الفصل الثالث والثلاثون - شهاب قاتم
الفصل الثالث والثلاثون
تنويه : موعد الفصل الرابع والثلاثون سيكون بتاريخ 22 أكتوبر على مدونة رواية وحكاية في تمام الساعة التاسعة مساءا وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرون ساعة على موقع واتباد
ملحوظة : يتم نشر مسابقة بالمجموعة الخاصة على الفيسبوك (روايات بقلم بتول - Novels written by Batoul) ويتم إرسال جزء في حدود 200 : 400 كلمة من احداث الفصل التالي للفائز قبل الجميع عند الفوز بالمسابقة.. ستكون المسابقة غدا الحادية عشر مساءا بتوقيت مصر..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
~ إن ما يقوله المريض للطبيب سر حميم مثل الاعتراف الذي يقوله الخاطئ للقسيس ولا يصح إفشاؤه
(مصطفى محمود - العنكبوت)
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
رمقته في هدوء وصمت دام منذ أن أخبرها بقصة اختطاف عمه ومنذ ذلك الحين رآته بوجه جديد تماما.. مخيف بشكل هائل، حتى أكثر من تلك المرة التي هددها بها عندما قام بإجبارها بالمكوث معه ورفع عليها السلاح!!
امتثلت المزيد من الصمت أثناء ذهابها معه بالسيارة، فذلك الوجه الظاهر عليه الآن لا يبشر بالخير أبدا، ولكن ما تتعجب له هو موافقته في ثوان على اقتراحها بالذهاب معه..
لاحظت مدى توتره وتحركه الذي يزداد مثل ما عهدته دائما، تارة يمرر أصابعه في شعره، يحك عنقه، يعبث بملابسه ولحيته التي اكتسبت طولا ملحوظا ولم يتوقف عن تشتيتها الشديد وهي تتابعه ولا حتى اختلفت ملامحه المخيفة الغاضبة واستمر في القيادة بسرعة مجنونة إلي أن وصلا منزلا آخر..
تفقدت ذلك المنزل العملاق بشكل ادهشها حقا، هذا المنزل يختلف كثيرا عن بقية منازله، يبدو وكأنه قصرا، ولكن من يملك هو ليعيشوا بهذا القصر العملاق؟! عفوا.. كم من البشر يحتاج هذا المنزل للإعتناء به؟! فقط المنزل من الداخل، هي حتى لا تتسائل عن من يعتني بتلك الحديقة الجبارة بالخارج ولم تتسائل عن أعداد الحراسة الذين قاربوا من جيش كامل.. كيف تم اختطاف عمه على كل حال من بينهم؟! فقط كيف؟!
تابعته في صمت شديد ولم ترد أن تتحدث إليه حتى يبدأ هو وترجل من السيارة وأخذت تسير بجانبه في منتهى الهدوء الذي يتقاسماه لمدة منذ أن اخبرها بالأمر وما إن دلف من تلك البوابة الفارهة للمنزل حتى هرول عليه حازم ليعانقه بكلتا ذراعيه الصغيرتان حيث أنه ظل ينتظره منذ أن انهى المكالمة معه
"وحشتني أوي يا شهاب.." همس وقد شعرت فيروز من اشتياق هذا الصغير من على مسافة "why didn't you answer my calls؟" ظلت فيروز تنظر إليهما وهي تحاول التعرف على شخصية ذلك الصغير بينما ابتسم له شهاب بإقتضاب ابتسامة بدت مخيفة فهي لم تلامس عيناه وبالكاد اتضحت على شفتاه بين لحيته
"معلش يا حبيبي كنت مشغول"
"مين دي يا شهاب؟" سأله حازم لينظر كليهما نحو فيروز التي لم تدع لشهاب الفرصة
"هاي.. أنا فيروز" أقبلت نحو حازم بإبتسامة رائعة وهي تصافحه ففعل هو الآخر وهو يطالعها في استغراب "أنا زميلة شهاب في الشغل وصاحبته.. أنت مين؟" توسعت عيناها في ابتسامة متحمسة لمعرفته
"أنا حازم.. أخو شهاب" همس لها وهو يتفقدها بينما تصافحا
"عندك كام سنة؟"
"أنا.. Eight" همس مجيبا لتتحول ملامحها بمزيدا من الحماس وهي تهمهم له
"ممم.. so you're a big big guy!" حدثته بنبرة مازحة وإبتسامتها تخللت لقلب هذا الصغير ليبتسم لها وهو يومأ بالموافقة بينما أخذ شهاب يرمقهما في انزعاج وعقله لا يتقبل ذلك الحديث بتاتا ليحمحم في محاولة للتدخل بينهما قبل أن يبادر اخيه بالحديث..
"حازم.. قولي يا حبيبي إيه اللي حصل؟" سأله بلهجة لحوحة وهو يحاول أن يجبر ابتسامة كي ترتسم على شفتاه بينما آتت ملامحه غريبة لينظر له حازم في ارتباك لاحظه شهاب الذي لا يعلم شيئا مما لقنتاه عنايات ووالدته سارة إذا سأله شهاب يوما ما عنها..
"أنا.. كنت عايز أخرج.. وروحنا مع الـ driver أنا وauntie عنايات و uncle كريم والـ nanny و.."
