-->

الفصل الحادي والعشرون - شهاب قاتم

 



 



الفصل الحادي والعشرون


"فيروز!!" همست هبة في صدمة "ادخلي"

"سالم هنا؟" سألتها وملامحها لا تبشر بالخير ولم تتوجه للداخل 

"لا ده نزل النهاردة مع أصحابه.. ما انتي عارفة إن النهاردة اجازة وبيبقى عند مامته واصحابه" أومأت لها فيروز التي دلفت منزلها "إيه يا بنتي اللي انتي لابساه ده؟" 

جلست وهي تمرر يدها بشعرها ثم وصلت وأخيرا لدرجة من الإنهيار، بعد أن تصرفت بمنتهى الجرأة معه من حقها فرصة للتعبير عن كل ما تشعر به دون الإختباء ودون التظاهر ودون محاولات مُرهقة في إظهار خلاف ما تبطن..

"يا بنتي مالك؟" آتت هبة وهي تجلس بجانبها 

"أنا فشلت يا هبة.. فشل ذريع.. أنا عمري في حياتي ما كنت كده" وضعت وجهها بين كفيها وشعرت بداخلها بإنهيار شديد 

"اهدي بس وفهميني ايه اللي حصل" ربتت على ظهرها في حنان 

"شهاب.. أنا لسه راجعة من عنده.. أنا متصورتش إني أعمل معاه كل ده.. أنا بمنتهى الغباء بوظت كل حاجة" 

"يا بنتي ما كفياكي الغاز وقوليلي إيه اللي حصل" احتدت نبرتها قليلا 

"أنا كنت عمالة اماطل معاه أصلا.. بسبب موقف كده كان عمله قبل خطوبة هاشم وفريدة.. ولما روحتله عمو بدر كان محذرني إنه ممكن يخدرني بناءا على موقف عمله مع حد.. روحت واخدت مثبطات وأكلت، كان حاطيتلي خمرة في الأكل، اتفاعلت مع المثبطات ونمت عنده يجي ساعتين، صحيت على قد ما كنت تعبانة بس خلاص مكنتش شايفة قدامي من كتر العصبية، أكلت وشربت قهوة ومياة واستحميت وغيرت قميصي الظاهر اتبهدل من الأكل أو رجعت تقريبا.. ورميتله التشخيص في وشه وقولتله إنك مريض وقولتله إن النهاردة متعرفش واحدة اسمها فيروز ومشيت" 

رفعت هبة حاجبيها في تعجب ولكنها كانت تعلم منذ البداية أن الأمور قد تصل للأسوأ ولكنها هدأت وشعرت بالإمتنان أنها لم يصبها أكثر من ذلك 

"هاار أسوح!! دماغه قذرة" تنهدت ثم نهضت لتنظر لها وأصبحت في مقابلها "فيروز، أنتي كنتي عارفة رأيي من الأول وياما قولت ابعدي، ووالله ما شماتة ولا بتعامل معاكي بأسلوب جالك كلامي.. بس أنا شايفة من الأول إنك تبعدي عنه.. وفاهماكي، فاهمة إنك بعد الفترة الطويلة اللي اخدتيها بعد وفاة ماهر كان نفسك تحققي إنجاز كبير، وشخصية شهاب صعبة جدا.. لكن أنا كنت شايفة إن واحد بالدماغ دي عمره ما هيستجيب"

"لا يا هبة أنا شوفته بيستجيب، أنا حسيت بده، يوم الخطوبة، وساعة ما شاف جميلة، وقبلها لما ضغط عليه في مرة كان هيتكلم.. وقالي على حاجة بسيطة من طفولته، كان متأثر و.."

"فيروز انتي متعاطفة معاه؟" قاطعتها لتقطب فيروز جبينها وهزت رأسها في نفي وهي تنظر لها بغير تصديق 

"لا طبعا.. لا طبعا استحالة.. أنا.. انتي عارفة فرحتنا بتبقى عاملة ازاي بأي حالة بتستجيب، يعني مثلا لما بتساعدي مدمن إنه يبطل ويعدي على شهر واتنين وتلاتة وسنة، مبتبقيش فرحانة؟" 

"ببقى فرحانة، ببقى طايرة من الفرحة ومليانة طاقة إيجابية.. بس بيبقى ما بيننا صراحة، ثقة بين المعالج والحالة، بيبقى فيه استجابة من الشخص اللي قدامي إنه فعلا عايز يبطل ومحتاج مساعدة ومقتنع إن عنده مشكلة" 

"أنا والله كنت بحس إنه بيتـ.." 

"فيروز، انتي بتقولي بحس!! انتي مش مطالبة تحسي بالحالة، أنتي مطالبة تفهاميها وتساعديها" قاطعتها لتنظر لها فيروز بنظرات متفرقة في تشوش وخيبة أمل لتتحول ملامحها للحزن لتعود هبة وجلست بجانبها وجذبتها في عناق

"انتي لما شوفتي الراجل اللي اسمه بدر الدين شوفتي ماهر فيه، أنا عارفة ماهر كويس، وعارفة إن زي ما ماهر كان بيحب يساعد الناس انتي حسيتي إن بدر الدين نسخته التانية.. هو اللي شجعك.. بس الأسلوب من الأول غلط، كنتي عايزة تعملي إنجاز وتثبتي لنفسك إنك لسه فيروز اللي بتعمل تقدم في الحالات الصعبة.. اللي مؤمنة بالتغيير والفرص التانية ومساعدة الناس.. عايزة تثبتي إنك فترة وعادي هترجعي زي الأول.. بس فيه حاجات كتيرة بتغيرنا يا حبيبتي، وإنك تبدأي بحالة زي شهاب مكنتش الإختيار الأحسن.. يعني كان نفسي ترجعي المصحة والمدرسة الأول وبعدين تفكري في حالة زي حالته.. بس ادينا بنتعلم، بناخد خبرة وبنجرب.. متجراش حاجة لو اتكعبلنا في الطريق.. رجلينا هتوجعنا شوية وبعدها هنرجع نمشي.. ده غير إنه عيل خنيق وسخيف ومناخيره في السما وميستاهلش والله" أخبرته مازحة في النهاية عندما شعرت بها تبكي 

"بس كان نفسي أوي انجح معاه.. حتى لو بنسبة صغيرة" همست في حزن وهي تجفف احدى دموعها 

"ياختي قومي انجحي مع جميلة بدل وشه العِكر!! شوفيها عايزة تغير ولا تاكل.. امال بس أنا هاجيلها مخصوص وهاعمل وهاعمل وسايباها في الآخر ورايحة للمبوز ده.. جته البلا في شكله" حدثتها في غيظ ولكن بنبرة مازحة 

"والله حرام عليكي.. بقى ده وشه عِكر!" 

