-->

NEVER LET ME GO 3 (AFTER BURN) - الفصل الحادي عشر


 الفصل الحادي عشر ج١


كل الحق لك، الواقع في غاية القسوة والحياة صعبة،
ولكن ألا نستحق القليل من الأمل لنواصل كفاحنا ضد الحياة من أجل أن نبقى معا؟!

-محمد طارق-
•¤•¤•¤•


بعد مغيب الشمس بقليل، كان من الشاق عليها تسلق هذا الجزء المنخفض من سور القصر لتدفع بجسدها أعلاه .. جلست للدقيقة تنظر بها لأسفل الجهة الأخرى برهبة وخوف، حجبت شعرها القصير عن وجهها خلف أذنها لتستجمع رابطة جأشها من جديد، فلم يكن أمامها سوى هذا الحل لتخرج من الحصار الذي فرض عليهم من الإعلام المتطفل، فبات من الصعب عليها احتمال هذا الخناق.



الحقيقة انها لم تستوعب بعد ما حدث أو ما تداولته مواقع التواصل الإجتماعي من مقاطع فيديو لإختطاف تصور أخيها وهو يخطف طليقته .. حسنا، منذ حادثة اختفاءه وبعد عودته الغريبة أيضا وهي تشعر بوجود خطبا ما معه لكن لم تتخيل أن يبلغ به الجنون إلى هذا الحد .. يخطف الفتاة، وفي وضح النهار، وأمام الجميع!! .. لنقل أنه لم يفكر بنفسه، فإلى هذا الحد لا تعني له العائلة شيئًا .. هكذا بهذه السهولة لم يهتم ﻷمر توريطهم فمصل هذا الفضيحة وذهب إلي حيث ذهب .. منذ هذا الحين وهي صامته وعقلها في حالة ذهول لا يخلو منها، لقد صعقها الأمر بكل المقاييس .. لكن مع حصار الإعلام وضغط الذي تمارسه وسائل التواصل باتت تضيق ذراعا من كل هذا فهاتفت أصدقائها واتفقت معهم على أنها ستلتقي بهم اليوم مهما كانت العواقب.



ومن أجل هذا تشجعت هابطة هذا الإرتفاع بقفزة قوية جعلتها تقابل الأرض بوجهها إلا انها استندت على كفيها قبيل حدوث هذا ولكن لم يمنع هذا اصابة ركبتيها بالرضوض مما جعل من نهوضها مهمة صعبة حتى رأت يد تمتد نحوها عارضة المساندة فلم تتردد في قبول هذا، بالعكس رحبت.



ما إن استقامت وبينما كانت منشغله في نفض الغبار عن سروالها الجينز بينما تتفحص ركبيتها غمغمت بخفوت لمن ساعدها:

- شكرا جزيلا لك!!



إلا إنها لم تسمع إجابة فرفعت رأسها لترى هويته وقد أدركت لتوها ما حدث وما كانت تفعله .. رغم الآضاءة البعيدة قليلا عنهما إلا إنها استطاعت رؤية زوج العيون الرمادية الحارقة التي تتفحصها بغرابة .. تبا، انها تعرفه .. انه هو .. ذلك الرجل الذي قلب كل شئ عليهم وكلما تطلعت من نافذتها تجده يرابط أمام القصر مع مجموعه من الثائرين مثله .. اللعنة، ماذا ستفعل الآن .. كانت منغمسه بتفكيرها حتى وجدته يقول بصوت متشنج وحاجبين منعقدان:

- أنتِ؟!

استشعرت شرارات الغضب من نبرته، فلم تفكر كثيرا قبل أن تتجاوزه في محاولة ﻹنهاء أيا كان ما هو على وشك البدء، فهذا بالضبط ما كانت تخشاه ومن أجله جازفت وخططت والآن تواجه هذا الثائر الملتاع على حبيبته .. لا، لن تشتبك معه أو أمثاله، فهذا خطير!!


فور أن شعر بها وهي تتجاوزه حتى تحرك تلقائيا ليسد طريقها وهو مازال يسلط عليها نظراته الحاقدة المتقده لتكتف ريم ذراعيها أمامها وتسأله بنبرة تغالب فيها خوفها، فهي لا تضمن ما قد يفعله:

- ابتعد عن طريقي!!

هتف بها بلذة استمتاع بعدما علم هويتها .. إذا هذه العائلة أصبحت تختبئ وتخرج كالفئران؟؟ .. نحن نبلي حسنًا، ولن ينتهي هذا قريبا إذ لم يستسلموا:

- إلى أين تظنين نفسك ذاهبة .. أخيرا قد حصلت على أحد أفراد هذا العائلة!!

