الفصل الخامس عشر - شهاب قاتم
الفصل الخامس عشر
"لو جاية تدوري هنا على الذكريات والأب القدوة اللي بيحب ابنه والأصحاب اللي بيوقفوا جنب صاحبهم والأم اللي مش بعيد تـ.."
"شكراً يا شهاب إنك قولتلي.. الموضوع ده بيكون صعب وأنت إنسان شجاع علشان تقول كل ده" قاطعته بعد أن لاحظت غضبه الشديد الذي قد يُدمر كل شيء خاصةً بعد تلك النظرة بعينيه التي تترجم أن غضبه بأكمله سيتحول إليها "كفاية كده النهاردة ونكمل وقت تاني.."
بدأ تنفسه في الهدوء ولكن تلك العقدة بين حاجبيه لا تتغير وفكرت هي بأي طريقة قد تُكسبها ثقته وهي تنظر له بإمتنان وإبتسامة رسمية ولكنها فكرت بسرعة لتجد احدى الحلول التي قد تُفيد
"إيه رأيك نخرج النهاردة؟ مش كنت عايز تاكل؟" نظر لها بإستغراب "وبعدين أنا ليا عندك عزومة سمك.." ابتسمت إليه وهي تتفقد ساعتها "يالا ادخل غير علشان منتأخرش.." لا يزال ناظراً لها دون كلمات ولكن ملامحه تعبر عن هدوءه النسبي وتغير حالة مزاجه "يالا!" توسعت عيناها ثم صدح رنين هاتفها لتجيبه
"أيوة يا هاشم.. أنا تمام يا حبيبي.. ليه بس؟" التفتت لتنظر إلي شهاب "لو ملبستش علشان نخرج هالبسك بالعافية" همست لتخبره ولكنه تحكم هو في ملامح وجهه ولم يتركها ترى ابتسامته ولكن قرأت بعينيه كل شيء
"استنى بس اهدى، هي إيه المشكلة يعني؟.." أكملت حديثها مع هاشم بينما مشي هو ليتجه إلي غرفته حتى يبدل ملابسه "خلاص نروح يوم الجمعة نشتري الشبكة وأنا يوم السبت بليل هاعملكوا العربية بنفسي.. اتحلت اهى"
"ما هو ده الحل.. انتو مصممين تخرجوا وتتصوروا الصبح وكمان بليل عايزين تتعشوا سوا، كده يادوب نقرا الفاتحة وتلبسوا الدبل وبعدين نمشي"
"لا سيبك من أختك وأنا هتصرف.. ما أنت برضو اللي اجازتك غريبة، حد ياخد اجازة جمعة وحد!!.. يا عم خلاص متقلقش سيبلي هبة أنا هاتصرف معاها.. طيب خلاص ماشي.."
"لا متقلقش، بابا لو عرف إني معاكوا هيسبكوا لغاية الساعة اتنين بليل وهو مطمن.. ما قولتلك مش هايعمل حاجة.. أنا أصلاً اتكلمت معاه وهو وافق.. تصدق أنا غلطانة.. اتفضل روح شوف اللي وراك يا أستاذ! سلام"
أنهت حديثها معه ثم أعادت الهاتف لحقيبتها وجلست على الأريكة وهي تراجع ما فعلته، لقد أرغمته على الحديث، لقد أخرجت تلك الكلمات منه رغماً عن أنفه، كما أنها تظاهرت بعدها وكأن شيئاً لم يكن.. ولكن هل ما فعلته كان صحيحاً؟! أن تخبره بأن يذهبا لتناول الطعام! هذا ليس ما تفعله مع مرضاها..
لكن هي تريد أن تكسب المزيد من ثقته، تريد أن تبدأ بعلاقة صداقة معه قوية للغاية حتى يستطيع البوح لاحقاً بكل شيء، ربما هذا الحل الوحيد معه!
جلست لتتذكر كل كلماته وكل أسئلتها التي لم يجب منها سوى سؤال واحد وهي تتذكر إجابته وحفظتها كأسمها، إذا كانت كل جلسة ستخرج منها بجملة واحدة هذا معناه أنها ستحرز تقدماً بعد عشرون عاماً معه.. هزت رأسها في إنكار شديد.. يبدو أن شهاب لن يكون الأمر معه هيناً أبداً..
رفعت وجهها عندما تسللت رائحة عطره لأنفاسها لتجد مظهره اختلف تماماً، فقط القليل من الوقت ليتبدل حالة ويُصبح بتلك الجاذبية الشديدة، هو مظهره يبدو جذاباً بأي وقت.. بم تفكر هي!!
