الفصل الثامن عشر - شهاب قاتم
الفصل الثامن عشر
"معرفش.. حقيقي معرفش يا بدر كلامها صح ولا غلط، بس كانت متأثرة اوي وعمالة تقول ده اخد ابني وعمالة تعيط.. أنا هديتها بكلمتين وقولتلها إننا ملناش علاقة بيه من يوم ما هو وزينة فسخوا الخطوبة" تحدثت هديل بصدق
"وانتي ليه مكلمتنيش ساعتها؟"
"مفيش كانت عندنا واحدة صاحبة أروى وعاصم واتشغلت بعدها مع الولاد وشاهندة، وبيني وبينك ماخبيش عليك، ماما خايفة عليها أوي يا بدر، يادوب بتاكل بالعافية ومبقتش فاكرة حد خالص من الولاد.. يا دوب بس انا وانت وشاهندة وزياد، أكتر من كده مش فاكرة حاجة"
"أنا هاجي اتطمن عليها.." أخبرها بإقتضاب وبالرغم من خوفه على نجوى إلا أن باله قد ذهب في التفكير بما تريده تلك المرأة "طيب سارة دي مقالتش حاجة تانية عن والدة شهاب؟"
"لأ.. أنا قولتلك اهو كل اللي حصل، وبعدين احنا ملناش دعوة.. لو جاتلي أو كلمتني تاني هصمم إننا مش بنكلمه وتاخد واجبها وتمشي، هاعملها إيه يعني" أخبرته ليهمهم بدر الدين وشرد بعينيه في تفكير عميق "ما تيجي يا بدر وتجيب نور معاك وتقعدوا معانا يوم وبالمرة تطمن على ماما"
"حاضر يا حبيبتي هاجي"
"وبالمرة نحاول نطلع أروى من الحالة اللي هي فيها، حساها مبتتحسنش خالص" أخبرته بنبرة حزينة "عارف.. ساعات بحس إن ربنا بيعاقبني فيها.. أنا والله مكونتش عايزة حاجة غير مصلحة ولادي، كنت عايزة أشوفهم احسن ناس في الدنيا"
"خلاص يا هديل متقوليش كده، إن شاء الله بكرة هتقوم تاني وتمشي وترجع شغلها وهتطمني عليها" حاول أن يجاريها بالحديث بينما غاب عقله في التفكير بأمر شهاب وزوجة والده وأخوه، أحقاً أختطفه مثل ما تدعي تلك المرأة؟ وهل حديثها عن والدة شهاب حقيقي؟!
"يارب يا بدر.."
"عايزة حاجة؟"
"متحرمش منك يا حبيبي.. هتيجي امتى أنت ونور؟"
"على بكرة كده أو بعده، هقولك بليل"
"ماشي.. باي"
"سلام!"
أنهى المكالمة في شرود تام وكأنه لا يشعر بماهية الأشياء من حوله ليحاول التوصل لسبب منطقي فيما فعلته سارة. كما ازداد خوفه إن كان شهاب يراقبها فهو الآن يعرف أنها آتت وتحدثت إلي هديل ولن يكن واقع هذا الخبر بجيد عليه أبداً..
ولكن لماذا لم يفعل شيئاً منذ ثلاثة أيام؟ هل بدأ في تناسي الأمر واندمج قليلاً مع فيروز ووالدته وأخوته!! لا يعرف!! حقاً قد أقترب عقله من الإنفجار من كثرة التفكير في هذا الأمر برمته!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
كل ما قصده هو التفاوض معها بطريقة منطقية، حاول أن يقنعها مثل ما يفعل بعالم الإجتماعات والأعمال وكذلك خبرته في التفاوض وقت إلتحاقه بالمافيا، ولكن أن يتحول ذلك التفاوض لرغبة مُلحة في تقبيل إمرأة، لم يسبق له أن شعر بمثل هذه الرغبة في حياته..
هل هذا لإقترابه الشديد منها المسبوق من نوعه، أم أن هذا لمجرد الفضول؟ هل سيُحقق نظريته بأن النساء تتشابه إذا قام بتقبيلها الآن؟ أم أنه يريد أن يعرف هل هي مختلفة عن تلك النساء التي لم يجد صعوبة أبداً في تواجدهن حوله؟!
ولكنها ليست رغبة في التقبيل وحسب، عينتيها العسليتين وأخيراً رآى لوناً بهما، تبدو له جميلة للغاية وهي تتعلق بدموعها، يرى بها خوفها لأول مرة منذ أن عرفها.. شهر بأكمله ليرى إمرأة خائفة أمامه! يا للسخرية.. هي تفعلها بعد شهر وهو من كان يُخيف النساء بأول ساعات كلما اختلى بهن!
لن يقبلها، هذا ليس بتصرف صائب مع إمرأة مثلها وحتى لو أراد هو ذلك وبشدة..
"شهاب متعملش كده تاني.. أرجوك حاول تلتزم ما بيني وبينك بحدود.. مش لازم كل مرة يكون رد فعلي مش كويس!" زجرته بهدوء دون غضب لتزفر ثم أخفضت يده عن وجهها وأكملت هي تجفيف دموعها ونظرت بالمرآة لتُعدل من آثار الحزن خوفاً من أن يلاحظه هاشم أو فريدة ثم ترجلت من السيارة للخارج ليتبعها ونظرة الصقر خاصته لم تكف عن تفقد قوامها بين الحين والآخر..
