-->

الفصل الثاني عشر - شهاب قاتم

 



الفصل الثاني عشر


نوعاً ما مساعدة هبة إليها جعلتها تشعر بمشاعر متناقضة داخلها، فهناك جلبة شديدة من أفكار ومشاعر وقعت أسيرة لها، من ناحية تشعر أنها تستطيع أن تمضي قدماً ومن ناحية أخرى تشعر أن أعراض عشقها لماهر قد تختفي يوماً ما.. 

لا لن تختفي أبداً.. هذه ليست بداية إطفاء عشقها له.. ماهر كان رجلاً من نوع خاص.. لن تستطيع الدنيا بأكملها استبدال عشقه بداخلها! 

تنهدت بعمق ثم أغلقت عينيها وهي تحاول أن تترك حياتها ومعاناتها الشخصية بعيداً.. حاولت أن تكون في حالة مستقرة، استمدت واستلهمت صفاء الذهن والثقة بالنفس، ذكرت نفسها أن هذه هي المرة الأولى لشهاب، كما أنها المرة الأولى معه هو شخصياً..

عليها ألا تُفوت هفوة ولو صغيرة، عليها أن تتذكر كل شيء، فهي متأكدة أنه لن يسمح لها بأخذ ملاحظات أو كتابة تقرير عن الحالة وأخذه معها في النهاية أو الإحتفاظ به مثل ما تفعل مع بقية المرضى..

فتحت عيناها بعد حالة الإسترخاء الشديدة التي وضعت نفسها بها عندما توقفت السيارة ثم ارسلت لهبة أنها قد وصلت ودفعت النقود للسائق ثم توجهت بخطوات تلقائية نحو باب ذلك الصرح الذي يعيش به وحده ثم طرقت الجرس..

"ازيك يا شهاب" ابتسمت له واحدة من ابتسامتها التي يجدها مزعجة بينما لو رآها شخص غيره لوصف كم هي بريئة وعذبة وبعيدة كل البعد عن الدلال التي تتصنعه النساء.. ابتسامة بسيطة وطبيعية مثلها هي..

"تمام" أخبرها عاقداً حاجباه بالرغم من محاولته ألا يُظهر أية مشاعر أو ملامح على وجهه وشعر بالغضب لإختلاف شعرها، لا بأس، كان يُزعجه على كل حال. 

أشار لها بالدخول فدلفت وتفقدها ليجدها ترتدي قميصاً شفافاً مزركش الألوان وأسفله لا يظهر الكثير من جسدها بسبب ما يبدو أنه قميص قطني ترتديه من أسفله وبنطال فاتح اللون مائل إلي اللون الكريمي وكالعادة المزيد من تلك الأحذية المسطحة ولكن لونه يُماثل تلك التفاصيل الزرقاء بقميصها.. 

وقفت في انتظار بجانب الباب بعد أن أوصده وهي تشتم رائحة عطره التي تلائمه تماماً.. معقدة التركيب فلا يتضح بها عنصر معين، فواحة، آخاذة ولكن ما إن وُضعَ الكثير منها ستشعر في النهاية بالإختناق! 

"اتفضلي" أشار نحو الأريكة فذهبت هي ثم جلست دون أن تنظر له مباشرة 

"تشربي إيه؟" سألها بإبتسامة مخادعة لترفع هي نظرها له وتفقدته بطريقة طبيعية بذلك السواد الذي يحيط به بطريقة مزعجة، هذا ليس بمظهر رجل جالس في بيته، هذا رجل يود التباهي بما يملك ليس إلا

"أنا مش جاية علشان أشرب.. أنا جاية علشان اتفاقنا" أخبرته ثم تابعت "معلش بس أنا مشغولة النهاردة ومعنديش غير ساعة"

"أنتي لونتي.. اشمعنى النهاردة؟ حُزنك خلاص راح؟" تجاهل الأمر تماماً وهو يجلس بجوارها على مسافة مقبولة ثم أراح ذراعه على ظهر الأريكة

"بص هو أنا من حقي إني أقولك أنت مالك، أو ميخصكش.. بس أنا هجاوبك!" التفتت بكامل جسدها له لتُشعره بمدى أهميته مثل ما تقول اللباقة وحسن التعامل مع الغير 

"الحياة فيها حاجات كتيرة أوي غير الحب وعلاقات الجواز، فيها صحوبية، فيها اهل، فيها أخوات وفيها علاقات إنسانية جميلة.. وأنا كل اللي حواليا مش مبسوطين وهمّ شايفني لابسة أسود.. ليه مرجعش أشوف السعادة تاني في عنيهم بسبب بسيط زي إني ارجع البس ألوان تاني" 

