-->

الفصل الثامن والأربعون - شهاب قاتم

 - الفصل الثامن والأربعون - 


     

~ عاصفة تجتاح رأسي، أحداث تطاردني فلا تدع لي فرصة لإنعام النظر، من أسفل يلح نداء و من أعلى يلح نداء، و أنا ممزق القلب، كأني مطالب بتنظيم الوجود و أنا محاصر في ركن ضيق يهددني الموت.

(نجيب محفوظ)

      

عندما تهب رياح الخزلان في البداية تقع في صدمة، تشتد قليلًا فتشعر ببرودة مخيفة فتهرول باحثًا عن الدفء.. شيئًا فشيئًا يزداد الهبوب وأنت ملتحف بما يحميك.. تصل خلف زجاج نافذتك وتقف وأنت تراقب الرياح وهي تتحول إلي عاصفة مهيبة.. تلوح في الأفق سعف النخيل في عنف فتتابعها بعينيك في خشية من أن تهب تلك العاصفة لتصيبك أنت.. بالرغم من أنك تحمي نفسك، بالرغم من أنك ترتدي ملابس ثقيلة.. بالرغم من إدراكك أنها يستحيل أن تصيبك بعقر دارك بكل ما يحيطك من سبل الأمان ولكن تشعر بالرهبة في النهاية..

تعصف بقسوة، تصل إلي ذروتها فتشعر بالرعب.. تسأل نفسك.. أليست هذه البُقعة تحديدا هي نفسها التي كنت أقف بها استمتع بأشعة الشمس المشرقة التي تُدفء؟ أليست تلك الشجرة التي تتهشم أغصانها وتذريها الرياح القاسية كانت تظللني منذ أيام قليلة فقط؟!

غابت أصوات الضحك والمرح والشارع الذي كان يضج بضوضاء كنت تظنها بغباءك أنها مُزعجة.. أنت الآن تتمنى بداخل نفسك أن تعود بدلا من أصوات تلك الرياح الموحشة..

منظر مرعب تراقبه في كآبة وهيبة تبدد مشاعرك الفطرية بالأمان فقط لتغير الجو حولك .. تبتلع ثم تُسدل الستار ليحجب ذلك المنظر المرعب.. تبحث عن سرير دافئ ثم تتدثر بأغطية وأنت تحاول أن تتجاهل صوت الرياح بمشقة.. تجلس في سكون وأنت تتضرع بداخلك ألا تصيبك تلك العاصفة بأذى..

ولكن أسوأ ما في الأمر ليس ما رأيته ولا العاصفة نفسها.. إن أسوأ ما في الأمر هي هذه الذكرى الكئيبة الكريهة التي لن تنساها بسهولة.. على الأقل طوال هذا الشتاء..

كان هذا أقل ما يُقال عما تشعر به.. تحاول ضم معطفه عليها بالرغم من أنها مدركة أنه قد غطى جسدها بالكامل ولا يُظهر حتى أناملها.. كانت تستمد الأمان من هذا الصوف الذي لا حول له ولا قوة.. تبكي بمرارة.. مرارة الخزي وخيبة الأمل الخالصة!

زأرت مكابح السيارة بعنف لتُدرك أنها قد وصلت أمام منزلها ففرت على الفور من جانب ذلك الكاذب الحقير الذي تركته خلفها يلهث بغضب وانطلق هو على الفور ليبتعد عنها مهشمًا فرصته الوحيدة في النجاة..

لو كان فقط استمع لها.. لوهلة.. بعضًا من اللحظات.. ربما كانا توصلا إلي حل وسطيا في منتصف السبل ليتلاقى كلاهما به..

لو كانت صاغت تلك الكلمات بطريقة أفضل.. لو كانت حاولت اقناعه.. لو كانت التزمت هدوءها كما اعتادت.. ربما لم يكن ليحدث شيئا بالأساس..

بدون فرضيات وتخيلات لن تصلح ولن تفيد.. الأمر برُمته لن ينجح.. لن تنجح السيطرة المستمرة.. ولن يُفيد الكذب والإدعاء.. لن تُصلح هي ذلك السيكوباتي ذو الروح القاتمة.. ولن يستطيع هو الحصول على عشقها بتملكه المفرط!

هذه العلاقة المريضة بسُميتها المميتة حُكم عليها بالفشل.. وحتى لو كلاهما غارقان في أبحر من عشق.. العشق وحده لا يُشفي.. لا يُغير.. هو ببساطة في حالتهما لا يكفي..

توقف من جديد في منتصف الطريق وقارب على الشعور بطعم الدماء في فمه من كثرة تعذيب فكيه بقسوة وهو يضغطهما للمرة الآلف.. لهاثه الغاضب لم يعد يلاءم ما يحتاج إليه.. ويا للسخرية.. كل ما يحتاجه وما تمناه وما حلم به يومًا كان هي ببساطة.. لقد بالغ معها.. يا لفرحتها الآن هو يشعر أنه فعل شيء خاطئ.. مثل ما تنبهه هي دائمًا.. ترك وحشيته الهمجية تسيطر عليه وأفسد كل ما كان يفعله بكل تلك الأيام الماضية.. يا لسعادتها ونجاحها.. لقد تفوقت وحققت ما ارادته.. هذا الرجل يشعر بقليل من الندم!

أعاد أدراجه مسرعًا ثم توقف أمام منزلها وترك السيارة مهرولا للأعلى ووقف أمام الباب الذي يحجبها عنه وأخذ يطرق الباب مرارًا إحدى يداه على الباب والأخرى لم تترك الجرس ثم صاح:

- افتحي يا فيروز!

