-->

رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني لسماح نجيب الفصل 7 - 2

 رواية جديدة لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني
من قصص وروايات الكاتبة سماح نجيب



الجزء الثاني من رواية لا يليق بك إلا العشق

رواية لا يليق بك إلا العشق الجزء الثاني




الفصل السابع

الجزء الثاني

❈-❈-❈


العودة للصفحة السابقة


زاغت عيـ ـنيها بكل إتجاه تستعرض تلك النظرات المنصبة عليهما من هؤلاء الفتيات ، اللواتى تركن كل شئ وجلسن يشاهدن ما يفعلانه ، كأنهما يؤديان فقرة تمثيلية أمام الجمهور ، فرأت أنه من الأنسب لهما أن يرحلان من هنا ، ولكن ما كادت تخبره بشأن عودتها للمنزل ، وجدت شاب يناديها ، ولم يكن سوى شاب يدرس معها بالكلية 


ضمت سهى كتبها لصـ ـدرها وزحف الخجل لوجنتيها حتى صارتا بلون الورود الحمراء ، فردت قائلة بتهذيب :

– أفندم حضرتك بتنادى عليا 


مد الشاب يـ ـده لها ببعض الأوراق وهو يقول بإبتسامة هادئة:

– دى المحاضرة اللى أنتى محضرتهاش الأسبوع اللى فات أنا صورتهالك علشان تذاكريها ولو فى أى محاضرات تانية محتجاها أنا تحت أمرك 


أخذت سهى الأوراق من يـ ـده وإبتسمت وهى تقول بخجل :

– متشكرة جداً على ذوقك 


غادر الشاب وأقترح عمرو بأن يقوم بإيصالها للمنزل ، فأخبرته سهى بأنها ستعود لمنزلها بسيارة أجرة على أن يوافيها هو بسيارته ، وما أن وصلت للمنزل وصعدت درج الطابق الأول لتصل لشقتهم بالطابق الثانى، أنتفضت من صوت عمرو وهو يهتف بها بضيق :

– هو كان مين الشاب اللى كلمك فى الكلية ده كمان وإيه الأدب والخجل اللى كنتى فيه ده فجأة  ، هو أنتى زى البنات الطبيعيين بتتكسفى وكده ، مقولتليش باباكى كان عايزنى فى إيه 


رحلت عن وجهها ملامح الهدوء والخجل ، التى بدت كأنها ضيف مؤقت ، لم يتبقى سوى لحظات معدودة ، وعادت لما كانت عليه من أمور الشراسة وإطلاق العنان للسانها السليط ، فرفعت شـ ـفتها العليا وردت قائلة بإمتعاض :

– معرفش بابا عايزك ليه ، ويارب يكون عايزك علشان يفسخ الخطوبة ، لأن بصراحة زهقت من التمثلية دى وأنا خلاص دلوقتى دخلت الجامعة وبابا شايف أن متفوقة فيها ، مظنش أنه لو فسخنا الخطوبة هيغصب عليا اتجوز إلا لما أخلص دراستى 


قال عمرو بنبرة صوته المتهكمة :

– أه يعنى دلوقتى خلصت حاجتى من عند جارتى ، ضمنتى مستقبلك ومبقاش ليا لازمة ، بس لسا مجاوبتنيش مين الشاب ده اللى كلمك فى الكلية


نفخت سهى بضيق وردت قائلة بوجوم :

– هو أنت مبتشوفش ، يعنى أدانى ورق محاضرات أكيد يعنى زميلى فى الكلية سهلة أهى ولا أنت عندك الفهم بطئ ، ثم أنت بتسأل بصفتك إيه ، أنت فكرت نفسك خطيبى بجد علشان تسأل وتستفسر مين اللى كلمنى أو لاء 


