليميل رأسه لليمين وهو يتفقدها في غير تصديق
"مجنونة دي!! أنتي مخطوفة يا متخلفة!" صرخ عقله ثم مط شفتاه في تعجب من أمرها وكأن كل ما فعله معها أمس لم يحرك بها ولو شعرة واحدة .. هو يحتاج للمزيد من القهوة كي يستطيع الإستمرار مع تلك المرأة!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
قد سامحته إلي المالانهاية وما بعدها بسبب كابينة الإستحمام الرائعة تلك، تلك الفتحات التي تركز المياة بشدة على الجسد مع سخونتها جعلتها تشعر وأنها بأفضل حال وكأنها لم تنم على ذلك الكرسي اللعين ليلة أمس..
شعرت بالإنتعاش الشديد وتلك الرائحة الهادئة تغمر جسدها، عليها أن تحضر مستحضر الإستحمام ذلك.. فرائحتة ورائحة الزهور به لا تقاوم!!
توجهت للخارج بعد أن ارتدت واحدا من الأثواب المطوية بالحمام وذهبت لتتفقد تلك الحقيبة التي أخبرها بها لتتعجب مما تحتوي عليه.. ملابس رسمية، ثلاثة أثواب قصيرة للغاية، العديد من الملابس الداخلية التي لا تمت بشيء للعملية، كاملها تليق بإمرأة حديثة العهد بالزواج تريد أن تثير زوجها بملابس داخلية مغرية.. وما هذا؟ لماذا كل القمصان عارية الصدر! هو يمزح بالتأكيد!! العديد من الملحقات الأخرى كحقائب صغيرة ونظارات شمسية، أحزمة.. أقراط.. مساحيق تجميل، عقدان وسلاسل وما كل تلك التفاهات! لن تخرج بسلامتها العقلية أبدا بعد أن تترك هذا المجنون وتغادره!
حسنا الملابس ضيقة.. جميعها تليق بفتاة ليست ملتزمة مثلها.. وليس هناك ما يستر منحنياتها ولو حتى بنطالا واحدا متسعا.. جيد.. بل جيد للغاية!! ستتصرف..
ادت صلاتها بعد أن جذبت شرشف السرير ليغطي من رأسها لأخمص قدميها بعد أن آتت بهاتفها وتفقدت اتجاه القِبلة ثم انتهت لتخلع الشرشف ملقية به بعيدا وأخذت تُفكر كيف سترتدي تلك الملابس!!
تأكدت من أن الثوب لا يكشف أيا من جسدها سوى القليل من ساقيها فوجدت ذلك مقبول، فهذا الثوب متسع للغاية على كل حال، توجهت للخارج حيث غرفته وأخذت تطرق الباب دون توقف وتعجبت ما قد يفعله ليتأخر هكذا ليفتح لها الباب بملامح غاضبة للغاية كمن يريد أن يقتلها؛ وكامل جسده مبتل!! كامل جسده.. جسده العاري!! العاري تماما.. المجرد من كل شيء!
اتسعت عينتاها في دهشة والتفتت كي لا تنظر له وظهر الخجل على ملامحها من تصرفه لتلعن تلك اللحظة التي وافقت بها على التعامل مع مختل مثله
"إيه! في حاجة مشوفتيهاش قبل كده ولا جوزك كان بيلبس قدامك" حدثها بمنتهى الوقاحة لتشعر هي بالغضب
"البس حاجة يا شهاب" أخبرته زاجرة
"لسه بستحمى، وانتي قاطعتيني وممكن لو حابة تدخـ.."
"شهاب!! ألبس حاجة وخلص علشان منتأخرش" قاطعته بحدة ليتفقد الساعة فوجدها محقة فذهب ليحضر منشفة ولا تزال مولية ظهرها إليه
"افندم عايزة ايه؟" سألها في نفاذ صبر
"لبست؟" سألته في ترقب
"اتزفت .. اخلصي عايزة إيه؟"
التفتت إليه وقطرات المياة تنساب على جسده الرجولي فلم تنظر نحوه وسيطرت على نظراتها بأعجوبة فشعره المنسدل على جبينه نوعا ما جعله يبدو لطيفا.. كالطفل الصغير!