تدافعت دقات قلبها بقلق، لتسأله بحذر:

- عفوا؟؟ .. ماذا تريد بالضبط؟؟

ابتسم باستخفاف من مراوغتها:

- لا أريد سوى شيئًا واحد، وجميعكم تعريفوه!!

دعت بداخلها أن يتعجل أصدقائها بالقدوم حسب مواعدتهم ولكن لا تعرف لمَّ لحظها العثر تأخروا .. فقررت أن تتعامل معه باحترام علَّ ذلك يجدي ما شخصية مندفعه مثله:

- آسفة جدا يا حضرت ولكني ليس لدي علم عما...


اُخشِشت نبرة مراد بعدما بلغ حده من هذه العائلة:

- هل تستغفليني؟؟ .. من الأفضل أن تخبريني الآن إلى أين خطفها أخاك اللعين!!

بادرت غضب ضربت جسدها من تبجحه:

- احتَرم نفسك!!

رفع حاجبيه بدهشة .. هذه العائلة لا تفشل أبدا في مهارة قلب الأدوار، حتى أصغرها .. تلك القزمة .. تتمتم لنفسه قبل يهدر بها وﻷول مرة يتعرض ﻻمرأة بهذا الأسلوب المخل ولكن ماذا يفعل، هذه العائلة تتفنن في دفع الشخص نحو الجنون:

- أحتَرم نفسي؟! .. أنا لم أفعل شيئًا بعد .. ذلك المجرم خطف خطيبتي!! .. هل تدركين ما يعني هذا؟! .. فريدة مريضة وتحتاج لأدوية وعناية خاصة ووجودها مع هذا المجرم يعرضها للخطر .. والله وحده يعلم بأي حال تكون الآن!!



زفر ما قاله فس نفس واحد بالتياع وقلبه لم يتوقف لحظة عن الانقباض مما يصوره له عقله .. خاصة بعدما عرفه عن معاناتها النفسية التي أخفتها عن الجميع .. اللعين أدهم، يقسم أنه لن يتردد لحظة عن قتله إذا مسها بسوء .. هذا قبل أن يسمعها تقول:

- (أبيه أدهم) ليس مجرم .. أنظر أنا أقدر حالتك ولكن لن أسمح لك بأن تتجاوز حدودك وتعيب به .. أخي ليس بهذا السوء .. أنت لا تعلم مَن هو أدهم الشاذلي؛ لذلك لا تتحدث عنه بهذه الطريقة!!



ما هذه اللعنة الآن؟!



لا يعرف ماذا حل به لدى سماعه لكلمة (أبيه) .. تلك الكلمة تركية التراث التي لا يتلفظ بها سوى أبناء الطبقة المخملية ليعبروا عن احترامهم لأخيهم الكبير .. وبالطبع، هذه الفتاة واحدة منهم .. اللعنة، هل دافعت عن هذا المجرم الآن ووضعه في إطار الاحترام، بل كامل الاحترام؟! .. الوغد اللعين، كيف استطاع أن يرسم هذه الصورة المثالية أمام هذه الطفلة، وأمام عائلته، بل أمام العالم أجمع .. وبالطبع أمام فريدة قبلهم جميعا!!



طفلة؟!



فكر بذهول وتعجب في نفسه .. وهو لتوه يلحظها ويمعن النظر بها .. جسد قصير لدرجة يظهرها على قدر من الإمتلاء الأنثوي المناسب داخل سروال جينز وتيشيرت عادي .. شعرها أسود كثيف بالكاد يصل لحدود وجهها ليزيد من استداره وجهها الطفولي، تحصره خلف أذنها ليظهر ثلاثة أقراط فضية صغيرة، بالإضافة إلى الكثير والكثير من الحلي الفضية التي ترتديها بيديها واستطاع أن يراها رغم الضوء الضئيل .. ويعلو كل هذا، عين خضراء تشع كحجر الزمرد .. تبدو في مطلع العشرينات، إن ما مازالت قيد المراهقة!!



تبا له، انها فعلا طفله، بحق السماء هل يقف الآن ويخوض جدلا مثل هذا مع طفلة مهما تحدث لن تفهم شئ منه؛ ببساطة لأنها لم تختبر أي شئ بعد من شرور هذا العالم؟! .. هل قالت أنه لا يعرف مَن هو أدهم الشاذلي؟؟ .. حسنًا، اﻵن هو متأكد من شيئًا واحدة، هذا الطفلة المدللة ستنضج في اللحظة التي تعرف فيها الحقيقة الإجرامية التي ينطوي عليها أخيها المحترم!!



