-->

الفصل الثاني والعشرون - شهاب قاتم

 



 



الفصل الثاني والعشرون


 احرص وأنت تظن أنك تتغير للأفضل.. فنفسك القديمة تموت وتحيا بدلا منها نفس جديدة.. انظر جيدا إلي صورتك بالمرآة وكن على ثقة، كل نفس بداخلها الصالح والطالح، لست مطالب بالتغير الكلي.. فخذ الجيد وابتعد عن السيء.. وأرجوك امضي قدما..

وحاذر عزيزي.. الطالح يسود والصالح قد ندر للغاية حتى توارى عن الوجود!

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

"أنا آسفة .. كان نفسي بجد أساعد" تحدثت فيروز بهاتفها إلي بدر الدين

"متتأسفيش، كفاية تعبك لغاية دلوقتي .. وأنا من الأول قولتلك لو عايزة تبعدي عن الموضوع ده حقك" أخبرها بدر الدين في تفهم 

"أنا مكنتش عايزة أبعد، شاب في سنه وباللي وصله وذكاءه وطريقته الهايلة في المفاوضة كان ممكن يطلع منه حاجة كويسة، أنا فعلا كنت حابة أساعده بس.." تريثت متنهدة بينما تعجب بدر الدين قليلا مما يستمع إليه ونبرتها المتأثرة جعلته يتعجب 

"بصراحة الموضوع بالنسبالي شخصي.. لأني من الأول عارفة إن حالة شهاب صعبة، وفاهمة كويس هو عنده إيه.. بس.. ده يُعتبر فشل بالنسبالي وصعبان عليا جدا ومضايقة كمان إن الحالة نفسها راحت من ايديا، حاسة إني بعد منه مش هاقدر أتعامل مع شخصيات صعبة تاني.. كنت فاكرة هارجع بعد ماهر قوية وزي ما أنا بس للأسف مكنتش أتوقع إني هستسلم بالسهولة دي.." 

"بصي يا فيروز" حدثها في تفهم بعد صمت دام لثوان وهو يختار كلماته جيدا "مش معنى إن حالة شهاب خلتك تستسلمي أو مقدرتيش تستمري فيها لأكتر من شهرين يبقى ده معناه إنك خلاص أخصائية فاشلة.. ولا معناه إنك مش هتقدري تتعاملي مع شخصيات صعبة.. أنتي كنتي محتاجة وقت أكتر وتاخدي فترة راحة قبل ما ترجعي، يمكن كان أفضل إنك ترجعي بالمصحة والمدرسة وبعدين موضوع شهاب.. بس ميجراش حاجة، محدش بيخرج من تجربة من غير ما يتعلم.. أنتي لسه صغيرة يا حبيبتي وقدامك الدنيا هتعوضي فيها حالات تانية وأصعب من شهاب كمان.. وبعدين مين عارف المواجهة اللي حصلت ما بينكم ممكن تعمل تأثير، ممكن تكوني أقنعتيه من غير ما تاخدي بالك" 

"أنا بجد مش عارفة أقول لحضرتك إيه على تشجيعك ليا.. كان نفسي أساعد مع زينة أكتر من كده وكمان مع شهاب، يمكن اديت زينة العناوين وخليتها تكمل مع حد تاني غيري، ويمكن شخصية شهاب شدتني.. بس بعد معرفتي بيه استحالة يكون اقتنع!" حدثته في امتنان امتزج بالحزن 

"متزعليش وأنا متأكد إنك شاطرة.. انتي بقالك حوالي خمس شهور ما بين دراسة شخصية وشهرين بحالهم بتحاولي معاه.. متضايقيش أبدا وأنا عارف إنك هترجعي احسن من الأول!! بس أقولك على حاجة.. لو فيه أخصائية زي القمر كده كانت لقيتني زمان وواجهتني بمرضي اللي استحالة اقبله على نفسي كانت دماغي لفت وكنت هاقتنع في الآخر!! أنا واثق إنك أكيد أثرتي فيه ولو بنسبة" أخبرها بنبرة مرحة بينما نظر أمامه في انزعاج من ملامح نورسين التي نظرت له في إندهاش

"ميرسي يا عمو.. والله كلام حضرتك كتير عليا" ابتسمت فيروز لمغازلته اللطيفة 

"حبيبتي .." حمحم بعد أن تدارك ما قاله ووجه نورسين اشتعل بالغضب "إن شاء الله كل حاجة هتكون كويسة، وأنا بردو هافضل جنبك، لو حسيتي إن فيه حاجة مش مظبوطة بتحصل عرفيني، لو حابة أخليلك حراسة أو.."

"لا يا عمو ملهاش لازمة.. وخلاص صدقني الموضوع خلص" قاطعته بينما أمسك نورسين يمنعها من الذهاب

"بقولك سيبني" همست نورسين لتتعجب فيروز مما تسمعه 

"طيب يا حبيبتي هاكلمك تاني" أنهى المكالمة وهو ينظر لنورسين بإنزعاج ولوم 

"ما تروح تشوف الأخصائية اللي زي القمر.. ما تروح تكلم حبيبتك حبيبتك اللي ماسكها لبانة في بوقك" صاحت بغضب وهي تحاول أن تفلت من مسكته ولكن يده القوية لم تتركها 

"شغل جنان مش عايز، دي أصغر من ابني يا نورسين!! أعقلي مش كده" 

"طيب ماشي روحلها بقى وسيبني في حالي"

"نورسين!" شدد على نطقه لأسمها لتنظر هي له بمنتهى الغضب والكبرياء "البنت مهزوزة وحاسة إنها فاشلة وشهاب خدرها وكان الله أعلم ممكن يجرالها إيه!! لو سيدرا مكانها تستحملي حاجة زي دي بالساهل؟" 

"بدر الدين!! تكلمها بطريقة احسن من كده.. وأوعى حاسب ايدي.." نفضت يده بعنف عنها لتتركه وذهبت في غضب 

"يا مجنونة يا بنت المجانين! أنا اللي جبته لنفسي!" تمتم ثم زفر في إرهاق ليلحق بها حتى يسترضيها وليحترق شهاب أو ليتعفن هو وما قد يفعله بالجحيم..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

أخذ ينقر بأصابعه على عجلة القيادة بسيارته وهو يعد الثواني حتى تصبح العاشرة.. لماذا لا يبدأ أحدهم بالعمل من السابعة صباحا؟ لماذا!! 

