الفصل العشرون - شهاب قاتم
الفصل العشرون
"الله يكرمك متعوديهاش على الشيل من دلوقتي يا فيروز، أنا اللي هتبهدل قدام.." حدثتها هبة الجالسة على السرير بمنزل والدتها
"يا ستي ابقي سيبهالي وقت ما تحب تتشال هاجيلها مخصوص واشيلها.." أخبرته بملامح ممتعضة ثم توجهت نحوها للترك ابنتها بجانبها
"شكرا يا فيروز بجد على وقفتك معايا دي، أنا مش عارفة بصراحة أقولك إيه" حدثتها بإمتنان
"انتي عبيطة يا عبيطة.. بطلي هبل"
"يعني من يوم ما ولدت وانتي من المستشفى لبيت ماما هنا وبتجبيلي كل شوية حاجات و.."
"سالم عنده شغله وهاشم نفس الكلام، وطنط كبرت برضو! اعقلي وبطلي كلام اهبل.. وبعدين مين اللي هيعمل الـ baby shower (سبوع) ويرتب الحاجات.. استحالة اسيب طنط تعمل كل ده لوحدها" قاطعتها بينما رن جرس الباب "استني لما اروح أشوف مين" أومأت إليها هبة بإبتسامة بينما توجهت فيروز لتفتح الباب لتجد أن الطارق شهاب ليتفحصها بعينيه في تلك الملابس المنزلية ولكنها مجددا تخفي أكثر من اللازم
"ازيك عامل إيه؟" ابتسمت إليه ليومأ لها
"تمام"
"اتفضل" افسحت له الطريق ليدلف هو بينما أشارت له ليجلس على احدى الأرائك "تشرب إيه؟"
"ملوش لزوم.. أنا جاي اطمن على هبة لأني مشوفتهاش في المستشفى" أخبرها دون ملامح تقرأ على وجهه بينما عيناه الداكنتان لا تقبل سوى التمتع بالنظر إليها وبالرغم من كل ذلك فهو لا يزال يقنع عقله المريض بأنها إمرأة مثلها مثل غيرها
"آه طبعا.. بس ادخلها بقى لأنها لسه تعبانة شوية من الولادة" أومأ لها فنهض حتى يذهب إلي هبة
"مين يا فيـ.." أقبلت آمال وتوقفت من تلقاء نفسها عندما رآت ابنها "شهاب.. ازيك يا حبيبي" رمقها بلمحة سريعة وهو يكافح في تملك السيطرة على أعصابه لتلاحظ فيروز ذلك
"تمام" اخبرها بإقتضاب ثم تحدث إلي فيروز "اوضة هبة فين؟" سألها لتشير له
"اتفضل" توجه حيث أشارت لتنظر لها والدته في حزن لتهمس لها فيروز "معلش يا طنط.. واحدة واحدة" أخبرتها ثم توجهت خلف شهاب
"مبروك" أخبر هبة التي انفعلت ملامحها
"شكرا" اخبرته بإقتضاب ثم اشاحت بوجهها في غير اتجاهه
"أنا يوم المستشفى كنت مشغول وملحقتش اطمن عليكي، كان لازم امشي بس جيتلك تاني" حدثها وهي لا تزال لا تريد النظر إليه لتتمتم في انفعال
"استغفر الله العظيم يارب" ابتسمت فيروز من على مسافة ولكنها شاهدتهما في استمتاع "طيب متشكرة على الزيارة، أنا زي القرد اهو" ابتسمت له بإستفزاز ليشعر شهاب بالغضب
"تمام.." همس وهو لا يستطيع البقاء اكثر من هذا فهو لن يسترضيها أبدًا فأخرج احدى الشيكات التي تحتوي على عدد ليس بقليل من الأصفار ثم تركه بجانب ابنتها ثم نهض بينما أوقفته هبة
"ده إيه ده إن شاء الله!" تحدثت بينما تناولت الشيك "أنا مش هاقبل إنك تديني كل الفلوس دي.. ليه يعني.." حدثته بغضب لتنظر فيروز بإبتسامة واتجهت نحوه لتهمس له
"يوم هاشم أنا ساعدت.. إنما دي أعند ست في الدنيا.. good luck" أخبرته ليشعر بالإستفزاز ثم توجهت لتغادر ليلتفت شهاب إليها
"خالها وبباركلها إيه المشكلة!" تحدث إليها عاقدا حاجباه
"ياااه.. خالها!! لا بجد خالها.. خالها بعد خمسة وعشرين سنة! ده بجد! وهو كان فين خالها ده زمان!" حدثته بسخرية
"هبة.. انتي عارفة إن زمان كان فيه مشاكل غير إني كنت مسافر أكتر من عشر سنين!" أومأت له في تفهم تصنعته
"زمان آه.. وهو المسافر مبيتصلش بأهله؟ مبينزلش اجازات؟ مبيسألش على اهله؟ طب أمه مبيسألش عليها؟!" رمقته بتقزز وغضب ليزفر هو في تأفف
"أنا مكملتش سنتين في مصر، وجيتلكوا.. وبعدين علاقتي بوالدتي حاجة وعلاقتي بيكي انتي وهاشم حاجة تانية"
"لا والله!! علاقتك بوالدتك اللي هي أمي اللي جالها السكر والضغط بسببك انت وابوك مش كده؟! طيب أنا بقى بقولك مش عايزة أي علاقة تربطني بيك.. ومتشكرين على الفلوس مش محتاجين حاجة من حد" القت الورقة دون اهتمام نحوه لتسقط على الأرض ولم يتناوله ونظر لها شهاب في غضب وأطبق أسنانه في عنف ثم توجه بعصبية للخارج ليُلاقي والدته في طريقه
"شهاب يا حبيبي استنى" حدثته ليلتفت إليها بينما راقبت فيروز المشهد من بعيد
"عايزة إيه؟" سألها والغضب يتحكم بملامحه
"متزعلش من هبة.. هبة طيبة وغلبانة وقلبها ابيض بس عصبية شوية" اخبرته بإبتسامة بسيطة لينظر لها شهاب بمنتهى الكراهية فهو لا يكترث سوى لفيروز.. لا يكترث سوى لإدراك لماذا ظهرت بحياته.. ها هي الأموال ولكن لماذا لا يقبلوها!
"اقعد يا حبيبي.. متضايقش" أخبرته وكادت أن تربت على ذراعه ليبتعد هو في حركة تلقائية وكأنه لا يريد الإتساخ من لمستها
"اوعي تفكري إني علشان ظهرت في حياتكوا تاني ابقى نسيت اللي عملتيه!! ولا بعد مليون سنة يا آمال هنسى اللي حصل" أخبرها بملامح متقززة ناظرا لها بإحتقار لتتحول ملامحها للحزن
"والله ظلم، والله ما حصل" ابتسم نصف ابتسامة بإحتقار في تهكم ولم يكترث لحزنها وتوجه ليغادر بينما أوقفته فيروز
"اتفضل.. عارفة إنك بتشرب قهوة" لحقته بإبتسامة وكأنها لا تعرف ماذا حدث لينظر نحو القهوة التي تحملها ثم نظر إليها بملامح مبهمة
"هتيجي تشوفي المشروع امتى؟" سألها مباشرة دون أن يتناول منها القهوة
"لما افضى.." أومأ لها بملامح مبهمة "اديك شايف ولادة هبة وهارجع الشغل و.."
"بكرة الجمعة وبعده السبت.. بتشتغلي جمعة وسبت؟" سألها في نفاذ صبر
"انت شايف إني ورايا حاجات و.."