"يالا" نهضت وهي تبتسم إليه ونفضت ذلك التفكير عن رأسها
"هو احنا رايحين فين بالظبط؟"
"على حسب وقتك.. لو فاضي لغاية الساعة واحدة أنا هوديك مكان حلو عمرك ما روحته"
"أيوة اللي هو فين؟" انزعج من عدم معرفته وسرعة الأحداث حوله منذ تحدثه معها واخبارها بحقيقة الأمر إلي الآن، هو حتى لم يحصل على وقت كاف ليُفكر بكل ما يحدث حوله
"مش قولتلي إنك واثق فيا؟" نظرت له نظرة مداعبة ولكن دون أن تخلو من الحدود التي تتبعها مع الجميع ليومأ هو لها بالموافقة "خلاص بقى.. خليها مفاجأة"
"ماشي" اجابها بإقتضاب
"بتحب السمك؟!" سألته ليومأ لها بالموافقة ولكن دون إكتراث "طيب هات مفتاح العربية" نظر لها بتعجب "خلص يالا علشان نلحق.. أنا يادوبك عرفت أهرب من هبة ولو عرفت إننا هنسافر دلوقتي ممكن تتهمني بالخيانة العظمى" أخبرته بنبرة مرحة لتتعجب ملامحه أكثر بينما سارت نحو الباب ليتبعها
"أصلها شايفة إن المفروض أأجل شغلي كله واخد اجازة مخصوص علشان تحضيرات قراية الفاتحة" همهم معقباً على كلماتها وقد أمسكت بأحدى مفاتيح السيارات التي لم تتفقد حتى ما هي
"وأنا شغل بالنسبالك، مش كده؟" توقف بعد سؤاله ذلك لتلتفت هي وهي تنظر إليه قاصدة أن تريه نظرة خيبة الأمل على وجهها
"لا يا شهاب، أنت لو شغل وبس بالنسبالي مكونتش قعدت معاك النهاردة لغاية ما طلعت عيني علشان تجاوبني على سؤال واحد بس، ومكونتش قولتلك هاخرج معاك.. ولا كنت سبت كل اللي ورايا وفضلت معاك.. وبعدين أنا فعلاً عايزة اغير جو وكل اصحابي مواعدنا مش متوافقة مع بعض، وبعدين أنت لو حابب منخرجش قولي.. الموضوع بسيط.."
نظر لها بداكنتيه نظرة مطولة في محاولة فاشلة علّه يعرف ما نهاية تلك المرأة التي كلما تواجد بجانبها شعر وكأنما الدنيا بأكملها تدور حولهما وكأنها هي نقطة محور الكون بأكمله وكأن كل شيء يبدأ وينتهي عندها، ما نهاية كل ذلك؟!
"حابب منخرجش؟" سألته بجدية بينما توجه هو نحوها "شهاب.." نادته ليقف بالقرب منها ثم أومأ في اتجاه الباب مشيراً برأسه
"يالا" همس مخبراً اياها لتبتسم هي له في انتصار وتوجهت معه للخارج حيث مرأب السيارات الخاص به بينما هو بداخله يود أن ينتهي من أمر تلك المرأة الآن قبل ساعة قادمة ولكنه لا يستطيع معرفة نواياها أبداً..
"وأنا بقى إن شاء الله هسوق دي؟" ارتفع حاجبيها وهي تنظر لأحدى السيارات الرياضية سوداء اللون
"لو مش هاتعرفي تسوقيها سيبيني أسوقها أنا.." أخبرها لتلتفت وهي تومأ له بالنفي
"شوف.. خدها قاعدة، متسمحش أبداً لحد مش عارف الطريق هو اللي يسوق" أخبرته ثم توجهت حيث كرسي السائق ليبتسم هو في غيظ وتبعها فقط ليرى ما نهاية تلك المرأة بكل ما تفعله..
"حاسس بإيه كده النهاردة.. احسن.. أقصد بعد الـ session؟" سألته وهي تتوجه للخارج وشرعت في طريق لا يعرفه شهاب
"تمام" عاد للإجابات المقتضبة مرة أخرى ولكنها ستدمر ذلك الحاجز الذي يُصر على وضعه بينهما
"أنا عايزة أقولك كلمتين علشان تحاول تشوف الصورة بشكل أكبر.." تنهدت ثم التفتت إليه لتنظر له وأعادت نظرها على الطريق
"مش معنى إني بسألك أي سؤال مش قادر تجاوب عليه إنك مجبر ترد، ممكن بمنتهى الصراحة تقولي إنك مش عايز تجاوب على السؤال ده دلوقتي.. الموضوع مش حرب.. وبعدين حتى لو فيه أي حاجة ممكن تتخيلها في الدنيا وحشة اوي صدقني أنا سمعت الأوحش منها.. احنا مبنحكمش يا شهاب على حد، مش هتقولي مثلاً على حاجة وساعتها أنا نظرتي ليك هتتغير" همهم دون النطق بأي كلمات
"بص أنا هافضل وراك لغاية ما أقنعك.. بلاش بقى الرد اللي ينرفز ده!" أخبرته بغيظ وقصدت أن تبدو أمامه بمنتهى التلقائية ليبتسم هو ببلاهة قاصداً أن يبدو الأمر عفوياً ونظر إليها في استغراب
"فين بس الرد اللي ينرفز ده؟ أنا اتكلمت حتى؟"
"أنا هاحكيلك كده شوية حاجات.. يعني حبة حكايات وشوف أنت هتبص للناس دي ازاي.." تناولت نفساً عميقاً وازادت من سرعة السيارة
"كان فيه عندي راجل بيخون مراته كل يوم تقريباً وبيحبها جداً وبيجي يعيط في الجلسة وبيقول إنه مش عايز يعمل فيها كده ويروح تاني ويخونها وفين بقى بعد ما اتظبط وبطل الموضوع ده.. وكان بيحبها جداً على فكرة، وراجل تاني كان بيحافظ على العادات والتقاليد بس ماسوشي وعايز ينام مع ستات يضربوه ويعذبوه ويشتموه ولو قولتلك على وظيفته ومكانه في شغله هتتخض، فيه الست اللي مش قادرة تسامح حد من أهلها على حاجة عملوها فيها زمان بالرغم من انها حققت كل احلامها ووصلت لنجاح عمرك ما تتخيله، وفيه اخصائية نفسية بقالها عشر سنين اهو في المجال وهي كمان عندها اضطربات وعايزة اللي يساعدها.. كل دي ناس عمر ما نظرتي اختلفت ليهم.. ده غير بقى بتوع السجون واللي بيتاجر في المخدرات واللي القتل بالنسباله كيف.. عمري ما بصيت لحد فيهم غير إنهم محتاجين مساعدة.. فهمت أقصد إيه؟!"