وفجأة، ضرب دائرتها ضوء سيارة قوة تصدر بوق مزعج، وشيئًا بداخله أخبره أن ذلك من أجله .. وبالفعل، فما إن اقتربت هذه السيارة، حتى قفز منها شاب يقارب عمرها ليندفع نحو ريم باحتراز بينما زوج من الرؤوس الانثوية تطلعت عليهم من داخل السيارة مكشوفة السطح:

- هل هناك خطبا ما، ريم؟؟

سأل الشاب لتقابله ريم بخطوات شبه راقدة وهي تسحبه معها بعيدا عن مراد هامسه له:

- ليس هناك شئ .. هيا من هنا!!



● ● ●

وكأنك تبلغ عنان السماء، هذا ما كان يشعر به بينما يجلس ويراقب تلك السعادة التي تنجلي على خلجاتها الخجلة بينما تلتهم بشراهه كل ما يضعه بصحنها دون تردد، وبوجه يتشبع بحمرة لطيفة زادتها براءة .. فوجد نفسه يتململ بعدم راحة وقد تدفقت حرارة الإستثارة إلى جسده وبدأ يشعر تضخم طفيف فيما بين فخذية كل هذا حين ارتجعت فريدة بجسدها للخلف معلنة بذلك إكتفائها من الطعام الطري شهي المذاق وهي تنظر لطبقها الفارغ بذهول ولا تصدق ما حدث الآن حتى انعا تمتمت دون أن تدري انها فعلت ذلك بصوت مسموع: 
- لا أصدق أنني أكلت سمك للتو!!

وعندما انتبهت لزوج العين الشغوفة التي ترمقها عن كثب بنظرة غائمة بطريقة صعبة التفسير إلا أنها لم تزيدها إلا إحراجا خاصة بعد أن وقعت عينها على صحنه الفارغ وقد تداركت للتو أن لم يأكل شيئا واكتفى بإعطائها حصته .. حينها لم يسعها استدامة النظر لعينه التي تحرقها وقد شعرت بأنها ستتلاشى من خجلها أمامه إن استمر في فعل هذا حين سمعته يغمغم بصوت تغشوه الرغبة:
- ولماذا لم تذوقيه من قبل؟؟

سألها وحاول تمديد ساقيه عللّه يحصل على بعض الراحة في حين بقيا يراقب تعابيرها التي تتغير من الدهشة للتفكير إلى أن اجابته وملامحها بدأت تسترخي:
- لأنني لم أكن أعرف كيف يُؤكل!!
أضافت حينما حصلت عليه من نظرة جهل واضحة: 
- حسنًا، لم يحدث أن تناول سمك من قبل إلا وانتهي بي الأمر وانا ابتلع إحدى أشواكه المؤلمة.

قالت هذا دفعة واحدة وهي ترفرف بأهدابها في عصبية ثم تناول كوب الماء خاصة وارتشفته سريعا .. في حين أنه كان يواجه صعوبة في تفسير ما قالته الآن وعندما رمقته كانت التساؤلات تطفح على وجهه .. ماذا تعني بهذا، لم يعلمها أحد كيف تفعل هذا .. تجمد للحظة لدى تعابيرها المتوترة وقد فطن السبب .. لم يهتم أحد لفعل هذا من أجل من قبل .. ضرب الحقيقة قلبه وأوغرته بالغضب عندما رأى امامه فريدة الطفلة التي تعاني لتناول لقمة خالية من الشوك .. صدره تضخم بالألم، تبا، لم يتوقع أن تكون طفولتها مشبعة بالاهمال إلى هذا الحد!! .. وفي لحظة تبدلت حالته المزاجية وانعكس هذا على ملامحه المشدوده إلا أنه لم يقبل باضاعة تلك الأمسية الثمينة في هراء الماضي طالما هو هنا موجود يعوضها ودون مقدمات وجدته يهتف:
- ما رأيك بكوب شاي؟؟
دون أن تدري كانت تمنحه شبه ابتسامه هانئة اخبرته بموافقتها فنهض ليشرع في اعداد الشاي حين قاطعته بصوتها المتردد: 
- لا داعي لهذا .. لقد حان وقت نومي.. شكرا على الطعام!!
أوقظته من انغماسه في تلك الحالة الشعورية الهادئة التي كانت تغلفهما فتسمر يحدق بها بغرابة وكأنها سرقت سعادته بندمها البازغ بعينها ورحلت. 

