-->

NEVER LET ME GO 3 (AFTER BURN) - الفصل الحادي عشر (الجزء الثاني)




الفصل الحادي عشر ج٢


كل الحق لكِ، الواقع في غاية القسوة والحياة صعبة،
ولكن ألا نستحق القليل من الأمل لنواصل كفاحنا ضد الحياة من أجل أن نبقى معا؟!

-محمد طارق-
•¤•¤•¤•

قضى إحدى لياليه القاسية بشق الأنفس، ولا يعرف حتى كيف بلغت عيناه النوم بعد ذلك، ليستيقظ باليوم التالي وتوابع ما حدث مازالت تلازمه قبل حتى أن يفرك جفناه .. كل شيء عاد لما كان عليه، فريدة مازالت تحمل له الضغينة ولم يلين ولو قليلاً رغم كل يفعله .. ألا ترى حقا أنه يحاول بجد .. يشهد الله أنه يفعل كل يستطيع وما يفوق قدرته ليكفر عن خطيئته الدانية بحقها .. اللعنة، ماذا يفعل أيضًا؟؟ 

بحق السماء أي تقدم كان يتخيل أنه أحرزه البارحة معها، بربك أدهم أكنت تتصور أنه من أكله سمك ستذوب كل القواطع بينكم وتمهد الطرق وتبنى قلاع الحب؟؟

واهِمٌ أنت إذا كنت تظن هذا!!

"لكن لن أستسلم!!"
تمتم بها ونفض غبار النوم عنه ليرى ماذا سيفعل معها .. بعد حمام سريع خرج ليبادر هو بإعداد الإفطار بعد أن تولت هي ذلك الأيام السابقة .. وبعد أن انتهى، رتب الطعام على الطاولة وذهب ليدعوها وكله أمل أن تكون قد تجاوزت ما حدث أمس وأن يحالفه تقلب مزاجها هذا الوقت .. طرق بابها لمرات دون استجابة، فعرف أن أمنيته لم تتحقق وأنها مازالت في طورها الغاضب لذا انسحب بإحباط فاقد الشهية في تناول أي شيء، ربما يحاول مرة أخرى عند الظهيرة.

لذلك، صعد على السطح العلوي ليستمتع بصفوة البحر صباحًا، وحين ذلك، تناهى إلى سمعه نغمات ناعمة تغلف الروح قبل الأُذن تتعرف عليها سريعًا؛ إنها إحدى مقطوعات باخ المفضلة لديه وقت الاسترخاء والنوم .. تتبع سحر النغمات حتى قادته قدماها إلى الدور السطحي للمركب ليرى أروع مشهد قد يراه صباحًا .. على عكس عادة كل الناس، فاتنته الذهبية تمارس الرياضة الصباحية على أنغام باخ!!

توارى بخفة خشية أن يقطع عليها تركيزها ويقطع انسيابيها جسدها اللين كالعجين وهي تقوم بحركات تمرن بها جسدها وتدفع داخل عضلاتها الليونة والمرونة تحت آشعة الشمس الصباحية التي تعطي شعرها البني المعقوص لون ذهبي بارق يُآلف عينها الموصده باستمتاع واسترخاء واضح، والقوة .. افرج عن تنهيدة كادت تقتله من حرارتها وهو يشاهد بروز صدرها الشامخ عندما انبطحت على بطنها وقوست ظهرها بانبعاج عكسي لتمسك يديها اليت أصبحت خلف ظهرها بمشط قدميها وتثبت على هذه الحركة لثلاثين ثانية أماتت بها أنفاسه .. خاصة وهي ترتدي احدى هذه التيشيرتات القطنية الشفافة الآن فقط عرف لمَّ اختلف كل شيء في جسدها واتخذت مفاتنها تضاريس واعره كهذه؟!


تبًا، يشعر بأنه سيختنق إن بقي يشاهدها دون أي فعل!!

انهت هذا التمرين الشاق وفردت جسدها باسترخاء على البساط الرفيع الذي تفرشه بجوار المسبح  لتستشعر ألم طفيف في نهاية ظهرها يقابله ألم في معدتها، وأرجعت هذا لكونها اهملت التمرين منذ مده إلى جانب انها لم تتناول الطعام بعد .. ضمت ركبتيها أسفل منها وجعلت ظهرها في وضع استقامة لتجمع ذراعيها بعد ذلك في وضع مسترخٍ باسط لعضلات الكتف ثم أحنت رأسها على مقربه من صدرها وأخذت شهيق عميق عبئت به صدرها وركبت به على صهوة أفكارها الجامحة نحو الاندفاع ومن ثم دخلت في رحلة تأمل داخلها بدأت بسؤال مرهق استغرق منها دقيقة كامله حتى تجيب عنه:
     "تذكري فريدة أين كنتِ والم وصلتِ الآن؟؟"