"لو المشروع مش هامك ومش فارق معاكي ممكن نلغيه خالص!" تحدث بهدوء بينما بداخله شعر ببركان يغلي لتزفر هي
"يوم الحد كويس.. هاشم هيكون اجازة، ممكن الحد الصبح" أخبرته في إذعان وأخيرًا!
"تمام.. هجيلك الساعة كام؟" تنهدت في إرهاق
"مش لازم تجيلي على فكـ.."
"اخلصي علشان ورايا حاجات" قاطعها بغضب
"الساعة تلاتة كويس؟" أومأ لها ثم توجه نحو الباب دون كلمات أخرى وغادر المنزل لتتمتم فيروز خلفه "مجنون" ولكنها امتنت أنها أخبرته بموعد سيكون قريبا للغاية من غروب الشمس عند وصولهما لذا لن تبقى معه للكثير من الوقت..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
يوم الأحد الثامن من سبتمبر..
لماذا إذن آتى لمنزل والدته يومها إذا كان مصمما على ألا يتغير؟ هل من أجل أن يتبين أنهم لا يريدون التعامل معه أو من أجل أنهم لا يريدون الأموال؟
لقد رفضت هبة الأموال، ولم يتحدث أحد معه بضرورة تواجده ولا طلب منه أحد المجيء.. ألهذا الحد هو مريض بأن يُثبت أنه الأثرى ومن يملك كل شيء؟ يا له من مريض!!
لم تنس حديثها مع بدر الدين وكل ما يُخبرها به، أخذت احتياطها بتناول مضاد المثبطات التي من دورها أن تبطل أياً مما قد يُخدرها به فهي لا تستبعد أن يفعل معها مثل زوجة ابيه، هي لا تثق بما قد يفعله معها وعلى ثقة تامة بأنه يزال يرتاب في أمرها! كما أنها أزالت رقم بدر الدين وأي تطبيق يتحدثا عليه.. فهي لا تأمن مكره أبدا..
لا تقتنع أبدا بأن عليها رؤية المشفى وهي لم يكتمل بناءها، ولكنها تعلم كم أن حياته فارغة من الأشخاص.. أأصبحت شخص مهم بالنسبة له؟ لا تزال ترى الإنجذاب لها من عينيه ولكن لن تُنكر أن آخر مرة بدا تلقائيا للغاية ولم يتبع معها سُبله القذرة التي يتبعها دائما!
زفرت وهي تحاول أن تُسكت أفكار رأسها اللعينة عندما لمحت سيارته مقبلة فلقد أصبحت لا تفكر سوى به وبخطواته القادمة، بتقبله لدخول اخوته في حياته، بعلاقته بوالدته، بكل ما يفعله من ظلم بيّن لزوجة والده ولأخيه.. تشعر بأن رأسها لا يُفكر سوى به هو فقط..
دلفت السيارة في صمت ولم تتحدث إليه لتجده يتحدث على هاتفه وقد بدا الإنزعاج واضحا على ملامحه ولا يغادر شفتاه سوى همهمات بينما لاحظت أنه يقود بسرعة
"ده شغل الشئون القانونية، ولا حابب أغير الإدارة كلها، لو مش عارفين تشوفوا شغلكوا أشوف اغيركوا، الموضوع بسيط.." تحدث بمنتهى التسلط بينما أدركت فيروز أن هناك احدى المشكلات ليأتي ببالها ما أخبرها به بدر الدين يوم الإثنين الماضي
"تمام.. قدامكوا يومين والموضوع ده يخلص" تحدث بهدوء
"مبسش.. الكلام اللي اقول عليه يتنفذ" يبدو أنه قاطع شخص ما ثم انهى مكالمته بزفرة غاضبة ووضع هاتفه بصندوق التخزين بالكرسي جانبه
"ازيك يا شهاب" حدثته بينما لم يلتفت لها
"تمام.." اجابها بإقتضاب
"أنت كـ.." لم تُكمل جملتها لرنين هاتفه الذي اجابه دون رؤية هوية المتصل
"أيوة.. برنامج إيه!.. لا ارفضي.." انهى المكالمة لتنزعج ملامحه أكثر
"هو فيه حاجة؟ لو مشغول و.."
"اسكتي دلوقت" قاطعها لترفع حاجبيها في تعجب ثم نظرت للطريق أمامها ولم يتبادلا ولو كلمة واحدة طوال الطريق لتعلم أن بدر الدين قد أصابه بشراسة وخاصة بعد عدة مكالمات هاتفية اخرى..
ما إن اقتربا من الأرض لترى المعالم قد تغيرت كليا.. كم من الأدوار قد أكتمل بناءها؟ لم تستطع العد بسرعة بينما شاهدت في تعجب.. إذن هو يقتنع بالأمر وإلا لما أكمل البناء بهذه السرعة!!
ترجلت خارج السيارة لتشعر بالهواء يُبعثر شعرها الطويل فرفعته لتجمعه ثم أخرجت احدى الأقلام لتمسك به شعرها وتفقدت المكان بعينيها لتجد أنه ليس هناك سوى أفراد يرتدون ما يبدوا أنه زي الأمن وليس هناك أحد من العمال لتتعجب قليلا ولكنها لم تشاهد شهاب الذي يتابعها بعينيه..
إلي متى ستحتل تفكيره؟ إلي متى سيظل يُفكر بأمرها؟ ها هو يواجه مشكلات لعينة بعمله ولا يستطيع التفكير سوى بغاياتها التي لم تظهر إلي الآن! ولكنها تبدو جميلة للغاية اليوم، بل رائعة الجمال.. عفويتها تلك لو تكف عنها لكان أصبح الأمر سهل! لماذا لا تشابه بقية النساء؟
"ما شاء الله.. ده تقريبا قربت تخلص" أخبرته فيروز لتلتفت إليه فوجدته ينظر لها عاقدا حاجباه
"المنظر من فوق كمان احلى.. تحبي تتفرجي؟" حاول ألا يُظهر تأثره بملامحها لتنظر هي إلي مبنى المشفى ثم نظرت إليه
"احنا هنطلع كل ده.." نظرت له بتعجب ثم عادت لتحصي عدد الأدوار بعينيها لتصل إلي رقم ثماني عشر "هنطلع تمنتاشر دور؟!" أخبرته بإبتسامة
"أولا همّ عشرين مش تمنتاشر، ثانيا أكيد لأ.." اتجه بالقرب منها "تعالي" أخبرها لتنظر له بإستغراب ولكنها سارت بجانبه ليسير كلاهما نحو جهاز غريب يبدو أنه لا يُستخدم سوى في هذه الأعمال لتجده ينظر لها وأشار لها برأسه أن تصعد مما علمت أن تلك رافعة إلكترونية
"لا.. لا لأ.. أنا مش هاطلع البتاعة دي" ضحك بخفوت ولكن ملامحه بدت أصغر عمرا وفاضت بحيوية غريبة لم تراها على ملامحه من قبل، يبدو أنها ضحكة حقيقية صادقة
"متخافيش، اطلعي بس" أخبرها بنبرة لا تزال تحمل أثر ضحكته
"معلش يا شهاب مش هـ.." قد تجرأ ودفعها للداخل ثم دلف بعدها لتتوقف عن الكلام
"أنت ازاي تعمل كده، قولتلك مش هاطلع الـ.." ضغط على زر ما لتجد تلك الرافعة تتحرك ليتيبس جسدها بعد أن أغلق سريعا ما يُشابه بابا صغيرا بالكاد وصل حتى ركبتيه ثم شاهدها ونظر إليها بإستمتاع وعلامات الخوف تسيطر على ملامحها بل وتحركاتها ثم وجدها تتمتم بشيء ما لم يتبينه لتتوسع ابتسامته مرة أخرى
"خايفة؟" أخبرها سائلا ليقترب منها أكثر لتوصد هي عينيها تعتصرها وأخذت تُكمل تمتمتها بآيات من القرآن فهي تعاني من فوبيا المرتفعات ولطالما كرهت الأدوار العُليا وأمسكت بكلتا يديها في جوانب تلك الرافعة "متخافيش" همس إليها لتشعر بأنه أقترب أكثر من اللازم لتفتح عينتيها ناظرة له في خوف
"كفاية يا شهاب خليها توقف" همست إليه لينظر لها بإنزعاج لثوان
"هو انتي لون عينيكي إيه؟" اخبرها زافرا حتى شعرت بأنفاسه
"كفاية مش لازم نطلع للآخر خليها توقف بقى" صاحت بتوسل ليجد نفسه يبتسم ثم أمسك بإحدى يديها في جرأة
"متخافيش.. أنا معاكي مش هيجرالك حاجة" أخبرها ليُطمئنها وتبادلا النظرات في صمت، فها هو قد نسي تماما كل ما يدور برأسه من أفكار بشأنها وها هي كسرت معه كل تلك الحدود التي تضعها دائما بينها وبين أي رجل كان
وقفت تلك الآلة لتهتز بعنف لتصيح هي واقتربت منه تمسك بذراعه وهي تشعر بأن قدميها باتت كالهلام وخفقات قلبها كادت أن تدفع به خارج صدرها
"خرجني من البتاعة دي حالا" نظرت له في توسل ليتنهد هو في متعة شديدة من اقترابها منه وتمسكها به بتلك الطريقة وبالرغم من سعادته الشديدة بهذا الإقتراب إلا وأنه انصاع لما تريده في النهاية.. لا يدري.. لكن رؤيتها بتلك الملامح بالرغم من أنه ممتع ولكنه شعر بشعور غريب لا يدري ماهيته ولكنه يُجبره على أن يتوقف ويبتعد بها للخارج حتى لا يُزيد من خوفها..