بعد دقيقة كاملة أدرك انتصاره الذي حققه الليلة وانه لا يجب أن يبلغ به الطمع مبلغه فيفسد متعته .. نعم، يكفي ما حققه وان الليلة ستظل ذاكرها كمفعول المهدئ الذي يتروي منه كل حين ليبدد مرض قلبه الملتاع.

فريدة تناول سمك .. معه!!

هز رأسه بعدم تصديق وليؤكد لنفسه راح يجتر بعقله مشاهدها الأثير التي خلدها بذاكرته ليسمع لابتسامته السعيدة أن تأخذ فرصته لأول مرة فالظهور على محياه .. كل هذا بينما يجمع طاولة الطعام ويعيد ترتيب المطبخ كما كان بيد واحد .. فقط تبقا له تلك الأطباق المتسخة والتي يفكر لها بحل حين انتبه في تلك اللحظة لاختفاء احد السكاكين من درج ادوات المطبخ .. نخشب جسده، هذا السكين الصغير الذي اعطاه لفريدة لتقطيع الخضروات وانشغل بكيف سيجعلها تتناول السمك ونسي تماما استعادته منها.

تبا!!

تمتم بسخط وهو يندفع تجاه غرفتها بسرعة فائقة وبرأسه تتزاحم الأفكار المرعبة حتى أنه أدار المقبض دون طرق لكنه كان مغلق مما أشعل الحريق بداخله ليبدأ بطرق الباب بدقات مجنونة وهو يهتف باسمها بلوع وقبل أن يشرع في كسر الباب إذ به يُفتح وفريدة تقابله بعين غاضبة مستهجنة:
- ما الذي تفعله؟!

تمحصت عيناه بهلع على سائر جسدها ليتأكد من سلامتها قبل أن يبتلع بنفحة من السكينة ليرفع عينه ويبادلها مشاعر الغضب إلا إنه تأنى في قوله بعقلانية بالكاد يمسك بها: 
-  أينالسكين فريدة؟؟
جمعت ذراعيها أمام صدرها وقد أثلجت نظراتها بينما تردف ببرود: 
- أي سكين؟؟

لم يكن في مزاج لادعائها ومناوراتها فدفعها بخفة بكتفه وعبر الغرفة دون استئذان ليشرع في تفتيشها بعقلٍ تتطاير أفكاره من حده الانفعال .. في حين وقفت هي ترقبه بجسدها المتشنج من الغضب حتى عجز عن إيجاد أي شيء حتى بعد تفتيش الحمام فعاد لها يسألها وقد ازدادت نبرته حده وعنف: 
- أين السكين الذي أخذتيها فريدة!!
تدلت شفتيها بابتسامه مستهزئة زادته غضبا بينما تقول: 
- ما الأمر؟؟ .. أتخشى عليّ أن انتحر أم تخشى أن يتهموك بقتلي؟؟ .. لن أفعل، صحيح أنا يأسه للتخلص منك، ولكن لن أفعل!!

أغمض عينيه بينما يخرج زفير يعلم جيدا أنه لن يجدي نفعا إلا أنه ردد لنفسه "اهدئ أدهم .. انها تستفزك، هذا نتيجة مرضها .. لا تندفع وتصرف بفاعليه كما تعلمت" ..بعدها أخذ نفس عميق تغلغل بين ثنايا صدره فتثنى له التحدث بنبرة أقل حده وأقرب للرجاء: 
- فريدة .. أنتِ تعاني من نفسية غير مستقرة .. وسبق وهددتِ بقتل نفسك .. الآن من فضلك هاتِ السكين!!

هنا، وفلت منها زمام البرود والقناع اللامبالي فوجدت نفسها تعود لسيرتها الأولى معه وتنفجر به كالإعصار صارخة بجسد ينتفض من الحقد والغيظ:
- نفسيتي؟! .. ماذا تعرف أنت عن نفسيتي؟؟ .. واللعنة ماذا تعرف يا لعين!! .. ما وصلت له نفسيتي بسبب شخص مختل مثلك!! .. والذي بسبب ظللت طوال ٦ شهور حبيسة مقعد متحرك، والاكتئاب ينهش نفسيتي ليل نهار ولولا جلسات ECT كنت سأقتل نفسي بالفعل!!

نقطة، وعودة مرة أخرى للبداية .. توقفت عجلة الزمن به .. هل ما سمعه صحيح؟؟ .. ECT؟؟ .. Electroconvulsive Therapy (تنظيم إيقاع المخ)؟؟ .. شيئًا ما ينسحب من داخل ليترك بدلًا عنه برودة قارصة.