بأي حق يأتي بعد مجرد دقائق مما فعله؟ بأي حق يطرق باباها؟ ما الذي يريده؟ تذكيرها بكم كانت غبية؟ أم تذكيرها بكل ما فرطت به من مبادئ وقيم؟ كسرت الكثير من الحدود لأجله هو فقط، نست كل ما تعلمته وكل ما كانت عليه يومًا ما من أجله، هل آتى ليمثل صورة حية أمام عينيها كي يعكس خيبتها وفشلها في كل شيء؟!

- ابعد عني.. 

عقد حاجباه في خشية من تلك النبرة التي استمع لها، صراخ مصحوب ببكاء جعله يرتعد، زفر بعد ان حاول انتقاء الكلمات ولكنه فشل فترك لسانه يتحرك قائلًا أي كلمات، هو لا يستطيع التفكير ولا حتى إيجاد طريقة منطقية لإقناعها:

- افتحي بس هنتكلم و..

صرخت من جديد به في هيستريا محضة أثناء بكاءها:

- قولتلك امشي من هنا.. امشي حالًا مش عايزة اسمع صوتك ولا أعرفك تاني..

حسنًا.. الأمور الآن أصعب مما مر عليهما يومًا ما.. يبدو أنها لا تتقبل أن تستمع حتى له.. ولكن هل هذا يعني أنه لن يراها للأبد؟ لا هذا مستحيل، لن يسمح لها بفعل ذلك.. لن تتركه بسبب ارتكابه خطأ وحيد!!

حاول من جديد ليهتف بحرقة في غضب:

- أرجوكي اسمعيني بس.. افتحي الباب.. افتحي الباب حالًا بدل ما اكسره و..

قاطعته في هياج شديد غادر حبالها الصوتية:

- أنا هصوت واصحي الناس.. وهكلملك الشرطة حالًا لو ممشتش .. امشي احسن ما ابهدلك!! امشي حالًا..

تصلب جسده مما استمع له وحاول أن يتحدث لأكثر من مرة ولم يجد ما يُقال، ليس يملك سوى روح تعج بالخراب، يد مُدمرة.. روح لا تعرف كيف تحب، ولا كيف تندم.. كان لطالما ما ترتكب روحه الآثام دون إكتراث حقيقي لما يُخلفه من دمار.. خراب يُخلف دمار.. فلا روحه تملك القدرة على الإعمار، ولا جوارحه بأكملها تستطيع الإصلاح.. 

نبهه صوتها المنتحب بفعل دماره وكأنها تتحدث إلي أحد ما:

- معاذ الحقني.. ابعتلي حد على شقتي في التجمع.. فيه حد عايز يكسر باب الشقة عليا!!

إلي هذا الحد هي حقًا مصممة.. هل هذه هي الطريقة التي ستتعامل معه بها من الآن فصاعدًا؟ تحضر له من يدافعون عنها منه هو؟! تنهد وهو واقف أمام ذلك الباب اللعين الذي يحجبها عنه خائبًا، لا يعلم أنها تراه، لا يرى ما خلفته قتامة حياته التي اعتادها بروحها هي، ولا يدري بعد ما سيقابله بعدها..

لقد أفسد كل شيء ولا يملك القدرة على ترميم دماره وصنع يده.. النساء! كان يفعل فعلته معهن ثم لا ينتظر لا يُنتظر.. اغتصاب أو تهديد أو ليلة ماجنة.. لم يواجه مثل هذا الموقف من قبل، ولكن أن يفعل معها ذلك ويريدها بعدها.. لم يُفكر وقت ما فعله أنه سيُنهي الليلة على عتبة بابها تعج عينيه بدموع الآسف!! 

ولكن سيجد طريقة ما لإصلاح ما افسده.. "شهاب الدمنهوري" دائمًا ما يجد طريقة.. هناك حلًا لكل شيء!! 

     

نظر إلي وجهها الباكي وملامحها الحزينة، شعر بندم شديد، أكان عليه البوح بالأمر ويخسر ثقة والده ويكسب ثقتها؟ أم كان الصمت وقتها هو أفضل الحلول؟ 

حمحم وحاول من جديد أن يُحدثها، ربما ستستجيب هذه المرة، لقد هربت كل الحيل من بين يديه وهي لا تود النطق، منذ أن غادرا منزل ذلك الملعون وأخبرها هي و"إياد" الحقيقة هي تتحلى بسكوت وهدوء أرعبه، متى ستتحدث له؟ عليها ولو قول أي شيء حتى يطمئن أنها بخير على الأقل.. همس إليها متوسلًا بندم جارف:

- زينة، أرجوكي قولي أي حاجة.. 