كلماتها تُعاد برأسه، تدوي بعنف، تجعله يرتطم بالعديد من الذكريات، يُصدق احداها ثم ينفيها، يبرر كلماتها المنطقية التي تنطبق عليه ثم يرفضها بمواقف أخرى.. نعم هو لديه تبرير لكل كلماتها السخيفة.. 

ترجل من السيارة ولم يتبقى سوى عشرة دقائق على موعده، لقد قام بالحجز مسبقا، سيكون يوما لم تتلون سماءه بلون النهار إن لم يكن هذا الطبيبط التافه قد وصل قبله!! سيقتله هو وكل تلك البناية بأكملها..

توجه في خطوات سريعة ليدلف ثم انتظر المصعد الذي قارب على أن يهشمه إن لم يصل في الحال ثم أخذ خطوة وهو يدخله في ارتباك وضغط زر الطابق السابع وهو لا يستطيع تحمل تلك الثواني التي تُفصله عن مقابلة ذلك الطبيط ثم هرع للخارج ما إن توقف المصعد بالطابق ودلف ذلك المكتب الذي قرأ عليه لوحة تحمل اسم الطبيب..

"فيه حجز بإسم شـ .. حازم الدمنهوري" كاد أن ينطق اسمه ولكنه شعر بالإنزعاج فلقد قام بأخذ الموعد بإسم اخيه ونظر عاقدا حاجباه لتلك الفتاة التي تجلس بمكتب الإستقبال التي راجعت البيانات سريعا ثم نظرت له في تعجب فلقد قام بحجز أربعة جلسات متتالية وقد تم الدفع مسبقا بإستخدام احدى البطاقات الإئتمانية عبر احدى التطبيقات 

"آه يا فندم.. اتفضل" رمقته في استغراب وهو تقوم بإيصاله نحو غرفة الطبيب "اتفضل" فتحت له الباب ليدلف شهاب وهو يرمق الرجل في تقزز 

"أهلا وسهلا.. ازيك عامل إيه؟" ابتسم الرجل ببشاشة فهو رجل يبدو أنه في منتصف الخمسينات 

"تمام" اجابه بإقتضاب ليجلس على الكرسي أمام مكتبه الذي وجده شهاب أقل من المتواضع بالرغم من أنه حديث الطراز ومريح للغاية للنظر 

"أقدر اساعدك ازاي" أخبره الطبيب لتتسارع ملامح شهاب بالنكران التام 

"مش أنا ده صاحبي!" أخبره مسرعا لينظر له الطبيب بإستغراب.. يستطيع رؤية النكران على ملامحه، هو يبدو وأنه رافض للفكرة بأكملها! 

"صاحبي.. مراته أخصائية نفسية" لماذا قال أنها زوجته؟ ألم يجد سوى ذلك السبب الكريه؟! أومأ له الرجل ليتابع شهاب "بتقوله إنه سيكوباتي، وأنا، صاحبي يعني وأنا عايزين نعرف فعلا فيه حاجة اسمها كده، والسيكوباتي ده أصلا إيه، وهو وحش ولا كويس؟.. لأن هو مش مصدق ده.. وهو حد كويس جدا وأعرفه من زمان.. احنا متربيين مع بعض وهو مش مجنون يعني" 

ارتاب الطبيب بأمره، فحديثه بالرغم من أنه جيد ولكنه لا يدري لماذا يرتاب بأمره.. وبالرغم من ذلك الإرتياب قابله بإبتسامة..

"ولا عمره هيصدق! السيكوباتي أكتر حالة مبتقتنعش بمرضها" عقد شهاب حاجباه في إستغراب 

"السيكوباتي حد ذكي جدا.. ذكاءه مبهر.. زي ما بيقولوا بيطلع زي الشعرة من العجينة.. بيعرف يتصرف في كل المواقف.. حد فيه جاذبية رهيبة، ومش بس طريقته لأ ده كمان أحيانا الملامح وابتسامته وضحكته بتشد اللي قدامه بشكل مش طبيعي.. مفاوض بارع .. محدش بيقدر يتغلب عليه في نقاش وبيقنع اللي قدامه بطريقة هايلة ولو هو نفسه مش مقتنع باللي بيقوله بس بيقدر بمنتهى السهولة  يطوع عقل اللي قدامه للي عايزه.. فيه كمان منهم مبدعيين.. رسام، مغني، كاتب، مصور، او شاطر اوي في مجاله لدرجة إن ميختلفش عليه اتنين!

مثقف جدا، يبان إنه حد اجتماعي وبيحب الإنطلاق والحياة.. فيه كل المميزات اللي ممكن تشد الناس كلها ليه .. شهم وبيحب يساعد الناس واحيانا بيكون كريم.. لو بس قولتلك عن كمية المميزات اللي فيه هنحتاج وقت كبير أوي أكبر من أربع جلسات.. بيحلل بطريقة هايلة وبيفهم اللي قدامه على طول من غير ما يحتاج لوقت كبير" 

تهللت ملامح شهاب وابتسم للرجل في زهو وغرور.. إذن هو جيد للغاية ولا ينقصه شيئا.. يبدو أن الشخص السيكوباتي رجل رائع.. لقد صرخ به عقله أنها ساذجة لا تدري ماذا تقول ولكنه لم يستمع إليه.. حمقاء!! وهو أشد حماقة منها، لماذا احتمل صدق حديثها؟

"ده اللي بيبان للناس.. إنما بقى فيه وجه تاني بيستخبى وده مش سهل حد يعرفه غير يا حد عاشره فترة طويلة اوي، يا إما متخصص زينا!" أكانت محقة؟ لا، يستحيل!!