"عاجبك اوي ياختي.. جتك وكسة انتي وهو.. وأنا غلطانة إني بكلمك.. أصلا المفروض اقطع علاقتي بيكي" رفعت احدى حاجباها وهي تفرق عناقهما 

"انتي هتلاقي زيي فين اصلا" التفتت لتنظر لها هبة في غرور 

"هلاقي زيك فين فعلا.. مفيش حد في الدنيا مجنون زيك.. قومي ياختي اقلعي لبسه اللي لابساه وخديلك حاجة من عندي وابقي قوليلهم اللبن بتاع جميلة وقع على هدومك.."

"انا صحيح عايزة اسألك.. هو لو شهاب جالكو تاني او حاول يرجع العلاقات معاكو كويسة او.."

"لا حول ولا قوة إلا بالله، احنا ملناش سيرة غير زفت ده" قاطعتها في ضيق والإنزعاج تحكم بملامحها "سيبك بقى من علم النفس وشغل فرصة تانية وبرنامج المسامح كريم والهري ده.. احنا بشر يا فيروز.. شهاب مش عايز يرجع العلاقات ولا هباب، لو كده كان ابتدى بماما، هو بس جاي يتمنظر بفلوسه وإنه احسن مننا وعايزنا نستجيب للهبل بتاعه ده والحركتين علشان يثبت لنفسه اننا بنحاول نعرفه علشان فلوسه واننا طمعانين فيه.. وأنا عمري ما هسامح على حرقة قلب ماما وهي بتحاول توصله من واحنا عيال وفي الآخر بعد ما باباه ده رجع يتكلم مع ماما شهاب نفسه يُرفض مكالماتها، وكله كوم ويوم العزا بتاع باباه كوم تاني، ده كان ناقص يطردنا، أو هو فعلا طردنا.. أنا مش قابلة الإنسان ده خالص ولا عمري هاقبله" 

أخبرتها لتزفر في النهاية بإنزعاج بينما نظرت لها فيروز في حُزن فهي تعلم حقيقة ما حدث ولكن لا تستطيع إخبارها بحقيقة الأمر، لابد وأن والدتها هي التي تخبرها، أو شهاب.. سوى ذلك هي لا تستطيع التدخل في الأمر

"وبعدين جرا إيه يا فيروز.. انتي متعاطفة معاه أوي كده ليه؟" نظرت لها تتفحصها مضيقة ما بين حاجيبها 

"أنا، لا خالص" مطت شفتيها وهزت كتفيها بعفوية

"قومي قومي غيري واطمني على جميلة وتعالي نتفرجلنا على حاجة تغير المود.. جتك نيلة بمجايبك السودا دي ياختي.. بركة إنك خلصتي من الموضوع المقرف ده" 

"جزمة" تمتمت إليها فيروز في ضيق تصنعته ثم نهضت لتفعل ما تُخبرها به..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

"اتجوزت، واتمرقعت بما فيه الكفاية، بدل شهر العسل اتنين، ونمس زي ابوك ومراتك حامل.. واجازة جملي على الآخر.. مش تشوف شغلك يا حيلتها بقى" حدثه بدر الدين ليزفر سليم في ضيق

"والله نازل بكرة اهو.." 

"ده أنا معملتهاش في جوزاتي الاتنين!"

"ماشي يا عم خلاص عرفنا، رايح بكرة ورحمة امي.. ومتجيبش سيرة الحمل ده لحد علشان أنا مقولتش لحد غيرك وكمان زينة لسه مش هتقول لحد دلوقتي" 

"طيب يا اخويا.. صحيح، ابقى خلي زينة تروح من فترة للتانية وتزود زياراتها لهديل وأروى.. وانت كمان روح برضو لبنت عمتك وهدي الجو معاها، كفاية اللي حصلها" امتعضت ملامح سليم 

"ما هي عندهم من الصبح اهو! اعمل إيه تاني!! اهلها تروحلهم، وأنا عمتي وولادها كلهم على راسي، إنما الكلبة اللي اسمها أروى دي ولا بعد مليون سنة هقبلها تاني" حدثه في إنزعاج 

"يابني البنت هيجرالها إيه أكتر ما جرالها.. شلل واغتصاب وحاجة يعني لو عذاب جهنم مش هايبقى كده"

"ربنا يقومها بالسلامة وتحل عن دماغنا بقى" 

"ما هي لما تقوم بالسلامة هترجع الشغل يا ناصح.. وهتشوفها كل يوم"

"يووه يا بابا بقى! بص أروى دي بالنسبالي واحدة في الشغل وخلاص.. أكتر من كده مش هاقبلها، دي زيها زي التعابين وعمرها ما تبطل شغل قذر وبكرة يجيلك كلامي" صاح بضيق

"لا ناصح يا حيلتها.." نظر له متهكما

"هو انت مبتفكرش غير في البلاوي، مش مبسوط إنك هتبقى جدو وهتعجز وكده متفرفش بقى شوية، ولا باينك عجزت يا بدور" أخبره ممازحا

"لا يا أخويا معجزتش، واتلم بدل ما أقوم أوريك مقامك دلوقتي وأخلي وشك مالوش ملامح"

"خلاص يا حاج صلي على النبي"

"عليه الصلاة والسلام.. قوم يا حيلتها هات مراتك علشان تتعشا معانا.."

"حاضر يا عم!"