دلفت للداخل وهي تبحث أسفل نظره على احدى القمصان الرياضية قصيرة الأكمام واستقرت على احدى القمصان البيضاء ثم تناولتها وعادت لتكمل طريقها للخارج ليعارض طريقها ثم توقف أمامها ليمنعها عن الخروج
"بتعملي إيه؟" نظر لها في ترقب بتلك الداكنتين اللحوحتين
"بشوف حاجة طويلة البسها بدل اللبس العجيب اللي موجود في الشنطة ده" نظرت إلي وجهه وهي تحاول ألا تنظر لسواه لتجده يقترب منها لتبتعد للخلف ولكنه لم يتوقف وأخذ في الإقتراب منها وعسليتاها لم تفارق تلك البنيتين أمامها
"وأنا مش هاديكي حاجة من هدومي.. مسمحتلكيش أصلا!" أخبرها وهو يقترب أكثر ممسكا بالمنشفة بيد والأخرى تتجه نحو يدها الممسكة بالقميص بينما رفعت حاجبيها في استغراب وقد فهمت ما يُرمي إليه لتبتسم له بمنتهى السماجة
"تمام.. معلش آسفة مخدتش بالي.. مكنتش أعرف إني مينفعش اخد حاجة من هدومك" ناولته القميص ثم ابتعدت عنه بسرعة وهي تتوجه للخارج وأخذت تُفكر سريعا.. فهي لن ترتدي تلك الملابس وهو يبدو أنه يريد أن يرى مفاتنها! مجددا! بعد ذلك اليوم بمنزله.. قمة الوقاحة اللانهائية.. ولكنها ستريه وستوقفه عما يفعل!
دلفت الغرفة التي تواجدت بها تلك الحقيبة وأخذت تنظر سريعا حولها إلي أن وجدت حلا!! سيفقده هذا عقله بلا محالة!! الستائر، شرشف السرير.. الوان هادئة واختيارات كثيرة!! عليها صُنع رداءا بسرعة.. وسترتدي واحدا من تلك السترات القصيرة الرسمية فوقها!
ذهبت للحمام وهي تبحث بمحتوياته عن أي شيئا قد تحيك به ولم تجد.. إذن المكتب سيحوي عدة دبابيس، مثقب للأوراق، تلك الرقاقات المعدنية التي تُستخدم في الملفات، ربما ستجد مقص أو ستحضر سكينا.. فيروز تجد حلا لكل شيء عزيزي المختل!!
أنهت مظهرها بثوب أبيض وضعت فوقه حزاما رفيعا من تلك السراويل الضيقة ثم ارتدت سترة سوداء وجمعت شعرها في جديلة جانبية وأثنت على نفسها لأنها ارتدت قرطا صغيرا بالأمس يُناسب كل شيء ثم أغلقت الحقيبة وتوجهت للأسفل..
أقبلت عليه تبتسم له بمنتهى الإنتصار ولكن السماجة كانت تصرخ بملامحها ليعقد هو حاجباه وكاد أن يصرخ بها ولكنه زفر في غضب!! تبدو رائعة حتى بتلك السخافة التي ترتديها! نهى نفسه عن ذلك التفكير بسرعة ثم اتجه نحوها في غضب
"إيه اللي انتي لابساه ده؟" سألها بنبرة غاضبة لترمق ملابسها خافضة عينتيها ثم نظرت إليه بعد أن هزت كتفيها في عفوية
"هدوم.. زي اللي أنت لابسها!" قلبت شفتيها وهي تنظر له وكأنها لا تعلم ما تفعل لتجده يزفر بغضب
"يعني شهاب الدمنهوري لما الناس تشوفه في المطار يبقى جانبه واحدة بالمنظر ده؟" أشار بإصبعه بمنتهى التقزز لتنظر هي له بمنتهى الثقة
"معلش.. ابقى قولهم الشغالة.. او ممكن انزل بعدك بفترة من الطيارة.. ممم.. او ممكن كنت تجيبلي هدوم تناسبني لأن ده مش استايلي خالص! مجرد اقتراحات يعني" ابتسمت بمزيدا من السماجة والإستفزاز ليطبق أسنانه وسيطر الغضب على ملامحه
"قدامي" نظر بعينيه للخارج لتسير هي بمنتهى الثقة والإبتسامة على وجهها وكاد أن ينفجر من كثرة إستفزازها إليه ولكنه حاول أن يُهدأ من غضبه وتبعها بعد أن استقلت احدى السيارات ولكنها وجدت أن هذه المرة هناك حراسة وسائق ولكنها ستُكمل معه اللعبة للنهاية..
