-->

الفصل الرابع والأربعون - شهاب قاتم

 

- الفصل الرابع والأربعون - 

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

~ تقوم كل علاقة غرامية على اتفاق غير مدوّن يبرمه العاشقان في الأسابيع الأولى من علاقتهما. يعيشان هذه الفترة في ما يُشبه الحلم، لكنهما في الآن نفسه - وبدون وعي منهما - يكونان بصدد كتابة الشروط التفصيلية للعقد الذي سيجمعهما. 

يا معشر العشاق خذوا حذركم من هذه الفترة الخطرة ! فإن قدمتم للطرف الآخر وجبة فطور في الفراش، كان عليكم أن تفعلوا ذلك مدى الحياة، وإلا اتهمتم بعدم الحبّ والخيانة.

ميلان كونديرا

     

تفلت الوقت يعدو من حولها وهي تحاول أن تُراجع كل ما حدث بينها وبينه، يستحيل أن تقول "هبة" ذلك من اللا شيء، جلست في بوتقة والذكريات السيئة والسعيدة في آن واحد تنصهر بداخلها لتُسبب نيرانًا من الصدمة الهائلة..

كيف لها بعد كل ما علمته عنه أن تتعاطف معه؟ أن تُشفق عليه؟ كيف ومتى فرطت في كل ما تشعر به نحو زوجها الراحل؟ أهربت من ذكرياتها بوقوعها في عشق قاتل؟!

هو قاتل وسارق وصديقها!! نعم هي أرادته كصديق لها منذ البداية بعيدًا عن كل تلك الذكريات التي تؤلمها، بعيدًا عن الأعين التي كلما نظرت إليها صرخت بها بأن تكف عن الحزن على ما فات وإلزامها بأن تستيقظ لتواكب مرور الحياة والأيام حولها! تلك الأعين التي لا تنفك تُذكرها بزوجها الراحل وبداخلهم كامل السعادة والفرحة بإنجابها الذي كانت تعد وتُجهز له منذ زمن!

استجابت لهم جميعًا بعد وقت طويل، لقد واجهت الحياة، لقد تخلصت من كل هذا الحزن، ولكن كيف؟ بذهابها للوقوع في عشق رجل مريض لن يأتي عشقه سوى بالوبال والمصائب فوق رأسها!! لا تُصدق فعلتها، لا هذا ليس عشق، هذه حالة من الهروب، حالة من احتياج لمجرد مشاعر ليس إلا.. يستحيل أن تعشق رجل مثل "شهاب"!!

وجدت نفسها تبكي لا تدري هل بسبب فعلتها، أم بسبب عدم تقبلها للأمر، أو لتلك الصدمة التي تملكت كيانها عندما تذكرت كل ما مر بينهما من أيام، ضحكات، جدال، وغزل غير صريح، مشاعر، هل حقًا مرت بكل هذا وهي لم تلحظ أي مما يحدث لها؟! 

يا لها من غبية!! كيف فعلتها؟ أهذه هي الأخصائية النفسية؟ وضعت نفسها داخل قوقعة من الإنكار الشديد وتركت لمشاعرها الفرصة كي تتحكم بها وبه هو نفسه بل وكل من حولها من أصدقاء وعمل وحياة وأهل! هي لا تُصدق فعلتها أبدًا.. لا تُصدق كل ما بدر منها تجاهه! 

وجدت دموعها كالشلالات تأبى أن تتوقف بعد أن جلست لساعات تتذكر ذكريات عِدة بينهما مرت عليهما، قارنت بين تلك المرأة ليلة أمس وهي تُحدثه على الهاتف وبين تلك المرأة التي قابلته في آب الماضي وهي لا تتقبل حتى أن يلمسها بعفوية.. يا لغباءها!! كيف فعلت كل ذلك؟!

لقد تحولت تمامًا لشخصية مبهمة لم تقابلها أبدًا في حياتها ولو لمرة واحدة! تحولت تحت تأثير سحر هذا الرجل الرائع بكل تلك المحتويات ببريقها حوله وتفاصيل حياته المثيرة إلي فتاة تريد الفرار من حياة لا تريدها.. كالمراهقة الصغيرة تمامًا التي تتذمر بشأن حياتها التي تظنها تمتلئ بمشاكل كارثية وهي بالحقيقة حياة كاملة، جميلة، بها كل من تحتاج إليهم، فقط صدمة واحدة صعبة المواجهة جعلتها كالكفيفة لا ترى سواها ففرت منها ظنًا أنها ستجد حياة أفضل وستتخلص من كل تلك الآلام ولكنها استيقظت لترى أنها وقعت في براثن الجحيم نفسها!! 

توالت شهقاتها وهي تتذكر مدى وقوعها لذلك الشخص، تلك التفاصيل لا تود الغياب عن ذاكرتها، وكأنه بحادثة سيارة، حياتها معه بأكملها مرت أمام عينيها، ضحكاته واعترفاته وبكاءه وجلساتهما سويًا وحتى تلك الطريقة التي يسقط بها نائمًا واستيقاظه وحتى تعرقه وهو نائم!! كل شيء!! تتذكر كل ثانية جمعتها به وهي بمنتهى الغباء كانت مُغيبة! 

 يستحيل أن تعشق بعد "ماهر" ولكنها تشعر بذلك .. تشعر بكل شيء .. تشعر بذلك العشق الذي يُسيق القلب والعقل والجسد إلي شخص آخر دون هوادة ولا تريث! لماذا الإنسان خُلق بهذا الضعف كي لا يستطيع اختيار من يخفق له قلبه ويعشقه ويُصبح السبب في سعادته؟ 

جففت دموعها بصعوبة عندما لاحظت هاتفها يصدح بالرنين للمرة الرابعة وقد أصبحت الساعة الحادية عشرة والنصف مساءًا وابتلعت شهقاتها وهي تحاول أن تستعيد تلقائية نبرتها وهدوءها حتى لا يلاحظ شيئًا فبالطبع من كانا سويًا لأيام يتحدثان ويضحكان ويبكيان معًا لن يكون طبيعيا بالنسبة لهما أن يتصل واحدًا منهما بالآخر للمرة الرابعة في يوم واحد ويرفض هذا الطرف الإجابة!

ابتلعت مرة أخرى وتناولت نفسًا طويلًا ثم زفرته وحمحمت ثم تظاهرت بالإرهاق والنعاس وأجابت هاتفها هامسة:

- آلو!

حدثها بغضب لاذع سائلًا:

- دي رابع مرة اكلمك.. انتي فين من الصبح؟

هطلت احدى دموعها ولكنها حاولت ألا تُظهر له ذلك وهمست:

- أنا جسمي كله مكسر.. محتاجة أنام! كنت نايمة.. يمكن من تعب امبارح مش عارفة!

تريث لبرهة وشعر بالقلق ثم اختلفت نبرته مائة وثمانون درجة وتحدث بإهتمام قائلًا:

- طيب محتاجة تروحي للدكتور.. اجي اوصلك؟ 

جففت مجددًا تلك الدموع التي لا تتوقف ثم اجابته:

- لا بس محتاجة أنام! حاولت الصبح صحيت شوية وهبة جاتلي بس مشيت ومن ساعتها وأنا نايمة.. هكلمك الصبح!

لاحظ اختلاف صوتها وتردد قليلًا ثم سألا من جديد:

- فيروز انتي كويسة؟

كادت أن تتفلت زفرتها بتلك الأنفاس الحبيسة كاللهيب برئيتيها وتجهش بالبكاء ولكنها تماسكت واجابته مُدعية الإنزعاج والإحتياج للنوم:

- اه يا شهاب كويسة بس عايزة انام بقى.. هكلمك الصبح.. سلام!

أنهت المكالمة وأغلقت الهاتف ثم دفنت وجهها بين يديها وهي تنتحب بحرقة لهول ما فعلته وعادت المزيد من الذكريات لتعصف بعقلها دون إنقطاع وهي لا تُصدق أنها هي من فعلت بنفسها ذلك!