"يعني انتي من الناس اللي بتعيش علشان ترضي غيرها؟" ابتسم بسخرية وقد قرأت بعينيه استهزاءها بما فعلته 

"وهو انت بترضي الناس ليه يا شهاب؟" سألته ليهُز كتفاه بعدم إكتراث وهو يمط شفتاه 

"أنا مبرضيش الناس أبداً" ابتسمت هي له ليرى نظرة أنت جاهل للغاية على وجهها 

"أنت بترضي الناس اللي بيفرقوا معاك وبتحبهم.. بتحاول تعملهم أي حاجة في إيدك علشان تشوفهم مبسوطين، بس من غير ده ما يجي عليك أنت، وأنا لما حسيت إني مستعدة عملت ده، لكن لو كان هدفي ارضيهم وخلاص كنت لبست تلت أيام أسود وقلعته على طول" 

لم يرقه إجابتها ولم ييقتنع بها بتاتاً فشهاب لا يرضي أحداً سوى نفسه وليذهب من حوله للجحيم!

"بس شكلك كده حلو" ابتسم لها بلطافة لتدرك أنه يُراوغ

"مظنش جايين نتكلم عن لبسي في الساعة اللي أنا هاكون فيها معاك وضاع منها شوية already.. لو مرتاح هنا ممكن تبتدي تقولي إيه اللي شايفه مش مظبوط ومحتاج تتكلم فيه" 

"لا أنا شايف نطلع فوق" أخبرها لتومأ هي ثم نهضت لتنتظره ليقودها إلي ذلك المكان وتبعته لتتسلق الدرج خلفه لأعلى لتجد نفسها في مكان لا يمت للطابق السفلي بصلة..

مساحة شاسعة مما يبدو أنها غرفة المعيشة والأرضية بكاملها من الخشب.. أريكة سوداء ذات طراز عصري، وكرسي واحد يلائمها.. منضدة في المنتصف.. شاشة عملاقة بشكل يؤذي العين أمام الأريكة التي لا تستطيع وصفها سوى بأنها ضخمة، نافذة امتزج تفاصيلها بين الزجاج والخشب الذي يتماشى لونه مع الأرضية.. ومكتبة عملاقة خلف الأريكة تضم كثيراً من الكتب التي لا يتمكن رجل من إنهاءها في عشر سنوات..

"أتفضلي" أخبرها لتتجه للكرسي ليكره هو اختيارها ليجد هو نفسه يجلس على الأريكة 

"قولي بقى فيه إيه؟" سألته ليبتسم هو لها 

"أنا بفكر أعمل قهوة.. تحبي تشربي معايا؟" يراوغ.. حسناً.. ستريه!!

"مش بتشتكي من قلة النوم! قهوة إيه اللي الساعة تسعة بليل؟" ضيقت عيناها وهي تسأله 

"لا دي decaffeinated (خالية من الكافيين)" المزيد من التفاصيل التي لا علاقة لها بها 

"بس برضو بيكون فيها نسبة.. لو واحد عايز فعلاً ينام مش هيشربها" 

"طيب خلاص.. ممكن عصير" ابتسمت بإقتضاب وهي تحاول ألا ينفذ صبرها "تشربي عصير؟" يا لك من وغد كريم!

"لا.."

"طيب أنا رايح أجيب عصير!" نهض وهي تشعر كأنها تهرول بطرق ملتوية خلف طفل في الخامسة من عمره لا يريد أداء فرضه الدراسي

"شهاب" نادته بنبرة حازمة 

"عايزة عصير؟" توقف وهو ينظر إليها لتومأ له بالنفي

"عايزة امشي" تريثت لتختلف ملامحه "بعد ساعة من وقت ما دخلت" 

"متقلقيش.. هادفعلك اللي انتي عايزاه، بتاخدي كام في الساعة؟ خمسمية.. ألف.. تلاتة.. عشرة!" 

أقسمت بكل أيامن الله بداخلها أن لو كان رجل سوى ذلك السيكوباتي الذي تريد علاجه لكانت صفعته على ما قاله وذهبت دون رجعة ولن تنظر له في حياتها مرة ثانية حتى لو لاقته صُدفة!

"خلي الفلوس بعدين لما نشوف هنعمل إيه الأول"

"حقك ولازم تاخديه" هز كتفاه بعفوية ولكنه حاول أن يقرأ ملامحها فلم يتبين منها شيء لينزعج بداخله 

"يمكن مجيبش نتيجة معاك، يمكن أنت مترتحش في كلامك معايا وتحب تشوف اخصائية غيري" اللعنة عليك أيها المراوغ الكذاب!! تتحدث بكل شيء سوى عن السبب الرئيسي لتواجدي هنا معك الآن!