"مين الناني؟" قاطعه وهو يحاول معرفة المزيد ولكن من تلك المرأة التي يتحدث حازم عنها؟ لا يتذكر أنه آتى له بمربية.. ولاحظ بسرعة ارتباك حازم الذي لاحظته فيروز كذلك ولكنها تابعت الموقف بعينيها في ذكاء وامتثلت الصمت
"دي.. دي.. nanny بتقعد معايا بقالها شوية" همس حازم مجيبا إياه ولم يغفل عن شهاب مدى توتره وارتباكه ليرفع حاجباه واندفع التعجب لملامحه
"أنت إيه اللي خلاك تخرجه أصلا ومن امتى الناني دي بتجيلك وازاي مقولتليش؟" خلل شعره في عصبية شديدة وتحولت لتصبح ملامحه قاسية لتنظر له فيروز بزجر لم يكن في مزاج لتقبله بينما نظر له حازم في خوف فهو لأول مرة يراه بذلك الوجه
"أنا بس كنت نفسي أخرج.. I asked them and they agreed" همس إليه في توتر وبراءة ليزفر شهاب وتعالى غضبه
"يعني إيه علشان تخرج تـ.." صاح به غاضبا لتقاطعه فيروز بنظرة نارية مُحذرة من عينيها التي تحولت للرمادية تماما
"حازم.. أنا أول مرة اجي البيت هنا، وكنت عطشانة اوي.. ممكن تندهلي حد يجبلي مياة؟" ابتسمت إليه بعد أن انتشلته من تلك النظرات الصادمة التي ينظر بها إلي اخيه "استنى يا شهاب" همست إليه وامسكت بذراعه توقفه عن الصراخ بغضب مرة أخرى ليفر حازم مُسرعا بعد أن لاحظت أنه لا يريد النظر لشهاب وكأنه قد وجد حُجة مانعة ليهرب بعيدا عنه
"شهاب مينفعش تزعقله كده، بالذات هو ميعرفنيش ومينفعش تكسفه كده قدامي.. اهدى شوية" وقفت أمامه وهي تنظر له بجدية وحدثته بإنزعاج
"فيروز.." تمتم في محاولة لكبح غضبه الذي انفجر بملامحه وحاول إيجاد ما يقوله إليها ولكن غضبه أعماه
"أنا عايزاك تركز.. لما كنت قد حازم، وحد بيتعصب عليك.. كنت بتتبسط؟ لما باباك كان بيتعصب عليك كنت بتحس بإيه؟" باغتته بتلك الكلمات ليتراجع خطوة للخلف وتوقف حتى عن التنفس وهو ينظر إليها بداكنتان حائرتان
"مش حازم هو اللي مسئول عن ده، زي ما أنت مكنتش مسئول عن طلاق باباك ومامتك واللي حصل ما بينهم.. أكيد أنت سايبه مع حد سمح بكده.. كويس اوي انه قالك الكلمتين دول.. روح شوف مين اللي مسئول عن البيت هنا وبعدين اعرف اللي حصل وحاول تسيطر على عصبيتك وانفعلاتك وتصرفاتك.. احنا مش اتفقنا على كده؟!"
حدثته بهدوء وجدية ليجد نبرتها وعيناها وكل ملامحها تملك سُلطانا غريبا وتحكما هائلا بعقله ليحاول البحث عن الكلمات المناسبة وهو يأخذ أنفاس ويُطلقها عاقدا حاجباه في صعوبة وملامح متألمة ومنزعجة ليفشل بالنهاية وسط هذه الدوامة التي لا يستطيع الفرار منها
"اهدى.. براحة.. وشوف مين اللي مسئول عن حازم.. وبعدها ابقى عاتبه وفهمه بهدوء علشان ميعملهاش تاني.. لكن أسلوبك وتصرفك الأول مش صح خالص" أخبرته ليُطلق زفرة مُطولة وهو يومأ لها مُطبقا أسنانه في عنف
"أهلا بحضرتك.. أنا عنايات الـ house manager .. اتفضلي المياة" وقفت بالقرب من كلاهما ثم ابتسمت لها بوقار وفتاة أخرى تتبعها تحمل كوب من المياة على صينية تقديم بينما صاحبهما حازم
"أهلا.. أنا فيروز" ابتسمت إليها وتناولت كوب المياة بينما وقفت بمحازاة شهاب لتغادر تلك الفتاة سريعا
"شهاب.. please خليك معايا النهاردة please" توسله في طفولية ليزفر شهاب بحنق حاول أن يُخفيه قدر المستطاع ممتثلا نصائح فيروز إليه
"طيب هقولك حاجة.. أطلع أوضتك.. واختار مكان حلو نروحه النهاردة وغير هدومك على ما أخلص شوية شغل وتكون أنت جهزت ومتقلقش هافضل معاك النهاردة" ابتسم إليه ليبادله حازم الإبتسامة
"بجد.. ولا هلاقيك مشيت؟" نظر له بعينين مستفسرتين
"لا بجد.. اسمع الكلام بقى وسيبني علشان الحق اخلص بسرعة ونروح نخرج ونقضي اليوم سوا" ابتسم إليه حازم بينما نظرت فيروز لتتابع تصرفه وما إن غادر حتى نظر لعنايات بشر دفين وكأن ملامحه اختلفت مائة وثمانون درجة
"حالا أعرف بقى قصة الناني وازاي تسمحي بخروج كريم؟!" تحدث بين أسنانه الملتحمة ونظر إلي عنايات نظرة جعلتها تشعر بالخوف وخاصة أنها للتو قد أنهت المكالمة مع سارة والدة حازم وأخبرتها بأن شهاب قد آتى وقد أخبره حازم ما حدث
"حازم طول الوقت لواحده، كان لازم اجيبله حد يراعيه ويقعد معاه، ويوم ما حصل اللي حصل ده كان مصمم يخرج مع أستاذ كريم.. فضل يعيط ويتحايل علينا فأخدناه معانا" تحدثت إليه بنبرة حاولت أن تبدو صادقة ليتفاقم غضبه بينما لاحظت فيروز أنها تكذب ورآت توترها الذي تحاول تخفيه من عينيها وحركات جسدها
"حد يراعيه.. وأنتي فين؟ ومرتبك اللي بتاخديه ده علشان إيه؟ وأنا مش فاهم ازاي تسمعي كلام طفل وتخرجي راجل مشلول بكرسيه من البيت؟" صرخ بها بمنتهى الغضب وأقترب منها لتلاحظ فيروز قبضتاه التي انعقدتا في غضب جم
"حضرتك أنا كنت دايما معاه، بس البيت مسئولياته كتيرة وأنا عمري ما قصرت من يوم ما اشتغلت هنا.. والولد كان عاوز كده وحضرتك سايبلي مسئوليته، ويومها اتصلت بحضرتك مردتش وكان لازم أنا اتصرف" أخبرته وقد رآت فيروز من كلماتها طريقتها في المدافعة عن نفسها أمامه ليزفر شهاب بمزيدا من الغضب
"حصل إيه يوم ما خرجتوا؟ مشفتوش نمر العربية ولا شكل الناس؟" سألها بإقتضاب ولا يزال يتحدث من بين أسنانه بإنفعال
"اخدنا العربية بالسواق أنا وحازم والمربية وأستاذ كريم في عربية .. وحد من الحرس في عربية تانية.. فجأة الطريق اتقطع علينا واحنا رايحين kidzania وعربيتين فيهم ناس لابسين حاجة غريبة على وشهم.. نزلوا في ثواني واخدوا استاذ كريم.. محدش عملنا حاجة أو أذانا.. كانوا بس بيحاولوا اننا مندخلش" أخبرته بصدق ليُصدق كلماتها ورآى أنها لا تكذب وكذلك فيروز ولكنه لا يدري لماذا لم يقتنع بالأمر!!