التفت ليفتح تلك البوابة الصغيرة وترك يدها الممسك بها ليُلاحظ مسكتها على كتفه تشتد للغاية كما أنه شعر بإرتجافتها من خلال لمسها اياه
"أنت رايح فين وسايبني؟"
"متخافيش.. بفتح الباب علشان نمشي" التفت وعينتيها تضج بالذعر، لم يكن يعلم أن تلك هي الطريقة المُثلى كي يراها خائفة.. كم هو محظوظ اليوم!
"طيب" أخذ خطوة للخارج ولكن هناك مسافة بين كابينة الرافعة والأرض الأسمنتية التي بُني بها الطابق لتُمسك هي بيدها الأخرى به وتشبثت به بشدة "لا متسبنيش"
"فيروز" التفت إليها واستغل الموقف بينما لم تتركه هي ليُمسكها من خصرها بقوة "متبصيش لتحت.. مش هاسيبك.. متخافيش" أخبرها لتوصد هي عينيها تعتصرهما وأومأت له بالموافقة ليُمسك بها وهي لا تزال تتشبث به ثم رفعها قليلا للخارج وهي لا تزال موصدة لعينيها ثم صاح وقد قرر أن يرفع من سقف ذلك الموقف الممتع "حاسبي هتقعي" صرخت هي واقتربت منه اكثر وكأنها تحضنه ليصدح هو بضحكته لتفتح هي عيناها وتنظر له بغضب وقد أدركت مزاحه السخيف
"والله ما عندك دم" أخبرته ثم دفعته بعيدا عنها بعد أن أدركت أنها خارج تلك الرافعة واخذت عدة خطوات بعيدا عنه واخذت تمسح على جبينها ومقدمة شعرها وهي تهدأ من روعها
"مكنتش أعرف إنك بتخافي اوي كده"
"مبحبش الأدوار العالية ابدا" رمقته بإنزعاج بينما تحاول تمالك نفسها ليمط هو شفتاه في استغراب
"ليه.. ده كل حاجة بتبقى احسن من فوق" نظر لها نظرة خبيثة وعقله ذهب في مكان آخر تماما بينما هي رمقته بملامح متجهمة وذهبت لتجلس على شيئا ما اسمنتيا لا تعرف ما هو لكنه كان يصلح للجلوس بالنسبة لها..
"على كده بتترعبي بقى لما بتركبي الطيارة؟" اقترب منها ثم أخفض نظره إليها وهو سعيد للغاية بجلوسها في مكان منخفض بجانب ساقاه هكذا لترفع نظرها وهي تنظر إليه وشعاع من الشمس التي بدأت في الهدوء تخلل حدقتيها ليعود هو للشعور بالإنزعاج من تلك العينتين
"ممكن منتكلمش بقى في الموضوع ده!" زجرته بنظراتها المنزعجة ليبتسم ثم قدم يده إليها لتنهض ولكنها تجاهلته ونهضت وحدها ليزفر هو في تأفف على تلك المرأة التي يبدو أنها لن تتغير أبدا
"بصي.." أخبرها لتنظر نحوه بينما أخرج هاتفه واقترب إليها "ده تقريبا الشكل النهائي.." أخبرها لتُمسك هاتفه وهي تحدق به بتمعن واهتمام بينما لاحظت تحركه فتابعته ولكنها أخذت تشاهد الصورة بينما كان هو يقترب من حافة الدور ويشرد بعينيه بعيدا ليشاهد تلك الحقول "هتلاقي باقي الصور عندك" أخبرها بالمزيد وتحرك ولم تشاهد إلي أين هي ذاهبة "دي هتكون الواجهة وهتكون كلها ازاز زي ما في الصور كده بالظبط و.."
"آه" صرخت بينما تطاير الهاتف من يدها ووقع أرضاً وكادت أن تقع من على الحافة بسبب قطعة ملتوية من الواح الحديد وتوسعت عيناه في وجل واتجه مسرعاً ليُمسك هو بخصرها ودفعها للخلف حتى سقط كلاهما وأصبح يعتليها لينظر لها بغضب شديد وانفعال انعكس في انفاسه اللاهثة من شدة الغضب
"انتي غبية ولا متخلفة، ماشية من غير ما تبصي واحنا في الدور العشرين وكل الدنيا مفتحة" صرخ بها وملامحه ولأول مرة ترى عليها الخوف
"أنا ماخدتش بالي وكنت بتفرج على الصـ.."
"لو كنتي وقعتي دلوقتي كنت هاعمل إيه من غـ.." قاطعها ولكنه تدراك ما يقول وأوقفه عقله ليبتلع وهو يكبح لسانه الذي انطلق دون تفكير منه وهو يلهث من شدة الغضب ومفاجأة ما حدث لتنظر هي له بإستغراب ليرمقها بنظرة منزعجة أخيرة ثم تركها ونهض مبتعدا وحاول أن يُسيطر على نفسه وهو يستعيد برأسه ما كاد أن يغادر شفتاه وشعر بالكراهية الشديدة تجاه نفسه فاستمع لخطواتها وهي تقترب منه
"شكرا يا شهاب، بس والله ماخدتش بالي" تحدثت إليه بينما لم ينظر لها وكان في دوامة أخرى جديدة من نوعها عليه فتوجهت هي بحرص لتُمسك بهاتفه من على الأرض ثم اتجهت لتعيده إليه "معلش وقعته بس متكسرش ولا حاجة!" أخبرته بعد أن اتجهت أمامه وهي تناوله الهاتف ليتناوله منها وقد هدأ قليلا لتنظر هي في رغبة وفضول شديد لقرآة تعبيراته ولكن ها هو يعود للمراوغة مرة أخرى.. ذلك الرجل الخائف تحول ليبدو قطعة من جليد القارة المتجمدة!!