"وحتى لو مجبتيش نتـ"

"شهاب.. ربع ساعة ضاعت.. ممكن تبدأ تقولي أقدر أساعدك ازاي؟!" قاطعته بمنتهى الجدية

"ممكن افهم إيه المهم اوي اللي وراكي علشان كده مستعجلة جداً؟" سألها وهو يتفقد المزيد من مظهرها الجديد بتمعن وحاولت هي بداخلها أن تكون بمنتهى البرود الذي لا تجده بداخلها 

"ده تاني سؤال شخصي.. بس هجاوبك.. ورايا تحضيرات علشان قراية فاتحة هاشم وفريدة" 

"انتي بتعديلي الأسئلة؟" ابتسم لها تلك الإبتسامة التي وجدتها في منتهى السماجة لتصرخ هي بداخلها "يخربيتك يا اخي!"

"طيب بص علشان وقتي ووقتك وأنت اكيد وراك مليون حاجة تعملها أهم من كلامك معايا.. لو شايف إن النهاردة مش مناسب ممكن نخليها يوم تاني" نهضت وعلقت حقيبتها بذراعها لتخبره أنها ستذهب ولكن بطريقة غير مباشرة 

"قوليلي ممكن أساعدك ازاي في اللي وراكي.. أظن المواضيع كلها ممكن تخلص بمكالمة تليفون.. وساعتها هيكون قدامك وقت أكتر من ساعة" للمرة الألف يتحدث إليها بكل شيء سوى السبب الرئيسي 

"أولاً أنا اللي جاية أساعدك مش جايالك علشان تساعدني.. ثانياً أنا مش إلزام عليا إني اعمل حاجة لهاشم وفريدة، لأ أنا بعمل كده علشان بحبهم.. ثالثاً هتتكلم ولا تحب تتكلم وقت تاني؟" 

أخبرته بهدوء زلزل عقله الذي ظن أنه يستطيع أن يرى غضبها ولكنها فاجئته بهدوءها ليمط شفتاه في تعجب وأظهر ملامح الرفض والتقزز من فكرتها ولكنه عاد ليجلس أمامها وأخذ يتفقدها في صمت تام لترفع هي حاجبيها وهي تومأ بوجهها بعد أن جلست على الكرسي

"ذهنك مش صافي ليه؟" سألته بنبرة لا تحمل أية مشاعر سوى إصغاء واهتمام

"مش عارف.. دايماً بفكر" قلب شفتاه وكأنه سبب تافه ليتحدث عنه

"بتفكر في إيه؟" 

"كل حاجة" 

"زي؟!" 

"كله"

"لازم تديني فكرة عن اللي شاغل بالك علشان اقدر أساعدك!" أخبرته بمنتهى الهدوء بالرغم من أنها تشعر بالإستفزاز من مراوغته المتكررة

"الشغل" اجابها بعد فترة من الصمت وهو يحك شفته السفلى بسبابته 

"ليه؟ فيه حاجة قلقاك في الشغل؟ أنا مش عايزة أعرف تفاصيل بس فيه مشكلة معينة موجودة وأنت بتحاول تحلها؟" سألته بموضوعية ليومأ لها بإنكار

"لا مفيش مشاكل.. بفكر أعمل توسعة في شغلي أكتر من كده.. ده بإختصار يعني" 

"تمام.. بس أنت شايف إن دي حاجة تستدعي التفكير الكتير ده كله؟"

"أكيد"

"أمال لو لا قدر الله قابلتك مشكلة في الشغل بتعمل إيه؟" 

"لا أنا معنديش مشاكل أو ببساطة مبديش فُرصة لمشكلة تحصل لأني بكون مفكر كويس ودارس كل الإحتمالات وعارف اتعامل ازاي مع كل احتمال أو أي حاجة تأثر على الشغل" حدثها بزهو وغرور استطاعت ملاحظته لتتنهد هي ثم سألته 

"طيب، أنت بتشتغل ليه يا شهاب؟" 

"علشان أحقق نفسي وطموحي" ضحك في سُخرية 

"تمام.. وأنت شايف إنك وصلت لده ولا لأ؟" 

"أكيد طبعاً" تعالت سخريته 

"طيب عايز تكبر أكتر من كده؟ في شغلك أقصد؟" 

"أظن إن راجل زيي طموحه مش محدود أبداً.. فأظن إجابتك هي آه، عايز أكبر أكتر من كده في شغلي"