جلس بجانبها وبداخله يحاول أن يجد حلا مع تلك المرأة الساذجة التي يجد سذاجتها قاتلة حد الإستفزاز ثم عاد لفرض سيطرته وتحكمه بالأمور من جديد
"موبايلك" حدثها بعد أن انطلقت السيارة
"ما انت معاك الرقم!" نظرت إليه بإستغراب وهي تدعي عدم الفهم ليمنع يده عن صفعها بصعوبة ثم تحدث بين أسنانه الملتحمة
"هاتي موبايلك ومتعمليش عبيطة" رآت الغضب على وجهه لتتصرف بمنتهى العفوية
"معلش مفهمتكش.. اتفضل اهو" اخرجته من حقيبتها، دون مراوغة، دون اعتراض وكأنه من حقه تماما أن يطالبها به ليتعجب لتلك المرأة بينما هي نظرت من زجاج السيارة في استمتاع.. وكأنها ذاهبة لقضاء عطلة سعيدة!!
رمقها وكاد أن يُشل من طريقتها المستفزة وقد لاحظته بطرف عينيها لتنظر له في استفسار ليشرد هو بالمزيد من ملامحها، كيف لم يُلاحظ وجنتيها!! لقد لاحظها بالأمس واليوم.. مزعجة حقا بملامحها تلك.. مزعجة للغاية.. لقد رآى العديد من النساء ولم تشابه أيا منهن أبدا..
"شكلي حلو أوي كده؟" أخرجته من شروده بينما كانت ملامحها مستقرة، بعيدة عن الإستفزاز، بعيدة عن المغازلة، وبدت في منتهى الجدية وهي تسأله ليبتلع ثم أعاد نظره أمامه
"احنا مش طالعين نتفسح.. احنا ورانا شغل، ولا غيرتي رأيك في موضوع المستشفى؟" سألها بجدية لتهز كتفيها بعفوية
"ومين قال إني غيرت رأيي.. لا أنا معاك اهو شوف عايز تروح فين واحنا نروح.. شغل ولا نتفسح.. براحتك"
يوما ما، سيجعلها تتوسله أن يكف عن تعذيبه لها، سيتذكر كل حرف، كل كلمة، كل لعنة تغادر شفتيها الورديتان المرسومتان بطريقة مستفزة مثلها وسيقتلها بعدها ولن يكترث وقتها ولو بكت بدل الدموع دماء!!
نظر إليها بمنتهى الغضب ونظرته كانت لتخيف أي إمرأة سواها.. لقد اعتادت الأمر منذ الأمس فواجهته بتساؤل من عسليتيها التي ازداد انزعاجه عندما لاحظ بها اللون العسلي الصافي ليود أن يقتل نفسه على تفكيره الملعون وتساؤله عن ذلك اللون اللعين الذي امتزجت به حدقتيها!