نظرت إليه بينما كلماتها قد احتلت مكاناً من عقله ولن يُنكر أن رأسه ذهبت لتُفكر في عديد من الإحتمالات الكثيرة التي لا نهاية ولا حصر لها ثم سأل نفسه ماذا تقصد بأن هناك اخصائية نفسية تحتاج المساعدة؟ هل تقصد نفسها؟!
"شهاب!" نادته عندما لم تستمع لأية إجابات منه
"نعم" اجابها وهو ينظر إليها بملامح أدركت من خلالها أنه يُفكر بكلماتها
"فهمت كلامي ولا لأ؟"
"فهمته" اجابها بإقتضاب لتلاحظ أنه عاد ليستغرق في التفكير مرة أخرى
"أقسم بالله لو بتفكر في الشغل واحنا خارجين لا هاطلع عينك!" حدثته بنبرة امتلئت بالتصميم الشديد ولكنها مزجتها بالمزاح ليلتفت إليها بإنزعاج شديد بمنتهى الجدية "افصل.. انسى الشغل وكل اللي فيه بكل الطموحات والأماني ساعتين زمن بس" أخبرته بإبتسامة لتزداد عقدة حاجباه "وبعدين مش عاجبك إن فيه واحدة جدعة زي القمر اهى شغالة شوفير بعد الضهر وخارجين ناكل سمك والدنيا جميلة اهى! روق كده وسيبك من الشغل وكلمني في أي حاجة.. أنا بسمع حلو على فكرة"
أخبرته بمزاح بينما لم يعد يطيق هو حديثها ويشعر بإستغراب شديد، فلقد نام كثيراً، تناول قسطاً هائلاً من الراحة بعد تلك المرأة التي قضى معها يوماً كاملاً.. ولكن لماذا يشعر بالإرهاق الشديد وكأنه يريد النوم مرة أخرى؟
"آه صحيح هتيجي قراية الفاتحة ولا لأ؟" سألته هذا السؤال الذي لا يعلم إجابته حقاً
"مش عارف" اجابها بمنتهى الصدق "لسه هشوف"
"طيب بص لو هتيجي البيت هيبقى على الساعة 3"
"الساعة 3!" قلب شفتاه في تعجب
"آه يا سيدي أخوك واختي مصممين يتصوروا بعد قراية الفاتحة الصبح قبل ما النور يروح.. هانقعد ساعتين في البيت وبعدين هننزل على خامسة ويادوب يتصوروا من خمسة ونص كده لغاية ما النور يروح.. ناس عجيبة والله" أطنبت بالمزيد من الثرثرة التي ظن شهاب أن تلك الكلمات لا تفرق معه ولكنه لم يرى أن فضوله يزداد
"وعلى فكرة لو مش هاتيجي أنا فاهمة بجد ومحدش هيتضايق.. وصدقني أنا اكتر واحدة في الدنيا دي فاهمة إن كل قرايب لازم بيكون فيه بينهم مشاكل، فبراحتك" أخبرته ليلتفت إليها متفحصاً اياها بإستغراب
"مش مصدق مش كده؟!" ابتسمت إليه وهي تنظر له ثم اعادت نظرها للطريق
"شوف يا سيدي.. زمان، وأنا في اولى جامعة اتقدملي ابن خالتي.. وأنا كنت بحب ماهر من وأنا في ثانوي كمان.. المهم قولت لماما إن عمرو مش مناسب ليا.. فازاي بقى عمرو يترفض وهو معاه فلوس كتيرة اوي وأي بنت تتمناه، ومن يومها واحنا علاقتنا بيهم بقت زفت"
"ورفضتيه علشان بتحبي ماهر بس؟!" سألها لتتعجب من أنها أخيراً استطاعت جذبه للحديث بأمر ما
"أيوة طبعاً.. بس بصراحة عمرو كله على بعضه حد مش مريح، بنات اربعة وعشرين ساعة، سهر وشرب وحد من الناس اللي بتحب أوي تتمنظر بالفلوس وصور الفيسبوك اللي مبتخلصش وأنا بصراحة مبحبش الأسلوب ده، الرجالة اللي كده مبتشدنيش أصلاً.. وكنت خلاص حبيت ماهر وكنت مستنية بس ظروفه تتظبط في الشغل بتاعه لغاية ما يجي يكلم بابا ونتخطب! يعني، كان بيظبط فلوس الشبكة والعفش والكلام ده"
حسناً.. لقد أغضبته.. غضبه الآن تحول ليتذكر العديد من المواقف التي جمعته بغادة.. ها هي إمرأة انتظرت رجل حتى يملك الأموال ورفضت آخر يملك العديد من الأموال والأخرى كانت تملك كل شيء وحتى عندما امتلك الأموال تركته في لمح البصر!