زفرت ما في جُعبتها على مهل ثم بدأت تسترجع حالها منذ أن استفاقت من الغيبوبة وما مر بها من أحداث حتى الآن، حالها الميؤس، لحظات ضعفها وانكسارها، معافرتها في رحلة العلاج وحتى لحظة وقوفها على قدميها من جديد وشبه ابتسامه تشق طريقها نحو وجهها المتيبس .. والآن .. الآن هي معافية بالكامل .. صحيح تعاني من رواسب ما حدث لكنها معافية .. جسدها سليم، تستطيع التحرك، الحديث، الابتسام، إذًا ماذا ينقصها حتى تكون بهذا البؤس؟! 

تمتمت باعتذار خافت لنفسها، على فقدانها السيطرة الأيام السابقة وعلى استسلامها لهوجاء افكارها دون أن تتخذ أي خطوة علاجية سليمة مما تعلمته واهمالها لخطة علاجها لأكثر من ثلاثة أسابيع، فكان ما حدث نتيجة طبيعة لانتكاستها .. اعتذرت مرة أخرى بمشاعر فائضة تحارب لتطويعها:
- أنا آسفة فريدة .. أنا اسامحك .. انتِ تستحقين المغفرة .. لستِ الجاني هنا!!

نفسًا أعمق عانق روحها وهدئ من هلعها وحررها مما يعلق بها من تلابيب الماضي ليصفو ماء روحها وتنجلي لها راحة افتقدتها ايامها الماضية .. لتبدأ بعد ذلك في مراقبة ما يطفو على سطحها من أفكار تعلو كعلو الأمواج ثم تهدئ وتنكسر لتأتي من بعدها موجة أخرى وربما أعتى .. خاصة ذلك السرب الذي خطفها إلى الأسبوع الأخير تحديدًا، وكل تلك المواقف التي اصبحت تجمعها به بين شد وجذب وتلك التصرفات المندفعة التي باتت تصدر عنها قبل أني يكون لها حكمًا عليها .. علت أنفاسها دليل على اضطرابها وكادت تنخرط مع نفسها جدال حاد يعكر صفوها ويفسد تدريبها العلاجي حين شعرت بذلك الذي يتحرك ببطيء ناحيتها وعلى مسافة قريبة منها نوعًا ما افترش جانبها.

- ما الذي تفعله الآن؟؟  
 
اخفى بانحناء رأسه ابتسامه خبيثة وهو يتجاهل هتافها المنزعج قبل أن يتصنع الاندهاش ويجيبها بصوت صباحي أجش:
- افعل مثلما تفعلين!!
ابتسمت ابتسامه صفراء تظهر اسنانها لتجاريه لهدفٍ ما:
- وما الذي أفعله انا بالضبط؟؟
نظر لها نظرة تشكك قبل أن يردف:
- "تأمل"؟!
- أشك في أن ما تفعله قد يسمى "تأمل"؟؟

اجابتها المستخفة القاطعة جعلته يشتد على صدغيه دون أن يدري .. رغمًا مازال هناك جزء يندفع وراء استفزازها ويرغب في الاقتناص منها جزاء هذا .. إنها لعبة أدهم، يمكن لكلاكما لعبها .. بل إنها الاكثر من لعبة، تبدو كفرصة جيدة لخلق المزيد من التقارب .. ليضغط بالنهاية على نفسه ويجاريها في لُعبتها ويسألها بنزق:
- إذًا، لمَّ  لا تعلميني؟؟
- أُعلمك؟؟
هتفت باستنكار وهي تعتدل بجسدها لتواجهه .. فوجدته يهز كتفيه ببراءة ويعقد حاجبيه باستفهام مسترتسلًا:
- ولمَّ لا؟؟ .. بصراحة انا لا اعرف كيف امارس التأمل، وعندما شاهدتك منذ قليل وجدتك هادئة مسترخية فاردت ان احظى بفرصة كهذه؟؟   
لم تصدق التلقائية اليت نطق بها الكلمات معاملته اللطيفة وذوقيته تتناقض مع أفعاله المزرية بحقها .. كيف له هذا؟؟ .. كيف يكون على هذا الكم من التناقض؟؟ .. تناقضه الخطير هذا يوقد من لهيب خوفها منه ويجعلها ترغب في الهروب إلى نهاية العالم!! .. لذا انتفضت من جلستها وهي تهدر به بغضب تتناثر ألسنته:
- تحظى بفرصة كهذه؟؟ ..  أنت .. أنت ماذا تظننا؟؟ برحلة استجمام هنا؟! .. هل نسيت مَن نحن ولمَّ نحن هنا؟؟ .. هل نسيت ماذا فعلت؟؟ .. تبًا، أنا مَن فقد الذاكرة هنا وليس أنت!!