     

زفرت في استعداد وهي تضع تلك الصحون بمغسلة الأطباق بعد أن تناولا عشاءهما سويًا وفكرت من جديد في أن تفاتحه في أمر التنزه قليلًا مع "أروى" وهي بداخلها تشعر بالإستغراب من هدوءه الشديد غير المألوف عليه وعليها بل وعلى الجميع الذين هم نفسهم يمتثلون صمتًا حزينًا منذ رحيل جدتها جعل الأجواء بأكملها حزينة لا يسيطر عليها سوى الإكفهرار والوجوم.. 

توجهت للخارج لتبحث عنه فلم تجده داخل المنزل واستمعت لصوته الغاضب من يأتي من الخارج فذهبت مهرولة لتستكشف ماذا يحدث بينما صاح بلهجة حادة لم تعهدها يومًا:

- الساعة عدت اتناشر.. اتفضلي على اوضتك وانت قوم روح

نهض "أدهم" من جانب "سيدرا" تاركًا ذلك الكرسي بحديقة المنزل ثم حدثه بهدوء متعجبًا لغضبه الشديد:

- فيه إيه يا سليم؟ ما أنا باجي كتير لسيدرا و..

قاطعه بمزيد من الحدة بينما تابعت "زينة" ما يحدث بزرقاويتين وقعتا في صدمة مما يفعله زوجها:

- مش عايز كلام كتير.. اتفضل يالا الوقت أتأخر

اندفعت "سيدرا" واقفة في عدم تصديق لزجر اخيها لخطيبها ثم همست:

- سليم فيه إيه؟ أدهم جه الساعة عشرة و..

زجرها بنظرات نارية لا تحمل سوى الغضب الخالص وقاطعها:

- مش عايز اسمع كلمة، اتفضلي على اوضتك.. وأول وآخر مرة تفضلوا قاعدين لبعد الساعة اتناشر!! 

اغرورقت زرقاويتيها بالدموع وهي تنظر له وبالكاد تعرفت على اخيها بينما قلب "أدهم" شفتاه في تعجب وأمسك بهاتفه وسلسلة مفاتيحه ثم تحدث بهدوء:

- تصبحوا على خير!

رمق "سيدرا" مودعًا إياها وهو يحاول التعامل بهدوء فهو لن يقابل صياح "سليم" أبدًا بالمثل وقرر أن يتعامل مع الأمر لاحقًا لتوقفه "سيدرا" بهمس:

- استنى يا أدهـ..

قاطعها من جديد صوت اخيها بقسوة:

- قولت اطلعي على اوضتك!

انهمرت دموعها وهي تنظر إلي "أدهم" ثم نظرت نحو اخيها في وهن وصدمة من فعلته ومشت بخطوات سريعة معترضة لتدخل المنزل بينما اقتربت "زينة" من زوجها وهي تتلمس كتفيه أثناء مغادرة ابن خالتها وهمست له:

- سليم يا حبيبي تعالى نطلع ننام علشان الوقت أتأخر وعندك شغل الصبح!

تابع مغادرة "أدهم" رامقًا اياه بحدة وازدادت صلابة ملامحه ليرد بنبرة قاسية:

- اطلعي نامي انتي..

حاولت التظاهر بأنه ليس هناك شيئًا ولم تستمع إلي كل ما حدث وأرغمت ابتسامة بعنوة على شفتاها لتقف أمامه وهمست:

- بس يا حبيبي أنا مـ..

قاطعها دون تريث ولا حتى إكتراث لما تود قوله وصاح بها:

- قولت اطلعي وسيبيني.. هتنيميني بالعافية ولا إيه؟

بحثت زرقاويتيها في صدمة وخيبة أمل بوجهه عن الداعي لكل ذلك الغضب لتبتلع غصة ذلك البُكاء الذي شارف على السيطرة عليها بينما نظر هو وكأنه يُبيت النية على التصرف مع الجميع هذه الليلة بغضب حتى يُحزنهم جميعًا وقبل أن تتحدث أمسكت لسانها وتوجهت للداخل وتركته!!

لن يُنكر أنه شعر بالغضب والإنزعاج تجاه ما فعله بزوجته وأخته، بل وابن عمته كذلك.. ولكن أن يظن الجميع أن "بدر الدين" لم يعد متواجدًا ليفعلوا كل ما يشاؤوا دون حزم، لن يحدث هذا أبدًا!

هو بالكاد يُغادر غرفته، منذ أن انتهى عزاء جدته وهو لم يره خارج غرفته إلا مرة واحدة.. إذا بات غائبًا عن الجميع ولم يعد يستطيع أن يراقب كل ما يحدث بمنزله فهو موجود ولن يسمح لأمر واحدًا أن يتغير حتى لو كان أمرًا بسيطًا كجلوس أخته وخطيبها لهذا الوقت سويًا دون مراقبة!! لن يسمح بأن يتغير أي أمر في هذا المنزل حتى ولو بعد سنوات وليس عدة أيام!

     

دخل منزله وقد قاربت الساعة على الواحدة صباحًا وسيطر الوجوم على وجهه وبخطوات بطيئة مُرهقة توجه نحو غرفته فهو لا يُصدق أن بعد مسيرته وكل تلك التحكمات التي تقبلها من قِبل القيادات ومحافظته بشتى الطرق على عمله وتفانيه فيه، يأتي قرار بين يوم وليله ليُنقل "أسيوط" دون مقدمات..

ما الذي فعله كي يحدث له ذلك وهو رجل يملك أُسرة وعائلة بهذا العمر وبعد كل تلك السنوات؟ والذي يقتله حيًا هو عدم معرفة صاحب هذا القرار الذي تم إبلاغه به! هل هذا عقاب ما لبحثه خلف قضية قتل "ماهر" صديقه؟!

زفر في إرهاق وفتح باب الغرفة بتريث وهو يحاول نفض تفاصيل ذلك اليوم بعيدًا عن عقله وردة فعله الغاضبة التي تحكمت به أمام اللواء "شوقي" ووقعت عينيه على الغرفة ليعقد حاجباه في استغراب مما يراه! 

ابتسمت وهي تقترب منه وهمست إليه بنبرة لم يستمع لها منذ وقت بعيد:

- حمد الله على السلامة!

ارتسمت ابتسامة بسيطة على شفتاه وهو ينظر لمظهرها الذي أدرك أنها قضت وقتًا طويلًا لتبدو بهذا الحُسن الساحر ورد بهدوء:

- الله يسلمك..

هزت كتفيها وهي تنظر له في انتظار أية كلمات منه على ذلك العشاء والشموع ومظهرها ثم تنهدت وأقتربت لتحيط عنقه بذراعيها وتحولت نظرتها للتوسل ثم همست له:

- معاذ أنا مش عايزانا نفضل كده.. أنت وحشتني ووحشتني كل حاجة بينا كانت حلوة.. أنا مقصرة وأنت مقصر واحنا الاتنين ضيعنا وقت كبير بعيد عن بعض في زحمة الحياة والمسئوليات و..

تنهدت وهي لا تجد المزيد من الكلمات واحتبست الدموع بمقلتيها ثم همست بندم حقيقي:

- أنا آسفة لو ضايقتك.. أوعدك هحاول مفيش حاجة ما بينا تحصل تاني..

ابتسم إليها وأومأ لها ثم أقترب ليُقبل جبهتها هامسًا:

- أنا كمان آسف لو كنت دايمًا مشغول الفترة اللي فاتت عنك وعن البيت والأولاد..

ابتعدت قليلًا لتتفقد ملامحه وهتفت في لهفة:

- بجد أنا مش عايزة حياتنا تبوظ.. أنا بحبك يا معاذ.. أنت جوزي وحبيبي وكل يوم غصب عني وأنا بحاول أشوف إن انت بس اللي غلطان، وأنا ماخدتش بالي إني مقصرة معاك أنا كمان! 

اوعدني متسبنيش تاني اوصل للدرجة دي.. واوعدني إنك تحاول معايا.. اقفل على كل القديم وتعالى نفتح صفحة جديدة! 