"هو احنا رايحين فين؟" سألها محاولاً أن يتغلب على غضبه ولا يزال يشعر بالإرهاق ولكن لا يدري لماذا!
"كل ده مش واخد بالك من الطريق.. احنا رايحين اسكندرية" أخبرته بإبتسامة ليومأ هو لها ثم تظاهر بأنه انشغل بهاتفه "سيب الموبايل يا شهاب.. الشغل مش هيطير" أخبرته بلهجة مُحذرة ولكنه رمقها بنظرة جانبية "قولتلك سيبه" أخبرته مرة اخرى لتلتفت إليه ولكنه لم يلق بالاً لما تقوله هو فقط يريد أن ينتهي من كل تلك الزوبعة التي تحدثها هذه المرأة حوله ولكنه اندهش عندما توقفت السيارة على جانب الطريق
"هات" مدت يدها لتجذبه منه وكانت هذه أول مرة تقترب له فأمسك بيدها ثم نظر إليها بإستمتاع شديد "لا بقولك إيه مش سكتي.. هتسيب ايدي والموبايل وهتجيبه لغاية ما نخلص الخروجة دي على خير وإلا هـ.."
"هتعملي إيه مثلاً؟" جذب يدها أكثر وأقترب إليها وها هو بدأ في تحقيق واحداً من أغراضه
"شهاب.. أنت فعلاً حد كويس.. وشايفة إننا هنكون أصحاب وأنا ابتديت أثق فيك.. أنت حتى أول واحد فكرت فيه لما حبيت أخرج واتبسط.. لو عايز إن دي تكون أول وآخر مرة نخرج فيها سوا ومنبقاش أصحاب أنا معنديش مشكلة، بس فعلاً هضايق" حدثته بمنتهى الجدية بنبرة هادئة ونظرت له بخيبة أمل استطاعت بسهولة التظاهر بها لينظر لها لوهلة دون كلمات ووجد نفسه يستسلم أمام تلك الملامح ثم ترك يدها في النهاية لتتنهد هي "شكراً.." همست ثم أكملت طريقها وقد وضعت هاتفه بجانبها لتجعل زوبعة أفكاره تتفاقم بشدة!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
لقد استطاعت بعد هذه الأيام أن تتقرب لعاصم بمنتهى السهولة، ولكن أروى لا تزال شخصية غريبة، لا تتحدث إليها بسهولة كما يفعل عاصم..
عليها أن تجذب كليهما حتى عندما يأتي اليوم لتطالب بحق والدتها بعد كل تلك السنوات تجد دعميهما.. ولكن متى وكيف؟ عمرو لا يتركها ووقتها بأكمله يسيطر عليه بالعمل.. هل عليها حقاً الإستماع لصوت عقلها الذي يطالبها بضرورة رد اعتبار كل تلك السنوات لوالدتها بعد عدم علمها بمكان زوجها هذا الحقير الذي اختفى بين ليلة وضحاها أم عليها أن تتوقف عن التفكير بهذا الأمر وتستمر في حياتها التي تعودت عليها؟!
ولكنها كذلك لن تنكر أنها تجد عاصم شخصاً لطيفاً، رجل وسيم، عمره مناسب لعمرها، هو في مثل عمرها تقريباً، أحياناً يبدو جذاباً بشدة خاصة عندما تراه بملابس غير تلك الملابس الرسمية، كما أنها تشعر من نظراته بالإمتنان كلما حاولت مساعدة أروى للذهاب للحمام مثلاً أو لإحضار أي شيء لها.. أيُمكن أن يكون بينها وبينه أكثر من نظرات الإمتنان تلك يوماً ما؟
وجدت ابتسامة هادئة على شفتيها ولكنها نفت ذلك التفكير بداخل عقلها.. وحتى لو بدأ شيء بينهما، كيف سيكمل وهي فتاة بسيطة على عكس تلك العائلة الثرية؟! لن يحدث شيء بينهما أكثر من تلك اللحظات التي يتشاركاها بصحبة أخته.. فهم ينتبوا لطبقة غير طبقتها ولا يوجد بينهما تقارب في المستوى الإجتماعي.. هذا لن يحدث..
حتى شهاب الدمنهوري عندما سألتهما عنه بدافع الفضول اتضح أنه ابن عمهم!! العائلة بأكملها ثرية للغاية، عليها ألا تستجيب لذلك التفكير الذي تُفكر به.. عليها أن تُركز فقط على حق والدتها بالإرث ليس إلا.. هذا إن كان كريم نفسه هذا الحقير الذي تزوج من امها كان يملك أموال وليس مجرد رجل مستغلاً لزوجته وعائلتها!
هي لا تستبعد هذا التفكير، فمن يذهب ليتزوج دون إشهار من إمرأة تعمل كممرضة بأحدى المستشفيات لغرائزه القذرة ولمجرد يومان من المتعة لن يستنكر أن يستفيد بأموال زوجته وعائلتها..