دلفت لتكون على مقربة من هاشم وفريدة وملامحها متجهمة، تحاول ألا تُفكر بالأمر ولكن لا تستطيع، لم تشعر بما يحدث حولها هي فقط تريد أن تنتهي من كل ما يحدث والعودة بمجرد قدوم أصدقاء هاشم وفريدة..
"شكلك باين عليه القلق على فكرة" نبرة صوته الرجولية الجلية أخرجتها من شرودها لتنظر له بنظرات متفرقة في تردد
"أكيد.. دي هبة برضو" ابتسمت في وهن ليقلب هو شفتاه ونظر لها وكأنه يخبرها بأنها تبالغ
"واحدة حامل، هتكون كويسة أكيد.. متقلقيش" أخبرها لتبتسم في سُخرية
"تعرف.. الصحوبية والصداقة أحلى حاجة في الدنيا.. مختلفة عن الحب، والجواز، والشغل، والدراسة.. علاقة مفيهاش أي نوع من المصالح، اتنين ملهومش أي رابط ببعض، لا اخوات، ولا قرايب، ولا زوج أو زوجة، ولا شغل.. تحسه حب pure اوي يوم ما تلاقي بجد صاحب أو صاحبة بيقفوا جانبك من غير أي استفادة ولا مصلحة.." تريثت ثم أضافت
"حمل هبة بالنسبالي كان أول حاجة تخليني أسيب السرير واحس بالفرحة من ساعة ما ماهر ما اتوفى، إن هيجي بيبي ويقولي يا خالتو ولا يا طنط الموضوع بالنسبالي كانت فرحة كبيرة أوي.. لو لا قدر الله جرالها حاجة أنا مش عارفة إيه اللي ممكن يحصلي.."
أومأ لها في تفهم ثم نظر في غير اتجاهها لتلاحظ إنزعاج طفيف بعينيه، مجرد الحديث عن الصداقة أزعجه!! ماذا سيفعل عندما تُحدثه عن السادية أو حتى عن تجارته المشبوهة.. كيف ستصحح بعينيه نظرته لوالدته؟ أمامها طريقاً شاقاً للغاية..
"شكلك مُختلف اوي النهاردة" عاد لينظر إليها وحاول ألا ترى رغبته في عينيه
"أكيد.. إيه، أفتكرت إني مش زي باقي الستات علشان لبسي عملي اوي؟" كبرياء أنوثتها طغى على المعالجة النفسية بداخلها ووجدت نفسها تجاريه في الحديث
"لا مش ده قصدي، أنا أقصد إني مكونتش أعرف إنك جميلة أوى كده.." أخبرها بإبتسامة لم يبالغ بها ولم تُظهر أية مشاعر على وجهه لتضيق هي عينيها متفحصة إياه
"كل ست تقدر تكون جميلة، وربنا خلى لكل ست حاجة بتتميز بيها عن التانية، الفكرة في إن في ستات بتجري ورا إنها تكون جميلة طول الوقت وعايزة تتباهى بجمالها وفيه ست تانية بتعرف تقدر امتى تظهر جمالها وازاي والأهم لمين!" عقد حاجباه ولم يدرك شيئًا من وراء كلماتها سوى أنها لم تود أن تظهر أنها جميلة إليه، بالرغم من أنها بطرق غير مباشرة كانت تبدو من أجمل النساء التي رآهن بحياته، هذا تفكير سخيف، لماذا يُفكر بهذا؟!
"فيروز.." نادتها فريدة من على مسافة وهي تشير إليها فأقتربت من اختها بإبتسامة هادئة "تعالي اتصوري معانا.."
"آه يا فيروز واندهي شهاب كمان يتصور معانا" أضاف هاشم لتومأ له ثم اتجهت مجددا نحو شهاب
"هاشم وفريدة عايزينك تتصور معاهم" أخبرته لتجد ملامح التعجب على وجهه ولم يتحدث "أمال كنت فاكر إنك هتيجي تتفرج بس؟" أخبرته بإبتسامة
"أنا مبحبش أتصور.. روحي انتي اتصوري معاهم" أخبرها عاقداً حاجباه
"شهاب الله يخليك أنا مش هتحايل عليك، أرجوك يالا!" حدثته في توسل منزعج ليرمقها زافراً في إنزعاج "انجز خلينا نخلص ونروح لهبة نطمن عليها"
"طيب" أخبرها بإقتضاب ليتوجها سوياً نحو هاشم وفريدة
"إيه يا عم واقف بعيد ليه.. مش عايز تتصور معايا؟" أخبره هاشم ليجد نفسه يومأ له بالنفي
"لا أبدا.."
"طيب يالا" أحاط هاشم كتفيه بيده وأمسك بيد فريدة التي عانقتها فيروز وابتسم الجميع لإلتقاط تلك الصورة عدا شهاب
"أنت أخوه الكبير مش كده؟" سأله المصور ليومأ شهاب في رسمية ولم يروق له مناداته بـ "أنت" "طيب يا عم ما تضحك كده ضحكة حلوة، دي خطوبة يعني" انزعج شهاب من كلمات ذلك السخيف لترمقة فيروز بنظرة جانبيةمن على مسافة ثم نظرت إلي المصور ليعيدوا ألتقاط الصورة مرة أخرى..
