الفصل السادس عشر - شهاب قاتم
الفصل السادس عشر
كان عليه أن يفعل ما فعله منذ ثوانٍ من تلك اللحظة التي آتت بها بفكرة ذلك المشروع السخيف.. يا ليته فعل ذلك منذ البداية! لماذا أستجاب لتلك الفكرة الغبية وتلك الجلسات الساذجة وكذلك استماعه لها! لماذا؟!
يريد الإنتقام.. حسناً سينتقم.. ولكن ليس بتلك الطريقة، هو ليس بساذج، هو ليس بمراهق ليلهث خلف إمرأة مثلها لا يدري حتى ما لون عينيها، سيُريها ماذا يعني أن تعبث إمرأة مع رجل مثله! لماذا أكمل في تلك اللعبة السخيفة منذ البداية؟!
بحث عن هاتفه حتى يهاتف احدى الرجال ليفعل معها مثل ما يفعل مع أي إمرأة، مع غادة، مع زوجة ابيه تلك العاهرة الأخرى!
"غبي!! غبي!!" صرخ ليضرب كرسي السيارة بجانبه عاقداً قبضة يده ثم وجه السيارة لتعود إلي الخلف وهو يحترق غيظاً "ازاي انسى الزفت ده معاها!" قاد بسرعة جنونية ليعود حيث تركها ليجدها تسير بمنتهى الهدوء ولم تتوقف حتى لتنظر له..
ترجل من السيارة إلي الخارج تاركاً بابها وهو يتجه نحوها في غضب شديد ثم أمسك بذراعها بقوة لتنظر هي له بكبرياء شديد وكأنها هي في موطن قوة وليس ضعف ببقائها بهذا الطريق وحدها وقد عبرت الساعة التاسعة ليلاً
"هاتي الموبايل" نظر لها وقد اتضح الغضب الشديد على وجهه لتُفكر هي كم أنه ضعيف للغاية، لا يستطيع مواجهة ذكرى واحدة وقليل من الطريقة الطبيعية التي قد تتعامل بها أي إمرأة معه
"نزل إيدك"
"هاتي الزفت!" صاح بين أسنانه الملتحمة بمنتهى الغضب
"نزل إيدك الأول!" رمقته بمنتهى الهدوء ولم تخف من ملامحه التي قد ترتعب منها أي إمرأة ليشعر أنه قارب على الإنفجار
"بت أنتي.. ما تخلنيش أتـ.." وفي لمح البصر وجد نفسه قد طُرح أرضاً بعد أن أستطاعت أن تتحرر من قبضة يده بضربة خاطفة بجانب يدها بمنتصف ساعده ثم دفعته بمنتهى السرعة بضربة من قدمها بمنتصف ساقه حتى لم يُصدق أنه بدأ في الشعور بتلك الآلام بنفس الوقت ثم ألقت هاتفه من حقيبتها بوجهه وهرولت مسرعة إلي السيارة لتوصدها على نفسها عدا سنتيمتراً واحداً من الزجاج بجانبها..
نهض في دهشة وتضاعف غضبه، لا يُمكن ما تفعله تلك الحقيرة معه، لا يُمكن أن تكون بمثل هذه الجرأة وتتجرأ على أن تعبث معه بمثل هذه الطريقة..
"أنزلي من العربية" صاح بها آمراً ووجهه اتضح به سواد الغضب
"لا.. لما تعتذر الأول!" أطرق برأسه وقد تفرقت شفتاه في غير تصديق، أتريد منه هو أن يعتذر إليها، هي تحلم بالتأكيد!
"طب أقسم بـ.."
"إيه ده.. هتحلف!! غريبة مع إنك مش مسلم ولا مؤمن بحاجة" قاطعته وهي تنظر له بإستمتاع شديد وإبتسامه جعلته يريد فصل رأسها عن جسدها ثم التمثيل بتلك الأعين منعدمة اللون!