أوصدت عينيها وهي تحاول ألا تفكر بالأمر وستتركه حتى تتأكد من ثقة أروى وعاصم ووقتها سترى ما عليها فعله ولكن عليها النوم أولاً حتى تستطيع مواصلة دوامة العمل اللانهائية!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"يا بنتي كفياكي سكوت وقوليلي إيه اللي حصل؟"
"اللي حصل يابا إنه مش عايز إني أنا وابني نورث في كرم، وأنا هافضل وراه لغاية ما اخد حقي وحق ابني" اجابته سارة بإمتعاض
"ما انتي جوزك سايبلك شيء وشويات، هتعوزي إيه تاني يا سارة.. مش كفاية الفضيحة اللي اتفضحناها وسط أهل الحتة!.. كفاية بقى يا بنتي وابعدي عن سكته ده شكله راجل شراني"
"لا يابا مش كفاية.. كنت فاكرني اتجوزته علشان بعد العمر ده يرميلي شوية الملاليم دول!"
"ليه يا بنتي بتقولي كده.. ما كرم كان راجل كويس معاكي و.."
"اسكت يابا أنت متعرفش حاجة.. وسيبني في حالي" قاطعته وهي تشرد بغل
"يا بنتي ابعدي عن اللي في راسك ده ولايمي امورك علشان ابنك يرجعلك بالسلامة وعيشي في حالك احسن!" حذرها والدها ولكنها لم تكترث
"مبقاش أنا بنتك إن ما فضحته فضيحة بجلاجل في البلد كلها!"
"تاني يا سارة"
"سيبني يابا أنا هنام!"
نهضت لتتوجه لغرفتها التي كانت في يوم لها هي واختها وهي تُفكر كيف عليها أن تنتقم بعدما جعل هؤلاء الرجال يغتصبونها بمنتهى البشاعة، بل وذلك الحقير خدرها وقام بتصوريها، كيف لها أن تُثبت ذلك الأمر عليه؟ كيف لها أن تهدده حتى تحصل على كل ما أرادت يوماً ما؟ أتظن أنه أخذ حازم للأبد!! لن تسكت أبداً ولن تتوقف حتى تصل لما تريد.. مسألة وقت ليس إلا!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"مش ناوية تعبريني بقى ولا هنكمل في الزعل ده كتير؟" همس بدر الدين وهو مستلقي على الفراش بجانب نورسين مستنداً على ذراعه أسفل رأسه وبالرغم من أنها قد شعرت أنه ليس على ما يرام ولكنها لن تتقبل أن يكون شغله الشاغل هذا الأمر الذي لا نهاية له
"مش هتردي عليا؟" تحدث سائلاً إياها بينما هي لا تزال موجهه ظهرها إليها في تظاهر فاشل بالنوم لم يصدقه هو
"طيب خليكي كده واعملي نفسك مش سمعاني!" التفت ليُقربها إليه ثم دفن وجهه بعنقها وهو يعانقها بشدة لتشعر بتنهيدته التي لا تدل سوى على الإرهاق
"أنا خايف على ولادنا، وخايف عليكي يا مغلباني.. تفتكري لو مفكرتش في كل اللي ممكن يحصل وكل اللي حصل ولقيت طريقة أوقف بيها الكلب ده عند حده هنام مرتاح ولا هاكون مرتاح؟!" أخبرها بهمس مُتعب "وعايز الولاد لما يرجعوا من السفر يكونوا مبسوطين! مش عايز أبان إني مضايق قدامهم لأن أول واحد هيفهم سليم ومش بعيد نفتح في القديم تاني والموضوع يوصل لزينة.."
"وخايف اوي لا زينة تعرف اللي حصل لأبوها بسببي.. خايف أوي يا نورسين" أخبرها بعد أن تريث لبرهة وقد اتضح الرعب الجلي بنبرته لتلتفت هي إليه
"إن شاء الله مش هاتعرف حاجة، وحتى لو عرفت أنت كان عندك أسبابك" تلمست وجهه بأناملها وهي تحدثه بنبرة تأكيد
"تفتكري هتفهم! تفتكري نظرتها مش هاتختلف ليا؟" نظرت إليه وهي تتفحص سوداوتيه في طفيف الضوء البسيط الذي انبعث بالغرفة من الشرفة
"مفيش حاجة هتحصل يا بدر.. متقلقش يا حبيبي" همست إليه وهي تقبله من جبهته ليوصد عينيه وترك رأسه لتستقر بصدرها
"نفسي يا نوري" همس إليها "نيميني بقى"
"غريبة! هتنام والبيت فاضي كده.. مش طالبة معاك قلة أدب يعني؟" حاولت أن تخرجه من أفكاره ولكنها وجدت تنهيدة طويلة انعكست على صدرها
"لا طالبة نوم!! بكرة الصبح نشوف قلة الأدب دي.." أخبرها لتدرك أنه قد مزقه التفكير بالأمر ولم تتحدث إليه بعدها لتطنب بالتفكير بالأمر لتجد حلاً هي الأخرى وقد لاحظت عدم استجابته للنوم إلا بعد مدة طويلة..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"عرفت.. عرفت إن كل واحد عنده مشاكله! مفيش حد حياته وردية كده ولذيذة ومليانة ضحك وهزار" تنهدت بعد أن نظرت إليه بطفيف من الحزن بعينيها "بس هي الفكرة إن فيه ناس بتستجيب للمشاكل وبتسبها تتحكم فيها وفيه ناس بتحاول تحل المشاكل دي أو تبعد عنها وبتبقى عايزة تعيش في سلام! عقلنا هو اللي بيوجهنا يا شهاب" أعادت نظرها إلي الطريق لتستمع لزفرته الطويلة
"شكله كمين.. هات الرخصة!" أخبرته بنبرة هادئة
"أنا مش فاكر الرخصة فين أصلاً!" نظر إليها بعفوية بينما اترفعا حاجبيها في دهشة
"يا حلاوة.. يارب بقى ما يوقفونا" أخبرته لتقترب من ذلك الضابط الذي أوقفها لتُتمتم "يا دي النيلة"
"رخصك!" أخبرها لتُخرج فيروز رُخصة قيادتها وأعطتها له بينما لم يقتنع الرجل الذي أدركت أنه رائد من تلك العلامات البارزة على كتفه لتُدرك أن هناك أمراً ما "فين رخصة العربية؟!" سألها لتحمحم فيروز ولكن تدخل شهاب
"أنت مش عارف دي عربية مين مش كده؟!" حدثه بإحتقار ليومأ له الرجل في تفهم
"اركني على جنب وانزليلي" أخبرها الرائد لتبتسم بإقتضاب
"بس حضرتك أنا مـ.."