"أنا مش قادرة بقى من الواقفة عايزة اقعد خمس دقايق بس" تحدثت فريدة ليومأ لها المصور وتبعها هاشم
"أنتوا اخواتهم مش كده؟" هذا المُصور يتحدث أكثر من اللازم وأقترب كثيرا من أن يلكمه في وجهه ولكنه كبح يداه في جيبيه حتى لا يفعلها
"آه أنا أخت فريدة وهو أخو هاشم"
"طيب صورة بقى حلوة، هتعجبكم متقلقوش" زفر شهاب في إنزعاج بينما كتمت فيروز ضحكتها وقررت أن تستفزه
"ماشي.. يالا يا شهاب" أخبرته بعد أن ابتسمت للرجل في ود "مالك كده شكلك مضايق ليه؟"
"مفيش" وقف بجانبها لإلتقاط تلك الصورة
"ممكن حضرتك تطلع إيدك من جيبك!" ازدادت عقدة حاجباه وهو لا يتقبل أن يُملي عليه أحد ما يفعله لتكتم فيروز ابتسامتها من ملامحه المشدودة في استفزاز شديد من ذلك المصور
"قرب منها شوية.." أخبره من خلف جهاز التصوير ليلتفت وينظر إليها بإنزعاج ثم للرجل وفعل على مضض
"ضحكة حلوة بقى.." زفر في غضب
"اهدى يا شهاب دي صورة.. مع إن شكلك حلو لما بتضحك.. متخفش مش هانزلها على الفيسبوك وأقول شاهد قبل الحذف، شهاب الدمنهوري يلتقط صورة مع واحدة من عامة الشعب" حاولت أن تبدو مضحكة لتتمكن من رسم إبتسامة على وجهه لتبتسم هي في انتصار وأخذ الرجل يلتقط لهما الصور وهما لا ينظران نحوه وبدا كليهما تلقائيان وعفويان للغاية..
نظرا تجاه الرجل بإبتسامة هادئة ليلتقط لهما الصور حتى بدأ شهاب في الإنزعاج مرة ثانية ليلتفت لفيروز وهو ينظر لها لوهلة ولم يكترث بذلك السخيف الذي يصورهما
"هتجيلي تاني امتى؟" سألها لتنظر له ثم إلي المصور وهي تحافظ على ابتسامتها
"مفكرتش في الموضوع.." أخبرته بكبرياء
"بكرة؟" تحدث بنبرة سائلة
"أمّا أشوف.." مزيداً من كبرياءها لم يروقه أبداً
"فيروز أنتي مـ.."
"ممكن حضرتك تبصلي وتضحك" قاطعه المصور ليعقد شهاب يده كمن يستعد لخوض مباراة ملاكمة بينما حاول من تهدئة نفسه لتشعر فيروز بمعاناته ولكنها لا تدري أنها استفزته للغاية.. حسناً إذن.. سيريها..
جذب خصرها يحيطه بذراعه وهو ينظر للرجل بإبتسامة رائعة لتلتفت فيروز وهي تنظر له ولم تكن تدري أن هذه الصورة كانت الأفضل على الإطلاق.. ابتعدت مسرعة عنه ورمقته بغضب شديد بينما نظر لها هو بنظرة خبيثة وابتسامة ماكرة..
"بلاش الأسلوب ده معايا يا فيروز! خديها نصيحة" انزعجت منه وهي تنظر له بإنزعاج ولكنها التفتت حتى تذهب لهاشم وفريدة وتبعها شهاب دون علمها لتجد هاشم وفريدة مُقبلان عليها وينظر لها ثم لأحد خلفها فالتفتت لتجده شهاب
"هبة وسالم مجوش ليه؟" سألها هاشم في قلق لتلتفت ونظرت إلي شهاب ثم أعادت نظرها لهاشم
"سالم نسي رخصه وممكن يسألوه عليها وهو داخل الأوتيل، فراحوا البيت يجيبوها" حاولت أن تبدو تلقائية قدر الإمكان
"ازاي يعني.. فيه حد يمشي من غير رخصه اليومين دول.. ده الموضوع بقى صعب وبيعملوا حوار.. بصراحة اللي يعمل كده يبقى متخلف وأهطل" تحدث هاشم بعفوية لتلتف فيروز نحو شهاب وهي ترمقه في محاولة لكتم ضحكاتها
"عندك حق فعلاً يا هاشم.." أضافت فيروز بينما قاطعهم أصدقاء هاشم وفريدة الذين صرخوا فجأة واحدة
"Surprise" التفت هاشم الذي كان يعلم بقدوم الجميع بينما اندهشت فريدة وهي تنظر إليهم ثم إلي هاشم
"أنتو بتهزروا مش كده.." قالت فريدة في دهشة لتبتسم فيروز وهي تشاهد أصدقائهما يلتفون حولهما وبدأ هاشم وفريدة في الذهاب معهما وأخذت التهاني تنهال عليهما وفريدة وقعت في دهشة وفرحة شديدة لتنظر إليهما فيروز بإبتسامة بينما تناولت هاتفها الذي صدح بالرنين
"طمني يا بابا" حدثت والدها في لهفة
"متقلقيش.. هي بس ولادة بدري وإن شاء الله هتكون كويسة وتقوم بالسلامة"
"هي في العمليات دلوقتي؟" سألته بملامح قلقة
"آه يا حبيبتي وأول ما تخرج هطمنك"
"طيب يا بابا شكراً.. متنساش تكلمني أول ما تخرج.."
"حاضر يا حبيبتي.. ادعيلها ربنا يقومها بالسلامة"
"هادعيلها حاضر.. سلام" أنهت المكالمة ثم عادت ملامحها للحزن والقلق مرة أخرى
"مردتيش عليا، هتيجي بكرة؟" حدثها بنبرة جادة للغاية وملامح الإنزعاج بدت على وجهه لتلتفت إليه فيروز بملامح مشدودة منزعجة هي الأخرى
"لا مش هاجي!"
"ليه؟" سألها بعقد حاجبان عبرت عن غضبه
"علشان يا شهاب هبة بتولد وأكيد مش هاسيبها غير لما تكون كويسة وهاروح متأخر وعندي شغل بكرة في المصحة ووقتي ميسمحش وممكن أخد أجازة تاني ومعرفش هينفع ولا لأ بعد الأجازة الطويلة اللي اخدتها والدنيا مش مترتبة عندي" تحدثت بالكثير من الكلمات بنبرة مُرهقة
"خلاص.. ممكن أجيلك أنا" نطق بصعوبة وقد شعر أنه قارب من الإنفجار، لا يدري لماذا أخبرها بذلك حتى! كان غبيا، لن يُنكر ذلك..
"ربنا يسهل" أومأت له في هدوء ثم شردت وقد قاربت الشمس على الغياب لتحدق في قرص الشمس الذي كاد أن يختفي وهي تُفكر بالعديد من الأمور وأهمها كيف ستُخبر هاشم بولادة هبة
"تحبي تروحيلها دلوقتي؟" سألها وهو يتفقدها فلو ظلت تنظر هكذا أمامه لا يدري كيف سيتمالك نفسه لنهاية ذلك اليوم الكريه
"شوية بس.. هاشم وفريدة يبدأو يتعشوا مع أصحابهم وهروحلها.." اجابته بإقتضاب دون أن تلتفت إليه ليسود الصمت مرة أخرى ولقد أنزعج شهاب فهو لا يدري بماذا عليه أن يتحدث معها وهي اليوم ليست كمثل باقي الأيام وذهنها المشغول عنه جعله ينزعج ليُعيد التفكير في كل ما حدث بالسابق بينهما ثم شعر بمزيدًا من الغضب.. شهاب الدمنهوري لا يُعامل هكذا أبدًا..
"بقولك إيه.. أنا شايف إننا نأجل موضوع الجـ.."
"فيروز.. ازيك عاملة إيه.. وحشتيني أوي" قاطعت كلماته فتاة أقتربت من فيروز وعانقتها لتبادلها العناق في ود بينما أختلفت ملامح شهاب، هو يعرف هذه الفتاة
"حبيبتي وحشتيني أوي، عاملة إيه يا أسما؟ كده يا جبانة طول الصيف مجيتلناش ولا مرة؟" أسما!! من تلك الفتاة؟ يشعر أنه رآها من قبل ولكن لم تُسعفه ذاكرته
"والله كان عندي حاجات كتيرة جدًا.. وكمان فيه خبر حلو بس شكل فريدة مقالتلكيش" رفعت إصبعها بخاتم خِطبة "أنا اتخطبت يا ستي، ثواني هاعرفك عليه.. إياد" التفتت أسما بعفوية وهي تاندي على إياد الذي كان يتحدث على الهاتف مولياً ظهره لهم بينما أنهى المكالمة ما أن نادته أسما والتفت إليهم ليصر شهاب أسنانه في غضب وهو ينظر تجاهه بكراهية ليبادله إياد نظرة الإحتقار الشديدة في غضب مساوٍ لغضبه
"فيروز.. أخت فريدة صاحبتي.." أخبرته بإبتسامة "إياد، إبن خالتي وخطيبي" مد إياد يده ليُصافح فيروز بينما لم يُخفض بصره عن عيني شهاب الذي نظر له الآخر بنظرات قاتلة!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
تفقدت عينيه هذا المنزل الشاسع الذي أقل ما يقال عنه أنه قصراً ضخماً ثم عاد ليتظاهر بالتلقائية في إنتظار إل تشينو، لا يدري لماذا أراد أن يلاقيه هنا دون وجود وليد معه ولكنه لم يرفض وقد آتى في موعده..
أقتربت إمرأة ذات ثوب أسود ضيق للغاية يكشف أكثر مما يخفي، بإمكانه رؤية ساقها الأيسر بأكمله من هذا الثوب ومنحنيات جسدها المثير الذي اتضحت بمنتهى الجرأة.. لقد كانت واحدة من أجمل النساء التي رآهن لن يُنكر ولكن جمالها مخيف لدرجة كبيرة.. تمشي بمنتهى الثقة في ذلك الحذاء الأسود لتدوي نقرات كعبها العالي بالمكان بأكمله.. شعرها يتدلى في أنوثة طاغية على كتفيها ويتحرك في إنسيابية شديدة كلما خطت تجاهه، وعينيها الملونتان المُزينة بذلك الكحل الأسود القاتم أعطاها شكلاً مُلفتاً للغاية..
"أنت شهاب.. أليس كذلك؟" سألته بكبرياء وهي تجلس أمامه لتضع ساقاً فوق الأخرى لتكشف المزيد وحدثته بإيطالية مثالية! كان واقع اسمه الذي تردد بنبرتها الأنثوية مثيراً للغاية بالنسبة له..
"نعم.. وأنتِ؟" حاول جاهداً أن لا يُظهر أية تعابير على وجهه
"كلوديا" عرفت عن نفسها ثم تناولت احدى السجائر لتضعها بين شفتيها اللتان للتو لاحظ شهاب كم كانتا مثيرتان بشكل مزعج.. ولكنه لم يبادر بإشعال تلك السيجارة لتتناول هي القداحة ثم أشعلتها في غيظ ثم نفخت بدخانها في اتجاهه "لقد أتفق معي إل تشينو أن أُكلفك بأول عملية لك.. ووليد لن يعلم شيئاً عنها.. هل هذا واضح؟!" أومأ بإقتضاب
"علمت أنك حاد الذكاء، أو هذا ما وصلني بالرغم من أنني لا أظن هذا ولكن دعني أُجرب!" حدثته بمزيداً من الكبرياء ونبرة إستهزاء واضحة
"سأُكلفك بمهمة سهلة.. ولكنني لا أظن أنك تستطيع أن تفعلها على كل حال" نفثت دخانها تجاهه مرة أخرى بينما تابعت "هناك مزاد سيُقام بفرنسا نهاية الأسبوع المُقبل.. وهناك لوحة نريد إحضارها لأحد عملائنا الذي لا يستطيع الظهور في هذا المزاد.. ستأخذها وستعود بها إليَّ لتسلمني إياها!.. هل هناك أية تفاصيل تود الإطلاع عليها؟" سألته وهي ترمقه بطرف عينيها
"لا.." زفر لتلاحظ إرتباكه لتتمتم هي
"يبدو غبيًا!" سمعها شهاب الذي ود أن يقتلع شعرها ويلكمها في وجهها ولكنه تحمل، فهو لم ينس تحذيرات وليد بخصوص تلك المرأة بعد أن علم كذلك شأنها "أنت عربي، أليس كذلك؟" سألته ليومأ لها بالموافقة "علينا إستخراج هوية أخرى لك.. بعد تلك الحرب اللعينة بالعراق وكذلك تفجير البنتاجون لم يعد الأمر سهلاً"
لاحظ شعورها بالتقزز والملل الذي ينفجر بملامحها وتعاليها الشديد ليخفي هو غضبه قدر المستطاع ثم فجأة سمع نباح كلب وهو يتجه نحوه بسرعة وكم كان كلباً عدوانيا فنهض في مفاجأة لتصدح هي بضحكتها لخوفه الذي ظهر عليه
"سيزار! توقف!" صاحت ليمتثل الكلب أمرها ولكنه نظر نحو شهاب وأخذ ينبح ولم يوقف نباحه "لا أدري لماذا يتركه لي إل!! عليه إصطحابه المرة المُقبلة.." تمتمت في ملل "اجلس شهاب.. لن يستطيع فعل شيئًا لك طالما أنا هنا.." ثم أضافت في همس أستطاع شهاب سماعه "جبان!" ابتلع في غيظ من تلك المرأة ولكنه حاول ألا يُفسد الأمر
"ليوناردو بينسوليو! رجل أعمال!! يبدو واقع هذا الأسم جيدًا.. سيكون اسمك من اليوم والجميع سيبدأ في مناداتك بليو!" أخبرته شاردة في تفكير "تملك سلسلة من المطاعم، وشركة صغيرة.. هذا كل ما تريد معرفته إلي الآن.. سأرسل لك بالبيانات لاحقاً.." نهضت وهي ترمقه في احتقار
"تشاو ليو" ودعته بالرغم من أن كلماتها تعني الترحيب ثم تركته ولأول مرة يرى إمرأة مستفزة بقدرها في حياته بأكملها..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"علشان كده أنا عايزة أساعدك بعد اللي عمله فيا" همست أروى ببكاء زائف في هاتفها وهي تتحدث إلي سارة "أنا مكونتش أتصور إن هو وأختي يعملوا معايا كده.."
"يا حبيبتي كفياكي عياط، أنا بجد مش قادرة أصدق إنه مفتري وظالم للدرجة دي.."
"أنا مرضتش أقول حاجة قدام مامي لأنها يا دوب بقت كويسة بعد الحادثة بتاعتي.. ومرضتش أقولها إن يعني هو وزينة كانوا بيعملوا الحاجات دي لا نفسيتها تتعب تاني.."
"بس أنتي تقصدي يعني إنهم كانوا بيعملوا كل ده علشان ياخدوا فلوس الشركتين؟" سألتها سارة بإهتمام لتهمهم أروى في موافقة وهي تدعي المزيد من البكاء
"أيوة.. وأكيد بعد الحادثة اللي حصلتلي زينة راحت واتجوزت سليم علشان محدش من العيلة يعرف اللي كانت متفقة عليه مع شهاب! وأنا كنت في غيبوبة ومقدرتش أقول لحد، ودلوقتي طبعاً لو اتكلمت الكل هيفتكرني إني عايزة أفرق ما بينهم وأعمل مشاكل، وأنا صدقيني خايفة علينا كلنا منه.. أنتي متعرفيش عمل فيا إيه علشان يستدرج زينة عن طريقي!" أجهشت ببكاء زائف
"طيب اهدي بس وفهميني.. يعني هو بعد ما قالك إنه بيحبك وهيتقدملك راح خطب زينة علشان زينة كانت بتلعب على سليم وباباه وهتقدر تقنعهم يكتبولها أسهم باباكي ومامتك بأسمها من غير ما أنتو ما تعرفوا؟" سألتها في استفسار لتزيف أروى أنها تحاول التنفس بين شهقاتها المتلاحقة
"احنا شهاب ده مكناش نعرفه، جه وقال إنه عايز يعمل شغل معانا وكان لسه راجع من إيطاليا والمفروض إن كان بقاله سنين هناك.. ابتدى يقعد معانا علشان الشغل وبعدين حصلت كذا صدفة اتقابلنا فيها، لقيته بيحاول يتعرف عليا وأنا كنت شايفاه حد كويس وبرضو ابن عمي.. مع الوقت اتعلقت بيه مش هاقدر أكدب عليكي.. بس لما لما لقيته حاول يتدخل في حاجات في الشغل ويسأل أسئلة المفروض دي خاصة بس بسليم ومجلس الإدارة بعدت عنه.. بعدها راح خطب زينة فمكنتش مصدقة، ومع الوقت أنا وسليم قربنا من بعض واتخطبنا، بعدها كان فيه خطوبة ابن خالتي وبنت خالي، في اليوم ده الشرطة جات قبضت على زينة لأنهم لقوا شحنة سلاح في مخزن من مخازن الشركة، فروحتله اليوم ده علشان كنت متأكدة إنه بيعمل كده فينا علشان يقدر ياخد الشركة كلها، بس ساعتها زينة هي اللي اتقبض عليها وهو كان فاكر إن سليم هو اللي هيتقبض عليه، وروحتله علشان اهدده بفيديو كنت مصوراه فيه وهو بيكلم حد تقريباً عن شحنة السلاح دي.. بس للأسف بعد الحادثة الفيديو كان على الموبايل ومعرفش الموبايل حصله إيه.. كان متخيل إن بعد ما نتمسك في قضية زي دي أسهمنا هتبقى في الأرض وهيقدر يشتريها بسهولة بس الحمد لله طلعنا منها.."