أومأ لها بالموافقة ثم همس وهو يُعانقها ضاممًا إياها لصدره بقوة:

- اوعدك يا لبنى يا حبيبتي.. حاضر..

بادلته العناق هي الأخرى وكأنها لم تره منذ سنوات بالرغم من تواجده بالقرب منها كل ليلة في سرير واحد وبداخلها كل التصميم ألا تدع تلك الوَحشة بأن تدب بينهما مرة أخرى بينما هو غاب عقله تمامًا في كيفية اخبارها بأنه لم يعد هناك سوى يومان تفصلاه عن حضوره بعمله بمحافظة أخرى وزفر مُغلقًا عينيه وازاد من ضمه إليها فلقد كان في حاجة ماسة لذلك العناق منها!!

     

اتكأ على ذراعه بينما يحاول إغلاق عينيه استعدادا للنومبعد أن عبرت الساعة الثانية صباحًا، وبالرغم من أنه لابد أن يرى الظلام أمام عينيه المُغلقتين ولكنه لا يستطيع سوى رؤية ملامحها أمام عينيه، شفتاها، شعرها، ابتسامتها، وثلاثة ألوان تتلون بهما حدقتيها مجهولتان الهوية!! 

ربما هذا الحل الوحيد الذي لديه تعويضًا عن تلك المكالمة التي ظن أنه سيحصل عليها كل ليلة معها، أن يتخيل المزيد منها ومن تفاصيلها، ولكن إذا كانت مُتعبة مثلما استمع لصوتها ليدع إذن عقله يُصور له ما يشاء وسيسمح لها بالنوم لليلة واحدة فقط دون أن تحدثه!

ابتسم عندما أدرك كم حصد المزيد من الإنتصارات فقط في غضون أيام!! انتهى من "سارة" ووالدها، ليس هناك أية بلاغات تدل على أي شيء وصدق الجميع أن الأمر مجرد انتحار، ابعد كلًا من "معاذ" و "هاشم" عن طريق "فيروز" تماما حتى تُصبح له كامل الوقت، مَن تبقى؟! 

ربما إذا عرقلت "هبة" طريقه سيتصرف معها هي الأخرى، أهم شيء أن تقضي معه "فيروز" الوقت بأكمله، تحت أي مسمى وأمام أي ثمن، هذا هو كل ما يهم، ألا تغيب عن رؤيته ولو لثوانٍ..

كلما تذكر ضحكاتها وتلك السعادة البادية على وجهها شعر بشعور غريب، هو حتى لم يشعر به مع "غادة" ولا مع أي إمرأة أخرى، تلك المرأة ذات الدقتان مجهولتان الهوية ستكون السبب في قتله يومًا ما!!

لأول مرة لا يفهم نفسه أمام إمرأة، هو ليس يريد مضاجعتها فحسب.. هو بالطبع يريد ذلك ولكن هناك ذلك الإلحاح الغريب بداخله على أن تبقى معه، أن تكون كل يوم متواجدة بجانبه، سواء بتلك الجلسات والإعترافات، سواء بخصوص تلك المشفى، احتفال ما بيوم ميلادها أو خِطبة أو حتى عزاء لعين، هو فقط يريدها أن تبقى معه طوال الوقت وألا تفارقه أبدًا!

توالى تفكيره ليتذكر يوم العزاء، بداخله يتشفى بمعرفة أنه من فعل ذلك بتلك العاهرة "أروى".. يا لها من أفعى! ولكنها حتى فشلت أمامه، بدلًا من أن تستفيد بذلك السُم وتلدغه، قتلت نفسها به!! على كلٍ لقد كانت تستحق كل ثانية مرت عليها معه!

ولكن يبقى ذلك الشعور بضرورة الإنتقام من هذه العائلة بأكملها، وما فعله مع "أروى" كان لها هي نفسها وليس من أجل العائلة اللعينة بأكملها، هو لا ينسى الإنتقام أبدًا ولكن كيف!! 

هو ليس بخائف من أي شيء، ليس هناك سوى تلك الشركة التي تحمل اسمه، لو فقط سلم "بدر الدين" كل ما يملكه من اثباتات إلي السلطات لن يستطيع احد الإمساك به، ولا حتى بأمواله!! لقد اهتم بذلك الأمر وأغلب الأموال في أمان، ولكن أن يُدمر سمعة الرجل المعروف "شهاب الدمنهوري" هذا ما يُقلقه!! 

سيجد حلًا حتمًا، سيجد طريقة ما للإنتقام منهم لن يستطيع أحد الشك أو معرفة أن له يدًا بالأمر، ولكن لينتظر كل شيء الآن، لأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمان هو يريد إمرأة وليست لليلة ولا لأسبوع ولا لشهور.. هو يريدها للأبد! وسيفعل كل ما بيده بشتى الطرق حتى تصبح له.. ربما القليل من الصبر بعد! 

ولكن بعد أن ينام قليلًا وينال قسطًا من الراحة خصوصًا وأنه لم ينم منذ يومان!! سيحصل عليها بعد أن يستيقظ!

         

جمعت شعرها للأعلى وهي تواجه نفسها من جديد وقد توقفت عن البكاء، البكاء لن يُصلح من شيء، لو كان يُبدي كان أعاد "ماهر" ولكن عليها أن تصحح كل ذلك.. كل ما فعلته ستصلحه شاء أم آبى..

لديها مشاعر إليه، هي في طريق العشق له، وسيتوقف هذا، لن تُكمل في تلك الطريق، ولن تعشق سوى زوجها الذي رحل ولن تعشق بعده ولو بعد سنوات!!

قابلته منذ أشهر، توطدت علاقتهما في آخر شهر مثلًا، هذا ليس بوقت يُذكر، تولدت مشاعر بداخلها من ذلك الإفتتان والسحر والجاذبية التي هي بؤرة متأصلة في كينونة هذا الرجل، واحتاجت لإهتمام رجل وبرع هو في ذلك، الإهتمام الذي اعتادت أن تتلقاه لسنوات وفجأة ذهب مع الريح استطاع هو أن يملئه بمنتهى الذكاء..

أن تتناقش مع أحد، أن تخبر أحد بأفعل ذلك وأفعل هذا ويستمع إليها، أن تستمع هي لأحد وتراه ينظر لها بتلك الطريقة التي يفعلها دائمًا وكأن كل ما تقوله نص سماوي، كل ما فعله من أشياء وحتى لو صغيرة  جعلتها تنجذب إليه!! كان كالمهدئ سحري المفعول أمام ما تعانيه مع رحيل زوجها ولكن يكفي!

جلست لساعات تُفكر وتُفكر، لن تقبل تلك المشاعر التي وُلدت في أيام، ولن تقبل الفشل معه، ولن تسمح له أبدًا بأن يجذبها بتلك الأفعال السيكوباتية المُبهرة.. لن تنسى سنوات من دراسة وستعود لهدفها الأساسي ولن تقبل أن تتحول بسبب اكتئابها ذلك لمجرد ضحية وفريسة لأفعاله! وسواء كانت أفعال او حتى مشاعر قد تكون رغم كل ما تصدقه حقيقية، لن تستجيب لها!

رمقت الساعة بجانبها لتجد أنها الخامسة فجرًا.. لم تنم منذ يوم كامل ولن تهدأ أبدًا ولن تستطيع العودة لما يشابه حالة التلقائية حتى تعيد كل شيء طبيعي إلي حياتها، وستواجه بضراوة تلك المشاعر والإنجذاب السطحي حتى تتخلص منها.. يستحيل أن يكون كل ما تشعر به حقيقي.. 

نهضت وفتحت دولاب ملابسها التي أحضر هو اغلبها لتبتسم في غيظ ثم اختارت ما سترتديه ولمحت خزينة صغيرة بذلك الدولاب فجذبتها لتستكشفها، هي حتى لم تلحظها بالأمس ووجدتها تعمل بالبصمة فسجلت خاصتها بها وقررت أن تستفيد بها فهي لن تحتاج إليها بمنزلها على كل حال.. 