"بقولك أنزلي من العربية.. مش هاكرر كلمتي!" صاح بين أسنانه المُطبقة لتستند هي بذقنها على كف يدها ورمقته في منتهى الإستمتاع لتتنهد وهي تشاهده يتحرك بمنتهى الإندفاعية كما لاحظت ازدياد فرط الحركة الذي يعاني منه
"ولا أنا هاكرر كلمتي.. اعتذر ونرجع محترمين مع بعض وكويسين يا إما خليك كده بقى للصبح!" هزت كتفيها ولا تزال تستند على يدها "قدامك دقيقتين.. يا تعتذر يا هامشي وأسيبك!" وضع يداه يسندها على خصره وأطلق ضحكة خافتة بمنتهى السخرية بينما هي لم تكترث له وراقبت ساعتها
"عايزة شهاب الدمنهوري يعتذرلك.." أطنب بضحكته التي استمعت لها وهي ترى الغضب الشديد والغيظ يتضح بها "بقى أنا، أعتذرلك أنتي!"
"تخيل بقى.." ابتسمت له ثم تابعت بعينيها عقرب الدقائق بساعة يدها
"حظك، حظك إنك متعرفيش أنا بعمل مع الأوساخ اللي زيك إيه!" ضحك مرة أخرى لتهمهم هي وكأنها حزنت ولكنها عاملته بمنتهى السخرية مثله تماماً
"هبلة يعني.. غلبانة أوي مش كده!" تنهدت متصنعة قلة الحيلة في إستفزاز
"ماشي.. بكرة تشوفي هاعمل فيكي إيه!"
"صدقني مش فارق معايا! وأنا وأنت عارفين يا شهاب إيه اللي مجننك مني كويس.. إني قريبة لأهلك، إني أعرف أهلك همّ مين، إني مبضغطش عليك علشان تشوفهم ولا تعرفهم، وواضح إن راجل زيك دور ورايا كويس أوي ولقيتني صريحة وصح في كل كلمة قولتهالك.. ده غير إني مش زي باقي الستات اللي أنت عرفتها.. و.. times up (انتهى الوقت)" تحولت ملامحها للجدية ليرمقها بنظرة عميقة متفحصة وازدادت عقدة حاجباه
"كان نفسي نكمل كلامنا زي أي اتنين محترمين.. بس تعمل إيه بقى.. فيه ناس جواها سواد، مبيطقوش النور وبيهربوا منه بالمشوار.. مهما تحاول توريهم الجزء الكويس اللي فيك بيجبروك تعاملهم بأسوأ الطرق.. رحلة سعيدة!!" انطلقت بالسيارة وتركته خلفها ليركل هو الأرض بقدمه ليجدها أوقفت السيارة لتخرج هي رأسها من الزجاج وهي تصيح "أقترح عليك تشوف لو أوبر بيجي هنا.." ابتسمت ثم أكملت الطريق
"يا بنت الجزمة!! أنا هوريكي!"
تمتم ثم أمسك بهاتفه ليجد أن الإرسال ضعيفاً ليطلق صيحة غضب بمنتهى الغيظ الشديد ثم حاول أن يجد من يُقله، حتى ولو كان تطبيق أوبر..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
في صباح اليوم التالي..
"خلينا بقى بنتكلم بفايبر وماسينجر علشان سعادة البيه!" تحدثت إليها هبة
"خير يا هبة؟!"
"خير انتي.. إيه اللي حصل امبارح؟"
"بعد المحاضرة الهايلة اللي اديتهاني؟!"
"متبقيش رخمة بقى.. وهو أنا كنت اديتك محاضرة ليه؟ مش علشان خايفة عليكي يا جزمة انتي!" صاحت بحنق إلي صديقتها
"ماشي يا ستي متشكرة"
"انجزي وقوليلي إيه اللي حصل؟"
"مفيش.. بعد الأستغماية بتاعته وهات وخد في الكلام وغصب عني من الإستفزاز ضغطت عليه ويا دوب قال كلمة كده وأنا مرضتش أضغط عليه تاني أكتر من كده قولتله تعالى نـ.." أكملت كل ما حدث يوم أمس دون الإدلاء بما قاله شهاب عن ماضيه مروراً بملاقتها بمعاذ ومن ثم ذلك الشجار الذي أدى لتتركه وحيداً بمنتصف الطريق
"يا بنت اللعيبة!" لم تستطع التوقف عن الضحك
"فاكرني هخاف مثلاً.."
"يا بنتي اتلمي.. واحد زي ده هينتقم والله.. قولتلك ابعدي عنه مسمعتيش كلامي.."
"او يمكن لما يقعد مع نفسه ويعرف إنه اتزفت على عينه وحس إني تقريباً الوحيدة اللي قدر يعترفلها بجزء ولو ثواني من ماضيه المهبب يعقل ويرجع يعتذر!"