ماذا فعلت بحق الجحيم؟؟

فجوة فارغة لا تحوي شئ سوى الزلام ابتلعه بينما يقف أمامه في حين أنه لم يكن يراها عن حق بل يرى ومضات مما فعله بها، خاصة بالقلعة .. كيف تجرد عن انسانيته وارتدى ثوب الشيطان وراح يمزق جسدها باستمتاع مرضي حتى وصل لتلك النقطة التي صدمها عدة مرات بالكهرباء .. حديثه معها، ملامحها المتخشبة، انتفاضة جسدها أسفل الماء الذي ضاعف من قوة التيار الكهربي الساري بجسدها الصغير .. كل ذلك، أين كان كل ذلك؟!

كان غارقًا حتى التخمة بجنونه ومرضه الذي رغب في تدنيسها والانتقام من جسدها بطريقة لم يسبق أن فعلها بأنثى!!


"لا تخبرني أدهم أنك لم تكن واعي .. اللعنة عليك .. انت أردت بتصميم واصرار شيطاني تحويل معالجة نفسية لمختلة .. وخمن ماذا؟؟ .. لقد نجحت .. اللعنة عليك مرةئ أخرى طالما حَيّت!!"

كان في غمرة صدمته وقد تبدى هذا في شحوب وجهه اللحظي حين وجدها تخرج من جيب سروالها قطعة قماشة وتفتحها ليظهر السكين الصغير ومن ثم أردفت بجمود: 
- هاك سكينك .. والآن غادر!! 

بضعف رفع عينه ليحدق بذلك السكين بيدها الممدوده وقطع القماش التي تدسها بالأخرى وكأنها تخفيها عن ناظريه فأصابه الاستغراب ليقابلها بمشاعر متخمه بالخزي وقد فطن أن تصرفها ما هو إلا اندافع تداري بها ندمها على ما تفوهت به، ولو تدري انها أضافت الآن جرحا جديدا لجروحها التي لن تندمل أبدا .. فشقت الحروف فمه لتتغلب على تضخم غصته القاتل:
- إذًا، فيما كنتِ تحتاجيه؟؟
- لا يخصك!!

ردت على الفور بنزق من حِشريته  وفرده لنفسه عليها لكن زفر بانقطاع انفاس وقد تملك الاحباط من روحه ليخبرها مقررا بحزم:
- لن أتحرك من هنا قبل أن أعرف لما أخذتٌ السكين!!

نفخت بوجه كل ما في جعبتها من مشاعر قاتمة كريهه قبل أن تجد التأكيد بعينه على ما قله لتفتح يديها التي تحوي الأقمشة الممزعة أمامه لتأخذ شكل مستطيل: 
- ما هذا؟؟

سألها بعدما لم يدرك لما تحتاج هذه الأقمشة فقالت من بين اسنانها المرتسمة بابتسامة كارهه: 
 - كنت احاول عدم ازعاجك ليلاً!!

ضيق عينيه بمزيد من الغموض وقد تضاعف عدم الاستيعاب لديه لما ترمي له .. ذلك قبل ينجلي أمامه المغزى من وراء ذلك كله، وأنها ستستخدم هذه الأقمشة في قمع صرخاتها المستغيثة ليلا فهسهس بها باهتياج لينهرها:
- أنتِ لستِ بحاجة إلى هذا!!

مررت عينها باستنكار على صدره المتأجج بالغضب وشيئًا آخر لم تفهمه لتقول بذات الابتسامه التي بات يكرهها:
- وفر شفقتك لنفسك .. انا معتادة على هذا .. الآن انت استعدت ما لك، أخرج!!

بصقت عَلّقم كلماتها بوجهه .. بل بقلبه .. فكل ما تقوله أو تفعله لا يزيد قلبه سوى ثقلا مهلكًا لا أمل في النجاة منها .. راقبها وهي تبتعد عنه خطوات ودون أن يدري كان يجذب ذراعها بقوة أجفلت منها وتوسعت عينها بزعر جلي فهدر امامها قبل أن يلقى أي ردة فعل بينما يدس السكين بين أصابعها بحزم:
- اقتلي شياطينك فريدة، علّكِ تنعمين وقتها بنومٍ هادئ!!

غادر، وخلفه طيف معبئ برائحة ووقع كلماته القوية التي آخذت تتردد من بعده كنغمة عنيدة مستفزة تأبى الاندثار .. لفرج فريدة قبضتها عن السكين ومازال تشعر بتوابع لمسته الطاغية لتتسلل الكلمات الهامسة من بين شفتيها بنبرة شديدة الخطورة: 
- أعدك سآخد نصيحتك بعين الاعتبار!!

يتبع