توجهت للحمام حتى تستحم وبالرغم من تضارب أفكارها بين أنها تعشقه بالفعل وبين أن تلك مجرد مشاعر سطحية وافتتان ليس إلا لم يبذخ بعقلها سوى فكرة واحدة.. أن تُصلح كل شيء! عملها، نجاحها، هو نفسه ومشاعرها!

يُعجبني حقًا عندما يُقرر العقل فجأة أن يأخذ المنحنى الصحيح في التصرف ومواجهة كل ما يطرأ على الإنسان من مشاعر، يا لها من شجاعة أن تفعل الصواب وتتصرف بالمنطق.. ولكن هل يُمكنك فعلها؟ أم أنك تعلم طريق الصواب وستتمادى في الخطأ؟ هنا تكمن البسالة الحقيقية عندما يُحدد كل ما تفعله مسار حياتك!! 

انتهت من ارتداء ملابسها وجمعت شعرها للأعلى لتربطه على شكل ذيل حصان ومسحت على مقدمة شعرها وأطلقت نفسًا مطولًا وهي تصمم بداخلها أن تُنهي كل ذلك الآن ولن تنتظر لمزيدًا من تلك العلاقة الغريبة بينهما أن تأخذ منحنى آخر أكثر من ذلك.. 

جذبت هاتفها واتصلت برقمه وبنفس الوقت أمسكت بتلك الخزينة وكذلك حقيبتها وقررت ألا تترك الهاتف حتى يُجيبها ولن تتراجع ولن تغمض عينيها قبل الإنتهاء من ذلك الكابوس الذي استيقظت من ثبات دام لما يقارب شهرًا عليه ليتسبب لها بتلك الحالة الهيستيرية التي باتت تتحكم بها منذ مغادرة "هبة" بالأمس.. ولكنها ستتصدى لها ولن تسمح لها بالتحكم بها أبدًا..

هذه هي المرة الثالثة، يا له من وغد لعين يحتاج لسنوات كي يستقيظ، ولكنها لن تتوقف قبل أن يُجيبها حتى ولو اضطرت أن تبحث عنه بكل تلك المنازل التي يملكها.. 

آتاها صوته الناعس لتتحدث هي مباشرة بنبرة تلقائية:

- صباح الخير.. انت فين؟

حمحم محاولًا التغلب على النعاس الذي لم يترك عينيه وبالكاد تفقد الوقت بشاشة هاتفه ليُجيبها زافرًا بقليل من الإنزعاج وكثير من النعاس:

- أنا في السرير، فيه ايه يا فيروز الساعة خمسة ونص الصبح.. فيه حاجة؟ انتي كويسة؟

انزعجت مما تفعله ولكنها لن تستطيع الإنتظار فحدثته مسرعة بعد أن همهمت في محاولة لإيجاد الكلمات واجابته:

- اه اه كويسة متقلقش.. انت موجود في اي بيت دلوقتي؟

زفر بهمهمات منزعجة ناعسة ليجيبها على مضض:

- التجمع.. بس فيه ايه؟

نهضت وهي تتوجه للخارج واجابته:

- أنا جيالك حالًا.. باي!

أنهت المكالمة وذهبت له وبداخلها إصرار هائل على أن تُنهي ذلك الأمر بينما ظن هو أنها تمزح وسقط الهاتف من يده وهو في حاجة شديدة للمزيد من النوم خاصةً أنه لم يحصل على القدر الكافٍ منه!

لم ترفع يدها من على جرس منزله حتى تحرك الباب بينما نظر لها بنعاس هائل وهو يحاول التركيز بملامحها وتعجب لما ترتديه ثم همس سائلًا بنبرة ناعسة:

- ايه المهم اوي الساعة ستة الا ربع الصبح؟ 

ابتسمت إليه بتكلف ثم اجابته:

- زي اللي يجيبك الساعة اربعة الصبح عندي.. 

دلفت منزله وهو يحاول التغلب على إرادته الشديدة في النوم وأغلق الباب خلفها بينما تمتم في ارهاق:

- عيد ميلادي لسه مش النهاردة!! 

أطلقت زفرة ضاحكة ثم التفتت إليه وهي تنظر له بطريقة مختلفة تمامًا وحدثته:

- يالا اعمل قهوة وفوق كده علشان فيه حاجات كتيرة اوي احنا متأخرين فيها.. 

حافظت على ابتسامتها المُتكلفة بينما وضعت الخزينة جانبًا وهو يتفحص ما تفعله بإستغراب ولا يزال نصف نائمًا ثم سألها:

- حاجات إيه؟

التفتت إليه وتوسعت ابتسامتها المتكلفة ثم اجابته:

- الجلسات!!

زفر بتأفف واختلفت ملامحه بشدة في ضيق وانزعاج وتحدث لها بنبرة اخبارية اكثر منها استفهامية وقد بدأ في الإستفاقة:

- مكنش ينفع تستني ساعتين كمان! 

عقدت ذراعيها وعينيها مليئتان بحماس غريب ولا تزال مبتسمة ثم تكلمت في ثقة وقالت:

- ليه استنى.. ده حتى هيعجبك كلامنا اوي النهاردة اللي كله هيكون عن علاقاتك والـ sex! اعمل قهوة وتعالى!! هستناك في المكتب..

ابتسم بإقتضاب ثم تحدث في مزاح وهو يعود للأعلى لتتابعه هي بعينيها:

- لو كده بقى اخد shower احسن.. يعني استعدادًا لأي حاجة ممكن تحصل!

لم تستطع منع نفسها من السباب الذي صرخ به عقلها بمجرد إدراكها مقصده ورمقته في حقد شديد ولكنها ستوقفه وستريه كم أن الأمر سيكون مؤلمًا وليس هناك به ولو ذرة من مرح مثل ما يعتقد!!

توجهت حيث مكتبه وجلست في انتظاره بعد أن أخرجت دفترًا صغيرًا وقلمًا من حقيبتها وجلست لتتذكر كل ما فكرت به ورتبت تلك الأمور في عقلها والأسئلة التي تود طرحها عليه كحالتها التي تتابعها وشردت تمامًا في تفاصيل عِدة..

افاقها من شرودها عندما دخل هو مرتديًا قميصًا أسود وبنطال رسمي مثله وحذاء شديد اللمعان ليبدو جذابًا بطريقة مزعجه ولكنها منعت نفسها وزجرتها بقوة لتبتسم له بتكلف فاقترب ليضع أمامها كوبًا من القهوة وحمل كوبه وتوجه ليجلس أمامها وهو يتفحصها بأعين تحمل العديد من الإستفسارات ليباغتها قائلًا بقليل من الإنزعاج:

- انتي اول مرة تسرحي كده.. متعمليش كده تاني..

رمقته لوهلة قبل أن تتحدث ولكنها تكلمت في النهاية لتقول بتهكم:

- عادي يعني شعري وأنا حرة فيه، وبعدين مظنش اني بقولك تلبس ازاي ولا عمري اعترضت مثلًا على الـ perfume التقيل اللي بتحطه!!

لاحظ كلاهما مدى اندفعها وطريقتها اللاذعة في الحديث لينظر لها في استغراب وهو يُفكر هل حقًا تكره رائحة عطره، بينما تداركت هي خطأها مسرعة وقالت:

- عمومًا ده مش موضوعنا.. 

ارتشف من قهوته وهو يُلاحظ مدى اختلافها الشديد حتى فيما ترتديه، ماذا تفعل إمرأة طويلة بذلك الحذاء الشتوي الذي يُكسبها المزيد من السنتيمترات؟ ولماذا صففت شعرها الرائع بتلك الطريقة المُزعجة؟ وما تلك الإبتسامة الغريبة التي لم تبتسمها له من قبل؟ لا تبدو طبيعية أبدًا اليوم! 

حمحمت ونظرت له بجدية ثم بدأت في الحديث لتقول بنبرة هادئة:

- لو حابب تحكيلي على اي حاجة حصلت في الأيام اللي فاتت، اتفضل..