"ده مش هيعتذر، ده هينتقم وبس!"
"يا حبيبتي ده رد فعل طبيعي بعد ما جبته على بوزه وخليته يتكلم.. وكمان كوني أنا اللي خرجته من موضوع الرخص ده خلاه يتشل يا عيني.. أمّا بقى لما سيبته وروحت قعدت مع معاذ وحس إنه عادي يعني بني آدم زيه زي البشر الـ Ego (غرور) بتاعه أتأثر حبتين وفجأة يا عيني انفجر.. لازم كده واحدة واحدة يفوق إن فيه بشر غيره في الدنيا، ما أنا مش هاديله كل الوقت والإهتمام.. بدل ما أساعده إنه يبقى طبيعي أروح وأفضل أقوله أنت احسن واهم حاجة في الدنيا.. مش هاينفع طبعاً"
"والله خايفة ومرعوبة لا يعمل فيكي حاجة!"
"يا ستي الموضوع بسيط.. هو جبان معايا ومش هايعمل حاجة، ولو حتى عمل هاكشفله كل حاجة وهقوله بدر الدين الخولي هيفضحك وهانعمله بدل القضية قضايا ومعانا الإثباتات وبدل الشاهدة تلاتة وحوار كبير ساعدتك.. ده غير برضو إني عرفت أدخله منين.. عرفت إزاي بيجيب ورا!"
"لما نشوف آخرتها"
"صحيح.. أنا اراهنك إنه هيجي قراية الفاتحة"
"وإيه خلاكي متأكدة كده؟" تعجبت لتسألها
"مممم.. فضول وحب استطلاع وعايز يتأكد من إن طنط مش زقاني.. غير سبب كده كمان أحب أحتفظ بيه لنفسي"
"بتخبي عليا يا جزمة، ماشي يا فيروز، اولعي انتي وهو" حدثتها بحنق لتضحك فيروز
"أسرار مرضى وكده!"
"ملعون!!"
"روحي يالا أنا ورايا شغل.."
"ماشي يا ست فيروز هانم.. سلام"
"سلام!"
أنهت حديثها مع هبة ثم عادت لتتذكر أسئلته وطريقته معها، تعلم أنه منجذب إليها وبشدة، لقد قرأت هذا بعينيه أكثر من مرة، ولقد حاولت وستظل تحاول معه حتى يعود عن تلك النظرة التي ينظر لها بها، ولكنها تأمل أن الأمر لن يتعدى مجرد الجاذبية فقط!!
حديثه عن ممارساته للجنس، محاولاته في أن يتقرب منها بالرغم أنها لا تترك له المجال لفعل ذلك، وأمس بالسيارة عندما حاول أن يجذب يدها ويتلمسها.. هي ليست بغبية حتى لا تقرأ كل تصرفاته..
ولكنها تتمنى من كل طيات قلبها أن يكون عنصر مفاجأة ليس إلا، تتمنى أنه فقط مأخوذ بفكرة أن هناك إمرأة تتعامل بحدود مع الرجال وتعشق زوجها ولا زالت حزينة على فراقه.. لا تتمنى أن يكون الأمر أكثر من هذا! وإلا لن تكون العواقب جيدة أبداً..
"شهاب.. أنت فعلاً حد كويس.. وشايفة إننا هنكون أصحاب وأنا ابتديت أثق فيك.. أنت حتى أول واحد فكرت فيه لما حبيت أخرج واتبسط.. لو عايز إن دي تكون أول وآخر مرة نخرج فيها سوا ومنبقاش أصحاب أنا معنديش مشكلة، بس فعلاً هضايق" حدثته بمنتهى الجدية بنبرة هادئة ونظرت له بخيبة أمل استطاعت بسهولة التظاهر بها لينظر لها لوهلة دون كلمات ووجد نفسه يستسلم أمام تلك الملامح ثم ترك يدها في النهاية لتتنهد هي "شكراً.." همست ثم أكملت طريقها وقد وضعت هاتفه بجانبها لتجعل زوبعة أفكاره تتفاقم بشدة!