"اخلصي عشان الطريق!" احتدت نبرته وهو يقاطعها
"هتندم علـ.."
"أسكت يا شهاب.." التفتت إليه وهي تقاطعه بنظرة جادة بينما رمقها بإنزعاج وصف السيارة مثلما أخبرها الرجل
"إيه اللي أسكت.. هيستهبل ولا إيه، ده أنا كلمة واحدة مني ترجعه عسكري تاني!" توسعت عيناها وهي تنظر له في غير تصديق
"هو معملش حاجة.. ده بيشوف شغله! شوف لو معاك الرخصة في التابلوه ولا حاجة بدل ما منظرنا يبقى زفت دلوقتي ولا هات بطاقتك!"
"لا مش شايف ومش هدي حد حاجة.. وبعدين حتت العيل ده واقف يلم في فلوس ويدي في غرامات ويسحب في رخص ويبقى ده شغله" أخبرها بتهكم وهي لا تُصدق كلماته ثم ترجلت خارج السيارة
"رخصة العربية دي فين؟"
"حضرتك أنا نسيتها، وصاحبها أهو قاعد جانبي.. شهاب الدمنهوري، أظن حضرتك تعرفه، ممكن تتأكد بنفسك" تفحصه ذلك الرائد بينما رمقه شهاب بتعالي ولم يغادر سيارته ثم نظر الرجل للسيارة ومنها إلي فيروز التي عقدت ذراعيها ونظرت للرجل بمنتهى الثقة "وبعدين أنا مرات ظابط ومينفعش اللي بيحصل ده.. أكيد مش هاقصد امشي من غير رخصة العربية يعني.." أخبرته ثم تناولت حقيبة يدها من السيارة وهي تخرج له بطاقتها واحدى بطاقات السماح لدخول العديد من الأماكن التابعة للجيش المصري "حتى اتفضل اهو شوف بنفسك!" ناولتها اياه ليتفحصها ذلك الرائد ثم نظر إليها بتمعن
"استنيني هنا!" أخذ الرجل ما اعطته إياه ثم توجه إلي الرتبة الأقدم منه "اتفضل يا معاذ باشا.. واحد عاملي فيها رئيس جمهورية وهانم بتقول إنها مرات ظابط وشكلي كده هعك ولا إيه؟"
"أهلاً يا وش السعد.. ياما جاب الغراب يا أخويا.. هات وريني" تفحص تلك الرخصة التي وجدها تخص فيروز "ده أنت شكلك هتعك معايا أنا شخصياً" نهض من على كرسيه ليتوجه نحو السيارة
"ما هي اللي ماشية من غير رخص العربية.. يا معاذ باشا استنى بس!" ناداه ولكنه لم يستجب له وتوجه نحو فيروز التي ولته ظهرها بينما يبدو أنها تتحدث مع رجل غريب لم يتعرف عليه، بل يبدو وكأنهما يتشاجران!
"ده أنا اطربقلهم الكمين ده على دماغهم، هيستعبطوا ولا إيه!! هاتي الزفت الموبايل!" أخبرها بغضب شديد لتنظر هي له في تعجب
"طب مش هاديهولـ.."
"فيروز!" ناداها لتلتفت في تعجب لهذا الصوت المألوف
"إيه ده معاذ.. إيه يا عم فينك؟"
"مرزوع اهو في كمين بمسك اللي ماشين من غير رخص" أخبرها بإبتسامة وهو يصافحها بينما رمق شهاب بنظرة متفحصة ويبدو أنها غير مُرحبة لينظر له شهاب في احتقار
"كمين يا معاذ!! إيه اللي حصل للمباحث والقواضي؟" تنهد وقد بدا عليه أنه ليس بخير
"دي تكديرة.. هابقى احكيلك" اجابها بإقتضاب ولكنه نظر لشهاب ثم إليها
"أنا آسفة معلش معرفتكوش.." تنحت جانباً ثم وقفت بينهما "شهاب الدمنهوري.. معاذ شاكر" قدم معاذ يده ليصافحه ولم يصافحه شهاب سوى بعد تلك النظرة التي رمقته بها فيروز
"شهاب يا سيدي أخو هبة دويدار صاحبتي.. معاذ صاحب ماهر الله يرحمه ومراته صاحبتي" وزعت نظراتها بينهما
"من امتى وانتي بتمشي من غير رخص يا فيروز؟!"