عقد حاجباه في استغراب من طريقتها الرسمية ثم تعجب سائلًا:

- حاجة زي إيه؟

هزت كتفيها بتلقائية وحافظت من جديد على نبرة صوتها الهادئة واجابته:

- يعني احساسك بعد ما اتكلمت مع مامتك، اللي حصل مع سارة ووالدها، أو بعد العزا.. اللي تحبه.. لو عايز تحكيلي طبعًا..

رفع حاجباه في دهشة ثم اخفضهما بحركة سريعة وارتشف من قهوته ثم تريث لبُرهة ليسألها:

- فيروز انتي كويسة؟

توسعت ابتسامتها المتكلفة واجابته في ثبات وأضافت سائلة:

- عمري ما كنت كويسة زي دلوقتي.. حابب تحكي حاجة؟

ضيق عينيه وهو يتفحصها لثوانٍ بينما تصرفت بتلقائية وارتشفت من قهوتها ونظرت له دون أن تتباعد عينيهما ليقرأ التحدي بعسليتيها والذي لم يعلم ما سببه ليتنهد مُجيبًا اياها سائلًا في مراوغة:

- انتي مش قولتي هنتكلم على حاجة تانية؟

يراوغ لشعوره بالغرابة من تصرفاتها بينما شعرت به يُراوغ لتشير له بيدها أن يبدأ بالكلام وتحدثت في هدوء بدأ في استفزازه:

- اتكلم عن اللي تحبه!

ظل يومأ بهدوء في تفهم لعدة ثوانٍ ثم نهض وأحضر سجائره وقداحته وهي حتى لم تنظر نحوه بينما جلس أمامها من جديد ولكنه ترك ذلك الرجل اللطيف بعيدًا وأشعل احدى سجائره واستنشقها في برود وهو يحاول معرفة ما الذي حدث كي يدفعها لتلك الطريقة الغريبة التي تتصرف بها ووضع قدمًا فوق الأخرى ونفث دخانه بينما تبادلا النظرات التي لم تعبر عن أية مشاعر فتحدث سائلًا:

- عايزة تعرفي إيه؟

اجابته في تلقائية وهي تحافظ على هدوءها: 

- أنا عايزاك تتكلم.. شوف عايز تقول إيه وقوله.. افتكر إن الموضوع بالنسبالك بتحب تتكلم فيه اوي.. اتفضل

كتم تلك الضحكة التي صاحبها زفرات ساخرة ولم يعد يتحمل رسميتها المبالغ بها معه وأكمل سيجارته وتناوله لقهوته لتتنهد هي في هدوء وأردفت:

- شهاب.. اللي اعرفه إنك مقتنع بإنك عندك مشكلة واحنا بنحاول نحلها.. من فضلك اتكلم وبطل تسأل أسئلة تلف وتدور بيها.. لو شايف إنك مش محتاج لموضوع العلاج كله عرفني وأنا صدقني مش هاجيب سيرته تاني!

نظرت له في ثقة شديدة ليرى منها ملامح هادئة كادت أن تقتله وذكرته نوعًا ما بأول جلسة معها ليزفر هو وقرر أن يُجاريها بالأمر حتى يعرف ما خلف ذلك التغير الذي يلمحه منها فتحدث قائلًا في خبث: 

- اظن انتي عارفة إني سادي واتكلمنا في الموضوع ده قبل كده! تحبي تعرفي إيه تاني؟ ولا حابة احكيلك التفاصيل، علشان الصورة تكون اوضح!

حافظت على هدوءها الشديد ولم يرى أية ملامح سوى ملامحها التلقائية الهادئة فشعر هو بالغضب لعدم تأثرها بينما سألته:

- قولتلي إنك مبسوط بده.. أنت أصلًا شايف إن ده حاجة عادية ومش محتاجة تتغير في شخصيتك، ولا شايف إن دي تصرفات مش صح والمفروض تبطلها؟

حسنًا.. حديثها بتلك الطريقة وتصفيفة شعرها ومظهرها اليوم دفعه للغضب.. اجابها بإقتضاب وبرود:

- شايف إنها ميول مش اكتر ومجرد تفضيلات بتختلف من واحد للتاني!

همهمت في تفهم بينما نهض هو وأخذ يتمشى وتابع من جديد في جرأة خالصة عله يستفزها:

- يعني مثلًا فيه ستات بتحب الـ oral sex وفيه رجالة مبتوافقش!! او عندك انتي مثلًا من الستات اللي بتحب العلاقة التقليدية بأوضاع تقليدية ورومانسية وممكن تستحمل جوزها اللي غايب عنها شهر في سفره وشغله ومتتكلمش ومبتعبرش عن رغبتها واحتياجها!! وعندك واحدة تانية زي كلوديا مثلًا مكنتش تقدر تعدي يومين من غير علاقة واتنين وبتحب جدًا إللي يسبع حاجتها للعلاقة ولو معجبهاش بتقوله في وشه.. مجرد شخصيتين مختلفتين.. زي راجل سادي وواحد تاني بيسيب الست هي الي تتحكم فيه! 

قصد أن يستفزها وهو يُشير إليها بتلك الكلمات وقد نجح في جرح كبرياءها خصوصًا بتحدثه عن زوجها ففاق هدوءها تصوره وأدهشته عندما تابعت في هدوء وهي تقول:

- احنا جايين نتكلم عنك مش عني.. التفضيلات اللي بتقول عليها صح في حالة إن الموضوع تم بالتراضي بدون أذى لأي من الطرفين، كحاجة مبتحصلش بشكل دايم او من باب كسر الروتين والتغيير في العلافات.. لكن لو مستمر والطرف السادي لازم يأذي اللي قدامه أو يجبره على الممارسة بتهديد أو إهانة أو عنف مش قابله الطرف التاني تبقى مُشكلة كبيرة، والمُشكلة بتكون أكبر لو مبيحصلش متعة ليك إلا لو أذيت اللي قدامك!

ابتسم وشعر بالغيظ لهدوءها غير المعتاد ثم حدثها بإقتضاب:

- وأنا كل اللي نمت معاهم كانوا مبسوطين ومش مجبرين! طرف سادي والطرف التاني عايز ده.. تفضيلات مش كده؟!

أومأت في تفهم لتنظر له وباغتته بسؤالها في هدوء:

- حتى لما كنت مع غادة؟

عقد حاجباه واجابها بإنزعاج طفيف:

- انتي فاهمة كويس إن اللي عملته مع غادة مكنش اكتر من انتقام!

سألته مسرعة بهدوء وهي تتابعه بعينيها:

- افتكر إنك قولتلي بالحرف "بقيت بغتصبها" ده معناه إنه حصل أكتر من مرة؟

عقد حاجباه وهو يرمقها في استغراب ثم همهم مجيبًا بالموافقة لتسأله من جديد:

- وليه سميت ده اغتصاب مش مجرد علاقة؟

تنهد ثم عاد ليجلس أمامها وأشعل احدى سجائره من جديد ليجيبها:

- علشان هي الوحيدة اللي اجبرتها! 

همهمت في تفهم ثم سألته وهي تحافظ على هدوءها:

- وإيه احسنلك، واحدة حابة العنف والسادية ولا واحدة مُجبرة؟!

فكر جيدًا قبل أن يُجيب سؤالها الذي يعلم إجابته عن ظهر قلب ليعود للمراوغة من جديد فتعجب سائلًا:

- فيروز انتي فيكي حاجة غريبة اوي النهاردة.. انتي متضايقة من حاجة؟

أخفت إنزعاجها واجابته في هدوء:

- لا خالص أنا تمام.. قوللي بقى.. أنت عايز تجبر الست اللي معاك ولا عايزها بتحب العنف اصلًا؟

ازدادت وتيرة أنفاسه بالرغم من محاولاته في إخفاء إنزعاجه وقد لحظت هي ذلك بينما تجاهل سؤالها ليتلاعب مُجددًا بمجرى الحديث فقال في تساؤل:

- انتي فطرتي؟

ابتسمت بتكلف وعادت لتسأله:

- جاوب على السؤال! احساسك احسن وانت بتغتصب واحدة ولا واحدة خاضعة عايزة تمارس السادية معاك؟

نظر لها نظرات قاسية وتلاحقت أنفاسه أكثر ثم راوغ من جديد ليجيبها:

- الاتنين!