ربما اليوم هو يوم حظها السئ ، كونه أنه ليس بحالة مزاجية ، تسمح له بسماع هراءها وسبابها اللاذع ، فقبض على ذراعها حتى كادت أن تشعر بأنه أصابعه ستنفذ لعظامها ، وكانت الطامة الكبرى بمحاولته أن يعانقها رغماً عنها ، ولا يعلم لما أقدم على إرتكاب تلك الحماقة ، خاصة أنهما على الدرج وبإمكان أى أحد أن يراهما ، فهو لم يعانق فتاة بحياته ، ولا يعلم كيف يكون مذاق العناق بين شاب وفتاة ، وأراد أختبار ذلك الأمر معها ، دون أن يتروى بتفكيره ، ولكنه ساذج وأحمق إذا ظن بأنها ستسمح له بإرتكاب ذلك الأمر الذى لا يحل له حتى وإن كان خطيبها ، لذلك قبل أن يحقق مراده ويعانقها دوى صوت تلك الصفعة التى صفعته إياها على وجهه بأذنيهما ، ولم تكتفى بذلك بل دفعته عنها وهى تبكى وتلعنه على أنه فكر بفعل ذلك وهى ليست زو جته ولا تحل له بأى صورة ، فوضع يـ ـده على وجنته يتحسس مكان تلك الصفعة التى تلقاها منها  ولم ينتظر دقيقة أخرى إذ هبط الدرج بخطوات سريعة حتى وصل لسيارته ، فإستقلها وأنطلق بها لتلك الوجهة الأولى التى كان يخطط لها منذ خروجه من المنزل ، من أن يذهب لذلك المنزل المحتجز به زو ج والدته ، ليصب عليه جام غضبه ونقمه وسخطه ، على ما لقاه بيومه 

❈-❈-❈

وضعت هند أخر طبق من الطعام على المائدة ،التى عملت على تزيينها بوضع أطباق الطعام الشهى ، الذى أعدته من أجل تلك الليلة ، ولم تنسى وضع بعض الشموع الفواحة ، لتضفى مظهراً أكثر جاذبية ورومانسية على ليلتهما المميزة ، فاليوم الذكرى الثانية ليوم زفافهما ، لذلك أرادت أن يحتفلا سوياً كالعام الماضى ، الذى ما زالت متذكرة كيف كان يوماً لا ينسى بحياتها ، وربما الليلة ستعوض ما فاتها من أيام ، غاب عنها زو جها من إنغماسه بعمله وعودته بعدما يكون أدركها النعاس وهى بإنتظاره ، لذلك أصرت على إعداد تلك المائدة العامرة بأنواع الطعام الذى يحبه زو جها ، ولم تنسى أن تكون هى الأخرى على أتم الاستعداد لإستقباله بعد عودته ، فثوبها الأسود الحريرى ، الذى يماثل لون خصيلاتها الفحمية ، كان مسدلاً بنعومة على قوامها الرشيق ، وتضارب لونه مع صفاء ونقاء بشرتها الغضة الملساء ، ولم تكتفى بذلك بل نثرت ذلك العطر الذى فاح منها لتكتمل تلك الصورة الأنثوية الصارخة بمعالم الجمال والذى ستخلب عقل زوجها لا محالة 


أضاءت الشموع وأطفأت الأنوار وقالت بصوت حالم :

– يارب ترجع من الشغل النهاردة بدرى يا كرم زى ما قولتلى علشان أنت وحشتنى أوى 


أخذت هاتفها وأرسلت له رسالة تحثه على العودة باكراً ، فهى تريد مفاجئته بكل ما أعدته من أجله ، جلست تنتظره بشوق ، فمرت ساعة وإثنان وثلاثة حتى شب القلق بقلبها ، فأخذت هاتفها لكى تطمئن عليه ، ولكن لم يحالفها الحظ بالوصول إليه ، نظراً لأن هاتفه مغلق ، دارت حول نفسها بخوف من أن يكون أصابه مكروه فالوقت أقترب من منتصف الليل وهو لم يعود 


إلتقطت أنفاسها وهى تراه يلج من الباب ، فها هو قد عاد للبيت سليماً ، ولكن كان غضبها منه وصل لذروته، ولم يعد بإمكانها السيطرة على صوتها الذى خرج حاداً وهى تقول بإنزعاج :

– كل ده تأخير يا كرم وكمان تليفونك مقفول حرام عليك حرقة أعصابى دى 


تعجب كرم من هجومها المفاجئ بحديثها على غير عادتها معه من لين الحديث ولطافتها ودلالها ، فقطب حاجبيه قائلاً بدهشة طفيفة :

– مالك يا هند بتعلى صوتك ليه كده ، هى دى أول مرة أتأخر فى الشغل يعنى ، كان فى فوج سياحى وصل وصاحب شركة السياحة طلب منى أكون معاهم لحد ما رجعوا الفندق 


تلك هى الإجابة الوحيدة التى تحصل عليها منه ، كلما سألته عن سبب تأخره فى العودة للمنزل ، فمنذ عمله مترجماً للغة الفرنسية بأحد شركات السياحة ، وهو يعود إليها بوقت متأخر من الليل معللاً ذلك بأنه رافق أحد الأفواج السياحية التابعة لتلك الشركة التى يعمل بها بجانب تدريسه بأحد المدارس الخاصة بالمرحلة الثانوية ، وكأن وقته أصبح محصوراً بين عمله نهاراً بالمدرسة ، ومساءاً بشركة السياحة ، ولا تحصل هى إلا على تلك السويعات القليلة الفاصلة بينهما 


زفرت هند زفرة مطولة وأغمضت عيـ ـنيها ريثما تهدأ قليلاً ، ولكن سرعان ما فتحتهما وهى تقول بدون مقدمات :

– كرم أنت لازم تشوفلك حل فى الموضوع ده أنا مبقتش ألحق أقعد معاك ، حتى كمان مانعنى من أن أحمل وأجيب طفل يسلينى فى وحدتى دى ، كده كتير وحرام بصراحة ، خلاص خلينا نجيب بيبى على الأقل يشغلنى شوية ويعوضنى عن غيابك طول النهار


ما أن أتت على ذكر الإنجاب ، تغيرت ملامح وجهه ورد قائلاً بحدة :

– قولتلك يا هند موضوع الخلفة ده لازم نأجله شوية على ظروفى ما تتحسن ، مش عايزك تتكلمى فى الموضوع ده تانى دلوقتى ماشى


ساهمت نبرة صوته الحادة والرافضة لمطلبها بزيادة حنقها ، ألم يكفيه أنه لم ينتبه عليها وعلى ذلك الثوب الذى أرتدته ، أو على تلك المائدة التى أعدتها من أجله ، وأنصهرت تلك الشموع الفواحة بفعل لهيبها ، كإنصهار حلمها بأن تنعم بليلة حب دافئة وهى جالسة بإنتظاره أن يعود 


فضمت طرفى رداءها وقالت بغيظ وهى تتجه صوب غرفة النوم:

– ماشى يا كرم لا هتكلم فى الموضوع ده ولا أى موضوع تانى تصبح على خير ، الأكل عندك على السفرة لو كنت عايز تاكل تصبح على خير


ولجت لغرفة نومهما وأغلقت الباب خلفها بحدة ، فعقد كرم حاجبيه بغرابة من ذلك التحول الذى طرأ عليها اليوم ، أو لما الليلة أحتدم النقاش بينهما هكذا ، على الرغم من أن حياتهما تسير على ذلك المنوال منذ عدة أشهر ، أقترب من المائدة  ونظر للورود و الأطباق المتراصة بأناقة وبقايا الشموع ، ففطن أنها أعدتها من أجل ليلة مميزة ، وضع يده على جبهته ودلكها برفق ليتذكر تاريخ اليوم ، وما أن تذكر أن اليوم هو يوم ذكرى زواجهما ، علم مدى إنزعاجها لحرصها الدائم على أن يكون ذلك اليوم ذكرى لا تنسى بحياتهما 


أسرع بخطواته تجاه غرفة نومهما وفتح الباب وهو بنيته أن يقدم إعتذاره لها ، فوجدها مستلقية على الفراش توليه ظهرها ، ويبدو أنها كانت تبكى ، فأقترب أكثر منها ، حتى باتت بإستطاعتها أن تراه وهو جالساً القرفصاء بجوار الفراش ، ولكن قبل أن يفه بكلمة ، رمقته بعينان دامعتان وهى تقول بصوت متحشرج :

– كرم بكرة أنا هسافر إسكندرية ، بابا وماما وحشونى وعايزة أشوفهم وهقعد هناك كام يوم 