"والله عمري ما عملتها، احنا كنا رايحين اسكندرية ونسيت خالص موضوع الرخص.."
"ياااه إسكندرية.. كانت احلى أيام والله" ابتسم بإقتضاب لتبتسم له فيروز هي الأخرى ويبدو أن هناك أمراً يقصداه سوياً بينما لم يُعجب شهاب بكونه لا يعلم ما يقصداه "عموماً ابقي خدي بالك بعد كده.. اديكي المرادي وقعتي فيا الله أعلم المرة الجاية هتقعي في مين!" أخبرها لينظر له شهاب بتهكم بينما أومأت له في تفهم
"حاضر يا سيدي.. قولي صحيح أخبار لبنى إيه؟ بطلت تكلمني خالص.."
"لبني دي حوارها حوار.." حدثها بإقتضاب
"جرا إيه يا معاذ مالك؟ هو فيه إيه بالظبط اللي بيحصلك.. ما أنا لسه كنت بكلمك الأسبوع اللي فات، فيه إيه يا ابني؟" تفحصته بإهتمام وهي متأكدة أن هناك العديد من الأمور حتى يُصبح وجه معاذ بمثل تلك الملامح لينظر إليها بحزن
"كل حاجة بتبوظ.. مش عارف فيه إيه اللي بيحصلي ده.." زمت شفتيها في قلق
"طب ما تعزمني على شاي و.."
"احنا مش هنمشي ولا إيه؟" قاطعها صوت شهاب العاقد لحاجباه وبداخله أوشك على الإنفجار غضباً وهو واقف خلفها يتطلع لهما في غل كما أنه انزعج للغاية من فكرة أنها هي من اخرجتهما من هذا الموقف!
"استنى شوية، مش هيجرى حاجة يعني.." التفتت له ثم عادت لتنظر إلي معاذ
"روحي مش هاعطلك!" نظر إليها بتفهم بعد أن نظر لشهاب بإمتعاض
"لا يا عم ولا عطلة ولا حاجة.. روح بس وصيلنا على الشاي وأنا هاجي وراك" أخبرته بإبتسامة وشهاب خلفها قارب وجهه على أن يحترق من كثرة تلك النيران بداخله "روح بقى متنحليش كده!" نظرت إليه بمزاح ليبتسم وهز رأسه إليها وتركهما لتلتفت هي لشهاب
"شهاب.. معاذ زي أخويا.. مينفعش اللي بتعمله ده.. وبعدين دي ناس بتشوف شغلها و.."
"يووه.. بقولك إيه، لو عجباكي القاعدة اللي في الشارع دي أنا ممكن امشي واقعدي دردشي بقى براحتك معاه.." نظر إليها بإنزعاج ووضع يداه بجيبيه
"خلاص براحتك.. زي ما تحب.. لو عايز تستناني ماشي، لو عايز تمشي مفيش مشكلة.." التفتت لتغادره ولكنها توقفت قبل أن يدلف للسيارة "بس لو مشيت هازعل.." نظر إليها في استغراب لتتركه هي وعبرت الطريق حيث المكان الذي يجلس به معاذ
"قوم يا ابني" أخبر معاذ واحداً من الموجودين معه لتجلس فيروز الذي قدم إليها الشاي ثم جلس بالقرب منها
"فيه إيه يا معاذ.. أنت سبت المباحث ازاي؟"
"مفيش.. اللوا شوقي شايف إن المفروض اسبني من قضية ماهر واركز في شغلي.. ولما عرف إني لسه مصمم وبجري ورا الناس دي بيكدرني واديكي شايفة أنا وصلت لإيه!" أخبرها بضيق
"مش قولتلك يا معاذ لو مش هيأثر على شغلك ابقى شوف القضية"
"يا فيروز ده أخويا من واحنا عيال.. عارفة يعني إيه؟" سكتت فيروز وهي حقاً لا تريد تذكر ما لا تنساه!!
"طيب ولبنى؟"
"لا لبنى مش عاجبها خلاص إني مشغول وسابتلي البيت وراحت عند مامتها.. لا بترد عليا وعايمة على عوم مامتها اللي شايفاني مأثر معاها هي والولاد وخلاص بقى.. بقى مش فارق معاها حاجة"
"يا عم بس روق وصلي على النبي"
"عليه الصلاة والسلام"
"أنا هاروحلها وهاتكلم معاها.. وكأني عرفت منك صدفة إنها عند مامتها"
"ولا متتكلميش" أشاح بوجهه بعيداً
"لا متقلقش أنا هـ.."
"مين ده يا فيروز؟ أنا اول مرة في حياتي اشوفه!" قاطعها وهو ينظر نحو السيارة
"لا ده حواره كبير اوي بقى.. مجنني والله يا معاذ" تنهدت في إرهاق
"إيه يعني ماله بيكي أصلاً؟"
"لا ده حوار كبير.. يعني.. حاولت استدرجه كده للعلاج بس مش عايز يستجيب.. وبالصدفة اكتشفت انه اخو صاحبتي.."