رمقته بإستفسار فهمه جيدًا فأضاف موضحًا بإبتسامة سمجة:

- علشان الملل.. مش قولتلك إني بمل بسرعة!

قابلت ابتسامته بأخرى مُتكلفة ولكن صوتها آتى هادئًا لتنظر لبنيتيه المتلاعبتان في تشتت من اخفاء حقيقة قد عرفتها مُسبقًا حتى من قبل أن تلتقيه وتحدثت له:

- يعني من كلامك بتقول إنك شوية بتحب تغتصب واحدة وتجبرها وتتلذذ بشعور انها مش عايزاك وأنت بتفرض نفسك عليها وشوية بتحب الضرب والربط وكل الممارسات السادية من إهانة وذل.. تمام.. 

دونت شيئًا بدفترها ليعقد حاجباه وهو ينظر إليها وسألها:

- انتي بتعملي إيه؟

اجابته بتلقائية وهدوء ثم أشارت على الخزينة أثناء حديثها وقالت:

- متقلقش.. مجرد ملاحظات.. وهاسيبها هنا في الخزنة دي اللي انت جبتهالي.. مش محتاجها فقولت اخليها هنا وكده كده مش هتفتح غير ببصمتي.. نرجع لموضوعنا! 

نظرت إليه بملامح لم يستطع معرفة شيئًا خلالها مما اغضبه اكثر وسألته:

- طيب والعلاقة اللي فهمت انك بتسميها تقليدية، جربتها؟ عمرك دورت على علاقة فيها مشاعر؟

ازدادت عقدة حاجباه وهو يرمقها بغضب لم يستطع السيطرة عليه ولاحظته هي فأجاب بإقتضاب:

- لأ!

همهمت في تفهم ولم تترك عينيها عيناه لتطنب أكثر وقد تذكرت أن تلك لطريقة هي الوحيدة التي تغضبه وتجعله يصرخ بإعترافات عِدة لتزيد من استفزازه بمنتهى الهدوء قائلة:

- يعني عمرك ما كان نفسك تسمع كلمة مُعينة، تحس إن حد بيحبك، تتبادل عواطف مع اللي قدامك.. مفيش احتياج لأي حاجة من المشاعر دي خالص؟! 

زفر في حنق وأومأ بالرفض وتابعت ما يفعله لتجده يُشعل سيجارة اخرى من تلك التي لم تنتهي بعد لتضيق عينيها وتابعت في هدوء:

- محبتش في يوم تسمع من غادة  وهي معاك اثناء العلاقة إنها بتحبك، عايزاك، كل اللي أنت عايزه إنك تشوفها بتعيط ومجبرة وأنت بتهينها وبتذلها وبتضربها وبتغتصبها بالرغم من إنك حبتها في يوم ده يعني لو حبتها بجد، أصل الحب ملوش علاقة بالإغتصاب خالص وحتى لو كان على سبيل الإنتقام فأكيد في مرة من المرات زي أي إنسان كنت محتاج منها عاطفة ومشاعر معينة ولا أنت مشاعرك مكنتش حقيقية ومحبتهاش وكنت بس بتحاول تمارس معاها علاقة مـ..

قاطعها بصرامة وغضب هائل وقد استفزته وها هي قاربت على الحصول على ما تريده ليصرخ بها:

- كفاية!

نظرت له دون أي ملامح بينما استمعت لأنفاسه الغاضبة وتابعته في صمت بعينيها وهو ينهض وتحدث بخفوت أثناء تدخينه لسيجارته وشعرت بتغير نبرته:

- أنا حبيت غادة، وحصل مرة إني..

زفر في غضب وهو يواجه صعوبة في النطق بالكلمات فعاد للتحدث مرة ثانية:

- بعد موت والدي.. كل اللي كنت عايزه معاها انها تقولي انها بتحبني وتحضني! مكنتش يومها عايز اكتر من كده!

تنهدت في راحة وحافظت على هدوءها وتجاهلت تلك المشاعر بداخلها من اجله لتسأله:

- وحسيت بإيه يومها وهي بتقولك ده؟ ولا محصلش اصلًا؟

لم ينظر نحوها وتردد قبل أن يُجيبها كثيرًا وظل صامتًا للحظات ثم همس بحرقة:

- أجبرتها تعمل كده.. واحساسي يومها مكنش زي ما انا كنت عايز! كلامها مفرقش!

تركها مسرعًا ثم غادر لتتحول ملامحها وزفرت في آلم لتعود من جديد لتُذكر نفسها بما آتت من أجله لتتمتم في النهاية:

- مين كان يصدق!! مش هاسيبك النهاردة غير لما اطلع بنتيجة!

     

خرجت لتبحث عنه فوجدته يصنع الطعام بعد أن تركت له عدة دقائق ليهدأ قليلًا وآتت ممسكة بذلك الدفتر والقلم وجلست على احدى الكراسي بمطبخه ثم سألته:

- تحب نكمل؟

التفت إليها ولا يزال غاضبًا فأجاب سائلًا:

- فيروز انتي مالك النهاردة؟ ايه اللي مضايقك؟

ابتسمت بتكلف ليشعر بالغيظ من تلك الإبتسامة وتحولت نظرته لنظرة قاسية بينما اجابته بهدوء:

- أنا مش متضايقة.. أنا حاسة إننا ضيعنا وقت كبير اوي الفترة اللي فاتت.. وباللي انت عملته مع مرات باباك ووالدها ده معناه ان مفيش اي تغيير و..

قاطعها ولم يعد يستطيع التحكم في استفزازها الهائل له:

- ما أنا شرحتلك إن دي مينفعش معاها غير كده! مكنتش هرتاح غير لما اعمل اللي عملته.. بطلي تتكلمي في الموضوع ده

قابلت صراخه الغاضب بتفاعل مقبول ولكن دون أن تستفزه لتقول:

- هي دي الفكرة، مهما الناس عملت فينا ميديناش الحق نرتكب فيهم جرايم، لا قتل ولا اغتصاب ولا استغلال ولا أي تصرفات ملهاش علاقة بإنسانيتنا! ده مش حل.. 

ابتسم بإستهزاء واقترب نحوها وهو يقول:

- الحل بقى إني ارفع عليها قضية، أو استنى عدالة السماء.. أو اصلي وادعي عليها.. الدكتورة فيروز العظيمة شايفة إن ده الصح مش كده؟

تابعته وهو يُقبل نحوها بعينيها لتجيبه بنبرة هادئة:

- علاقة حب طرف رفضنا فيها ممكن نعاني بعدها بس مفيش مبرر إننا نغتصبه، أو ننتقم منه، وعلاقات أُسرية وخناقة على الورث أو غلطة مينفعش تعاقب عليها حد بالحرق.. القضية اللي ممكن ترفعها على حد اتعدى على حقوقك او عدالة السماء زي ما بتقول هي دي قمة الإنسانية! انما اللي انت بتعمله ده قمة الإضطراب! وطول ما انت مصمم عليه عمرك ما هتتقدم ولا هتتعالج!

نظر بأعين تبحث في وجهها وملامحها عن مشاعر ظن أنها موجودة وبداخله شعر بالخوف فأقترب إليها أكثر وسألها من جديد:

- ايه اللي اتغير يا فيروز؟ متخلنيش اسأل السؤال ده تاني.. مالك؟!

بادلته النظرات وابتسمت إليه في ود بالرغم من تلك النظرة التي تُنبأ بشر دفين من كثرة غضبه وعلمت أنها تستغل تلك المشاعر بينهما لتتنهد واجابته:

- الفترة اللي فاتت تقدر تقول إني مكنتش مركزة.. وبعد مفاجأة عيد الميلاد حسيت إني احسن! قعدت فكرت شوية امبارح اننا بنضيع وقت كبير بعيد خالص عن الجلسات.. 

