-->

الفصل السادس والأربعون - شهاب قاتم

 - الفصل السادس والأربعون - 

     

~ من أخطر الأمور ألا تعرف آثامك .. أن يملأ الكبر نفسك فتتشدق: أنا لم أقترف إثما .. إن في حياتك آثاما أنت أدرى بها مني .. العميان لا يرون الشمس لكنهم يدركونها .. وأنت لست كفيفا ولا غبيا .. فقط أنت مغرور يخدع نفسه .

― أحمد خالد توفيق - رحمه الله - 

     

نظرت له بصدمة ولم تستطع أن تجد الكلمات بينما بادلها النظرات في هدوء ثم أعادت نظرها مجددًا للحاسوب وهي تتفقد هذا البريد الإكتروني علها تجد المزيد من الإجابات لتلك الأسئلة التي اندفعت إلي رأسها كالعاصفة فالتفتت من جديد وهي تنظر له بإستفسار ولا تزال ملامحها تحمل الصدمة للتفوه بصعوبة بالغة وهي تهمس:

- ازاي.. انت عرفت الكلام ده منين.. يعني.. همّ يعرفوا ومش عايزين يقولوا ولا..

احتجبت حدقتيها العسليتان خلف سحب من دموع متراكمة انهمرت بمجرد تلاقي أهدابها ثم سألته من جديد بنبرة باكية:

- طيب همّ لقوا دليل ولا أنت عرفت ازاي.. مين باعت الإيميل ده.. أنت..

قاطعها وهو عاقدًا لحجباه ولم يعد يتحمل هذا الحزن الذي بات يؤلمه بالأيام الأخيرة كلما رآها بتلك الطريقة وكان يظن أنها ستمتن له على فعلته ولكن ها هي حزينة من جديد فحاول أن يوقفها عن التصرف بهيسترية وقال:

- هشش.. اهدي بس.. أنا موصلتش للكلام ده غير من برا مش من مصر خالص!

ضيقت ما بين حاجبيها وانتحبت بشدة بينما كز هو أسنانه في غضب وكادت أن تتحدث فأقترب أكثر إليها وتلمس وجنتها وهو يجفف دموعها وتحدث بجدية ولم تلحظ هي ذلك الإنزعاج البادي بداكنتيه وهمس في هدوء نافى بكل الطرق المنطقية هول ما ينطق به:

- ملقناش دليل.. بس لو عايزاه يتسجن ويتحاكم، قدامنا حل من اتنين، الناس اللي زي دي يا بيعترفوا على نفسهم بعد ما بيتدفعلهم مبلغ كبير اوي ليهم ولأسرتهم أو بنخلصلهم حاجات معينة تخص الجماعة وده طبعًا بعد ما بناخد موافقة الجماعة بتاعتهم على العرض ده.. يا إما التهديد والتعذيب ويا اعترفوا يا معترفوش.. بطلي عياط ارجوكي.. هاعملك كل اللي انتي عايزاه بس بطلي عياط!

توقفت عن البكاء وقد اعتراها المزيد من الصدمة من كلماته، هل هذا للصدمة أم لأنه يتلمسها بتلك الطريقة؟ كيف تسمح له بذلك؟ لماذا شُلت كالجسد الفاني ولا تتحرك؟ ولماذا ينظر لها بتلك الطريقة؟ داكنتيه البنيتان تصرخ بالمشاعر وتلك اللمسات على وجهها تجعلها تشعر بأن كل شيء سيكون على ما يرام وأنفاسه الدافئة التي تشعر بها تُسكنها بطريقة لم تشعر بها من قبل.. ولكن مهلًا، هل يستغل الموقف؟ بالطبع هو يفعل! ولكن كلمات "هبة" كانت صحيحية، هو يعشقها هو الآخر!! مثلها تمامًا..

ولكن هي يستحيل أن تعشق بعد "ماهر"، يستحيل ولن يحدث أبدًا ولو بعد سنوات، لقد انتهت من هذا الأمر وأخذت على نفسها عهدًا منذ أن عرفت بموته.. لا بل من قبل ذلك.. منذ أن رآته وعرفته وخفق قلبها له.. هي تعشق زوجها ولن يطرق العشق قلبها طالما تنساب الأنفاس إلي رئيتيها وتجري الدماء بعروقها.. ما الذي يحدث مع هذا الرجل القابع أمامها ويتلمسها بتلك الطريقة؟ كيف فرطت في نفسها إلي هذا الحد؟ 

تواترت الأفكار برأسها ووجدت أنها تبرر الكثير والكثير لتشعر وكأنما استيقظت من غيبوبة دامت لعقد من الزمان ولكن في الحقيقة الأمر برمته لم يأخذ سوى ثوانٍ معدودة فاندفعت هي بذلك الكرسي إلي الخلف بسرعة وأعادت خصلاتها خلف أذنها اليمنى بينما امتدت يدها لتُمسك بحقيبتها وغادرت المكتب ليتابعها هو ببنيتان مذهولتان من فعلتها ونهض بسرعة ليلحق بها ليرى ما الذي جعلها تفعل ذلك ورأسه قد اقترحت عليه مئات التفسيرات لردة فعلها ولكنه بالرغم من كتلة التحليلات التي لا تخطئ أبدًا بعقله، انتظر أن يستمع إلي تفسيرها هي!