نهض سليم ليتابعه بدر الدين بعينيه بسعادة شديدة، هو لا يُصدق أنه سيُصبح جد، لقد مر العمر في ثوانٍ، منذ أن داعب شعره في براءة شديد بتلك المشفى منذ أكثر من عشرون عاما إلي الآن.. وها هو سيُنجب.. كيف مرت السنوات في لمح البصر هكذا؟ كيف تقدم العمر به بهذه السرعة الشديدة؟

توسعت ابتسامته ثم لانت في حُزن عندما تذكر أمر شهاب، اليوم هو موعد الجلسة والساعة قاربت من التاسعة.. يتحرق شوقا ليعرف ما الذي حدث، يدري وكأن الأمر برُمته فكرة سخيفة للغاية.. إلي متى سيتمر في صُنع عرقلات بعمله، لابد وأن تنتهي بفترة ما وإلا قد يرتاب بالأمر.. 

هل عليه أن يصل لذوي النفوذ ويُسلمهم ما معه من دلائل على مصائبه؟ هل يا تُرى إذا فعلها سيكون رده هينا؟ ابتسم في سخرية وهو يُفكر، فشخص كشهاب وقتها قد يقتل أفراد عائلته بأكملها ولن يرف جفنه في خوف!! كيف عليه النجاة بالجميع دون التعرض لفاجعة على يد ذلك المختل؟!

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

"أنا مبسوطة اوي اننا قعدنا نتكلم مع بعض" ابتسمت لها بعذوبة وابتسامة حقيقية صادقة وهي تُمسك بيدها في دعم "احنا اخوات يا أروى.. تعالي ننسى القديم كله.. وأنا بعتذرلك لو ضايقتك في أي حاجة.. تعالي نفتح صفحة جديدة مع بعض.. اديكي شايفة اهو إياد وماما وعاصم وأنا كلنا بنتغير، الدنيا بقت هادية وجو البيت الحمد لله بقى أحسن.. انسي كل اللي فات وخليكي قوية.. خلي عندك عزيمة إنك تقومي تاني وتشتغلي وتبقي أروى الجامدة اللي كلنا عارفينها وبنحبها" أخبرتها زينة وهي تنظر لها لتدعي أروى ابتسامة

"حاضر يا زينة، هاكون كويسة متقلقيش" 

"إن شاء الله يا حبيبتي، وأنا أول واحدة هاكون جنبك.. هجيلك كتير وهنخرج ونتفسح ولو عايزانا حتى نرجع الشغل أنا معنديش مشكلة.. وبعدين خديني مثال.. فاكرة نوبات الصرع اللي كانت بتجيلي!! أنا لما اتكلمت مع حد متخصص قدرت اتغلب عليها وعرفت ازاي اخلص من الإضطرابات اللي عندي ولسه مكملة.. لو شايفة إنك مش هتقدري تحكيلنا احكي للدكتور بتاعك وهو اكيد هيساعدك" 

أومأت لها بإبتسامة مُزيفة وقبل أن تبحث عن تلك الجُمل المجاملة والممتنة التي تتحدث بها منذ الصباح فلقد نفذ صبرها وسئمت تظاهرها بالإبتسام والتصديق على كلمات تلك التافهة الصغيرة الأفعى التي تمكنت من كل ما حلمت هي به طوال حياتها وآخذته في غفلة منها دلف عاصم ليُقاطعهما

"زينة.. معلش بس سليم بره وعايزك" أخبرها عاصم لتومأ هي له وشعرت بقليل من الحرج بينما شعرت أروى بالحقد، هو لا يُريد أن يراها إذن! بعد عودتهما زينة هي الوحيدة من تتحدث لها، أمّا هو فلا يفعل.. جيد، جيد للغاية.. ستنتقم من كليهما ولن تنتهي حتى تراه يبكي على من اتخذها زوجة له

"هاجيلك تاني يا حبيبتي.. ولو محتجاني في أي وقت الموبيل موجود" ابتسمت إليها وأقتربت لتقبلها في أخوة وود "باي يا أروى" 

"باي يا حبيبتي.." ابتسمت لها وهي تودعها ليجلس عاصم بالقرب من أروى 

"أخيرًا.. أنا مش عارف اتلم عليكي من الصبح" تحدث إليها زافرًا في راحة

"أنا شايفاك من الصبح رايح جاي، جاي رايح وحاسة كده إنك عايز تتكلم معايا.. قولي بقى فيه إيه" 

"بصراحة يا أروى أنا فيه حوار كده، ومش عارف.. يعني انتي اقرب حد ليا، وفي الأيام الأخيرة بقينا أصحاب أكتر و.."

"ما تتكلم يا عاصم.. إيه المقدمات دي كلها.." قاطعته وهي تبتسم له ليحمحم هو بقليل من الإرتباك 

"انتي عارفة لميس مش كده؟ اللي قابلناها مع عمرو صدفة!" ضيقت عينيها بنظرة ذات معنى..

"أيوة! بس مش مظبطة مع عمرو ولا حاجة؟" حدثته بتأكيد 

"لا لأ.. مظبطة إيه! دول اصحاب أصلا وكل بلاويه معاها! ده هي تقريبا الحد النضيف اللي في حياته"

"أصل سمعته سبقاه وهي معاه طول الوقت ويعني.."

"لا لا أنا أتأكدت بنفسي هي ملهاش في الكلام ده خالص" قاطعها نافيا مجرد الفكرة

"طيب كويس وبعدين"

"وبعدين..أنا، قربت منها و.."

"أيوة!" رفعت حاجبيها ونظرت إليه بإبتسامة 

"أنا بحبها يا أروى.. بحبها أوي ولأول مرة حاسس إني عايز آخد خطوة مع بنت" توسعت ابتسامتها

"طيب ما تاخد.. حد مانعك" 

"بصراحة فيه موضوعين، وخايف ماما تقفش! وعارف إن محدش غيرك هيساعدني" تنحنح وهو ينظر لها في ارتباك 

"اللي همّ؟!" نظرت له في ترقب شديد

"الأول إن مستواهم يعني مش احسن حاجة.. وعلى فكرة ده الموضوع السهل.." زم شفتاه لتنظر له هي بمزيدا من الإهتمام..

"والتاني؟"

"والدتها.. بعد ما أطلقت من بابا لميس، اتجوزت.." حمحم في ارتباك ولكنه تابع "اتجوزت واحد اسمه كريم الدمنهوري" نطق كل كلمة من جملته بصعوبة لتندهش أروى وارتبكت ملامح عاصم وساد الصمت لفترة..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

"يالا بقى روح نام علشان مدرستك الصبح" ابتسم له شهاب في ود زائف

"حاضر.. thanks for today.. بجد أنا اتبسطت اوي" أخبره حازم ثم توجه نحوه يعانقه بشدة لتتشنج ملامح شهاب وابتلع في ارتباك ولم يكن هناك مفر من مبادلته "هتيجي تقعد معايا تاني؟" سأله ببراءة وهو يحتضنه

"آه هاجي" اجابه بإقتضاب

"أوك.." أخبره ثم ابتعد قليلا عنه "على فكرة أنت طلعت كويس وطيب.. وأنا كان نفسي دايما نبقى مع بعض.. وكان نفسي نبقى اصحاب.. زي النهاردة كده.. كان نفسي من زمان أشوفك ونخرج سوا" زفر شهاب وهو يُفكر سريعا بم عليه أن يقول فهو لم يتعامل مع الأطفال من قبل ولكنه بسرعة عاد لشهاب ذو الثمان سنوات، ماذا كان يريد وقتها 

"ادينا أهو بنخرج ومبسوطين وهنخرج أكتر في أيام اجازتك.. أنا بس كنت مشغول شوية" هذا كان كل ما استطاع التوصل إليه وابتسم له وربت على رأسه 

"حاول كل ما يكون عندك free time تقعد معايا، أنا بزهق اوي يا شهاب من القاعدة لوحدي.. مبحبش اقعد لوحدي.. وبزهق من الايباد والبلاي ستيشن.. ومامي خلاص مبقتش بتحبني، أنا كنت دايما بكون معاها، مش بعرف اقعد لواحدي" أخبره في حُزن طفولي..

"أوعدك هنقضي وقت كتير مع بعض بعد كده.." عانقه مرة أخرى بينما شعر شهاب بداخله بثقل من نوع غريب عليه 

"أوك.. good night" 

"يالا.. good night يا حبيبي" ابتسم له بينما ذهب حازم ليُتمتم شهاب بداخله "good night يا ابن بنت ابو يوسف" امتعضت ملامحه في تهكم ليريح ظهره بالكرسي خلفه واشتعلت رأسه بالتفكيرالذي حاول أن يوقفه ولكنه لم يستطع.. 

منذ أن تركته من ساعات واتصلت به عنايات لإخباره أن حازم لا يكف عن البكاء وآتى إلي هنا فقط ليزرع كراهية زوجة والده في قلب وعقل هذا الصغير وهو لا ينسى حديثها إليه! أتظنه مجنون؟ المريض النفسي مجنون!! أتعلم تلك المرأة عن ماذا تتحدث؟ شهاب الدمنهوري بكل ما فعله مجنون؟!

ابتسم في سخرية بينما أطبق أسنانه وهو يُعيد حديثها برأسه للمرة الألف ليشعر بالغضب الشديد وتقززت ملامحه بعنف وأخذ يُحلل برأسه كل كلمة قالتها 

"واحد جبان ملقاش حل معايا غير إني أكون سكرانة قدامه علشان حاجة أنا معرفهاش! واحد جبان لدرجة إنه مجاش سألني بصراحة أو طلب مني بصراحة وبطريقة مباشرة هو عايز إيه.. كان عايزني مش فايقة.. عرفت يا جبان!"

إذن هي صادقة، لقد كانت تحمل مضاد للإكتئاب، لقد رآه بنفسه في حقيبتها، واختلط به النبيذ حتى تفاعل معه.. ولكن جبان!! هي حتى لا تعرف ما الذي تتحدث عنه!! 

رغما عنه ذهب عقله بعيدا.. منذ عدة سنوات.. عندما تجرأ على القتل لأول مرة بحياته.. ليربط حديثها بذلك الموقف!! لا شهاب الدمنهوري بعيد كل البُعد عن وصفه بالجبان!

"يبدو أن النساء لم تكذب، عنيفا ولكن تعرف كيف تمتعهن!" حدثته كلوديا بدلال ولن يُنكر أنوثتها الشديدة وبالرغم من أنه أصبح لا يُفارقها ولكن لم يعد الأمر مثل السابق، لم يكن الأمر مثل ما كان بصحبة غادة.. كان مجرد ممارسة للجنس العنيف ليس إلا! 

"أتعلم ليوناردو، لقد أخلفت ظني كثيرا، كنت أظنك مجرد صبيا لا يدري ما هو مُقبل عليه، وخاصةً عند رؤيتك لسيزار.. عندما شعرت بالخوف منه قلت هذا الصبي لن يصمد" صدحت بضحكتها التي رنت بأنوثة مُهلكة

"ولكن عندما برعت في كل مهمة كُلفت بها وكلما أخرجتنا من مصائب عدة كلما عرفت أهميتك.. خيبت كل ظنوني نحوك ليو.. لن أكذب، ولكنك الآن أهم من إل تشينو لدى الزعيم.. وذلك في غضون ثلاث أشهر فقط.. آتيت بمنتهى السهولة لتمحي سنوات عدة في مدة قليلة للغاية!! حقا أنا فخورة بك" 

أشعلت سيجارتها في أنوثة طاغية وأقتربت لتتوسد صدره ولكنه لم يحبذ ذلك ليبتسم إليها بإقتضاب ثم نهض ليرتدي سرواله الداخلي 

"متى سيعود إل؟" سألها لتقلب عينيها في امتعاض

"ليس قبل نهاية الأسبوع المُقبل.. عليه أن يُنهي احدى الصفقات التي كلفها به الزعيم" أومأ لها في تفهم ثم اتجه ليذهب لتوقفه هي "إلي أين تذهب؟" 

"سأحضر بعض الطعام، أتريدين تناول شيئا؟" نظر لجسدها المثير الذي طُبع عليه علامات عنفه ولكنه شعر بالرضاء التام، فها هي تلك المغرورة توسلت إليه حتى يضاجعها، بفراشها هي وحبيبها، ويبدو أنها تريد المزيد!! كم أن كسر غرور النساء وكبرياءهن مُريح للغاية!! شعور هائل من الرضاء يتملكه ولأول مرة يشعر به!