أنهت جملتها بصريخ نفرت له عروق نحرها وجبهتها، في حين أنه لم يعد يستطيع تمالك نفسه بعد الآن .. حسنّا، لن نكن صريحين، ليس من بيننا هنا أي عاقل، اثنان مختلين عقليًا بمركب واحدهما، فماذا ستكون النتيجة؟! .. لقد مَلَّ دور الرجل المتفهم المصلح النادم، مَلَّ من الاحساس الشنيع بالذنب، مَلَّ كونه اصبح خاضع أمام اهانتها المتكررة له، وتقلباتها وثوراتها اللاذعة التي لا تنتهي .. مَلَّ من تحمل أخطاءها في سبيل اصلاح خطأ ارتكبه في غفوة منه!! .. مَلَّ وتعب حقًا، وفي هذه اللحظة لعن العقل الذي حاول يدعيه ولم يجدي معها، ولم يزده هو إلا شقاءً!! .. لذلك وجده نفسه في غمضة عين كان واقفا امامها يقبض على ذراعها ويهزها بجزع علّه يفلح في إعادة عقلها لها:
- بلى، أنتِ الفاقدة للذاكرة هنا .. وخمني ماذا؟؟ .. كان من السهل عليّ جدًا أن أخفي عنكِ الحقيقة وأردد ما الروايات التي تداولتها الأخبار .. لكنني لم أرد أن أخدعك .. لم اشئ أن أكذب عليكِ .. أنتِ لا تتذكرين أي شيء وأيًا ما كنت سأقوله، كنتِ ستصدقينه .. لكنني لم أفعل!! .. لم أرد أن اعاملك كما فالسابق .. أردت أن اظهر لكٌ كيف أني تغيرت .. انا أحاول أن أفعل هذا في كل لحظة لعينة بيننا لكنكِ واللعنة لا ترين هذا .. بحق الله، ألا ترين كيف أحاول بجِد .. كيف ما يفوق طبيعتي وفي المقابل ماذا؟؟ .. أنتِ لا تتذكرين ما فعلت، ولا أي شيء جمعنا، وفي حالتك تلك تلقين بكامل غضبك ومرضك وكراهيتك عليّ، دون حتى أن تعطي نفسك فرصة في أن تري الفرق بين الرجل الذي فعل بك هذا وبين من يقف أمامك الآن!!

لفرط غضبه وانفعاله لم يلحظ علامات التألم التي كانت تنضح من وجهها، ولم يفطن لذلك إلا حينما فارق أنينها شفتيها وهي تحاول باستماته انتزاع لحمها من بين أصابعه الشرسة .. وعندما نجحت في ذلك غالبت الدموع التي زاغت عينها لتصبح كقطرات العسل النقي الذي أوشك على السقوط إلا انها منعت هذا وقت تحدثت بشراسة وعدائية تواجه عدوانه: 
- أنا لم أرى أمامي رجلًا قط!!

نار .. نار اضرمت وقيامة نُصبت، ولن تهدئ إلا بعد أن تبتلع كل شيء .. الماضي والحاضر وحتى ما لم يعيشاه بعد!! .. لم تخلق بعد من تطعنه في رجولته حتى ولو كانت هذه المرأة هي فريدة!! .. انتهى زمن الرجل الحنون الذي لم يكن أصلًا قبل وجودها!! 

"فريدة .. أنا آسف مسبقًا!!"

كان منساق بالفعل خلف غشاوة غضبه التي ابتلعت نقطة التعقل بدماغه، فلم يعد يعطي ترميز لأي شيء عقلاني ولم يعد عقله يفقه مع التصرف بفاعلية .. تلك المرأة دائًما ما كانت ماهرة في شيئًا واحد خلاف السرير، الا وهو استدراجه خارج حيز البرود، والآن خارج حيز العقل!! .. لذا تبًا مرة أخرى للعقل!!

ووسط دفقات خطوات التي تبتلع صوت خطواتها السابقة، بهتت جذوة غضبه عندما لمح خط الدماء الذي ينحدر على طول ساقها أسفل هذا السروال القصير حتى قدمها وليترك أثر بسيط خلف خطواتها الثائرة .. ما هذه اللعنة الآن؟!

● ● ●

في ذروة انهيارها وتحطمها اندفعت لغرفتها بقديمين ترتعش ليس لسببًا محدد؛ فالقائمة أمامها طويلة .. خوف، هلع، غضب، قهر .. والآن، خزي!!