هتف خلفها وهي تتوجه نحو المصعد في تريث:

- فيروز.. استني ..

التفتت إليه وهي تسيطر عليها حالة من التشتت بينما همست سائلة بملامح متأثرة بشدة:

- أنت ليه دورت ورا الموضوع ده؟ ليه عملت كده يا شهاب؟

توقع الكثير ولكن لم يتوقع ذلك فأجابها بتلعثم وصعوبة:

- علشان زي ما انتي فكراني بأذي الناس وبس أنا ممكن أساعد سواء في شغل معاذ أو قتل جوزك.. و.. وعلشانك.. علشان توصلي لحاجة نفسك تعرفيها! أنا كنت فاكر إنك هترتاحي لما تعرفي.. أنا مقصدتش اضايقك كده!

أومأت له في تفهم ليصل المصعد فدخلته وهي مطأطأة لرأسها وعقدت ذراعيها وكأنها تحاول أن تحتوي جسدها وكيانها بأكمله ألا يواجه الإنهيار الحتمي التي شعرت أنها مُقبلة عليه وسيحدث بأي لحظة الآن وعج الصمت حولهما ولكن بالطبع لن يتقبل هو صمتها ذلك فهمس مناديًا:

- فيروز

ابتلعت بقايا تلك الدموع في حنجرتها لترد عليه بخفوت بعد أن جاهدت أن تنطق بالكلمات التي لم تستطع مغادرة لسانها بسهولة وعينيها لم تتركا أرضية المصعد أمامها:

- شهاب.. أنا.. أنا محتاجة اروح مكان و.. 

لم يدع لها الفرصة وقاطعها:

- حاضر.. المكان اللي تحبيه هنروحه! 

رفعت نظرها إليه ورمقته لثوانٍ وانهمرت الدموع من عينيها ليعقد هو حاجباه وشعر بغلٍ شديد، هذا لم يتوقعه، لو فقط استطاع أن يخرج جثة زوجها العاهر ومثل بها من جديد لإيلامه اياها بهذه الطريقة لشعر بأنه افضل.. 

همس بغضب بين فكيه الملتحمين علها تكف عن بكاءها بهذه الطريقة:

- أرجوكي تبطلي.. كفاية يا فيروز

أومأت له ولكنها لا تزال تنظر له بنفس الطريقة ولم تكف عن البكاء ولم تشعر حتى بوصول المصعد للمرأب فدفعها بخفة للخارج لتسير بساقين ماثلا الهلام وهي لا تدري من أين لها القدرة على التنفس حتى ثم فجأة تنبهت على صوته السائل:

- حابة تروحي فين؟

أدركت أنها تجلس بالمقعد الأمامي المجاور لمقعد السائق بسيارتها التي جلس هو بهعندما تفقدت بعسليتيها المتسعتين المكان حولها ولاحظت أنه ادار محرك السيارة كذلك وشعرت بفداحة غريبة اعترتها لتقصيرها الشديد مع زوجها فأجابته بهمس متلعثمة ثم قالت:

- عايزة.. عايزة اروح ازور ماهر!

      

جلس في سكون والذكريات تتدفق برأسه دون انقطاع وابتسم بإقتضاب كلما تذكر كم كان متهورًا وشابًا عربيدًا بما تحويه الكلمة من معانٍ وسلوكياته التي كانت لطالما تزجره والدته عليها لتتوسع ابتسامته ولم ينتبه سوى وهو يراها تدخل المنزل فأوقفها متحدثًا بقليل من الرسمية:

- ازيك يا منة عاملة إيه؟

تنبهت على صوته ثم بادلته الإبتسامة هي الأخرى واجابته:

- تمام الحمد لله..

توسعت ابتسامته أكثر بينما نهض واتجه نحوها ليسألها:

- اخبار أروى دلوقتي إيه؟ 

حافظت على رسميتها التي يبدو وأنها لا تبارحها أبدًا بينما ردت مجيبة:

- احسن، بدأنا التمرينات، يعني الفترة دي هتحتاج منها مجهود شوية بس احسن طبعًا كتير من الأول!

عقد حاجباه متعجبًا وتساءل بالمزيد:

- انا مش عارف يعني حادثة زي دي ممكن فعلًا تاخد الوقت ده كله؟

أومأت له بالموافقة وأضافت:

- وأكتر كمان، كل حالة وحسب ظروفها

أومأ في تفهم وتفقدها لثوانٍ وكادت أن تتحدث ولكنه سألها من جديد:

- بنتك عاملة ايه؟

زفرت وكأنما انتهت من سباق ما ثم قالت:

- مجنناني شوية الفترة دي بس الحمد لله! السن ده مشاكله كتيرة شوية بس كل اللي في سنها كده..

همهم في تفهم وأردف:

- لسه كنت بفتكر وأنا صغير.. مظنش حد جنن اهله قدي.. 

توقف لثوانٍ ثم تابع:

- بس أكيد انتي وباباها معاها طول الوقت وواضح انك متابعاها اوي وإن شاء الله فترة وهتعدي.. معلش دوشتك!

أومأت بالنفي واختلفت ملامحها قليلًا وقالت برسمية:

- أنا وباباها منفصلين! ومدوشتنيش ولا حاجة!

عقد حاجباه في تعجب مما تفوه به ثم تدارك قوله ليعتذر مسرعًا:

- أنا آسف مقصدتش اتدخل.. 

ابتسم من جديد بلباقة وتهذيب فصدح هاتفها بالرنين فاعتذرت منه لتخبره:

- لا ولا يهمك.. موضوع قديم عمومًا.. بعد اذنك ارد على المكالمة واروح اطمن على أروى!

تركته بعد أن أومأ لها في تفهم وتابعها "زياد" بعينيه، كيف يترك رجلًا إمرأة رائعة مثلها؟ تبدو يافعة للغاية كي تنفصل عن زوجها كذلك! ما الذي يُفكر به؟! أهذا لأنه جالسًا لا يدري ما عليه فعله ولا يُفكر سوى بذكرياته مع والدته والعائلة بأكملها.. عليه فعل أي شيء كي يتوقف عن التطفل على شئون غيره بهذه الطريقة!!

     

انتظر بفارغ الصبر أن تُجيبه "منة" وود لو حصل منها على أي اجابات منطقية لتلك الأسئلة التي تدور بعقله، فهو منذ أن اخبرته "زينة" عن التنزه قليلًا مع تلك الأفعى الأخرى وهو لا يتنبأ بالخير أبدًا..

اجابت هاتفها فحمحم وحدثها ليقول:

- منة إيه الأخبار؟

اجابت برسميتها المعهودة وقد فقد الأمل هو و "بدر الدين" من أن تتعامل هذه الفتاة بتلقائية:

- تمام ازي حضرتك؟

حاول جاهدًا أن يكسر ذلك الجمود فحدثها مجيبًا:

- كله كويس.. أنا مكلمك بصراحة علشان اطمن على أروى.. يعني بتخرج، بتتفسح، علاقتكوا بقت كويسة ببعض.. أنا عارف إنها تقيلة شوية ومكنش ليها في حاجة غير الشغل زمان يعني قبل الحادثة بس بابا موصيني اخد بالي منها وزينة برضو عايزة تطمن على اختها

أومأت في تفهم فتكلمت برسمية مرة أخرى ليزفر الآخر بخفوت في استسلام وسأم:

- اللي أنا شايفاه انها فعلا زي ما حضرتك بتقول هي رسمية شوية مش من النوع اللي بيعمل صحوبية بسهولة مع حد، بتستجيب للعلاج والتمارين، ومخرجتش غير مرات قليلة اوي مع عاصم اخوها وبتقعد مع مدام هديل ساعات..

همهم في تفهم وقد خاب أمله بالأمر كليًا ولكنه سيحاول مرة أخرى فقال:

- يعني انتي اتطمنتي من الدكاترة عليها؟ بالنسبة لموضوع انها تتحرك وكده وتخرج وواحدة واحدة ترجع لحياتها الطبيعية..

استمع لتنهيدتها التي لوهلة فهم منها أنها قد شعرت بالسأم منه ولكنها قالت ما اثار حفيظته:

- أنا شايفة إن الموضوع نفسي بنسبة كبيرة جدًا اكتر من إنه جسدي.. اه الحادثة كانت صعبة والغيبوبة برضو طولت، بس موضوع انها أتأخرت في الكلام ده حساه نفسي بحت.. أنا طبعًا تمريض ومش متخصصة بس.. اظن انه يكون من الأفضل لو حد قرب منها أكتر.. يعني مدام هديل من ساعة وفاة والدتها وهي متأثرة جدًا.. والأخوات دايمًا مشغولين.. فأظن لو حد جه معانا عند الدكتور من اخواتها أو والدتها ممكن يصارحه بحاجات أكتر غير التعليمات اللي بيديهاني..

همهم إليها في تفهم بينما شرد لوهلة مُفكرًا بالأمر ولكنه تنبه سريعًا فحدثها سائلًا:

- هو معاد الدكتور الجاي امتى؟

اجابته مسرعة:

- هو الدكتور أجل الأسبوع ده.. على الساعة عشرة الصبح الجمعة بعد الجاية..

هز رأسه متفهمًا وأردف ممتنًا:

- إن شاء الله هتصرف وحد هيجي معاها.. شكرًا يا منة!

أنهى المكالمة وهو يُفكر بالأمر، ولكن يوم الجمعة ذلك لديه اجتماعًا هامًا بمدير حسابات فرع الولايات المتحدة.. ولكن لو ذهبت "زينة" معها وستكون "منة" كذلك معهما وسيتحدث إلي "إياد" كي يذهب معهن كذلك.. وقتها لن يشعر بالقلق وبنفس الوقت لن يفتح المزيد من أبواب الغضب بينه وبين زوجته.. 

جذب هاتفه ليتحدث إلي "إياد" لينتهي من هذا الأمر وعله يتوصل إلي شيئًا جديدًا قد يبلغه اياه أيًا منهما!! 

     

لا تزال قدماها لا تقوى على حملها، لا تدري كيف عليها الوصول لمقبرة عائلة "ماهر".. كيف وصلت؟ ومتى كفت عن البُكاء؟ كيف استطاعت شرح الطريق حيث قاد "شهاب" طوال تلك المسافة؟ ولماذا تشعر بالإشتياق الجارف إلي زوجها هكذا؟!

ظلمة قاتمة كست طيات عقلها، وشعرت وكأنما هناك خنجرًا حادًا يطعن قلبها مرارًا، ذلك الآلم بمنتصف صدرها لم تعد تستطيع معرفة ما إن كان آلما حقيقيًا ويجب عليها الذهاب إلي المشفى أم مجرد نشوة آلم لا يبارحها منذ تركهما للمشفى.. 