صدح هاتفه بالرنين ليجيبه دون رؤية هوية المتصل بينما عادت ملامحه للإنزعاج مرة أخرى فأدركت فيروز أنه يواجه مشكلات ويبدو أن بدر الدين استطاع أن يشغل وقته وتفكيره جيدا..
انتظرت وابتعدت عنه ثم تفقدت الساعة التي قاربت على الخامسة والنصف وقد شعرت بقليل من الإسترخاء في هذا الهواء ولمحها بعينيها من أعلى تلك المساحات الخضراء ولكنها لم تبالغ بإقترابها من الحافة لتوصد عينيها في استمتاع واصبح صوت شهاب خلفها كالغمغمات وأخذت تتمنى لو أن تلك المشفى كان حقا من أجل صدقة على روح زوجها ماهر لكان ثوابا عظيما يُضاف إلي أجره وتنهدت في قليل من الآسى وتناست أين هي حقا بعد أن ذهب عقلها بعيدا في تذكر لحظات عدة مع زوجها عندما اصطحبها مرة من قبل إلي سانت كاترين حيث قاما بالتخييم لعدة أيام.. ولكن حتى وهو معها خوفها من ارتفاع الجبال لم يندثر
"بقى اللي بتقعد مع مسجونين خايفة برضو من الأماكن العالية"
"الله يخليك يا ماهر بلاش نطلع أكتر من كده"
"طيب بذمتك حاولي متخافيش وبصي المنظر من هنا عامل ازاي.. تعالي متخافيش" امسكت بيده في تردد ولكنه جذبها برفق ليمسك بخصرها وقربها إلي صدره بينما هي تشاهد المنظر الخلاب "حلو مش كده؟"
"حلو بس كفاية.. كفاية كده"
"ده أنا ممكن دلوقتي اسلبك أعز ما تملكي بوقفتك المرعوبة دي" همس في اذنها مداعبا
"ما سلبتني خلاص.. هو كل شوية ولا إيه!"
ابتسمت وهي تتذكر تلك اللحظات بإبتسامة سعيدة وظهر على ملامحها التهلل وكأنها تحيا معه من جديد تلك اللحظات لتفر احدى دموعها رغما عنها
"ما كنتي بتضحكي وحلوة.. إيه اللي حصل بس" تحدث شهاب الذي يبدو وأنه كان يراقبها من فترة لتفيق من غفلتها ونظرت له وشمس الغروب الساحرة بجانبهما عكست على عينتيها شعاعا هادئا تمنى شهاب وقتها لو دام طوال العمر..
"أحنا مش هنمشي بقى؟" نظر إليها دون كلمات "أنا بعمل كوارث والله في الأماكن العالية.. منصحكش أبدا نروح مكان زي ده تاني"
"هتجيلي تاني امتى؟" لم يكترث لكلماتها بينما أمعن النظر إلي وجهها
"علشان؟"
"الجلسة.." أومأت في تفهم ثم زفرت زفرة مطولة بينما هو حقا لا يدري، أيستدرجها ليفعل معها ما خططه لها أم هو يريد رؤيتها بمنزله معه وحده؟! نهاه عقله عن الإحتمال الأخير فهو يستدرجها ليس إلا!! وسيُحقق معها كل ما تمناه وكل ما خطط لها!
"حاضر هاكلمك وأقولك بس بعد ما افوق من موضوع هبة.. وهاجيلك كمان يوم اجازة علشان هنطول"
"امتى؟"
"أكيد هيكون جمعة أو سبت.. بس أنا عايزاك تعمل حاجة.." نظر لها بإستفسار "اقعد ورتب كويس الحاجات اللي عايز تحكيها، حتى لو بالورقة والقلم" أومأ لها في تفهم
"يالا علشان نمشي.." تركته واتجهت نحو الدرج
"انتي هتنزلي عشرين دور على السلم؟" أخبرها بينما أكملت هي طريقها
"أنزل ألف دور ولا ادخل جوا البتاعة دي تاني" مط شفتاه في تعجب بينما تركها واتجه للرافعة ليذهب كل واحدا منهما في اتجاه مختلف..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
بعد مرور عشرون يومًا..
أتحتاج من الوقت عشرون يوما لرؤيته، تترك شهاب الدمنهوري لتجلس مع الجميع، تصادق الجميع سواه، تجعل وقتا لكل أحد سواه!! سيُريها.. سينتهي من أمرها الليلة! سيعرف كل ما خلفها وسيُلقي بها في نهاية الليلة عارية على أرض غرفته.. لم تخلق بعد من تعبث مع شهاب الدمنهوري حتى ولو هي..
تتهرب منه، لا تجيب مكالماته، لا يُصدق أنه حتى تمالك نفسه إلي الآن.. لولا فقط تلك المشكلات اللعينة بالعمل التي ابتلعت وقته بأكمله لكان قتلها بيداه على كل ذلك التجاهل! ولكن سيُريها اليوم..
رفع ذلك الدجاج من على الموقد ثم وضعه بأحدى الصحون وآتى بصلصة صنعها خصيصا وبداخله إستمتاع جم وابتسم بخبث.. لا تحتسي النبيذ، يا لك من فتاة مهذبة.. الآن ستتناوليه رغما عنك..
لقد ترك الدجاج ببعض التوابل الكثيرة التي ستُخفي طعم النبيذ الهائل المنقوع به الدجاج من الليلة الماضية ولم يقم بطهيه كثيرا حتى لا يتبخر الكحول منه.. أما عن تلك الصلصة التي اتقنها من كلوديا فأهم مكوناتها هو النبيذ الأحمر.. ولقد صنعها من قبل مئات المرات.. سنرى الآن كيف ستقاوم إخباره بالحقيقة عندما يذهب عقلها.. اليوم وبعد عدة لحظات سيعرف ما إن كانت كاذبة أم صادقة!!
أخفضت إصبعها من على الجرس وهي تزفر في تردد، فهي خائفة، حتى بالرغم من تناولها لمضادات المثبطات اليوم أيضا لإبطال أي مفعول لأي مخدر، جيد أنها أحضرتها ووضعتها بدلا من أقراص مضادات الإكتئاب، فلربما ستحتاج للمزيد.. لا تدري.. ولكنها تشعر بريبة مما قد يفعله، فلقد تجاهلته الأيام الماضية كثيرا ولن تستبعد أي من أفعاله المجنونة! تذكرت كذلك أنها قامت بإلغاء أي تطبيقات تستخدمها في التحدث إلي بدر الدين وكذلك رقمه لتطمئن قليلا بأنها قد اتخذت كامل احتياطتها معه..