"اشمعنى عايزة تخرجي النهاردة؟!" سألها وهو ينظر إليها بتفحص وقد لاحظت إلتفات رأسه إليها لتتنهد هي
"مفيش.. اصحابي كلهم مشغولين في حياتهم، أولاد وشغل ومسئوليات" حمحمت بصعوبة لذكرها أمر الأطفال ثم تابعت "وكان نفسي اروح إسكندرية بقالي مُدة، من ساعة ما ماهر اتوفى أنا مروحتش.." ابتسمت في وهن لتكمل الطريق
"كنتي بتحبيه أوي مش كده؟" سألها بإنزعاج طفيف حاول أن يُخفيه عندما التفتت إليه
"كلمة حب دي قليلة اوي على اللي كان بيني وبين ماهر.. إعجاب بنت مراهقة في ثانوي، حب بنوتة لسه داخلة الجامعة، اتحول كمان لتفاهم وصحوبية ونضج ورجولة منه واحتواء بشكل عمري ما هلاقيه في الدنيا.. ده حتى دراستي وشغلي كان بيتناقش معايا فيهم!"
ابتلع وهو يشعر بداخله بالحقد والغيظ لا يدري لماذا ولكن ما جعل الآلم يتجدد بداخله ويُمزقه إرباً هو جملتها التالية
"يوم ما تحب بجد واللي بتحبك تكون فاهماك هتفهم ماهر بالنسبالي كان إيه!" لم يجد كلمات ليتحدث بها بينما تابعت هي "بس بصراحة أنا مبسوطة إننا بقينا اصحاب وبنتكلم كده.. حاسة إنك كمان أختلفت كتير عن الأول!" أومأ بإقتضاب وتفكيره بمكان آخر تماماً
"مش سهل على فكرة إنك تلاقي حد ترتاح معاه في الكلام من غير ما يبصلك بصة مش اللي هي ومن غير ما يحكم عليك.. يعني أنا مثلاً لما رجعت المدرسة والمصحة الكل بيبصلي بصعبانية ولازم الجملة المشهورة بتاعت لو محتاجة حاجة عرفيني" ابتسمت بتهكم
"أخصائية نفسية ومش عارفة تساعد نفسها.." توسعت ابتسامتها في مزيداً من السخرية "بس هساعدك إن شاء الله في أي حاجة مضايقاك.. متشغلش بالك بيا أنا بحاول والله أكون كويسة.. في الطريق اهو وربنا يسهل" أخبرته ثم تنهدت ليومأ بمزيداً من الإقتضاب
"عرفت.. عرفت إن كل واحد عنده مشاكله! مفيش حد حياته وردية كده ولذيذة ومليانة ضحك وهزار" تنهدت بعد أن نظرت إليه بطفيف من الحزن بعينيها "بس هي الفكرة إن فيه ناس بتستجيب للمشاكل وبتسبها تتحكم فيها وفيه ناس بتحاول تحل المشاكل دي أو تبعد عنها وبتبقى عايزة تعيش في سلام! عقلنا هو اللي بيوجهنا يا شهاب" أعادت نظرها إلي الطريق لتستمع لزفرته الطويلة
"شكله كمين.. هات الرخصة!" أخبرته بنبرة هادئة
عاد من تذكره لحديثها عن زوجها وقد شعر بالغيظ كاد أن يفتك به، لا يجد شيئاً خاطئاً عنها!! لا يراها كالعاهرات!! يُجن ويُجن كلما حاول الإقتراب منها وهي لا تستجيب!! وما الذي حدث له ليلة أمس؟ لماذا لم يستطع التظاهر بالمزيد من اللطافة مثل ما يفعل مع بقية النساء؟!
لماذا كلما أمسك هاتفه ليُنفذ واحداً من تلك المخططات التي لن تنتهى سوى بها ملقاة أرضاً أسفل قدماه يجد نفسه يتراجع؟؟ لماذا قد انعزل عن كل ما بالحياة منذ عودته فجراً لمنزله ولا يستطيع فعل أي شيء سوى التفكير بها؟
هي حتى لم تأخذ السيارة التي تُكلف ثروة بالتأكيد لإمرأة بذلك المستوى الإجتماعي الذي تعيش به! لقد تركت مفتاح السيارة لأمن المجمع السكني! ماذا تريد منه!
لا تريد أموال، ولا تغريه، ولا تجبره بأن يذهب لوالدته وأخوته ولا ترتب مواعيد وتتظاهر بالصدفة ولم تحدث إلا مرة واحدة دون علمها بأنه ذاهب للصالة الرياضية، هو نفسه ارتجل الذهاب إلي هناك ولم يكن على علم بذلك، لم تتدخل في شؤونه إلا عندما طلب هو منها! أهناك إمرأة على وجه الأرض مثلها!!