التفتت له تتفقده في استغراب شديد ليبادلاها النظرات في صمت ثم أعادت رأسها لتنظر أمامها في انعدام تام لأي دموع أو مشاعر أو ملامح تدل حتى على مشاعر وانعدام لكلمات وانعدام لأفكار.. هي فقط لا تدري ما الذي يحدث لها!

وقفت أمام المدفن وأخرجت سلسة المفاتيح خاصتها وبأصابع مرتجفة حاولت وضع المفتاح كي تفتح تلك البوابة الحديدية لتسقط السلسلة بأكملها أرضًا ووقفت كالصنم بنظرة شاردة تنظر للداخل بينما تفقدها "شهاب" في قلق وانخفض بجسده ليُمسك بالسلسلة وقد وصل لأعلى قمم جبال غضبه من تلك الطريقة التي تبدو عليها وتلك الحالة من الصمت والذهول والصدمة التي لم يقو على مواجهتها ولكنه كان يُسكن نفسه بأن هذه مرة وستمضي ولن يعيداها أبدًا! 

حمحم ثم سألها بنفاذ صبر بالرغم من محاولته أن يكون هادئًا:

- أي مفتاح فيهم؟

لم تتحدث، لم تجبه، فقط رفعت كتفيها ثم اخفضتهما وقد أدرك أنها لا تزال على تلك الحالة التي كادت أن تُرغمه على صفعها حتى تستيقظ من ذلك الشرود ولكنه تماسك وأخذ يُجرب المفاتيح واحدًا تلو الآخر إلي أن أستطاع إيجاد المفتاح ثم دفع البوابة بيده لتقوداها قدماها إلي الداخل دون شعور منها وهوى جسدها على ذلك المقعد الاسمنتي وأخيرًا وبعد حالة غريبة من حزن وصدمة تركت العنان لكلتا عيناها لتذرفا الدموع دون إنقطاع..

نظرت نحو قبر زوجها وبدأت شهقاتها في التعالي وأنفاسها لا تواكب ذلك البكاء الجارف وبدأت الظلمة بعقلها تنجلي بها بعض الكلمات التي تحدثت بها إلي نفسها دون صوت مسموع:

- أنا.. أنا مش عارفة أقولك إيه! أنت وحشتني اوي.. وأنا وحشة جدًا.. أنا بقيت يا ماهر أسوأ واحدة في الدنيا.. تايهة وفاشلة وحتى حسيت إني نسيتك.. بس أنا منستش! استحالة انساك.. أنا كنت بحاول اهرب من كل حاجة وهربت وكنت جبانة ومواجهتش أي حاجة من اللي حصلت..

ليه ده حصللي؟ لما كنت جانبي كل حاجة كانت أسهل! كنت شاطرة وبضحك ومبسوطة و.. و.. ماهر أنا مش قادرة .. ولا عارفة اعمل حاجة!

طيب أنا دلوقتي عرفت مين اللي قتلك وبعدك عني وفي ايديا حل! اعمل ايه؟ اتصرف بالطريقة الغلط زي ما شهاب ما قاللي ولا اتصرف بالطريقة الصح! شهاب!!

لم تنتبه أنه تتحدث إلي نفسها بداخلها دون أن تغادر شفتاها كلمة واحدة أمّا عنه هو وسماعه نحيبها بتلك الطريقة أهلكته!! جعلت كل نقطة دماء بداخله تصرخ به أن يحمل جسدها إلي السيارة ويغادر بها من هنا.. كان يظن أن يُصلح من الأمر وسيجعلها أفضل بمجرد معرفتها لهوية القاتل وما يستطيع فعله به ولكنه بمنتهى الغباء قد أفسد كل شيء! 

لقد ظن أنها أخيرًا ستهدأ، ستستطيع التفكير بأي أحد غير زوجها، وسيمر الأمر هكذا.. لقد حتى تخيل أن تتجادل معه بشأن إيجاد دليل واضح كي يُعاقب هذا القاتل ولكن أن تبكي بهذه الهيستيرية وتأتي معه إلي قبر زوجها الذي يبدو وأنه لن يتخلص منه أبدًا لم يخطر على باله!!

سرقت بعض الهواء متمثلًا على هيئة شهقات متتالية آلمتها أكثر من امدادها بالأنفاس اللازمة وهي تشعر بأنها آثمت بحقه كثيرًا للتنفس ثم اكملت حديثها إلي نفسها بأعين شاردة:

- شهاب يا ماهر.. أنا مقصدتش والله العظيم ما قصدت.. غصب عني.. أنا مكنتش اعرف إني لما أشوف مجرد حالة هيحصل كل ده.. أنا بوظت كل حاجة اتعلمتها، كل حاجة اتربيت عليها، بمجرد ما بكون معاه بنسى حتى نفسي !! أنا آسفة يا ماهر بس غصب عني.. غصب عني مش بمزاجي!