حدثتها بنبرة حزينة وبدت متأثرة للغاية حتى أن سارة صدقتها واستطاعت بسهولة تزييف بكاءها وكأن كل ما حدث معها حقيقي
"أنا متأكدة إن الفرامل كانت شغالة في العربية، لكن بعدها لما جيت اسوق العربية مكنش فيها فرامل، أكيد بعد ما مشيت من عنده هو اللي عمل كده في العربية" أجهشت بالبكاء مرة أخرى
"طيب اهدي.. كفاية عياط.. انتي ليه مقولتيش لحد من أهلك؟ أو رفعتي قضية مثلاً؟" سألتها سارة في استغراب
"لأن هو إنسان مؤذي، غير إني متأكدة إن هو وزينة لسه فيه ما بينهم علاقة.. أنا عارفاها زينة عايزة دايماً مصلحتها وبس.. فهي أكيد لسه بتساعده، غير إني لو عملت أي حاجة مش بعيد يأذيني تاني.. أنا خايفة على مامي، وخايفة كل حاجة تبوظ تاني، ولو حتى رفعت قضية فأنا مش معايا أي حاجة تثبت كلامي.. غير إني كنت في غيبوبة.. الكلام ده عدى عليه أكتر من تلت شهور.. محدش هيصدقني، وهو شوفتي عمل فيكي إيه وأخد أخوه.. مستبعدش يعمل أي حاجة فينا تاني.." تظاهرت بالبكاء مرة أخرى بينما شردت سارة في تفكير
"بصي أنا خلاص اتعاملت مع شهاب، وعارفة كويس قد إيه هو بيخاف على سمعته، أنتي تعرفي عنه حاجات كتيرة، وكمان لو بس عرف إن زينة ليها دخل بالموضوع هيعملك إللي أنتي عايزاه.. شهاب مبيحبش في حياته قد الفلوس وزينة.. فعمره ما هيديكي الفلوس إلا لو عرفتي فعلاً تمسكي عليه حاجة أو هددتيه بحاجة هو بيحبها فعلاً" أخبرتها بنبرة حزينة زيفتها وتمنت أن تفهم سارة أن زينة هي الوحيدة التي تستطيع أن تأتي لها بحقها
"وهي زينة فين دلوقتي؟" ابتسمت أروى بخبث ولكن نبرتها لا تزال على نفس درجة الحزن
"هي وسليم اتجوزوا لما أنا كنت في الغيبوبة بعد الحادثة ولسه مسافرين! حتى مستانوش اكون معاهم!" حدثتها بحزن برعت في التظاهر به لتعود للبكاء من جديد
"اهدي بس.. كويس إن ده حصل علشان تعرفيهم على حقيقتهم.."
"أنا والله حكيتلك كل ده علشان تعرفي إننا كلنا مش طايقينه، وأنا عايزة أساعدك.. واحد زي شهاب ده مش هيبطل ظلم كده لغاية ما يوصل للي هو عايزه"
"كفاية اللي عمله فيا وفي ابني" تنهدت ثم شردت بعقلها لتُفكر
"أرجوكي بس متجبيش سيرة لمامي لأنها هتروح تقول لخالو واللي سمعته إنه بالعافية عرف يخرجنا من موضوع القضية بس مش عارفة التفاصيل بالظبط، همّ مش عايزين يحتكوا بيه تاني لأي سبب من الأسباب.. وكمان محدش يعرف حاجة عن زينة ولو قولت نص كلمة هيفتكروا إني عايزة أبوظ علاقتها هي وسليم بس والله ده مش قصدي، أنا مش فارق معايا الفلوس ولا الشركة، أنا بس صعبان عليا اللي حصللي واللي شهاب وزينة عايزين يعملوه من ورا الكل.."
"متقلقيش.. وشكراً إنك عايزة تساعديني وأكيد لما احتاج لحاجة هقولك.."