"ياااه أخيرا" ابتسم إليها لتبادله الإبتسامة بإقتضاب
"والله كنت مشغولة جدا.. عامل إيه؟" دلفت منزله ليوصد الباب خلفها
"تمام.. هنتغدا بقى مع بعض النهاردة.. أظن ملكيش حجة.. الساعة لسه تلاتة ومأكلتيش أكيد" أخبرها في ود زائف "ومش هاقبل أي أعذار على فكرة" نظر لها نظرة لا تحتمل النقاش لتومأ هي ولعنت بداخلها وقدماها تتجهان إلي مطبخه
"انت عملت الأكل بنفسك.. أنا مكنتش عايزة اتعبك"
"مفيهاش تعب ولا حاجة" أخبرها بإبتسامة لطيفة تصنعها بينما جلس على احدى الكراسي وبسرعة تناول من احدى الأطباق التي لم يمس مكوناتها أي من النبيذ لتُمسك هي بالشوكة ودعت بداخلها ألا يُلاحظ توترها وتناولت الطعام
"عامل إيه.. لسه بالك مشغول بموضوع الشغل؟" أخبرته ثم تناولت المزيد من الطعام
"لا تمام.." ابتسم بإقتضاب وهو ينظر إليها جيدا "عجبك؟" سألها وبداخله يشعر بالراحة، ها هي الفتاة المهذبة التي لا تتحمل حمل كأس من نبيذ تتناول طعام وضع بأكمله بالنبيذ.. شعر بالإمتنان والفخر أمام نفسه كثيرا
"جميل جدا.. تسلم ايدك.. بس فيه طعم غريب شوية.." نظرت له بإستغراب
"توابل غريبة شوية.. يعني كنت عرفتها من السنين اللي قضيتها في إيطاليا" أخبرها وهو يراها تتناول الطعام ليتوقف هو.. فالكمية التي تناولتها ستبدأ بمفعولها بعد قليل "السفر بيعرفك حاجات كتيرة" أخبرها لتومأ له بتفهم وتناولت المزيد
"عملت اللي قولتلك عليه؟ ولا شكلنا هنقضيها زي المرة اللي فاتت؟" سألته بإبتسامة مرحة ولم يُعجبه تلقي الأوامر منها
"لا عملت متقلقيش" اجابها بإقتضاب وفجأة شعرت هي تشعر بشعور غريب في معدتها لتحمحم وتركت شوكتها جانبا
"إيه مش عاجبك الأكل؟!" حمحمت مجددا ثم نظرت إليه
"عجبني بس.." شعرت بدوار وبدأ جسدها في الشعور بالسخونة "أنت بتلف ليه؟" تمتمت هامسة ولكنه لا يدري لماذا آتى مفعول الكحول هكذا معها بتلك السرعة، أثملت بالفعل؟!
"فيروز انتي عرفتيني ليه؟" سألها وهو ينظر إليها في ترقب
"إيه؟ عرفتك عشان" حمحمت مرة أخرى وهي لا تدري ما يحدث لها "المشروع!"
"آمال هي اللي قالتلك تجيلي مش كده؟" نظر لها بتريث شديد بينما وضعت هي يدها على رآسها
"آمال مين.. أنا دايخة اوي كده ليه.." بدأ جسدها في الترنح لينهض هو وتوقف بجانبها ورفع ذقنها ليجعلها تنظر إليه
"اللي ولدتني.. هي اللي قالتلك تجيلي.. صح؟" أومأت له بالنفي بينما شعرت بدوار شديد
"بدر الدين الخولي وولاد اخواته إياد وأسما همّ اللي زقوكي عليا؟"
"أسما عرفتني على عمو بدر، لذيذ اوي.. إياد مين؟ خطيبها صح؟" ابتسمت وفجأة شعرت بمعدتها تنفجر لتتقيأ.. لم تدرك بعد أن الخمر تفاعل مع المضادات التي تناولتها.. ولم تدرك أنها قد تقيأت على ملابس شهاب، وكذلك على قميصها..
"أنا آسفة" شعر بالتقزز للغاية وأراد أن يقتلها على ما فعلت ليُمسك بشعرها يجذبه حتى تأوهت وأقترب منها قليلًا وقبل أن يتحدث نظرت إليه بإبتسامة "شكلك حلو أوي النهاردة" بدا على ملامحها الثمالة وهي تنظر إليه ورفعت يدها لتتلمس صدره ثم سعلت ليشعر بأن هناك جولة ثانية فابتعد مسرعاً لتتقيأ هي ثم جففت فمها وأستندت على تلك الجزيرة التي تتوسط المطبخ في حالة من الدوار الشديد ظنا منها أنها ستنهض ولكن غلبها الدوار ليسقط رأسها باحدى الصحون..
لم يصدق ما يحدث.. فقط جرعة النبيذ تلك جعلتها تفقد وعيها!! غبي، ما كان عليه أن يستخدم النبيذ، كان عليه أن يدس لها احدى حبوب الهلوسة، غبي.. غبي.. غبي بكل ما تعنيه الكلمة!!
نظر لملابسه التي نُثر عليها التقيأ ليبدأ فورا في خلع تلك الملابس ثم توجه وهو لا يرتدي سوى سرواله الداخلي ليأتي بمعدات ليُنظف المكان حولها وما إن انتهى نظر لها ليجد جبهتها غارقة في صحن الدجاج أمامها ليصر أسنانه في غيظ. أهذه الذي أراد أن يعرف ما خلفها، لم تكن والدته إذن، وبدر الدين لم تخبره شيئًا عنه.. يا له من إنجاز عديم الفائدة..
جذبها من قميصها لينظر بمزيد من التقزز لينزعه عنها بأطرف أصابعه وهو يحاول ألا ينظر للقيء ليُلقي القميص بعيدا ثم حملها ليصعد بها لغرفته..
آتى بمنشفة قد وضع بها بعضا من غسول الوجه حتى يمسح كل ما على وجهها وما إن عادت ملامحها دون صلصة الدجاج شعر بضرورة التمعن بها.. لم يقترب منها بهذا الشكل من قبل..
اعتلاها تاركًا تلك المنشفة أرضا وهو ينظر إلي مفاتنها ثم إلي وجهها، شاركت أنامله عيناه وهو يتفقدها برغبة شديدة ومررها على أجزاء ثدييها التي ظهرت من صدريتها ثم انخفضت أنامله بشهوة شديدة وهو ينظر إلي ملامحها التي يُسيطر عليها الإغماء وبدت مرهقة للغاية..
أقترب ليُقبل شفتيها بينما تدارك ما يفعله قبل أن تتلامس شفاههما! ما الذي يفعله؟ يُقبلها؟ أهذا كل ما يُريد؟ منذ متى وشهاب الدمنهوري يريد أن يُقبل إمرأة فاقدة الوعي.. منذ متى وهو يستكين أمام إمرأة ولا يستخدم معها أساليب العنف؟ هو يستمتع ويتلذذ بصراخهن أسفله!
كان يظنها ستثمل وستخبره بالحقيقة وسيغتصبها وانتهى الأمر، ولكن إذا فعلها الآن، هل سيكون حقق ما أراد؟ هل سيصل لرؤيتها ترتعد أسفله وهي تبكي وتخبره بأن يكف عما يفعله؟ هذه هي المتعة الحقيقية، أن تحاول المرأة أن تتهرب منه بمنتهى الخوف والرعب الذي يظهر بعيني كل إمرأة، هذا ما يُريده.. لا يريد مضاجعة جسد ميت مثل تلك التي أمامه.. ولكنه يُريد أن يُقبلها! يلح عليه عقله بأن يفعلها، ولا يظن أنه سيستطيع فعلها وهي مستيقظة أبدا..
زفر في تأفف من صراعه العقلي الذي لا يتوقف لتهمهم فيروز أثر إنعكاس أنفاسه ليعلم أنها لم تفقد وعيها، أهي نائمة فحسب؟ ما الذي يحدث مع تلك المرأة؟
ترك السرير ثم توجه ليحضر احدى زجاجات عطره ثم أقترب منها ووجه الغطاء أسفل أنفها لتهمهم مجددا ولكنه لا تزال مستغرقة في النوم!. ويبدو أنها ستنام لكثير من الوقت كذلك لينظر لها بغيظ شديد ثم تركها آخذا المنشفة التي ألقاها أرضا ثم توجه ليجمع الأشياء من الأسفل وكي يرتدي ملابس أخرى..
توجه للمطبخ مرة أخرى لينتهي من حمل الملابس والأدوات فلمح حقيبتها التي تناولها وصعد بكل شيء للطابق العلوي ليتجه لأحدى الغرف التي يوضع بها غسالة الملابس وكذلك الملابس المتسخة وأدوات النظافة ليترك كل شيء هناك وتناول حقيبتها ثم توجه لغرفته مرة أخرى وسكب الحقيبة بجانبها ولم يحصل منها على أي ردة فعل..