"انتي هتستعبطي؟" سألها غاضبا لتنظر هي له بمنتهى التلقائية ولكن بهمس كي لا يستمع السائق
"بص يا شهاب، ايه رأيك نتكلم كده ونخلص كل المشاكل ما بيننا دلوقتي وكفياك عصبية، أنا لما كنت عندك من يومين في البيت بصراحة اتضايقت من اللي أنت عملته، وبصراحة برضو كنت ناوية لو انطبقت سما على أرض مبصش في وشك، وقررت إني مكملش معاك لا شغل ولا جلسات ولا أي حاجة وقولت يالا الدنيا ياما بتورينا ناس مش كويسين!!" تنهدت وهي تتفقده ليحتل الإستغراب وجهه اثرا لكلماتها ولكنها تابعت هامسة أيضا
"بس امبارح بعد ما جبتني بالطريقة دي ومسدسات وبيت بعيد وصحرا وأسبوعين أتضايقت أكتر منك.. بس لما قولتلي إنك ابتديت تثق فيا خلتني اعيد التفكير في كل حاجة.. يعني.. راجل زيك، ليه حق يخاف على سمعته، مركزه، أسراره، أكيد ليه أعداء كتير وياما بنسمع عن مشاكل في عالم الـ business، ممكن برضو يكون قلقان وشاكك فيا.. وأنا معاك جدا تفكير في منتهى الذكاء وحاجة منطقية برضو لراجل زيك.. الموضوع كله غريب.. بس أنا معنديش مشكلة خالص في اني اثبتلك إني استحق ثقتك.. بموبايل بقى ولا من غيره، بإني أكون معاك اسبوعين ولا شهرين، شغل ولا مجرد جلسات.. أنت عندك حق!!" شردت لثوان بتفكير بينما تابعت في همس
"كمان خلتني افتكر حاجة، لما كنت عندك في البيت من يومين، أنت كنت ممكن تستغل إني من غير هدوم ونايمة ومفرهدة، كنت ممكن تعمل أي حاجة.. بس لما صحيت أتأكدت إن مفيش حاجة حصلت.. ده برضو بيدل على إنك إنسان كويس! يعني.. مستغلتنيش! وعندك بس مشكلة صغيرة في الثقة وتكوين العلاقات.. وأنا شايفاك إنسان كويس وممكن فعلا نكون اصحاب او حتى يكون بينا علاقة محترمة بين أي أخصائية وحد بيتابع معاها.. المهم في الآخر أنا الموضوع عندي مبحبش يكون فيه تعقيدات، مبحبش علاقاتي تبقى صعبة.. العلاقات سهلة وبسيطة! أنا بالنسبالي كأن كل اللي فات ده صفحة واتقطعت.. فأرجوك ساعدني! انسى اللي فات، ارجع شهاب اللطيف اللي شوفته يوم الأرض.. هتلاقيني جدعة وكويسة معاك! تمام كده ولا هتفضل متعصب ومتضايق؟" ابتسمت له بإقتضاب دون مبالغة
"ووطي صوتك علشان السواق ميسمعش!" توسعت عينتيها وهي تنظر في اتجاه السائق ثم له ليشعر هو بشلل عقله وتوقفه عن التفكير!! أمّا هي فحاولت أن تبدو كمن تحافظ على سره وسر علاقتهما معا!
ما الذي يحدث مع هذه المرأة؟ ملامحها وهي تتحدث، هدوئها وتلقائيتها، ابتسامتها، شرودها الذي لم يمر عليه سوى ثوان، وجنتيها اللتان تتحركا بطريقة رائعة كلما تحدثت! ماذا تريد منه؟ لماذا لا تخشاه؟ وفوق كل ذلك لماذا يشعر بعطل لعين في عقله كلما تحدث إليها؟! تلك المرأة إما ساذجة بطريقة بشعة إما ذكية إما تلقائية!! لا يدري لقد أُرهق من كثرة التفكير بأمرها!
لم يُجبها، فقط وضع نظره بهاتفه وتوقف عن النظر إليها بعد تفكيره، تظاهر بالإنشغال بهاتفه!! الهاتف!!.. عليها وبسرعة أن تتحدث لهبة أو بدر الدين بإستخدام أي هاتف آخر حتى لا يتصلا بها! قارب هاتفها على التوقف على كل حال.. ولم تحضر معها شاحن البطارية!! ولكن إن قام هو بإعادة ملئها قد تتصل هبة، ولكن بدر الدين لا يحدثها سوى عن طريق تطبيق!!