"الشخص السيكوباتي من الآخر نصاب شاطر، بيظهر عكس اللي بيخبيه، بيقنع الناس وبيستميت في اقناعهم علشان هو استغلالي وعايز يوصل لأهدافه اللي دايما بتكون مش طويلة المدى اوي، لأنها في الأساس معندوش أهداف راسخة وقوية عايز يحققها!

مش مسئول، لو جيت قولتله أنت السبب في اللي عملته بينفي بسرعة وبيرفض يتحمل نتيجة أخطاءه.. كداب لأبعد مما تتخيل، وكمان مش بيكدب علشان يلحق نفسه من مصيبة، هو بيكدب من أجل الكدب نفسه..

مبيحسش بالندم نهائي، مش في قاموسه، علشان كده لما عملوا دراسات على المسجونين اللي عندهم نسبة إجرام عالية وداخلين السجن في قضايا مش سهلة لقوا عندهم نسب سيكوباتية كبيرة وكمان منهم سيكوباتيين!! مبيحسوش بالذنب لما بيموتوا أو يأذوا حد.. ده ساعات بيعمل أعمال إجرامية لمجرد الشعور بالنشوة والسعادة من اللي بيعمله، يعني قتل لمجرد تغير المود مش أكتر! 

عندهم نزعة سلطة وكبرياء مرضي، عايزين يتحكموا في كل حاجة ويوصلوا لأعلى المراكز، قاسيين جدا وبيميلوا للعنف في تصرفاتهم ما دام مش عايزين يستغلوا اللي قدامهم أو بيعاملوا حد مش هيعود عليهم بالنفع.. عدوانيين بشكل مش منطقي وعوانيتهم لا تُحتمل..

هو حد مبيحبش غير نفسه ومبيحسش بالحب، سلوكه معادي للمجتمع كله، كداب ومش مخلص وحتى لو متدين فبيستخدم الدين نفسه علشان يروج للعنف ويبرره ويشوش على الناس، مخادع جدا وبيتلون زي الحرباية زي ما بيقولوا.. مبيتكسفش أبدا.. 

ولو متجوز زي صاحبك، أكيد بيخون مراته، السيكوباتي مبتكفيهوش ست واحد وبيخون من أجل الخيانة نفسها، زيها زي الكذب بالنسباله بالظبط.. ومبيهتمش بالعادات والتقاليد وبيعمل سلوكيات كتيرة منافية ليها وبيكون مخل للأداب.. وبيستمتع يتعالى على القوانين وعمره ما بيلتزم بيها..

مستهتر وبيمل بسرعة ومندفع وبيعرف يتحكم في تعبيراته كويس وصعب حد يقفشه متوتر وأناني لدرجة كبيرة، بيدي وعود مبيوفيش بيها.. ويبان في الأول شهم لكنه في الحقيقة بعيد كل البعد عن الشهامة.. وحاجات كتيرة جدا.. بتتحدد حسب الحالة لأن فيه منه أنواع وكل نوع وحالته.. بس أظن أنا كده لخصتلك بشكل كبير على قد ما قدرت" 

اكفهرت ملامح شهاب مما يسمعه، لقد كان جيدا منذ قليل وظن أن السيكوباتي شخص جيد، ما الذي حدث بعد ما سمع تلك التراهات من هذا الأحمق؟ حمحم وأومأ وهو يحاول يتحكم في ملامحه ليجعلها تبدو تلقائية 

"طيب وازاي صاحبي يتأكد إنه مريض؟" 

"بسيطة.. يا روح لمتخصص بنفسه، يا إما لو أنت قريب منه زي ما أنت ما بتقول وأنا استبعد ده، ممكن تقيس كل اللي قولتهولك عليه وشوف فيه كام صفة بتنطبق عليه.. ده غير ان السيكوباتي صعب يقتنع بمرضه لأنه شايف إن صح طول الوقت ومبيحسش بالندم على حاجة.. ولو شاكك يتعمله اختبار لتحديد شخصيته.. وعلى فكرة مش كل الصفات بتنطبق عليه"

"وبيتعالج ده؟" أشار برأسه في عدم إكتراث 

"على حسب الدرجة، على حسب النوع وعلى حسب درجة تقبله للعلاج.. ولو متعالجش بينتهي بيه الأمر منبوذ ووحيد لما كل الناس تكتشف حقيقته"

"بس صاحبي كويس على فكرة، وعمري ما شوفت منه حاجة وحشة" دافع بإستماته ليبتسم له الطبيب

"والله لو مش مريض فتمام، ولو مريض فده بالظبط اللي بيوصله السيوكوباتي لو عايز حاجة من حد، بتفتكره كويس وفجأة كله بيبان"

"ولو صاحبي مصدقش؟"

"احتمال ميصدقش، واحتمال كبير جدا.. لأن هم بيحللوا الناس فصعب يصدقوا بسهولة تحليل حد لشخصيتهم أو تشخيصهم بالمرض" ازداد الغضب بداخل شهاب فذلك الرجل يبدو مزعجا ويود أن يلكمه بوجهه

"وهو ممكن تكون هي .. مراته يعني .. كلامها غلط؟"

"يُحتمل ولكن صعب.. أولا لأنها واضح انها اتعاملت معاه لفترة وعرفته.. ومظنش إنها لو كانت شاطرة هتغلط.. هي عندها كام سنة؟"

"تمانية وعشرين وحادشر شهر!" تعجب له الطبيب فهذه إجابة محددة للغاية

"طيب واضح إنها بقالها كذا سنة في المجال يعني مش حد مبتدأ.." 

"ماشي!" تمتم في انزعاج ثم نهض ليغادر ليوقفه صوت الرجل في طريقه للباب والتفت له ليرى الرجل ينظر له بطريقة غريبة

"يا ريت فعلا لو في صاحبك الصفات دي تحاول تساعده قبل ما ينتهي بيه الأمر في سجن أو مصيبة كبير.. ويا ريت تبعد عنه.. ومراته كمان تبعد عنه لو أتأكدتوا من مرضه.. لأنه حد مؤذي جدا" 

رمق الرجل بمزيدا من التقزز ثم توجه للخارج وها هو يعود لدوامة من الأفكار مرة أخرى وما أندهش به داخل نفسه أنه ينطبق عليه كل ما قاله الرجل!! كل شيء..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

"أرجوكي أنا أم.. أكيد يا مدام عنايات هتفهميني وتقدري موقفي.." تحدثت سارة في توسل شديد تظاهرت به 

"يا فندم والله مقدرة الموقف، بس للأسف محدش يعرف شهاب بيه بيجي امتى وبيمشي امتى، ساعات بيجي على طول وساعات بيغيب بالأيام والأسابيع والشهور كمان" أخبرتها عنايات وهي لا تدري ماذا عليها فعله

"نص ساعة بس، أرجوكي.. اجي احضنه واطمن عليه.. أنا من يوم ما جه عندكم وأنا مشفتهوش.. أرجوكي حاولي تساعديني" توسلت إليها وادعت البُكاء لتزفر عنايات في حيرة من أمرها!

"طيب حضرتك الولد بيرجع من المدرسة الساعة تلاتة، حاولي تتصرفي والبسي نقاب وأنا هاسيب خبر إنك هتيجي.. كأنك واحدة من البنات اللي بتساعد في البيت.. بس هي نص ساعة بس بعد إذنك علشان حاجة زي دي ممكن يكون فيها قطع عيش.."

"متشكرة.. متشكرة أوي يا مدام عنايات ومش هنساهالك أبدا.."

"العفو يا فندم وربنا يصلح بينكم الأمور إن شاء الله"

أنهت المكالمة سريعاً وهي تشعر بلذة انتصار كاد أن يقترب وقررت أن تتحدث إلي أروى حتى تُخبرها بتلك المعلومات..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

"بص، موضوع المستوى ده مظنش مامي هتقول عليه حاجة" حدثته أروى بعد أن فكرت جيدا

"طيب وإن بابا كان متجوز مامتها، تفتكري ماما هتوافق إني اخطب واحدة مامتها كانت متجوزة بابا؟" حدثها عاصم في طيبة حقيقية وملامحه تُظهر حيرته وعدم توصله لأي من الحلول 

"اتفق معاها إنها متجيبش سيرة لا هي ولا مامتها.. الموضوع بسيط.. ومحدش عرف غيري، ولا أنت قولت لحد؟" تفحصته بعناية وهي تتبين عدم صدقه من كذبه 

"لا خالص، انتي أول واحدة اتكلم معاها في الموضوع أصلا"

"يبقى خلاص.. ولا كأن حد يعرف حاجة.. ومبروك مقدما يا عصوم" ابتسمت له ليبادلها 

"يعني.. يعني أكلم ماما وأقولها؟" نظر إليها في فرحة لتومأ هي له

"كلمها وأنا متأكدة إنها هتوافق" ابتسمت له بتأكيد لتتوسع هو ابتسامته ثم نهض ليتوجه لهديل حتى يُحدثها بالأمر..

"آلو.." أجابت أروى التي صدح هاتفها بالرنين

"آلو.. أيوة يا أروى.. أنا خلاص، هاروح بيت شهاب النهاردة.."

"تمام.. حاولي بس تركزي، وعلى فكرة حازم بقاله فترة معاه، يعني ممكن تسأليه عن حاجات كتيرة، وخدي بالك لا حد يشوفك"

"أكيد.. أنا هتصرف متقلقيش، بس لو طولت عن الساعة أربعة ونص ومكلمتكيش ابقي اتصلي بيا، ولو مردتش يبقى فيه مشكلة.. تبقي حاولي توصليلي ساعتها.."

"لا، أنا متأكدة إن الموضوع هيعدي على خير.. بس هو انتي ازاي هتدخلي هناك؟" سألتها لتجمع المزيد من المعلومات 

"هالبس نقاب وهي قالتلي هتسيب خبر إني من الناس اللي جايين ينضفوا.." تقززت أروى ولكنها تابعت حديثها معها 

"طيب يبقى ده كويس علشان تكسبي وقت.. اقعدي هناك براحتك وأنا أكلمك على خمسة أو ستة"

"ما احنا مش عارفين شهاب ممكن يجي في أي وقت.."

"هاكلمك تاني طيب علشان مامي جاية!" أنهت المكالمة بسرعة ما إن آتت هديل

"إيه يا حبيبتي.. كنتي بتكلمي مين؟" سألتها هديل بإبتسامة

"دي لميس يا مامي" ابتسمت أروى بهدوء وزيفت ابتسامتها

"بصراحة أنا مبسوطة إن البنت دي بقت صاحبتك.." تنهدت هديل وهي تجلس بجوارها "وكمان شكلها هتبقى مرات أخوكي" توسعت ابتسامة هديل 

"ده قالك بقى"

"آه.. وهنروح الويك اند الجاي لمامتها في البيت" أومأت إليها في تأكيد 

"مبروك مقدما"

"أروى أنا بجد مبسوطة وفرحانة بيكو كلكوا.. أنا بس يا حبيبتي عايزة أطمن عليكي.. كفاياكي يا أروى قلق فيا.. أنا حاسة إني السبب في كل اللي حصلك" اختلفت نبرة هديل لتأتي مليئة بالندم الشديد 

"لا يا مامي متقوليش كده.. حضرتك مش السبب ولا حاجة"

"لأ أنا السبب، أنا اللي خليتك تجري ورا حاجة ملكيش نصيب فيها، وضغط عليكي علشان تقربي من سليم.. مع إني أنا وانتي عارفين إنه كان بيعاملك كأخت ليه" 

"خلاص يا مامي اللي حصل حصل.." زيفت حزنها واقتنعت به هديل التي تلمست يدها في في حنان

"لا يا أروى مش خلاص.. لو أنا مكنتش ضغط عليكي في موضوع الخطوبة مكنتيش أنتي وسليم ليلتها اتخانقتو و.."

"مامي أرجوكي متفكرنيش!" قاطعتها بحزن شديد

"خلاص يا حبيبتي أنا آسفة.. بس أنا عايزاكي ترجعي كويسة تاني.. اخرجي واتفسحي واتبسطي.. قربي من اخواتك يا أروى، كلهم جانبك وشوفي كل واحد بقى سعيد في حياته.. عايزة أشوفك زيهم.. أطلبي بس أي حاجة وأنا انفذهالك" نظرت إليها بحنان وحاولت ألا تبكي 

"هابقى كويسة يا مامي متقلقيش.. صدقيني بس مسألة وقت وهارجع احسن من الأول كمان" ابتسمت إليها لتومأ هي لها ثم قبلتها على جبينها 

"أنا هاقوم اطمن على تيتا.. محتاجة حاجة يا حبيبتي"

"لا ميرسي يا مامي" قبلتها هديل مرة أخرى ثم نهضت لتزفر أروى خلفها في حنق وهي تُعيد ترتيب خطتها..

إذا لم تفلح سارة بالحصول على شيء ما، إذن لميس موجودة، وإلا ستنتهي علاقتها بعاصم!! لديها الآن الخطة البديلة.. ابتسمت في خبث ثم تناولت هاتفها لتتحدث إلي سارة لتُكملا بقية اتفاقهما..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

كم هو مؤذي ذلك الشعور بشرار الكهرباء بين طيات عقلك التي تصعق بلا رحمة من وقت للآخر بسيل من الأفكار والذبذبات والتفكير.. كم هو مذي ومؤلم أن تدرك أنك مريض.. إذن كلماتها كانت صحيحة.. كلمات ذلك الرجل وكلماتها تبدو متطابقة..

ما قاله الرجل تلك هي الصفات.. لم يكن كاذبا إذن.. وما قالته فيروز كانت صفات ومواقف شتى جمعتهما معا.. أيُمكن أنها كانت صادقة معه منذ البداية؟! لا يستحيل أن هناك إمرأة صادقة..

ولكنها تحب زوجها حب جم! لقد رأى ولمس هذا بها أكثر من مرة.. ولكن لا لا.. هو فقط خُيل إليه الأمر، جميعهن مثل والدته وغادة ولا يختلفن في شيء! لا يملكن القدرة على الشعور ولا على الحب!

"السيكوباتي واحد زيك ذكي، مبدع في تصميماته، بيقدر يقنع اي حد زي بابايا ومامتي بموضوع الشغل اللي اخترعته في ثانية، أو إن هاشم يكمل في الخطوبة وميروحش لأخته اللي بتولد، او حتى يقنعني بمنتهى الإستغلال وانتهاز الفرص بإنه يقرب مني في العربية ويهديني.. منتهى المراوغة في التصرفات.. منتهى الإستغلال لما قربت مني يوم ما روحنا نشوف المشروع، ولا نسيت؟!"

"السيكوباتي حد ذكي جدا.. ذكاءه مبهر.. زي ما بيقولوا بيطلع زي الشعرة من العجينة.. بيعرف يتصرف في كل المواقف.. حد فيه جاذبية رهيبة، ومش بس طريقته لأ ده كمان أحيانا الملامح وابتسامته وضحكته بتشد اللي قدامه بشكل مش طبيعي.. مفاوض بارع .. محدش بيقدر يتغلب عليه في نقاش وبيقنع اللي قدامه بطريقة هايلة ولو هو نفسه مش مقتنع باللي بيقوله بس بيقدر بمنتهى السهولة يطوع عقل اللي قدامه للي عايزه."

أيتها الحمقاء.. رأيك ورأيه واحد.. هل أنا مجنون؟ أنتي أيتها الساذجة تري أني مجنون؟ هل كنت تتحدثين بالحقيقة؟

لا ليس هذا.. لن يقارن مجددا ولن يُحلل.. رأسه اليوم لم تعد تحتمل، لن يُكمل في ذلك التفكير.. تلك المرأة إمّا محقة وإما كاذبة.. إمّا محقة بمرضه وإمّا هي لها دافع آخر ..

كفى، كفى إنجذابا إليها ومحاولات شتى لمعرفة لون عينيها.. كفى تخمينا.. أتظن أنه لن يقدر على معرفة ما يدور بخاطرها؟ حسنا إذن، إن لم يكن بحيله وحده فالأموال دائما صوتها أعلى من كل شيء وتستطيع فعل أي شيء..

أين هي الآن؟ سيحضرها.. إن لم يكن بالحيلة فليكن بالترهيب إذن!!

"يا ريت فعلا لو في صاحبك الصفات دي تحاول تساعده قبل ما ينتهي بيه الأمر في سجن أو مصيبة كبير.. ويا ريت تبعد عنه.. ومراته كمان تبعد عنه لو أتأكدتوا من مرضه.. لأنه حد مؤذي جدا" 

سجن أيها التافه! لقد بحثت لمدة ثلاث سنوات حتى وفيت بكل شيء حتى أختفي تماما من عالم المافيا.. لقد أقنعت كارلو بنفسه حتى تركني وشأني!! إستغلالي ماذا عمّ تتحدث أنت! أحمق..

كيف يصل لها.. من مكالمتها الهاتفية إذن.. سيحضرها اليوم رغما عن أنفها ولتريه ماذا ستفعل تلك الساذجة!

وكيف كان غبيا للغاية حتى لا يسأل ذلك الطبيب التافه عن البارانويد أم البارانويا أم ما قالته تلك الساذجة؟! لا يهم.. سيعلم فقط كل شيء عندما يُحضرها إليه!

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

"والله ما عارف أقولك إيه.. شكرا يا فيروز.. أنا عارف إنها من غير كلامك مكنتش هترجع البيت ولولا مجيتك دي مكنتش هترجع" حدثها معاذ بإمتنان شديد

"عيب يا ابني احنا أخوات ولبنى زي أختي.. متقولش شكرا تاني" ابتسمت له بود حقيقي

"ده أنا اللي المفروض اخد بالي منك.. مش العكس خالص.." ابتسم لها بمرارة

"ما أنت واخد بالك اهو وشغلك أتأثر بسبب قضية ماهر ومراتك بعدت عنك بسبب إنك مشغول.. هتعمل إيه تاني أكتر من كده تساعدني بيه" 

"ماهر" زفر بعمق متألمًا "عارفة يا فيروز ليلة ما ماهر سافر كان عندي.. تعرفي قاللي إيه؟" نظرت له مضيقة ما بين حاجبيها في انتباه شديد ليقص هو عليها كل شيء

"إيه يا عم مالك.. مطلعتش ليه؟" حدثه معاذ في غير تصديق "خايف لا لبنى تتخانق معاك زي ما بتتخانق معايا ولا إيه؟" أخبره بإبتسامة بينما ابتسم ماهر بإقتضاب 

"معلش يا معاذ الوقت برضو أتأخر وقولت بلاش اجيلك في وقـ.."

"أنت اهبل!! ده بيت أخوك يا ماهر.. أنت اتجننت ولا إيه؟" قاطعه ليوقفه عما يقوله 

"معلش بس اسمعني.." تنهد ماهر بعمق وملامحه تحولت للجدية والتوسل في آن واحد "خد بالك من فيروز.. أنا معنديش اخوات رجالة.. لو أي حاجة حصلتلي أرجوك يـ.."

"ده إيه جو الوصية الأخيرة ده، فيه إيه يا ماهر؟ أنت عرفت حاجة ولا ليه بتقول كده؟" قاطعه بينما لم يُفسر له ماهر 

"اسمع بس الله يخليك ومتقاطعنيش.. فيروز حامل.. وأنا لو جرالي حاجة خايف متستحملش.. اسأل عليها دايما واطمن عليها زي أختك، وأي حاجة.. أي حاجة تطلبها منك أو تحتاجها حتى لو كانت إيه وتقدر تساعدها أرجوك متتأخرش عنها.. أنت أخويا يا معاذ.. وأنا أبويا مات ومعنديش راجل أثق فيه ولا اعتمد عليه غيرك.. أرجوك متسيبهاش تحتاج لحاجة.. خد ده" أعطى له مظروف به أوراق ليتناوله معاذ منه في ريبة وقلق 

"الحساب بإسمك.. فيه ورثي من بابا الله يرحمه وأنا عمري ما احتاجت ليه.. لو احتاجت لحاجة ساعدها منه ولو محتاجتش خليه حد أكيد يستحق هيحتاجه وفيروز اكيد هيكون معاها اللي تحتاجه واكتر وأنا سايبلها مبلغ كويس في الحساب"

"ماهر أنت بتقول إيه.. أنت اتجننت ولا اهبل ولا إيه وإيه الفلوس دي.. لا يا عم انت بتهزر!"

"اسمع بس متتعبنيش علشان الوقت أتأخر ولازم أسافر الصبح.. خليك جنبها يا معاذ متسيبهاش ودايما اطمن عليها واوعى الأيام تشغلك.. لو فعلا كنا اصحاب وليا معزة عندك اسمع كلامي.."

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

"مامي.." تحدث حازم بلهفة ولكنه توقف قبل أن يقترب منها "لا أنا زعلان منك.." أخبرها في حزن بريء بينما تراجعت عنايات وتركتهما بغرفة حازم لتعطيهما القليل من المساحة والوقت 

"حبيبي يا حازم وحشتني.. وحشتني اوي.. متزعلش يا حبيبي" تحدثت سارة وتوجهت نحوه في هرولة لتعانقه بينما لم يبادلها 

"أنا شهاب قالي على كل حاجة، وشوفتك انتي وجوزك اللي بدل بابي.. أنتي سيبتيني ومش بتحبيني" أخبرها في إنزعاج بطفولة

"لا يا حبيبي متصدقهوش يا حازم.. متصدقش.. هو بيكدب عليك" حاولت اقناعه وهي تتلمس وجهه "هو اللي خلاك تصدق كل ده.. أنا كنت واخدة دوا ونايمة ومحستش" نظر لها ببراءة وعينيه تحمل الحيرة 

"اسمع يا حازم.. هو أنا مش كنت دايما بكون معاك ومع بابي؟ مش دايما كنا بنخرج وبنتفسح وبنقعد سوا؟ أنا عمري سبتك يا حازم؟"

"لا مسبتينيش بس.. بس.. أنا شوفتك!"

"يا حبيبي متصدقش.. طيب لو أنا عايزة اسيبك كنت هاجيلك هنا؟ ده شهاب لو عرف هيتضايق جامد وممكن يزعقلي ويخليني مشوفاكش ابدا" نظر لها بمشاعر مضطربة وهو لا يدري ما عليه فعله 

"يعني انتي مش هتروحي لعمو التاني وهتجيلي على طول؟" سألها لتومأ له بلهفة شديدة

"هجيلك على طول"

"طيب خديني اروح  معاكي" همس وهو يتفقد نظراتها 

"مش هاينفع.. شهاب لو عرف هياخدك تاني.. أنا هاخدك بس مش دلوقتي.. هاخدك وهنرجع مع بعض تاني بس كمان كام يوم" همست إليه بينما جذبته إليها ليجلس على ساقيها "اوعى يا حازم تقوله إن أنا جيت وإلا مش هيخليني أشوفك خالص! أوعى يا حبيبي.. اتفقنا؟" سألته لينظر لها في حيرة ولكنه همس في النهاية

"أوك.. deal" 

"احكيلي.. شهاب بيعمل إيه معاك؟"

"على فكرة شهاب كويس.. we go out.. he brought me a lot of things.. وبيلعب ساعات معايا بس هو دايما مشغول.. وخلاني اروح الـ gym معاه مرة.. وأنا بصراحة ساعات انتي بتوحشيني وهو كمان بيوحشني بس طنط اللي هنا طيبة.. وكمان عمو اللي هنا طيب اوي.. بس مش بيكلمني وبيعيط كتير" اختلفت ملامح سارة للغاية

"عمو مين يا حبيبي؟" سألته في ريبة 

"عمو كريم.. انتي مش عارفاه؟" نهض في حماس ثم جذبها من يدها "تعالي نروحله" نهضت لتسير معه وهي تنتابها الشكوك، أيقصد كريم أخو زوجها كرم؟!!..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ 

"أيوة يا عم جاية أنا ولبنى جانبي اهي.. الغدا عليك بقى.. لا مسافة السكة.." 

استمع شهاب لآخر مكالمة هاتفية ثم فكر، هي في منزل معاذ ذلك السخيف.. يتذكره ذلك اليوم عندما رآه بالكمين الآمني على الطريق.. عليه أن يُحضرها من عنده إذن!! ولكن ما عنوانه؟! 

ليس مهمته أن يعرف.. مهمته فقط أن يُلقي بالأوامر.. لقد دفع لهؤلاء الرجال الكثير من الأموال!!

"اسمه معاذ.. مقدم.. لا في الشرطة.. هي اكيد هتركب أوبر.. يتقطع عليها الطريق بعد ما تنزل من العمارة وتجيبوها هنا لغاية عندي" 

أنهى المكالمة وهو يتخيل ما سيحدث معها!! أتظن أنه لن يقدر عليها.. أريني شجاعتك إذن أيتها الساذجة عندما يصاحبك ثمان رجال، أريني ماذا ستفعلين وقتها.. 

آخر مرة عندما تركته، بتلك القوة وذلك الكبرياء وظنت أنه لا يستطيع الإقتراب منها.. نوعا ما ألم ذلك القاتل بداخله.. جرح احدى افراد عصابات المافيا المرعبة الذي كان فردا منها.. أغضبه ذلك.. وهي لا تعلم كيف هو غضب شهاب الدمنهوري!! 

والآن.. سيكون الإختيار لك.. إمّا ستخبريني اليوم بالحقيقة وإما اختيارك سيكون الموت!!

*** 

أشارت فيروز مودعة كلا من معاذ ولبنى من شرفة منزلهما ثم استقلت السيارة بعدما وجدت أن لوحة السيارة قد تطابقت مع تلك التي ظهرت في التطبيق..

"سلام عليكم.. ازي حضرتك؟"

"وعليكم السلام.. تمام.. حضرتك استاذة فيروز؟" 

"آه.. حضرتك عارف الطريق ولا أوصفهولك؟"

"لو الـ location مظبوط هاشغل GPS"

"تمام مظبوط.. شكرا"

"العفو.."

انطلقت السيارة بينما زفرت فيروز وعادت لتتذكر ما اخبرها به معاذ اليوم، ألهذا الحد كان يعشقها؟ ألهذا الحد كان يشعر بأنه مفارق للأبد؟ لماذا لم يعد معها؟

كانت تود أن تبوح له بفشلها مع شهاب، كانت تود أن تبكي أمامه، بعناقه كما اعتادت.. أو ربما لو كان هنا لكان الأمر نجح مع شهاب.. لماذا حدث لها كل ذلك؟ و..

انتبهت للطريق عندما توقفت السيارة فجاة لتلاحظ أن هناك سيارتان يتشحان بالسواد يقطعان الطريق لتشعر بالإستغراب لتلاحظ أربعة رجال يحاوطوا السيارة 

"إيه ده فيه إيه أنـ.."

"أخرس" قاطعه احدى الرجال بنبرة مخيفة لتلاحظ فيروز أن هناك ثلاث رجال آخرين يتجهوا نحو بابها "افتح lock الباب بسرعة.." تحدث مجددا ذلك الرجل الذي يبدو مظهره مهيب ليفعل السائق في خوف وهو يزدرد في ذعر..

حاولت الإفلات منهم وهم يخرجونها رغما عنها، لم تستطع أن تواجه ثلاث رجال بهذا الحجم وحدها، ربما هي تعلم الكثير من فنون القتال ولكن هؤلاء الرجال بتلك الضخامة .. كم هم.. ست رجال؟ سبع؟ لا تدري.. ولكنها لن تستطيع أن تدافع عن نفسها وأربعة من الرجال يرافقونها نحو واحدة من السيارات بعد أن قيدوا يدها بإحكام..

دفعوها إلي احدى السيارات لتنطلق في نفس الوقت بمجرد أن دلف رجلان بجانبها على المقعد الخلفي ورجل بالأمام بجانب السائق وآخر يقود..

يبدوا أنهم حراس، ربما يشبهون رجال الأمن القومي المتخفين.. ملابسهم عادية ولكن! لكن هي لا ترى شيء.. لماذا أجبروها على وضع تلك اللعنة على وجهها.. إلي أين هي ذاهبة؟! لا تدري.. أيُمكن أن يكون شهاب؟ هو الوحيد الذي يُمكن أن يفعل ذلك!

ترقبت طوال الوقت وأخذت تدعوا بداخلها وتتمتم بآيات من القرآن ألا يحدث له مكروه، لن تُنكر أنها شعرت بالخوف والتوتر.. طوال الطريق، هل يكون هذا بسبب زيارتها لمعاذ وقد يود احد أن يهدده بسبب احدى القضايا مثلا؟! 

هل هذه كانت ساعة بأكملها ليصلوا؟ ساعة وهي تشعر بذلك الذعر؟ ساعة!! كيف تحملت؟ كيف؟! 

"استرها يارب.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. يارب سلم" اخذت تتمتم بداخل عقلها وهي تحاول أن تهدأ من نفسها حتى تستطيع التصرف فيما هي مُقبلة عليه..

شعرت بيد تجذبها للخارج بينما حل احدى الرجال وثاق يدها وأخذوا في دفعها وهي تحاول السير دون أن تتعثر فهي لا تستطيع الرؤية ولكنها شعرت أنها انتقلت من مكان لمكان آخر.. فبرودة الجو اختلفت ولكن أين هي؟ 

دفعة أخرى أدركت من خلالها أنها تجلس على احدى الكراسي بينما خلع احدهم ذلك الغطاء الأسود من على وجهها لتحاول النظر بصعوبة خلال الضوء لتجد وجه شهاب أمامها!

زفرت لا تدري براحة لأنها اعتادت رؤيته، بخوف من ملامحه التي لم ترها من قبل هكذا، أم بذعر وارتباك بسبب الموقف الذي وقعت به ولكنها حاولت الهدوء بكل ما أوتيت من قوة..