جلس ليتفقد أنها تحمل حبوبا غريبة في عُلبة صغيرة، ومسكن، مصحف، هاتفها، حافظة نقود، مفاتيح.. ولا شيء!! حقاً!!
اتجه ليبحث عن اسم تلك الحبوب ليدرك أنها حبوب مضادة للإكتئاب مما جعله يستنكر الأكر وألقاها دون إكتراث بجانبها وتوجه ليرتدي ملابس أخرى نظيفة وأخذت رأسه في نسج العديد من التخيلات والسيناريوهات عندما تستيقظ..
ها هو جالس على تلك الأريكة اللعينة لما يقارب من ساعتان، فقط يذهب ليتفقدها ويشعر بالإنزعاج ثم يعود لتلك الأريكة، وهكذا يكرر نفس الأمر اللعين ألف مرة!! لقد شعر بالسأم، وتلك الحائط أمامه لا تستجيب أبدا.. لقد حتى حاول أن يُفيقها أكثر من مرة وهي لا تستجيب أبدا.. سيقتلها عندما تستيقظ! سيفعل!! ولكن متى ستستيقظ هي؟! أيُريدها أن تستيقظ أم يريد التأمل بملامحها ووجهها ومفاتنها؟ لا يدري!
سيُنكر الأمر برُمته، سيجعلها تُصدق كل شيء سوى أنه وضع لها النبيذ بالطعام، وإلا سيسقط قناعه اللطيف الذي يتظاهر به كلما كان معها.. فقط سيُخبرها أنها فقدت وعيها فجأة وحاول أن يوقظها ولم تستجب هي..
وأخيرا، استيقظت هي لتشعر بصداع يهشم رأسها وكأن هناك من يُمسك بمطرقة ويطرق بها رأسها دون رحمة، حاولت تفقد حالها لتجد نفسها دون قميصها التي كانت ترتديه ولا ترتدي سوى صدريتها فقط من الأعلى بينما بنطالها لا يزال عليها فجذبت الغطاء لتستتر فهي لا تدري أين هي ونهضت بصعوبة شديدة جالسة ثم نظرت بأعين صعب الرؤية خلالها أمام السرير لتجد شهاب يجلس على أريكة مقابلة لها لتدرك أنها لا تزال في منزله..
"أنا إيه اللي حصلي.. أنا جيت هنا ازاي؟" ما هذا السؤال الغبي فلقد أدركت أنها لا تزال في منزله.. يبدو أن هذا تأثير التشويش عليها وتأثير تلك المضادات التي تناولتها قبل قدومها!
"معرفش.. رجعتي ودوختي ومرضتيش تفوقي.. طلعتك هنا" أخبرها بملامح متجهمة ونظر لها وهو يضع ساقا فوق أخرى وسبابته يُمررها على ذقنه مجيئا وذهابا ونظر لها متمعنا بها لترمقه هي مضيقة ما بين حاجبيها وهي تحاول التغلب على التشويش وصداع رأسها.. كما تحاول التذكر.. فلقد كانت جالسة لتوها تتناول معه الطعام.. ماذا حدث بعدها؟
حمحمت ثم أشاحت بنظرها عنه وهي تحاول بصعوبة أن تواجه ذلك التشويش اللعين وظلت لدقائق تحاول التفكير فيما حدث لتدرك أن ما حدث لها لم يكن سوى بسبب الخمر، الخمر هي الوحيدة التي تتفاعل مع مركبات تلك العقاقير التي تناولتها.. هذا هو التفسير المنطقي الوحيد الذي وصلت له بعد صعوبة من التفكير بسبب رأسها الذي يؤلمها..
"شنطتي فين؟" همست سائلة بصعوبة ليُشر بسبابته بجانبها لتنظر إلي السرير حيث أشار لتجد محتوايات الحقيبة بأكملها مُفرغة بجانبها لتمتد يدها إلي قرصان من المسكن ثم تناولتها دون مياة ونهضت تلتف بذلك الغطاء واتجهت بخطوات غير متزنة خارج الغرفة وحاولت تبين الطريق فهي لم تذهب لغرفته من قبل ولكنها استطاعت الوصول للدرج الداخلي الذي صعدته مرة من قبل وتسلقته للأسفل..
حاولت تذكر آخر شيء حدث بينهما، كانا يتحدثان ثم سألها عن المشروع، وماذا حدث بعد ذلك؟ هل أخبرته الحقيقة؟ لا تدري!!
تبعها في صمت شديد وهو لا يدري إلي أين تذهب ليجدها توقفت في المطبخ أمام مبرد الطعام وفتحته ليرى أنها تبحث عن مياة حتى وجدتها وظلت ترتوي حتى قاربت على الإنتهاء ما يقارب من لتر ونصف اللتر من المياة.. ثم أخرجت احدى أنواع الجبن والخبز لتصنع شطيرتان وتناولتهما وهي تحكم الغطاء على جسدها ثم توجهت بمنتهى الثقة بعد أن بدأت في تمالك وعيها واستعادة توازنها وهي تكمل الطعام ليتابعها بعينيه فرآها تقوم بصنع القهوة وقد وضعت الكثير منها في الإناء ثم قامت بسكبها في الكوب بعد أن نضجت وإلي الآن لم تنظر هي نحوه ولم يتبادلا ولو كلمة واحدة..
تجاهلته تماما وشعرت أن الصداع وآثار الخمر التي أدركت أنه دسه إليها في الطعام قد بدأت في الزوال بنسبة بينما معدتها بها الكثير من التعقيدات التي تشعر بها ولكن بوجه عام أفضل بكثير من وقت استيقاظها..
أمسكت بالكوب أسفل نظره ثم عادت مرة أخرى حيث الطابق العلوي وهو يتبعها وقد بدأ صبره في النفاذ مما تفعله فهذه ليست بإمرأة مندهشة مما فعله بها وليست بخائفة منه بعد كل ما فعله ولا حتى يرى إنعكاس أي تأثر على وجهها أو تصرفاتها وظل خلفها حتى عادت لغرفته وجمعت أشياءها مرة أخرى في حقيبتها ثم أمسكت بها وتوجهت نحو ما تبينت أنه الحمام الملحق بغرفته بعد أن تفقدت الغرفة بنظرة سريعة من عينيها التي استطاعت أن ترى بهما بشكل أفضل الآن وأوصدت الباب خلفها..
تتناول المسكن، المياة، الإفطار، القهوة.. أتريد أن يطلب لها خدمة الغرف حتى يعدوا لها السرير مرة أخرى؟! اللعنة أتستحم؟! لم يتوقع ذلك ولم يتوقعها بكل ذلك الهدوء الذي يبدو منها، ربما هو الهدوء الذي يسبق العاصفة..
ظل منتظرًا على الأريكة حتى خرجت هي وقد رآى شعرها مبتلًا وقطرات المياة تنساب على ثوب استحمامه الذي ترتديه ومن أسفله قد لاحظ أنها ترتدي بنطالها، يكره النساء عندما تستخدمن متعلقاته.. ولكن رؤيتها برداءه لم يكرهه، بل يشعر بالإعجاب، ولكنه لا يدري لماذا!
"القميص اللي كنت لابساه فين؟" سألته دون ملامح على وجهها ولكن ما أستفزه هو تناولها لكوب القهوة وكأن شيئًا لم يحدث ليزفر بملامح مبهمة
"مش فاكر" يستفزها! حسنًا!