"يعني عايز تفهمني إن كل طموحاتك في الحياة هي الشغل وبس، مش بتفكر مثلاً تأسس أُسرة أو تحب واحدة وتكمل معاها باقي حياتك؟" أطنبت بالمزيد من الأسئلة علها تستطيع أن تُظهر ملامحه الحقيقية التي برع في إخفاءها 

"لا، طموحي هو الشغل وبس!" اجابها دون تعبير 

"أنت بتحب تظهر ويكون ليك مكانة وسط الناس ولا لأ؟" عقد حاجباه في عدم فهم لقصد ومعنى السؤال واستطاعت رؤية ذلك على ملامحه "يعني.. لما مثلاً تكون موجود وسط الناس، بتحب يشاوروا عليك ويقولوا ده شهاب الدمنهوري.. بتحب الأضواء ولا لأ؟" 

"عادي" ازدادت عقدة حاجباه وملامحه باتت جادة من هذا السؤال المباغت

"مع إن ده نهاية طموحك، يعني لا مثلاً حابب يكون ليك زوجة وأولاد علشان تأمنلهم حياتهم ويكون ليك أُسرة عايشة كويس بعدك، ولا ورثة يكبروا اسمك ويشيلوه ويفضل موجود دايماً، ولا عندك مشاريع كبيرة لمساعدة الناس، فنهاية طموحك بعد ما تموت هتكون مجرد إسم وبطبيعة عالم الشركات ورجال الأعمال كل يوم فيه جديد قليل اللي هيفتكر اسمك ومع الوقت هتتنسي.." 

رمقها بنظرة منزعجة لم يستطع التحكم بها ليُحمحم وتفحصها لبرهة وقد كره ما سمعه ومقته بشدة كما كره تلك الفكرة

"مش مهم، المهم إن احقق اللي أنا عايزه، وإن اسمي يكون معروف على كل تصاميمي اللي عملتها، وعلى فكرة أنا ببدأ في مشروع خيري جديد" ابتسم لها مضيقاً عينيه وهو ينظر لها نظرة فهمت معناها لتبتسم بإقتضاب بمنتهى الوقار وقد أدركت أنه يُشير إلي المشروع الذي عرضته هي عليه

"تمام.. فهمتك.." رطبت شفتيها بعفوية لتلين عقدة حاجباه  وهو يُشاهدها في تروي وهدوء "تفكير في إنك تكبر شغلك وأنت بتاكل، ولما بتيجي تنام، ولما بترسم، ولما بتكون سايق.. مش كده؟" سألته ليهمهم لها بالموافقة "وأنت عايز تبطل تفكير في موضوع الشغل وتقلل إن تفكيرك بيتحكم فيك طول الوقت.. صح؟" حك أسفل أذنه اليُمنى ليومأ لها بالموافقة

"مفيش أي حاجة تانية بتفكر فيها، مش كده؟" سألته ليومأ إليها لتعرف أنه يتمادى في كذبه "يعني مفيش أي مشاكل مثلاً سواء أُسرية أو ارتباط أو عائلية بتفكر فيها؟" رمقها بنظرة مُطولة وهو لا يدري ما الذي قد تعرفه من والدته ولكن أومأ لها بالنفي 

"لا مافيش" أخبرها لتومأ في تفهم وقررت أن تطنب بأسئلة روتينية حتى تستطيع إغتنام الفرصة بوجود جلسة ثانية وثالثة

"طيب بالنسبة للنوم، بتشرب كام فنجان قهوة في اليوم؟" 

"مباخدش بالي" أعطاها إجابة مائعة 

"يعني لو هنقول average في اليوم.. فنجان ولا تلاتة ولا خمسة ولا اكتر" 

"مش عارف.. وقت ما بحب بشرب!" 

"طيب فيه أي تعاطي لمواد منبهه تانية.. مثلاً، مشروبات طاقة، ترامادول؟" 

"ممكن مشروبات طاقة"

"كذا واحدة في اليوم ولا مرة واحدة؟"

"ساعات واحدة وساعات أطتر لما بيكون ورايا حاجة علشان أخلصها"

"في أي أدوية بتاخدها أو مواظب عليها؟"

"لا"

"فيه أمراض مزمنة أو أي أوجاع مثلاً مش مستمرة بتجيلك؟ أو حتى بتحصل كل فين وفين؟"

"لا" 

"أقصى مدة مبتنمهاش بتكون قد إيه؟"

"ممكن تلت أيام متواصلين أو تلت أيام ونص" اجابها لتعلم أنه كاذب! كيف لرجل لا ينام ولا يشعر حتى بهلوسات أو وجع بعنقه أو عينيه؟!

"أخبار الرياضة إيه؟" سألته المزيد من الأسئلة التي يسألها أي طبيب ولم تكترث بملامح الملل وكذلك لغة جسده التي كادت أن تصرخ بالسأم!

"بروح الجيم.. احياناً بجري.. وساعات بتمرن boxing"

"كام مرة في الأسبوع؟" 

"ساعات كل يوم وساعات لما بكون فاضي.."

"طيب لما بتيجي تنام بتفضل قاعد على السرير وبتفكر؟"

"ساعات" أومأت له بتفهم وقد فهمت بمنتهى السهولة أنه لا يتحدث بصدق فهو لا يجيب بنعم أو لا! لا يزال بنفس طريقته ولم يسترخى جسده وكذلك لاحظت فرط حركته المستمر الذي يحاول أن يخفيه..

"تمام.." حمحمت ثم نظرت له "السرير بالنسبالك مجرد نوم وبس ولا ممكن تسهر تتفرج على حاجة أو تفكر أو تمسك الموبايل مثلاً أو تقرا حاجة؟" 

"لا.. نوم و أحياناً Sex مش اكتر ومش دايماً كمان بيكون في السرير!" اجابها ولم يرى أي انفعالات تُذكر على وجهها بالرغم من أنه ود أن تطنب معه بالحديث عن ممارسة الجنس وبم يعنيه في أنه لا يحتاج السرير لممارساته الماجنة!

"فيه مخدرات، كحول أو سجاير؟"

"يعني.." عقد حاجباه وهو يمط شفتاه وتذكر ليلة أمس "ممكن مع العشا شوية wine، سيجارة كل سنة مرة.."

"كاس، اتنين، تلاتة، أكتر؟" 

"لا هو واحد بس"

"في الطبيعي أنت من الناس اللي بتحتاج ساعات نوم كتيرة ولا ممكن تلت أو اربع ساعات وبعدها تصحى تحس إنك فايق؟" 

"أقصى حاجة بنامها بتكون ست ساعات" رمقها في ملل من تلك الأسئلة فهو لم يتوقع أن تلك الجلسة ستكون أسألتها بمثل تلك السذاجة

"بتقلق في وسط النوم ولا لما بتنام بتنام عدد الساعات كلها على بعض؟" 

"لا كلها على بعض" كان يريد أن يراوغ ولكن أسألتها أعدمت فرص المراوغة بداخله

"بتفتح نور جانبك وأنت نايم ولا بتحب تنام في الضلمة؟" 

"لا في الضلمة" كذب عليها فهو لن يُخبرها بالحقيقة أبداً، ستنظر له وقتها أنه كالصبي الصغير الخائف!

"أوك.." أطلقت تنهيدة عميقة ثم تابعت "هناخد شوية exercises (تمارين) كده علشان موضوع التفكير.. تحب أكتبهالك؟" سألته ليومأ لها بالنفي "أنت عمرك جربت الـ meditation (التأمل)؟"

"لا" ابتسم نصف ابتسامة بتهكم 

"أوك.. هتبدأ في الـ meditation بس مش ستايل اليوجا.. حاول تخرج، تروح كافيه مثلاً، أو مكان تقعد فيه وركز مع الناس، ركز لابسين إيه، ألوان لبسهم ماشية على بعض ولا لأ.. شكلهم مبسوط ولا مضايقين.. ركز وأنت بتاكل الأكل بتاعك.. ركز في الملح مظبوط ولا زيادة، ركز في اللي بتشربه، طعمه، مختلف عن حاجة مثلاً شربتها ولا لأ.. ركز في فيلم بتتفرج عليه أو قصة بتقراها، حاول تسرح شوية بخيالك مع الأبطال أو مع القصة نفسها.. ركز عموماً في اي حاجة بتعملها بعيدة عن الشغل.. ده بالنسبة لموضوع التفكير، أسمع أغاني وانت بتتمرن أو وأنت في الجيم وركز في كلماتها"

أومأ لترى عدم اقتناعه وهي متأكدة كما هي متأكدة من اسمها أنه لن يتبع تلك التمارين وليس مقتنع إلي الآن بفكرة العلاج النفسي ولا حتى بشخصها! 

"وبالنسبة للنوم.. أقصاها فنجانين قهوة في اليوم.. لما تصحى واحد وممكن واحد بعد الضهر.. ووقف قهوة من الساعة اتنين أو تلاتة.. بطل تشرب مشروبات طاقة.. ولما تدخل تنام أقصاها نص ساعة في السرير.. لو محستش إن جايلك نوم أخرج أقعد في أي مكان تاني اقرا او اتفرج على فيلم.. ومتفكرش في الشغل خالص عن طريق الحاجات اللي قولتلك عليها"

"تمام" أخبرها بإقتضاب

"أوك.. أسبوع ونقعد تاني ونشوف لو فيه تغيير ولا لأ" ابتسمت له بوقار وهي تنهض ثم توجهت في إتجاه الدرج لتغادر فتبعها لتبطء هي من خطواتها حتى أصبحا يسيرا في نفس السرعة وأصبحت في محازاته حتى لا يتفقدها بشهوة تعلم أنها موجودة بكثرة داخله! 

"استني!" اوقفها وهي تشرع في فتح الباب لتلتفت له بأعين مستفسرة وهي ترمق ساعتها فهي لم تتأخر ولم تمر تلك الساعة بأكملها 

"نعم" اجابته 

"مش هتاخدي فلوسك؟" سألها وهو يومأ لها برأسه في انتظار لتبتسم هي 

"ممكن أفشل معاك.. ممكن مترتحليش ومجيبش نتيجة معاك.." هزت كتفيها بعفوية ثم ابتسمت ضيقت عينيها "وبعدين أنت مش بتقول إننا ممكن نكون أصحاب؟" سألته ليومأ لها بالموافقة

"طب ما خلاص يا عم فُكك متبقاش ضيق اوي كده وفلوس ومش فلوس، وابقى لما تنام وتبطل تفكير ابقى اعزمني على أكلة سمك حلوة" توسعت ابتسامته ولم يعي أنها كانت إبتسامة صادقة ليُحدق بها أطول من اللازم 

"يالا سلام" أخبرته وهي تتجه للخارج ليوقفها مرة أخرى 

"استني" التفتت له وهي تزفر في نفاذ صبر ولكن دون مبالغة 

"نعم يا شهاب خير؟" 

"انتي ليه مكتبتيش أو اخدتي ملاحظات مثلاً.. همّ مش بيعملوا كده برضو ولا إيه؟" ظن أنه يتحاذق ولا يوجد في ذكاءه لتبتسم هي وهي تنظر إلي داكنتيه في مرح من كلماته التي ظن أنه عن خلالها سيُضيق النطاق عليها أو ربما أراد أن يراها متوترة 

"أولاً أنا مش بشتغل غير معاك أنت ومش هتلخبط مثلاً بينك وبين حد تاني.. ثانياً الأسباب اللي أنت قولتها عامة اوي وممكن بتظبيط بعض عادات زي اللي قولتهالك تكون كويس.. ثالثاً أنا مش محتاجة أكتب تقرير عن حالتك.. رابعاً بقى، فيه راجل مهم زيك هيرضى اخد تفاصيل زي دي معايا؟ مش أنت برضو اللي قولت أنا مش هاروح عيادة؟!" سألته لتُخرسه ليومأ لها في تفهم 

"سلام" التفتت لتغادر للمرة الأخيرة 

"استني" 

"عايز إيه يا شهاب؟" بدأ الإنزعاج يظهر على ملامحها 

"لا المرادي هوصلك.. وأظن اننا اصحاب دلوقتي ومن حقي اوصلك!" ابتسم لها في توسل تصنعه  لتتنهد هي في النهاية ثم أومأت بالموافقة ليجذب مفاتيح سيارته من على الطاولة المرتفعة بجانب الباب ثم توجها سوياً للخارج!

انحنى يمياً وهي تتبعه لتدلف مرأبه لترى أربعة سيارات ولن تستطيع حتى التفكير فيما قد تُكلفه ثمن أي منهما، ربما احداها كافية لتنهي هذا المشروع الضخم الذي هما في صدد إنشاءه.. ولكن أكثر ما اتضح بتلك السيارات هي أنها لافتة للنظر بشكل غريب، تفاصيل كل سيارة وكذلك الألوان كانت مُلفتة كثيراً.

دلفت بجانبه في احدى السيارات الرياضية ليدوم الصمت لدقيقتان ثم عجت السيارة برائحة عطره النفاذة لتحمحم هي ثم التفتت ونظرت إليه 

"شهاب أنا كنت عايزة أكلمك في موضوع!" أومأ هو بالموافقة 

"اتفضلي" أخبرها برسمية

"أنا كنت عزمتك على قراية الفاتحة، وأنا برضو عارفة إنك أنت وهمّ مش قريبين.. فطبعاً لو مش حابب تيجي براحتك"

"هي امتى؟" سألها لتتعجب بداخلها ولكن لم تُظهر ذلك 

"يوم 1 - 9" اجابته دون أن تتأخر بالرد ليومأ هو دون أن يلتفت إليها ثم تظاهر بتركيزه على الطريق دون أن تتضح عليه أية مشاعر فسكتت فيروز ثم نظرت أمامها وبداخلها تحاول التمسك بكل ما أخبرها به اليوم كي تستخدم كلماته ضده المرة المقبلة! 