انطلقت صوب حمامها بسرعها وقد اعجزتها حقًا شهقاتها التي عبئت صدره وكادت تفجره .. بكت .. بكت بطريقة هستيرية لم تنتابها منذ آمد طويل حتى بأعتم لحظاتها قهرًا .. لم تتوقف دموعها وزفراتها المتقطعة حتى وهي تخلع ملابسها بالكامل .. جعلت الماء البارد ينساب على جسدها دون أن تشعر به، الآن ماذا؟؟ .. هذا السؤال يتردد داخلها ليزيد من شعورها بالخزي والعجز .. علا صوت نشيجها وهي تنتحب بقهر، لا شيء محدد برأسها، صدرها متخم بالمشاعر السوداء، محجوزة بمركب مع أكثر شخص تكرهه تسبب في تعاستها، وهي الآن تعاني من دورة حيضها!! .. هل يوجد حظ أتعس من هذا؟؟ .. صرخت حتى آلمها حلقها وكأنها تثق بأنه قد تبعها حتى الغرفة:
- أكرهك .. أكرهك أيها المجرم المختل!! .. انت لا تفعل أي شيء سوى أن تجعل حياتي أكثر صعوبة .. هذا ما أنت جيد به!! .. هل تعرف لماذا أكرهك الآن؟!

وعلى الجانب الآخر من الباب، بالفعل كان يقف ادهم ويستمع إلى هذاءاتها واهانتها التي لم يكن وقعها جديد على آذانه .. دون أن يبدي أي انفعال، وضع المستلزمات النسائية أمام بابها بعد ان بعثر عليها محتويات غرفة الطوارئ، فقد كان يتذكر بأنه قد طلب من مساعديه هذا الشيء ذات يوم فيما مضى، يوم إبحاره معها لأول مرة .. يوم كانت ملكه!!

بتردد شديد طرق بابها وكما توقع قابلته بسبابٍ لاذع أربد وجهه ليقمعه ويتجاهله قائلاً بنبرة حانية غلبها التفهم لمشقة ما تمر به: 
- عندما تنتهي ستجدي أمام الباب كل ما تحتاجينه!!

ورحل وسط وصلة أخرى من السباب الجارحة واللعنات وتأكيدها أنها إذا كانت ستموت لن تحتاج لشيئًا منه .. زم شفتيه بامتعاض وتمتم بصوتًا خافت لنفسه وكأنه يواسيها:
- النساء!! 

بعد الكثير والكثير من الوقت الذي انهكت في طاقتها في الغضب والنحيب ونعت أدهم بأفظع السباب التي لم تكن تتخيل أن تتلفظها يومًا .. شعرت في النهاية بخمود طاقتها واستنزافها وعينها تكاد تغلق من الإرهاق والتعب والألم الذي تضاعف مع المجهود الذي بذلته .. ببطيء شديد شحذت نفسها لتنهض وقد توقف عقلها أخيرًا عن الحرب التي كان يخوضها لتدمدم لنفسها بصوتٍ باكي:
- ماذا سأفعل الآن؟؟

حينما فتحت الغرفة اطلت برأسها لتتأكد من خلوها ومع أول خطوة لها، دعست قدمها شيء طري، فلما تبينته اتضح انها الفوط الصحية .. انتشلتها بذهول ووجه محتدم بالحمرة، فلم تكن تدري من أين تحصل عليها وسط ما هما به .. مع ذلك وجدت نفسها تعود لسبه من جديد بغيظ على الموقف المحرج الذي وضعها به.

بعد أن استخدمتها، هاجمها الإرهاق أكثر رغم شعورها بالتحسن النفسي والهدوء النسبي لأنها ارتاحت من هم تدبير احتياجاتها النسائية خلال الأيام التالية، وكسوها الشعور بالخمول والنعاس .. وعندما اتجهت لتندس أسفل الفراش رأت صينية على الكومود لم تكن موجودة منذ قليل، بها كوب وقرصين دواء وبطاقة بيضاء صغيرة .. أمسكت بها على الفور لتقرأ ما بها بتعابير تنفرج عقدها:
"آسف لأني لم أجد مشروب دافئ سوى هذا، لكني واثق أنكِ تحبيه
وآسف أكثر لأنني لا أعرف كيف أجعلك تشعرين بالتحسن!!"

احتفظت بالبطاقة بين أصابعها وهي تطلع على الكوب الدافئ الذي كان يحوي مشروب الشوكولاته الساخنة .. ودون أن تدري هذا كانت شفتيها تنبسط لتكون ابتسامه دافئة!! 

#يتبع