"بالطبع أريد.. طعامك الذي تصنعه بالمناسبة هو احدى الأشياء التي بهرتني بك" ابتسم إليها بإقتضاب ثم التفت وتركها..

توجه نحو المطبخ حتى يُحضر بعض الطعام وهو يُفكر، أهذه حقا كلوديا، كلوديا أهم إمرأة لدى الزعيم، كلوديا التي يهابها عائلات المافيا.. تلك الأنثى التي يتمنى الرجال ابتسامة منها!! يا له من إنجاز ساحق!

استمع لأحدى الأصوات في طريقه فوقف بجانب مكتبة كبيرة في الظلام حتى يتبين من هناك، فهو يعلم أن كلوديا قد صرفت كل العاملين وليس هناك سوى الحراس بالخارج وهم لا يدخلون أبدا دون إبلاغها.. هل آتى إل تشينو مبكرا.. لعن بداخله ثم ترقب قبل أن يتحرك ولو خطوة واحدة.. 

لو رآه سيقتله حتما.. واللعنة ليس معه أية أسلحة لمواجهته!! نظر حوله ليرى سيفان مُعلقان على الجدار المُقابل ليعلم أنهما حله الوحيد للنجاة ما إن كان هناك أحد.. فسلاحه قد تركه بالغرفة التي تمكث بها كلوديا!! 

انتظر أكثر ليسمع خطوات مُقبلة من جانب المكتبة ولكن من الجهة الأخرى لينظر أكثر ورآى احدى أقرب حراس إل تشينو له، فيكتور اللعين.. إذن فلقد آتى ولن يستبعد أنه قد آتى لقتله.. ابتلع وحاول ألا يُصدر ولو نفسا ليتابع الرجل بعينيه ليجده يُمسك بسلاح كاتم للصوت ليبتلع هو في توتر ولكنه تابعه بعينه ليُكمل الطريق إلي الأمام ولم يلتفت نحوه..

شعر بتعرقه يزداد ليُفكر سريعا بما عليه فعله، فانخفض بجسده أرضا وحاول ألا يُحدث صوتا ليقفز بجسده بأكمله وانبطح بسرعة خلف احدى الأرائك العملاقة حتى لا يلاحظه الرجل وعمل جيدا ألا يُحدث صوتا..

أحس الرجل بصوت حركة فالتف يسير نحو الأريكة التي استمع للصوت يأتي من نحوها بينما استمع شهاب لصوت الخطوات الهادئ فالتفت على جانبه ليلتصق بظهر الأريكة الخلفي حتى لا يراه الرجل ومن حسن حظه كان يُشهر سلاحه وينظر للأمام وبمجرد ما رآى شهاب حذاءه حتى جذبه من قدمه فتعرقل الرجل ووقع أرضا ليذهب شهاب نحو الأريكة من الجهة الأخرى ليقم الرجل وهو يبحث عنه في مكانه خلف الأريكة ولكن كان شهاب حركته أسرع فلقد آتى من خلفه وأمسك بأحدى التماثيل الموضوعة على طاولة صغيرة بجانب تلك الأريكة ليضرب رأس الرجل  بأشد قوة امتلكها ورآى الدماء تنساب من رأسه ليترنح جسد الرجل والتفت ولكن انخفض شهاب بسرعة وأدرك أن الرجل قد تأثر ليُمسك بالتمثال وضربه على رجولته بمنتهى العنف ليسقط الرجل وهو يبدو متأثرا بدوار شديد وانهالت الدماء على وجهه فأمسك منه السلاح ثم أطلق احدى الرصاصات بمنتصف رأسه لينتهي من أمر الرجل ليزفر شهاب ثم ابعد قطرات العرق من على عينه ثم توجه ليُمسك بأحدى تلك السيوف وأخذها..

توجه بحرص شديد ليتفقد سائر المكان ولكنه شعر بالصمت الشديد.. ألم يأت سوى فيكتور وحده!! يستحيل!!

صعد الدرج حيث غرفة كلوديا وقد بدأ في سماع صوت كلوديا الذي يبدو وأنها تتشاجر مع أحد فأقترب بمنتهى الحرص والهدوء ليتبين ما يحدث

"أتريد قتلي؟ هل جننت؟" صرخت كلوديا بعدم تصديق

"لا بل أريد قتلكما.. أنا متأكد أن فيكتور قد أمسك بهذا الوغد.. وسأقتله بيدي أمامك.. ثم سأقتلك كلوديا" حدثها بغضب لاذع

"بربك إل!! تقتلني لأنني ضاجعته؟ لقد ضاجعت نساء إيطاليا بأكملهن، لا بل نساء أوروبا.. نساء ونساء بكل مكان تذهب به! كنت تقوم بخيانتي وأنت تعرف أنني على علم، والآن لأنني ضاجعت ليوناردو تأتي لتقتلني!! بربك لا تمزح معي.." 

"أتعلمين! لو كانت مجرد مضاجعة لعينة وأنتِ ثملة لكنت حتى تغاضيت عن الأمر بعد فترة، ولكن أنت تعشقينه.. أنتِ أصبحت لا تريدين فعل شيء بيومك اللعين دون تواجد هذا الوغد معكِ.. أنا أعرفك جيدا كلوديا.. أعرف ماذا تفعلين عندما تقعين بعشق رجل، أم نسيتِ؟ لربما نسيتِ الطفلة الخائفة المرتعدة التي كنتِ عليها يوما ما وأنا التقطك من احدى الأزقة وجعلتك ما أنتِ عليه"

"جيد.. لم أنس، ولا تنسى أنت أيضا ما قد يفعله بك الزعيم إذا نمى إلي علمه أنك قتلتني!" حدثته بجرأة بينما احتقن وجه إل تشينو بالدماء 

"لا بل سأجعله يُدرك أن ليوناردو من قتلك.. فقتلته أنا بالنهاية.. فيكتور قد أمسك به عزيزتي.. كنت فقط أتمنى أن احضر له العديد من الرجال ليمزقونه إربا ولكنك جعلتِ مني رجل جبان، إل تشينو رجل جبان بفضلك كلوديا.. رجل لا يستطيع أن يُعطي أوامر للعاملين لديه حتى لا يُذاع أن الوحيدة التي أحبها كانت تضاجع رجلا آخر في فراشه! يا لخيبة أملي بكِ.. بعد كل تلك السنوات! أحقا فعلتيها" انهمرت احدى دموعه ثم تابع بجمود وهو يشرع بالضغط على الزناد "الوداع كـ.."

صرخت كلوديا عندما رآت رأسه تتدحرج على أرض الغُرفة والدماء تتطاير في كل مكان  بفعل ضربة السيف الممسك به شهاب لينفصل رأسه عن جسده ودخلت في حالة من اللاوعي ولم تفق سوى على نباح كلبه سيزار الذي آتى مهرولا وتوجه نحو جسد إل تشينو ولكن شهاب أسكته بطلقة في رأسه ليسود الصمت التام!

"لا جبان فعلا" تمتم بعد أن تذكر هذه المرة ثم عاد ليتذكر احدى كلماتها 

"..ارجع فكر في اللي فات هتلاقي مواقف مشابهه كتير وبقيت كده ازاي وليه.. روح شوفلك دكتور شاطر يساعدك قبل ما تقتل وتغتصب الناس وساعتها هتلاقي نفسك بتنتهي في السجون.."

أطبق أسنانه في مزيدا من العنف ليمر عليه العديد من ذكرياته مع النساء، لقد كان يُعذبهن لن يُنكر، ولكنه لم يغتصب سوى تلك الحمقاء أروى بعد أن هددته!! أتظن أنها بإستطاعتها أن تسجنه؟ يا لها من غبية!!

"السيكوباتي واحد زيك ذكي، مبدع في تصميماته، بيقدر يقنع اي حد زي بابايا ومامتي بموضوع الشغل اللي اخترعته في ثانية، أو إن هاشم يكمل في الخطوبة وميروحش لأخته اللي بتولد، او حتى يقنعني بمنتهى الإستغلال وانتهاز الفرص بإنه يقرب مني في العربية ويهديني.. منتهى المراوغة في التصرفات.. منتهى الإستغلال لما قربت مني يوم ما روحنا نشوف المشروع، ولا نسيت؟!"

لا تعلمين إلي أي حد أنا ذكي أيتها الساذجة.. لا تعلمين كم أنا مبدع.. لو فقط تعلمين ما يمكنني فعله.. ستذهبين لأقصى بقاع الأرض كي تختفين عن بصري!

"يا إلهي.. ماذا فعلت ليو؟" صاحت في ذعر بينما هو شعر براحة غريبة تسري في جسده المتعرق بشدة 

"أصرفي الحراس.. تصرفي بسرعة.. أخبريهم بأي لعنة حتى أستطيع التصرف.. أسرعي.. اخبريهم حتى أن تلك أوامر إل تشينو وفيكتور" صاح بلهجة آمرة 

"ولكن أنـ.."

"قلت أسرعِ كلوديا" قاطعها وصوته يهدر بنبرته الرجولية الجلية لتنتفض هي على إثرها وتوجهت لتُمسك بهاتفها في ذعر

"اليخاندرو استمع لي جيدا.. لقد تعرقلت احدى الشحنات وهي بطريقها من الميناء.. خذ كل الرجال معك.. لا تقلق أفعل ما أخبرك به وحسب.. قلت أفعل ما تؤمر به أيها الغبي قبل أن تقع الشحنة في يد احد من عائلة ارتورو.. لا.. سأتجه أنا وليوناردو بصحبة إل تشينو وفيكتور.. هاتفني عندما تصل.." 

"ماذا ستفعل ليوناردو؟ كيف سننجو.. إذا وصل ولو شُبهة عن مقتل إل وفيكتور لن يتردد في قتلنا ولو ثانية واحدة" تحدثت إليه في رعب 

"اهدأي كلوديا" حدثها بمنتهى الثبات "هل أنتِ متأكدة عن خبر تلك الشحنة؟"

"أتطالبني بالهدوء وأنـ.."

"فقط اجيبي السؤال!" قاطعها لتنظر له بملامح متشنجة 

"نعم.. أعلم أن أفراد عائلة ارتورو يريدون تلك الشحنة كردا منهم على مقتل احدى أفرادهم"

"جيد، إذن سيحدث اشتباك!"

"نعم واللعنة أخبرني ماذا تريد أن تفعل؟" حدثته بنبرة متوترة

"ستساعديني عزيزتي لإخفاء جثتيهما لأن هذا هو الحل الوحيد.. فللتو قد أنقذتك من الموت.. وستبقي مدينة بحياتك لي طوال الحياة!" أخبرها بإبتسامة لا تناسب الموقف لتنظر له في ترقب لما يريد فعله

لو فقط تعلم مدى ذكاءه حينها.. لو فقط تعلم أنه قطع ايدهما ورأسيهما ثم جردهما من ملابسهما وسكب على كلاهما كيماويات شوهتهما بقدر كبير لدرجة أن لا أحد قد قد يتعرف من هما ثم دفنهما بحديقة المنزل بشكل رأسي كي لا يظهر انتفاخ الأجساد كما وضع بمؤخرة كلاهما بعض اللبن الزبادي الذي بدوره يُسرع من عملية تحليل الجسد بسبب البكتريا به ثم ردم عليها الكثير من الرمال وبعدها دفن الكلب فوق جسديهما بشكل أفقي حتى ولو شك أحد وبحث بنفس المكان لظن أنه الكلب فحسب..