يكفي.. يكفي كل ذلك الجنون.. لا يستطيع التحمل.. لا يستطيع التفكير أكثر من هذا.. كما لا يستطيع مجرد الفكرة بأنه قد أخبرها بأن والده لم يكن يسمح له بالإقتراب من أدوات عمله.. كيف فعلتها؟! كيف أخرجت تلك الكلمات منه؟! كيف أستطاعت فعل ذلك وهو بكامل قواه العقلية، ليس بثمل ولا أقترب من إتيان شهوته بداخل احدى النساء..
ما نهاية تلك المرأة؟ وما نهاية التفكير بها؟ كلما ظن أقترب من معرفة حقيقتها وجد أنه قد وصل لنقطة اللاشيء!
أحقاً لن يراها مجدداً؟ هل أنتهت الجلسات معها؟ والمشروع!! هو لم يوقف العمل به وكل العمل يتم إستكماله! أيُحدثها ليعتذر لها عما بدر منه؟
لا لن يعتذر، لن يحدث!! شهاب الدمنهوري لا يعتذر لإمرأة على وجه الأرض بأكمله! هذا مرفوض تماماً بالنسبة له..
سيستعيدها بعد أن يذهب لتلك الخطبة السخيفة يوم الأحد المقبل، سيتظاهر أنه لطيف مع الجميع مثل ما فعل مع والدها، سيكون ذلك بمثابة الإعتذار.. وسيتفق معها على موعد الجلسة المقبلة.. وسيعود لفكرة الأصدقاء السخيفة تلك.. فهو لأول مرة يشعر أن هناك من يكترث لأجله دون أموال ولا عمل ولا أية رغبات خفية أخرى!! حتى ولو كانت هي سيستعيدها لأنه قد راقه أن يهتم به أحد ويُلق بالاً لحياته بأكملها التي تظن هي أنها ليست سوى العمل فحسب!
سيتأنق، سيُقدم هدية فاخرة لا يستطيع أحد تقديمها.. وسيكون ذلك بمثابة الإعتذار!! عليه فقط معرفة المزيد عن أخيه!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"طيب احكي كده كل حاجة من الأول، يمكن نوصل لحل سوا مع بعض!" حدثته نورسين ليتنهد هو بعمق
"طيب قومي هاتيلي علبة السجاير اللي موجودة في آخر درج في المكتب وهتلاقي جنبها ولاعة"
"لا يا بدر لأ!! أنت هترجعلها تاني ولا إيه؟" حدثته بجدية بينما اتسعت زرقاويتيها في إنزعاج
"أنا بقولك هاشرب حشيش!! دي سيجارة يا نوري!"
"لا مفيش سجاير، والعلبة اللي انت مخبيها دي أنا هاقطعها وارميها في الزبالة!"
"متخلنيش اندم إني قولتلك.. يالا يا حبيبتي اسمعي الكلام!" ابتسم إليها وهو ينظر لها في غيظ بسوداويتيه لتنهض هي وتمتمت في طريقها
"أنا اللي دلعتك واخدتك على كده"
"بتقولي حاجية يا حبيبتي"
"جتك نيلة" صاحت إليه ليشرد مجدداً بالأمر برمته ليجد نزرسين قد آتت مرة أخرى
"شكراً يا حبيبتي"
"هي سيجارة واحدة مفيش غيرها"
"ماشي" أخذها من يدها ليشعلها بالقداحة
"اتفضل اتكلم"
"دلوقتي الواد ده دخل وسطينا علشان يعرف حوار عمه، واخده وعنده في البيت، زينة اخدها في الرجلين.. ولما راقبناه عرفنا نمسك عليه الفيديوهات اللي مسجلها وماسكها على البنات وكمان الفيديو اللي أروى كانت ماسكاه عليه وحوار صفقاته الشمال دي، وده اللي عرف يخرجنا من موضوع القضية.. ساعتها بطلت اراقبه وكنت فاكر إني مسكت كل حاجة عليه!!" أخذ نفساً مطولاً من سيجارته لترمقه نورسين بإنزعاج
"كفاية بقى!"
"اهى" القى بها في منفضة أمامه "ارتاحتي.."