أكملت كوب القهوة بمنتهى التريث والهدوء ونظرت بعينها لتجد أن هناك بابًا آخر غير باب الحمام فذهبت نحوه وفتحته لتجد أنها غرفة ملابس فتفقدتها سريعا وتناولت ما بقي في الكوب ثم توجهت للداخل أسفل نظره ليشعر أنه قارب على الإنفجار، فكل السيناريوهات التي نسجها بعقله قد ذهبت مع الريح!
أوصدت الباب خلفها ثم اخذت احدى قمصانه الرياضية ذو أكمام قصيرة لترتديها ومن ثم تناولت قميصا أبيض اللون وارتدته فوقه وأخذت ترفع أكمامه لتجد أن الباب يُفتح فلم تلتفت ولم تتحرك حتى انتهت من ارتداءها للملابس ثم أمسكت بثوب الإستحمام لتجفف به ما بقي من ابتلال بشعرها الطويل ولم تكترث لإنتهاءها من تجفيفه لتتركه ينسدل على ظهرها مرة أخرى وتوجهت للخارج لتجده يعرقل طريقها فما كان منها إلا أن دفعته بمنتهى عدم الإكتراث..
ذهبت لترتدي حذاءها الذي لاحظته بجانب السرير ومنها إلي الحمام لتُمسك بحقيبتها ثم غادرت الغرفة ويبدو وكأنها ستغادر المنزل بأكمله ليوقفها شهاب ببحته الرجولية وهي واقفة بجانب الباب
"انتي رايحة فين؟"
"ماشية" التفتت إليه وهي تحدثه بهدوء
"يعني بعد اللي حصلك متأكدة إنك تقدري تمشي لواحدك؟"
"اللي حصلي، اللي هو انت السبب فيه؟!.. ممكن امشي لواحدي سنين ولا إنك تيجي تقولي هاوصلك" ابتسم بسخرية
"انتي فهمتي إيه بالظبط من اللي حصل؟" عقد حاجباه منتظرا ما ستجيبه به
"اللي حصلي إن جوزي مات.. ودخلت في اضطرابات وحالة اكتئاب.. بس أنا علشان إنسانة قوية كان لازم أواجه الحياة.. ومواظبة على أدوية ومضادات اكتئاب، شوفتها وأنت بتفتش شنطتي أظن، وعلشان أنا إنسانة محترمة وكويسة وبفترض حسن الظن في الناس جيتلك، على أساس إن النهاردة ميعاد الجلسة، وعزمتني على الأكل وأكلت.. بس اللي مكنتش أعرفه إنك حطيتلي خمرة في الأكل اللي قولتلك قبل كده إني مبشربهاش.. وعلشان مضادات الإكتئاب اتفاعلت مع الخمرة حصلي اللي حصلي!! الصورة كده واضحة قدامك؟ كده شرحتلك أنا فهمت إيه؟" هزت رأسها بإبتسامة ساخرة
"واحد جبان ملقاش حل معايا غير إني أكون سكرانة قدامه علشان حاجة أنا معرفهاش! واحد جبان لدرجة إنه مجاش سألني بصراحة أو طلب مني بصراحة وبطريقة مباشرة هو عايز إيه.. كان عايزني مش فايقة.. عرفت يا جبان!" رفعت احدى حاجبيها بإماءة لترى ملامحه تحولت للغضب وعقدة حاجباه ازدات بشكل مبالغ فيه
"يا ترى عايز تعرف إيه؟" اتجهت نحوه بمنتهى الجرأة "حطيتلي الزفت ده في الأكل ليه؟" اقتربت أكثر وهي تواجهه "إيه الصعب اوي في إنك تسألني عن حاجة أو تطلب مني حاجة؟" نظرت لها بإحتقار وهي تُكمل "عمري أتأخرت عنك في حاجة؟"
"بقولك إيه اتـ.."
"لأ أنت مش هاتتكلم، أنا مش هاسمع حرف منك" قاطعته بمنتهى الحزم "أنت اللي هاتسمع يا شهاب علشان دي نهاية التعامل بيني وبينك لأني مش هاستحمل اتعامل مع واحد مريض زيك" نظرت له بمزيد من الإحتقار الذي امتزج بخيبة الأمل
"عارف، أنا أتأكدت إنك معملتش كده علشان مثلا تنام معايا، يبقى عملت كده علشان تستدرجني مثلا أتكلم أو أقول حاجة.. بس خليني أوضحلك الموضوع من الأول خالص.. من أول ما كنت في الشركة عندك.. قابلتني بوش شهاب الحقيقي، شهاب المريض اللي بيتنك وبيتعالى على اللي اقل منه، ولما سبتك وروحت صليت اتضايقت اكتر!
لما رجعتلك والموضوع دار في دماغك وحسيت إنه مشروع كويس ليك والناس هتقول بص شهاب الدمنهوري بيعمل إيه عجبتك الفكرة ورميت الساعة في شنطتي علشان بكل جبروت تجبرني مامشيش وفي نفس الوقت متبانش إنك أنت اللي عايزني..
قولت مش مهم، مريض بس أهم حاجة بالنسبالي المشروع اللي ممكن ربنا يقبله ويبقى ثواب وصدقة جارية على روح جوزي.. كملت معاك، لقيت واحد تاني خالص في منتهى اللطافة والإحترام.. اقنع بابا وماما في ثواني إني شغالة معاه، وقعدت واتعرفت على اهلي بمنتهى الذكاء واللي كان يشوفك معاهم ميشوفكش أول يوم.. ولا مش بعيد تكون دورت ورايا كويس ولقتني إني صح في كل كلمة بقولهالك..
قولتلي نكون اصحاب قولت وماله، ووالله أنا مكنش عندي مشكلة، ولا بلاش حلفان أنت مش بتقتنع بالحاجات دي.. أنا قولت ايه المشكلة من عندي اصحاب رجالة كتير، معاذ وهاشم وغيرهم واعتبرتك فعلًا صاحب.. صاحب بالرغم من اللي أنت فيه ومش حاسس بيه ولا هتحس حتى بيه غير بعد فوات الأوان.." ابتلعت وهي تلتقط أنفاسها لتختلف ملامحه بينما أكملت
"لما عرفت صدفة إنك أخو هبة فهمتك، فهمت إنك فاكر إني متسلطة عليك منها أو من مامتك.. بس مرضتش أصدك، وقولت يمكن المشاكل اللي ما بينهم كبيرة، خصوصا إن عمر ما هبة حكيتلي اللي حصل زمان ولا عمر مامتك قالت لحد حاجة.. ووافقت أكمل معاك في المشروع بالرغم من إن صاحبة عمري اتخانقت معايا علشان عزمتك على قراية فاتحة هاشم وفريدة
كملت معاك، قولتلي جلسات قولت وماله، اعتبرتك صاحبي بجد وحد أنا بهتم بيه، بالرغم من نظراتك اللي أنا فاهماها كويس وأسلوبك القذر معايا اللي بيتعدى الحدود اللي فاكر إنك بتحافظ عليها بس قولت معلش.. يمكن هيفهمني مع الوقت وهيلتزم بالحدود..
لف ودوران وعدم صراحة، كدب طول الوقت وأنا مكملة فيه قولت لعل وعسى صعب عليه يتكلم معايا أو عمره ما جرب يتكلم، واحترمتك واديتلك الفرصة بعد الجلسة اللي اتكلمت فيها وأنت مضايق وقولتلك يالا نخرج.. فاكر يومها حصل إيه؟!