نظرت له بلوم شعر وكأنه خناجر تطعن بروحه بينما انهمرت احدى دموعها من جديد ليحاول أن يتلمس يدها بينما جذبتها بسرعة من بين يديه وطأطأت رأسها للأسفل ليعقد حاجباه وشعر بالآلم يهشمه لأشلاء من هذا التحول الذي لم يظن بأسوأ كوابيسه أن تنظر له بها ولم يتوقع أبدًا أنها تعامله بمثل هذه الطريقة فهمس لها:

- لو فيه خاطر لأي حاجة ما بيننا، اتكلمي.. علشان خاطر ابننا حتى أرجوكي كلميني.. قولي أي حاجة.. اتعصبي أو اتخانقي معايا أو اعملي أي حاجة بس بلاش كده يا زينة

رفعت زرقاويتيها إليه ورمقته في قلة حيلة، توسله كان أكثر مما تتحمله، أيظن أنها لا تتألم هي الأخرى؟ أيظن أن بكاءه الآن مثل ما تبكي هي يهون الأمر عليها؟ أتظن أنها جماد لا يشعر؟

ارتجفت شفتاها وهي تحاول البحث عن كلمة واحدة لتقولها بينما لم تجدها ببساطة.. خالها عذب والدها الحقير وزوجها الذي تعشقه أكثر من أي شيء بالحياة كان يعلم أين والدها وما فعله وما فعله كذلك خالها ولم يخبرها بالأمر بالرغم من سؤالها بالسابق.. كان هذا أكثر مما تستطيع تحمله.. أكثر مما تستطيع اتخذا قرار اتجاهه.. وأكثر مما يستطيع عقلها أن يواكبه.. 

لا تريد إفساد زواجها من الرجل الوحيد الذي عشقته، لا تود أن تتسرع وتعود لتلك المندفعة الخرقاء التي لا تعلم ماذا تريده وما الذي تشعر به وتتصرف بطريقة تؤدي لعدم وجود هوية واضحة لها..

حاولت التنفس بصعوبة بين بكاءها لتهمس له بصعوبة وصوت بالكاد استطاع سماعه وتفهم كلماته:

- أنا.. مش عارفة أقول إيه.. أنا محتاجة وقت يا سليم..

أومأ وجفف تلك الدمعة التي سقطت دون إرادته وتفهمهما تمامًا ليهتف في فوضوية:

- خدي كل الوقت اللي تحتاجيه.. براحتك.. بس يا زينة أرجوكي بـ..

ابتعدت عن تلك اللمسة التي يحاول أن يتلمسها بها بفعل مشاعره التي تصرخ به أن يُعانقها ونهضت من على الأريكة بغرفتهما ثم حدثته بنبرة تكاد تكون مسموعة وهي مولية ظهرها إليه:

- أنا آسفة بس.. أنت خبيت عليا.. مكنتش استحق منك كده.. عارفة إنك مكنتش عايز تخلي شكل خالو قدامي وحش.. وعارفة إن الموضوع صعب عليك وعليه وكان هيكون صعب عليا بس.. أنا محتاجة وقت معلش يا سليم! 

ابتلعت بمرارة وهي لم تتوقع أبدًا أن تفعل ذلك به ولكنها لا تريد إفساد الأمر أكثر فهمست بمرارة:

- أنا رجعت معاك البيت علشان كرامتك قدام الناس كلها، وعلشان أنت جوزي وأنت أبو ابني.. بس أنا لسه مش قابلة إنك خبيت عليا حاجة زي دي.. المفروض ميكونش فيه ما بيننا اسرار والمفروض إن فيه بيني وبينك ثقة.. بعد إذنك يا سليم، الفترة الجاية حاول تنام في أوضة تانية لغاية ما اهدى شوية وافكر.. وأرجوك لو فيه أي خاطر لأي حاجة ما بيننا زي ما بتقول متضغطش عليا في حاجة..

اختنقت الكلمات بحلقه ممتزجة بغصة طعنات الآلم ولم يستطع قول شيء ليحاول سرقة بعض الأنفاس علها تستطيع مساعدته ولو بمثقال ذرة في كيفية التصرف لمواجهة ما يشعر به ولإدراكه تلك الدوامة التي تحوم حوله من دمار زعزع ذلك العشق الذي يكنه لها ولكنه بالكاد استطاع فعلها..

جفف دموعه ورمقها وهي لا تزال لا تريد النظر له ثم أومأ في تفهم ولم يسعه سوى تقدير مشاعرها وتوسلها إياه.. سيفعل أيًا كان ما تريده.. ولكن أن يكون السبب بكل هذا الدمار هو "اروى" و "شهاب" لن يدع ذلك يمر مرور الكرام أبدًا.. 

التفت وغادر الغرفة في هدوء لتجهش هي ببكاء جارف عندما استمعت لإرتطام الباب وتناولتها عاصفة من آلام لا تعرف كيف ستواجهها وحدها!

      

بعد مرور أربعة أيام..

الثلاثاء.. التاسع عشر من نوفمبر 2019.. العاشرة مساءًا..

المزيد من الإضطرابات، المزيد من مواجهة حقائق مؤلمة، قصتان تنتهي كلاهما نهاية مأساوية، واحدة بفقدها زوجها وطفلها، والأخرى بعلاقة مميتة مع شخص مميت تنتهي ببداية إغتصاب.. ما الذي تريده هذه الحياة منها؟ ما نهاية كل ذلك؟ كيف وصلت حتى إلي هذه المرحلة؟! 

ألن تنتهي هذه العاصفة أبدًا؟ ما الذي لم تفعله؟ لقد ارتدت الملون، عادت للعمل، وقعت في عشق رجل مريض، حاولت فعل كل شيء، حاولت أن تعالجه، حاولت التمسك بالأمل، جلست لأكثر من عام ونصف بمنزل أسرتها، حاولت التواجد من أجل أصدقائها بالسابق، حتى أنها حاولت الهروب، حاولت في النهاية أن تترك نفسها أن تشعر، تشعر بأي شيء.. لماذا كل خطواتها تبوء بالفشل؟ 

ما النهاية؟! فقط ما النهاية من كل ذلك؟! 