شهاب أنا عايزة اشوفك كويس.. مش عايزة اشوف أو اسمع عنك إن حياتك بتنتهي في يوم بالنهاية المحتومة لأي حد بيعاني من الإضطراب اللي عندك! انا بجد عايزة اساعدك تكون احسن!

ابتسم بإقتضاب ثم سألها:

- وإيه بقى النهاية دي؟

نظرت له ولوهلة انهمرت تلك المشاعر في لحظة ضعف لتهرب في ثوان دون سيطرة منها وحاولت استعادة رباطة جأشها واجابته:

- يا إما مسيرك تتكشف في يوم ويتحكم عليك وتتسجن بسبب انتقام من انتقامك اللي أنت مقتنع إنه حقك.. يا إما بعد استغلالك لكل اللي حواليك هتبقى وحيد ومش هتلاقي حد جنبك وكله هيهرب بعيد عنك ومع الوقت الناس هتفهم اسلوبك.. يمكن دلوقتي في سنك عايش براحتك ومقضيها علاقات وناجح في شغلك ولسه مقرب من اخواتك ومامتك.. إنما في النهاية لما تكبر بعد سنين مش هتلاقي حد جنبك وصدقني ساعتها مبتحتاجش علاقة ولا إغتصاب ولا حتى انتقام.. بتحتاج الحب وإن يكون حد جنبك! 

لو مش مصدقني، خد حياة والدك مثال! في الأول كان بخيل، فرط في حب حياته وراح اتجوز واحدة طماعة اللي من الواضح انها مختلفة بشكل كبير عن مامتك، وفي النهاية كان بيدور على اخوه ومش عارف يوصله، كان نفسه يلم اولاده حواليه ويرجع العلاقات معاهم تاني.. وهو نفس الشخص اللي كان بيقولك كلم مامتك بس في آخر أيامه! 

بالرغم من إني معرفش غير التفاصيل اللي قولتهالي بس فكر كويس هتلاقي كلامي صح.. ولو لقيته صح قارن نفسك بوالدك وابقى قولي عايز نفس نهايته ولا عايز حياة تانية؟!

لازم تتصالح مع الفكرة دي، يا إما لو كملت حياتك بالشكل ده هتنتهي لواحدك!

زفرت نفسًا مطولًا ثم نهضت لتبتعد عنه وهي بداخلها تشعر بالتعاطف الشديد من أجله وهي تدرك كم أنها اختلفت اليوم وتصنعت بأنها تُكمل ذلك الطعام الذي يصنعه هو كسبيل للهروب من نظراته بينما هو شعر لوهلة بأن كل ما تقوله صحيح ووقف بجسدًا متصلبًا يُفكر في كل ما سقط على مسامعه في هدوء!

     

جلس بجانبها وقد تركت متابعته بعينيها بينما مدد ساقيه على منضدة منخفضة نسبيًا أمام تلك الأريكة التي جلس كلاهما عليها واتضح عليه الإنهاك الشديد بكل ما مر عليه اليوم وهو يُدلك جبهته، استطاعت إلي الآن أن تستفزه بمنتهى الهدوء وهذا يبدو أنه الحل الوحيد معه دائمًا، أن تُكثر من تلك الكلمات التي تطرق بعنف على صدمات تعايش معها بالسابق ووقتها يتحول ليغضب ويقر بكل شيء!

لا تعلم كيف تحملت محاولاته للهروب والمراوغة وصمدت أمامها طيلة ساعات دون أن تتفلت مشاعر غضبها أو حتى مشاعر تعاطفها معه!

زفرت وهي تنظر بذلك الدفتر ثم التفتت لتتفقده فوجدته مغلقًا لعينيه وذراعه اليسرى ممتدة على اعلى الأريكة فحمحمت ثم بدأت في الحديث وهي تحافظ على هدوءها وقد شعرت أنه يكفي كل ما توصلت له اليوم وعليها إنهاء هذه الجلسة الطويلة ويكفي تحملها النظر إلي ملامحه التي افتتنت بها وبإبتسامته التي بالكاد استطاعت الصمود أمامها وهي تُجبر نفسها ألا تنساق وراء تلك المشاعر السطحية، أو التي تظنها سطحية وسلطت تركيزها على تلك العلاقات التي لا تنتهي وذكرت نفسها مع من تتعامل:

- يعني بعد كل العلاقات الكتيرة دي اللي انت حكيت عنها النهاردة، إجبارك لغادة وخطفها من بيتها، كلوديا اللي انت مصمم منتكلمش عنها النهاردة، ممم، اللي انت بتسميه Fun اللي كان في الفترة اللي انت عايش فيها في ايطاليا، البنات اللي عرفتهم في مصر، أروى بنت عمك، والبنت اللي اسمها سلمى.. أيًا كانت طريقتك معاهم فده مش بس نابع من إنك شايف إن دي ميول او حاجة بتسببلك المتعة.. 

المشكلة إنك عندك حاجتين، الأولانية إن موضوع الحادثة اللي حصلت زمان يوم الزلزال سابت أثر جواك في إنك لو بينت لأي ست قوة شخصيتك وتحكمك الرهيب اللي أنت وضحته ده بيعملك نوع من انواع المسكنات وعقلك بيقنعك ساعتها إنك معندكش مشاكل في الموضوع ومش بتعاني من أثره.. مع إن ده غلط..

فتح عينيه ليرمقها في صمت بينما تناولت احدى الأنفاس الطويلة وتابعت هي الحديث قبل أن يراوغ مرة أخرى ولقد واجهت الكثير من محاولاته اللانهائية في التهرب من الحديث بصراحة :

- الحاجة التانية أنت الممارسة بتشكلك انتقام من الستات عمومًا.. لأن كل التجارب سواء أم أو زوجة أب أو حتى حبيبة كانت سيئة.. كبر جواك نوع من إلزام الإنتقام من اي ست.. وطبعًا كل ما بتشوف الشبه أكبر بين أي واحدة وبين تجربة قديمة سواء شكل او شخصية الإحساس الإنتقامي جواك بيزيد! وهو اللي بيحركك.. 

غير طبعًا اضطراب الشخصية المعادية اللي بيحركك إنك تأذي الناس في العموم..ولكن فيه حل لكل ده!

طأطأت برأسها ونظرت أمامها لوهلة ثم التفتت له من جديد بكامل جسدها وأردفت:

- أنا شخصيًا كصاحبتك مكنتش مصدقة إن هقول كده بس بعيدًا عن وجهة نظري اللي ملهاش لازمة وبمنتهى الحيادية، عايزة اقولك أنت جواك محتاج المشاعر أكتر من اي حاجة.. بدليل بعد وفاة والدك ودليل تاني رغبتك في إنك تكون احسن من اولاد عمك او إنك مساوي ليهم ومتفرقش عنهم حاجة.. كلها مشاعر انت محتاج تعوضها! 

وكل مدى لما مش بتلاقي المشاعر دي بيكبر جواك غضب غريب أنت مش قادر تتعامل معاه فبتروح تكرر ده تاني وتالت ومليون على أمل إنك تلاقي المشاعر دي وترتاح بعد السادية وأذى شريكتك في العلاقة.. والحل بسيط جدًا.. إنك تسيب نفسك تستقبل المشاعر وتقابل أيًا كان اللي قدامك بيها.. بطل تبني حواجز مبنية على الصدمات اللي قابلتك في حياتك..

كلنا عندنا مشاكلنا وصدماتنا اللي بنقابلها في الحياة.. بس قمة الغلط إننا نتحول لوحوش علشان نواجه الصدمات دي.. أو نفضل نحارب الصدمة بإننا نرتكب أفعال مش صح خالص وحتى بعد الأفعال دي كلها مبنوصلش للراحة وإننا نتخلص من المشاعر السلبية اللي كبرت جوانا من الصدمات! 