صرخت بحرقة وهي لا تزال في تلك الحالة من الشرود بين بكاءها ولم تستمع أبدًا لصوت "شهاب" الذي ناداها وهو يحاول أن يفيقها ولم تشعر بلمسته على يدها وظلت تنظر إلي اسم زوجها المحفور على تلك اللوحة الرخامية ولم تتوقف دموعها عن الإنهمار وظلت تصرخ إلي نفسها:

- أنا حبيتك، وكنا اصحاب، ومكنتش بتتأخر عني في حاجة، وكنت بتحاول تسعدني بس.. بس أنا حبيته يا ماهر وخايفة اواجهك واواجهه واواجه كل الناس .. خايفة اواجه نفسي.. أنا حاسة إن ساعتها هتدمر وهو بيعمل كل حاجة علشاني.. أنا بأذي نفسي وبأذيه.. بس معرفش حبيته ازاي بالسرعة دي.. أنت متستحقش واحدة زيي أبدًا وياريتك اتجوزت اللي احسن مني.. بس بحبه والله بحبه بجد وهو أسوأ واحد في الدنيا ويستاهل الإعدام على كل اللي عمله.. بس بحبه.. أنا عمري ما خنتك وعمري ما فكرت أحب راجل بعدك، معرفش كل ده حصل ازاي.. محدش بيختار اللي بيحبه يا ماهر.. معرفش ازاي افكر كده.. بس.. أنا بحبه.. بحبه بجد! 

شعرت بأن رأسها قارب على الإنفجار من كثرة البُكاء وكأنما عقلها يغلي ورفعت يدها لتحاول أن تتلمس رأسها لتجد يدها ترتطم بجسد ما لتتنبه أن "شهاب" يعانقها ويربت على ظهرها فابتعدت قليلًا في ذهول ولم تدرك هل استمع لحديثها أم ما الذي حدث ونظرت له في دهشة بين دموعها خشيةً من أن يكون استمع لما قالته لتجده عاقدًا حاجباه في غضب بينما أدركت هي أنه مجرد تعاطُف من أجلها ليس إلا وبعد أن جاهد كثيرًا بصعوبة أن ينطق بتلك الكلمات التي أوشك على قولها بعد أن استمع لهمسها واعترافها بعشقها لزوجها همس مضطرًا:

- هو أكيد عارف إنك بتحبيه.. بطلي عياط أرجوكي..  

حاولت التنفس وهي تومأ في تفهم بينما ابتعدت سريعًا عنه وجففت وجهها ولاحظت حتى أنها ترتدي سترته الجلدية التي لم تشعر متى وضعها عليها وحاولت التفكير بسرعة كيف عليها معرفة ما الذي استمع له فنظرت إليه وهمست في تردد ونبرة مرتجفة تحولت لهيستيرية تامة وهي تسأله:

- أنا كان صوتي عالي اوي؟ أنا مبعيطش كده ومش بتكلم كده أبدًا.. أنا عملت إيـ..

أمسك بيدها واحتوى اياها بقوة كمن يريدها أن تستيقظ من تلك الحالة وقاطعها:

- اهدي يا فيروز.. انتي كنتي بتعيطي عادي مفيهاش حاجة وبتقولي إنك.. 

زفر بحرقة ولكنه حاول التغلب على مشاعره وأردف سريعًا:

- إنك بتحبيه!

توسعت عينيها في خشية لو كان استمع إلي كل ما تحدثت به ونظرت إليه في تساؤل ثم همست بشفتان مرتجفتان وهي لا تزال تعارك تلك الشهقات التي لا تود الإستسلام أبدًا بتلك الحرب اللانهائية من الدموع:

- بس.. هو ده كل اللي قولته.. إني بحبه؟!

أومأ بإقتضاب وظل مُمسكًا بيدها بينما نظر بعيدًا عنها لأنه بالكاد يتحمل ذلك.. يا له من ساذج.. يفعل كل هذا وتأتي هي فقط بكلمتان منها تعترف بكم تعشق هذا العاهر الذي تنازل عن قرار أخذه منذ عامان بألا يُحدث "كلوديا"، وها هو يفعلها من اجله!! عله قتله هو بيديه وكان انتهى من كل حزنها ذلك بدلا من وجوده كعائق أبدي بينهما بهذه الطريقة السخيفة!! ولماذا لم يدم هذا العناق للأبد؟ يا له من عاهر لعين تأتي ذكراه من اللاشيء حتى تهدم كل لذة قارب على لمسها معها، حتى ولو عناق!!

جففت دموعها بدأت في استعادة وعيها من حالة الذهول والصدمة ثم التفتت إليه ولم تُبعد يدها عن يده بينما همست إليه بإعتذار:

- معلش أنا كان بقالي كتير مزرتهوش.. لما عرفت إن الراجل ده هو اللي قتله.. مش عارفة.. فجأة حسيت اني عايزة اتكلم معاه..

أومأ هو لها في تفهم لتحمحم لتعدل من نبرة صوتها الحزينة الباكية وسألته في اهتمام وتلقائية:

- شهاب أنت بتزور باباك؟

اشمئزت ملامحة بقسوة ثم التفت ناظرًا إليها بطريقة مهيبة، لو كان فعلها قبل ثلاثة أشهر من الآن لكانت ابتعدت عنه مهرولة في رعب ولكن أدهشته وذُهلت هي نفسها وهي تمد يدها الأخرى ووضعتها فوق يده ثم همست إليه: 

- أنا آسفة لو ضايقتك .. هو بس فيه ناس بتتأثر اوي لما بتيجي تزور حد عزيز عليها.. أنت مقولتليش تفاصيل لما مشيت من عند طنط آمال.. آسفة..

تأففت من نفسها على ما فعلته بينما هو أعاد رأسه لينظر أمامه باللاشيء ثم تنهد متكلمًا بصعوبة وتريث هائل في نطقه للحروف بنبرة لم تستمع لها من قبل.. أو ربما لكثير من الوقت: 

- لما كنت بشوف الناس وأنا مسافر بتزور حد في قبرهم.. أو يوم ما دفنته وشوفت ناس من بعيد بتزور حد.. بحس إني.. إني بخاف من فكرة الموت.. وبحس إني مليش حد! لا حد ازوره ولا حد في يوم هيحبني اوي لدرجة إنه يجي يزورني ويحطلي ورد على قبري!

نطق جملته الأخيرة بسخرية ليشعر بمسكة يدها تشتد على خاصته ثم همست له:

- شهاب متقولش كده.. أكيد هيكون فيه اللي بيحبك ويعني.. أنت لسه صغير والحياة قدامك.. واكيد هتلاقي اللي يحبك و..

التفت مقاطعًا اياها وسخريته تجاه نفسه تزداد فقاطعها بإبتسامة لا تعبر سوى عن مرارة حياته بأكملها وقال:

- عمري ما هلاقي اللي يحبني زي ما انتي ما بتحبيه!.. ولو على كرم الدمنهوري فصدقيني أنا مستحقش منه كل اللي عمله فيا ده!

نهض مُسرعًا وجذب يده من بين كفيها ثم أردف:

- لو محتاجة وقت تاني براحتك.. أنا مستنيكي برا! 

تابعته بعينيها وشعرت بالحزن من أجله، ومن ملامحه وتلك النبرة علمت أنه يُصدق والدته تمامًا بل وأدرك أن والده هو المذنب بكل شيء.. زفرت زفرة مطولة ثم نظرت من جديد نحو قبر زوجها ولا تدري هل تشعر بتأنيب الضمير أم الراحة لأنها لم تكذب على "ماهر" ولم تحجب الأمر عنه!! هو أول من استمع لها وهي تواجهه بعشقها لرجل آخر! لا تعرف هل هذا سيء أم جيد! حقًا لا تدري!

أغلقت عينيها لوهلة وبداخلها شعرت بقليل من التحسن.. هناك العديد من الأسباب خلف كل ذلك.. بالرغم من الشتات التي كانت به منذ قليل ولكن جزء بين طيات كل ذلك الآلم وتلك الجروح قد التئم.. أو شارف على الإلتئام.. هل هذا فقط كل ما كانت تريده؟ الجلوس أمامه والبكاء؟ أم معرفة من القاتل؟!

نهضت ثم اقتربت من قبره وهمست:

- هجيلك تاني يا ماهر.. أنا آسفة على كل حاجة! سامحني..

التفتت لتغادر فخرجت لتجد "شهاب" مستندًا على الحائط خلفه وقد تغيرت ملامحه تمامًا وكأنه لم يكن متأثرًا منذ لحظات فوجدت شفتاها تلين إليه بإبتسامة فبادلها وهو يرمقها بقليل من التعجب، لماذا تنظر له بتلك الطريقة؟ أول مرة تفعلها وترمقه هكذا.. لا يعرف ما السبب خلفها ولكن هذه النظرة بصحبة تلك الحدقتان تروقه للغاية!

قرر أن يُنهي تبادلهما لتلك النظرات أمام مقبرة هذا العائق العاهر الذي يبعدها عنه دائمًا ثم سألها في اهتمام:

- حاسة إنك احسن؟

أومأت إليه بالموافقة فتوجه ليُغلق البوابة واختلفت نبرته للمزاح ثم سألها من جديد وهما يتوجهان نحو السيارة:

- فكرتي هنجيب الراجل ده ازاي.. نهددهم ولا نتفاوض؟

التفتت إليه وهي تنظر له زاجرة بينما طأطأ هو برأسه للخلف في تعجب من نظرتها:

- ما هو مفيش حل تاني..

هزت رأسها في انكار وتقدمته بعدة خطوات ليلحق هو بها وهي لا تصدق تصرفاته التي يبدو وأنها ستأخذ إلي الأبد لتتغير ولكن قبل كل شيء عليها أن تُبلغه بقرارها.. وعليه أن يتقبل ذلك القرار شاء أم آبى..

     


أطفأ المُحرك عندما وصلا أسفل منزلها بعد عدة جدالات معها بشأن هذا القاتل، وأنها فقط تحتاج لبعض الوقت ولن توافق أبدًا على أي شيء غير قانوني، ولم تتركه سوى بعد أن اخبرها أن "كلوديا" هي من عثرت عليه ولكنه استشعرت كذلك عدم إرادته في الإطناب بالحديث عنها فآسرتها في نفسها كما تركته يشرح لها الكثير والكثير عن آلية عمل المافيا وعلاقتهم وكيف يستطيعوا بسهولة معرفة أشياء حكومات بأكملها لن تستطيع معرفتها.. 