"أنا كمان هحاول أدورلك على الفيديو ده، ممكن يكون معموله pack up، ده الدليل الوحيد اللي ممكن يفتح القضية تاني.. بس أنا لسه يادوب بقالي اسبوعين فايقة ولسه بحس بتشويش وتعب مع الأدوية كمان.. معلش أنا نفسي أساعدك وهساعدك إن شاء الله لكن محتاجة وقت شوية.. وأنا واثقة إن ربنا هيرجعلك حقك وابنك قريب"
"شكراً يا حبيبتي.."
راجعت ذلك الحديث حتى قد استمعت لتلك المكالمة التي سجلتها منذ أيام، الآن هي وضحت إليها أن زينة واحدة من نقاط ضعفه وكذلك الدليل الذي تملكه ضده.. كان غبيًا ليستهين بها وبذكاءها.. ستريه.. ذلك الأحمق الفقير الذي يظن أنه يستطيع أن يعبث معها.. فقط عليها أن تنظر مكالمة قريبة من زوجة والده.. وأمّا عن زينة فلا تستطيع الإنتظار لتراها في أسوأ حالاتها أمام عيني سليم!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
لا تُصدق أن هبة أنجبت دون التواجد بجانبها، ولا تستطيع أن تترك أختها وهاشم، لقد أصبحت الساعة العاشرة والنصف ليلاً، ربما هذا وقتًا مناسبًا حتى تُخبر هاشم بكل شيء.. فلقد قضيا الوقت مع أصدقائهما وليلتهما بدت سعيدة.. لا تريد إفسادها ولكن يكفي هذا.. إذا أرادا أن ينضما إليها فحسناً وإن لم يردا فالأمر متروك لهما.. لقد أصبحت هبة بخير على كل حال بعد أن طمئنها والدها والجميع في إنتظار استيقاظها بعد العملية..
زفرت في شرود ورأسها يدور به العديد من الأشياء ثم عادت لتتذكر ملامح كلاً من شهاب وإياد.. كانت تظن أن الوضع سيكون أسهل ولكن يبدو أنها أخطأت، ما كان عليها أن تواجه الإثنان ببعضهما البعض..
هي تود أن تتخلص من ذلك الحِمل بداخلها، ليست بكاذبة، ولأول مرة بحياتها تكون في مثل هذا الموقف، ولكنها تود أن تكون صادقة مع الجميع.. يبدو أنها خاطرت كثيراً، خاطرت بأن تتظاهر بالمصداقية.. لماذا الصدق صعبًا للغاية هكذا؟ لماذا؟!
لماذا لا تستطيع مواجهته بأن بدر الدين هو من خلف كل ما يحدث؟ لماذا لا تستطيع أن تنتهي من كل تلك الأساليب المُراوغة وتخبره بمنتهى الصدق أنه يحتاج لعلاج مكثف وأن حالته صعبة للغاية وهي تريد فقط مساعدته ليس إلا؟! لماذا كل شيء صعب مع ذلك الشخص؟!
أين هو على كل حال؟ منذ أن رأى إياد وصافحه بعد مدة من تقديم إياد ليده وكأنه أختفى.. التفتت لتبحث عنه بعينيها لتراه واقفاً في ركن بعيد شارداً بمياة النيل أمامه ويبدو وكأنه غارقاً في التفكير فتوجهت نحوه لتواجهه..
"شهاب.." نادته ليلتفت إليها بوجه خالٍ من الملامح وتفحصها بنظرة ثاقبة جعلها تبتلع في إرتباك ولكنها أكملت التظاهر بعفويتها الشديدة
"واقف بعيد ليه؟ أنا كنت فاكراك مع هاشم.." حدثته بتلقائية ليُضيق عينيه وهو يتفحصها
"مفيش.. عندي موضوع كده في الشغل بفكر فيه" أخبرها ثم التفت لينظر أمامه لتقترب هي منه
"حاول تطلع الشغل شوية من دماغك.. مش هيحصل حاجة لما تأجله لبكرة.." حدثته في هدوء ليومأ هو لها دون كلام "أنا رايحة أقول لهاشم على اللي حصل لهبة وبعدين هاروحلها.. حابب تيجي معايا؟" سألته ثم التفت ليتفحص ملامحها وشعرت بالقلق من عدم إظهاره أية مشاعر على وجهه.. "أنا عارفة إن هبة تبان إنها جامدة و aggressive شوية بس هتتبسط أوي لما تروح.. وبعدين مش عايز تشوف البيبي؟" نظرت إليه بإبتسامة لتجد احدى حاجباه حاول الإرتفاع في تلقائية ولكنه استطاع التحكم في ملامحه سريعًا
"ماشي" اجابها بإقتضاب
"طيب تحب تيجي نقول لهاشم إننا ماشيين؟" سألته ليومأ لها في تفهم لتشعر بالقلق من هدوءه الشديد والتفتت لتتجه نحو هاشم وفريدة فشعرت به يتبعها وكل ما شعرت بالخوف منه أن شهاب يكون عاد مجددًا لنقطة الصفر وعليها أن تبدأ معه منذ البداية!!
"هاشم معلش عايزاك ثواني.." أخبرته لينهض من بين أصدقاءه هو وفريدة ثم مشى معها لتلاحظ شهاب يرمق إياد بحقد لم يستطع التحكم فيه لتحاول هي السيطرة على تلك النظرات لتحاول لفت نظره وتشويشه "أنا وشهاب ماشيين"
"ليه يا فوفا ده لسه الساعة عشرة ونص.. إيه يا عم ما أنت قاعد" نظر إليهما هاشم وحدثهما بعفوية
"أنا هقولك بس متقلقش.. ماشي؟!" حمحمت وهي تنظر له في توتر
"إيه يا فيروز فيه إيه؟"
"هبة حست بشوية تعب ولما راحت المستشفى كان لازم تولد بسرعة" اندهشت ملامح هاشم
"كل ده ومقولتليش، طيب أنا هاجي معاكم وهاطمن عليها.. ازاي ساكتة كل ده و.."