"شهاب ممكن لحظة بعد اذنك" أخبرته فيروز بهدوء لينظر إليها عاقدا حاجباه "مفيش مكان ممكن نتكلم فيه شوية؟" اللعنة على نظراتها في هذا الوقت لا تساعده أبدا ليزفر من جديد
هو لا يريد أن يريها أوجه أخرى، ولا يدري ما الذي حدث وقت اختطاف عمه، ومن الذي قد يفعل به ذلك!! بالطبع بدر الدين الخولي أو ابنه اللزج الذي لا يكره سواه.. لو فقط علم أنه خلف ذلك لن يرحمه وحتى لو ترك تلك التسجيلات وما يملكه عليه من معلومات لترى النور سيُبطلها عن بكرة ابيها!!
"شهاب.. ممكن؟" همست من جديد ليومأ لها في تفهم
"طيب روحي يا عنايات انتي دلوقتي" تحدث دون أن ينظر لعنايات بينما بحث بداكنتيه بملامح فيروز لثوان "عايزة إيه؟" سألها وأومأ برأسه في اقتضاب
"ممكن طيب نقعد في حتة ولا هافضل واقفة كده كتير؟" أخبرته بملامح تعج بالإستغراب وأدرك أنه نسي تماما أنهما لا يزالان بردهة المنزل منذ أن وصلا ليومأ لها في تفهم
"تعالي طيب" همس إليها وتوجه للداخل لتتبعه هي حيث احدى غرف المكتب..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
نفس اليوم.. بعد مرور ساعتان.. بمنزل بدر الدين..
"ازيك يا منة عاملة إيه؟" تحدث بدر الدين بهاتفه إلي تلك الفتاة التي آتى بها منذ ساعات لتجالس أروى بينما فعل مكبر الصوت كي يستمع سليم للمكالمة
"الحمد لله كويسة حضرتك" اجابته بوقار ورسمية
"عايزك تاخدي بالك من أروى وتطمنيني عليها دايما.. وتطمنيني بتاخد الأدوية وبتتابع كويس مع الدكاترة ولا لأ.. اديكي شوفتي اخواتها مشغولين ودايما هديل والدتها قاعدة مع ماما وبتراعيها.. ممكن وسط كل ده يكون الإهتمام بيها قليل شوية"
"متقلقش حضرتك، هي هادية جدا ومش بتتكلم كتير بس أكيد مع الوقت العلاقة هتبقى احسن.. وهي بتاخد أدويتها فعلا أنا اديتهالها بنفسي" أخبرته بنبرة تلقائية تحاول أن تطمئنه بها
"أكيد طبعا لسه بس علشان أول يوم ولسه متعرفوش بعض.." حمحم بينما تبادل هو وسليم النظرات في ارتياب من طريقتها الرسمية للغاية بينما تابع بدر الدين حديثه معها
"بما إن الكل عندك اكيد مشغولين وكده وأنا فاهم كل واحد موجود عندك عنده ظروفه يا ريت تبقي تكلميني لو فيه حاجة حصلت.. لو مثلا أروى مش عايزة تروح للدكتور أو حسيتي بحاجة غريبة أو مش منطقية.. يعني ممكن تكون مش عايزة تعرف حد حاجة عن حالتها علشان متشغلهمش وزي ما فهمتك اللي حصلها مكنش سهل علشان تقدر تعديه بين يوم وليلة وكمان نسيت كل اللي حصل الليلة دي.. أنا عموما موجود في أي وقت وفاضي دايما.. كلميني وقت ما تحتاجي لحاجة أو لو فيه حاجة حصلت.."
"تمام إن شاء الله.. ومتقلقش مفيش حاجة هتحصل.."
"شكرا يا حبيبتي.. خدي بالك منها ومن نفسك.. مع السلامة"
"العفو حضرتك ده شغلي.. مع السلامة" أنهى بدر الدين المكالمة لينظر له سليم بملامح ممتعضة
"هي over حبتين" نظر له ليضحك بدر الدين بخفوت "formal شويتين" ظل بدر الدين يضحك له بينما أشار سليم بيديه
"مستني إيه يا حيلتها يعني من واحدة لسه بادئة شغل النهاردة.. الصبر حلو" تحدث بين ضحكته الخافتة على ملامح سليم بنبرته الرخيمة التي لم تختلف أبدا
"والله يا بابا أم أربعة وأربعين دي حاسس إنها بتمثل علينا"
"محدش عارف، واللي حصلها مكنش سهل.. ولا كانت هتكدب في الغيبوبة كمان؟"
"ماشي بس ازاي كل ده مش فاكرة تفاصيل يوم الحادثة، الحوار ده مش قادر يركب في دماغي"
"ما أنت عندك أمك، فضلت ناسيالها كام شهر وفي الآخر افتكرت.. ما أنا حكيتلك يا سليم.. قعدت تفتكر شوية بشوية" (ملحوظة تم تعديل هذا الجزء في رواية ظلام البدر)
"ماشي بس ماما نسيت سنتين بحالهم من حياتها بسبب حالة الإنهيار، إنما مش يوم يا بدر" اشتد جسد سليم في كرسيه بينما أراح بدر الدين جسده في كرسيه بهدوء
"كله هيبان اهو واحدة واحدة.. أصبر وبطل فرك وساعتها هنعرف كل حاجة.."
"لما نشوف" زفر سليم في حنق وظل يُفكر مليا في الأمر "بقولك أنا عندي كده فكرة تانية بصراحة.. بس أنت اللي هتتسحل فيها أنا بقول مجرد فكرة يعني"
"هاتسحل أكتر من كده!!" لوى شفتاه إلي احد الجوانب في تهكم "يا ما جاب الغراب يا أخويا.. انجز وقول"
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
بعد مرور ساعة بمنزل شهاب..
"عرفتي دلوقتي أنا كنت شاكك إن هو اللي باعتك ليه؟ عرفتي ليه أنا مبطيقهومش ومتأكد إن هو ورا كل اللي بيحصل ده؟" آتت نبرته الرجولية العميقة بلهجة إخبارية بالرغم من تلك التساؤلات ولا تزال فيروز تنظر له بدهشة لإخبارها بالحقيقة كاملة هكذا ولكنها حاولت الهدوء قدر المستطاع وتقبلت كل ما قصه عليها
"أنا.. أنا علاقتي بالناس دي محدودة أوي يا شهاب، وزي ما قولتلك إن فريدة صاحبة أسما.. زينة حاولت معاها كده شوية بعد ما اتعرفت على خالها إني أساعدها بس مكنتش لسه قادرة أرجع الشغل.. فقولتلها تروح لدكتور أنا اعرفه شاطر.. بس كده.. لكن مدخلتش في تفاصيل العيلة دي.. أنا حتى مش فاكرة أغلب كلام زينة ليا"
"ومكنتيش تعرفي إني خطبتها؟" رمقها في تفحص شديد
"أنا عرفت انها كانت مخطوبة لواحد.. وبتحب واحد اللي هي اتجوزته.. بس أنا حاولت أركز في الحالة اكتر من الأسامي ومين الناس دي والتفاصيل نفسها يا شهاب" أومأ لها في اقتضاب وهو لا يزال ينظر لها بتمعن "أنت مش مصدقني؟" سألته ليومأ بالإنكار
"مصدقك.. مصدقك" اجابها بإقتضاب وبنبرة منخفضة بينما تناول هاتفه وهي تتابعه بعينيها ثم وجدته ينظر للهاتف في سكون تام ثم شرد به
"طيب أنت يعني شاكك إن هو اللي ورا الموضوع؟"
"لا متأكد إنه هو" نظر لها بملامح ساخرة
"وهتعمل إيه؟" سألته لتتحول ملامحه في ثوان ليبدو كالطفل الذي لا يدري ما الذي عليه فعله
"مش عارف يا فيروز!" هز كتفاه بعفوية ثم خلل شعره وهي تنظر إليه في عدم معرفة هي الأخرى
"استنى شوية طيب.. يمكن الموضوع وراه حاجة تانية.. مش لازم تكون عيلة بدر الدين الخولي يعني.. وبعدين لو أنت بتقول إنه ماسك عليك تسجيلات والحاجات اللي كنت بتشتغل فيها قبل ما ترجع مصر، هيعمل إيه بعمك؟ لو برضو بتقول إنه حاول يتحرش بمراته زمان.. اكيد هيبقى مش طايقه.. وبعد كل اللي عمله فيه لو ظهره قدام ولاده، اللي منهم زينة بنت عمك هيبقى في موقف زي الزفت قدامهم.. مش هيعرف يفسرلهم أصلا هو عمل فيه كده ازاي.. ممكن تدي الموضوع كام يوم كده لغاية ما تتأكد إن همّ اللي ورا الموضوع؟" حاولت أن تشتت تفكيره قليلا لينظر هو لها في حيرة
"كام يوم إيه زيادة عن الأيام اللي فاتت.. أنتي فاهمة اللي بيحصل ولا لأ؟" نهض وهو يحدثها بإنزعاج ثم وضع يداه بخصره بعد أن القى بهاتفه على مكتبه
"أيا كان اللي عامل كده هيكون عايز يضايقني وخلاص.. هيعمل إيه براجل كبير مجنون ومشلول قاعد على كرسي.. ومحدش في الدنيا دي هيفرق معاه كريم الدمنهوري غيره هو أو ولاد اخته.. بصي، أنا آه بحاول اتغير وبحاول أكون إنسان أحسن بس مش هاسيب حد يعمل كده وأفضل ساكت يا فيروز! سامعة؟!"
تحولت ملامحه لتصبح مخيفة وكأنه عاد لذلك الرجل الذي اختطفها لتومأ هي له في تفهم ولكنه لم يخبرها بعد بما فعله بأروى وجعل هذا الأمر لنفسه، بالرغم من كل ما أخبرها به إلي الآن ولكنه لا يستطيع البوح بالمزيد.. نعم هو يثق بها، يثق بما تشعر به نحوه.. تلك النظرات التي ترمقها به باتت مختلفة، هدوءها الشديد معه وتقبلها لكل ما يحدثها عنه من ماضٍ أسود هي لا تمانعه أبدا وتجعله يشعر أنه بالنهاية إنسان بل ويستحق الكثير حتى بعد كل ما قام به من أمور فادحة!! ولكنه لا يستطيع بعد إخبارها بكل شيء!
"أنا هاعمل كام مكالمة أشوف الناس اللي بيراقبوهم وصلوا لإيه.. ومحتاج تسيبيني لوحدي شوية!"
حدثها ثم تبع حديثه بهمس بتلك الجملة الأخيرة لتنظر هي له في حيرة وقليل من المشاعر المتضاربة بين تفهم الأمر وتفهم حالته النفسية بعد أن أخبرها بتلك المشاعر التي تعتريه كلما كان متواجدا بصحبة تلك العائلة من خسارة فادحة أمامهم جميعا، إلي انكسار ونقص وافتقار لوجود عائلة مثلهم معه وذلك الحب الذي يتشاركوه جعله حاقدا عليهم أكثر، وبين مشاعر الحُزن التي شعرت بها لأنه يُطالبها بأن تتركه واحدة..
"حاضر براحتك.. بس حاول إنك تتصرف صح، بلاش عدوانية أرجوك يا إما هتهد كل اللي أنت بتحاول تعمله.. أنا هاقوم أصلي.." حدثته في هدوء وهي تنهض من على كرسيها بينما آتت نبرتها لتصرخ بالإهتمام والتوسل بآن واحد
"وأنت كمان صلي.. وادعي ربنا يهديك لطريق عمك.. وكمان هاقعد مع حازم شوية علشان ميزعلش إننا سيبناه كل ده وجه خبط مرتين.. ومتنساش تاخد دواك" أخبرته ليومأ لها بإقتضاب وهي مجبرة على مغادرته لطلبه ذلك بينما بداخلها شعرت أنها لا تريد تركه لأفكاره!!
"بدر الدين الخولي وابنه.. أنت لسه بتراقبهم مش كده؟!.. تمام.. يعني زي ما همّ مفيش جديد.. خليك وراهم.. تعرفلي كل مكان بيروحوه.. وكمان زينة مرات ابنه.. وأروى الدمنهوري تراقبها.. تعرفلي بتروح فين كل يوم.. وأخواتها كمان، هابعتلك أساميهم!! على بليل تقولي أماكن كل واحد فيهم.. تمام.. وأخبار سارة إيه؟! زي ما هي يعني؟! مبتنزلش خالص من بيتها؟ عنده أبوها.. ماشي.."
أنهى مكالمته وهو يشعر وكأنما هناك دوامة وقع بها، بين اعترافاته، لما حدث بإختطاف عمه، ملاحظته لتلك الأعمال المتراكمة على كاهله، وجود أخيه، مشاعره التي لأول مرة يشعر بها في حياته ورغبته الشديدة في عدم الإبتعاد عن فيروز والبقاء بجانبها أمام أي ثمن.. ود لو أنه يستطيع الفرار من كل ذلك ولكن من سواه سيتصرف ويتحمل المسئولية سواه؟!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
"انتي بتعملي إيه؟ وإيه اللبس ده.. why are you sitting like this؟" تحدث حازم الذي دلف بغرفة الجلوس ليتفقد ما تفعله فيروز
"حازم" همست إليه بإبتسامة وهي تمد ذراعها إليه ليقترب هو منها "أنا كنت بصلي ولسه مخلصة صلاة" تفقدت ملامحه ثم جذبته بخفة ليجلس أمامها بعينين مستفسرتين
"أنت عمرك ما صليت قبل كده؟" أومأ لها بالإنكار وهو يتفحصها "مامي والناني مش بيعلموك؟" أومأ لها مجددا بالإنكار "طيب حابب تصلي زيي؟" سألته لينظر لها بإستغراب قليلا
"أوك.." اجابها لتبتسم إليه
"خلاص أنا هاعلمك.. اتفقنا؟" سألته ليومأ بالموافقة "أنا أصلا كنت هاخلص صلاة وهادور عليك علشان نفسي اقعد معاك من الصبح بس كنت مشغولة أنا وشهاب في الشغل.." امتعضت ملامحه في طفولة ليتركها ويذهب جالسا على الأريكة بإنزعاج
"أنا زعلان منه" أخبرها بإقتضاب مطأطأ رأسه للأسفل
"معلش يا حبيبي.. هو خلاص هيخلص اللي وراه وهيجي يقعد معانا"
"قالي هنخرج، من ساعة ما قعدت معاه وهو دايما كده مشغول.. مامي كانت دايما موجودة إنما هو مش موجود" زاد انزعاجه لتقترب هي إليه بعد أن خلعت ملابس الصلاة وجلست بجانبه وهي تحيطه بذراعها
"ما هو شهاب لازم يشتغل، ويشوف شغله ويسافر، وهو خلاص رجع وهيقعد معاك.. وأنا كمان هاجيلك كتير.." أخبرته بإبتسامة لينظر لها في عدم تصديق وانزعاج طفولي
"كلكم بتقولوا كده وفي الآخر مش بتجولي.."
"كلنا مين يا حبيبي؟"
"انتي وشهاب والناني ومـ.." توقف من تلقاء نفسه عندما تذكر تحذيرات والدته له لتلاحظ فيروز كذبه وخوفه "بصي خلاص.. I don't wanna talk anymore" أخبرها وكاد أن يذهب لتوقفه هي وجذبته بخفة
"استنى بس.. أنا أصلا خلاص هافضل قاعدة معاك لبليل.. وبعدين أنت لسة متعرفنيش.. لما نبقى اصحاب مش هاسيبك تاني أبدا وهنتكلم كل يوم في الموبايل وهنخرج ونلعب سوا.. بس زي ما أنت ما بتروح المدرسة، أنا كمان عندي شغل، وشهاب عنده شغل، صح؟!" نظر لها بإنزعاج
"يعني ينفع في وقت المدرسة بتاعك أزعل منك علشان انت مش معايا؟ أو مثلا لما متعرفش ترد عليا علشان مشغول أزعل منك واضايق؟ ولا لازم افهم إنك كنت مش قادر تكون معايا وافهم إن وراك حاجات مهمة تعملها؟" سألته بملامح عفوية ونظرة تلقائية بإستفسار دفعته للتفكير
"بس أنا مش بفضل كده في المدرسة طول الوقت" أخبرها بإعتراض
"ما هو لما كل ما بنكبر كل ما بيكون ورانا حاجات اكتر وبنتشغل أكتر.. وبعدين أنت شكلك بقى عنيد وهتتعبني معاك وهتزعلني منك.." أخبرته بإنزعاج زائف "وأنا زعلت منك.. وخلاص مش هاقعد معاك وهاقوم امشي احسن ما دام انت مش عايز نكون اصحاب" أخبرته وابتعدت قليلا عنه ليرمقها بنظرة امتلئت بالحيرة
"لا أنا عاوز نكون اصحاب.."
"لا أنا زعلانة وهاقوم امشي إلا لو هتصالحني حالا" حدثته وهي تتظاهر بالنهوض
"أوك.. بس ازاي؟" سألها وهو ينظر إليها
"كده" توسعت عيناها بمزاح وأندفعت نحوه لتتدغدغه بجسده بخفة لينظر لها في غير تصديق بينما بدأ في الضحك وانساب جسده للخلف "قولتلك مشغولين وقولتلك هاقعد معاك.. لازم يعني ازغزغك" أخبرته وهي تشاركه الضحك
"خلاص.. stop.. please" همس بين ضحكاته لتقترب هي منه أكثر ووضعت احدى ساقيها لتستند بها على الأريكة
"دماغك ناشفة أنت.. ها.. مش هسيبك النهاردة" أخبرته بين ضحكاتهما سويا لتتعالى ضحكات حازم في صراخ من مزاح ومتعة ليتوقف شهاب الذي كان يبحث عنها في استغراب لتلك الأصوات وأخذ يقترب من باب الغرفة التي ييستمع للأصوات تصدر منها ليراهما يمزحان سويا وشاهدهما في قليل من الغيرة، الدهشة بتلك المرأة، والكثير من الإستمتاع..
"لا seriously, you need to stop" حدثها بين ضحكاته لتتوقف هي ثم جلست بجانبه وهي تجذبه إليها وارتمى برأسه على صدرها وحاوطته بكلتا ذراعيها ليفعل هو الآخر
"شوفت بقى.. عرفت إني مش هاسيبك النهاردة" اخفضت رأسها وهي تنظر إليه "أنا أصلا من ساعة ما جيت مع شهاب وأنا نفسي اخلص شغلنا علشان نقعد سوا أنا وأنت"
"أوك.. خلاص I believe you" أخبرها وهو يعانقها
"قولي بقى تحب نقعد نتكلم، نلعب بالبلاي ستيشن الحلو ده.. ولا نعمل فشار ونتفرج على فيلم جديد ولا تحب نعمل إيه؟!" أخبرته ليرفع نظره إليها وهو يعانقها
"خلاص.. فيلم" أخبرها لتومأ هي له وتقدمت بجسدها وهي لا تزال تحاوطه لتجذب جهاز التحكم عن بُعد ووجهته نحو الشاشة
"يالا بقى.. اختار الفيلم اللي تحبه" ناولته جهاز التحكم ليفعل وسلط تركيزه على الشاشة بينما عانقته فيروز أكثر إليها وعادت بجسديهما على تلك الأريكة لتمدد ساقيها وفعل حازم هو الآخر
"وأنا بقى اقولهم يعملولنا فشار ونتفرج على الفيلم سوا" تحدث شهاب الذي آتى لتوه ليلتفت كلا منهما برأسيهما نحوه ونهض حازم بسرعة وذهب ليعانقه
"أنت خلصت خلاص؟" سأله ليومأ له بالموافقة بعد أن انهيا عناقهما ومرر يده على شعره "طيب كويس لسه متفرجناش.. روح قولهم يجيبوا سناكس وpop corn وتعالى بسرعة"
أخبره وتركه مسرعا ليعود جالسا بجانب فيروز ليرفع حاجباه وهو يرمقه بقليل من الحنق وابتسامة مقتضبه لينظر له بقليل من الحقد، ثم توجه للخارج حتى يُخبر احدى المساعدين بإحضار ما اراده وهو يُفكر أنه أفسد له خططه فهذا لم يكن هذا ما خطط له لقضاء اليوم أبدا..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
اخفضت رأسها إليه وهو يعانقها لتجد أنه قد سقط في النوم أثناء مشاهدته لذلك الفيلم الكارتوني لتبتسم ولوهلة تذكرت شهاب الذي فعلها من قبل عند سفرهما لترفع نظرها نحو شهاب الذي وجدته قد سقط في النوم هو الآخر لتضحك بخفوت على مدى تشابههما وبهدوء شديد جذبت جهاز التحكم عن بُعد لتغلق الشاشة..
"استاذة فيروز أنـ.."
"هششش" قاطعت عنايات وأشارت فيروز هامسة وهي تضع سبابتها على شفتيها ثم اشارت نحو حازم لتتفهم عنايات وأومأت لها بينما نهضت فيروز وهي تحمله بقليل من الصعوبة لثقل جسده لتشير لها عنايات مما أدركت منه فيروز أنها تشير نحو غرفته..
وضعته على سريره في هدوء شديد ثم جذب الغطاء عليه وكادت أن تغادره ليفتح عينيه هو وهو ينظر إليها في نُعاس شديد ثم همس إليها
"مش قولتي مش هتسبيني.."
"هاجيلك بكرة متقلقش وهافضل جنبك لغاية ما تنام" قبلت جبينه ليومأ هو لها فابتسمت إليه "تصبح على خير يا حبيبي" همست إليه ليقبلها على وجنتها
"وأنتي من اهله" أخذت تُمسد شعره في حنان بعد أن جلست بجانبه إلي أن سقط في النوم مرة أخرى لتوصد هي الضوء بجانبه والتفتت لتغادر بينما وجدت شهاب الذي علت ملامحه أثار النُعاس والإرهاق معا..
"شهاب.. حاول تبقى مع حازم اكتر.. بيحبك اوي.. حاول تعمل معاه كل حاجة كان نفسك تتعمل معاك وأنت صغير.. ده أنت لو كنت اتجوزت كان زمانك عندك طفل قده! متبعدش عنه تاني كتير كده"
همست إليه بعد أن خرجت من الغرفة وهما واقفان بالرواق بين الغرف ليومأ لها بقليل من الضيق لإستحواذ اخيه الصغير على أكمل وقتها بدلا منه ولكن حديثها عن الزواج أمر تعجب له كثيرا! أهو! يتزوج!! أمر لا يستطيع التفكير به أبدا..