ذكي، لا يخاف، وليس بجبان أيتها الساذجة!!

"الآن علينا أن نحشو تلك الملابس ونثبت الرأسان عليهما.. سأقوم أنا بالقيادة، وستكونين أنتِ جانبي وهما بالخلف.. حتى لو صادف وشاهدنا أحد سيظن أننا جميعا معا.. مثل ما أخبرتي اليخاندرو! وعليك التخلص من ذعرك كلوديا.. قد يرتاب أحد بكِ عزيزتي"

"وكيف ستتخلص من الرأسان والأيدي؟" 

"سأهشم الجمجمتان، سأقتلع الأسنان.. ثم مجرد حمض وسيذوبا في دقائق.." نظرت له كلوديا في رهبة وهو يبتسم إليها كالشيطان.. لا بل هو الشيطان نفسه "هيا عزيزتي حتى لا نتأخر"

عن أي ترهات تتحدث تلك المرأة الساذجة.. قد يفعل المصائب ولن يمر أبدا بالجسن! ولا حتى لزيارة أحد.. غبية للغاية!!

"عارف يعني إيه سيكوباتي.. يعني أنت وأنت بمنتهى العدوانية بتعاملني وكأني عايزة منك حاجة تانية أو داخلة حياتك لغرض تاني غير اللي صارحتك بيه.." 

لم تقل شيئا عن والدته! لم تقل شيئا عن بدر الدين سوى جملة واحدة!! من إذن قد أرسلها لتعبث معه! وما شأنها هي؟ ما تلك اللعنة التي تريدها منه! لو فقط أستطاع أن يفعلها لما كان في مثل تلك الحيرة الشديدة الآن!

نهض ليُخلل شعره بعنف ليعود ويتذكر المزيد..

"..بس بترجع كل مرة علشان لسه مستني تشوف مني إنجذاب ليك، أو تشوف مني أي حاجة تخليني عايزاك وأقولك متبعدش عني.." 

أخذ خطوة للخارج ولكن هناك مسافة بين كابينة الرافعة والأرض الأسمنتية التي بُني بها الطابق لتُمسك هي بيدها الأخرى به وتشبثت به بشدة "لا متسبنيش"

"أنا ماخدتش بالي وكنت بتفرج على الصـ.."

"لو كنتي وقعتي دلوقتي كنت هاعمل إيه من غـ.." قاطعها ولكنه تدراك ما يقول وأوقفه عقله ليبتلع وهو يكبح لسانه الذي انطلق دون تفكير منه وهو يلهث من شدة الغضب 

"شكلك حلو أوي النهاردة"

تشتت عقله في مزيدا من تلك المواقف!! عن أي لعنة كانت تتحدث وهي واعية؟ وهل أخبرته بالصدق وهي ثملة؟ تلك المرأة تُفقده عقله.. تلك المرأة لا تتوقف عن العبث بعقله.. يريد أن يتخلص من تأثيرها ولكن كيف؟ لماذا لم يفعل معها مثل بقية النساء.. لماذا؟! فقط لماذا؟! لقد كانت أسفله.. شبه عارية.. ثملة أم نائمة أم فاقدة لوعيها! لماذا كان غبي ولم يفعلها؟ كيف حدث له ذلك وقتها؟ هل كان جبانا؟ هو بحياته لم يكن!! إذن يريد ولو تفسير لما فعله.. كيف كان بمنتهى الغباء معها هكذا ولقد كانت بمنتهى السهولة ليأخذها.. ما تلك اللعنة التي أوقفته؟!

"السيكوباتي يا شهاب هو أنت، بالرغم من العلاقة اللطيفة اللي كانت بتجمعنا أنت بدون أي شعور بالذنب ولا تأنيب ضمير حطتلي خمرة في الأكل وقلعتني هدومي.. بتتبسط لما بتأذي حد مش كده؟! بتتبسط لما تحس إنك أنت الأفضل والأغنى والأحسن والأحلى.. لما بتسيب فلوس كتيرة للناس!! لما بتفتكر إن كل اللي بيتعاملوا معاك شايفينك حد عظيم اوي.. وبتموت جواك لو اترفضت من حد..

البارانويد هو أنت لما فتشت شنطتي، لما شكيت فيا وقولتلي عايزة إيه مني وتعالي دوغري.. ورجعت للسيكوباتي لما سبتني في الطريق لواحدي بليل.. البارانويد اللي فاكر إن كل الناس عايزة منه أغراض تانية غير اللي بيصارحوه بيها وبيفضل طول الوقت يشك فيهم! علشان كده انت بالك مشغول دايما بالشك في كل حد وكل حاجة..

عارف هتحس بمشكلتك امتى يا شهاب، لما تحقق أعلى طموحاتك في شغلك بس تحس بالوحدة، لما تحس إنك لواحدك والناس كلها بتتهرب منك وبيرفضوك ومش طايقين يبصوا في وشك.. عندك أصحاب؟ طب كويس مع قرايبك؟ أخواتك اللي مشوفتش في طيبتهم واخلاقهم اللي بتتخنق لما بتتجمع معاهم، أنت كويس معاهم؟ عندك واحدة بتحبها وبتحبك؟ أولاد؟! حياة!!" 

نعم يملك.. يملك أخيه وعمه وهما يُحباه.. اخطتفهما ولكن يملكهما.. يملكهما معه وبمنزله.. وكان يملك زينة.. وكلوديا كانت تعشقه.. وسلمى لم تتوقف عن زيارته غير بعد أن سأم هو منها!! وغادة، هو يملك غادة دائما وأبدا.. هو يملك الكثير.. كان يملك وليد ولكنه قتله لأنه يعلم الكثير عنه وهو أراد أن يتخلص منه لأنه لا يريد أن يُكمل بطريق تلك الصفقات اللعينة.. كان يملك والده ولكنه بغتة تركه وحده..