"هبة..! مش اخوها هاشم باين؟ أنا فاكر إني حضرت فرحها وهو مكنش موجود" نظر لها بإستغراب
"أخوها من الأم.. هابقى احكيلك كل حاجة.. بس أنا يادوب أقوم اروحله" نهضت ليومأ لها في تفهم "شكراً على الشاي" ابتسمت له في ود
"قال يعني كملتيه"
"ليا شاي تاني عندك.. يوم اجازتك كلمني وهاجيلك" توسعت ابتسامتها ليومأ لها ثم ناولها رخصة قيادتها وبطاقاتها
"ابقي خدي بالك من رخصك يا مدام احسن الكماين اليومين دول مبترحمش"
"حاضر يا سيادة المقدم.. أوامر يا باشا" نظرت إليه بمزاح ليبتسم إليها إبسامة لم تلامس عيناه ثم تابعها بنظره إلي أن عادت إلي السيارة..
"ممكن افهم انت إيه اللي أنت عملته ده؟" نظرت إليه بإنزعاج بعد أن دلفت بجانبه وشرع هو بالقيادة بينما لم يجبها "مش هاترد مش كده؟!" سألته في تحفز
"مش انا اللي اتعامل بالمنظر ده!" اجابها بإنزعاج
"كانوا بيشوفوا شغلهم.. "
"يشوفوا بقى ولا ميشوفوش.. المفروض كانوا يعرفوا همّ بيكلموا مين"
"مش قادر تقبل إن فيه قانون و.."
"بقولك إيه!! أنا بقول نرجع احسن!" قاطعها لتندهش ملامحها ثم أومأت بتفهم
"مفيش مشكلة.. براحتك"
أخبرته بمنتهى الهدوء ليزيد هو من سرعة السيارة ثم أخذ يُفكر بكل ما يتعلق بها منذ ذلك اليوم الأسود الذي دلفت تلك المرأة حياته إلي ما حدث منذ قليل.. قرر أنه لن يستمر في تلك اللعبة السخيفة أكثر من هذا! قرر أن يعرف ما وراءها والآن!
لن يتحمل فكرة تلك الجلسات حتى تبدأ في الغوص بماضيه حتى تستخدم كل ما ستعرفه ضده، لن يستمر في تلك الفكرة بأن يُصبحا أصدقاء، لن يتحمل المزيد من ذلك العشق الملحمي الأسطوري الذي يظهر لزوجها كلما كان معها، يكفي.. هو ليس ذلك الشخص! ليس ذلك الرجل! ولن يكون! أحقاً هو ذاهباً مع إمرأة إلي اللامكان وتركها تتحكم به بمجرد فكرة عشاء سخيفة! تركها تُذكره بغادة ثم ينظر إلي كم هي إمرأة مُخلصة.. لا هو ليس مستعد لتلك الدوامة! أبداً!!
"أنتي عايزة إيه بالظبط!" تعالى صوت مكابح السيارة التي أطلقها وهو على سرعة شديدة ثم رفع المكابح اليدوية وهو ينظر إليها لتعطيه نظرة بطرف عينيها
"مش عايزة حاجة، اتفضل لف وارجع وأنا غلطت لما افتكرت إننا ممكن نخرج سوا! الغلط عندي مش عندك!"
"بقولك إيه، الكلام اللي بتضحكي بيه عليا ده تروحي تضحكي بيه على عيل صغير!! أظن كفاية أوي كده وتعاليلي دوغري! عايزة مني إيه؟" تجهمت ملامحها وقد اندفع حاجبيها ليتقاربا في تعجب والتفتت إليه بكامل جسدها
"أنا مبضحكش عليك في حاجة"
"وأنا بقى المفروض أصدق الـ show اللي انتي بتعمليه من ساعة ما عرضتي عليا المشروع.. مش كده؟" ابتسم نصف ابتسامة متهكمة وقد بدأ الغضب في التملك منه
"أنا مش فاهمة والله أنت بتجيب الكلام ده منين!" اجابته بمنتهى الهدوء ليشعر بمزيداً من الإستفزاز
"هتعمليهم عليا ولا إيه!! فكراني مش هافهم واحدة زيك؟" رمقها بنظرة احتقار لترفع هي حاجبيها في دهشة
"هاكون عايزة منك إيه يا شهاب.. قولي شاكك في إيه؟" حدثته بمنتهى الثقة ليزداد غضبه ورمقها لثوانٍ دون أن يتحدث لها ولكنه في النهاية عاد مجدداً لقراره بألا يُكمل تلك اللعبة
"بت.. انتي هتستعبطي؟ فكراني مش فاهم حركاتك!" مد يده ليُمسك بأحدى ذراعيها فكادت أن تصفعه بيدها الأخرى ولكنه لحقها ونظر إليها بمنتهى الوقاحة "حظك إنك مشوفتيش الوش التاني لغاية دلوقتي" حاول أن يقترب منها ولكن نظرة عينيها المحذرتان بتحدٍ شديد جعلاه يتراجع
"انزلي من العربية!" أخبرها بجمود لتندهش ولكنها لم تكترث لظلمة الطريق في هذا الوقت من الليل ولا حتى لخلاء هذا الطريق الصحراوي السريع من السيارات وجذبت حقيبتها ثم ترجلت من السيارة "مش عايز أشوف وشك تاني! ولو بس فكرتي تهوبي مني أنا هوديكي في داهية" أخبرها ثم انطلق بالسيارة وتركها خلفه دون أن يكترث لها!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يتبع . . .