"اه.. كمل" أخبرته وهي تنظر له بتركيز
"رجعت تاني أراقبه بعد رسايله اللي فضل يبعتها دي، ولما فيروز قبلت إنها تشتغل معاه"
"طيب أنت عرفت عنه حاجة جديدة؟" سألته بإهتمام ليشرد هو مجيباً إياها
"غادة جابها عنده في يوم ومشيت مكملتش نص ساعة وده غريب أوي على واحد زيه، وطلع عنده مرات أب وعندها ولد صغير اسمها سارة"
"يعني عنده أخ صغير.. طيب وبعدين؟" حدثته في تعجب
"الظاهر مرات ابوه دي عايزة فلوس قام مسكها بهدلها ورماها وسط الحارة اللي هي منها عريانة وسط الناس"
"يا ساتر!! فيه حد يعمل كده علشان الفلوس؟"
"مش عارف.. ممكن فعلاً ميكونش ليها حق وممكن تبقى بتطالب بورثها.. محدش يعرف" أخبرها بنبرة غارقة في التفكير
"طيب ما تحاول تقعد مع الست دي وتعرف منها أي حاجة!"
"ما هو أنا لو روحت مش بعيد يبقى مراقبنا ومراقبها هي كمان.. اديكي شايفة اهو الوضع بقى عامل ازاي.. لا عارف اروح لواحده من اللي يعرفهم ولا عارف حتى اكلم فيروز غير كل فين وفين ولازم application علشان أعرف اكلمها ولا تليفون البيت!"
"طيب أنت عرفت عنها حاجة؟"
"بيقولوا بنت راجل كان زي كبير الحتة كده عندهم، اسمه أبو يوسف لأن كان ابنه ومات، وهمّ ظروفهم على القد شوية وكرم اتجوزها قبل ما يموت بعشر سنين! ابنهم عنده تمن سنين دلوقتي" همهمت نورسين في تفهم
"إيه رأيك توصل لتيليفون البيت وتكلمهم عليه؟"
"وساعتها هقولهم إني فاعل خير عايز أعرف شهاب عمل كده ليه وتعالوا اورثوني أنا" أخبرها بنصف ابتسامة متهكمة
"لا يا بدر بعد الشر عليك.. أكيد مش هتقولهم كده"
"وإيه يضمنك إنها متقوليش نتقابل ولا نتكلم ولا والدها يقولي اتفضل.. ساعتها هروحلهم وابقى استفزيته رسمي" تنهد وهو شارداً
"وفيروز كل ده موصلتش معاه لحاجة؟"
"لو كانت وصلت مكنش عمل كده في مرات أبوه من كام يوم"
"هو آخر رسالة بعتها كانت امتى؟"
"تاني يوم من جواز سليم بليل" همهمت إليه بتفهم
"طيب أنت شاكك تكون الفترة اللي مراقبتهوش فيها عمل حاجة وأنت مش عارفها؟"
"مش عارف!" خلل شعره ثم أراح ظهره بكرسيه
"يعني أنت شاكك دلوقتي إنه لسه مصمم على إنتقامه و.."
"لا يا حبيبتي أنا متأكد" قاطعها ليزداد تفكيرها
"حتى بعد كل اللي تعرفه عنه؟"
"ما هو ده اللي مخليني متأكد، هو يعرف كويس أنا في ايدي إيه ومش ساكت وبيبعت في رسايل.. علشان كده أنا مش قادر الاقي حل.."
"هنلاقي حل إن شاء الله يا بدر، وهو ما دام ساكت كده ومش بيبعت رسايل ولا حاجة وفيروز لاهياه يبقى إن شاء الله مع الوقت هينسى"
"أنتي جميلة اوي يا نورسين" التفت ليبتسم إليها بإمتنان
"لو كنت شايفني جميلة مكنتش فضلت بتفكر في شهاب وسايبني كده والبيت فاضي علينا.. لازم بس لما يرجعوا تفكر في قلة الأدب!"