"هو صحيح.. ليه حازم مش مع مامته؟!" سألته بالرغم من معرفتها مُسبقا من بدر الدين ما فعله شهاب بوالدة حازم لتمتعض ملامحه وتحولت للغضب بينما شعرت أنه لا يريد التحدث بالأمر
"خلاص تبقى احكيلي بكرة.. أنا كده كده يادوب أروح"
"خليكي.. الوقت أتأخر وانتي بيتك بعيد" أخبرها وهو يتفقد ملامحها التي باتت تسيطر عليه بشكل لا يتحمله هو نفسه ووجد نفسه يقترب منها في توسل لم يدرك أنه يظهر عليه
"مش هاينفع.. لازم اروح علشان اغير وهدومي وبكرة فيه مصحة وكمان مدرسة.. ورايا حاجات كتيرة اوي" أخبرته في هدوء ليومأ بإقتضاب
"طيب خدي العربية روحي بيها" أخبرها لتزفر هي في حنق "فيروز بطلي تعانديني" أضاف ليتبادلا النظرات لثوانٍ لتومأ هي له في النهاية
"حاضر.. يالا تصبح على خير" ابتسمت بإقتضاب وتوجهت لتغادره بينما سار هو الآخر بجانبها
"فيروز لما توصلي ابقي طمنيني عليكي"
"ماشي.." أومأت له في طريقهما للخارج بينما شعر هو بالغضب لمغادرتها وتمنى لو يجبرها على البقاء ولكنه لن يفعل ما يغضبها أبدا
"هتخلصي شغل بكرة على الساعة كام؟" سألها لتنظر له في تعجب فهو لا يريد التوقف عن الكلام
"على ستة بليل!" أخبرته ليرفع حاجباه لها وحاول إخفاء انزعاجه، ولكن لن يقبل أبدا أن ينتظر كل ذلك الوقت
"تمام" حمحم وهي تدلف للسيارة بينما أمسك بالباب كي لا تغلقه "هنتقابل بعدها؟!"
"مش عارفة أنا لازم اروح لهبة علشان مروحتلهاش النهاردة وزمانها متضايقة إنـ."
"هاجي معاكي" قاطعها متنهدا لتومأ له
"ماشي نتفق بكرة في الموبايل.. تصبح على خير"
"فيروز.. أنا لسه عايز احكيلك على حاجات كتيرة، الفترة الجاية لازم كل يوم نكون سوا.." أوقفها عن غلق الباب وهو يجذبه لتومأ هي له من جديد
"حاضر، هنعمل كل حاجة بس أنا أتأخرت النهاردة"
"طيب.. بلاش تجيبي سيرة لحد بحوار بدر الدين اللي حكيتلك عليه" أخبرها كما الطفل المنزعج لترمقه هي متنهدة
"لا إله إلا الله، لا أكيد مش هاجيب سيرة"
"طيب هو انـ.."
"شهاب.. أنا لازم امشي.. سلام" قاطعته بنظرة منزعجة ليزفر هو في ضيق ولكن لم تغادر عيناه تفقدها في احتياج
"سلام.." حدثها ثم ترك باب السيارة في النهاية لتذهب هي وتغادره..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
ظل جالسا يستعيد في تفاصيل اليوم بأكمله، كل لحظة مرت عليهما سويا، وأمامه هاتفه ينتظر تلك الدقائق لتنقضي فهو قد وضع أمامه الوقت الذي تحتاجه لتصل لبيتها وجلس يراقب تلك الدقائق حتى يهاتفها عند وصولها فهو لا يُريد أن يتحدث لها وهي تقود حتى لا تفقد تركيزها..
لماذا أعطت وقتها بالكامل لحازم؟ معانقتها إياه وقبلاتها له ود لو كانت له هو وحده.. لماذا لا تفعل المثل معه؟! حقا يُفكر بمثل تلك الطفولية الشديدة، متى أصبح ساذجا هكذا؟!
بالطبع لأنه بات يعشقها، بات يعشق وجودها، أدرك هذا بتلك الأيام السابقة المريرة كل مشاعره واحتياجه وانجرافه.. لماذا يحدث له كل ذلك وخاصة الآن؟!
فكر بأمر عمه، عمله، حازم ووالدته العاهرة التي سألته فيروز عنها، فكر بما أخبرها به، لقد تسرع ولكن بالنهاية كان سيخبرها عل كل حال.. هو يعلم ذلك.. يعلم أنها بمجرد التواجد أمامه تملك ذلك السحر عليه ليظل تحت تأثيره مشدوها بكل كلمة أو نظرة أو حتى تحرك بسيط يصدر منها أمامه..
عاد من جديد ليتذكر أمسيتهما معا بصحبة حازم ليشرد بإبتسامة، لو كان قابلها منذ زمن، لو كانا يملكان طفل في عمر حازم لكانوا أكملهم سعداء.. لماذا لم يتعرف عليها قبل زوجها العاهر؟!
فكر كثيرا ولكنه شعر أنها بدأت أن تتغير معه، بدأت تعامله بطريقة مختلفة، توقفت عن الحديث عن زوجها العاهر!! هذا كله يُشير لبداية انجذابها له هي الأخرى، لقد باتت تلمسه أحيانا حتى ولو لمسات مقتضبة، طريقتها معه في الحديث تغيرت.. وهو يريد المزيد من كل ما تفعله، الحديث والنظرات واللمسات وابتساماتها الرائعة.. هو يود أن يحصل على المزيد تحت أي مسمى وأمام أي ثمن..