الوش التاني ظهر، قولتلي بالحرف اجيلك دوغري واقولك عايزة منك إيه.. وسيبتني في الطريق، وأظن بعدها مجتش جانبك لغاية ما جيت قراية الفاتحة واعتذرت بنفسك.. بس رجعت اتحولت تاني في نفس اليوم لسبب أنا مش عارفاه.. بس فاكرة كويس اوي من امتى، من ساعة ما شوفت أسما وإياد..
أنا فعلا قولت أنا عمري ما هتعامل معاك غير على أساس إنك اتبنيت المشروع وأخو هبة وهاشم ومش أكتر من كده.. وأظن ساعدتك معاهم.. وأنت اللي فضلت تلح وتزن على موضوع الجلسات لغاية ما جيتلك النهاردة! وفي الآخر بمنتهى الجُبن عملت اللي عملته! عايز إيه مني؟ أظن أنا مش سكتي مثلا إني ادخل معاك في علاقة.. وأظن لو كان ليا غرض غير المشروع كان بان ولا كنت عرفته عني طول الشهرين اللي فاتوا..
بس تعالى بقى أقولك الحقيقة اللي عمرك ما هتقبلها ولا هتحس بيها" رطبت شفتيها لتلتقط نفسا مطولًا وعادت لتتحدث
"أنا لما قعدت مع مسجونين عرفت اقفش الكداب من الصريح، عرفت من خبرتي ولو كانت على قدي شوية مين اللي فعلا محتاج مساعدة من اللي بيماطل زيك..
أنت مريض، سيكوباتي، عندك بارانويا شديدة.. مش قادر تفهمني مش كده" ابتسمت له بسخرية عندما رآت على ملامحه السخرية وهو يطرق برأسه للخلف في إنكار وإستهزاء
"السيكوباتي هو واحد زيك، مبيتأثرش بمشاعر، زي ما انت متأثرتش وقت خطوبة اخوك، او وقت ما عيطت في شقتي أنا وماهر ولا ظهرت أي شفقة أو تعاطف، زي يوم ولادة بنت هبة لما مشيت وجريت علشان تهرب من احساس بريء كان هيتكون جواك فصديته..
السيكوباتي واحد زيك ذكي، مبدع في تصميماته، بيقدر يقنع اي حد زي بابايا ومامتي بموضوع الشغل اللي اخترعته في ثانية، أو إن هاشم يكمل في الخطوبة وميروحش لأخته اللي بتولد، او حتى يقنعني بمنتهى الإستغلال وانتهاز الفرص بإنه يقرب مني في العربية ويهديني.. منتهى المراوغة في التصرفات.. منتهى الإستغلال لما قربت مني يوم ما روحنا نشوف المشروع، ولا نسيت؟!
السيكوباتي هو أنت وانت كل شوية بتحس بالملل وتفضل تقول في كلام وتفتح في مواضيع وخلاص.. السيكوباتي هو إنسان استحالة يتحمل مسئولية اخطاءه زيك لما كنت بتعتذرلي وانت مش مقتنع إنك غلطان.. فيك نرجسية وانت فاكر إني بجري وراك علشان سبب تاني مع إني كنت واضحة معاك من الأول!
عارف يعني إيه سيكوباتي.. يعني أنت وأنت بمنتهى العدوانية بتعاملني وكأني عايزة منك حاجة تانية أو داخلة حياتك لغرض تاني غير اللي صارحتك بيه.. بس بترجع كل مرة علشان لسه مستني تشوف مني إنجذاب ليك، أو تشوف مني أي حاجة تخليني عايزاك وأقولك متبعدش عني..
السيكوباتي يا شهاب هو أنت، بالرغم من العلاقة اللطيفة اللي كانت بتجمعنا أنت بدون أي شعور بالذنب ولا تأنيب ضمير حطتلي خمرة في الأكل وقلعتني هدومي.. بتتبسط لما بتأذي حد مش كده؟! بتتبسط لما تحس إنك أنت الأفضل والأغنى والأحسن والأحلى.. لما بتسيب فلوس كتيرة للناس!! لما بتفتكر إن كل اللي بيتعاملوا معاك شايفينك حد عظيم اوي.. وبتموت جواك لو اترفضت من حد..
البارانويد هو أنت لما فتشت شنطتي، لما شكيت فيا وقولتلي عايزة إيه مني وتعالي دوغري.. ورجعت للسيكوباتي لما سبتني في الطريق لواحدي بليل.. البارانويد اللي فاكر إن كل الناس عايزة منه أغراض تانية غير اللي بيصارحوه بيها وبيفضل طول الوقت يشك فيهم! علشان كده انت بالك مشغول دايما بالشك في كل حد وكل حاجة..
عارف هتحس بمشكلتك امتى يا شهاب، لما تحقق أعلى طموحاتك في شغلك بس تحس بالوحدة، لما تحس إنك لواحدك والناس كلها بتتهرب منك وبيرفضوك ومش طايقين يبصوا في وشك.. عندك أصحاب؟ طب كويس مع قرايبك؟ أخواتك اللي مشوفتش في طيبتهم واخلاقهم اللي بتتخنق لما بتتجمع معاهم، أنت كويس معاهم؟ عندك واحدة بتحبها وبتحبك؟ أولاد؟! حياة!!
أنت محتاج تدخل أخصائي وبسرعة.. يصححلك أفكارك الغلط اللي أنت ماشي بيها.. وقيس بقى كل الكلام ده على واحدة عرفتك في شهرين بس!
ارجع فكر في اللي فات هتلاقي مواقف مشابهه كتير وبقيت كده ازاي وليه.. روح شوفلك دكتور شاطر يساعدك قبل ما تقتل وتغتصب الناس وساعتها هتلاقي نفسك بتنتهي في السجون.. أنا والله كنت ناوية أساعدك، أسمعك مهما كان إيه اللي مخبيه، كنت ناوية أقف جنبك، عمري ما كنت هابصلك بصة مش كويسة حتى لو كنت قتلت ألف واحد وأغتصبت ولا سرقت ولا حتى كنت شيطان، أنا أكتر واحدة ممكن تساعد حد وعمري ما ببص وبحكم على شخص من غير ما أعرفه كويس..
كنت فعلا معتبراك صاحب ليا ولو تفتكر كنت بفضفضلك كتير بره الجلستين اللي قعدناهم مع بعض عن تفاصيل كتيرة من حياتي.. بس أنت دمرت كل حاجة باللي عملته النهاردة! ويكون في علمك أنا مش هاكمل المشروع ده ومن النهاردة أنت معرفتش واحدة اسمها فيروز.." زفرت حتى شعرت أنها أخرجت عبء بداخلها ونظرت إليه نظرة أخيرة بخيبة أمل وهي تشعر بالفشل لأنها قد استسلمت أمامه
"معاك التشخيص، بالمواقف اللي بتفسرلك كل حاجة.. شوفلك دكتور! سلام يا شهاب" توجهت لتذهب نحو الباب ليتبعها في صدمة ووجدت أن الباب لا يزال موصدا بالطبع فهو يستخدم ذلك الرقم السري والتفتت لتجده خلفها وقبل أن تسمح له بالكلام صاحت بغضب
"أقسم بالله لو ما فتحت الباب ما هاخلي فيك فتفوتة سليمة.. وهاخرج وهنط من على السور وهاعرف اتصرف.. اخلص وافتح الباب"حدثته بنبرة ارتفع بها صوتها بمنتهى الحزم والإصرار
"فيروز اسـ.."
"ولا كلمة! أظن اديتك فرص بما فيه الكفاية.." قاطعته لينظر هو لها بنظرات مبهمة لم تستطع فرآتها ولم تكترث حتى لتحاول أن تقرآها فلقد طفح الكيل من تصرفاته لتجده يمد يده وهو يطبع الرقم السري لتفتح هي الباب على استعجال ثم غادرت بلا رجعة!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .