-->

الفصل السابع والأربعون - شهاب قاتم


 - الفصل السابع والأربعون - 


     

~ حين أظنني رحلت إلى النوم يظل جزء مني يتابع حياته السرية ، مسكونا بك ، ممعنا في حبك ويوقظني عند الفجر بضربة من فأس الشوق ، في منتصف رأسي ، أهو صداع ..؟ أم تصدّع في روحي ..؟!

غادة السمان

     

الجمعة.. الخامس عشر من نوفمبر .. الخامسة والنصف صباحًا..

شهقت خلال نومها ثم نهضت لاهثة بشدة ثم نظرت حولها لثوانٍ لتتأكد أنها لا تزال بغرفتها.. أخذت أنفاسها اللاهثة في الهدوء شيئًا فشيء وهي تمسح على وجهها وحاولت أن تتناسى ذلك الكابوس الغريب.. 

لا تدري ما الذي يحدث معها منذ أيام، وجهه أصبح يداهمها في كل احلامها، أغلب الأوقات يكون حُلمًا جميل هادئ، ومرة تخلل أحلامها قُبلات بريئة، أما هذا الكابوس المرعب الذي رآته للتو فان جديدًا تمامًا..

لُعن عقلها الباطن.. ولُعنت تلك الحالة الغريبة من المراهقة التي فجأة تذكرتها لتتركها في دوامة أحلام لا نهائية به هو وحده.. هي تعلم جيدًا كيفية عبث عقلها معها عندما يكون لديها موعدًا هام.. إمّا انعدام النوم وإما كوابيس مُزعجة!! حسنًا.. لك هذا أيها العقل السخيف..

تفقدت الساعة بهاتفها لتجدها الخامسة والنصف صباحًا فتنهدت في انزعاج، تعلم أنها لن تتذوق النوم بعد أن استيقظت الآن.. عليها إذن الشروع في بدايته على كل حال.. 

توجهت لتتناول بعض المياة وصنعت كوبًا من القهوة وتركته حتى تهدأ سخونيته وتوجهت للحمام حتى تتوضأ وتُصلي ودعت كثيرًا أن تنتهي من اليوم دون خسارة فادحة.. فهي بالكاد احتملت تلك الأيام الماضية!

أمسكت بكوب قهوتها وتوجهت للمرة الآلف لتتفقد تلك الورقات التي تحمل رسائل منه منذ يوم ميلادها، إلي الآن لا تستطيع أن تتملك الشجاعة حتى ترى ما الذي كتبه بها.. هي فقط ليست في حاجة للوقوع في عشقه أكثر! لا تريد أن تبكي من جديد وهي تُفكر به، بملامحه، بكل ما حكاه لها في تلك الجلسات وغيرها، ليست في حاجة لمزيد من وسائل التعذيب التي تتركها في حرب مع كلتا يداها بأن تجذب احداها الهاتف كي تُحدثه!

لن تُنكر أنها بالأيام الماضية شعرت بالراحة، استعادت حياتها مع اصدقائها وأسرتها، اعترفت بمنتهى السهولة إلي "هبة" بوقوعها في عشقه، ويا لها من ردة فعل لا تستطيع نسانها.. وجدت نفسها تبتسم بسخرية عندما تذكرت ذلك اليوم..

بمجرد أن عانقتها "هبة" اشتد بُكاءها في هيسترية شديدة ثم همست:

- مش مشاعر بس يا هبة، أنا بحبه! أنا مش عارفة ازاي ده حصل.. انتي كان عندك حق في كل كلمة قولتيها

ازدردت في صدمة وهي تستمع إلي صوت "فيروز" الباكي وربتت على ظهرها وحدثتها في لين:

- اهدي.. اهدي علشان خاطري كفاية عياط

ارتجف جسدها من تلك الشهقات بفعل البُكاء ثم تحدثت بالمزيد:

- انتي متخيلة اللي عملته.. بدل ما اعالجه حبيته.. لا مني نجحت في اني اغيره، ولا نجحت في شغلي.. حبيته وبس!! أنا حاسة إني خاينة! حاسة اني مستاهلش!

أطنبت بمزيد من البكاء بينما لم تتركها صديقتها وظلت تُربت عليها وتركت لها العنان كي تقول أيًا ما شاءت ولكنها صمتت ولم تقل شيئًا واستمرت في نحيبها إلي أن هدأت تمامًا وفرقت عناقهما ثم نظرت إليها بعسليتين باكيتين متوسلتين وهمست:

- هبة ارجوكي متسكتيش كده.. قولي أي حاجة..

زمت شفتيها وهي تنظر لها في حُزن، فمهما كان كل ما قالته وكل تلك التحذيرات وطلبها بأن تتركه بالسابق تبقى صديقتها ولن تود أن تراها حزينة أبدًا فتنهدت وزمت شفتاها كل مرة حاولت فيها النطق بأي كلمات منطقية وبعد صعوبة المحاولة وعدة مرات فكرت بما أوشكت على قوله نظرت لها:

- انتي قرارك بإنك متكمليش معاه العلاج كان صح!! برافو عليكي

هذه هي الطريقة المثلى مع "فيروز" كي لا تنهار، هي تعرف جيدًا أكثر ما يُطرب أذنيها، أن تشعر بالتقدير وأن يُصفق لها أحد على تصرف!! ولكنها كذلك لن تتركها دون أن تقول الحقيقة.. عندما تشعر بأنها باتت أفضل وخرجت من حالة الإنهيار تلك ستتحدث بما يؤلم بحق!

جففت دموعها وبدأت في الهدوء وهي تنظر لها بإتساع عينيها في حيرة وخوف ثم همست:

- ما أنا مكنش ينفع يا هبة أكمل.. حرام عليا ابقى لسه بعاني وكمان بحبه اروح اكمل معاه علاج.. 

أومأت لها في تفهم بما تعنيه بينما اراحت "فيروز" جسدها في تلك الأريكة خلفها وعقدت ذراعيها وشردت في صمت طويل حتى توقفت عن البكاء تمامًا وشعرت بالهدوء فالتفتت إليها لتصيح في صدمة:

- بس ده سيكوباتي يا هبة!! انا سبت أمة لا إله الا الله وحبيت سيكوباتي!

التفتت لتتلاقى أعينهما وقد لاحظت "فيروز" تلك الإبتسامة التي تحاول صديقتها التحكم بها ألا ترتسم على شفتاها بشتى الطرق لتتمتم لها:

- اضحكي ياختي.. اضحكي على خيبتي!

انفجرت "هبة" ضاحكة ثم قالت وهي تقتبس هذه المقولة:

- بإعترافتهم!! قولتش أنا حاجة!

رمقتها في غضب ثم تحدثت إليها بغيظ:

- انتي اصلا صاحبة عِرة وأنا واحدة مُهزأة إني جيت أكلمك!!

كادت أن تنهض لتغادر بينما أوقفتها "هبة" وعانقتها من جديد ثم تحدثت بضحكة لم تستطع أن توقفها من ردة فعلها:

- استني بس يا مجنونة.. لما نشوف حل للورطة اللي احنا فيها انتي والسيكوباتي الرخم ده! 

زفرت في قلة حيلة ونظرت أمامها لتفكر في تشتت ثم تحدثت لها:

- واخوكي كمان على فكرة، اتصرفي بقى!

تريثت "هبة" قليلًا لتفكر في كلماتها التي ستقولها ثم التفتت بكامل جسدها نحوها لتجلس القرفصاء ففعلت الأخرى مثلها وهي ترتقب ما ستقوله:

- بصي! إنك بعدتي ده صح جدًا.. وإنك اخدتي break لغاية يوم عيد ميلاده حاجة كويسة هتخليكي تعرفي مشاعرك وتسيطري على تصرفاتك كويس.. وبصراحة لما حكتيلي على موضوع ماهر ده لما زورتيه وأصلًا بغض النظر عن العياط ده كله أنا حسيتك فوقتي شوية من ساعة ما دخلتي، زيارتك ليه فوقتك.. حاسة إنك فيروز بتاعة زمان! 

أنا فاهمة إن انتي وماهر كنتو اصحاب ومتجوزين عن حب، وهو كان انسان محترم وكويس بس من حقك تحبي تاني وتعيشي حياتك.. بطلي بقى تقولي إنك متستاهليش.. يا بنتي ربنا حلل جواز الأرملة والله!

قاطعتها "فيروز" لتقول:

- بس يا هبة أنا عمري ما كنت اتصور إني أحب بعده.. 

ابتسمت لها ثم حدثتها بثقة وهي تقطب جبينها:

- انتي كنتي عايشة في حالة إنكار علشان عقلك مش قابل تحبي اي حد بعد ماهر

قلبت شفتاها ورمقتها في حُزن:

- يعني أنا اسيب الدنيا واحب شهاب! أنا مش مصدقة بجد!

زفرت في ضيق ثم تمتمت:

- بغض النظر عن اختيارك الهباب ده، ناوية على ايه؟

تناولت نفسًا مطولًا ثم زفرته وبعد لحظات من صمت تحدثت في حزم:

- والله ما اخد خطوة معاه غير لما يتغير ويتابع مع دكتور كويس و..

قاطعتها مسرعة في تساؤل:

- والسنتين؟! 

ضيقت ما بين حاجبيها واجابتها في إنزعاج بعد أن ذكرتها بتلك القاعدة الشهيرة في مجالهما التي تنص على عدم زواج المعالج وحالته سوى بعد مرور عامان من توقف تلقي العلاج من نفس المعالج الذي تطورت مشاعره إلي حالته:

- محسساني انه قاللي اتجوزيني يا فيروز أحسن اموت نفسي.. مش نتهد ونشوف ده إيه الأول، شوية مشاعر ولا شبع بما إنه ملوش حد قريب منه ولا نيلته ايه ده كمان! ويا ترى بقى هيتنيل يسكت لغاية عيد ميلاده ولا هيرجع يزن تاني .. ده لسه معداش غير يومين!

أومأت لها في تفهم ثم حدثتها في قلق شديد:

- بس يا فيروز انتي قولتي انه سادي وده ممكن يـ..

أومأت لها وهي مغلقة لعينيها ثم قاطعتها وهي تنظر لها:

- متقلقيش.. هحاول على قد ما اقدر! وهاخليه يروح لدكتور تاني!

زفرت في خوف وهي تنظر لها:

- يا خوفي منك!! ملقتيش غير واحد سخيف مش بطيقه.. ربنا يسترها!

اتسعت عينيها بملامح معترضة وحدثتها في حنق ثم تلاعبت ابتسامة على شفتاها في نهاية كلامها:

- والله ما سخيف.. وبعدين انتي متعرفيش شهاب وهو معايا أبدًا.. ده أنا عايزة احكيلك على بلاوي!

ضيقت عينيها إليها بنظرة لوم تصنعتها في مُزاح وقالت:

- ما دام ده اختيارك وهتشيلي شيلتك.. امري لله!! صبرني يارب على ما بالتني.. احكيلي يا هانم وأنا عاملة زي الأطرش في الزفة كده!! احكي قبل ما جميلة تصحى!

عادت من تلك الذكرى وهي تتمنى أن "هبة" ستحاول أن تتقبله بشكل أفضل اليوم، وفي العموم حتى.. هي ليست في حاجة أن تعشق رجل وصديقتها لا تطيق النظر إليه!! 

لا تصدق أنها وصلت إلي اليوم دون ولو مكالمة واحدة منه، تشتاق إليه ولكن تشعر بالخوف والسعادة في آن واحد.. إما أنه قد تقبل قرارها فذلك سيجعلها ترفرف بالسماء السابعة وتحلى ببعض العقل، وإما هو يفعل جريمة أخرى لا تعلم هي عنها شيئًا.. ولكن لقد علمت عن طريق "هبة" بعد أن سألت "هاشم" أنه لطالما كان بالعمل..

توسعت ابتسامتها عندما علمت كذلك أنه بدا غاضبًا بتلك الأيام.. هل هذا يعني أنه يشتاق إليها مثل ما تفعل هي؟ أو على الأقل هل شعر بأي اختلاف؟ هل كان يراها في احلامه مثل ما رآته؟ عليها الكف عن تلك التصرفات كالمراهقات تمامًا.. 

توجهت وهي تتفقد خزانة ملابسها.. عليها أن تبدو جميلة اليوم.. حسنًا هذا اللون يبرز عينيها، لماذا يسألها كل مرة على لون عينيها؟ هل هو مختل؟ على كلٍ .. هذا سيتوافق تمامًا مع شعرها وهو منسدل كما يُحبه دائمًا! سترتدي هذا.. كما عليها أن تعد ملابس أخرى للذهاب لذلك الإفتتاح مساء اليوم!! 

زفرت في إرهاق من الآن يبدو أنه سيكون يومًا طويلًا ولكنها تتمنى أن يمر بخير.. حفل يوم مولده.. حفل افتتاح المشفى.. ورؤيته!! المزيد من الصعوبات التي لا ترفق بها ولكن ستتغلب عليها، تأمل فقط أن تنتهي دون خسائر أو بُكاء!

     

الثانية عشرة والنصف ظهرًا..

لماذا هذا الهاتف اللعين لا يتوقف عن الرنين؟ ألا يكفي استيقاظه طوال الليلة الماضية؟ ألا يكفي عدم تذوقه للنوم بتلك الأيام المنصرمة سوى لساعات قليلة للغاية كل يوم وأحيانًا كل يومان؟ 

حسنًا.. أيًا كان الوغد الذي يتصل به سيقتله بعد أن يُعذبه بحرقه لأكثر من مرة.. سيعالجه ثم سيحرقه وسيُعدها مرارًا وتكرارًا إلي أن ينتحر هو بنفسه.. لن يتسامح مع اللعين الذي يُحدثه دون كلل أو ملل في توالي هكذا.. إلا لو كانت "فيروز" .. هل هي من تتصل به؟!

نهض جالسًا في سريره بسرعة كالملهوف لمجرد ظنه أنها قد تكون هي التي تهاتفه وجذب الهاتف ثم تفقد هوية المتصل ليجد أنه أخيه "هاشم" فخابت كل توقعاته وتمتم بسباب عدة بالإيطالية وعاد من جديد ليريح جسده في سريره وأغلق عينيه ثم أجاب بضيق ونُعاس:

- ايوة يا هاشم فيه حاجة؟

ألا يكفي هذا الصغير طوال الأيام الماضية يعملان، ماذا يريد منه الآن؟ .. انتظر لسماع اجابته بينما حمحم الآخر وحدثه بجدية:

- معلش يا شهاب فيه حاجة مهمة كده اخدت بالي منها، وشايف انك تعرفها احسن النهاردة بدل ما في الشغل يعني مبنبقاش واخدين حُريتنا وانك لسه مش عايز تعرف حد إنـ..

قاطعه بنبرة يبدو عليها السأم والرغبة الشديدة في النوم:

- طيب خليها بُكرة!

ادعى "هاشم" التأثر وأشار لمن أمامه أن يتوقفوا عن الهمس وتابع بجدية في إلحاح:

- أنا مش عايز أقلقك بس الموضوع ميطمنش.. لازم نلحق بسرعة ونشوف هنعمل إيه! 

فتح عينيه ثم زفر في ضيق من ذلك العمل اللعين الذي لا ينتهي ثم اخبره:

- ماشي.. ساعة كده وابقى عندك.. 

أنهى المُكالمة بينما نظرت إليه كلًا من "هبة" و "فيروز" وتحدث كلتاهما في نفس الوقت في تساؤل:

- ها.. هيجي؟

نظر إليهما وتصنع الحزن وخيبة الرجاء وأومأ بالنفي ثم اجابها:

- هو قال إنه مش هاينفع النهاردة وخليها لبكرة! 

اختلفت ملامح "فيروز" وشعرت بخيبة الأمل الشديدة فلقد تلاشت كل طموحتها في إقامة ذلك الحفل الذي أعدت له منذ أيام بينما نظرت إليه "هبة" في غضب وصاحت به:

- ما كنت ضغطت عليه شوية يعني.. ده انت سخيف يا اخي! احنا غلطانين إننا اعتمدنا عليك وخليناك انت اللي اتكلمه

رفع حاجباه مما قطب جبينه في تعجب:

- لا أنا اللي غلطان.. لأني لما لحيت عليه تاني مرة قال إنه.. هيجي كمان ساعة!

نظرت كلتاهما إليه في غيظ لتتقدم "هبة" نحوه وأخذت تضربه بخفة بينما قهقه هو ضاحكًا في استمتاع لتلك الملامح التي رآها تُصاب بالحزن منذ قليل ولم يفهم أحد تلك الإبتسامة التي ارتسمت على شفتي "فيروز" سوى صديقتها وكالمعتاد عادت لتحكماتها ليستمع كلاهما إليها:

- بطلوا هبل بقى ويالا روحوا شوفوا الناس خلصوا ولا لأ على ما أقول أنا لطنط وحازم! 

تركتهما وشعرت أن قلبها يخفق أسرع من المعتاد وحاولت أن تُهدأ قليلًا من تلك النشوة التي تداهمها كلما اقترب موعد رؤيتهما!!

      

أخيرًا انتهت من ذلك الجمع الغريب الذي يلازمها.. خالها، تلك الـ "منة".. وكذلك "إياد".. فجأة يود الجميع الإطمئنان عليها والتواجد معها.. شيء بالكاد تحملته طوال تلك الساعات الماضية..

حمحمت وهي تنظر إلي "زينة" التي لتوها فرغت من محادثة "سليم" إليها لتشعر بمزيد من الغيظ يلتهم دماءها في شره فهمست لها:

- زينة أنا بصراحة كنت مستنية نكون لوحدنا.. ما صدقت إياد راح يطلب حاجة تانية نشربها ومنة وخالو راحوا يجبولي الدوا.. أنا فيه حاجة سارة مرات أبو شهاب قالتلي عليها قبل ما تتوفى.. ومن ساعتها مش عارفة اتحرك ولا اعمل حاجة!

شعرت بالقلق من حديثها ونبرتها التي تُنبأ بوجود مصيبة فسألتها في اهتمام خاصةً بعد تواجد اسم "شهاب" في جُملة مفيدة.. هي لا تطمئن لهذا الرجل أبدًا بعد كل ما علمته عنه:

- فيه إيه يا أروى؟ إيه المقدمة الغريبة دي؟

حمحمت وادعت ملامح الإرتباك واللهفة ثم اجابتها:

- أنا مش عارفة الست دي كان كلامها صح ولا لأ.. وعارفة انك طول عمرك كنتي بتحاولي تعرفي اكتر من اي حد فينا.. بس هي بتقول لما راحت بيت شهاب، اللي عزمنا فيه ده مرة زمان قبل ما عمو كرم يتوفى، كانت هناك بتشوف ابنها لقت حاجة غريبة اوي.. 

ضيقت ما بين حاجبيها وهنا تأكدت "أروى" استدعاء اهتمامها بالكامل فتابعت:

- بتقول إنها شافت بابا عنده.. بابا كريم! 

سيطرت الصدمة على ملامحها وتباعدت شفتاها وهي تنظر لها وحاولت التحدث أكثر من مرة لتجد في النهاية الكلمات بصعوبة:

- انتي بتقولي إيه؟ أروى الكلام ده بجد؟

أومأت لها ثم ادعت المزيد من الإهتمام الزائف والتأثر الكاذب:

- أيوة بس مينفعش دلوقتي نقول لأي حد لغاية ما نتأكد الأول.. أنا لولا اللي أنا فيه ده كنت روحت لشهاب بنفسي وسألته! 

صمتت "زينة" كثيرًا وهي تتلقي تلك الصدمة وارتخى جسدها في كرسيها بينما رمقتها الأخرى في غل شديد وكانت تظن أنها ستهرع إلي هناك وستخبر هي "سليم" بطريقتها وشعرت بالغيظ من انتظارها كل تلك الثواني فتنهدت وكادت أن تعاود الحديث من جديد ولكن آتى "إياد" وجلس لتشعر وكأن دمائها تغلي بداخلها فلقد أضاعت الفرصة بأكملها ولا تستطيع التحدث أمامه..

هي تعلم أن "إياد" بالرغم من أنه ساذج ولكن ليس بسذاجة هذه الصغيرة لتفاجئ كل توقعاتها وهي تتحدث إلي "إياد" قائلة بهمس بعد تفكير للحظات:

- إياد ممكن تيجي معايا مشوار؟

كادت أن تصرخ بها لتتوقف بينما اجابها:

- إيه يا بنتي حبكت؟ ما احنا قاعدين اهو! وبعدين هنسيب أروى يعني؟

توسلته "زينة" بنبرة لحوحة: 

- إياد أنا مينفعش اروح المشوار ده غير وأنا معايا حد وكويس إنك هنا، وزمان خالو زياد ومنة جايين وهيقعدوا مع أروى.. يالا قوم معايا ربنا يخليك! وبعدين المشوار ده علشاني أنا وأروى!

طاحت كل أمالها وهي تستمع لذلك الحوار بينهما بينما تعجب "إياد" كثيرًا وهو يشعر بالقلق من تلك اللهفة البادية عليها فأومأ بالموافقة لتنهض هي مُسرعة:

- ماشي طيب بس هنروح فين؟

اجابته وهي تجمع أشياءها من على المائدة وبداخلها لم تتركها تلك الصدمة لتهمس:

- هقولك في الطريق بس يالا.. 

توجهت للخارج ليزم شفتاه وتوجه إلي "أروى" بالحديث:

- لو احتاجتي لحاجة كلميني أو كلمي خالو.. الصيدلية هنا في الـ mall.. مش هيتأخروا متقلقيش.. سلام

ودعها سريعًا ليلحق بأخته بينما ترك الأخرى خلفه تحترق بداخلها.. الآن سيذهب معها "إياد" إذن لن ينفرد "شهاب" بها!! ولكن لترى كيف ستكون ردة فعل "سليم" على هذا وهي تعلم جيدًا أنه لطالما بغض ابن عمهم أكثر من أي رجل بحياته.. أو لتصيغ ذلك المُسمى.. خطيبها السابق.. مسمى واقعه أفضل كثيرًا من المسمى السابق!!

     

دلف المنزل بسرعة وهو يبحث عن "هاشم" الذي لو جعله يأتي إلي هنا خاصةً اليوم بسبب أمرًا تافهًا من خياله سيهشم عظامه ولن يكترث لأي شيء فلاقى في طريقه احدى العاملين المسئولين عن المنزل ليسأل في سأم:

- شوفتي هاشم؟

أومأت له الفتاة ثم اجابته:

- أيوة حضرتك كان في المطبخ..

مشى حيث المطبخ زافرًا في تأفف وما إن اقترب ودخله رآى آخر ما كان يتوقعه.. أهذه هي الواقفة معه أم من كثرة احتلالها عقله بالأيام الماضية يتخيلها؟ ظل ينظر لها وهي واقفة مولية ظهرها للباب ولم يشعر أيًا منهما بقدومه بينما همس "هاشم" بشيئًا لم يسمعه جيدًا وصدحت بضحكتها فتأكد أنها هي حقًا وتحول هذا الإشتياق إلي غضب جارف ليصيح في غيظ وانفعال:

- فيروز!!..

التفت كلاهما إليه في مفاجأة وايديهما خلف ظهورهما، فلقد اتفقا أن يخبرهم الحراس بقدومه.. لماذا لم يفعلوا؟! ابتلع كلاهما في قليل من الإرتباك فهما لا يريدان إفساد الأمر ليرمقهما وقد شعر بأيديهما تتحرك ليقترب نحوهما ليبتسم اخيه له:

- كويس إنك جيت دلوقتي.. أنا هستناك في اوضة المكتب!! 

غادرهما مسرعًا بعد أن استطاع أن يناول "فيروز" تلك الشمعتان التي تحمل رقم عمره ليُبلغ الجميع بحضوره فاقترب نحوها ليتصلب جسدها وهي تشعر بإزدياد خفقات قلبها بعد تلك الفترة التي لم تره بها وتعلقت عسليتيها بداكنتيه الحادتان وحاولت التحدث لأكثر من مرة ففشلت تمامًا ليُضيق عينيه وهو يتفحص ذلك الإرتباك البادي على وجهها ليهمس بفحيح سائلًا:

- إيه اللي في ايدك يا فيروز؟!

نظرت له في ارتباك وهي تود بشتى الطرق ألا تخبره ولكن تلك الخطوات التي يأخذها نحوها توترها أكثر وتعالت أنفاسها رغمًا عنها وهو يقترب نحوها أكثر حتى كاد أن يلتصق بها ولم تتفارق أعينهما ولو لجزء من الثانية لتهمس هي له على يتراجع عن السؤال:

- وحشتني جدًا الأيام اللي فاتت دي! عامل إيه؟

أحقًا؟! أتخبره أنها اشتاقت له بهذه الطريقة وهي تخفي عنه أمرًا ما؟ ما الذي كانت تفعله مع اخيه وهما وحدهما؟ أتظنه ساذجًا أم غبيًا؟ ارتاب أكثر بأمرها ولاحظ ابتلاعها المتكرر وازدياد ارتباكها..

ما تلك الرهبة التي تشعر بها؟ أسيكون كل لقاء بينهما بهذه الصعوبة منذ الآن فصاعدًا؟ لماذا تبدو كالغبية الآن؟ وما هذا الإقتراب الشديد؟ لن تسمح له أبدًا.. 

انخفضت بجسدها بأكمله بغتة لم يتوقعها هو وابتعدت عنه في لمح البصر، يا له من غبي.. لقد شرد بعينيها وهو يحاول معرفة ما إن اشتاقت إليها مثله بينما باغتته.. ولكن لن يتركها فالتفت ليجدها تفر مسرعة للخارج ولاحظ أنها لا تزال تُخفي ما بيديها وفرت مسرعة لغرفة المكتب فتابعها هو متخذًا خطوات سريعة خلفها ليجدها من جديد تهمس إلي أخيه بشيء وتوجهت للخارج على الفور فشعر بالجنون التام من كل ما يحدث خلفه وهو يُدرك أن هناك أمرًا يُخفيه عليه الجميع..

ذهب وتوقف أمامه بغضب ثم سأله بحدة مضيقًا عينيه وهو يتفحص ملامحه فابتسم له "هاشم" بتلقائية:

- أنت وفيروز كنتو بتعملوا ايه؟ وقالتلك إيه وهي بتخرج؟ 

منع يداه التي تلح عليه بأن يلكمه حتى تغيب ملامح وجهه، وسيطر بأعجوبة على غضبه وهو يحاول أن يُخفيه ليتنهد الآخر وبمجرد سماع صوت "فيروز" وهي تنادي "هاشم" اجابه أخيرًا:

- بصراحة أنا كنت عايز أقولك على الموضوع من بدري ومعلش اني خبيت عليك طول الأيام اللي فاتت دي بس.. تعالى نكمل كلامنا برا احسن! 

توجه "هاشم" نحو الخارج وهو يظن أنه يمازحه بينما لم يدرك أنه دنى للغاية من إلحاق جسده بجص سيستمر لعدة أشهر وتبعه "شهاب" في غضب وكاد أن يُرغم جسد أخيه على الإلتفات ولم ينظر سوى نحوه وهو يتخيل ارتكابه أبشع طرق التعذيب به بينما نبهه من خيالاته المتوحشة صراخ الجميع بتهنئته بيوم مولده لينظر حوله في دهشة ليجد عائلته بأكملها متواجدة وهناك كعكة ضخمة في انتظاره والعديد من زينة وأشياء لا تنم سوى عن الإحتفال!!

     


زفر في راحة أخيرًا من ذلك الحديث الذي لا ينتهي وقد استطاع أن يحصل عليها بمفرده لينظر لها واقترب منها مبتسمًا بالرغم من أنه لا يزال يحمل بعض التساؤلات عما كانت تفعله "فيروز" مع اخيه منذ ساعة ولكنه كذلك ارتاب بأمر تلك التجهيزات خصوصًا عندما نادته وهي بالخارج عندما كان معه بغرفة مكتبه.. سيُحاسبها على تلك الضحكة الرائعة التي سمحت لغيره بالتمتع بها ولكن الآن يود التحدث معها بالكثير من الأشياء ..

عليه التوقف عن الإقتراب بتلك الطريقة، هي تحاول أن تتعامل بتلقائية أمام الجميع.. ولكن تلك الأعين وهذه النظرة التي تحمل العديد من المعاني الخفية لا تساعدها بتاتًا.. عليه تغير تصرفاته تلك.. لماذا يبدو جذابًا هكذا اليوم؟ هل هذا بسبب تلك الملابس غير الرسمية.. أرجوكِ استيقظي مما تُفكرين به.. يبدو أنه يود أن يقول شيئًا.. ما هو؟ تتمنى بداخلها ألا يسألها عن حديثهما منذ أيام بالسيارة! 

يكفي هذا الإقتراب، تبدو متوترة للغاية ولا يريد أن يقسو عليها.. سيتحدث لها إذن بصحبة واحدة من تلك الإبتسامات التي لا تستطيع مقاومتها النساء بصحبة اشتياق شره إلي عسليتيها ونبرة خافتة يعلم تأثيرها جيدًا:

- عيد ميلاد من ورايا.. بترديهالي يا فيروز يعني!! 

حمحمت وهي تنظر له وبادلته الإبتسامة ليُسيطر عليه رغبة عارمة بضرورة تقبيله لها، لن يبالغ، فقط قبلة الآن ستكون أكثر مما تمناه بحياته بأكملها وسيتوقف.. أو ربما قبلة طويلة.. حسنًا لن يكذب.. العديد من القُبل الطويلة.. لماذا يشعر معها هي فقط بذلك؟ لم يكن الرجل الذي يقبل النساء!! اللعنة على عشقها وذلك اليوم الذي رآه بها.. 

- امال فاكرني صاحبة اي كلام ولا إيه!! بس قولي اتبسطت ولا مش اوي؟!

هذا السؤال أخرجه من تخيلاته وأجبر بنيتيه أن يتركا شفتيها الورديتان وشأنهما ليعودا إلي تلك العسليتان فابتسم لها متنهدًا وهز كتفاه وارتفع احدى حاجباه في تلقائية ثم اخفضه بحركة سريعة:

- مش عارف.. أنا اول مرة في حياتي حاجة زي دي تحصلي يعني.. هبقى بكدب لو قولت اتبسطت او قولت إن الموضوع كان عادي.. هو كان غريب بس.. بس بجد اكتر حاجة مبسوط بيها هو إنك كنتي موجودة!

ابتسمت في خجل وأومأت له ثم حمحمت ورطبت شفتاها وكادت أن تتحدث بينما صدح هاتفه بالرنين لتمتعض ملامحه وتفقده ليجد واحدًا من حراس منزله فأجاب في حنق وهي تتابعه في تعجب بعينيها واستمعت لما يقوله:

- مين.. طيب دخلهم وأنا جايلهم!!

اختلفت ملامحه مائة وثمانون درجة لتشعر هي بالقلق وسألته بتلقائية:

- فيه حاجة؟ أنت كويس؟

أومأ لها وشرد للحظة ثم همس مجيبًا بإبتسامة مُرعبة:

- يوم مليان مفاجآت الظاهر كده.. ولاد عمي تحت!! احلى هدية عيد ميلاد شكلها!

اندهشت هي وارتفعا حاجبيها مما استمعت له بينما التفت وغادرها فتبعته مُسرعة لترى ماذا هناك! ولكنها تريثت قليلًا.. مواجهة أولاد عمه لن تكون جيدة أبدًا بهذا اليوم حتى لا يحدث مالا تُحمد عقباه! لقد استطاعت بصعوبة أن تُنهي تلك الإرتيابات بعقله وتشعر بالخوف لو فقط عاد مجرد شك بسيط في عقله بعلاقتها بهذه العائلة!

     

بالرغم من أن هذا الإجتماع هام للغاية ولكنه لا يستطيع كف عقله عن التشتت الهائل الذي يشعر به منذ الصباح، خوفه على "زينة" يُرعبه هو نفسه، حدسه يُنبأه بأن هناك كارثة على وشك الحدوث.. كلما مر الوقت شعر بتضارب احاسيس الإطمئنان وبنفس الوقت احاسيس الخشية الهائلة.. 

لا يدري هل يظهر ارتباكه أمام الجميع بتلك المكالمة المرئية أم ماذا؟ هل يلاحظ الجميع تحرك عينيه كل بضع ثوانٍ نحو هاتفه بتلك اللهفة.. ماذا سيظنون.. "سليم الخولي" لا يستطيع تسليط تركيزه على العمل!! نهض وهو يتابع حديثه إليهم كمن يشعر بالإرهاق من كثرة الجلوس وجذب هاتفه وهو يتفقده.. 

يريد أن يتناول إستراحة لبضع دقائق ليُحدثها، يشعر بقلق رهيب.. ولكنه بنفس الوقت هو لا يريد أن يجعلها تشعر وكأنها مُحاصرة، ذلك الشعور بالإجبارحتى ولو يشعر بالخوف عليها ليس بصحيح، ليس من الصائب أن يُكره رجل زوجته التي يعشقها على شيء، لا يريدها أن يتحول خوفه لتكرهه بسبب تحكماته، يكفي ما فعله بالأيام الماضية ولقد تحملته كثيرًا.. 

الفتاة التي أحبها وعشقها منذ الصغر لا تستحق سوى أن يُسعدها بكل ما يُكنه من عشق إليها.. لا يريد إجبارها بقسوة.. "زينة" وقتها لن تكون سعيدة أبدًا.. لها كل الحق في أن تفعل ما تريده حتى ولو تريد الإقتراب من تلك الأفعى.. لماذا رُزقت بأخت سيئة مثلها؟ أستكون هذه الفتاة لعنتهما التي لا يستطيعان النجاة منها أم ماذا؟! 

كل الرعب بداخله من أن تبتعد "زينة" عن اختها بعد مصيبة جديدة، بعد أن تكتشف خبثها الذي يجري بعروقها بدلًا من دمائها.. يتمنى فقط وقتها أن ينتهي من سُميتها المميتة وتتركهما وشأنهما كي يهنئا في هدوء بعيدًا عن كل تلك السموم!!

تصلب جسده عندما رآى اسم عمه "زياد" يظهر على جسده ليبتلع، حاول أن يكون هادئًا ثم تحدث بإنجليزية مثالية ورسمية مبالغ بها واتجه نحو حاسوبه:

- شكرًا للجميع.. استراحة 15 دقيقة وسنُكمل من حيث توقفنا.. الوداع للآن..

ابتلع ثم أجاب هاتفه محاولًا التمسك بهدوءه بينما آتاه صوت "زياد" المرح دائمًا وبعد تجاذب أطراف الحديث التي شعر منها "سليم" أن كل شيء يمر على ما يرام ولكن سأله ليعصف بهدوءه وحوله لإعصار من الرعب:

- متعرفش صحيح زينة وإياد راحوا فين؟

عقد حاجباه بقسوة وتشنجت ملامحه في صلابة ثم اجابه:

- لا معرفش.. مقالوش رايحين فين؟

تماسك بهدوءه كي لا يثير ارتياب عمه وانتظر ليستمع إلي اجابته:

- لا مقالوش.. كنا بنجيب لأروى الدوا أنا ومنة بس جينا لاقيناهم مشيوا.. فكرنا اصلًا إنك تعرف..

حبس أنفاسه وأنهى المكالمة بسرعة:

- تمام هشوفهم أنا راحوا فين! سلام!

تعجب "زياد" من طريقة إنهاء "سليم" للمكالمة، بينما نظر الأخير بشاشة هاتفه ليجد أنها لا تزال ترتدي القلادة التي اهداها اياها بالسابق أثناء تواجدهما بفرنسا ليجدها مستقرة لا تتحرك بمكان ما.. 

هرع للخارج ولا يدري لماذا تفاقم حدسه بوجود كارثة حتمية ستحدث، بينما حاول الإتصال بزوجته واخيها لمرات وهو يتجه نحو المرأب ليذهب إليها ولم يستطع سوى الإنصياع لحدسه وذلك الشعور بداخله بأن يذهب ويراها فورًا، وما أثار جنونه أكثر هو عدم إجابة أيًا منهما على مكالماته المتوالية!!

     


أخيرًا تحقق انتقامه.. تلك المُغتصبة يبدو أن لا أحد يعلم عن ليلته الماجنة معها شيء.. ولكن أن يراهم متفرقين.. تلك الضحكات التي آلمته عندما رآهم بالسابق التي كلما تذكر هذه العائلة اللعينة بأكملها استمع لها من جديد.. "إياد" التابع الأوفى للفتى المُزعج الذي انتصر عليه وتزوج ابنة عمه "زينة" يجلس أمامه مصدومًا بما توصل له.. انتقام مُذهل!!

يا لها من وجبة رائعة لم يتذوق مثلها بحياته أبدًا.. وكأنه لم يتناول الطعام منذ آلاف سنوات من جوع شره للإنتقام الخالص.. لو الحديث عن الجنة حقيقية بعد الموت مثل ما يزعم الجميع هذه الوجبة الشهية برائحتها الخلابة لن تصنع سوى هناك!! ولكن ينقصها فقط القليل، لمسات من نثرات لبهارات لم تُستخرج من قبل سوى بطيات عقله وهو يتصور كيفية انتقامه منهم جميعًا.. 

سيضعها الآن لتتكامل الوجبة، ادعى التأثر الشديد والتعاطف الزائف وهو يتحدث إلي "إياد" ثم تحكم في نبرته لتبدو مليئة بالمشاعر وقال:

- أنا مكنتش عايز اتدخل، فكرتكوا تعرفوا والدكوا فين، فكرت إن خالك بدر الدين وابنه قالولكوا إن عمي قاعد معايا.. أنا حتى فكرت إنكو مش قابلينه علشان كده سايبينه في مصحة.. 

نظر له "إياد" بإحتقار شديد وهو لا يُطيق النظر لوجهه ليتشدق ببصاق من كلمات لا تُعبر سوى عن الكراهية لشخصه الحقير:

- حد هيسيب والده في مصحة برضو؟! 

ادعى الإندهاش الزائف الذي اتضح أنه حقيقي بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ وقطب جبينه ثم همس كأفعى سامة:

- أنا كنت فاكر إن بعد اللي خالكوا بدر الدين عمله كلكوا وافقتوا وسيبتوه في المصحة ومحبتوش تفتحوا في القديم وسامحتوه وخرجتوا عمي من حياتكوا خالص!

عقد حاجباه وشعر بأن هناك ما لا يعلمه فسأله بتلقائية وصدمة بآن واحد:

- خالي.. خالي ماله ومال بابا.. هو عمل ايه؟

زم "شهاب" شفتاه وبداخله استمع لصوت موسيقى رائعة تصدح بطيات عقله ومنع نفسه بمجهود هائل ألا يستجيب لأخذ الخطوات الراقصة التي تُجبرها هذه الأنغام المثيرة للرقص!! رقصة انتصار تاق لها منذ شهور.. أفضل هدية يوم مولد على الإطلاق.. ولكن إذا استجاب لذلك الصدى بعقله وتحرك جسده متأثرًا بتلك الرنات التي لا تنم سوى على فرحة شديدة لن يبدو بمظهر جيدًا أمام ذلك التابع السخيف.. لنتحدث إذن.. لنتحدث بقليل من العبث:

- معلش يا إياد.. انا مش عايز اعمل مشاكل.. ممكن انت تسأله براحتك..

أصدر هاتفه هزيز فتظاهر بنظرة معتذرة ليستمع للمتحدث وكاد أن يرقص بحق في انتشاء من سعادة لم يطرق بابه من قبل، "سليم" الفتى المزعج بنفسه آتى إلي هنا.. يا مرحبا.. ليلقنه درسًا.. هناك أمرًا ضئيلًا عالقًا وعمل غير منتهي بينهما.. سينهيه الآن حتى تكتمل الوجبة الشهية، لا.. بل هذه هي الحلوى بعد الوجبة الرائعة:

- آه طبعًا خليه يتفضل.. 

أنهى المكالمة وابتسم نحو "إياد" بإقتضاب وتأثر زائف ثم حدثه قائلًا:

- هابلغ حد ينده زينة.. معلش كان نفسي اطول معاكم بس ورايا حاجات كتيرة اوي النهاردة.. بعد اذنك..

التفت وغادر نحو غرفة عمه "كريم" ولم يستطع كبح تلك الإبتسامة وهو يزفر براحة شديدة ولكنه فكر بالتوجه إلي "عنايات" أولًا حتى تُخبر "سليم" وترحب به وتصحبه إلي غرفة زوج عمته السابق..

انتهى من اخبارها وتوجه للغرفة ليجد "زينة" جالسة بجسدها الضيل في ركوع أمام والدها وهي تبكي بحرقة وممسكة بيده فاقترب منها بعد أن أغلق الباب كي ينتبه لو آتى أحد، إذا كانت "فيروز" فهنيئًا لها برؤية تغيره والإكتراث لمشاعر البشر، وإن كان الفتى المُزعج فيا للإنتصار.. حدثها بتعاطف زائف هاتفًا:

- زينة..

التفتت له ثم حدثته بحرقة:

- ازاي مخبي كل ده انه قاعد معاك وفي حالته دي ايه اللي وصله لكده.. انت ايه يا اخي؟ شيطان؟! ازاي متقوليناش!

ادعى الصدمة الزائفة بينما تابعته بكلمات غاضبة بين بكائها:

- فعلا سليم كان عنده حق! انت أسوأ إنسان في الدنيا!

زفر وكأنه تلقى طعنة غادرة بقلبه للتو واقترب منها جاثيًا وهمس:

- أنا يمكن وحش في حاجات كتيرة بس عمري ما أذيتك.. عمرك ما شوفتي مني حاجة وحشة..  سليم كان يعرف طول الوقت باباكي فين، لما راقبته عرفت إنه كان بيروحله المصحة من زمان ووالده هو اللي حطه هناك!

ذُهلت بما سمعته وشعرت بصدمة هائلة بينما همست سائلة في إنكار بالغ وتلعثم:

- لا سليم ميعرفش.. استحالة لأ.. ازاي.. لا انت اكيد بتكدب! خالو وسليم كانوا هيقولولي لو عرفوا.. شهاب انت بتكدب مش كده؟

عقد حاجباه وتلمس كتفها بعد أن استمع لتلك الخطوات الآتية وادعى الصدق على ملامحه بشتى الطرق الممكنة ثم همس:

- ممكن تسألي في المصحة نفسها، بس سليم كان يعرف وعرف كمان والده عمل فيه كل ده ليه! أسأليهم حتى..

وها قد فُتح الباب.. وها هو يلتفت ليتفقد من الذي آتى.. ويا له من هدف رائع بنهائي كأس الإنتقام من تلك العائلة والفتى المزعج.. يبدو محطمًا كحارس مرمى مُزقت شباكه في آخر ثوانٍ من الوقت بدل الضائع! يا له من خزلان وخيبة وفشل في إنقاذ فريقه العظيم!! حطمه ببراعة! 

تنهد وأخفض يده من على كتفها بمنتهى الهدوء والتريث وكأنه يقول هذه زوجتك التي اتلمسها أيها الفتى!! بصعوبة منع تلك الإبتسامة التي ود أن يبتسم بها وتلاقت أعينهما وهو ينهض من جانبها، عينا "سليم" المصدومتان وأعين "شهاب" الذي انتصر بإنتصار الألفية اليوم وهو يراه يحترق بتلك اللمسة التي كان يتلمس بها زوجته!!

نظر نحوه وادعى التلقائية ثم تحدث بنبرة وقورة ثم أومأ:

- اهلًا يا سليم.. اتفضل.. شكرًا يا عنايات.. 

لأول مرة بحياته يشعر بأنه يود أن يقتل أحد، أن يقتلع رأسه عن جسده، هذا الحقير لن ينتهي أبدًا عن أفعاله، ولكن ما الذي أخبر به "زينة".. الوقح يتلمسها أمامه ليُشعره بالغيرة ولا يكترث أنها تبكي أمام والدها.. لقد دمر الأمر بينهما.. هو يشعر بذلك من تلك النظرة.. سيُنهي حياته بأكملها هو يُقسم على ذلك..

اقترب نحوه "شهاب" ثم همس له بلهجة انتصار وسخرية هائلة:

- مراتك محتجاك اوي.. محتاجة حد كبير يطبطب عليها ويوقف جنبها! محتاجة كل أهلها جنبها علشان الصدمة شديدة اوي عليها..

شهق مُدعيًا المفاجأة ثم زيف ملامح حُزن:

- ولا أقولك.. أنت ولا أهل ولا عقل ولا تصرفات! يالا امشي من هنا.. صدقني محدش طايق يبص في وشك!

اقتبس تلك الكلمات من حديثه الذي تفوه به يوم العزاء، "شهاب الدمنهوري" لا ينسى أبدًا.. 

ابتسم له بإنتصار وخبث شديد ثم أخبره واعلى من نبرته قليلًا كي تصل كلماته لمسامع "زينة":

- مشغول أنا اوي النهاردة.. كان نفسي اقعد معاكم.. بس البيت بيتكو.. بعد اذنكم!

      


وجدها جسدها يتمايل وهي تحاول أن تُهدأ من "جميلة" فأخرج هاتفه وهو ينظر نحوها بإبتسامة لا يستطيع منعها ليُحضر لها شيئًا كان من المفترض أن يصلها هي بدلًا منه واطمئن أنه كاد أن يصل بأي لحظة الآن وأخبر العاملين أن يضعوها بتلك الغرفة بجانب غرفته ثم توجه نحوها بملامح سعيدة للغاية فنظرت له بإبتسامة هي الأخرى ولكن لا تدري لماذا يبدو سعيدًا للغاية هكذا.. 

همس إليها بعد أن توسعت ابتسامته لتتحول إلي أفضل وأكثر ابتسامة جذابة رآتها بحياتها:

- مش المفروض نجهز علشان ورانا حاجات كمان شوية ولا إيه؟

أومأت له بقليل من الخجل الذي شعرت به لكثرة تحديقها بجرأة في ملامحه وتوجهت لتناول "هبة" ابنتها ثم ذهبت إليه ولم تكترث بتلك النظرات الحارقة التي ترمقها بها صديقتها ثم اخبرته:

- أنا هاروح اغير هدومي.. وأنت محتاج تحلق على فكرة.. 

مرر يده على ذقنه التي لم يشذبها حتى منذ أيام ليومأ في تفهم ثم أخبرها مُضيقًا عينيه:

- مبتحبيش الدقن مش كده؟

حاربت تلك الإبتسامة التي ارتسمت على شفتاها وهي تحاول التحدث له ثم استجمعت جرأتها التي وجدتها بأعجوبة واجابته:

- مينفعش رجل أعمال زيك رايح افتتاح أكبر مستشفيات البلد تبقى دقنه كده.. ولا إيه؟

يا لها من ذكية تصد كل محاولاته في معرفة ما تُفضله.. حسنًا حليق الذقن دون عطرًا ثقيلًا.. ماذا أيضًا تُفضله هذه المرأة ذات الحدقتان مجهولتان الهوية؟

أومأ لها بإبتسامة مقتضبة ثم عقب في موافقة:

- عندك حق!!

أشار لها بيده لتتقدمة في نُبل لم تعتاده منه فقاومت تلك الإبتسامة من جديد وفعلت ليتبعها بينما تحدث إليها: 

- في الأوضة اللي جنب اوضتي.. ادخلي غيري هناك.. وفيه حاجة أنا جبتهالك بس بجد نفسي تعجبك! 

التفتت له بأعين مستفسرة مصحوبة ببعضًا من الإندهاش القليل:

- ده عيد ميلادك على فكرة.. ده أنا حتى لسه مديتلاكش هدية عيد ميلادك..

توقف وتحولت ملامحه لخوف استطاعت أن تقرأه بعد أن أجبرها توقفه على توقفها هي الأخرى وقبل أن تسأله تحدث هو هامسًا: 

- أنا مش عايز أي حاجة غير إنك تكوني كويسة ومعايا! 

بحثت عن المصداقية بملامحه لتومأ له بإبتسامة مقتضبة ولكنها كانت صادقة حقيقية بعيدة كل البُعد عن التظاهر والتكلف ليشعر بأن الآن عادت تلك المرأة التي عشقها من دوامات تصرفاتها الغريبة واستمع لها وهي تُخبره:

- قولتلك مش هاقدر ابعد عنك.. ويالا علشان منتأخرش..

      


جلست بالمقعد الخلفي بتلك السيارة الفخمة التي يقودها سائق خاص وهو جانبها لترمقه بين الحين والآخر وهي تستسلم تمامًا أمام تلك الشخصية الدبلوماسية الوقورة التي يرسمها أمام الجميع والصحافيين بصحبة مظهره الرائع بتلك البزة الرسمية ومعطفه وربطة عنقه.. تنهدت وهي تفكر بأن هذا الرجل أمامها معه طريقًا طويلًا للغاية حتى تحصل على شخصية واحدة محددة الملامح دون ازدواجيات سيكوباتية متعددة الأوجه.. 

انتهى من تلك المكالمة ليلتفت وهو ينظر لها وللحظة شعر بأنه يمتلك الدنيا بما فيها، هي معه، تزعزعت عائلة الخولي، رجل أعمال ناجح ليس هناك غبار على اسمه، من كان يُصدق أنه سيبدأ بالتصالح مع يوم ميلاده الذي كان يظن أنه مجرد يوم آخر بالتقويم ليس إلا..

التفتت لتبادله النظرات ومسدت من هذا الثوب الذي لم تر في أناقته من قبل، حسنًا يُفسر القليل من قوامها ولكنه يغطيه بالكامل، لم تتوقع أنه سيُحضر لها خصيصًا ثوبًا من احدى العلامات التجارية الشهيرة بفرنسا، كان أكثر مما يستطيع عقلها مواكبته!! 

هو يوم ميلاده ويحضر لها المزيد، وهي حتى شعرت بالخجل من تلك الهدية التي آتت له بها.. ربما لن تُعجبه في الأساس.. ولكن إذا كان ذلك الشيء حقيقي بينهما فسيستجيب حتمًا..

حمحمت وهي تحاول أن تجد الكلمات لإخباره عما أعدت له فهمست:

- شهاب.. بما إن بيتي قرب.. والوقت أتأخر.. أظن انت لسه متعرفش الهدية اللي أنا جـ..

لماذا يبدو صوتها اليوم مُسكنًا رهيبًا يُريحه بطريقة غريبة؟! عليها التوقف وإلا سيُصاب بجلطة في أي ثانية الآن.. عقد حاجباه وهو يتفحصها ثم قاطعها بأمر آخر تماما:

- تعالي معايا..

استمعت لطريقته المتوسلة وبالطبع قرأ الإعتراض على وجهها فبادر قبل أن تقابله بعبارات الرفض:

- أولًا أنا استنيت الأيام اللي فاتت وسيبتك براحتك.. ثانيًا ده عيد ميلادي وليا الحق اختار الهدية اللي عايزها.. ثالثًا أنا جعان جدًا وأنا اللي هاعمل العشا.. وبكرة السبت اجازة.. قولتي إيه؟!

زفرت في محاولة ألا تُفسد تلك السعادة التي تراها على وجهه فهمست:

- شهاب مش هاينفع كل شوية اكون معاك في بيتك و..

قاطعها بطيف انزعاج ببنيتيه اللامعتان ليسألها واحدًا من أسوأ الأسئلة التي قد تتعرض لسماعها منه على الإطلاق:

- فيروز انتي لسه مبتثقيش فيا بعد كل ده؟

أومأت بالنفي لتهتز خصلاتها بجانبي وجهها فرفعت احدها خلف أذنها برقة فابتلع هو وهو مشتتًا بين تلك الأنوثة التي تبدد بها جوارحه وبين ذلك الشعور بأنها لا تثق به فتحدثت في نهي:

- لا طبعًا بثق فيك.. هي المشكلة إن مينفعش.. يعني.. زمان أنا..

تأففت في انزعاج وتوقفت من تلقاء نفسها ثم اخذت قرارها لتردف من جديد ولكن بنبرة واثقة:

- خلاص هاجي معاك وهنتعشى وهتوصلني.. 

ابتسم بجاذبية لن تقوى بسهولة على تحملها من الآن ليقول:

- وهنتكلم بقى في حاجات كتير.. علشان مكنش فيه ولا جلسة! 

همهمت في تفهم لتسأله:

- انت مفكرتش تتابع مع حد تاني؟

تنهد في انزعاج ثم اجاب بنبرة معترضة:

- فيروز أنا مش سهل اثق في حد تاني واحكيله على اي حاجة.. شيلي الفكرة دي من دماغك!

أومأت في تريث وهي تتلقي تلك الصدمة بينما ساد الصمت الغريب بين كلاهما، لقد بدأ في الإنزعاج منها حقًا.. وهذا فاق كل تحمله.. وقارب للغاية على أن يدع ذلك الرجل الذي اعتاده أن يتعامل معها وليس هذا الرقيق المُتفهم المُتقبل لكل ما تقوله.. سيتشبث مرة أخرى مجددًا بتلك السعادة التي يشعر بها اليوم وهذه آخر مرة لتحمله!

ستجد طريقة لإقناعه وإلا إذا استمر في رفضه القاطع بأن يتلقى العلاج من سواها لن تستطيع أن تُكمل معه في هذا العلاقة أبدًا.. وهذا آخر ما رغبت به.. أن تبتعد عنه!

      

دخلت منزله هذا الذي يقارب منزلها وبدأت في الشعور بالألفة، هذا المنزل بالكاد تشاجرا به، مر عليهما به أيام جيدة.. المزيد من الذكريات التي تخشى أن تفقدها في يوم ما بسبب أي شيء.. 

دخل هو وأخذ يتحرك في حُرية، أضاء الأنوار وخلع سترته وهو يُريح من ربطة عنقه ليتركها متدلية حول عنقه ولم يخلعها وتوجه نحو المطبخ مباشرة، بالرغم كل ما يشعر به ولكنه يتضور جوعًا بشدة.. 

راقبته بعينيها ثم تبعته لتجده يُمسك جهاز تحكم عن بُعد وضغط بزرٍ ما ثم استمعت لنغمات تملئ المنزل بأكمله ثم استطاعت معرفة أن الأغنية بالإيطالية ولن تفهم منها شيئًا.. 

اقتربت أكثر وهي تلاحظه بدأ في تحضير مكونات الطعام فسألته:

- ممكن اساعد في إيه؟

التفت إليها بإبتسامة ساحرة واقترب منها وأشار برأسه نحو احدى الكراسي ثم اجابها:

عايزك تقعدي.. اتكلمي معايا.. دي احسن مساعدة وهدية في عيد ميلادي

أومأت له ولم تستطع أن تقابل تلك الكلمات سوى بالصمت التام، ذلك الغزل المتوالي منه وكل ما يفعله كان أكثر مما تستطيع مواجهته.. حمحمت في محاولة لتصفية ذهنها بعيدًا عن تلك الموسيقى وكونه يصنع طعامهما بنفسه وذلك الثوب الرائع الذي ترتديه ثم هتفت بمرح:

- حابب تتكلم عن إيه؟

هز كتفاه في تلقائية ثم اجابها:

- مش عارف.. انتي اللي دكتورة مش أنا! 

ابتلعت في تريث وهي ترغب بشدة أن يتوقف عن الإشارة بأنها لا تزال معالجته النفسية ولكنها لن تُفسد اليوم.. اليوم بعد تلك السعادة التي تلوح على ملامحه لن تُحرمه منها أبدا.. 

فكرت وهي تبحث عن أمر لتحدثه به ثم ضيقت عينيها وهي تتفحصه وتذكرت الكثير من الأشياء ولكن أنوثتها وكبرياءها بغضا بشدة أن يبقى هناك شيئًا عالقًا لم يُفصح لها عنه فسألته في النهاية بعد صمت طال لعدة لحظات:

- كلمني عن كلوديا..

رفع لها رأسه وترك ما كان يفعله ثم ضحك بخفوت ونظرة خبيثة غادرت بنيتيه الداكنتين وكأنه يُخبرها لم هي بالتحديد ولكنها تابعت:

- علاقتكم، كنتو اصحاب اوي ولا لأ.. كنت بتحس بإيه وهي معاك.. يعني.. ابدأ باللي تحبه! مع إنك زمان قولتلي إنك مالكش اصحاب بس خلاص اللي فات مات!

لماذا تتبع معه هذا الأسلوب السيء؟ حسنًا.. هي تكاد تنفجر من الغيرة عندما يتعلق الأمر بتلك المرأة!! ولكن أن تقبح أفعاله واعترافاته بتلك الطريقة لم يكن التصرف الأفضل منها.. 

أكمل ما يصنعه ثم حمحم واجابها:

- كلوديا مش صاحبة، ولا مجرد واحدة بنام معاها.. ولا بس شريكة.. تقدري كده تختصري كلوديا بإنها coctkail 

همهمت في تفهم وعقدت ذراعيها ليرمقها بنظرة سريعة ثم نظر فيما يفعله وقد أدرك أنها تشعر بالتوتر ولو كان يعلم جيدًا ما تُعنيه بعقدها لذراعيها لكان فسر الأمر بسهولة، هي فقط لا تشعر بالأمان.. همهمت فتابع عاقدًا حاجباه..

- أنا عرفتها بعد ما قبلت من وليد العرض اللي عرضه عليا.. بس كلوديا كانت حد مهم اوي بالنسبة للعيلة كلها.. علمتني كل حاجة تقريبًا! ازاي امسك سلاح، ازاي ادافع عن نفسي، ازاي اعمل أكل.. ازاي اكون رجل أعمال.. وحتى العنف اللي في السرير ده فهمتني انه ممكن يختفي ورا ستارة شيك اسمها BDSM وهنا بقى كانت بدايتي في الممارسات مع ستات كتيرة وستايل كده وكمان أنا استفدت كتير من الموضوع.. اكيد انتي فهماني.. أدوات وعقاب.. يعني.. بلاش نطول في الكلام ده النهاردة!

تناولت نفسًا مطولًا ليشعر بالإرتياب منه وسألته وهي تشير بيدها وكأنها لا تود الحديث بأمر ساديته من جديد:

- يعني.. ازاي وانتو قريبين من بعض في نفس الوقت كنتو.. يعني هي كانت قابلة إنك تكون مع واحدة غيرها وموافقة وبتشجعك؟

ابتسم لها ابتسامة جانبية واختلفت ملامحه كثيرًا لتتحول لجدية وكذلك ثقة هائلة وغطرسة منيعة:

- كلوديا ملهاش تعترض، وأنا موعدتهاش بحاجة.. غير انها تفكيرها غير تفكير الستات العادية! اهم حاجة عندها مصلحتها وبعدين المُتعة في المطلق! سواء بقى ليها أو لواحد بتهتم بيه.. غير إنها كانت بتلاقيني دايما معاها وفي ضهرها.. معاها في الـ Sex ، وبعدين وقت الشغل مكنش فيه بيعرفوا يخلصوا حاجة قدي أنا وهي!! كنا فاهمين بعض ببساطة! 

التفت وبدأ في إشعال الموقد لصنع الطعام فنهضت هي وهي تتبعه ثم سألته بحدقتين مستفسرتان:

- مكنش فيه ما بينكم أي مشاعر؟

نظر إليها لوهلة بتركيز وتفحُص ثم اعاد نظره للطعام وحاول انتقاء الكلمات بينما اجابها:

- كلوديا بالنسبالي جدعة! علمتني كتير وأنا شايلها الجميل ده.. هي يمكن حبتني في فترة بس أنا رفضتها! 

أسرعت بسؤال آخر:

- ليه رفضتها؟

زفر في نفاذ صبر ثم اجاب بإقتضاب:

- لأنها خاينة.. خانت حبيبها معايا.. اللي تخون واحد بتحبه حتى لو علشاني يبقى هتخوني ببساطة قدام!

ضيقت ما بين حاجبيها في تفكير ثم سألته:

- يعني لو مكنتش خانت كنت حبيتها؟

عقد حاجباه ثم أخفض قليلًا من حرارة الموقد ووضع غطاء القِدر ثم توجه وغسل يده جيدًا وجففها وهي تنتظر في تريث أن يُجيب ليأتي صوته بالنهاية:

- آه!

اقترب منها ثم جذبها بغتة من يدها لتشهق هي في مفاجأة بينما همس أمام وجهها:

- ارقصي معايا!

اختلفت ملامحها في ذهول وأومأت بالإنكار بينما أجبرها على تلمس خصرها دون أن تُلاحظ وقد شرع بالفعل في التحرك وتحريك جسدها هي الأخرى:

- لا شهاب أنا مش هارقص لأن مينفعش.. احنا اصحاب بس مش..

زفر في حنق بينما أمسك بيدها ليُمدد ذراعها بحركة سريعة على تلك النغمات المتصاعدة حولهما ثم جذبها ليعانق جسدها بمهارة وتحدث بنبرة مرحة:

- متقلقيش هلتزم بالقواعد.. رقصة بريئة، من غير تحرش.. ولا حتى تحرش لفظي بريء.. بس فعلًا أنا مبسوط جدًا يا ريت متبوظيش اليوم بعِندك.. وعلى فكرة بحب الأغنية دي..

ارتبكت أكثر وهي لا تدري كيف تتحرك هكذا بين يديه، ما الذي لا يستطيع فعله؟ حتى يرقص بمثل هذه البراعة؟ أكثر مما تخيلت أن تجد في شخصية رجل واحد.. من طفل ومراهق اعتصامي فقير مرورًا بمشاعر جياشة لحبيبته يومًا ما.. عبورًا بالمافيا والقتل.. ثم غزل وحريق ومفاجآت عدة ورجل اعمال دبلوماسي ومصمم هندسي مُبهر ويُنهيها بطهي الطعام والرقص!! كان كاللغز الذي لا تعلم متى سيُحل حتى تستطيع فهمه!

ابتلعت في صحوة من محاولتها لتحليل هذا الرجل ثم همست:

- شهاب أرجوك متضايقنيش!

زفر من جديد بينما هي لا تود أن تدفعه ولا تزجره بشدة ليهمس هو لها:

- انسي كل حاجة، سيبي نفسك.. دول خمس دقايق مش أكتر..

استمر في التحرك بمهارة راقص محترف وهو يُحرك جسدها بين يديه ليشعر وكأن اليوم قد حصل على كل ما تمناه يومًا ولكن لو فقط لانت ملامحها بواحدة من ابتسامتها التي يعشقها لكان يُحلق الآن فوق السحاب! 

توقفت عن التحرك بأعجوبة وهي تطأطأ برأسها للأسفل فانزعج ثم حدثها في قليل من الإنزعاج:

- مفيش فايدة فيكي أبدًا!!

رفعت رأسها إليه بإبتسامة مقتضبة ثم همست:

- الفكرة إنك بتحاول تخليني واحدة غريبة أنا معرفهاش.. فيه حاجات هوافقك عليها وفيه حاجات استحالة تطلع مني.. أنا عمري ما كنت اتخيل اني اجي مع راجل بيته والساعة خلاص قربت على اتناشر وناكل ونهزر ونضحك بس بعمل كده علشانك.. لكن إني ارقص واقرب منك وامسك فيك دي مش أنا يا شهاب!

أومأ في تفهم وكان هذا بمثابة صد له فابتسم بإقتضاب إليها مبادلًا نفس تلك الإبتسامة على شفتيها ثم غير مجرى الحديث تمامًا:

- طيب ساعديني نرص الأطباق والشوك!

أومأت له وأعدا المائدة سويًا ثم وجدته يعتذر منها لصنع شيئًا ما إلي أن ينضج الطعام وتركها وحدها لتتعجب ما الذي يفعله بغرفة مكتبه لما ازداد عن عشرة دقائق بأكملهم ثم عاد بواحدة من ابتسامته الرائعة ووجه جديد يحمل السعادة، الراحة.. وشعورًا آخر لم تستطيع التعرف عليه.. لم تكن تعرف أنه كان يتناول بعض الكحول عله يُذهب عقله عن غضب شديد قارب على توديع ذلك الرجل الهادئ معها وتركه ليخرج عليها دُفعة واحدة..

جلسا وهما يتناولا الطعام في صمت في البداية فهمست هي بعد أن تركت شوكتها جانبًا وجذبت هاتفها من حقيبتها الصغيرة:

- أنا مبسوطة أوي إنك بجد بتفكر في الجلسات والعلاج.. علشان كده هي دي هديتي.. إنك تكون إنسان احسن لنفسك قبل أي حد! وحاجة اعوض بيها كل الغلطات اللي عملتها معاك!! عايزة اصلح كل الغلط ونبدأ صح المرادي!

تناولت نفسًا مطولًا ليرمقها بنظرة جانبية متفحصًا اياها فلا تدري لماذا شعرت بالقلق من نظرته والقليل من الخوف بينما تيقن الآن كل نفس يتبعه كارثة حتمية فتركها لتتابع:

- أنا عايزة اقولك إني سبت شغلي في المدرسة.. كده مش هيبقى ورايا غير المستشفى والمصحة.. وبعد تفكير طويل الفترة اللي فاتت أنا كمان محتاجة أخصائي يساعدني اعدي الفترة دي.. زيي زيك بالظبط!! أنا حجزت ليك وليا عند دكتور كويس اوي بعيد عن كل اللي اعرفهم و..

ترك شوكته في هدوء مريب وتوقف عن تناول الطعام بينما تلمست يده وهتفت:

- احنا هنروح سوا، هاكون معاك خطوة بخطوة.. مش هابعد عنك وهنتقابل كل يوم! ممكن قدام شوية حتى نحضر جلسات مع بعض وده هيساعد علاقتنا انها تكون احسن و..

جذب يده لتشعر هي بالفراغ التام، هو ليس معها، ما فعله يوضح أنه لم يقبل ولو كلمة واحدة مما تقوله فتوقفت عن الحديث فهمس هو متسائلًا وتفحص ملامحها بتركيز شديد:

- علاقتنا اللي هي ايه؟ الأصحاب؟ ولا المعالج وحالته؟ ولا إيه المُسمى اللي يحدد علاقتنا يا فيروز؟!

شعرت بتهكمه الخفي خلف تلك الكلمات التي تسائل بها وانتقت الكلمات جيدًا قبل أن تُجيبه وهمست:

- أرجوك متستعجلش في حاجة.. احنا مش اطفال ولا مراهقين.. احنا ماينفعش ناخد خطوة غير لما تتغير يا شهاب.. تتعالج وتبقى عايز ده ليك ولنفسك قبل ما تكون عايز التغيير ده ليا أنا شخصيًا! 

تفقدته بنظرة متوسلة بينما ضحك في خفوت بصحبة أنفاسه التي ابعثت خلال ضحكته ثم نهض في انزعاج بحركة سريعة حتى اهتز كرسيه بعنف وتوجه لغرفة مكتبه لتزفر هي في خيبة أمل وتابعته بعينيها إلي أن استمعت لباب مكتبه يرتطم بقسوة مُخلفًا صوتًا عاليًا اهتزت على اثره كتفيها وقررت أن تترك له بعض المساحة..

     

طرقت باب مكتبه بعد أن مر حوالي نصف ساعة ثم دخلت لترى كومة من دخان كثيف تحجب الرؤية في مكتبه وزجاجة مشروب كحولي قاربت على الإنتهاء وهو يتناول المزيد في كوبه ولم تهتز به ولو شعرة واحدة فاقتربت لتقف أمام انظاره في صدمة ثم سألته بذهول:

- مش انت قولتلي إنك بطلت؟ انت ايـ..

ضحك على ما استمع له ثم قاطعها بنبرة مرحة:

- يا عيني اتصدمتي.. شهاب مبيتغيرش !! معلش!!

نهض ليُتابع وقد نما إلي إدراكها أنه ربما يكون قد ثمل، ولكن هل ثمل بهذه السرعة؟ نظرت له في ترقب وهو يُحدثها من جديد ثم سكب آخر ما بالزجاجة في الكوب وأخذ يتناول منها لتعلم أنها لم تكن نبرة مرحة، هذا كان مجرد رجل ثمل:

- شهاب مبيتغيرش.. بعد كل ده شهاب وحش.. شهاب ميستاهلش!! ليه بقى لأن الدكتورة العظيمة فيروز عايزة كل حاجة تتنفذ زي ما هي شايفة.. هي دايمًا صح.. هي مثالية.. وكلنا وحشيين.. قولتلك أنا زفت وهتقبليني قولتي آه بس يا عيني اللي عرفتيه مش قادرة تقبليني بيه.. مصايبي كتيرة أوي على مثالية الهانم!