هذا ما كان يخشاه أن يصيبها السأم سريعاً منه ومن معيشتهما ، إلا أنه لم يبدي لها قلقه هذا ، فرد قائلاً بهدوء:

– زى ما أنتى عايزة يا هند ، عايزة تسافرى سافرى أنا مش مانعك ، جايز أعصابك ترتاح لما تشوفى باباكى ومامتك 


لم يتكلف عناء زيادة كلمة أخرى ، بل نهض من مكانه وخرج من الغرفة ، ففغرت هند فاها لظنها بأنه سيستميت بأن لا يجعلها تذهب لمنزل أبيها بمفردها ، مثلما كان يفعل معها دائمًا ، فإن كانت قالت حديثها رغبة منها فى أن تسمعه يخبرها بأنه لن يجعلها تقضى أياماً بعيدة عنه ، فبالغد ستسافر للإسكندرية مثلما أخبرته ، أخذت الوسادة ووضعتها على رأسها لتكتم صوت بكاءها وحزنها على إنتهاء ليلتهما قبل أن تبدأ ، بل أنتهت نهاية غير مستحبة من جانبها ، ولن يقتصر الأمر على ذلك ، فغداً ستأخذ حقيبتها وتتجه صوب محطة القطار ، قبل أن يتفاقم غضبها أكثر وتثور أفكارها حول رغبتها بأن تنجب طفلاً ، فهى لا تعلم إلى متى ستستطيع إرجاء تفكيرها بهذا الأمر ؟ خاصة أن غريزة الأمومة بدأت تلح عليها منذ أن وضعت والدة سويلم حملها وأنجبت فتاة خلبت قلب هند منذ رؤيتها وتمنت أن يصبح لديها طفلة مثلها تدللها وتعتنى بها وكم تهوى لو أن ترث لون عينىّ زوجها ، حتى تسلبها قلبها وعقلها كما سلبهما كرم بعشقها له ، ولكن إستياءها الحالى منه جعلها ترغب فى أن تجعله يشعر بالذنب لتفكيره بأن يحرمها تلك العاطفة التى خلقها الله بقلب كل فتاة منذ لهوها بالدمى وهى صغيرة  

❈-❈-❈

لم تكن قواه الخائرة ووهنه الظاهر للعيان أن يمنعانه من أن يتهلل وجهه وهو يرى ذلك الواقف بجوار فراشه بالمشفى ، وبالبدء ظن أنه يرى شبحاً أو طيفاً يشبه ولده الهارب ، وليس هذا وحسب بل يرافقه طيف أخر لحفيدته الصغيرة ، التى أختفت البهجة من حياته ومنزله منذ أن أخذها راسل وغادر من الإسكندرية ، ولكن كأنه إستعاد عافيته فجأة ، فأرتفعت رأسه عن الوسادة وملأت الإبتسامة وجهه ، وأراد أن يتأكد من أن ما يراه حقيقة وواقع بإمكانه لمسه ، لذلك رفع يـ ـديه يشير لسجود بالإقتراب ، فإستجابت له على الفور وتركت يـ ـد والدها وأقتربت من الفراش ، بل لم تكتفى بذلك بل صعدت بجوار جدها وأنحنت إليه تقـ ـبله برقة شـ ـفتيها الصغيرتين ، ووضعت يـ ـدها الصغيرة بكف رياض 


قالت سجود بإبتسامة :

– وحشتنى يا جدو 


عبارتها كترياق لداء كان يصعب عليه أن يجد له دواء ، ولكن ها هى قد عادت تحمل معها الأمل والإبتسامة له ، حتى وإن كان يعلم بدنو أجله ، وأن ربما الموت يحوم حوله بتلك الأيام ، ولكنه لم يكن يخشى الموت قدر حاجته لأن يراها ويرى إبنه قبل أن يأذن الله له بالرحيل 


مسد بيـ ـده على رأسها ورد قائلاً وعيـ ـناه شبه دامعتان :

– حبيبة قلب جدو ، حمد الله على السلامة وأنتى كمان وحشتينى أوى يا سيجو 


خطى راسل تلك الخطوات القليلة التى كانت تفصل بينه وبين أباه ، وكلما حاول فتح فمه ليعرب له عن مدى قلقه الشديد بعد علمه بما أصابه ، يعود ويضم شـ ـفتيه ، ولكن أسرع رياض ببدأ الحديث الذى لم يخلو من العتاب :

– حمد الله على السلامة يا دكتور راسل ، كان لازم تعرف أن أنا بموت علشان ترجع ، بس فيك الخير ، أنا قولت أنك هتنفذ كلامك اللى قولتهولى مرة أن لو حتى أنا مت مش هتيجى تاخد العزا 


شعور ساحق بالذنب بدأ بسحق قلبه ورغم ذلك ظل ثابتاً جامداً ، لا تعترى ملامح وجهه سوى معالم الهدوء والسكون ، ربما ليخدع عيـ ـنى والده ، بأنه مازال كما هو قاسياً متحجراً بمشاعره تجاهه ، وألا يجعله يفطن الحقيقة ، من أنه حقاً يشعر بالخوف بل من داخله مرتعباً من فكرة رحيله عنهم بصورة نهائية 


لمس راسل نظارته وحملق بأباه قائلاً بنبرة جامدة :

– أظن ده مش وقت العتاب دلوقتى ، أنا لما عرفت رجعت علشان أعملك العملية وجبتلك سجود تشوفها قبل ما ندخل أوضة العمليات لأن خلاص مبقاش فاضل غير نص ساعة قبل ما أبدأ العملية 


نظر راسل بساعة معصمه ، هرباً من تحديق والده به ، وأراد الخروج من الغرفة قبل أن تخترقه نظرات أبيه وينهار ثباته المزيف ، الذى يحاول جاهداً الحفاظ عليه حتى يمر الأمر بسلام ، وإلا سيخفق فى إجراء تلك الجراحة 


خرج من غرفة والده وجد الجميع بالخارج ، فكلهم جاءوا من أجل الإطمئنان على رياض ، ولا أحد منهم بنيته المغادرة قبل أن تنتهى الجراحة 


– ميس يلا علشان هتدخلى معايا أوضة العمليات 


هتف راسل بميس بشئ من الحزم ، فوجدها ترتد بخطواتها للخلف وهى تهز رأسها بالنفى ، رغم أنها رافقته عدة مرات بغرفة الجراحة ، إلا أن تلك المرة لن تستطع فعلها خاصة أن المريض جدها الحبيب


وجدته يرمقها بنظرة مستاءة وسرعان ما قال آمرًا إياها :

– اللى قولت عليه يتسمع يا دكتورة ميس ومش عايز نقاش أتفضلى جهزى نفسك ، فى دكتورة تتأخر عن تأدية واجبها ده مش وقت الدلع


أطاعته ميس على مضض ، خشية إثارة المزيد من إستياءه ، الذى لا تعلم له سبباً ، ولكن يبدو عليه أنه وجد بها كبش فداء لينفس بها جام خوفه وإستياءه وخشية إخفاقه بمهمته ، فبعد إستعدادهما لدخول غرفة الجراحة ، ألقى راسل نظرة أخيرة على حياء الجالسة بمقعد بعيد عن مكان جلوس ساندرا والصغير وتضع على ساقيها سجود ، التى رفضت تركها ، فمنذ تلك المواجهة بينهما بعد عودته وهما لم يتحدثان مرة أخرى ، بل فضل تركها بمعزلها عنه ، حتى لا يتفاقم الأمر بينهما أكثر ، ولكى يرى فيما بعد ما سيحدث بينهما خاصة أنه أخذ قراره بإطلاق سراحها ومنحها الطلاق قبل مغادرته البلاد 


ولج لتلك الغرفة التى سيجرى بها الجراحة لوالده ، ووقف بجوار ذاك السرير الصغير ناظرًا لأباه الغافى بعدما تم حقنه بإبرة المخدر ، فتنفس بعمق هامساً لذاته :

– بسم الله الرحمن الرحيم ، يارب قوينى والعملية تتم على خير وأقدر أنقذه 


تلك الأصوات الصادرة عن ذلك الجهاز المختص بتوضيح ضربات القلب من حيث إنتظامها ، جعل عيـ ـناه تصب كامل تركيزها وإنتباهها على ما تفعله يـ ـداه ، فبدقة وإحترافية ، بدأ بوضع المبضع بجـ ـسد أبيه ليشق ذلك الجزء اللازم ، الذى سيمكنه من إجراء تلك الجراحة التى عاد من أجلها ، وعلى الرغم أن ما يحدث الآن يستلزمه بذل مجهود هائل للحفاظ على رابطة جأشه وأن ينسى ولو مؤقتاً أن من يرقد أسفل يـ ـديه الآن هو والده ، إلا أنه متمرساً ومحترفاً بفصل عواطفه وقتما يريد ، فتلك الخبرة التى إكتسبها ساهمت بأن يبدأ عمله ، كأنه يجرى الجراحة لأحد المرضى العاديين ، فلو ترك عاطفته تغلبه ، سيجد جـ ـسده يرتجف بل ربما سيبدأ بالبكاء والنواح من أجل أباه ، ولا يعلم كيف شعر بكم تلك المشاعر والعواطف ، على الرغم من أن الأمور بينهما دائماً كانت تشوبها النفور والإحجام ، حتى تلك المدة القصيرة التي أقامها معه قبل سفره ، لم تشفع له عندما أخذ قراره بالمغادرة 


جحظت عينى راسل بعدما رآى إنخفاض مؤشر ضربات القلب ، دليلاً على أن ربما والده  يتهيئ لأن يرحل عن دنياهم ، ولكن عزيمته جعلته يأخذ قراره بأن تسرع ميس بتنفيذ أوامره بمساعدته من أجل إعادة ضربات القلب لمعدلها الطبيعى ، دون أن تثير مشهد عاطفى سيجعل زمام الأمور تفلت من أيـ ـديهما ، فدموعها التى تلألأت بعيـ ـنيها جعلته أكثر شدة وحزم معها حتى جعلها بالأخير تبدأ هى بإنجاز تلك المهمة التى أوكلها إليها 


زفر راسل براحة وسحب قناعه الطبى بعد بضعة ساعات قضاها يصارع الوقت فى إنقاذ والده وتوجيه ميس بتنفيذ تعليماته ، فغمغم برضا :

– الحمد لله إنها عدت على خير الحمد والشكر لله


رمقهما الأطباء والممرضين المصاحبين لهما بغرفة الجراحة بإعجاب ، كونهما إستطاعا تحقيق هذا الإنجاز العظيم بإنقاذ أبيه وهو كان قاب قوسين أو أدنى من أن ينتهى أمره 


خرجا من غرفة الجراحة محاوطاً كتفىّ ميس بذراعه ، فهو أثنى عليها من كونها أظهرت مهاراتها اليوم رغم شعورها بالخوف والحزن ، فحدق بها قائلاً بإبتسامة :

– كنتى هايلة يا ميس ، عايزك لما تكونى فى أوضة الجراحة تفصلى عواطفك عن شغلك ، علشان تعرفى تنقذى المريض 


ندت عنها زفرة مطولة وردت قائلة بإرهاق :

– أنا كنت حاسة أن هيجرالى حاجة وخصوصاً لما نبضات القلب معدلها أنخفض كنت هموت من الخوف ، وكمان أنت تقريباً بدأت أول خطوة فى العملية وخليتنى أنا كملتها للأخر ، كنت حاسة بمسؤلية كبيرة ، بس الحمد لله عدت على خير وجدو دلوقتى بقى كويس الحمد لله 


ما أن وصلا لذلك الرواق المؤدى لغرفة المكتب وجدا أفراد العائلة يتدافعون عليهما لسؤالهما عما صار لكبيرهم ، فطمأنهم راسل بأنه هو وميس أتما الجراحة لوالده على نحو مشرف وتم نقله لغرفة العناية الفائقة لحين إفاقته ، فالوحيدة التى لم تنهض من مكانها هى حياء على الرغم من أن سجود تركتها وركضت إليه مع البقية