"هاشم!" تدخل شهاب ليقاطعه لتلاحظ فيروز ثقته الشديدة التي طغت على نبرته "أختك كويسة.. ولدت ومستنينها تفوق.. متقلقش.. واحنا هنروح نطمن عليها وأصلاً لسه مفاقتش، فلو روحت مش هتعرف تتكلم معاها أصلاً.. وبعدين إزاي هتسيب خطيبتك وأصحابك وزمايلك.. استنى كمان ساعتين وبعدين تعالى.. على الأقل هتكون صحيت وفاقت وهتعرف تتكلم معاها! ولو فيه حاجة هنكلمك متقلقش وساعتها ابقى تعالى" حدثه بمنطقية شديدة بنما ظهرت ملامح الحيرة على وجه هاشم
"بس أنتو ليه هتروحوا.. لا أنا هاجي معاكم"
"هنروح علشان أهل خطيبتك كل ده في المستشفى معاها من ساعة ما نزلنا من البيت وزمانهم تعبوا، أكيد سالم ومامتك برضو قلقانين وجانبها.. مفيش حد يقدر ياخد باله من الإجراءات ولا يشوف محتاجين إيه وأكيد مش عاملة حسابها في هدوم ليها وللبيبي والترتيبات دي لأن الموضوع جه فجأة.. أكيد هيحتاجوا حد مـ.."
كادت أن تصرخ به لتوقفه عن كل ما يتحدث به، هذا الكاذب المراوغ، يتحدث بمنتهى المنطق، حتى أنها اقتنعت بكل كلمة يُخبر بها هاشم، كم يبدو مسئولًا ومهتمًا بل ويُظهر مشاعر عدة بينما بالحقيقة هو لا يفرق معه الأمر!! ليتها استمعت لهبة منذ البداية!! ليتها لم تتعرف على هذا الشخص الذي يوقع بكل من أمامه في سحره ويستطيع إقناع الجميع بمنتهى البساطة وكأنه لا يبذل مجهود بذلك..
"ماشي يا شهاب.. أنا هحاول كده ساعة ونص بالكتير وأجيلكم"
"براحتك أنا موجود، أكيد برضو أنت صاحي من الصبح أنت وفريدة ولسه هتوصلها، روح اتبسط مع أصحابك وهي كويسة وطمنونا عليها، متخافش هي فعلاً كويسة.." أعاد له الكلمات ليبتسم بإقتضاب في النهاية ليومأ له هاشم في تفهم
"ربنا يسهل، هاشوف هاعمل إيه وهقول لفريدة إيه أصلاً وهاجيلكم" أومأ له شهاب بإقتضاب
"وبعدين متكشرش كده.. الناس هتلاحظ على فكرة" أجبر هاشم إبتسامة وأومأ له مرة أخرى "يالا احنا هنمشي ولو محتاج حاجة رقمي أهو ابقى كلمني" أخرج احدى بطاقته من جيب سترته الرسمية بزهو وأعطاه له وكأنه يؤكد أنه هو شهاب الدمنهوري رجل الأعمال الثري بمنتهى الغرور ليتناول منه هاشم البطاقة
"بالراحة وأنت بتقول لفريدة أحسن دي مجنونة" ضحك هاشم بخفوت "بقيتي خالو يا صغنونتي" مزحت فيروز معه ليبتسم هاشم في خجل
"بس بقى علشان الهيبة وكده.. أنا عريس برضو" حاول السيطرة على ملامحه بينما رمقهما شهاب وبالرغم من كل ذلك الحديث استطاعت فيروز بكلمتين أن تحول ملامح هاشم من حالة التوتر والقلق واللهفة على أخته للإبتسام والمرح
"مبروك يا حبيبي وعقبال ما نفرح بيك أنت وفريدة في بيتكم إن شاء الله"
"الله يبارك فيكي يا فوفا" ابتسم إليها لتودعه ثم تركته هي وشهاب ليسير كل منهم نحو السيارة التي تركاها في صمت تام وكل منهما شاردان.. فهي لا تُصدق تصرف شهاب وطريقته التي تحولت من الإلحاح عليها للغموض والهدوء بينما لا تعلم مثقال ذرة عمّا يُفكر شهاب به.. لا تعلم إلي أين وصل تفكيره وإرتيابه بأمرها.. ولا تعلم ما يُخفيه عقله لها..
والدته، ابناءها، إياد وأسما!! حقاً! أتظنه غبي.. أتظن أن هذه هي مجرد صدفة.. ما كان عليه أن يُصدقها.. فقط سينتهي من الليلة.. سيستدرجها مرة أخرى.. ووقتها لن تفلت من بين يديه..
لقد خدعته بتلك القصص السخيفة عنها وعن زوجها وعن أخته والآن عن أخيه وإهتمامها الزائف الذي خدعته به بمنتهى البراعة والسهولة.. لقد تركها تأخذ أكثر من مكانتها.. لقد وقع في فخ الإهتمام الزائف ولكنه أكثر رجل يستطيع التلاعب بالنساء، بل وبأي أحد يظن أنه يستطيع خداعه.. حسنًا هي من جنت على نفسها بظنها الخاطئ أنها تستطيع أن تعبث معه!..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .