الفصل الثلاثون - شهاب قاتم
الفصل الثلاثون
تنويه : الفصل القادم سيتم نشره بتاريخ 14 أكتوبر 2020 وسيتم نشر نفس الفصل على الواتباد بعدها بأربعة وعشرين ساعة في تمام الساعة التاسعة مساءا!
إذا تم الإنتهاء من كتابة الفصل الواحد والثلاثون سيتم نشره قبل ذلك..
شكرا للمتابعة..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
غادة السمان لـ غسان كنفاني :
" أعلم أنّك تفتقدنِي لكنك لا تبحَث عنّي ، وأنّك تُحبني ولا تُخبرني ، وستظل كما أنت ، صمتك يَقتلني "
- و يرد غسان :
" ولكنني مُتأكد من شيء واحد على الأقل هو قيمتكِ عندي ، كل ما بداخلي يندفعُ لكِ بشراهَة ، لكنّ مظهري ثابت "
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
لن يعود إذن قبل بداية الأسبوع المقبل بعد أن استمعت لحديثه مع حازم، عليها التصرف سريعا كي تجد طريقة لإخراج كريم من هذا المنزل ووقتها قد تساوم عليه الجميع..
لولا إرتدائها لتلك الملابس التي تخفي وجهها لما كانت استطاعت أن تذهب وتختفي في منزله بالساعات، وبالرغم مما اتفقت عليه مع أروى وأن كل شيء بدا لها منطقي ولكنها لم تجد أية أوراق مثلا أو حتى حاسوبه الذي استطاعت الولوج إليه بمنتهى السهولة كان شبه فارغ ولا يحمل سوى التطبيقات الأساسية!! إذن أين يحتفظ بكل ما هو مهم؟
زفرت وهي لم تعد تكترث سوى بشأن الحصول على الأموال من شهاب، إن لم يكن بالطريقة الطبيعية إذن فبالإجبار.. بالطبع سيفرق معه أن عمه الوحيد المتبقي له من العائلة قد تم إختطافه! وقد يفرق كذلك كريم الدمنهوري مع أبناءه بأكملهم، إن لم تكن أروى فهناك العديد غيرها.. ولكن ليس هذا بالوقت المناسب لمواجهتهم بعد.. ستستمر في إدعاء الإختفاء حتى تجد حلا لأمر كريم!
تذكرت كلمات كرم بآخر أيامه، لماذا كان يود التواجد بصحبة أخيه؟ كما أنها تذكرت أنه لطالما كان يتحدث عنه وأراد أن يبدأ معه أعماله ولكن كريم لطالما رفض!! أكان من الممكن أن هذا الشيخ الخرف كان كل ما يريده هو العائلة فحسب؟
ابتسمت في سخرية وهي تتذكر كم تحدثا بشأن إخبار شهاب عن حقيقة وجودها هي وحازم في حياته ولكنه دائما ما كان يرفض رفضا قاطعا بإخبار شهاب.. لماذا كان دائما يريد إخفاء الأمر؟! الآن قد علم، بل وآخذ منها ابنها.. يا للسخرية..
ولكن كيف ستخرج كريم وذلك المنزل يعج بالحراسة الخاصة؟ تلك المرأة عنايات، ولن تنكر أن حازم بات متعلقا به بل ويسأل عليه ويريد أن يراه، فهي بالكاد استطاعت إقناعه بأعجوبة ألا يُخبر شهاب عن حضورها لمنزله وأن تم تلفيق كل ما يحدث حتى يبتعد عنها..
لقد استطاعت الآن كسب ثقة العديد وحتى عنايات أصبحت تتركها مع حازم بالساعات عكس السابق، ولكن كيف تُخرج رجل مقعد من المنزل؟ كيف ستفعلها؟!
ربما إذا دفعت حازم أنه يريد قضاء الوقت بالخارج ويريد أن يكون الجميع معه، ستذهب معه هي وعنايات وكريم واحدى رجال الحراسة.. تتفق مع رجال آخرون في مكان بعيد عن المنزل بأن يأخذوا كريم، وعليها أن تبقى في النهاية مع حازم وعنايات كي لا يُكشف الأمر.. قد يظن حينها شهاب أن من اختطفه أي أحد ولكن ليست هي!! وإذا قاوموا فالعنف هو الحل الوحيد معهم إذن!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"ماذا؟! أتشعرين بالغيرة فقط لرؤية تلك الفتيات يغادرن من غرفتي؟!" ابتسم بسخرية شديدة وهو يتفحص ملامحها المنزعجة الغاضبة "حقا كلوديا لا تخبريني أنكِ تكترثين! كلوديا تكترث من أجل رجل بصحبة فتيات يصرخن طوال الليل! يا للحماقة"
"ليو!! أنت تعلم أن الأمر تغير الآن.. ربما بالسابق كلماتك كانت صحيحة ولكن أنت تعرف جيدا أن ما بيننا بات أكثر من مجرد فردان يلتحقان بأحدى عائلات المافيا ورجل وإمرأة يمارسان الجنس فحسب"
أخبرته بنبرة منزعجة وملامح جدية ليضحك في خفوت ساخرا ورمقها بمنتهى الإستهزاء وشعر براحة غريبة تسري بداخله وهو يستمع لتلك الكلمات منها فها هي إمرأة، تملك الأموال، جميلة، ذكية، مفتونة به ولكن هو.. هو لا ينظر إليها سوى أنها تساعده، يستفيد منها جسديا، ويستغلها للوصول لكل ما يريد تحقيقه بتلك الأعمال المشبوهة لا أكثر ولا أقل
"ماذا تريدين؟ أن أخبرك بأنني أعشقك مثلا؟ أو لربما أتوقف عن معاشرة تلك النساء من أجلك؟ بالرغم من أنكِ تعلمين جيدا ما الذي أقنعهن به.. كل تلك التهريبات التي يقمن بها من أجلي لن تكون موجودة إذا ابتعدن عني.. ولكن فقط لنتخيل أنني أصبحت رجل لإمرأة مثلك، لماذا سنصل؟ أين ستنتهي تلك العلاقة؟ ومتى؟ وكيف؟ هل فكرتِ بذلك أو خطر على بالك يوما ما؟"
تريثت وهي تنظر إليه في حزن وتوسل بآن واحد وهي حقا لا تصدق أنه يستخدم عقله معها الآن، لا تصدق أنه بهذه الدرجة من الجمود كي يتحدث عن كل ما يحدث بينهما بتلك الطريقة!! حتى أنه يبتسم لها الآن نصف إبتسامة ساخرة لم تقابل عيناه ونهض ليوجه ظهره إليها وكأنه سيُنهي هذه المناقشة الآن!
"دعيني أخبركِ عزيزتي ما الذي سيحدث.. أولا تلك النساء لو نما إلي علمهن علاقة مؤكدة بيني وبينك أمر الماسات التي تهرب بجسدهن لن يُصبح كالسابق، جميعهن يرتعدن منك كلوديا ومجرد رؤيتهن إليك تخيفهن حتى أكثر مما تخاف مني تلك النساء..
ثانيا أنا يستحيل أن أعشق إمرأة قد تخلت عن من أحبته لسنوات بعد شهور من معرفتها لرجل آخر قد اجتذبها إليه بصمته وذكاءه وبضع ممارسات جامحة!!
ثالثا.. سنفقد ذلك الشغف بيننا، لن تكون علاقتنا نفس تلك العلاقة التي نتشاركها الآن، أنتِ تعشقين تلك الممارسات معي، ولكن إذا أخذنا تلك العلاقة لنضيف إليها شيئا آخر سوى الجنس والعمل ستبدأ أمالك بالإرتفاع، وسأبدأ أنا بالشك.. سنتشاجر.. وسينتهي الأمر بقتل واحد مننا للآخر..
أنا أعرف كم أنتِ ذكية كلوديا، فقط فكري بالأمر ستجدي كم أن ما أخبرتك به منطقي للغاية.. لذا دعينا نحافظ على ما بيننا ونكتفِ بتلك العلاقة الشغوفة التي نتشاركها، أنا وأنتِ لم نخلق للعشق عزيزتي.." التفت إليها بإبتسامة متنهدا "والآن لدي الكثير لأفعله، سأعود بالمساء"
تركها لتتابعه بعينيها وهي تشعر بالآلم، إلي متى ستظل تحمل له ذلك العشق الذي فتك بها منذ سنوات وهو لا يستجيب إليها؟ إلي متى ستظل ظله الذي يذهب معه أينما كان بينما لا ينظر لها سوى بتلك الطريقة؟ ماذا عليها أن تفعل أكثر حتى تشعر ولو للحظه بمشاعره لها سوى تلك المشاعر الجامدة ومشاعر الرغبة بتلك الممارسات الجنسية والسادية فحسب؟! ألا تستحق ولو بضع مشاعر بعد كل تلك السنوات التي تستيقظ بها فقط لتبرهن له كم تعشقه؟! ألن يتوقف عن جموده معها أبدا؟!
تلك الحياة ظالمة، هناك من يعشقنا ولا نبادله وهناك من نعشقه ولا يبادلنا ووقت ما يتبادل العاشقان الحب فيما بينهما تأتي الرياح بما لا تشتهي سفن عشقهما لتدمره وتبتلعه في أعماق سنوات من حزن وآلام! ليس هناك بقصة حب مكتملة أبدا..
الحب هو مشاعر نشعر بها لبعض اللحظات، الأيام، ربما تتحول لسنوات ولكن بالنهاية لابد من نهاية مأساوية حتى تستمر تلك الحياة الظالمة لتنهش مشاعر البشر بمنتهى الإفتراس الضاري!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
تعالت أنفاسه التي احترقت من كثرة الغضب وهو ينظر إليها كالمحموم بلهيب لم يشعر به أمام إمرأة من قبل، تصفعه الآن!! حسنا سيريها!! رمق سريعا تلك الكاميرات الخاصة بمراقبة الأورقة بالفندق بلمحة سريعة ثم أمسك بكلتا يديها بقوة هائلة حتى شعرت بالآلم وجذبها لغرفته بمنتهى السرعة وأوصد الباب صافعا إياه بمنتهى العنف ونظرته التي اضطرمت بها نيران الغضب أشعلت خوفها ولكن لا، لن تسمح أبدا لرجل مهما كان أن يتحدث لها بمثل تلك الطريقة، حتى ولو كان هو!!
أقترب إليها محاصرا جسدها النحيف أمامه وصدره العالي بدأ في تلمس صدرها ولكنها لم تلاحظ تلك الإنعكاسات أثر تنفسه المتوالي في أجيج احتراق هائل يحاول أن يكبحه بداخله كي لا يصبه بأكمله عليها الآن لغياب عينيها التي انهمر منها غضب مساوي لغضبه هو الآخر وتنفسها الذي ازداد مثله في لهيب مستعر من المشاعر المتضاربة التي فسرها عقلها بمنتهى الخطأ ولم يكن صائبا سوى بأنها حقا إمرأة لن تقبل أن تكون مكان عاهرة بيوم من الأيام!
"قد الضربة دي؟ عارفة ده معناه معايا إيه؟" ابتسم بشراسة هامسا إليها بخفوت نبرته الرجولية التي خلفت بحة مُهيبة لتقع على مسامعها ولكنها لن تشعر بالخوف أمامه أبدا ولن تدع له الفرصة في رؤيتها خائفة منه
"تحبي اجيبك تحت رجلي دلوقتي؟" توسعت ابتسامته ليتعالى تقززها منه بينما أخبرها بما لا تتوقعه أبدا "دي كانت blowjob لسه هبسطك" تحولت ابتساماته وغضبه لتمتزج بالمزيد من الوقاحة
"ياااه لو الدكتورة المحترمة تمشي بفضيحة من هنا وتتسيط بين أهلها إنها نامت مع راجل وهمّ مسافرين لوحدهم هيبقى كويس؟ ولا لما تتفضحي قدام أهل جوزك لما يشوفوكي وأنا بـ.."
لم تحتمل تلك الكلمات لتجد نفسها تركله بمنتهى القوة برجولته لتنطبق أسنانه بعنف حتى أوشكت على استماع احتكاكتها الغاضبة المتألمة بأذنيها ولانت قبضتاه قليلا وانتهزت الفرصة لتبادره بحل قيد يداها منه لتجذب جسده بيديها وسددت له ركلة بمعدته بمنتهى القوة التي عكسها ادرينالين الغضب الذي انفجر بسائر عروقها ولكمته بوجهه وانخفضت بجسدها لتباعد بين قدماه وركلته من جديد بعد أن مددت احدى ساقيها بمنتصف ساقه تحديدا ليسقط أمامها وكل ما فعلته لم يأخذ سوى ثوانٍ!
"أنا مشوفتش في قذارتك حقيقي.. مشوفتش إنسان أقذر منك" أخبرته بلهاث غاضب ونبرة اتضح بها خليط من المشاعر المتناقضة
"عارف، كنت مرعوبة توصلني للحالة دي، بس شاطر يا شهاب ادينا وصلنا.. أنت فاكر إننا علشان كويسين كأتنين اصحاب يبقى هتشدلك.." نظرت إليه مطأطأة رأسها حيث كان لا يزال جسده ملامسا للأرض لتنظر له بأنفة شديدة "كان نفسي مقولكش الكلمة دي بس أنت بالنسبالي حالة.. عارف يعني إيه حالة، يعني واحد مريض.. اه بتبسط لما بشوفه كويس، ببقى مبسوطة وطايرة في السما لما تصرفاته بتتغير وأفكاره بتتغير وهازعل عليه لما يروح يهد كل اللي بحاول أعمله بقالي فترة بمنتهى القذارة.. لكن أنا ادخل في علاقة مع حالة!! ده مستحيل"
ابتلعت وهي تنظر له بكبرياء وتقزز وخيبة أمل شديدة وهزت رأسها في آسى مساوي لمقدار الحزن الذي سيطر على ملامحها بأكملها لدرجة أنه دفع عينتيها لتكوين حائل من الدموع
"ياريتها حتى كانت مراتك ولا حبيبتك، دي حرفيا واحدة من الشارع!! علشان كام دقيقة من متعة رخيصة بمنتهى الضعف والجبن سمعت لصوت رغباتك الضعيف وسيبته يتحكم فيك!! قد إيه أنت شخص ضعيف وجبان!" نظر إليها بغضب لينهض واتجه نحوها ولكنها لم تخشى إقترابه منها أبدا
"عقلك القذر بيسولك إنك تفكر فيا بالأسلوب ده ليه؟ علشان أول مرة تتعامل مع ست محترمة مش كده؟ علشان ست كل غرضها منك إنك تكون إنسان أحسن؟! متعاملتش مع النوع المحترم ده قبل كده ولا اتعاملت مع إنسانة عندها كرامة وعزة نفس ودين يمنعها من وساختك مش كده؟!" همست وهي تنظر له مقبلا بإتجاهها
"إياك تاخد خطوة كمان ولا تحاول تلمسني وإلا هابيتك في المستشفى يا شهاب!" هددته بمنتهى الجرأة وهي تنظر بمنتهى الزجر لداكنتيه التي رآت بهما نيران الغضب وتوقف أثر تلك النظرات المسلطة إليه كخناجر لا تتوقف عن الإندفاع لسائر حواسه
"أنا كنت فرحانة بيك، كنت فرحانة بقربنا من بعض.. كنت فرحانة بالثقة اللي ما بيننا، الثقة اللي تعبت في إني ابنيها، اتشجعت وقولت هو أكيد إنسان كويس ويمكن ماضيه عرضه لناس مش كويسين بس لما يتعامل معايا بأسلوب محترم كل حاجة هتفرق.. عارف أنا الثقة دي علشان ابنيها اخدت مني مجهود قد إيه؟ عارف إني حاولت مخافش منك وقفلت على كل القديم وقولت يمكن يجي منه.. إنما أنت مريض.. حالة متأخرة.. أنت محتاج تتعزل، شوفلك مصحة من بتوع السيكوباتيين بره مصر تقعدلك فيها سنتين على الأقل علشان يمكن، يمكن تجيب نتيجة معاك!" نظرت إليه بالمزيد من خيبة الأمل ليرى الدموع عادت لمقلتيها والحزن اتضح للغاية على تقاسيم وجهها
"يا خسارة" همست بمرارة والتفتت لتغادره لتتوقف اثر نبرته الجامدة
"غوري على اوضتك واياكي تمشي.. ولا نسيتي إن محدش هيسمحلك تمشي من الأوتيل اللي أنا صاحبه؟!" تحدث لتلتفت له بمفاجأة شديدة شعرت بها بسبب كلماته وهي تجفف احدى دموعها لينظر لها شاعرا بالقليل من مشاعر لم يعرفها أبدا من قبل ولم يختبرها بحياته يوما ما!! لم يعرف حتى ماهية تفسيرها.. لم يدرك حينها أنها كانت مشاعر ضئيلة من الندم الخالص بمصاحبة خجل أمام نفسه!
نادما على رؤيتها تبكي، من أجله.. ولكن هذه ليست الطريقة التي ود أن يرى بها بكاءها له!!
"ده أنت بجح بجاحة عمري ما شوفتها في إنسان قبل كده!" رمته بتلك الكلمات بمنتهى التقزز ثم فرت مسرعة إلي الخارج لتتركه في إنهيار من مشاعر لم تعرف طريقا لقلبه من قبل بينما إنهارت هي في بؤرة من إحساس بالفشل وخسارة حالة وصديق..
إحساس كاذب، يقنعها عقلها به، هي بعيدة كل البعد عن الفشل، بعيدة بسنوات ضوئية عن خسارته، هي توقظ بداخله كل ما لم يختبره في حياته من مشاعر، نجحت بمنتهى البراعة في الربح بمشاعر جديدة عليه لم يشعر بها مع سواها، ولكن بالطريقة الخاطئة تماما..
لم يكن حالة مرضية، لم يكن صديق، بل كان رجلا ميتا، بحث عن العشق يوما ما بكل ما تبقى به مشاعر لتُسلب في يم من الكذب والإستغلال لتتركه ميت، مقتول، مصروع، مهلك، لم يتبقى لديه ولو لمسة من مشاعر لتأتي هي في أيام لتحيي ذلك الرجل من جديد بكل ما تمناه يوما ما..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
عصر اليوم التالي.. الثاني عشر من أكتوبر 2019..
لماذا ذلك اليوم محكوم عليه به أن يحدث مصيبة له؟ لا يكره أكثر من ذلك اليوم بالتحديد.. تُسلب طفولته، ثقته، شجاعته، يرى فتاة تستغله لسنوات بنفس اليوم، يهاتفه والده لضرورة عودته لمصر، يتعرف على وليد، أول مرة يقتل بها، والآن تهرب منه المرأة الوحيدة التي لم يتمن في حياته سوى الحصول على عشقها ورؤيتها تبكي من أجله!!
يكره ذلك اليوم المشؤوم بكل ما يحدث به، لا ينساه وأصبح الثاني عشر من أكتوبر يشابه ذلك الفصل الواقع به، الخريف الحزين اللعين.. يسلبنا أوراقنا النضرة الخضراء ليُخلف اجساد واهية تساقطت قدرة تحملها على الإستمرار بتلك الحياة البائسة! شهر بغيض..
سلبه والدته، سلبه كل ما تبقى به من ذرة إنسانية، وكلما آتى هذا الشهر المشؤوم ينتشل منه كاللص الجبان جزءا منه ليتركه هاويا بلا حياة!!
ابتلع بمرارة شاردا في أمرها، أظنت أنه استسلم؟ أظنت أنها بحيلتها التي نفذتها ببراعة بتبديل ملابسها بملابس احدى العاملات بخدمة الغرف ومغادرتها من درج العاملين بالفندق ستدع لها الفرصة في التخلي عما يُريد؟ يا لها من غبية..
"أنا كنت فرحانة بيك، كنت فرحانة بقربنا من بعض.. كنت فرحانة بالثقة اللي ما بيننا، الثقة اللي تعبت في إني ابنيها، اتشجعت وقولت هو أكيد إنسان كويس ويمكن ماضيه عرضه لناس مش كويسين بس لما يتعامل معايا بأسلوب محترم كل حاجة هتفرق.."
ماذا تعرف عن ماضيه؟ ماذا تعرف ما الذي يحدث له كلما أقترب من ذلك اليوم الذي لا يكره بالعام أكثر منه؟ ماذا تعرف كيف يكون كلما انتعشت تلك الذكريات برأسه؟
لا تعرف أنه يواسي نفسه بتلك النساء، يخبر نفسه أنه يستطيع أن يكون عنيفا قويا ترتعد منه النساء، ليس بذلك الصبي المنتهك مسلوب البراءة، يُثبت لنفسه أنه يستطيع فعل الكثير، نعم يستطيع أن يؤلم كما تألم.. يفعلها ببراعة.. يفعلها بمنتهى القدرة يقوم بنقل ذلك الرعب الدفين داخله لرعب أعين أي إمرأة أمامه، يستمتع بتلك الصراخات التي شابهت صرخاته يوما ما.. فقط ليثبت لنفسه أن ما حدث له يوما ما لا يُعيبه في شيء!
يحتفل بهذا اليوم منذ الصباح حتى المساء مع احدى العاهرات ناقلا آلام حملها لسنوات ليبدد خلالها شعوره بالنقص ما إن علم أحد عما حدث له!! حتى احتفاله أفسدته بما فعلته معه فجر هذا اليوم بتلك الكلمات التي هشمته بمنتهى العنف الذي لم يشعر به أبدا..
تلك المرأة ساحرة، ليست ساحرة الفتنة والأنوثة، لا هي الساحرة الشريرة بالقصص والأساطير، تُفسد له حياته بأكملها، تحوله من شخص اعتاد وجوده لشخص آخر لم يعرفه يوما ما.. تركته هاربة بعد أن فرت لتحول من أسطورة حياته السعيدة الناجحة التي يواسي نفسه بها ظاهريا لأسطورة حزينة تزبل تفاصيلها كلما أقتربت منه بسحرها الشيطاني..
"أيوة يا شهاب بيه.. لسه طالعة بيتها" حدثه ذلك الصوت الرجولي بهاتفه الذي كان مجرد رجل يتقاضى حفنة أموال ضئيلة ليراقبها
"ماشي" تمتم مجيبا ثم أنهى المكالمة، أوصد هاتفه تماما ووقع بحالة شرود شديدة لم تفارقه بتلك السيارة التي تقله من المطار حيث احدى منازله فهو حتى لم يشعر بأنه يستطيع أن يقود السيارة في طريق العودة من كثرة ذلك الإرهاق الذي لم بسائر حواسه وعقله لا ينفك عن التفكير بكل شيء حتى أصاب بشلل فكري..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
رمقت تلك المنضدة الجانبية لسريرها بمنزل والديها، لا تدري كيف فعلت كل ذلك، هروبها بتلك الطريقة من هذا الفندق، تلك الملابس التي حصلت عليها، تبديلها لملابسها، انتظارها للحافلة السياحية، عودتها بذلك الطريق، لقاءها بأختها ووالدتها، الإدعاء والكذب بأن كل شيء بخير.. مُرهقة، تريد النوم!! كيف آتت ووصلت إلي المنزل وهي لا تزال قطعة واحدة بعقل يعمل وجسد يستطيع التحرك؟!
لماذا تبكي بتلك الحرقة الآن وهي تحاول ألا تتعالى شهقاتها كي لا يستمع أيا من أُسرتها خاصة أنها استمعت لصوت والدها الذي قد آتى للتو.. تشعر بالرعب من رؤيته، لو فقط لمحها سيُعري قناع أنا بخير ولكن مرهقة الذي تحاول أن ترتديه منذ وصولها..
لماذا تبكي كل ذلك البكاء؟ لماذا تشعر هكذا؟ هذه ليست الحالة الأولى التي تخسرها، وليس أول صديق تفارقه.. ربما الأمر لأنها بالأساس ليست بخير، ليست مؤهلة للتعامل مع تلك الشخصية السيكوباتية، لن يُغيره تلك الجلسات والسير بمحازاة البحر والثقة والإحترام والدين.. لن يغيره شيء، لن يتغير أبدا.. لماذا ظنت أنه سيفعل؟
أين آتت بتلك الفكرة الساذجة؟ ولماذا بكاءها لا ينتهي، تشعر بأن قلبها لا يستطيع تحمل ضخ الدماء الكافية لسائر أجزاء جسدها، لا تدري ماذا عليها أن تفعل، لمن تذهب؟ لمن تتحدث؟ لماذا عليها الإحتفاظ بكل ما مر عليها بذلك الأسبوعان وحدها؟ تريد التحدث والثرثرة والبكاء أمام أي أحد.. ولكن أحد لا يعرفها.. هبة ليست المناسبة!! تموت رعبا من أن تواجهها الآن بحقيقة فشلها للمرة الثانية!
هي تريده، تريد أحد مثله، تريد البكاء أمامه، أمام شخص عرفها وعرفته للتو، شخص لا يتذكر من هي، شخص لا يعرف كل شيء عنها كي لا يتهمها بالفشل الذريع الذي أصبحت عليه، شخص تستطيع التظاهر أمامه بالقوة عكس تلك الهشاشة المحيطة بها.. تريد أن تبكي مرة أخرى ليجذبها في مثل ذلك العناق الذي رفضته وقتها بشدة وسترفضه من جديد لو حدث ولكنها لا تدري حتى ما تريده وما نهاية ذلك البكاء والنحيب والشهقات التي لا تتوقف وتتوالى في إصرار وتصميم هائلان كي تُترك كورقة شجر تهب بها الريح إلي اللامكان واللا شيء لتتفتت في النهاية وتصبح هشيما لا معنى له!
أين كل ما تعلمته من والدها؟ من دراستها؟ سنوات أفنتها في دراسة علم النفس ومن ثم ماجيستير ودكتوراة والمزيد من الدراسات والآن تأتي لتبكي بهذا الطريقة!!
يبدو أن كل شيء انتهى، منذ تلك اللحظة التي علمت بها بموت ماهر وفقدانها لحملها وهي لم تغادر بعد تلك البوتقة التي تقوقعت بها.. هي أكثر العارفين بأن ما حدث لها لو حدث لأي إنسان يا إما يستعيد نفسه شيئا فشيئا وإما لا يفعل، ويبدو أنها لم تفعل ولن تفعل!
فقدت نفسها، فقدت ما هي عليه، فقدت هويتها بالكامل وفقدت قدرتها على الإستمرار، ربما الإستمرار اللحظي، أو الإستمرار العقلي.. تشعر بإرهاق وتعب شديد بسائر جسدها وحتى رأسها تبدو وكأنها توقفت عن العمل وكأنها شُغلت بأمر واحد فقط وهو إعطاء تلك الإشارات لقلبها كي تتعالى خفقاته أكثر ولعينيها حتى تذرف الدموع التي عمت بصرها حتى أصبحت الرؤية مستحيلة وغرقت في ظلام قاتم لم ترى خلاله شيئا ولم تشعر سوى بشدة قتامة مشاعر أنهكتها دون رحمة لتستسلم في النهاية لما شابه الإغماء!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
تابعتها بعينيها من شرفة غرفتها وهي تدلف المنزل وهي لا تستطيع الإنتظار أكثر، فهي طوال تلك الأربعة أيام المنصرمة عقلها لا يتقبل أن تلك الصغيرة المدللة ستكون والدة أبناء سليم.. يستحيل.. لن تتركها أبدا لتحظى بتلك الفرصة!
تعرف أنها تلقي التحيات على الجميع ومجرد دقائق وتأتي لها كي تطمئن عليها مثلما تتدعي، ذهبت بسرعة لتلقي ذلك الزيت على الأرض أمام باب غرفتها من الداخل بكمية كبيرة للغاية ثم تابعت حتى تركت الزجاجة الخاصة بالزيت لتضعها على منضدة منخفضة ذات أدراج التي تعلوها مرآة وتوضع فوقها أدوات التزيين لتبدو وكأن الزيت قد سُكب من تلقاء نفسه..
ذهبت لتجلس على كرسيها في مقابلة الباب مباشرة حيث إذا دلفت زينة تتوجه لها فورا لتمر على ذلك الزيت المسكوب ثم أمسكت بكوب العصير بيدها وما إن استمعت لخطوات تقترب نحو الباب حتى أدركت أنها هي وبمجرد رؤيتها تدلف غرفتها حتى ادعت سقوط كوب العصير الذي تهشم زجاجه على الأرض..
"صباح الخـ.." توقفت عن الكلام ما إن رآت ما حدث "يا حبيبتي خدي بالك" أخبرتها لتهرع زينة بسرعة نحوها ولكن لزوجة الزيت حالت دون ثباتها ففقدت توازنها وسقطت زينة بمنتهى العنف وارتطمت رأسها بالأرضية بشدة على احدى قطع الزجاج لتنفجر الأخرى من الغضب الشديد، فليس هذا السقوط ما توقعته ولكن ذلك الزجاج الذي انغرس بجبينها مخلفا جرحا شديدا وكذلك وجهها ادى لنزيف الدماء حتى اتضح على الأرضية!
هرولت هديل مسرعة ما إن استمعت لصراخ يأتي من قِبل غرفة أروى وكذلك بعض المساعدين بالمنزل وشاهندة وهم ينظرون لبعضهم البعض في صدمة شديدة وفتحوا الباب بسرعة لتدعي أروى الذعر وهرع الجميع على جسد زينة الملقى على الأرض أمام أروى
"مامي الحقي زينة وقعت.. مش عارفة ازاي ده حصل، وقعت على كسر ازاز.. حد يكلم الإسعاف بسرعة"
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
بعد مرور ساعتان..
تمزق سليم آلما على رؤية تلك الضمادات التي غلفت جبينها وتلك الندوب التي اكتفى الأطباء بإزالة بقايا الزجاج منها وتطهيرها وعدم إجراء أية خيوط بها وأكتفوا بتخيط الجرح بجبينها لتدمع عيناه وهي ملقاة كالجثة الهامدة أمامه ليتلمس يدها بقلب تعالت خفقاته في حزن تام على ما حدث لها..
انهمرت احدى دموعه وهو ينظر لملامحها في تفحص شديد، ينتظر أن تستيقظ بفارغ الصبر، إلي متى ستظل فاقدة لوعيها بتلك الطريقة؟ لقد مرت ساعتان بأكملهما مروا عليه كعقدان من الزمان.. لقد أخبره الأطباء أن الإصابة كانت متوسطة ليست بالشديدة وليست بالبسيطة، ولكن هل ستأخذ أكثر من تلك الساعتان؟ هل سيصيبها أي أذى؟! لا يتحمل أن يحدث لها أي مكروه أبدا وهو بمنتهى الغباء كان تاركا إياها!
لو فقط أثر ذلك السقوط على أول فرحة لهما بتلك الحياة لم يكن ليسامح نفسه على السماح لها بوجودها مع تلك الأفعى اللعينة التي تتظاهر بالبراءة.. أتظن أنه سيتركها بتلك السهولة؟ أقسم بداخله أن بمجرد استيقاظ زينة والإطمئنان عليها لن يترك أفعالها الشيطانية تلك دون أن يراقبها حتى تظهر قذارتها أمام الجميع!
"سليم يا حبيبي أجيبلك حاجة تشربها؟" حدثه بدر الدين وهو يتلمس منكبيه الذي لا يدري متى آتى ودلف الغرفة ليرفع له سليم رأسه وانهمرت احدى دموعه
"بابا.. أكيد أروى هي السبب.. استحالة يحصل لزينة كده فجأة.. والله العظيم لو طلعت هي السبب في ده ما هاسيبها" حدثه بأنفاس غاضبة بالرغم من ملامحه المتألمة
"يا ابني الزيت كان واقع على الأرض و.."
"بص متنرفزنيش زيادة عن ما أنا عايز اولع فيها.. أنا حاسس إن الحيوانة دي بتمثل أصلا.. وهو الزيت هيوقع كده من نفسه؟ أنت مصدق أصلا إن زينة دونا عن باقي اللي في البيت يحصلها كده.. جرا إيه يا بابا! أنت نسيت أروى عملت فيا وفيها إيه زمان؟" علت نبرته وهو يقاطعه بعصبية شديدة ليربت بدر الدين على كتفه
"طب اهدى ووطي صوتك علشان هديل واخواتـ.."
"عايزني اهدى وأنا مراتي اللي لسه في أول حملها يجرالها كل ده وفي غيبوبة الله أعلم هتفوق منها امتى؟! ولا أنت مالك يا بابا فجأة كده بقيت حنين على الكل وعامل نفسك مش واخد بالك من الشيطانة التانية دي.. أنت نسيت كده كل حاجة؟"
"منستش.. منستش حاجة يا سليم.. بس تفوق الأول زينة ونطمن عليها ونشوف هنعمل إيه" حدثه بنبرة هادئة ليتفاقم غضب سليم وهو يتذكر كل ما مر عليهما من أروى وأخذت الأحداث بأكملها تمر أمام عينيه
"سيبني يا بابا واطلع بره الله يخليك" رماه بتلك الكلمات ليعقد بدر الدين حاجباه في إنزعاج ليتنهد في النهاية بعد نظرات لوم رماها به من سوداويتيه وقرر إعطاءه القليل من المساحة معها ليترك كل ما يشعر به جانبا الآن!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
بعد مرور يومان..
"أنتي عارفة إني مش داخل دماغي ولا حرف من اللي أنتي بتقوليه ده مش كده؟!" حدثتها هبة لتزفر فيروز في ضيق
"ليه يعني.. إيه الغريب في إن واحد عنده مرض يستجيب للعلاج؟" اجابتها سائلة في شخرية لترفع هبة احدى حاجبيها وملامحها اعتراها الجدية الشديدة
"ياااه.. في اسبوعين كده اتبدل حاله.. اسبوعين روحتي قضتيهم معاه من غير حتى ما تقوليلنا على السفر بتاعكو ده.." ابتسمت بمرارة إليها "بصي لو الحوار دخل على الكل يا فيروز فهو مدخلش عليا"
"يووه.. فيه إيه يا هبة بقى!" ابتعدت عنها وهي تتصنع أنها منشغلة بما في يديها ولكنها كانت حقا تريد الهرب من تلك النظرات الواعية والمدركة تماما لكذبها الصريح "فعلا الموضوع مكناش مرتبينله.. بس أنا بقولك إن شهاب بدأ فعلا يستجيب!"
"ده زي برضو إنك فجأة جيتي فتحتي الشقة هنا وبقالك يومين عمالة تنضفي فيها وعايزة تقعدي فيها شوية.. فيروز انتي مخبية عني إيه؟ تصرفاتك كلها مش طبيعية.. حتى لما كنتي بتكلميني وانتي مسافرة معاه يادوب كانوا كلمتين على القد وأنا طبعا متلجمة ومش عارفة اطمن عليكي لا يكون زفت ده بيوصل لمكالمتنا.. انتي فيه إيه بالظبط اللي حصل مع شهاب وانتو مسافرين؟"
"محصلش حاجة يا بنتي" زفرت زفرة مطولة في غضب ثم التفتت إليها "ما اديكي شايفة اهو المؤتمرات اللي كنا فيها وموضوع المستشفى و.."
"انتي هتضحكي عليا أنا مش كده!!" قاطعتها رافعة حاجبيها في عدم تصديق "انتي من يوم ما رجعتي مش شايفة نفسك عاملة ازاي، احنا بنطلع منك الكلمة ولا الضحكة بالعافية.. انتي فجأة كده عايزة تبعدي عن الكل.. يعني مش شايفة إن غريب اوي بعد سنة وكام شهر جاية تفتحي شقتك انتي وماهر وتقعدي فيها؟!"
"يعني انتوا عايزين إيه مني؟ عايزني جوزي يموت، حمل يروح، اضحك واجري واتنطط واعيش في نفس البيت وانزل الشغل وأعمل فيها إني كويسة؟ ولا عايزيني ابعد عن الشغل وافضل مكتئبة؟ ألون واقلع الأسود، أرجع الشقة، أرجع شغلي.. أنتوا عايزين مني إيه بقى؟ نفسي أفهم أرضيكوا ازاي؟ أعمل إيه علشان تقتنعوا إني بقيت كويسة وأحسن وبقيت خلاص قابلة إن جوزي مات وحياتي بتستمر.. كفاية بقى يا هبة ضغط على أعصابي حرام عليكي"
أجهشت بالبُكاء لتتحول ملامح هبة للحزن من أجل صديقتها ثم أقتربت منها لتعانقها فبادلتها فيروز العناق وحاولت أن تخفف عنها وتركتها تبكي كيفما شاءت وربتت على ظهرها في حنان
"والله عايزاكي تكوني كويسة، بس خايفة عليكي، أنا حساكي بتعملي كل حاجة بطريقة غلط.. هو غلط إني أخاف عليكي؟ غلط إني عايزاكي تبعدي عن واحد مريض زي ده؟ غلط إني عايزة اطمن عليكي؟ أنا تعبت يا فيروز من كتر ما انتي تعبانة! مش عايزة أشوفك كده.. علشان خاطري حاولي تفوقي.." دمعت عينيها هي الأخرى لتبتعد فيروز عنها قليلا وهي تجفف دموعها
"أنا اهو بحاول، رجعت الشغل والشقة، واحدة واحدة هاكون كويسة والله.. ولو على شهاب فهو كمان هايكون كويس ومتقلقيش لو مكونتش شوفته استجاب ماكنتش قعدت معاه لحظة.." ابتسمت إليها بمرارة لتتنهد هبة وهو تومأ لها في تفهم ولكن كل ملامحها بعيدة تماما عن الإقتناع!
"إن شاء الله يا حبيبتي.. أنا هاروح أشوف جميلة" أخبرتها وهي تربت على يدها ثم تركتها لتشعر فيروز بالمزيد من الإحتقار لنفسها، ها هي تكذب من أجل مريض!!.. كيف وصلت لهذه الدرجة على كل حال؟!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"صباح الخير" همست زينة ليلتفت إليها سليم تاركا حاسوبه الذي يقوم بإنهاء بعض الأعمال عليه وذهب نحو السرير
"صباح الورد على احلى عيون" ابتسم إليها لتحاول هي الإستناد على تلك الوسائد خلفها "عاملة إيه النهاردة؟ لسه حاسة بنفس الدوخة؟" ساعدها بتهيئة الوسائد خلفها
"لأ الحمد لله بقيت أحسن.. بس زهقت من قاعدة السرير يا سليم" نظرت له بملامح تحاول طرد النُعاس من عليها
"حبيبتي بس يومين كمان نطمن عليكي وبعدين نعمل كل اللي انتي عايزاه" جذب احدى يداها ليقبلها بنعومة "وبعدين أنا اهو شغال الأسبوع كله من البيت وبابا هيروح الشركة بدالي.. بمجرد ما الدكتور يطمنا تاني هنعمل كل اللي نفسنا فيه" أخبرها بإبتسامة لتتنهد هي وهي تتفحص عينيه "أخلي حد يحضرلك الفطار؟" تريثت لبرهة وهي تنظر له بعشق شديد ولكن زرقاويتيها حملتا الندم
"سليم، أنا آسفة.. أنا مقصدتش إني أقع بالمنظر ده وكان ممكن بعد الشر الحمل يـ.."
"انتي عبيطة يا زوزا!!" قاطعها وهو يحتوي كلتا يداها في دعم "أنتي بتتأسفي فعلا!! أهم حاجة إنك كويسة وبخير يا حبيبتي.. ولو على الحمل نجيب عشرة تاني" ابتسم إليها غامزا لها في مُزاح وعاد ليُقبل يداها من جديد
"يالهوي!! عشرة"
"آه عشرة.. ولا مش واثقة إني قدها.. لولا بس إنك تعبانة كنت وريتك" ضيق عيناه بخبث مازح
"لا قدها قدها بس همّ اتنين حلوين" توسعت عيناها وهي تبادله الإبتسامة
"طمنيني انتي بس عليكي ونشوف اتنين ولا عشرة.. اهم حاجة تكوني كويسة يا زينة.. أنا بجد كنت حاسس إن روحي بتطلع مني وانتي في المستشفى ودايخة قدامي ومش عارف أكلمك" امتلئت عينيه بالخوف الشديد وهو ينظر لها تلك النظرات التي لا تستطيع الإكتفاء منها أبدا
"يا حبيبي بعد الشر عليك.. إن شاء الله مفيش حاجة وحشة هتحصل تاني" أخبرته لتجذب احدى يداه وقبلتها ليبتسم إليها في حُزن
"خدي بالك من نفسك يا زينة علشان خاطري، أنا مش هاقدر استحمل لو جرالك حاجة!" اشتدت ملامحه بالمزيد من الخوف لتبتسم هي له
"حاضر يا حبيبي، متخافش عليا، وبعدين ما أنا بطل في نفسي اهو وفايقة وزي الفل"
"بطل متخرشم بس بموت فيه" غمز لها في مزاح لتمتعض هي ملامحها في ضيق
"شكلي بقى وحش اوي مش كده؟"
"والله لو اخدتي مليون غُرزة هتفضلي احلى واحدة في عينيا!!" أومأ لها بالإنكار ثم اقترب ليقبلها قبلة هادئة مُتريثة نقل خلالها المزيد من عشقه الجارف والتأكيد عليه بدعم وهدوء شديدان
"أنا والله ما قصدت، أنا روحت علشان أحوش الكوباية اللي وقعت من أروى واتزحلقت في الزيت اللي كان واقع و.."
"هششش، خلاص حصل خير، أهم حاجة بس تاخدي الأدوية وتقومي بالسلامة وهترجعي مُزة أحلى من الأول كمان" قاطعها بإبتسامة أجبرها على شفتاه وهو ينظر لها بينما انفجر الغضب بدماءه فهو لا ينفك يُفكر بأمر أروى وسيعرف جيدا ما إن كانت هي السبب أم لا ولكن فقط عند إطمئنانه أن زينة أصبحت بخير "أنا هاقوم اخلي حد يجبلك الفطار، واياكي تقومي من السرير" توسعت عينيه في جدية لتومأ هي له وكاد أن ينهض لتجذبه إليها واقتربت لتقبله في شغف شديد
"بحبك أوي يا سليم، ربنا ميحرمنيش منك"
"ولا يحرمني منك يا حبيبتي" همس أمام شفتيها وتريث لبرهة ناظرا لها بعشق ثم نهض ليُحضر لها الطعام!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
بعد مرور أسبوع..
ظنت أن خلال يوما واحدا ستنقلب الدنيا رأسا على عقب، ولكن أين هو شهاب؟ ولماذا لا يُجيب أحدا بالرغم من إتصالات عنايات وحازم العديدة له؟ إما لا يُجيب بأول يوم وإما هاتفه مغلق بعدها منذ ذلك الحين..
لم تكن لتتخيل أنها ستُجبر على تأجير احدى الشقق لتضع بها كريم بإدعاء أنه رجلا مسنا مريضا لأحدى الرجال الذين كلفتهم بهذا الأمر كي تبعد كل الشبهات عنها.. كانت تظن أن الأمر سينتهي بين ليلة وضحاها، ولكن أن يستمر هذا الأمر أكثر من ذلك لم يكن بحسبانها أبدا!!
لمتى ستظل منتظرة إلي أن تبدأ في تهديدات شهاب حتى يُعطي لها الأموال؟ ولماذا لا يتواجد؟ وأين هو منذ عودته من السفر على كل حال؟
لقد أخبرها الرجال الذين يحاولون مراقبته من بعيد أنه رآه بالمطار ثم غادر بصحبة سائق لمكان ما ولم يستطع متابعتهما لسرعة تلك السيارة ولا حتى ذهب للمنزل الذي يمكث به حازم..
تتابع الأمر عن كثب من خلال حديثها لعنايات وحازم، تتظاهر بأن من ذلك الظالم الذي قد يفعل ذلك برجل مريض، تصنعت وقتها الخوف وصرخت وحاولت حماية حازم وكأن ليس لها علاقة تماما بما حدث، حتى رآت الثقة بوجه عنايات.. ولكن إلي متى سيستمر هذا الوضع؟!
إن لم تستطيع الوصول له في خلال أسبوع آخر ليس لديها حلا سوى أبناء كريم.. وسيدخلهم هذا الأمر في صدام مع شهاب!! لا تكترث ولكنها ستهدد الجميع بدفع فدية طائلة من أجله..
يا لها من ساذجة، أتظن أن هناك من يكترث له بهذه الطريقة؟! لقد أخطأت تماما..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
لم تعد تستطيع التحمل أكثر من هذا، فزينة لم يحدث لها سوى ذلك الجرح الطفيف الذي لم تخطط له أبدا.. لم تكن خطتها.. كانت تظن أن بسقوطها ستفقد الحمل، ولكن ربما عليها التفكير بأمر آخر، كأية عقاقير مثلا بطعامها.. ولكن كيف وهي لا تزال تدعي عدم قدرتها على السير؟! هل عليها الآن الإدلاء التظاهر بشفاءها شيئا فشيء؟!
وأين تلك المرأة؟ لماذا هاتفها مغلقا طوال الوقت؟ ولماذا لا تتحدث إليها منذ أسابيع؟ هل يُمكن أنها وصلت لشيء دون أن تُشاركها به؟ كيف فعلت ذلك من خلفها؟! تلك اللعينة لابد وأنها عرفت شيئا عن شهاب وتخفيه عنها!
شردت بهاتفها وهي تتصنع تصفح احدى مواقع التواصل الإجتماعي دون إكتراث كي لا يرتاب بأمرها أيا من عاصم أو لميس، قد باتت تكره تلك الشفقة على وجوه الجميع وضرورة تواجدهما معها طوال الوقت، تشعر وكأنما هناك حولها حصار فُرض عليها من قبلهما!
"إيه ده.. مش دي فيروز؟" استمعت لصوت لميس التي نبهتها من شرودها لترفع نظرها إليها بملامح متعجبة
"فيروز مين؟!" سألتها بإبتسامة مقتضبة تدل على الإستغراب
"اللي انتي فاتحة على صورتها دي.. فيروز دي تبقى بنت خالة عمرو صفوت.. ما أنا حكيتلك يا أروى" ضيقت أروى ما بين حاجبيها لوهلة
"ده، ده إعلان عن مستشفى خيري، أنا معرفهاش.. يعني الإعلان جه قدامي صدفة"
"غريبة!! عمري ما سمعت يعني إن فيه حد في عيلة عمرو رجل أعمال زيه.. هي المفروض دكتورة نفسية أصلا" أخبرتها ولكن لم تكترث أروى كثيرا بالأمر وهزت كتفيها في تلقائية بينما أعادت نظرتها للهاتف وهي ترمق الصور دون إهتمام لترى بعدها صورة شهاب لتشعر بغصة في حلقها وأوصدت شاشة الهاتف وملامح الإنزعاج تملكت من وجهها عندما تذكرت تفاصي تلك الليلة المشؤومة وكل ما حدث لها بسبب هذا الحقير!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
كمثل تلك الأيام المنصرمة، محدقا في اللاشيء، مستعيدا حياته بأكملها أمام عيناه، ومسترجعا لتلك اللحظات التي شاركها معها ببضع أيام، وجد نفسه في نفس الدوامة التي تصرخ به مرة أخرى بأنه لا يريد الحصول على عشقها فحسب.. لا بل هو يعشقها.. يعشق تلك العينان معدومة اللون الواحد، وشعرها الطويل الذي يتمايل مع تحركاتها العفوية البريئة، يعشق وجنتيها، شفتيها التي كلما تحدثت بهما يسلبا عقله.. وحتى جسدها الذي يدعي أنه لا يثيره، أشتاق لحركاته العفوية التلقائية التي لا تملكها سواها هي..
لقد بات يعشق كل ما بها، تفاصيلها، كل ما هي عليه.. حتى عدم سماحها له بالإقتراب منها بات يُعجبه أكثر من أي شيء أختبره بالحياة!
كل ما فعلته معه يوما ما، كل حديث تشاركاه، حتى وهي تتحدث عن نفسها، تلك الأيام الأربعة التي والت ذلك اليوم الذي أوشك فيه على إخبارها بما لم يخبر به أحد يوما ما تجعله يلعن نفسه مرارا وتكرارا على ما فعله أمام عينيها..
كانت هادئة، مبتسمة، متفهمة، تصغي له عندما يتحدث حتى ولو لثوان معدودة، تجعل كل شيء أسهل، حتى كانت تحاول التخفيف عنه، كان يرى ذلك بمنتهى الوضوح عندما أخذت تخبره عما تحبه وتكرهه وأمنياتها كفتاة صغيرة تعشق البحر وكل ما تمنته يوما ولم تستطع تحقيقه هو أن تمطي حصانا بموازاة البحر ويجري بها حيث اللانهاية..
تلك الحظات، التجارب، الإكتراث الحقيقي الذي قرآه بعينيها أكثر من مرة، كل ما تفعل معه من أشياء لم يسبق له أن جربها من قبل، حتى مع غادة نفسها.. غادة!! لماذا يقارن ذلك الصفاء والنقاء وتلك المرأة الرائعة بأخرى قذرة مستغلة ليس لديها مانع في تقبيله اليوم والذهاب بعدها لتضاجع هيثم!
فيروز إمرأة يستحيل على عقله أن يقارنها بأي من الحثالة كغادة وكلوديا وحتى سلمى التي يظنها أفضل من نساء آخريات مستغلات كالأفاعي.. سلمى كانت واضحة منذ البداية على عكس بقية النساء!!
شعر بالخوف وآلامه تزداد، لا؛ بل شعر بالرعب، الرعب من الوقوع بالعشق مرة أخرى، مشاعر تلك الصدمة وإنكساره أمام غادة منذ سنوات لا يزال يتذكر كل مرارتها بنفس الآلام التي تعتصر قلبه.. ماذا لو فقط ذهب إليها مخبرا إياها أنها بعد كل تلك السنوات بتحريم العشق على قلبه قد أصبح يعشقها هي.. ستخبره بماذا؟ أنه مجرد حالة كما أخبرته منذ أيام؟!
دمعت عيناه وازدادت تلك الغصة بحلقه لتنهمر احدى الدموع التي هربت بغتة في مفاجأة له هو نفسه وازداد شعوره بالرعب، لن يستطيع مواجهة ذلك مرة أخرى، لا يستطيع الشعور بذلك الآلم من جديد..