فقدت عشق لتوه ظنت أنه كل شيء بحياتها، ظنت أنه سيكون الملاذ من مواجهة فقد جنين وزوج رائع، ظنت أنها بداية جديدة لرجل مُعذب وإمرأة تحتاجه بكل ما فيها، تنازلت عن عمل، وأسرة وأصدقاء، وبالنهاية استقالت من عملها الآخر بالمصحة.. ما الذي تملكه الآن؟! حياة مدمرة أليس كذلك؟ 

نظرت بملامح شاحبة وحدقتان ذابلتان يحاوطهما احمرار البكاء الذي عكس أعين بددها الآلم.. هذه ليست حياتها، ولا هذا هو منزلها.. هي لا تعرف بعد ما الذي يحدث حولها.. 

نهضت لاهثة وهي ترمق كل شيء في صدمة.. أين الألفة حتى في أي قطعة جماد قد تُذكرها بمن هي حقًا وما هي عليه؟ لقد دمر كل شيء.. حتى تلك المرأة السعيدة التي عكستها كل قطعة أثاث بهذا المنزل.. أين الذكريات التي تقاسمتها مع زوجها بكل ركن هنا؟.. لقد أفسد حتى هذه الذكريات.. دمرها بذكاءه.. يا لها من غبية..

ابتلعت في غضب ولهثت أكثر وفي جنون محض بدأت تهشم كل شيء بهذا المنزل، أليس هذا ما آتى به.. لقد اختاره هو.. حسنًا إذن هي لا تريده.. لا تريد أي شيء يذكرها بهذا الحقير هو الآخر.. لا تريد أي شيء من حياتها الجديدة ولا القديمة ولا تريد شيء سوى أن تشعر بالراحة.. أن تدمر كل ما آتى به سيريحها.. هي متأكدة.. ستنتهي عندما يذهب هو وأشياءه وجاذبيته التي وقعت لها وجاذبية كل ما يفعله.. 

لهثت بعد أن خارت قواها وهي تقع أرضًا جالسة في إرهاق.. رمقت المنزل حولها في حالة من الفوضى.. كل شيء إما ممزق.. مهشم.. أو مدمر.. ولكن لماذا لا تشعر بالراحة إذن؟ لماذا لا ينتهي الآلم.. 

أجهشت بالبكاء المرير.. لا تعلم ما الذي تفعله.. ولا تدري ما النهاية لكل ذلك.. هي لم تكن ترغب سوى أن تستعيد نفسها وحياتها لتجد أنها بدلًا من أن ترمم روحها، افسدتها أكثر.. هي ببساطة ألقت بنفسها بفوهة بركان من لهيب قاتم وعند إستقرارها بالقاع لم تعد ترى حتى يدها وسط تلك القتامة.. 

طرق الباب مرارًا فنهضت وهي تتجه نحوه باكية ثم صرخت دون أن تتفقد هوية الطارق:

- قولتلك ابعد بقى عني.. مش كل شوية حرام عليك.. ابعد مش عايزة اعرفك تاني..

ابتعدت عن الباب بمجرد ظنها أنه قد آتى من جديد، هي لا تريد فقط سوى أن تنساه.. تبتعد بكل ذرة قوة تبقت بداخلها علها تُصلح ما أفسدته وما فعلته بحق نفسها.. ولكنها توقفت في منتصف الطريق للداخل عندما وقع على مسامعها صوت صديقتها:

- فيروز افتحي أنا هبة! 

هرولت ثم فتحت الباب لتتلاقى تلك الملامح المدمرة بأعين ملهوفة في صدمة لتهمس "فيروز" بصوت مبحوح:

- هبة..

عانقتها على الفور لتُلقي "فيروز" بكامل جسدها مستندة عليها وانتابتها دوامة جديدة من البكاء الجارف لتربت الأخرى عليها وهي تتفقد المنزل المدمر خلفها ولكن ستترك الآن كل شيء جانبًا.. فهي تعلم تلك الملامح عن ظهر قلب.. نفس الملامح التي لازمتها بعد موت زوجها وطفلها.. بل ربما ملامحها الآن أكثر ما رآته على وجهها من آلام!

     


- أنتي ايه بقى.. مبتتهديش حتى بعد كل اللي حصلك.. انتي تعبان ولا شيطان انتي ولا إيه لأ ولسه بتمثلي على الكل

حاول "زياد" التدخل بسرعة قبل أن يُعميه الغضب أكثر من ذلك عندما استمع لصوته:

- اهدى يا سليم وتعالى معايا ما ينفعش اللي بتعمله ده

لهث "سليم" بشدة وهو يمقت "أروى" بنظرات كارهة ثم تشدق بلهيب مستعر عكسته نبرته:

- أنا اللي حاشني إني اموتها إن لسه عامل خاطر للراجل اللي رباني.. بس أقسم بالله لو الحيوانة دي كلمت مراتي ولا جت جنبها ما هتعرفولها طريق!! انسانة قذرة!

جذبه عمه وهو يحاول أن يُهدأ من روعه وهو ينظر نحو "منة" بأعين تنبأ بالعديد من الكلمات فأومأت له في تفهم ودخلت غرفة "أروى" وأغلقت الباب ليصيح "سليم" في غضب:

- دي شيطان.. دي فاهمة كويس ازاي تخرب ما بيننا علشان كده من بين كل اخواتها راحت تكلمها هي.. سايبة تلت رجالة اخوات ورايحة تكلم زينة!! 

حاول التقاط أنفاسه وكاد "زياد" أن يتحدث بينما وجد الجميع قد غادروا غرفهم وشرعوا في الإجتماع على هذا الصوت الجهوري الغاضب ليتقدم نحوهما "إياد" بملامح غاضبة بغضب مساوي لغضب "سليم" وكأنه كعاصفة ستلتهم كل ما بطريقها ليصيح به:

- ده إيه البجاحة دي.. ليك عين تيجي وتهزأنا بعد كل المصايب اللي كنت مداريها.. تعرف يا سليم أول مرة يبقى كلام أروى وماما صح عنك انت وخالي.. البيت ده أنت متعتبوش تاني.. لا أنت ولا أبوك.. محدش طايق يشوف وشكوا..

نظر له "سليم" في صدمة لتحاول "شاهندة" التدخل:

- عيب يا إياد اللي أنت بتقوله ده.. زياد.. خد إياد واطلعوا برا

ضحك "إياد" بخفوت واستهزاء وأوقف "زياد" أن يتلمسه ثم صاح بالجميع:

- طبعًا بدر الدين خالي العظيم وابنه اللي مبيغلطوش.. يعيشونا من غير أبونا سنين وكمان ناخدهم بالحضن ونسمع كلامهم علشان هما الكبار.. انتوا ليه كلكوا فاكرين إن خالي معاه حق يخلي بني آدم وإنسان مهما كان غلطه مجنون واخرس ومشلول.. هو فاكر نفسه ربنا..  انتوا فاهمين عمل إيه.. ده موته بالحياة.. انتوا ازاي كلكوا معاه وموافقينه.. إيه قلوبكم عامية؟ شايفين إن ده الصح؟ مفيش في قلوبكم رحمة؟ ده لو كان كلب مكنش يحق ليه يتعامل كده! بدر الدين ده هو وولاده بالنسبالي مـ..

قاطعته والدته "هديل" صارخة بحرقة:

- اسكت يا ولد.. ولا كلمة.. أنا اللي خليت بدر يعمل كل ده!! متجبش سيرة خالك على لسانك بكلمة كمان!  

     

الخامس عشر من ديسمبر 2019.. 

مواجهة العاصفة تحتاج الكثير من الثبات كي تستطيع أن تُمدي قدمًا.. ولكن من أين له الثبات ولقد تزلزل بفقدانه لوالدته؟ أيدري أي احد من فقد؟ فقد كل من اعطته للحياة معنى.. الوحيدة التي بادرت بعناقه منذ أن كان بالتاسعة من عمره وهو لا يعلم ما معنى الإحتضان ولا حتى معنى الأم.. الأيام تمر والجميع يعودوا إلي حياتهم.. ولكنه ببساطة لا يستطيع.. لا يستطيع أن يكون نفس الرجل من جديد!!

زفر في آلم مصحوب بحرقة ندم على الكثير من الأشياء التي مرت عليه بالسابق، ماذا كان ليفعل رجل مريض مع زوج اخت متحرش ومغتصب وخائن؟ ماذا كان عليه فعله سوى أن يفعل به ما فعله؟ نعم كان هناك قانون، كان هناك العديد مما يعرفهم يستطيعون مساعدته في سجن هذا الحقير، كان أمامه العديد من الإختيارات، لا بل الكثير من الحيل أيضًا.. ولكنه وقتها منذ عشرون عامًا اختار أن يخضع لمرضه!! 

إن الإنسان مخلوق، ضعيف هش كسائر المخلوقات.. له مجرد سنوات كُتبت له ليعيشها.. يرتكب الأخطاء ويفعل الصحيح، يتعرض بطريقه للخير والشر.. ولكنه لا يملك أفضل من حل عظيم بين يداه.. يملك الإختيار! دائمًا وأبدًا يملك القدرة على الإختيار..

ويا له من اختيار.. اختار أن يُعذب إنسان مثله.. خُلق من لحمٍ ودمٍ مثله تمامًا.. وذهب هو في ذروة مرضه ليُعذب إنسان يملك القدرة على الإختيار مثله ليتركه مسلوب الإرادة حتى من استطاعة أن يختار..

لو كان فقط استطاع أن يُغير اسمه وسجنه تعزيرًا على ما فعل لكان ربما الآن "كريم الدمنهوري" يحيا مع أولاده، ربما كان رجلًا مسنًا مثله تعلم من كل ما فعله وندم وتاب.. مثل ما فعل "بدر الدين" نفسه يومًا ما! ندم وأصبح تائبًا!

ابتلع بمرارة وهو يشعر بتأنيب الضمير الهائل على كل ما ارتكبته يداه يومًا ما.. جفف دموع الحسرة التي ارتطمت بلحيته الطويلة.. هو ببساطة ارتكب جُرمًا ليس ببسيط.. ليس تجاه اخته ولا أولادها فحسب.. ولا حتى تجاه الإنسانية بأكملها.. بل تجاه ابنه الذي لا ذنب له!

لقد تدمر زواجه في بدايته من التي يعشقها لأنه هو السبب.. ساديته المتوحشة التي عانى منها يومًا ما كانت السبب.. السبب في أن يُدمر نساء، أشخاص، بل وحياة بأكملها.. 

تبتره سكاكين من آلم عندما ينظر لأحد بعينيه.. ربما "نورسين" هي و "سليم" الوحيدان من ينظرا له بل وبتعاملا معه دون إبداء أحكام، ولكن بقرارة نفسه يعلم أن الجميع يخفون احتقارًا خفيًا له بأعينهم.. ينظروا له وكأنه ظالم ولقد كان أكثر مما تحتويه الكلمة من معانٍ! لا تستحق نفس بشرية أن تُعامل مثل ما عامل "كريم" يومًا ما.. ليس العقاب بأيدينا نحن.. بل بيد من خلقنا!

نهض ولقد سأم رفض "سليم" المُتكرر بألا يتدخل.. لن يترك ابنه وزوجته في مقتبل حياتهما وزواجهما ليعيشا بهذه الطريقة منفصلان تحت سقف واحد بمنزله! 

لولا فقط تحمل اخته "هديل" ظاهريًا جزءًا من الذنب لما حدث لزوجها لكان قتل نفسه وغادر تلك الحياة التي باتت تعج بأوجه أكثر من يُحبهم وهم ينظرون له بكراهية.. 

طرق باب غرفة "زينة" ثم انتظر سماع صوتها بالسماح بالدخول ففعلت ليدخل مطأطأ رأسه ولا حتى يستطيع النظر بعينيها لترمقه هي في تأهب وانفعال فهي لا تستطيع مواجهة الرجل الوحيد الذي يُعد بمثابة والدها وبيوم ما عشقته حتى الثمالة عِشقًا لم تشعر حتى به لأيًا من والديها "سيف" أو "كريم" فحمحم لينبهها من ذلك الحزن الذي تشعر به وصدمتها الهائلة فيه لتستمع له وهو يتحدث بروح مُزقت آلمًا:

- زينة يا بنتي.. أنا.. أنا مش جاي اقولك سامحيني.. ولا هشرحلك ابوكي عمل ايه خلاني اعمل كده فيه.. بس سليم جوزك وابني اللي حبتيه ملهوش ذنب! 

أنا في يوم كنت مريض ولقيت اللي ساعدني.. زيي زيك.. لقيتي اللي ساعدك.. أنا غلطت بسبب مرضي وانتي في يوم غلطتي بسبب مرضك.. حبيتي واتجوزتي وأنا عملت كده برضو زيك بالظبط.. بس مفيش حاجة في الدنيا تقد تنسيكي الوجع وتساعدك أكتر من أُسرتك.. الراجل اللي بتحبيه.. وابنك اللي انتي حامل فيه.. 

سليم عرف من قريب ومكنش يعرف من زمان.. كان محتار يعمل ايه.. سامحيه يا زينة ميستاهلش وهو بيحبك.. بيحبك أكتر من أي حد وأي حاجة في الدنيا.. ولو عايزة تروحوا تعيشوا حياتكوا بعيد عني وعن ظلمي والأذى اللي بأذيه لكل اللي حواليا خديه وابعدي وعيشي حياتكوا.. انتوا مالكوش ذنب.. أنا آسف!!

التفت وتركها ليجد نفسه يبكي وتمنى لو أنها استمعت إليه.. حتى لو المقابل أن يذهب "سليم" ويتركه ويحظى بحياة سعيدة.. فليفعل إذن.. لا يود أي والد يحب أبناءه سوى أن يراهم سعداء وبخير في النهاية! وخاصة هو!

     

نظرت للأخصائي النفسي أمامها وهي بداخلها راحة شديدة بعد أن تحدثت بالكثير.. أحد لا يعرفها.. لا يريد منها شيء.. هو ببساطة يُساعدها.. يُساعدها على عبور تلك العواصف التي زعزعت حياتها واحدة تلو الأخرى دون هوادة..

رمقته في اهتمام بينما حدثها في هدوء:

- انتي اكيد شاطرة وفاهمة زيي إن السيطرة مش هي الحل.. مش علشان بنحب حد يبقى نجبره على التغيير والصح.. احنا بنقدم الدعم والمساعدة للي قابل بس.. لكن مش بالعافية أبدًا.. 

انتي عارفة الصح فين والغلط فين وقدمتيله ايد المساعدة وهو رفض.. مينفعش نجبر اللي قدامنا.. ما دام رفض يبقى ليه مُطلق الحرية..

أكملت سماعها له وإنصاتها الشديد، لقد كانت حقًا تود رؤيته أفضل، تود أن تراه الأفضل على الإطلاق.. أن تحظى بعشقه وتعشقه هي في المقابل، تريده رجل سوي بعيد كل البعد عن المرض، تريد المثالية اللانهائية.. ولكن ليس هناك شيئًا مثاليًا أبدًا.. 

أنهت جلستها وهي تشعر بأنها أفضل قليلًا.. لا تدري دون دعم كلًا من والدها و "هبة" صديقتها ماذا كانت هي بفاعلة.. لقد كانت تحتاج إلي هذا وبشدة.. أحيانًا ظننا بأننا نعلم كل شيء ليس بكافيًا أبدًا.. 

ركبت بجانب "هبة" سيارتها لتجدها تلتفت وضيقت عينيها وهي تنظر لها بمرح ثم هتفت:

- نعدي نجيب جميلة وبعدين نضرب سينابون بقى!

ابتسمت لها "فيروز" بإقتضاب ثم أومأت بالإنكار في رفض:

- مش قادرة والله يا هبة!

تحولت ملامحها للإعتراض الشديد ثم صاحت بها:

- ما تتلمي في يومك بقى وراعي إني ست مفجوعة! سينابون يعني سينابون بطلي نكد بقى.. 

تنهدت في قلة حيلة بينما أومأت بالموافقة وهمست:

- خلاص ماشي..

أمسكت بيدها في دعم شديد وحدثتها في اهتمام:

- أبوس ايدك مفيش حاجة تستاهل زعلك.. أنا معرفش الكلب ده عملك ايه بس خلاص يا فيروز انسيه صفحة واتقفلت.. وبعدين شكله يقرف ومفتري ووحيد ومبيعرفش يهزر.. مخسرتيش كتير والله! بكرة ربنا يرزقك بإنسان كويس و..

قاطعتها هامسة بأعين التمعت ببريق من الدموع:

- ما خلاص بقى أنا هعيده تاني.. مبقاش فيا حيل لا احب ولا اتحب

زفرت في ضيق وهي ترمقها بإهتمام عندما اختلفت ملامحها للحزن الشديد:

- انا بس نفسي افهم إيه اللي حصل يومها.. ما تقوليلي يا بنتي والله ما هاكرهه اكتر ما انا كارهاه اصلًا.. انا نفسي اخفف عنك.. 

انهمرت دموعها في وهمست بنحيب:

- خلاص بقى با هبة متكلمنيش في الموضوع ده..

شعرت بالندم لسؤالها فهتفت بلهفة وهي تحاول بصعوبة ان تعانقها بينما هما جالستان في السيارة وتمنت لو تعلم ما الذي حدث بينهما حتى بين يوم وليلة بعد أن رآتهما سعيدان يوم حفل يوم مولده تغير كل شيء وحاولت مع كلاهما ولكن لا يود احدهما الحديث، خصوصًا وأن "شهاب" لم تره سوى مرة واحدة فقط من وقتها:

- طيب أنا آسفة متزعليش.. هناكل سينابون ونروح نعاكس الرجالة الحلوة وهتطلق وهاجي اقعد جنبك!

توقفت "فيروز" عن البُكاء وفرقت عناقهما ثم نظرت لها في زجر:

- يا بنتي حرام عليكي.. انتي مبتبطليش جنان.. اتهدي بقى!

توسعت ابتسامتها لتمازحها وأضاف بحماس:

- ياختي خلينا نتبسطلنا شوية النهاردة سالم سهران في الشغل.. بصي احنا نودي جميلة عند مامتك تقعد بيها شوية ونروح نعمل شوبنج كده ولا نروح الكوافير سوا.. قولتي إيه؟

أومأت لها بالموافقة وهي تجفف دموعها وبداخلها تحاول أن تستجيب للقليل من الحياة فيكفي ما قضته بتلك الأيام الماضية!!

     

جذب هاتفه وهو يجيب بنبرة لا تختلف كثيرًا عن نبرة إنسان آلي لا يحمل مشاعر:

- نعم!

تعجب "هاشم" لطريقته بينما حمحم وحدثه:

- ايه يا عم فينك؟ مش ناوي تعدي علينا! وحشتنا والله..

انزعج عندما أنه "هاشم" الذي لا ينفك يُحدثه كل يومان: 

- معلش أنا مسافر بخلص شوية حاجات برا وهاجي قريب..

أومأ في تفهم بينما حمحم من جديد وتحدث في تردد سائلًا:

- بقولك إيه.. أنت عرفت حاجة عن القضية اللي اترفعت عليك؟

لم يكترث ولم يبد اهتمام وظل صامتًا ليتابع اخيه حديثه له:

- شهاب انت معايا؟

همهم له فتعجب أكثر ولكنه تابع على كل حال:

- واحد اسمه سليم الخولي رافع قضية إنك..

قاطعه بضيق:

- خلي المحامي يتصرف.. سلام دلوقتي! 

لم يعد يكترث لأي شيء، لا يكترث سوى لأنه فقدها.. يستطيع أن يختطفها.. أن يجبرها على الحياة معه دون مسميات.. سيهرب بها بعيدًا عن كل شيء ليبقى معها.. ولكنه لا يريد فعل ذلك بها!! لأنها ببساطة لن تقبل!

شهرًا كاملًا لا تجيبه.. شهرًا بأكمله فقد فيه كل الحيل أن يرمم ما افسده.. ثلاثون يومًا من عذاب يتجرعه بعدم وجودها معه ألا يُكفيها هذا تغير؟ ألا ترى أنه الآن رجل أفضل؟ يفعل التصرف الصحيح معها.. يتركها لتفعل ما تشاء..

ثلاثون باقة ورد.. ثلاثون رسالة اعتذار.. ثلاثون مكالمة بدون رد منها انتهت دون سماع صوتها.. وتلك المكالمات القديمة المُسجلة بهاتفه قد حفظها عن ظهر قلب!! 

تعيد كل ما احضره لها مع شركة شحن بمنتهى الرسمية، تصد كل محاولاته، لا تخرج من منزل والديها سوى بصحبة أحدًا معها.. ولم يعد يُكفيه أن يراقبها عن بُعد.. لقد أشتاق لها وسيفعل كل ما تريده! أيًا كان ما تريده ولكنه لم يشعر بالإحتياج لشيء في طوال حياته السوداء مثلما يشعر بحاجته لها! 

كل تلك الخمر لم تعد تهون من آلامه، والخمس عاهرات التي حاول أن يحظى بليلة معهن فشل معهن فشل ذريع بإخباره اياهن أن يذهبن ويغادرن.. منذ تلك القبلة وتلك الصرخات وهي تُخبره بأن يبتعد عنها لم يعد شيء يبدو كالسابق أبدًا..

ما الذي عليه فعله أكثر من ذلك؟ كيف يُصلح الأمر؟ لقد حاول كثيرًا.. لقد فعل كل شيء.. ولكنه فقط لا يستطيع مواجهة الرفض من إمرأة مجددًا.. الحل الوحيد الصائب الذي يستطيع فعله يفر منه كالجبان!! 

ليوناردو بينسوليو.. رجل الأعمال.. العضو المُقرب إلي الكابو لا يستطيع أن يحظى بإمرأة بعد محاولات شهر بأكملها لأنه جبان.. الرجل المشهور بطريقة عذابه لضحاياه الفريدة من نوعها لا يستطيع أن يُصلح ما أفسده مع إمرأة يُريدها بشدة لأنه ببساطة لا يملك شجاعة الإعتراف لإمرأة بحبه!! جيد للغاية.. 

شهاب الدمنهوري.. رجل الأعمال.. ذلك الحاصل على اسمه محفورًا على تصميمات عدة بهذه البلد وبلاد أخرى ولاقى عليها جوائز وتصفيق حاد لا يستطيع أن يُصمم تصميمًا مُبهرًا ليحصل على تلك المرأة لأنه ببساطة لن يكتمل التصميم سوى بإعترافه أنه يعشقها وهو بمنتهى البساطة لا يستطيع فعلها.. لا يملك الشجاعة لأنه جبان!! 

قذف تلك الكوب الممسك بها أرضًا لتتهشم، لقد نفذت من الخمر التي لم تعد تُسكن من جوارحه ولا آلامه أي شيء ولم تعد كافية كي يشعر بالثمالة.. نهض وهو ينظر حوله وانهمرت احدى دموعه في غلٍ وبدأ في تحطيم كل ما وقعت عينيه عليه.. لماذا لا يملك من يساعده؟ لن يذهب إلي اخوته.. خاصةً تلك الـ "هبة" صعبة المراس مثل صديقتها.. أي احد حولها لن يتعاطف معه ببساطة لأن الجميع يعشقوها مثله وإذا نما إلي علمهم ما فعله بها سيقف الجميع ضده.. 

ولو أذى أيًا مما تكترث لهم ستكرهه أكثر.. هو فقط يريد عشقها.. لقد أخبرها أنه نادم بتلك الرسائل ولن يُكررها.. لقد قاربت على اعترافها بعشقها إليه ولكن لماذا تلك المرأة ذات الحدقتان مجهولتان الهوية صلدة المراس هكذا؟

لن يعترف.. لا يستطيع فعلها.. خاصةً الآن.. لأنها ببساطة سترفضه.. سترفض وغدًا مغتصب.. سترفض وغدًا قاتلًا يحرق ضحاياه.. وسيرفض الجميع مساعدته لأنه لم يكن جيدًا معهم من الأساس.. لأول مرة يريد شيئًا بشدة ولا يستطيع الحصول عليه لأنه وغدًا جبانًا وحيدًا مثل ما كان دائمًا.. 

كيف عليه إصلاح كل هذا؟ هو لا يملك أحد!! وحيد والجميع لا يكترثون له، والوحيدة التي اكترثت، الوحيدة التي تمنى منها العشق اعترفت بأنها تُكن له مشاعر ولكنه بمنتهى الغباء أفسد الأمر برُمته.. 

وحيد بذكاءه وأمواله وبكل حيله وخططه المنيعة وتلك الخطط البديلة ولا يستطيع التفكير في شيء سوى بالعنف والإجبار والتعذيب وكل من هذا لن تقبله هي وستتركه حتمًا لو حدث ذلك.. 

بكى في قهر.. ذكره هذا البُكاء بهذا الطفل الذليل لعناق والدته منذ سبعة وعشرون عامًا عندما غادرت المنزل.. لو كان فقط يستطيع البكاء بعناقها الآن لكان فعلها ولكنه لا يستطيع الإقتراب من احد سواها هي.. عناق والدته لن يكون كمثل عناقها له وهو محموم!! وهو كالغبي أضاع ذلك العناق وفرط به! أين كان عقله وذكاءه وخططه وقتها وهو يُقبلها ويقيد يديها؟! هب بوجهها كعاصفة ليأخذ في طريقه كل ما واجهه ولكنه لم يدرك وقتها أنه بفعلته سيواجه إعصارًا مميت! 

توقف عن البُكاء وهو يلمح هاتفه.. قد تُفيد خططه وذكاءه.. ولن ترفض هي أبدًا أن تساعده.. لطالما فعلت ولطالما فعل هو الآخر.. جذبه مُسرعًا وهو يعلم أنها الوحيدة التي لن ترفض له أي معروف وانتظر اجابتها ليستمع هو لنبرتها الحماسية دائمًا:

- تشاو ليو!! مكالمتان في اقل من شهران.. أحدهم مشتاق لي أم ماذا!!

زفر في إرهاق ليُحدثها هامسًا في توسل:

- أظن أنني في حاجة لمعروف آخر..

     

#يُتبع . . .

ملحوظة : الفصل القادم بتاريخ 20 ديسمبر ولو تم الإنتهاء قبلها من الفصل القادم سيتم نشره مبكرًا

ملحوظة : هناك مناقشة في احداث الرواية يوم السبت القادم بتاريخ 19 ديسمبر في جروب الفيسبوك الخاص بي في تمام التاسعة مساءًا