استمع لهاتفه يصدر طنينا إعلانا على إنقضاء الوقت ليُمسك بهاتفه ثم توجه ليمدد جسده على سريره واتصل مسرعا برقمها الذي لم تجبه هي على الفور بل بعد عدة لحظات آتاه صوتها الذي يعشقه
"وصلتي؟" تفاجئت هي بمكالمته إليها، لقد كانت تحتاج المزيد من الوقت للتفكير بكل ما عرفته وكذب عنايات وحازم الذي تشعر خلالهما أن هناك أمرا مريبا بينهما، تريد حتى التفكير بهدوء في صراحة شهاب الغريبة.. هو حتى لم يدعها سوى لدقائق كي تُفكر ولم تأخذ وقتها بأكمله لترتب أفكارها
"ده أنت لو ظابت منبه مش هاتكلمني دلوقتي.. أنا اهو خلاص ركنت وطالعة" أخبرته بينما توجهت لداخل منزلها "وعلى فكرة انت مش هاتديني العربية كل يوم كده.. أنا بس مشيت واخدتها علشان كنت مستعجلة وحقيقي مكنش عندي استعداد اتناقش معاك.."
"طيب هابقى اخدها منك"
"لما نشوف"
"فيروز أنا.. أنا اتبسطت اوي إنك قضيتي معايا اليوم النهاردة" همس إليها مبتسما ثم تابع "أنا وحازم يعني.. مش بلاقيله وقت خالص" أخبرها في محاولة ألا يُلقي بكامل احتياجه إليها هكذا دُفعة واحدة، ولكنه كان فاشلا على كل حال في هذا الأمر
"بص، أنا كمان اتبسطت جدا، ومبسوطة إنك مبقتش زي الأول وملاحظة إنك بتحاول تتغير في كل حاجة.. وأنا مش هاضغط عليك في موضوع حازم ده وازاي ساب مامته وبقى عندك.. بس أنا واثقة إنك في يوم هتقولي.. ولغاية بقى ما تحاول تصلح كل حاجة وتتغير كده واحدة واحدة لازم تهتم بحازم شوية! مينفعش يبقى فيه في حياتك طفل وتعامله كده.." زفر شهاب في ضيق
"يعني اعمله إيه يعني!" أخبرها ولاحظت الحنق الجلي بنبرته
"يعني تفضيله نفسك، تديله وقت و.. ثواني.. خليك معايا" أخبرته وهي تتنهد ثم أخذت تغير ملابسها فهي لا تدري متى ستنتهي تلك المكالمة ولم تعد تستطيع حتى الجلوس فهي تريد الذهاب للنوم بأي طريقة
"أيوة يا شهاب.. معلش كنت بغير" حدثته بعفوية وقبل أن تُكمل حديثها عن حازم بادر هو
"يا خسارة"
"يا خسارة على إيه؟" تسائلت في تعجب
"كنت اجي اتفرج طيب.. مش تعرفيني" أخبرها بمزاح لتشعر هي بالغضب من طريقته
"جرا إيه يا شهاب؟ أنت مش ناوي تتلم وتنسى الوساخة ولا إيه بالظبط!!" زجرته في إنزعاج حقيقي
"وساخة!!" همس متمتما في تهكم "لا ده حب دفين للجنس الآخر مش أكتر"
"حب دفين!! لا والله" حدثته في تهكم ماثل تهكمه "طيب وأنت بتكلمني أو بتتعامل معايا تتلم.. وأظن مش هاتكلم في الموضوع ده تاني أكتر من كده.. ولا تحب منعرفش بعض ونرجع تاني زي اليومين اللي فاتوا؟" حدثته بجدية وتحذير
"انتي مش ممكن، فظيعة! بهزر يا فيروز، إيه مبتهزريش؟" حاول الهروب من ذلك الموقف الغبي الذي وضع نفسه به
"لا بهزر بس مش في الحاجات دي، وبعدين احنا علاقتنا اصلا ببعض ملهاش دعوة بالحاجات دي، احنا أصحاب.. فاهم!!" أخبرته بمزيدا من الجدية ليعقد حاجباه في إنزعاج لم تره هي
"على فكرة فيه اصحاب وليهم دعوة عادي بالحاجات دي، فينك يا كلوديا دلوقتي" أخبرها لتتعجب هي فهو لم يأتِ على ذكرها من قبل
"مين كلوديا دي؟" سألته لتستمع لزفرة مطولة منه
"لا دي حكايتها حكاية بقى.. بس كانت أيام عنب!"
"أيوة يعني عرفتها امتى؟" سألته بنبرة منزعجة قليلا
"لما كنت في ايطاليا.." اجابها بينما ود أن يغير مجرى الحديث
"عرفتها قد إيه؟" بادرته ليتنهد هو في سأم
"حوالي عشر سنين!" أخبرها ثم أصدر هاتفه طنينا لينظر بالشاشة ليجد وصول مكالمة أخرى برقم غير معروف "استني معايا waiting"
"آلو.." همس مجيبا لذلك الرقم الغريب
"عمك عندي.. يا تجيب 300 مليون.. يا اروح لولاده يدفعوا!" تحدث صوت أدرك أنه ليس بحقيقي وهناك تشويش به ليأتي كصوت إلكتروني ولم يعلم حتى مع من يتحدث ليتأهب ناهضا وكاد أن يتحدث بعد أن طاحت سريعا كل تفكيراته ببدر الدين فهو لن يفاوضه على أموال أبدا ليعود الصوت ليحدثه من جديد
"قدامك 3 أيام تحضر فيهم المبلغ.. وهاكلمك نتفق على الباقي.. سلام!"
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .
تنويه : موعد الفصل الرابع والثلاثون سيكون بتاريخ 22 أكتوبر على مدونة رواية وحكاية في تمام الساعة التاسعة مساءا وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرون ساعة على موقع واتباد
ملحوظة : يتم نشر مسابقة بالمجموعة الخاصة على الفيسبوك (روايات بقلم بتول - Novels written by Batoul) ويتم إرسال جزء في حدود 200 : 400 كلمة من احداث الفصل التالي للفائز قبل الجميع عند الفوز بالمسابقة.. ستكون المسابقة غدا الحادية عشر مساءا بتوقيت مصر..
ملحوظة أخرى : الفصل 4900 كلمة.. محدش يقول صُغير
شكر خاص لموني أحمد على تصميم الغلاف