"هو انتي تعرفي إيه بالظبط عن الموضوع بتاع والدي ووالدتي؟" باغتها بذلك السؤال لتلتفت هي في دهشة ولكنها أخفتها وتحدثت بتلقائية

"هبة حكيتلي إن اطلقوا زمان علشان مكنش فيه تفاهم وباباك كان رافض إن مامتك تشوفك وبعد كده أنت سافرت ولغاية عزا باباك عمرك ما كلمتها ولما راحت العزا انت رفضت تكلمها برضو.. بس كده" اجابته بمنتهى التلقائية دون تردد أو توتر في نبرتها بعد أن راجعت سريعاً ما أخبرتها والدته به! 

شرد في خياله بأنه يوقف السيارة، يجذبها من شعرها، يسُبها بأقظع الألفاظ، يقذف برأسها في زجاج السيارة، ثم يصرخ بها أنه يعلم جيداً أنها تعرف المزيد وكل ما تريده هو أن تعيده لوالدته مرة أخرى..

"شهاب" نادته ليفق من شروده وهو ينظر لها بعقدة حاجب نسيَ أنها ترتسم على وجهه 

"نعم" ظهر الإنزعاج كذلك في نبرته 

"أنت مش واثق فيا لغاية دلوقتي مش كده؟" سألته ليهز كتفاه وقلب شفتاه والتفت إليها ليجيبها بلمحة سريعة 

"لا طبعاً واثق" حركات جفنيه، نظرته الغارقة بأمر آخر تماماً، عدم ارتياحه بكرسيه وتحركات جسده جعلتها تدرك أنها بعيدة كل البعد عن ثقته وكم هو كاذب لتفاجئه بما قالته 

"بس ده غلط على فكرة!" التفتت لينظر لها بدهشة ثم اعاد نظره للطريق "أنت لسه متعرفنيش.. ممكن اكون مش كويسة أو بكدب في حاجة أو يمكن إنسانة مش تمام.. متثقش في حد بسرعة.. دي نصيحة.." ابتسمت وهي تخبره ثم أعادت لتنظر أمامها ليُجن وهو وتصارعت الأفكار بعقله وسأل نفسه ماذا تقصد بما تقول؟

هل نجح في إظهار أنه يثق بها؟ أم لسؤاله ذلك منذ قليل ظنت أنه يثق بها؟ أم ربما لأنه أخبرها أنه لديه مُشكلة ويريد التحدث إليها بالأمر كمعالجته النفسية؟ يُمكن أنها ظنت ذلك لأنه عرض أن يوصلها من منزله لمنزلها؟! لا يدرك أياً من حيله انطلت على هذه المرأة!!

"ازيك يا حبيبتي عاملة إيه؟" اجابت هاتفها 

"لا كله تمام الحمد لله"

"اشمعنى يعني الموضوع ده بالذات؟" حمحمت وهي تُفكر كيف ستتحدث عن هذا الأمر بجانبشهاب الذي تدرك أنه يستمع لكل حرف مما تقول وسيتذكره لتقرر أنها ستستغل الأمر لصالحها

"آه .. آه.. فهمتك.. تمام.."

"بصي..موضوع السادية ده مفيش مراجع كتير ليه في مصر، حتى دكتور ... لما جاب سيرته في كتابه اتكلم عنه في سطرين تقريباً.. ممكن بس تستني عليا لما أروح ابعتلك حاجات من الدبلومة اللي عملتها في اسبانيا.. كانت في صميم الموضوع ده"

"هههه.. يا بنتي الراجل اللي بيعذب الستات ده محتاج خمسين أخصائي لواحده علشان يعالجه لو هو مش شايف مصيبته السودا، إلا بقى لو هو حس وعايز يتغير من نفسه وعلشان نفسه كمان مش علشان خاطر واحدة بيحبها وبس، ساعتها الموضوع بيكون نقدر عليه.. بس بحث زي ده مش صعب عليكي شوية؟ ده غير إن مش سهل يتقبل أصلاً.. أنتي هتقدمي البحث لمين، حد أنا أعرفه؟"

"ياااه.. دكتورة سميرة.. والله دي ست زي السكر.. ربنا يباركلها بجد.. على الأقل دماغها كده مش مقفلة غير باقي العقد اللي عند الباقيين" 

"خلاص اتفقنا.. وشد حيلك يا جميل علشان عايزين تقدير السنادي.. ما أنا برضو مش هاشغل معايا غير ناس جايبة امتيازات.. ربنا يوفقك.. لا خلاص قدامي ربع ساعة وأكون وصلت.. تمام ماشي.. باي" 

أنهت المكالمة ثم أطفأت شاشة الهاتف وهي تبتسم ثم التفتت إليه بنظرة سريعة 

"معلش يا شهاب قطعت كلامنا، أصل كارما دي بنوته صغيرة ولسه في الجامعة وببقى عارفة إنها يوم ما بتعك بتكلمني.. وهي ما شاء الله عليها دماغها كبيرة اوي ودايماً اختياراتها صعبة.. وكله بيجي على دماغي في الآخر" أطلقت ضحكة بسيطة 

"لا ولا يهمك" أخبرها بإقتضاب وهو يتذكر كلماتها جيداً ليشرد في تفكير فيما قالته لتلك الفتاة

"آه صح.. كنت عايزة أقولك على حاجة بس.." تظاهرت بالتردد ثم تابعت "أنا مش عايزاك تفهمني غلط، بس أنا مكنتش بدي رقمي الـ personal غير للناس اللي أعرفهم وقرايبي واصحابي وبس.. وبما إننا بقى بقينا أصحاب أنا هديلك رقمي التاني" أخبرته وحاولت أن تكون ساذجة كالفتيات الصغيرات "أنا أهو كلمتك منه" أومأت له وهو لم يكترث بالأمر في الحقيقة سوى أنه فكر قليلاً بأنه قد بدأ في كسب ثقتها.. 

لم يكن يدري أن بدر الدين قد دمر كل التسجيلات الخاصة بمكالماته هو وفيروز حتى ولو ارتاب في الأمر وراجع تلك التسجيلات لن يجد أي من تلك المكالمات بينهما وكذلك محى بعض المكالمات بين هبة وفيروز وكذلك مكالمات زينة لها! 

"ميرسي يا شهاب" أخبرته بعد أن أوقف سيارته أمام منزلها

"أنا معملتش حاجة" ابتسم لها تلك الإبتسامة التي توقع النساء بمكره 

"لو احتاجت حاجة ابقى كلمني.. أنا موجودة أربعة وعشرين ساعة" أخبرته ليومأ لها 

"تصبحي على خير" تظاهر بنظرة خبيثة وكأنه يهيم بها عِشقاً ولكنها لم تعطه الفرصة وغادرته!

شرع في قيادة السيارة مرة أخرى وهو يتذكر كل حرف دار بينهما الليلة، كم هي ساذجة، أتظن أنه سيتبع تلك التوجيهات التي تليق بطفل في الخامسة من عمره.. يا لها من غبية!

"ما أنا سايق اهو يا روح أمك ومركز.. دي هبلة الظاهر.. هتضحك عليا بكلمتين.. قال أركز قال" تمتم بداخل عقله المريض ثم لوى شفتاه في إبتسامة تهكم ثم قرر أن يجرب ذلك الحل التافه ونظر بلوحة احدى السيارات في تركيز، في لون السيارة.. في شكل ذلك المصباح الخلفي، أهي يابانية الصُنع؟! تبدو جديدة تلك السيارة.. لم يسمع كثيراً عن ذلك النوع! منذ متى وهو لم يطالع أخبار السيارات؟

ولكن لوناً غريباً، وكأن اللون الأخضر والأسود اجتمعا ليتركا ذلك اللون المقزز.. كيف يختار أحد هذا اللون على كل حال؟! 

"ناس غريبة" تمتم وهو يقلب شفتاه ثم تنهد ليعود وهو يُفكر بفيروز وملابسها اليوم، شعرها الذي كان يبدو أفضل قبل ذلك.. ولكنها بدت جميلة مثل عادتها! 

أجن عقله؟ بماذا يُفكر؟ هي ليست جميلة على الإطلاق ولقد رآى كثيرات يتفوقن عليها حُسناً.. وأنوثة أيضاً! نفض هذا الفكر سريعاً عن مخيلته ثم استعاد كل ما حدث اليوم.. منذ مكالمة زوجة أبيه، نهاية بلقاءه بتلك المرأة الساذجة ليُرتب أوراقه بعناية فيما سيفعل مع كل أحد منهم كي ينتقم من الجميع ويشعر بالراحة!! 

ولكنه عليه التوقف لإحضار القهوة.. لن يُفرض عليه أحد شيئاً أبداً..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