ضحك في سُخرية ولم يغب عقله تمامًا بعد ونظر لها نظرة دات معنى وإدراك شديد:

- أنا مش بعالج الناس بس بفهمهم.. أنا فهمتك.. فهمتك كويس اوي.. انتي عايزة تعملي كده

فرقع بأصابعه وهو يقترب منها لتشعر بالإستغراب من أفعاله بينما استطرد هو حديثه لها: 

- في ثواني شهاب يتغير.. تعملي كده..

عاد من جديد ليُفرقع بأصابعه وأضاف بعض المؤثرات الصوتية من بين شفتاه وأكمل:

- شهاب يسمع الكلام.. يروح يكلم مامته ويروح العزا ويبقى محترم وعايز يتعالج.. تعملي كمان مرة كده

اخذت خطوات للخلف بينما هو يقترب منها دون توقف وبدأت نبرته في التعالي وقال:

- شهاب يبعد ويفهم ويسيبك براحتك.. كل حاجة عايزاها تتنفذ.. اتغير بين يوم وليلة علشان ده الصح.. ولو بس مرة.. مرة واحدة غلطت في حاجة يبقى ابعد يا شهاب.. ده انتي لو في ايديكي مصباح علاء الدين مش هتتحقق امانيكي كده! 

ابتسم دون أن يضحك هذه المرة لترى ملامحه تتحول لملامح مُخيفة فودت أن تتحدث كي توقفه فأشار هو بسبابته ألا تفعل في تحذير وتحدث هو:

- أنا بقى مش هاتغير اكتر من كده.. وأظن اتحكمتي في شهاب بما فيه الكفاية.. وطظ في الصح والغلط بتوعك!! أنا مغلطتش فيكي ومغلطتش معاكي.. ولو غلطت فأظن إني اعتذرت وعوضتك بما فيه الكفاية.. 

نظرت له في صدمة وهي تشعر وكأن الجنون سيطر على عقله وأعادت طريقته تلك لثمالته بينما لم تعلم مقدار الغضب الذي اندلع بداخله..

حاولت أن تُصلح ما افسدته، ربما لم تكن تلك الطريقة المُثلى لتفاتحه في الأمر فهمست وهي تنظر له بصدق:

- أرجوك حاول تفهمني أنا مقصدتش أضايقك.. أنا بس لما راجعت كل اللي عملته معاك كنت بأذي نفسي وبأذيك.. مش عايزة يا شهاب كل تغييرك ده يبقى ليا وبس.. ده مش صح!! أنا عايزاك تكون كويس.. تتغير بجد.. أنا هساعدك وهـ..

قهقه بخفوت ورفع حاجباه ثم اخفضهما واستقرت ملامحه لتُصبح صلبة قاسية تصرخ بغضب لم تره يومًا بوجهه ثم تمتم في إدراك:

- الصح والغلط والتغيير!! تمام تمام!!  

شرد في تفكير لثواني بينما اقتربت هي منه لتتلمس كتفه وقبل أن تُحدثه همس بنبرة مُريبة:

- طيب ايه رأيك بقى اوريكي شهاب اللي متغيرش، شهاب اللي بيعمل كل حاجة غلط!! علشان حتى لما تبقي تبعدي الفترة الجاية تكملي وتقولي إنك صح وأنا غلط!

ضيقت ما بين حاجبيها في تعجب من كلماته بينما دفعها بقسوة شديدة للحائط خلفها مقيدًا كلتا يداها بقبضته خلف ظهرها وأجبر شفتيها على الإختفاء التام داخل شفتاه وقبلها بمنتهى الهمجية الشديدة! 

شعر بأحدى قدماها ارتفعت لتركله فصدها بأحدى ساقاه ولم يترك شفتاها ليلح عليها أن تتباعد كي يُكمل تلك القبلة التي تمناها من كثير، لم يكن يتمناها بهذا الشكل ولا بتلك القسوة ولا بإجباره لها ولكن بعد كل ما تحاول فعله لتكن بالإجبار إذن!

شعر بساقها الأخرى تود ركله بينما سيطر عليها سريعًا ودفع بثقل جسده بأكمله على جسدها الملتصق بالجدار كي يصيبه بعجز حُرية التحرك ولم يبعد شفتاه عن خاصتها بعد واحتوى ساقيها بحركة خبيرة بين ساقيه ليشل حركتهما وهو يُضيق الخناق عليهما كي لا يتحركا وأخذ لسانه يُحارب تلك الشفتان العنيدتان بقسوة وضراوة حتى انهزما أمامه وخسرت هي تلك المعركة ليُقبلها في شره تام!!

لم يكترث لذلك الصياح المتفلت من بين قبلتيهما الطويلة، لم يكترث سوى لما يُريده، أن يتغلغل في إجبارها أمامه.. يكفيها تحكم به.. يكفي كل ما فعلته به.. ويكفي منادتها اياه بالتغير!! 

بسرعة جذب ربطة عنقه عندما بدأ في احتياج الهواء قبل أن يفصل قبلتيهما ودفع يده خلف ظهرها ليصل ليداها الممسك بهما بيده الأخرى وهو يحافظ على جسدها ألا يتحرر من سيطرته وببراعة تامة في لمح البصر عقد ربطة العنق لتجبر كلتا يداها على الثبات خلف جسدها ثم بعد يده ودفع جسدها من جديد حتى يُثبت بفعله يداها كي لا تفر أبدًا..

ابتعد عنها بلهاث وهو يلتقط أنفاسه بينما فعلت هي المثل ونظرت له في صدمة وذهول لتهمس:

- شهاب أنت سكران ومش حاسس انت بتعمل إيه أرجوك ابعد وسيبني امشي

ابتسم لها في مكر وهو يبتلع مذاق شفتيها الذي ود أن يتذوقهما منذ كثير من الوقت ثم همس إليها:

- ده أنا فايق اوي وحاسس بكل حاجة..

ضغط ساقيها أكثر بين ساقيه حتى شعر بإرتطام عظام ركبتيها سويًا فدفع المزيد من جسده ليصيب جسدها الذي تاق له بشره بثقلٍ وتمادى كي يسلب إرادتها وأمسك بوجهها من جديد وقبل أن تقول شيئًا قبلها من جديد حتى ابتلع تلك الصرخات والكلمات.. 

غاب عن وعيه ليُغلق عينيه، ذلك التلامس وذلك المذاق كان أجمل ما تلقاه من إمرأة في حياته.. كان أكثر مما حلم به يومًا ما.. لماذا لم يشعر مع إمرأة مثل ما يشعر معها الآن من قبل.. لو فقط تتركه يفعل كل ما يريده دون إجبار منه سيجعلها تُحلق في السماء السابعة و..

قاطعت أفكاره عندما شعر بإحدى ساقاها تتحرروكادت أن تركله ولكنه استطاع أن يتفاداها بسهولة وابتعد عنها تاركًا شفتاها وهو يلهث بينما هي شعرت بالغدر التام ونظرت له في لوم وترورقت عيناها بالدموع فهمس هو:

- كده اللي عملته ده غلط.. كده شهاب متغيرش.. اقولك حاجة.. أنا اسيبلك كمان ذكرى حلوة علشان تبقي انتي صح وأنا وحش

صرخت به في رعب وهو يقترب منها من جديد:

- شهاب انت اتجننت فوق من اللي انت فيه ده و..

يده القاسية وهو يُمزق بداية ثوبها وصوت ذلك التمزق مصحوبة بموجات من خيبة الأمل والخزلان كان أكثر مما تتحمل ووجدت نفسها تبكي ورمقته بينما هو سلط عينيه على بداية نهديها الظاهران أسفل ذلك الثوب الممزق ولم تأخذه شفقة بما يفعله بها ورفع نظره إليها في تحدي والتشفي الهائل صرخ بنبرته عندما قال:

- متكتفة، بسهولة اقلعك اللي لابساه.. اقدر اعمل فيكي كل حاجة غلط من وجهة نظرك وابقى شهاب اللي بيغتصب الستات.. اللي متغيرش بجد.. بس تعرفي أنا بقالي سنين مبوستش واحدة!! حتى في دي اتغيرت بس انتي طبعًا مش هتصدقي!

نظر لها بتقزز واشمئزاز لا يدري من فعلته أم من نفسه وهو يراها تبكي بهذه الطريقة وهمس بحرقة:

- أنا مش طايق ابص في وشك تاني! 

تبادلا النظرات ودمعت عينيه ولكنه سيطر على نفسه سريعًا وجذب جسدها ليدفعها عنوة للخارج وهي تبكي في هيستيرية ثم جذب معطفه وحقيبتها ومشى بها إلي المرأب وحل ربطة عنقه من حول ديها ودفعها داخل السيارة وتبعها بإلقاء معطفه وحقيبتها عليها:

- البسي الزفت بدل ما تكدبي كدبتك وتصدقيها وتتخيلي اني اغتصبتك وانتي وكل اللي حواليكي تصدقوا نفسكوا بإن شهاب وحش وعمره ما هايتغير..

توجه ليقود السيارة بسرعة شديد ليتخلص من تلك المرأة التي أفسدت حياته بأكملها ولأول مرة قارب على فقد سيطرته بسبب بكاء إمرأة ولكنه لن يستجيب بعد لتلك العواطف السخيفة والقليل من عدة مشاعر لم يُنطق بها أي منهما.. 

التفتت لترمقه في خزي ومهانة، لقد دمر كل شيء بفعلته.. ذلك الحُلم الجميل استيقظت منه على كابوس شيطاني لم تتوقعه أبدا.. لم يُخلف سوى روح ممزقة تصدعها الآلام!


            

#يُتبع . . .

ملحوظة : الفصل طويل أكثر من 8000 كلمة 

ملحوظة : الفصل القادم بتاريخ 20 ديسمبر ولو تم الإنتهاء قبلها من الفصل القادم سيتم نشره مبكرًا

ملحوظة : هناك مناقشة في احداث الرواية يوم السبت القادم بتاريخ 19 ديسمبر في جروب الفيسبوك الخاص بي في تمام التاسعة مساءًا