فاق من شروده على لهيب سيجارته الذي اقترب من أصابعه دون دراية ليدرك أنها احترقت بأكملها دون أن يلاحظها ليلقيها أرضا دون إكتراث وعاد ليُفكر بفيروز مجددا!!
لماذا على قلبه اللعين الوقوع لإمرأة لا تبادله نفس الشعور؟ لماذا يختار قلبه تلك الإختيارات؟ بالسابق غادة الثرية التي لا يليق بها أن تتزوج صبي صغير لا يملك سوى الأحلام وجائزة مالية ضخمة، والآن فيروز التي تراه كمجرد حالة أو حتى صديق.. لا أكثر ولا أقل!
ولكن لا، لقد رآى اهتمامها، لقد رآى توترها عند إقترابه منها أكثر من مرة، يستحيل أن يكون بالنسبة لها مجرد حالة فقط.. قد يقبل بأن يكون صديقها، يقبل بمنتهى الإقتناع أنه مريض، ولكن لا يقبل أبدا بعد كل تلك اللحظات التي تشاركاها بأنه مجرد حالة بالنسبة لها! لن يقبل هذا الأمر أبدا! لقد شعر بأنها تحمل له الكثير من المشاعر، لقد تأكد بنفسه من ذلك أكثر من مرة.. ربما هذه المشاعر ليست قوية كمثل التي امتلكتها كلوديا له يوما ما، ولكن هناك بداخلها مشاعر له!
ابتلع بصعوبة زفرا كل ما برئيتيه من أنفاس وكاد على اقتلاع شعره المشعث بيداه، لم يعد يستطيع الإبتعاد عنها أكثر من هذا، هو يريدها، يريدها بأي طريقة كانت، وعشقها سيحصل عليه حتى ولو كان المقابل أن يجعلها ترى شهاب الصغير والمراهق وذلك الشاب الذي ودعه منذ سنوات.. سيفعل لها كل ما تريد فقط لتعود مرة أخرى، تجالسه وتمازحه وتهتم به وهو يستمع لتلك الضحكات الرنانة التي لم يعشق أكثر منها في حياته بأكملها!
لتعود لتكون صديقته، أو معالجته، أو أيا كان ما تريده، علها تُسكن قليلا من ذلك الإشتياق الجارف الذي يُسيطر عليه منذ أيام بشراهة لم يكن يتخيل أبدا أنه سيشعر به من جديد نحو إمرأة!
نهض حاسما أمره بالذهاب إليها، ولكن أين هي الآن؟!
بحث عن هاتفه الذي وجده فارغا تماما ليتذكر أنه لم يتلمسه منذ عودته ليقوم بتوصيله بالشاحن الكهربائي وبنفاذ صبر استطاع أن يعيد تشغيله ولم يكترث لكل تلك الرسائل التي وصلت هاتفه التي كانت تحمل العديد من الأرقام التي هاتفته عند إغلاقه لهاتفه ليقوم بإزالتها تماما ولم يكترث سوى لمعرفة أين هي من ذلك الرجل الذي أخبره بأن يراقبها!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
استندت برأسها على حافة تلك النافذة التي تخص احدى غرف الأطباء بتلك المصحة وهي تتناول بعض القهوة وتشرد بتلك المساحة الخضراء بينما فكر عقلها بكل ما يمر عليها بتلك الأيام!
كذبت من أجله، لا بل كذبت من أجل نفسها، لا تستطيع تصديق أنها باءت بالفشل التام معه، لا تستطيع النظر للجميع بوجوههم وهي تتظاهر بأنها بخير، هي فقط لم تعد تحتمل..
لقد أقنعت هبة بأعجوبة أن شهاب لديه الكثير من الأعمال ولا يزالا لم يحددا موعد الجلسة، كما أنها أقنعت الجميع أنها عادت لعملها ولكنها كانت بعيدة كل البعد عن العودة..
أتظن أن هؤلاء الأطفال بتلك المدرسة شخصياتهم ومشاكلهم كالذي مر على شهاب يوما ما؟ أم هذه المصحة الذي أغلبها كبار سن وتعج بحالات الشيخوخة التي لطالما تنتهي بممارسة علاج روتيني لهم، لا هي فقط تتابع الحالات من بعيد.. تعلم جيدا أنها ليست مؤهلة، ربما عليها الإبتعاد عن كل ذلك، أو ربما عليها الإقتراب كي تنسى كل شيء!!
تنهدت ثم كادت أن ترتشف من قهوتها لترمقها بسأم ثم تركتها على حافة النافذة لتعقد ذراعيها أمام صدرها وشردت بعيدا مرة أخرى بملامح حزينة، كم تكره أن تبتعد عن منزل أهلها، وكم تكره أنها باتت تمكث بمفردها في شقتها هي وماهر، تستعيد ذكرياتهما تارة، تبكي تارة، وتارة أخرى تفكر بحالة شهاب التي جعلت كل شيء أسوأ بالنسبة لها.. ولكن أليس هذا أفضل للجميع؟!
لها، لهبة، لأُسرتها.. لكل من يكترث بأمرها.. ليس عليها رؤية ذلك الحزن بأعينهم أكثر من ذلك.. تشعر بأنها هي السبب الوحيد لحزن الجميع حولها ولم تعد تستطيع رؤية الشفقة بأعينهم! يكفي ذلك..
لقد كانت تظن أنها عادت لسابق عهدها مرة أخرى، ظنت أن شهاب ربما سيكون أفضل يوما ما، لقد لمست هذا من حديثه، من تلك الطريقة التي أخذت تتغير رويدا رويدا بينهما، من تلك الجلسة التي أقر لها بالقليل مما عاناه، لقد بات أفضل وأوشك على الإستجابة.. لماذا فجأة دمر كل شيء بما فعله؟ لماذا أفسد كل شيء؟!
أين هو كل تلك الأيام؟ أأنتهى الأمر فجأة هكذا؟ ألا يبحث عنها؟ ألا يُمكن أن هناك جزءا بداخله أشتاق لتلك اللحظات معها؟ تقسم أنها عاملته كصديق قبل أن تعامله كمجرد حالة مرضية تحتاج للمساعدة.. ألم يُمثل له ذلك ولو جزءا ضئيلا من مشاعر بداخله؟! ألا يمتلك مشاعر على الإطلاق؟ كيف هناك شخصا مثله ببني البشر!
"ادخل" صاحت عندما استمعت لطرقات على الباب
"فيه حد بيسأل عن حضرتك"
"طيب خليه يتفضل" لم تكترث حتى لمن يريدها وابتسمت بإقتضاب لتلك العاملة وتوجهت لتذهب جالسة خلف مكتبها المتواضع وهي حتى لم ترفع رأسها لإكتشاف من الذي يريدها ولكن صوت إغلاق الباب نبهها فرفعت رأسها لتجده أمامها بملامح لم تظن أنها ستراها عليه يوما ما..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .
تنويه : الفصل القادم سيتم نشره بتاريخ 14 أكتوبر 2020 وسيتم نشر نفس الفصل على الواتباد بعدها بأربعة وعشرين ساعة في تمام الساعة التاسعة مساءا!
إذا تم الإنتهاء من كتابة الفصل الواحد والثلاثون سيتم نشره قبل ذلك..
شكرا للمتابعة..