تنهد ثم التفت نحوها وسألها مُضيقًا عيناه نحوها وهو يتعجب من تلك النظرة الغريبة بعينيها أما هي فتابعت تلك الإبتسامة الجذابة التي ترتسم على شفتاه وبدون أي إنكار جعلتها تلعن بداخلها كل سبب أدى لمعرفته يومًا ما واستمعت إليه في اهتمام:

- مينفعش نخلي الجلسة الجاية قبل يوم الجمعة شوية؟

بادلته الإبتسامة وأومأت له بالنفي مما جعل خصلاتها المنسدلة على وجهها تتحرك فوجد نفسه يتساءل بداخله عن السبب الذي لم يجعله يضاجعها إلي الآن ولكنها قاطعت خيلاته المُنحرفة وهي تحمحم ولا تزال تحافظ على ملامحها التي أدهشته بها، فهي منذ أيام لم تبدو بتلك السعادة التي يراها على وجهها وقبل أن يُفكر في السبب خلف تلك السعادة آتت نبرتها الهادئة لتتحدث سائلة:

- شهاب.. ممكن أطلب منك حاجة؟

أومأ لها بالموافقة ثم اجابها:

- أي حاجة! اطلبي اللي انتي عوزاه!

تنهدت وحاولت كثيرًا ألا تحدق بوجهه ولكنها لم تستطع، على كلٍ ستحرم من تلك الملامح لأيام.. رطبت شفتيها وتناولت نفسًا مطولًا وزفرته مما جعله يقلق من مجرد فكرة طريقتها التي تُنبأ بقدوم كارثة من نوع ما ولكنها لم تتأخر فقالت:

- أنا بعد اللي حصل النهاردة، انهياري ده.. وبعد اللي حصل الفترة اللي فاتت أنا فكرت كويس.. أنا هافضل طول عمري جانبك.. عمرنا ما هنبعد عن بعض.. بس موضوع العلاج ده أنا مش هاقدر أكمله!

أطلق ضحكة خافتة وأشاح بوجهه بعيدًا عنها ثم تمتم:

- كنت عارف إن النفس ده وراه مصيبة!

لم تستمع لما قالته فسألته بتلقائية ونبرة هادئة:

- بتقول حاجة؟

التفت ناظرًا لها بغضب ثم حدثها في حدة وقد بلغ منه السأم مبلغه من كثرة رفضها المتواصل لهذا الأمر:

- يعني آخر مرة كنا تمام والجلسة كانت مفيهاش مشكلة، قولتي الجمعة الجاية ومرة في الأسبوع قولت ماشي.. المرة دي بقى فيه إيه؟ الحِجة إيه؟

تنهدت وهي ترمقه للحظات ثم طأطأت برأسها للأسفل ولأول مرة تتملك الجرأة لتفعلها، وكأنها لم تعد تريد إخفاء الأمر.. أو أنها ترغب بفعلها بشدة.. يكفي تفكيرًا بكل ذلك الهراء الذي يمنعها مما تود فعله.. أمسكت بيده لينظر لها في تعجب ولن يُنكر أنها نقلته من سابع أرض لسابع سماء بفعلتها ورفعت رأسها لتتلاقى بنيتيه المندهشتان بعسليتيها الهادئتان الذي يلمح بهما شيئًا غريبًا منذ مغادرة مقبرة هذا العاهر وانتظر ما ودت أن تقول ولكنها أضافت ابتسامة جعلته موافقًا من الآن على أيًا كان ما ستخبره به:

- أنا لسه زي ما أنا.. مش مؤهلة اتعامل مع حالة خالص دلوقتي.. ببساطة لو حصل هأذيك وهأذيني.. أرجوك.. لو ليا خاطر عندك بلاش تضغط عليا في الموضوع ده.. هنفضل أصحاب وانت هتلاقي مليون اخصائي نفسي احسن مني كتير ممكن تكمل معاهم! ومين عارف يمكن في يوم ابقى كويسة ونرجع نكمل الجلسات.. أرجوك اسمع كلامي!

كيف له أن يقابل صوتها وملامحها وعينيها المتسعتان بتلك الطريقة التي تتفقده بها سوى بالموافقة؟ ولمسة يدها ليده بتلك الطريقة جعلته يتجمد ولا يقوى على الحراك!! ما الذي تفعله به تلك المرأة؟ ولكن يستحيل أن يجالس غيرها ليُخبرها بتلك المصائب والكوارث التي بالكاد علمت القليل منها، لن يملك القدرة على فعلها أبدًا، لا يوافق على تلك الكلمات، لا يقتنع كذلك:

- فيروز مش هنعيده تاني.. هتقولي فاشلة وفشلت ونجاحك اهم حاجة وقولتلك مليون مرة إنك مفشلتيش، وأنا بحاول اساعدك على قد ما اقدر واعمل كل اللي بتقولي عليه في الجلسات، أنا مش شايف أي داعي للكلام اللي بتقوليه ده

توسعت ابتسامتها ولكنها بدت حزينة أكثر منها سعيدة وهمست في محاولة جديدة لإقناعه:

- الفكرة إنك مش عارف طبيعة الأخصائي النفسي.. المفروض ميتعاطفش مع الحالة.. ومرة لو تفتكر زمان سألتني إنك حالة بالنسبالي ولا لأ وأنا يومها جاوبتك بصراحة.. اللي بيحصل دلوقتي إن قربنا من بعض أثر اوي على علاجك.. يعني لما تيجي تحكيلي عن باباك مثلًا زي ما حكيت النهاردة أنا زعلت بجد.. حسيت إن.. 

زفرت في صعوبة وحاولت صوغ ما ترغب في قوله وتابعت:

- حسيت إنك صح وكلامك صح في الجزئية دي.. أتأثرت.. لو كنت أعرف باباك بجد يمكن كنت اخدت منه موقف عدائي من غير ما اعرف تبريراته او تفسيره.. الفكرة إن علاقتنا مبقتش زي الأول! 

تفقدها والعديد من علامات الإستفهام ارتسمت على وجهه ليسألها مسرعًا في ثقة وظن أنه قارب على ما كان يعمل من اجله طوال الفترة الماضية:

- يعني إيه علاقتنا مبقتش زي الأول؟

حمحمت وابتسمت مرة أخرى وحدقتيها تتفقد ملامحه في اشتياق بدأ في التسرب إلي مشاعرها من الآن حتى قبل أن تُبلغه بكل ما تريده واجابته:

- يعني قربنا.. بقينا اصحاب اوي.. بقيت بتأثر بكل اللي حصلك وبيحصلك زي ما انت ما بتعمل بالظبط.. لو مشاعرك ومشاعري مكنتش اتأثرت مكناش حسينا ببعض اوي كده.. واول ما المشاعر ما بتدخل في العلاج بيبدأ الأخصائي يختلط عليه الأمر ومبيحكمش صح وممكن يقول حاجات تخلي الحالة أسوأ.. 

وأنا استحالة أأذيك.. ولا عايزة أأذي نفسي!

أضافت تنهيدة ثم طأطأت برأسها للأسفل وفكر لبرهة ليشعر وكأنها تقدم وداعًا من نوع ما ليتساءل في لهوجة وآتت كلماته لتقع على المسامع بتجلي فوضويتها:

- فيروز انتي تقصدي إنك عايزة تبعدي.. يعني.. مش هانعرف.. مش هنتقابل ولا علاج 

رفعت رأسها لتنظر له بإبتسامة وقاطعته في هدوء:

- أنا محتاجة كام يوم وهكون كويسة.. هنرجع اصحاب.. بس اخصائية نفسية تاني ليك.. مش هينفع يا شهاب! 

انزعج من كلماتها ولم يُصدق ذلك الأمر خلف نبرتها الهادئة وأومأ بالنفي ورمقها بقسوة:

- انتي شكلك نسيتي شهاب اللي مبـ..

قاطعته بلمعة من دموع حبيسة في عينيها وهمست له:

- أنا مش هاعرف اصلًا ابعد عنك.. أنت مش حاسس بحاجة يا شهاب بعد كل ده.. مش شايف اختلاف بين اول مرة شوفتني فيها ودلوقتي.. أنا كل اللي بطلبه منك كام يوم!! كام يوم لغاية بس عيد ميلادك.. كل حاجة هترجع زي الأول واحسن..

وحتى لو محتاج تحكي أي حاجة، محتاجني أنا في حاجة سواء شغل ولا قرايب ولا اصحاب هتلاقيني جنبك من غير تفكر أصلًا.. بس كل اللي محتجاه منك إنك تكون قابل قراري! أنا.. 

تنهدت ثم تابعت في تلعثم لتصيبه بالذهول:

أنا مشاعري بتأثر عليا و.. ومحتاجة وقت ابعد فيه.. هنرجع احسن من الأول صدقني.. وهمّ كام يوم.. اعتبر نفسك مسافر في شغل.. اعتبر إنك جالك حاجة مهمة! او مشغول أو.. أو .. أنا مش عارفة اقول إيه بس أرجوك احترم قراري!

أومأ في تفهم وصمت للحظات ليدرك ذلك المعنى خلف كلماتها فبادر سائلًا:

- تقصدي إيه بمشاعرك؟

ابتسمت له في وهن ثم انهمرت احدى دموعها وأومأت له بالنفي وحدقتان متوسلتان ألا تجيب ونظرت أمامها ولم تترك يده بعد لتشعر به يجذبها من أسفل يدها وهمس مخبرًا اياها دون أن ينظر لها: 

- سلام!

نظرت له وحدثته مسرعة:

- استنى انت مش معاك عربية.. خد العربية وابقى اخدها منك بعدين!

ابتسم نصف ابتسامة متهكمة وأشار لها بيده أن تتوقف ورمقها في لوم شديد ثم قال:

- أوبر.. نسيتي!!

تفقدته في حُزن بينما نظر إليها بتشتت لوهلة ثم التفت وغادرها لتتساقط هي دموعها في انهمار جارف ولم تعد ترغب في التوقف، عل البكاء يُذهب بعضًا من تلك الآلام التي تشعر بها!!

هي تيقنت أنها تحبه، تعشقه، لا تتوانى بتلك الأيام عن تذكر ذكرياتهما معًا، ولا تعلم كيف تيقنت من ذلك وانتهت من حالة التشتت في هذا الأمر وكفت عن الإنكار، ولكن لماذا ودعته؟ هل هذا مقدمة خفيفة كي تبتعد عنه للأبد وتحاول التغلب على عشق هذا السيكوباتي؟ أم أنها مجرد بداية لإستعادة جزء من نفسها لم تكن تدري أنه يتواجد بداخلها أبدًا وأمر ممكن الحدوث؟!

لترى ما الذي سيتغير في غضون احدى عشر يومًا.. لتنتظر إلي يوم ميلاده إذن.. 

     

#يُتبع . . 

ملحوظة : الفصل القادم بتاريخ 17 ديسمبر 2020