تفقدته لتجده جالس أمامها، يبدو ولأول مرة مخيفا.. لا بل مرعبا.. نظراته تحمل الكثير مما لا تدري ماهيته، أهذا شر؟ مكر ربما؟ لماذا يبدو اليوم مخيفا للغاية؟ كان يبدو دائما مسالم كالطفل المنزعج وأحيانا الرجل الجذاب ولكن اليوم ملامحه مشدودة، مخيفة، مبهمة، ومتوحشة.. لماذا لا يتحدث إليها إلي الآن؟

أدركت إذن من تواجه اليوم.. تواجه الرجل السيكوباتي.. السادي.. الذي يعذب النساء.. من لديه صلة بالمافيا.. وأدركت أن كل ما رآته منه كان مجرد أوجه يتظاهر بها واتقنها ببراعة شديدة حتى ظنت أنه لا يستطيع أن يؤذيها.. حسنا.. لقد كانت غبية للغاية!

الحوار معه.. بهدوء.. بذكاء.. الحوار معه كان جيد.. كان جيد للغاية.. حتى أنها قاربت من الحصول على ثقته ودفعه للإدلاء بماضيه.. ستتحدث إذن معه!! 

"مكنش لازم تجبني في بيت معرفهوش وعربيات وتقطع الطريق.. كنت ممكن تكلمني بس على فكرة" أخبرته وحاولت أن تُخفي ملامح الخوف والتظاهر بالتلقائية ليبتسم هو لها في سخرية ولكن نظرته بدت مخيفة، لن تكذب.. لقد رآت العديد من السجناء وجالست البعض ولكن شهاب تفوق عليهم اليوم بأكملهم!! 

"خير يا شهاب عايز إيه؟" حمحمت وهو ينظر بداكنتيه اللامعتان بطريقة جعلتها ترتعد بداخلها، وكأنه يرى بداخلها وبداخل عقلها كل شيء، وكأنه يعرف عنها تفاصيل حياتها منذ أن كانت ببطن أمها.. حسنا هذا مرعب!! أعلم شيئا عن علاقتها ببدر الدين! لن يكون هذا جيد أبدا..

"بدر الدين الخولي.. علاقتك بيه إيه؟" سألها وهو يُسلط تركيزه بأكمله عليها وكأنه يترقب أن تصدر حركة قد تُخبر بكذبها

"تاني" ابتسمت وهي تحاول التماسك وألا تدع خوفها يظهر عليها "حطتلي الخمرة في الأكل علشان الموضوع ده مش كده!!" هزت رأسها في إنكار بينما ملامحه المشدودة ونظرته المرعبة يُجبراها على عدم التظاهر بذلك المرح الساخر الذي ادعته 

"بدر الدين!!" زفرت زفرة مطولة واستدعت منتهى الثبات لتُكمل "ده خال اسما.. جه اخدها قبل كده من الإمتحانات اللي فاتت مرتين، اتعرفت عليه وقالي إن بنت اخته زينة محتاجة مساعدة لأن بيجيلها نوبات صرع.. وفريدة حاولت إن أساعد البنت.. بس كنت لسه مفوقتش من موت ماهر، وموت ابني" ابتلعت بمرارة وحزن ليخفي شهاب تأثره بعدما رآى نظرة تلك العينتان الملعونتان عديمتان اللون  

"خدت ملامح عن حالتها والتشخيص ورشحتلها دكتور وهي بتكمل معاه دلوقتي.. مكملتش معاها شهر اصلا.. اتطمنت كده اعرف بدر الدين منين!! أظن ممكن امشـ.." وقبل أن تنهض هز شهاب رأسه بالرفض ثم جذب بسرعة شديدة احدى الأسلحة من خلف ظهره ثم جذب الدافع كمن يهيئه للإطالاق لتنظر له فيروز في خوف وتوقفت عن الكلمات من تلقاء نفسها ولن تُنكر أنها شعرت بالذعر حتى أن خفقات قلبها تقسم أن شهاب يستمع لها من على مسافة.. 

"حلو.. بتساعدي الناس.. دكتورة شاطرة.. لا برافو.." ابتسم بشر وملامحه بدت مرعبة حتى انها ابتلعت في مزيدا من الرهبة "بس قوليلي بقى" نهض من على كرسيه ليتجه نحوها "مين اللي زاقك عليا.. آمال ولا بدر؟" نهض ليتجول حولها لتتابعه بنظرها قدر ما استطاعت

"شهاب للمرة المليون بقولك مفيش حد زاققني عليك.. للمرة المليون بقولك أنا مكنش يفرق معايا حاجة غير المشروع.. وأظن آخر حاجة انت عملتها معايا خلتني حتى مش عايزة لا مشاريع ولا غيره معاك و.." توقفت من تلقاء نفسها عندما لامست فواهة السلاح جانب رأسها وجذب شعرها 

"يالا.. أظن كده مبقاش قدامك حل غير إنك تقوليلي الحقيقة.. بدر ولا آمال؟!" اقترب ليهمس في اذنها بمنتهى الشر لتشعر هي بالرعب ولكنها فكرت بسرعة..

آمال.. هي جدة للتو.. بدر الدين كبير العائلة.. أمّا هي.. سيبكي والدها ووالدتها كثيرا ولكن سيفرحان لاحقا عندما تتزوج فريدة.. لماذا تود العيش.. لقد مات ماهر وابنها.. لمن ستعيش؟! هبة ستتألم ولكنها قوية وستعبر لبر الأمان في النهاية بعد شهور من الحزن 

"شهاب أنا مبكدبش عـ.."

"انطقي مين فيهم" قاطعها بنبرة مرعبة

"أنا قولتلك الحقيقة انا كان فارق معايا المشروع، ولما طلبت من الجلسات أنا قولت اساعدك.. مفيش حد زاققني عليك ووالله أنا كنت عايزة اساعدك" تحدثت في خوف وارتجف جسدها

"أنا كنت عايز اديكي فرصة.. بس خلاص.. أنتي مصممة بقى.. براحتك" تحدث بتريث ولكنها لم تقاطعه ولم تدافع عن نفسها وهي حتى لم تطالبه بالتوقف فدفع بالسلاح ليتغلغل أكثر بجلد جبينها وأوصدت عينيها في رعب ليضغط هو الزناد!

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

#يُتبع . . .