ظلت جالسة مكانها تنظر للجدار المقابل لمقعدها ، عاقدة ذرا عيها وتجلس بصمت رغم أنها أرهفت سمعها لتطمئن على أحوال والد زو جها ، لكنها لم تريد أن تقوم من مكانها وتراه ، وما أن أطمئن قلبها على أحوال رياض ، تركت مقعدها وتأهبت للمغادرة وما كادت تبتعد خطوتين حتى سمعت صوت شقيقها ديفيد يناديها ، وهو يتقدم منها بخطوات متلهفة 


قطعت هى المسافة الفاصلة بينهما ومدت ذراعيها له ودمعت عيناها ،فتلقاها بين ذراعيه وإحتضنها هامساً لها بحنان :

– وحشتينى أوى يا حياء 


– وأنت كمان وحشتنى أوى يا ديفيد كويس أنك رجعت أنا كنت محتجالك أوى 

قالت حياء بصوت تخلله رنة حزن مختلطة بالبكاء ، ولم يخفى على ديفيد إستقبالها له من إلقاء نفسها بين ذراعيه ، كأنها تحتمى به ، على الرغم من أنهما أشقاء إلا أن الأمر أقتصر بينهما قبل سفره على عناق أشقاء هادئ ولم يكن مثلما حدث منها الآن


أبتعد عنها قليلاً ورفع وجـ ـهها له وقرأ بعينيها الألم المتسطر بوضوح على صفحات وجـ ـهها ، ولكن قبل أن يفه بكلمة ، رآى راسل يقف وسط أفراد عائلته ، فعاد يرمقها بدهشة وهو يقول متسائلاً:

– هو جوزك رجع أمتى ؟ هو لسه زعلان منك ولا إيه ، علشان كده كلمتينى أرجع إسكندرية ؟ أنا هروح أفهمه كل حاجة ، لازم يعرف أنك مظلومة


قبل أن تعترض حياء على إقتراب ديفيد من راسل ، كان شقيقها يهرول إليه ، ظناً منه أنه هو من سينهى ألم شقيقته بالإعتذار من زو جها عما بدر منه هو وعمه وأنه ما أن يصحح مفهومه الخاطئ عنها ستعود حياتهما لما كانت عليه قبل لقاءها به 


ما أن رآى راسل شقيق زو جته يقترب منه ، حتى تغيرت ملامح وجـ ـهه ، وأراد الإنصراف قبل أن يصل إليه ، فترك مكانه وهو بنيته الدخول لمكتبه ، ولكن ديفيد قبض على ذراعه قائلاً بإستجداء :

– راسل إستنى أنا عايز أكلمك ضرورى 


نفض راسل يـ ـد ديفيد عنه ورفع سبابته بوجـ ـهه وهو يقول من بين أسنانه محاولاً كظم غيظه:

– متحاولش تلمـ ـسنى مرة تانية أنت فاهم وأنا مش عايز أتكلم معاك ولا أشوف وشك لأن صدقنى ممكن ثانية كمان وأمسح بدمك بلاط المستشفى 


ثارت ثائرة حياء بعد سماع قول راسل لديفيد ، فجذبت ذراع شقيقها قبل أن يسهب فى تقديم إعتذاره ، خاصة أن الإعتذار لن يفيد بتلك الحالة ، فقالت بكبرياء وهى تنظر بعينىٌ زو جها :

– ديفيد ملوش لازمة الكلام ولا تضيع وقتك فى الإعتذار ، خلاص راسل مبقاش يلزمنى ، كانت حكاية وخلصت زى اللعبة اللى أنتهت بالخسارة ، بس أنا روحى رياضية مبزعلش من الخسارة اللى بتبقى أحسن من المكسب ، خصوصاً لو خسرت حاجة متستاهلش الزعل ، ثم أنا لما كلمتك يا ديفيد علشان ترجع إسكندرية مش علشان تيجى تعتذر لحد ولا أنك تحاول تصلح الأمور بينى وبينه ، لاء أنا عيزاك ترفعلى قضية طلاق على جوزى دكتور راسل 

يتبع..


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة سماح نجيب من رواية لا يليق بك إلا العشق، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية و حكاية


رواياتنا الحصرية كاملة