اتعامل مع حقيقة نفسك اللي انت مخبيها، اتعامل مع احتياجاتك الفطرية في رغبتك في الحنان والمشاعر وسيب نفسك بطبيعتها! هتلاقي إن ده الحل!

توقفت عن الحديث وهو ينظر لها نظرات مضطربة لم تفهم ماهيتها ولم تحاول حتى أن تفهمها بينما أغلقت دفترها وحمحمت لتنظر أمامها ليأتيها صوته السائل بنبرة مُرهقة:

- تمام كده خلصنا؟ 

أعادت نظرها إليه ثم أومأت له بالموافقة لتمتد يده في لمح البصر وهو يخلع رباط شعرها لتنظر له بغضب بينما ابتسم إليها ثم قال:

- معندكيش فكرة الموضوع منرفزني ازاي من ساعة ما جيتي! ولأول مرة أكره اتكلم في الموضوع ده بالذات.. دي حاجة عمرها ما حصلت!

 أطلقت ضحكة في خفوت وعلمت ما تُرمي إليه كلماته وابتعدت بعينيها عنه ثم نهضت وهي تُزيح شعرها الذي انسدل خلف احدى اذنيها ونظرت إليه بزجر وتحذير ولكن تحدثت له في هدوء وقالت:

- أرجوك الحركات دي أنا مبحبهاش ومش هاتنفع معايا! مظنش إنك تعرفني النهاردة! بلاش نبوظ علاقتنا الكويسة ببعض!

توجهت لتضع دفترها في الخزينة وأغلقتها بعد أن تجاهلت الأمر وصدح صوتها لتقول:

- أظن لو فتحتها مش هتفيدك في حاجة، وهاعرف طبعًا إنك غيرت البصمة غير إني مظنش إن هيكون فيه ما بيننا وقتها نفس الثقة! أنا هسيبها هنا في بيتك ده علشان تضمن إن مفيش حرف هيطلع برا! 

تنهدت ثم توجهت لتُمسك بحقيبتها لينهض هو في اندهاش ثم سألها:

- انتي ماشية؟

أومأت له بالموافقة لتتوجه للخارج بينما تبعها متحدثًا:

- بس احنا اتفقنا اننا هنتعشى سوا..

تحدثت بينما كانت في طريقها للخارج: 

- أنا مش جعانة بعد الفطار والغدا .. مظنش هقدر آكل! شكرًا..

عقد حاجباه في استغراب من رسميتها الشديدة معه اليوم وحاول التحدث من جديد ليُقنعها بالبقاء وتحدث إليها:

- صحيح يوم 15 هيكون افتتاح المستشفى.. وحابب نروح مرة قبل الإفتتاح.. تحبي يكون امتى؟

أحقًا لم يجد سوى يوم ميلاده ليتم به افتتاح المشفى!! يا له من وغد ذكي.. اجابته بإقتضاب وابتسامة مُتكلفة:

- هنتفق في التليفون

اقتربت كثيرًا من باب منزله ليوقفها سائلًا:

- طيب يعني أنا كنت عايز أسألك.. معنى كلامك ليا النهاردة معناه إن ارجع تاني للعلاقات زي الأول؟

التفتت له بكامل جسدها وهي لا تُصدق أنه يسألها ذلك وبهذه اللحظة تحديدًا أدركت شيئان، الأول أنه يحاول أن يُغضبها والثاني أن ذلك إن حدث سيتملكها لهيب الغيرة بشكل هائل وقد لا تستطيع النظر له إذا فعلها في يوم ولكنها تنبهت إلي أين ذهب تفكيرها فابتلعت واجابته:

- الموضوع محتاج وقت علشان تغير فكرتك ونظرتك للستات..

ابتسم بمكر واقترب منها قليلًا ليسأل بخبث وملامح متلاعبة:

- بس ده كده مش حرام لو رجعت للعلاقات زي الأول؟

فهمت ما يحاول فعله فأجابته:

- لا طبعًا حرام.. بس القرار قرارك والموضوع يرجعلك.. لو عاوز تفكر الأول وتصلح فكرة احتياجك للعنف والأذى وبعدين تجرب بعد فترة مفيش مُشكلة.. ولو خايف من الحرمانية بعد ما اقتنعت بالدين ففيه حل بسيط! اتجوز يا شهاب!

ضحك بإستهزاء بينما نظرت له بتلقائية جاهدت أن تجبرها على ملامحها وكادت أن تنهار بأي لحظة ليتحول هدوءها لصراخ ولم يعد يتحمل هو تلك اللعبة التي تصمم أن تلعبها معه منذ صباح اليوم وقد ضاق ذراعًا بها ليتمتم في تهكم:

- اتجوز!!

همهمت له بالموافقة بينما تابعت في هدوء:

- ماله الجواز والبيت والأسرة.. دي كانت حاجة من الحاجات اللي بتدور عليها في يوم زي ما قولتلي.. وأظن راجل ناجح زيك وفي سنك وشكلك الجواز بالنسباله هيكون سهل ومفيهوش أي صعوبات..

ضيق عينيه وعاد من جديد لنبرته الماكرة ثم همس إليها:

- شكلي حلو مش كده؟

هزت رأسها ولكن ملامحها التلقائية دفعته للجنون من طريقتها التي لا يدري ما السبب خلفها واجابته:

- اه شكلك كويس.. معندكش عاهة مثلًا تصعب تقبُل شكلك.. ودي حاجة المفروض تقول الحمد لله عليها.. 

ابتسم بسخرية وهو لأول مرة يشعر بصعوبة التعامل معها منذ وقت طويل فتمتم بمزيدا من التهكم:

- عاهة! جواز! تمام!

همهمت إليه وكأنها تقتنع بكل ما تقوله، وكأنها لا تشعر بذلك الشعور الغاضب بداخلها وهي تُحدثه بذلك بينما تابعت:

- بس متستعجلش علشان حتى تلحق تتبنى الأفكار دي كويس وتحاول تتصالح معاها وابدأ الأول بالمشاعر بينك وبين الطرف التاني وبعدين لما تتأكد إن نظرتك اتغيرت وفكرتك نفسها اتغيرت روح وجرب!  

عقد حاجباه في انزعاج وشعر بمزيد من الغضب الذي لم يحاول حتى أن يُخفيه بينما تفقدت ساعة يدها ليسألها بجدية:

- أنا مش فاهم انتي غريبة كده ليه، فيروز انتي مالك النهاردة؟ 

هزت كتفيها بتلقائية وتصنعت ملامح لا تدل على أي شيء بينما اجابته بإبتسامة مُتكلفة تمنى بداخله أن يصفعها بسببها:

- أنا تمام والله.. يمكن بس تعبانة علشان نومي اتلخبط زي ما قولتلك من ساعة ما كلمتني امبارح منمتش وكمان السفر يمكن اجهدني شوية.. بس غير كده أنا تمام.. يالا.. تصبح على خير ونخلي الجلسة الجاية يوم الجمعة!!

ضيقت عينيها في ارتقاب لإجابته بينما رفع حاجباه في تعجب وتمتم في استغراب:

- الجمعة! كمان اسبوع!

أومأت له بالموافقة ثم تابعت:

- اه.. علشان تدي لنفسك فرصة تفكر في الكلام وتبدأ تتصرف وتشوف أفعالك وساعتها هنقدر نحدد هيكون فيه تغيير ولا لأ، غير إن الجلسات مبتبقاش طويلة اوي بالشكل ده الموضوع بيكون مُتعب.. يالا.. تصبح على خير! باي..

رمقته لمرة أخيرة وابتسمت له برسمية ثم توجهت خارج منزله وهي لا تُصدق أنها استطاعت تحمل كل ما مر عليهما اليوم وسكنت نفسها بنجاحها البسيط معه وأخيرًا سمحت لنفسها بقليلًا من التصرف حقًا بما تشعر به! يكفي تماسك إلي الآن..

     

#يُتبع . . . 

ملحوظة : الفصل القادم بتاريخ 13 ديسمبر 2020