تشنجت ملامحه في لهاث وهو يتذكر صوتها ونبرتها، بمنتهى الحماقة تخبره بذلك.. أساذجة تلك.. علاقة ماذا التي جمعتها به؟ عن أي علاقة تتحدث؟ أتظن لأنه يُعاملها هي معاملة مميزة قد اختلفت عن بقية النساء؟ أتظن لأنه يراها جميلة سيُصدق تلك التراهات؟ هو ليس بمريض.. يستحيل.. أم ظنت لأنها نظرت إليه بعينتيها اللتان لا يستطيع مقاومتهما سيُصدقها! هو فقط ينزعج منهما لعدم معرفة لونهما..

ابتلع في ارتباك وهو يشعر بداخله أنه يغلي، يشعر أن دماءه ستنفجر لا محاله، ورأسه لا تكف عن التفكير بكل كلمة، بملامحها وهي نائمة، وهي تصرخ به، وهي ترتدي ثوبه، واللعنة عندما ارتدت ملابسه.. لم يُفكر في تلك المرأة.. هو ليس بمصاب بداء الشك إلا لأنه يعلم أن الجميع يريدون الإنتقام، الجميع يكرهونه، هو منبوذ، منبوذ ووحيد بشدة لا يملك أحد.. لا بل يملك الكثير.. يكفي فقط أنه هو شهاب الدمنهوري.. لتحترق بترهاتها التافهة!! شهاب لا يحتاج لأحد!! لا يحتاج شفقة من أحد !! لا يحتاج إلي والدته ولا لأخوته!

كانت محقة، الجميع يريدون منه شيئا، أموال، شهرة، علاقة، نفوذ، يريدون أن يقوموا بإستغلاله، كما استغلته غادة.. يريدون أن يملكوا ذكاءه، الجميع يتحرق شوقا للتمرمغ في ظله.. تلك التافهة بكلماتها الساذجة لا تعلم شيئا.. أظنت لأنه يثق بها تستطيع العبث بعقله؟

ثقة ماذا؟!! ثقة ماذا شهاب؟!!! أنت لا تثق بأحد، لا تثق سوى بنفسك وذكاءك!! أنت لا تثق بها.. لقد أرسلتها تلك العاهرة التي أنجبتك، لقد أرسلها بدر الدين.. لربما أرسلها الزعيم نفسه ولكن أنت.. لا.. تثق.. بأحد... وخاصة.. إمرأة!!

لمستها على كتفه، نظراتها الزائغة وهي تنظر له في رغبة، ماذا تريد منه؟ ماذا تريد ببراءتها وبحبها لزوجها؟ لماذا آتت لحياته البائسة!! لا حياته هي أفضل حياة على الإطلاق ويتمناها الكثيرين..

صرخ عقله به يزجره، تضاربت الأفكار، شلل.. شلل بغيض يُسيطر على عقله!! أأصبح مجنون أم بارانويد أم هو سيكوباتي مثلما أخبرته!! لا لا هي لا تدري عن ما تتحدث! تافهة وضيعة ولن يتردد في قتلها!

ولكنها كانت أسفلك أيها الذكي! لماذا لم تفعلها؟ لماذا لم تقتلها؟ لماذا لم تستطع أن تعذبها؟ لماذا شهاب، لماذا؟! 

شعر بإحتراق عينيه لكثرة تعرقه، لم يتعرق هكذا ولو لمرة بحياته، ربما عندما يُسلط تركيزه على شيء، أكان يُفكر بها لهذه الدرجة، لا، ليس بها.. هو فقط يُفكر بكلماتها، أيُمكن أن تكون محقة!!

زفر بمنتهى الغضب وهو يحاول التقاط أنفاسه وهو يتوجه لهاتفه سريعا ليتفقد الوقت.. التاسعة صباحا!! أمكث طوال الليلة الماضية يُفكر بها! سيُريها.. ولكن عليه أولا الذهاب للتأكد من شيء ما! 

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

"كل ده ولسه معرفتيش تلاقي حل؟" سألتها أروى وقد بدأ صبرها في النفاذ ولكنها همست حتى لا يستمع إليها أحد

"ده ماسك عليا بلاوي ممكن تفضحني لو بس روحت ولا رفعت عليه قضية، وكمان هددني بقتل اهلي كلهم!! عايزاني اعمل إيه؟ أنا مش عارفة أتصرف" حدثتها سارة لتتأفف أروى 

"امسكي عليه حاجة.. حاولي تعرفي حاجة عنه! أنا بس لو كنت قادرة اتحرك كنت عرفت بس.."

"مش لاقية.. مش عارفة أبدا.. ده مبيسبش وراه أي حاجة ومحدش عرف يوصله.. أنا حتى أجرت ناس معرفوش يوصلوا لحاجة.. حتى ابني مش عارفة أشوفه!" ضيقت أروى ما بين حاجبيها في تفكير "انتي لاقيتي الفيديو اللي قولتيلي عليه؟"

"لا ملقتهوش" نفت بمنتهى الثقة، فلو ظهر هذا التسجيل سيعلم شهاب أنها من خلفه "بقولك هو ابنك فين؟ تعرفي مكانه؟" سألتها لتتنهد سارة في قلة حيلة 

"في بيت كرم الكبير اللي كان قاعد فيه قبل ما يتوفى مع شهاب.. الناس اللي أجرتهم شافوه كذا مرة والسواق والحراسة معاه وهم بيجبوه من المدرسة.. حتى المدرسة الحراس بيفضلو جنبها ومش عارفة أهوب منها!" همهمت أروى في تفهم وتذكرت ذلك المنزل عندما دعاهم شهاب للعشاء!

"هو ده اللي في كومباوند ****"

"أيوة هو" 

"طيب بصي وركزي معايا كويس.. أنا فاكرة هناك كان فيه ست كبيرة شوية وشكلها هي الـ house manager (زي مدبرة المنزل كده يا جماعة) انتي تحاولي تكلميها على تليفون البيت وتتحايلي عليها تشوفي حازم.. يمكن قلبها يرق.. وساعتها لازم تطلعي من أوضة مكتبه هو أو مكتب عمي بأي حاجة تلاقيها! ورق، لابتوب، أي حاجة بس لازم تتأكدي انه مش هناك!"

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

#يُتبع . . .