هناك أيضا كلمة مرور، ولكن هذا الوغد يستطيع اختراقه، فلقد قارب على قتلها أمس، لن تستبعد عنه شيئا!! لنرى، هو اختبار لثقته بها على كل حال..
أخذت تنظر بإستمتاع للطريق ولم تلق بالا أنه لم يجبها وعقلها لا يتوقف عن التفكير بينما وصلت السيارة إلي المطار وحقا لا تعلم ربما استغرقا ساعة ونصف للوصول ثم ترجلت من السيارة لتجد أن هناك أحدا في انتظارهما وكل شيء يبدو وأنه قد أُعد مسبقا!
لم تمانع وأخذت في السير معه ليرمقها من أسفل نظارته الشمسية إيطالية الصنع التي حقا تكلف ثروة بمنتهى التقزز وهز رأسه في انكار وأخذ شخصا يُنجز لهم الإجراءات ثم بعربة تشبه عربات الجولف وجدت نفسها وبعدها إلي طائرة خاصة! لحظة واحدة، من أين آتى بجواز سفرها؟!
وهل هذه! لا حقا هو يمزح.. طائرة خاصة كي يتحرك في نفس البلد!! لا هو يمزح بالتأكيد!!
تفقدتها وهي تنظر بإستغراب، تبدو الطائرة صغيرة نوعا ما، لا هي صغيرة للغاية.. يا تُرى لماذا؟! ستعلم، عليها ألا تتعجل وترى ما سيفعله بالنهاية!
صعدا بينما جلس شهاب وهو قد شرد تماما بما يفعله على هاتفه بمنتهى التركيز، لا يلق لها بالا، يبدو كذلك أنه يعمل خاصة عندما أحضر جهاز لوحي يبدو أيضا أنه يُكلف ثروة، لا تدري من أين أحضره، وجلس ليفعل به شيئا ما وملامحه لا تكف عن الإنزعاج والإمتعاض الشديدان!! ألا يزال بدر الدين يتسبب له بمشكلات؟
قلبت شفتيها وهي لا تكترث ثم أخذت تلاحظه تارة وتارة تنظر إلي محتويات الطائرة التي تبدو أنها كلفته ثروة، واضح للغاية أنه لديه الكثير من الأموال مما يفوق تصورها!!
أوصدت الحزام كما فعل شهاب على عجل وأخذ يُركز فيما أمامه لتتابعه هي بعينتيها مرة أخرى، هو يهتم بالعمل كثيرا، أكان صادقا معها أيضا بذلك الأمر؟! ستكتشف كل شيء.. ليس هناك داعٍ للتعجل!
"قوليلي بقى" قاطعتها نبرته الرجولية الجلية التي لا تدري ما بها ولكن نبرته حقا بدأت تسبب لها في شعور غريب عن شرودها بمحتويات الطائرة وشعرت بالمفاجأة "مين الغبي اللي قالك إني مريض!" أخبرها في تهكم لتبتسم هي له وهزت كتفيها
"أولا أنا مش غبية.. ثانيا أنت بتعاني مرض نفسي.. ثالثا هثبتلك! بس لما أعرفك الأول يا شهاب!" عقد حاجباه ممررا سبابته على شفتاه وهو ينظر لها مليا
"ما انتي عرفتيني، ولا مش لاقية سبب مقنع وكل ده حوار عاملاه عليا؟"
"أنا اعرف شهاب رجل الأعمال المشغول، شهاب اللي حطلي خمرة في الأكل، شهاب المهندس الشاطر اللي بيعمل تصاميم تحفة، شهاب اخو هبة وهاشم اللي معرفنهوش طول السنين اللي فاتت.. يمكن شهاب بتاع امبارح اللي بيهدد.. لكن غير كده معرفش، وأظن أنا حكيتلك المواقف اللي تثبت إنك مريض بس أنت مش عايز تقبلها، من خلال طبعا العلاقة اللي ما بيني وبينك واللي مرينا بيه.. يمكن لما أعرفك أكتر من وأنت صغير يكون فيه مواقف مقنعة.. وممكن الأعراض تكون بدأت وأنت صغير"
"يا سلام!" ابتسم في سخرية شديدة "والمفروض اقعد على الشيزلونج واقولك وأنا صغير كنت وكنت.. لا تصدقي اقنعتيني" أخبرها في تهكم لاذع بينما ابتسمت هي ابتسامة حقيقية
"أنا مش فاهمة الناس هتفضل لغاية امتى فاكرة إن الجلسات كلها شيزلونج واحكي والكلام ده.. تقريبا السينما والأفلام هي اللي بوظت افكار الناس عن الأخصائيين وطريقة العلاج المتبعة مع كل شخص.. بس هارد عليك.. أنت ممكن تحكيلي عادي وأنت بتاكل أو وأنت قاعد مش لازم شيزلونج أصلا.. ابقى احكي وقت ما تحس إنك مستعد تحكي" أخبرته وهي تنظر له دون أن تطيل النظر ولكنها لاحظت تردده الذي يحاول يخفيه
"ولو محكتش" أخبرها لتتنهد هي في سأم
"لو محكتش مش هاعرفك، ومش هاثبتلك ولا اقنعك.. وساعتها أنت قولت إنك هتموتني ومبتهزرش في الموت، مش كده؟" واجهته بمنتهى البساطة لينظر لها بعينتين حائرتين! ماذا تريد تلك المرأة؟ ماذا عليه أن يفعل حتى يُخيفها؟
"تعرف.. أنا متأكدة وواثقة راجل زيك بعد ما جابني بالمنظر ده امبارح ممكن بمنتهى السهولة يأذي أهلي لو أنا كنت بكدب عليه، أو لو عارفاك علشان سبب تاني غير المستشفى.. ممكن يأذي كل اللي بحبهم.. وطبعا يأذيني أنا شخصيا.. أنا مش عبيطة يا شهاب ولا بحب أفرط في الناس اللي بحبهم علشان اجي والعب عليك لعبة ولا أعرف عن حياتك حاجة واروح احكيها لحد واتحمل رد فعلك اللي ممكن يبقى مش سهل، أنا فاهمة كويس إنك ذكي جدا وحد يقدر يعمل حاجات كتير.. فمش أنا اللي هافرط في أهلي علشان خاطر أي سبب.. بس أنا اتجرأت وقولتلك إنك مريض في وشك وواجهتك بالحقيقة دي، وشايفة منك شك صغير في إنك مريض، يا اقنعك فعلا بعد ما أعرف عنك كل حاجة، يا إما خلاص، هتحمل مسئولية مواجهتي ليك" حدثته ليتحول في النهاية حديثها إلي همس في إرهاق اتضح عليها ثم اعادت رأسها للخلف وأوصدت عينيها وهي تحاول البحث عن القليل من الراحة أو لربما نصف ساعة من النوم!
"فكر في الكلام اللي قولتهولك.. ولما اصحى ابقى عرفني قرارك.. ناوي تحكيلي ولا لأ!" همست بمنتهى الذكاء علّ ما قالته يحضه على التفكير بالأمر ثم استكان جسدها وحركاته كما وقع شهاب في حالة من السكون الغريب الذي يُعتبر جديد من نوعه عليه!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
لقد سأم المراقبة وهو جالسا أمامها، سأم تلك الملامح التي لم يرها بأي إمرأة سواها وهو يقف أمامها كل مرة كالعاجز مكتوف الأيدي.. لا يدري ما الذي يحدث له مع تلك المرأة!! لماذا لم يُكمل مع طبيبا آخر إن كان حقا مجنون مثل ما أخبرته؟ وكلماتها تلك.. تبدو منطقية للغاية!!
لماذا يريد ذلك معها هي بالذات؟ تلك المرأة كالسم!! كالسم الفتاك تماما، تراه بالبداية ولا تعلم ما هو ولكن بمجرد إحتساءه يبدأ مفعوله القاتل الذي يستحيل أن يتخلص منه!
يكفي كل تلك التحليلات بكلماتها التي يحفظها عن ظهر قلب، كل موقف لها معه، كل كلمة، كل ابتسامة وضحكة، كل إنفعال وكل لحظة غضب.. يتذكر كل شيء.. هي عندما قام برؤيتها بشركته، يتذكرها وهي تتناول الطعام معه، يتذكر قصتها السخيفة لتلك الفتاة الصغيرة.. قوتها التي تظن أنه تستطيع إيقافه بها وقت إدراكها أنها قامت بسرقة ساعة يده.. لا يستطيع نسيان أي شيء مما مر عليهما..
في رأسه وهو ينظر لملامحها الرائعة الطبيعية البسيطة شعر وكأن كل ما يتذكره عنها وهو معها عبارة عن ذكريات.. وبالرغم من عدم ثقته بها ولا بأمرها ولا بسبب دخولها حياته إلا أنه ينظر لتلك الذكريات على أنها ذكريات سعيدة، لا يكره ذكرياته معها!! حتى أمس، حتى يوم ما قام بجعلها تثمل!! لا يكره ولو لحظة جمعته بها!
إذن وهو يحاول ألا يكترث بملامحها وعينتيها عديمتان اللون كان يزجر عقله؟ أكان يفعل؟ لا يدري.. لا يعرف.. هو فقط أصبح يشعر بإحتياجه الشديد لها.. لا، هو لا يشعر بالحاجة لأحد، وبالنسبة للأشياء هو لا ينقصه شيئا، يستطيع إحضار كل شيء!! تلك المرأة ترهق عقله.. تجعله يجلس ليُفكر بأمرها لساعات.. يترك عمله، يترك إنتقامه الذي يلح عليه بعنوة ويجد نفسه مستكينا لا يفكر سوى بها وبما قد يخفي له الغد معها!
يهرب من مواجهة نفسه بالأمر، هو حقا أراد رؤيتها خائفة، ولكن في الحقيقة أنه أرادها بجانبه ومعه.. أراد رؤيتها ولتفعل أي أمر لعين، تواجهه بمرضه، تُجبره على جلسات.. لا يجبره أحد على فعل أي شيء.. هو من يُجبرها وقام بإختطافها! لقد أرهقت ثنايا عقله تلك الملعونة، وجردته من كل التفكير بمنطقية.. أين ذكاءه؟ أين ما جعل شهاب الدمنهوري كل ما هو عليه الآن؟! أيفعل كل ذلك بسبب إمرأة!! ما الذي يجعلها مختلفة عن بقية النساء؟!
هل عشقها لزوجها ذلك العاهر!! لماذا تعشقه هكذا؟ أهناك عشق يصيب إمرأة بتلك المرارة؟! هو يتذكر ملامحها وكأن روحها تُنزع منها في ذلك المنزل عندما آتت له بالأوراق التي تُثبت ملكية الأرض! هل هناك إمرأة تعشق لهذا الحد؟ مخلصة للغاية هكذا؟ لا تلتفت إلي تأثيره على النساء ولا تنفك تتحدث عن زوجها؟ أتعشقه حقا؟ أكان أفضل رجل بالكون حتى تقع في حبه إلي تلك الدرجة المرضة وتحزن على مفارقته إياها بهذه الطريقة؟
لربما سذاجتها وطيبتها الزائدة هذا ما يجعلها مختلفة عن بقية النساء! فهي ليست والدته التي تركت ابنها، وليست غادة الخائنة الكاذبة المستغلة، وليست كلوديا تلك المرأة التي تجسد بجسدها الشيطان.. أيُدرك الآن أنها مختلفة؟
أين يكمن اختلافها؟ ماذا تفعل بعقله؟ وأين له النهاية من كل هذا؟! لماذا لا يتوقف عن التفكير.. لقد أرهقه عقله بقوة!
كلماتها منطقية، هو فعلا يستطيع إيذاء كل من عرفتهم يوما ما وبطرق جديدة لم يُجربها أبدا.. يثني كثيرا على نفسه في اتباع طرق انتقامه من الجميع!! يشعر بالفخر لهذا!! ولكن يجد نفسه يحاول تفسير كلماتها!
أتود أن تخدعه بالتوغل في حياته البائسة! أتود أن تعرف المزيد عنه حقا؟ ليس هناك ما يقال! ولكن هناك حيلة لا يملكها أحدا سواه.. تريد أن تعرفه إذن، سيُعطي لها الفرصة أو سيجعلها تظن أنها تعرفه! لن يصارحها بكل شيء.. وليرى، ليرى حينها ما ستفعله..
دلفت المضيفة لتعلمه بضرورة ربط الأحزمة للهبوط وكادت أن تتوجه نحو فيروز فنهاها لتغادر في تهذيب ونهض هو بدلا منها ولم يكترث لما ستقوله وحتى لو شعرت به فهو لا يكترث لما ستظنه، اقترب أكثر وقام بربط الحزام على خصرها لتشعر هي بالقلق وفتحت عينتيها الناعسة لتنظر له ومن المرات القليلة أن يكون بهذا القرب منها فلمح عينتيها اللتين تحولتا من الأخضر الزمردي للعسلي في اقل من ثانية واحدة
"إيه فيه إيه؟" همست بنعاس بينما لم يتوقف عن ربط الحزام
"بربطلك الحزام علشان خلاص يُعتبر وصلنا" أخبرها ثم ابتعد عن تأثيرها الغريب عليه لتحاول هي الإستقامة في كرسيها وهي تحاول تجاهل رائحته القوية المختلطة بذلك العطر الذي يفوح بشدة منه ومسحت وجهها لتمحو من عليه آثار النوم واستعدت للهبوط..
أحقا ما يفعله؟ طائرة خاصة ومهبط خاص للطائرات فوق سطح منزل ضخم أمام البحر مباشرة!! هذا هو السبب إذن في أن الطائرة صغيرة..
اتخذت من الصمت والملاحظة درعا حتى تعلم أين هما ولكن عند مغادرتها للطائرة ولمحها للبحر الذي يُعتبر على مسافة قريبة من المنزل لم تستطع أن تمنع تلك الطفلة بداخلها عن شوقها وتحرقها للوصول للشاطئ!
لمحته يدخل بغرفة صغيرة على ذلك السطح فتبعته وهي تحاول التحلي بالهدوء لآخر ذرة تحمل تمتلكها وإعطاءه مسافة ليسبقها حتى لا يُجبرها على مناقشة جديدة معه وحمدت ربها أنه انشغل بمكالمة هاتفية لتتبعه للأسفل في قليل من الإطمئنان فالدرج الرخامي محاط يمينا ويسارا بجداران فلم تشعر بالخوف وشجعها ذلك لتحاول بسرعة إكتشاف باب يوصلها للشاطئ فوجدته لتخرج في هرولة واتجهت نحو البحر..
خلعت حذاءها وتركت المياة لتمس أناملها وضحكت كما الأطفال تماما مصدرة صوت فرحتها عبر تلك الضحكات وأخذت تستنشق ذلك الهواء الممتلئ برائحة البحر ولم تكترث أنه يُفسد خصلاتها، فله أن يفعل ما يشاء بعد أن غمرها بتلك المتعة التي لا تضاهيها متعة كلما تواجدت بالقرب من ذلك اللون الفيروزي وتلك الرمال الذهبية الناعمة ورائحة الهواء المنعشة التي تتغلغل داخل رئتيها لترحب بها بمنتهى الإحتفاء..
رفعت القليل من ثوبها وتركت المزيد من المياة تلمس ساقيها والإبتسامة لا تغادر شفتيها، ثم التفتت لتتفقد المكان بعد دقائق من الإستمتاع بمداعبة ماء البحر لساقيها لتجد شهاب واقفا خلفها يتابعها بنظراته ولأول مرة ترى ابتسامة حقيقية على وجهه..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .
الفصل القادم غدا في تمام التاسعة مساءا على مدونة رواية وحكاية..
شكر خاص لرهف مصطفى على cover الرواية..