"ومين قالك إني مبفكرش في قلة الأدب!" همس غامزاً لها ثم نهض ليحملها بينما صاحت هي إندهاشاً "فكراني عجزت!! ده أنا لسه زي الأول واحسن كمان.. تعالي أمّا اوريكي"
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"أهلاً يا حبيبتي ازيك؟" ابتسمت هديل لتلك الفتاة التي آتت منذ قليل بصحبة أروى وعاصم
"دي لميس يا مامي اللي حكيتلك عنها.." أخبرتها أروى
"بصراحة أنا مش عارفة أقولك إيه، بجد احنا بنتعبك معانا" ابتسمت لها هديل في امتنان
"لا يا طنط متقوليش كده.. أروى زي أختي.. أنا بس لو فاضية أكيد مش هاسيبها خالص بس للأسف الشغل واخد كل وقتي"
"بتشتغلي إيه يا حبيبتي؟"
"أنا CEO Assistant (مساعدة رئيس شركة)"
"ما شاء الله.. ربنا يوفقك.."
"لميس بتشتغل مع عمرو صفوت يا مامي، فكراه؟" تحدث عاصم لتضيق هديل ما بين حاجبيها في محاولة للتذكر "ابن محرم صفوت بتوع مصانع الأدوية"
"آه آه.. ده اللي احنا واخدين عندهم الخدمات مش كده؟"
"أيوة بالظبط.." اجابها عاصم
"شوفتوا بقى أهو الكلام اخدنا ونسيت أقولك تشربي إيه!" ابتسمت لها هديل لتبادلها لميس الإبتسامة
"ملوش لزوم يا طنط مش عايزة اتعب حضرتك.."
"لا ازاي، وبعدين مش أنا اللي هاعمل أكيد.. قوليلي بقى تحبي تشربي إيه؟"
"خلاص.. أي حاجة" ابتسمت بلباقة لتومأ لها هديل ثم نهضت لتبلغ احدى العاملين بإحضار بعض العصير لها
"مامي خديني معاكي علشان محتاجة أغير"
"تعالي يا حبيبتي" توجهتا سوياً هديل تمشي بالقرب من الكرسي المتحرك الذي تجلس عليه أروى ولكنها لم تكن تعلم أن أروى تقصد أن تترك كلاً من عاصم ولميس وحدها.. فهي ليست بغبية أبداً..
"تعرفي.. أنا اول مرة في حياتي اجيب بنت تتكلم مع ماما.. واختي.. يعني انتي عرفتينا في نفس الوقت بس ممم.." ظهر الإرتباك عليه لتنظر هي له بإبتسامة بعد أن حمحمت
"مبسوطة جداً إني شوفتها" أخبرته بمنتهى اللباقة
"هو يعني يا لميس.. أنا كنت عايز أسألك.. لو طبعاً فاضية.. ممكن الويك اند ده.. لو معندكيش مانع يعني.. نتعشا سوا.." نظر لها بإرتقاب فشخصيتها تلك تبدو صعبة بالنسبة إليه للغاية..
"ماشي، مفيش مشكلة" ابتسمت له بعد أن شردت بأهدابها الكثيفة للحظة في تفكير ليُطلق هو زفرة تنم عن الراحة وتوسعت ابتسامته إليها
"عاصم بيه.. فيه واحدة بتسأل عن مدام هديل.."
"مين دي؟" نظر لها بتعجب
"مش عارفة.. بتقول اسمها سارة!"
"طيب خليها تتفضل وبلغي ماما.."
"حاضر، بعد اذنك"
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"يا سليم سيبهم بقى في حالهم شوية حرام عليك" حدثته زينة في توسل "أنت كابس على نفسهم من أول يوم.. سيبهم يا حبيبي يقعدوا مع بعض شوية ولا مع أصحابهم.."
"وهو كل ده مشبعوش" رمقها بنظرة منزعجة
"يعني أنا وأنت كنا عمرنا بنشبع من بعض قبل الجواز ولا حتى بعد الجواز! سيبهم يتبسطوا شوية من غير ما تخنق عليهم.. احنا بقالنا أسبوعين مسافرين وهمّ ما بيروحوش حتة من غيرنا وأنا فاهمة كويس إنك بترخم علشان ميقعدوش لوحدهم.. ده كلها كام يوم وهنرجع من السفر هيلاقوا نفسهم في وش الدراسة تاني"
"سيبك بقى من المواضيع دي وقوليلي مبتشبعيش مني بعد الجواز ازاي؟" غمز لها بعينه في مزاح لتبتسم له زينة
"يا سولي ما أنت عارف.."
"لا أحب أعرف أكتر واسمع التفاصيل" قبل احدى يديها بشفتيه ثم أخذت أنامله تداعب خاصتها بطريقة ألهبت مشاعرها
"روح أسأل أوض كل الاوتيلات اللي قعدنا فيها وهي تقولك التفاصيل"
"ممم.. الأوض بس! طيب والاسانسيرات؟ والحتت اللي مستخبية في الشوارع.. و.."
"ما كفياك سفالة بقى.. ولا أنت مبتشبعش" قاطعته ثم توسعت زرقاويتيها وهي تنظر له بتلك النظرة بأن يتوقف عن الحديث في مثل هذه الأمور
"لا بصراحة مبشبعش"
"نتكلم في حاجة تانية"
"زي إيه مثلاً.." نظر إليها بعشق وهو حتى لا يكترث في أي شيء تثرثر به ولكنه مستمتع بصحبتها للغاية
"في الشغل.. هنجيب إيه هدايا لبدر ونور واحنا راجعين.. ليه مش عايزني أكلم ماما علشان اطمن على اروى.. هنسمي ولادنا إيه؟"
"سميهم اللي أنتي عايزاه!" أخبرها ثم قرب يدها ليُقبلها مرة أخرى وهي حقاً لا تُصدق أنه اجاب فقط على هذا ولكنها لم ترد إثارة أية مشاكل
"طيب لو ولد نسميه سيف.. ولو بنت نسميها ليلي" أخذ يتفقدها بعسليتيه في امتنان شديد وقرب كلتا يداها ليُقبلهما مجدداً
"بحبك يا زينة"
"وأنا بموت فيك.." أخبرته بإبتسامة "ولو جيبنا ولدين بدر موجود ولو بنتين نور موجودة" نظرت إليه بحماس
"ولو جيبنا تلت ولاد وتلت بنات؟"
"إيه يا سليم ده.. هو أنت داخل مسابقة؟"
"طبعاً.. ده أنا ناوي أجيب تمانية" توسعت عيناها في تعجب
"لا احنا متفقناش على كده"
"طيب ما تيجي نطلع نتفق فوق" غمز إليها بخبث لتضيق هي عينيها
"ممم لأ، لو هنجيب اتنين بس هاطلع معاك.. اكتر من كده مش لاعب!" هزت كتفيها ثم رمقته بإبتسامة ونظرة تحكم شديدة
"آه تقصدي اتنين في المرة.." نهض ثم جذبها وهو يضع أموال على المنضدة التي تقع بإحدى الفنادق بأسبانيا
"إيه ده بس استنى"
"لا بسرعة علشان نلحق من دلوقتي.. دول تمانية وهيحتاجوا مجهود.."
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
نظر لتلك البناية التي تقع بها شقة والد فيروز ثم رمق الساعة ليجدها أصبحت الثالثة إلا خمس دقائق، لم يكن يظن أنه سيصل بالموعد بالرغم من أنه حاول أن يتأخر بشتى الطرق ولكن تلك الأفكار التي ظلت تتجول بعقله لم تتوانى عن دفعه بأن يراها في أقرب وقت..
ثلاثة أيام من جحيم التفكير دفعت به ليأتي إلي هُنا، فكر كثيراً بأن يتحدث إليها بسبب أي شيء ولكنه كان يتوتر كثيراً.. الأفضل أن يراها! هذا كل ما يريد مرة أخرى!
لن يُنكر أنه عندما فكر أكثر وجد نفسه يشتاق لجلستها وأسئلتها التي يكرهها ولكن لا يدري لماذا، عينيها العسليتان الزمرديتان أم الرماديتان وهي ترمقه بمنتهى التلقائية والجرأة يجعلاه لا يدري!! لا يجد تفسيراً برأسه.. هو فقط يريد أن يستمع لها وهي تسأله عن حاله، يريد أن يستمع لقصصها، أن يرى ابتسامتها مرة أخرى!
ترجل من السيارة وهو يُهندم من قميصه الأسود أسفل تلك البزة السوداء ثم تأكد من إحضاره للهدايا التي ستبدو بمثابة إعتذار ونظر مرة أخرى عاقداً حاجباه!
أأتى بقدمه ليرى والدته؟ عليه أن يُغادر.. لماذا آتى؟ هي كانت تستدرجه ليس إلا! هذا ما أرادته منذ البداية.. أن تجمعه بوالدته وأخوته! ولكن هي أخبرته مرتان أنه ليس عليه القدوم!
زفر بعمق وشعر بالتردد الشديد والحيرة فيما سيفعله وتوقف للحظة قبل أن يصعد للأعلى!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .