الفصل التاسع والخمسون - شهاب قاتم
الفصل التاسع والخمسون
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
من : (لعبة أمل حياتي)
معقول؟ هو الأمل ممكن يكون لعبة؟
آه طبعًا.. كل حاجة ممكن تكون لعبة.. لما تتعمل في غير مكانها.. وفي غير وقتها..
الأمل شيء جميل ومطلوب ومهم .. الأمل بيهدي من وطأة الأيام.. ويخفف من حدة الليالي.. الأمل بيبعث على الحياة.. بس لما يكون في توقيته وموضعه..
لما يكون عندك أمل إن زميلتك في الجامعة تعجب بيك وتحبك.. غير لما يكون عندك أمل إن سكارليت جوهانسون تتصل بيك دلوقت علشان تتعرف عليك.. إنت تستاهل طبعًا ما قلناش حاجة.. بس ده مش هيحصل!!
الأمل لا يعني الإنفصال عن الواقع.. ولا يعني رفع قدميك بعيدًا عن الأرض.. والتحليق في السماء بلا أجنحة.. لأنه ساعتها مايبقاش أمل.. يبقى وهم.. يبقى هراء.. يبقى لعبة نفسية بالغة التعقيد.. لا تنتهي إلا بإحباط بالغ.. وشعور عارم بالعجز..
من أصعب الأمثلة اللي شفت فيها اللعبة دي، هي الفتاة المرتبطة بشخص سيكوباثي (مؤذي جدًا)..
هي بتدوق المر حرفيًا كل يوم.. وبتتعذب بكل أصناف العذاب النفسي والبدني بلا إنقطاع.. مرة يتلاعب بمشاعرها.. مرة يوحي لها بصفات سيئة وغير حقيقية عن نفسها (وهي تصدقها).. مرة يحسسها بالذنب علشان يملكها.. مرة يقلل من شأنها علشان يسيطر عليها.. مرة يبكي ويبوس ايديها ورجليها علشان يصعب عليها ويخليها تتعاطف معاه.. ومرات يهددها بالهجر والإنفصال.. وأحيانًا بالقتل والإنتحار.
تيجي هي رغم كل ده.. يبقى عندها أمل فيه.. وتبقى مستنية إنه يتغير.. ويتحسن.. ويتصلح حاله.. وهو ما لم يحدث في التاريخ من قبل .. ولن يحدث أبدًا.
السيكوباثي علاجه هو استئصاله من المجتمع.. وحجزه في قسم نفسي بمؤسسة خاصة بتأهيل المجرمين.. فقط.. ولا غير.
تيجي صاحبتنا المسكينة بقى، وتقول لك ده هيتغير.. أنا عندي أمل.. أنا هاقف جنبه وأساعده.. أنا معاه للآخر.. مش أنت يا دكتور قلت إن ممكن علاقة واحدة بس في حياة البني آدم تشفيه وتعالجه وتغيره؟
آه يا ستي قلت.. بس جيت عند ده بالذات، وقلت :
"يا إما تاخديه على الدكتور النفسي فورًا.. أو .. مش هاقول لك خدي ديلك في سنانك واجري.. لأ .. سيبي ديلك.. واجري بكل سرعتك".
واللي انتي متعرفيهوش.. إن الدكتور النفسي مش هيعرف يعالجه.. وكلكم هتصابوا بالإحباط..
من : (لعبة مين هيمسك الكنترول)
الستات اضطرت إنها تبتكر وتطور لنفسها عدد هائل من الألعاب النفسية، لمجرد العيش بسلام في هذا المجتمع العظيم.
بيوحوا للرجالة إن الكنترول في ايديهم.. في حين إنهم بيحركوهم زي الماريونت..
والأتنين في الآخر ضحايا!!
العلاقات مش خناقة..
مش صراع..
مش حرب.
سيبوا الكنترول..
وامسكوا إيد بعض!!!
(مقتطفات من كتاب : لأ بطعم الفلامنكو .. د. محمد طه)
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
شعور هائل من الراحة سرى مجرى الدماء بعروقها عندما تخلصت من كل تلك الطاقة السلبية التي عكستها في تلك الصفعة لتزفر نفس طويل يعج ببعض الآلم الذي غادرها للتو.. ولكنها لم تكن تعلم كيف تبدو ملامحها له!
أتظن أنها بهذه الصفعة انتصرت؟ أتظن أنها ترد له ما فعله بها؟ أتظن أنه سيتقبلها هكذا دون هوادة ولا ردة فعل؟ يا لها من ساذجة..
رجل مؤذي مثله، رجل يشعر بالإنتشاء والراحة عندما يُسبب الآلم والإنكسار والإهانة لمن أمامه، رجل بشهب روحه القاتمة، لن تتقبل إلا أن ترى كل نفس خلقها الله تتعذب بأي طريقة..
يقتات على إستنزاف وإذهاق روح من أمامه كي يستطيع أن يستمر في هذه الحياة.. كأن الإيذاء في حد ذاته مثل الهواء الذي يتنفسه ليستطيع أن يُكمل حياته..
ولن يتركها أبدًا دون رد اعتبار، وببساطة، إيذاء تام كامل بالغ القسوة كي يستطيع الإستمرار معها بالأيام المُقبلة!
حدق بعينيها بنظرة قاتلة مُرعبة، بدا وقتها كأحدى المجرمين، لا؛ بل لنصوغها بأنه هو مجرم قاتل.. وعلى هذه الصيغة سيكون أسوأ من قابلت بالمجرمين بحياتها بأكملها!
حدقته هي الأخرى في احتقار غاضب ولم تكترث لتلك النظرات من عينيه ووقفت في ثبات هائل ولم تهتز أو حتى تعود للوراء ليبتسم لها ابتسامة مُريعة بالسابق فقط يُمكن أنها كانت ستخيقها مثل تلك الإبتسامة ولكن بعد كل ما مرا به سويًا لم تعد تهابه لأنها تعلم جيدًا أن في طيات هذا الكائن المرعب طفل آخر خائر القوى.. جبان!!
أقترب أكثر منها ثم تكلم بصوت كفحيح الأفعى هازئًا:
- انتي بتمدي ايدك عليا! فاكراني ماهر ولا إيه!
ابتسمت نصف ابتسامة في شجاعة ثم رمقته بمقلتيه في جسارة وردت هازئة هي الأخرى:
- لا طبعًا.. ماهر كان محترم واحسن منك! مفيش مقارنة!
همهم في هدوء لا نهائي وهز رأسه في تفهم وهو يفرك أسفل فمه في غيظ من تلك الكلمات التي استمع لها وسلط نظرة ثابتة متجمدة علي وجهها ليباغتها بلكمة قوية في وجهها بالقرب من عينها!
بالرغم من ذلك الآلم، القهر، ألوان الطيف السبعة التى رآتها حاولت الصمود أمامه وانهمرت احدى دموعها في قهر مما يحدث بينهما وشعر هو بتراجع بداخله من تلك القوة التي ظهرت عليها ولم يكن منه سوى أنه بالغ في عنفه كردة فعل علها ترتدع!
أجبر جسدها على الإستدار وهو يُمسك بحجابها يجذبه قاصدًا أن يجعلها تشعر بالإختناق فشعر بإنعكاس التفاتتها ورغبتها في رد الصاع له، هي تتعارك إذن معه وتحاول التغلب عليه.. جيد للغاية.. لتبدأ الحرب إذن..
حاولت التخلص من ذلك الإختناق حول عنقها وفي نفس الوقت حاولت الإلتفات لركله بينما ابتعد هو بجسده بحركة حاذقة وشد أكثر الوشاح حول عنقها ليصيبها بمزيد من الإختناق ليُجبر يداها على الإستسلام والإرتفاع حتى تخلص نفسها من الوشاح وتحاول إبعاده كي يُصبح مُسلطًا تركيزه على ساقيها فحسب!
جذبها بشدة من ذلك الوشاح وأصابها ببراعة بإختلال وزن جسدها ولا يزال مُحكمًا حركاته بخنقها حتى اقترب منه بجسدها وركلها في صلابة شديدة بمنتصف ساقيها من الخلف حتى أجبر جسدها على الركوع أرضًا..
دفعها بقوة شديدة لتقابل بوجهها الأرضية وترك وشاحها بعد أن هيمن بحنكة على عدم تحرك جسدها وهي تحاول الإفلات منه تارة وإمرار بعض الهواء تارة لرئيتيها ثم جذب ذلك الوشاح ليخلصها منه بينما عقده حول يديها في قسوة شديدة لدرجة أنه شعرت أن يداها على وشك الإنقطاع!
جذب شعرها في عنف لتشعر بأنه يُقتلع من جذوره لتبكي في مرارة ولكن دون الصياح ليهمس بأذنها لاهثًا في عنوة غضبه وشعوره بالنشوة لإذلالها بهذه الطريقة:
- بقى ماهر احسن مني.. ابقي خليه يحوشني من عليكي..
انهمر المزيد من دموعها وهي تشعر بتلك الإهانة المُكيلة إليها وبالرغم من محاولاتها للإفلات إلا أن قوته بصحبة تلك الأوجاع والقهر تغلبا عليها لتجده يجبر تلك الملابس التي تستر منتصفها الأسفل على الإنخفاض وحرر هو الآخر رجولته ليشرع في اغتصابها بطريقة مهينة ومخزية..
أوصد عيناه في لك الإستمتاع المرضي الذي لم يشعر به منذ كثير وكثير من الوقت، متى كانت آخر مرة؟ أشهر قاربت على عام بأكمله؟
أن يتملك إمرأة اسفله، مُهانة، مسلوبة القوى، دون مشاعر ولا أي تقبل منها لما يفعله.. هذه ذروة شهوته واستمتاعه بالأمر، أن يؤلم المرأة بهذا الأسلوب وهي لا تقبله، وهي تحاول أن تهرب وتتفلت من كثرة تألمها، هو حتى لم يبالغ بآلم جسدي.. بل آلمها النفسي كان أكثر بمراحل..
تمامًا مثل أول مرة في حياته، "غادة" فعلت فعلتها وأجبرها وقتها، والآن الأمر امتع وأكثر إنعاشًا لشهوته المرضية بالأذى!! بل حتى الأمر ألذ، أن يتملكها مجبرة ومُرغمة ومقيدة تتجرع المرارة والآسى كان كمهدئ سريع المفعول لا يُضاهى لتلك الكذبة التي كذبتها عليه.. ما يفعله بها في هذه الحظة وهو يخترق ذلك العشق الزائف بدفعات مؤلمة من انتقام ظالم كان كدواء لتلك الجروح بداخله!
عاد لسابق عهده، التعرق الشديد، بعض الكلمات تدفع لسانه دون إرادة منه ليتمتم بها في اذنها وهو يقتلع شعرها في تلذذ بتواجد تلك الخصلة التي افترقت عن رأسها بين أصابعه:
- ماهر احسن.. فينه؟ فين اللي خلاكي تكدبي عليا؟ حد فيهم يقدر يساعدك دلوقتي وانتي زيك زي اي واحدة شـ**** تحت مني!
هسيس كلماته بصحبة أنفاسه اللاهثة لم تستطع خلالها تكوين جملة واحدة منها كي تُفسرها أن تعطي لها معنى مفيد، أمّا عن ذلك القهر والإكراه الذي لم بحواسها وغُلبة تلك الإهانة وشعور الإغتصاب نفسه تركها تتجرع مرارة كالعلقم بحنجرتها لتُصبح كشبح روح بين يداه!
اندفع لسانه من جديد بكلمات لم تفهمها وهو يتلعثم قائلًا اياها وهو يُزيد من دفعاته القاسية التي جعلتها تصرخ من شدة الآلم:
- أنا هموتك بالبطيء على اللي عملتيه فيا.. مش هاسيبك يا فيروز غير بطلوع روحي!
ارتجف متآوهًا بصوت عالي لتشعر بالتقزز الشديد مما يحدث لها وكل ما سيطر عليها أنها مثل الوعاء القذر له وهو يدفع بشهوته في اعماقها وقطرات تعرقه تتساقط على عنقها وانتفاضة حباله الصوتية بهسيسه الرجولي يقع على مسامعها لتهيمن عليها حالة من النفور والإشمئزاز لتندفع رغمًا عنها ودون تحكم منها للإستسلام للغثيان الذي لم بسائر حواسها وتقيأت في رجفة لا إرادية هيمنت على جسدها!
التقط أنفاسه بعد أن وصل للنهاية ليمرمغ يده في نفور بجبهتها وهو يتخلص من بقايا شعرها بين أصابعه وفك الوشاح من حول يداها ثم نهض وهو يهدأ من أنفاسه وتركها أرضًا ثم أغلق سحاب بنطاله وتوجه حتى أصبح أمامها وأصبح حذاءه في نفس مستوى وجهها ليصيح بها آمرًا:
- لما تبقي تنضفي من قرفك ده تقومي تحضري الشنط علشان مسافرين بكرة!
بالكاد استطاعت أن تدفع بيدها الأرض أسفلها ولملمت ملابسها عليها في إزدراء شديد ورفعت عينيها المليئتان بالدموع وملامحها التي للحظة واحدة استطاعت أن تهز كيانه ولكنه سريعًا سيطر على تلك المشاعر التي تجعله يندفع نحوها كالطفل الصغير لتُحدثه بلهاث بين أسنانها الملتحمة بنبرة باكية مصيحة:
- مفييش سفر ولا حياة معاك.. طلقني يا شهاب!!
نظر لها بإندهاش رافعًا حاجباه وارتسمت ابتسامة على شفتاه تصاعدت إلي أن أصبحت ضحكة عالية مُخلفة قهقهاته حوله وأقترب منها ليصفعها بشدة وجذبها من جديد من شعرها ليهمس بأذنها:
- أنا هندمك على الكلمة دي دلوقتي حالًا..
دفعها بقسوة إلي أن سقطت على الأرضية فوق بقايا القيء وأخرج هاتفها من حقيبتها ليأخذه ومن ثم أخرج هو هاتفه ونظراتهما الناريتان لا تفترقان وبعد لحظات شرع في الحديث:
- معلش بقى مشاغل وعارف إني مقصر معاك.. لو هتقل عليك بس.. فيه دكتور نفساني اسمه أحمد عبد الحي عيادته في مصر الجديدة وشغال دكتور في جامعة القاهرة..!! ثواني معاليك معلش استأذنك..
تريث لبرهة وكتم صوت الهاتف ثم نظر نحوها بإنتصار رافعًا احدى حاجباه في تحدي ثم همس لها:
- فضيحة في شغله واجبار على الإستقالة واخباره تلف البلد.. ولا تحبي ترقية وبابا يبقى مشهور وقدوة وشوية مثالية من بتوعك الحلوين.. معالي الوزير متعاون جدًا وما بينا جمايل كتيرة.. ولا أقفل واكلم كلوديا واخليها على ما أشربلي سيجارة تموته؟
ابتسم لها في تشفي ثم تابع ساخرًا:
- اختاري.. تحبي إيه؟ والدك برضو وانتي ادرى بالأنسب ليه! افضحه، اموته، ولا تسمعي الكلام وتحطي في بقك جزمة وتسكتي!
رمقته في جزع وقهر لتجهش بالبُكاء مما يفعله ليرد هو بدلًا منها:
- قولت برضو إنك شاطرة وهتسمعي الكلام!
التفت ليتركها خلفه على أرضية المرأب ودخل المنزل وهو يُكمل مكالمته لتشعر هي بالذل مما حدث لها وأقسمت بداخلها أن تؤلمه أضعاف ما فعل بها..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
انتحبت من جديد وهي تنظر له وتلك الأجهزة تلتف حوله وشعرت بالحزن يفتك بدمائها، لم تعد تتحمل أن تراه كالجثة الهامدة أمامها بكل تلك الأيام، لم تعد تستطيع مواصلة الحياة من دونه!
لماذا يحدث لهم كل ذلك؟ لماذا يصل الأمر لأن تفقده كل تلك الأيام؟ تريد فقط إجابة واحدة تُخبرها بمتى سيستيقظ، متى سيحدثها من جديد، متى ستستطيع الإستماع لنبرته وهو يُخبرها أن كل شيء سيكون على ما يُرام!!
شعرت من جديد بذلك الدوار الذي يتحكم بها كل عدة أيام ولم تشعر بتواجد خالها الذي دلف منذ دقائق ولم تر تلك النظرة المُشفقة في عينيه على حالها وعلى حال ابنه..
أقترب منها وهو يُربت على شعرها وحدثها بصوت خافت غابت عنه الحياة:
- زينة يا حبيبتي علشان خاطري قومي روحي وكلي وتعالي تاني.. أنا هاجيبك بنفسي
رفعت نظرها إليه وأجهشت ببكاء مزق روحها ونهضت تتجه نحوه وهي تصيح به في توسل:
- مش هسيبه يا خالو.. هو ليه مبيصحاش.. هو ليه محدش عايز يقولي هيصحى امتى.. ربنا يخليك يا خالو ننقله برا في أي مستشفى احسن.. أكيد هيصحى لو نقلناه مش كده؟ هو ليه محدش بيول حاجة.. ليه كده كلكم ساكتين؟
نظر إليها في حزن ثم عانقها لتصيح أكثر ببكاها وربت عليها وانتظر إلي أن هدأ بُكائها قليلًا ليحاول معها من جديد:
- حبيبتي هو هيفوق بس الحوادث من النوع ده بتاخد وقت سواء هنا في مصر أو برا الاتنين واحد.. علشان خاطر ابنكو وعلشان يوم ما يفوق ميضايقش لو لا قدر الله حاجة حصلتلك انتي او البيبي.. تعالي بس ريحي في البيت شوية وكلي كويس وبعدين تعالي اقعدي جنبه..
رفعت رأسها إليه وتلك الدموع لا تتوقف عن الإنهمار من زرقاويتيها لتُمزق ملامحها قلبه وهمست بين نحيبها:
- مش هاقدر اسيبه يا خالو.. هاعمل كل حاجة بس وأنا معاه هنا.. ربنا يخليك حاول مع الدكتور تاني يمكن يعملوا حاجة تخليه يفوق..
أومأ لها في تفهم وهو بالكاد استطاع ابتلاع تلك الغصة المليئة بالدموع ثم همس بصعوبة:
- حاضر هاروح للدكتور اتكلم معاه وسيدرا جابالك اكل وهدوم علشان تغيري وتاكلي.. بس على ما ارجع الاقيكي بتاكلي.. اتفقنا؟
أومأت له وحاولت تجفيف دموعها ولكنها لم تتوقف ليتركها وهو يلتفت بأعين مكتظة بالدموع التي حالت دون رؤيته وتوجه إلي الخارج ولم يستطع الصمود أكثر من هذا بين رؤية "سليم" كالجسد بلا روح وبين رؤية حُزن "زينة" وحالتها المُريعة وبين كل ما يحدث من مصائب للعائلة بأكملها في عملهم ليستند في وهن على ذلك الجدار فرآته "نورسين" التي آتت للتو من الغرفة التي يمكث بها "إياد" و "شاهندة" وهتفت في لهفة:
- مالك يا بدر.. حصل إيه؟ سليم كويس؟
نظر إليها في إنكسار واجابها في صوت مهزوز بإرتجافة عكست هشيم روحه التي لم تعد تتحمل:
- مبقتش قادر استحمل كل ده يا نورسين خلاص
عانقته وهي تربت عليه في حزن لم يعد للجميع سواه وحاولت أن تهدأ من بكائه الذي لم يستطع أن يُسيطر عليه وشعرت بالرعب من ردة فعله عندما سيخبره الجميع بأن ما يقارب من سبعين بالمائة من مشروعاتهم في فرع الولايات المتحدة قد ذهبت لمنافسين آخرين!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
الحادية عشرة والنصف مساءًا..
رمق هاتفه عندما أصدر اهتزازًا ووجد اسم "كلوديا" يبزغ مُعلنًا عن مكالمة منها ليُجيبها في تلقائية:
- هل تم كل شيء؟
همهمت له بالموافقة واجابته بإيطالية مُتقنة:
- وهل هناك شيئًا لا تُنهيه كلوديا؟ لقد تم سحب المشروعات مثل ما اتفقنا.. ولكن ما الذي فعلوه ليستحقوا كل ذلك؟
تناول نفسًا مطولًا م زفره على مُكث ليجيبها هامسًا:
- سأخبركِ لاحقا.. على كلٍ سأسافر غدًا وسأكون بأولى ساعات الصباح الأولى بمنزلي في كاتانيا.. بضع أيام فقط وسأخبرك بكل شيء..
حمحمت فجأة لتسأله:
- هل حقًا لا تمارس الجنس سوى مع زوجتك؟
ضحك في خفوت وتجاهل سؤالها ثم حدثها في جدية:
- هل لا زلتِ مصممة على أمر فرانك؟
زفرت في حنق ثم اجابته في انفعال:
- هذا الحقير مجرد معرفة أنه يتنفس في نفس العالم الذي نعيش به تجعلني أود قتله خمسة آلاف مرة أو الإنتحار.. ولست أنا من ينتحر ليو! لا أدري لماذا يصمم كارلو على كل شيء يقوله ذلك الحقير وكأننا تلاميذ في مدرسة..
همهم في جدية ليرد معقبًا:
- سنرى ما الذي يُمكننا فعله.. دعيني الآن سأذهب للنوم وانتظري مني مكالمة في غضون أيام..
ردت بتلقائية لتقول:
- حسنًا.. اذهب للخرقاء وسأنتظرك.. لا تتأخر ليو!
أنهى مكالمته ثم توجه للأعلى وتشتت عقله بين التفكير في كل ما حدث بينه وبين "فيروز" وبين تفكيره في مساعدة "كلوديا" الذي تود التخلص من واحدًا من أعتى الرجال!! الأمر نفسه يُقلقه..
دخل غرفتهما وعلم أنها لا تزال مغلقة على نفسها بالحمام.. لم يرها وهي جالسة على الأرضية الباردة عارية دون إكتراث.. لم تستطع أن توقف تلك الشهقات التي انعكست بسبب بكائها الذي مزق حلقها.. هي فقط تبحث عن سبب واحد لكل ما حدث بينهما.. منذ ساعات.. ساعات قليلة فقط كانا بأحسن حال.. ما الذي بدر عليهما حتى تتحول تلك السعادة الهائلة إلي بؤرة من موت!
وقف مستندًا على الجدار المجاور لباب الحمام وهو يستمع إلي شهقاتها المتوالية ونحيبها الهامس الذي تفلت من خلف ذلك الباب..
منكباه منحنيان، يبتلع غصة بين الحين والآخر كلما دفعته للبكاء وهو يحاول أن يُسيطر على ذلك الضوء الخافت الذي يحارب ليبزغ بين طيات قتامته..
نظرتها إليه، قهرها الشديد، خذلانها الذي صرخت به تقاسيم وجهها الملائكي الذي يعشقه.. كل ذلك يبتره إلي أشلاء.. لا يريد فعل ذلك بها.. لم يكن يريد كل ذلك!
ولكن هي من بدأت.. لو كانت فقط ليست بكاذبة، لو كانت ليس لها علاقة بهذا الخرف وعائلته، لكان كل شيء أفضل.. لم يكن ليفعل بها ذلك..
أجهشت فجأة ببكاء بعثره وأجبر ذلك البصيص بداخله على أن يدفع احدى دموعه للإنهمار على ما يحدث لها بسببه ولكنه جفف وجهه في قسوة وآتى صوته ليفيقه من تلك المشاعر ويفيقها من حالة الإنهزام والإنكسار التي تلازمها منذ ساعات!
صاح بها في قسوة بعد أن طرق على الباب في همجية:
- لما تبقي تبطلي نكدك وقرفك ده ابقي حضري الشنط واتخمدي!
توجه وهو يمنع نفسه بصعوبة على كسر ذلك الباب الذي يحول بينهما ليعانقها وهو يبكي مخبرًا اياها أنه لن يفعل ذلك بها مجددًا وأنه قد تشتت في خضم لحظة من أفكار مجنونة سيطرت عليه وقتها ولكنه ابتعد عن الغرفة بأكملها مغادرًا يخطو على تلك المشاعر التي تصرخ به في ثقة وقسوة .. لأنه بطيات قتامته يعلم أنه سيفعلها مجددًا..
بالرغم من كل ما تشاركاه ولكنه ليس كفيلًا بأن ينسى أنها كاذبة.. العشق الذي بينهما ليس بكافيًا أبدًا وليس بمبرر أن يُسامحها على ما فعلته به لأشهر!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
الثاني من مارس عام 2020..
الواحدة صباحًا..
من جديد وقفت أسفل المياة الساخنة وهي تعنف نفسها وتقسو على جسدها وهي تمرر يدها في خشونة على كل أنملة به عساها أن تشعر بالطهارة من ذلك الدنس الذي أصابها بفعل لمساته القذرة الكريهة.. لا تظن أنها تستطيع نسيان ما حدث ولو بعد سنوات!!
تذكرت ذبذبات صوته الكريهة، تلك الهمسات التي لم تفهم منها شيء، تعرقه الذي لامس جسدها وهو يسقط عليه وهو يندفع بداخلها، خناجر من خذلان تطعن بروحها دون هوادة ولا رحمة.. لتتركها في نشيج ينتهي بعويل لا نهائي وحالة كراهية لنفسها أنها وافقت يومًا ما ووقعت في براثن هذا الكاذب الحقير الذي ظنت أنه يعشقها مثل ما تعشقه هي..
ولكن لا.. لن تقبل بهشيم روحها وضعفها واستكانتها.. لن تقبل بهذا الفشل.. الثاني من مارس.. لم يمر سوى ثماني أيام على زواجهما .. وها هو يبادر بتصرفات مرضه!! لتريه كيف يكون الإنسان مريض..
أيريدها أن تحضر الحقائب.. جيد .. ستفعلها.. ولكنها لن تمتثل أوامره فحسب.. هي فقط ستريه أنه لو بادر بالأذى ستصفعه بأذى أشد وهي التي تعلم عنه كل شيء في الحياة..
توجهت لتقف أمام المرآة لتنظر لتلك الهالات أسفل عينيها من شدة لكمته لها التي خلفت آثار بنفسجية اللون مصحوبة بالزُرقة ورمقت نفسها في كراهية واحتقار لنفسها لتتذكر كيف اقتلع شعرها.. ليقتلعه جيدًا في المرة القادمة.. لو استطاع..
أمسكت بالمقص وأخذت تقص شعرها الطويل في موجة من بكاء جارف سيطر عليها ولكنها حاولت محاربته قدر استطاعتها بقوة مزقتها آلمًا وأخذت روحها لتحلق بها بين تلك الأفكار التي تُفكر بها..
أحيانًا لا يكون أمام المرأة سوى استعادة كرامتها بأي طريقة كانت، بالعنف، القسوة، البكاء، الإنتحار، أو الذكاء.. وهذا ما ستفعله.. ستنغمس معه في تلك اللُعبة بطريقته هو وليريها إذن من منهما أفضل في هذا الأذى المهشم للروح..
شعرت بخصلات شعرها ترتمي أرضًا ليسقط معها خوفها وشعورها بالفشل الذي سيطر عليها، صوت النصلين وهو يبتر شعرها يُشبه صوته وهو يعتدي عليها مُكرهًا اياها أسفله، احتدت حركات يديها وهي تحاول بسرعة أن تتخلص من احدى أسباب سيطرته عليها.. أليست تلك الخصلات اللعينة هي سبب آلمها منذ ساعات عندما اقتلعه بين أصابعه القذرة؟
انتابتها حالة هيستيرية وهي تتخلص من تلك الخصلات في عنف وكأنما تتخلص من آلمها ولكنها في نفس الوقت توالت دموعها في حرقة من بين جفونها كشلالات من نيران حرقت روحها..
من جديد توجهت أسفل المياة ودلكت رأسها وجسدها في صلابة وهي تتخلص من آثار الشعر المتبقية على جسدها وبأعجوبة تخلصت من ذلك البكاء الهيستيري الذي تملكها وهي تراجع برأسها تلك الخطة التي اعدتها له!!
انتهت لتحاوط جسدها بإحدى المناشف ولم تتفقد حتى كيف بدا شعرها الذي قصرته للغاية وتوجهت لخارج الحمام في غضب ووقعت عينيها على السرير فوجدته فارغ لتتقزز ملامحها وتوجهت على الفور لغرفة الملابس لتبحث في متعلقاتها التي أحضرتها من منزل والدها عن تلك الحقن المهدئة التي كانوا يعاجلوها بها بعد أن تنتابها حالة من بكاء هيستيري عندما فقدت كلًا من زوجها ومن جنينها..
حتى ولو كانت انتهت صلاحيتها وفسدت، ولو كانت ستصيبه بأقظع الأمراض.. لن يخسر أكثر مما خسرته هي منذ ساعات عندما سلب منها تلك المشاعر وهو يُرغمها على علاقة جسدية مريضة وانتهاك لعشقها الذي عشقته به..
وجدتها لتتناول نفسًا مطولًا في انتصار وعقدت قبضتها عليها في غل ثم بسرعة ارتدت سروالًا رياضيًا ثقيلًا عله يُحمي جسدها عنه وقميصًا قطنيًا يُغطيها لا يُظهر سوى رأسها وبعضًا من عنقها وفوقه سُترة مماثلة لذلك البنطال وأغلقت سحابه ثم أسدلت غطاء رأسه فوق رأسها.. هي فقط لا تود أن يظهر منها سوى عينيها عندما تنظر له بتشفي وانتصار..
عبئت تلك الحقنة ووضعتها بين قبضتها بداخل جيبيها وتوجهت لتبحث عنه بمنتهى الهدوء حافية القدمين كي لا يستمع لها فوجدته نائمًا بأحدى الغرف تاركًا ضوءًا بجانبه لتبتسم في سخرية..
رمقته في إستهزاء.. قاتل ومغتصب يخف من الظُلمة.. روح قاتمة ترتعد من الحلكة.. يا له من ذليل جبان..
توجهت بمنتهى الهدوء وهي تتذكر كيف كانوا يسيطروا على تلك الحالات الهائجة بالمصحات وفي ثوانٍ قبل أن يلاحظ حتى توغلت إبرة المهدئ بجسده وساعدها نومه الثقيل الذي لطالما عانت منه في السابق وهي توقظه لتبتلع في تشفي عندما فتح عينيه في النهاية وهو يرمقها في تعجب وكاد أن يمنعها ويهاجمها ولكن قد فات آوان فعل أي شيء الآن!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
جلست في تلك الظُلمة الحالكة التي انبعثت في الغرفة وهي تتنفس أنفاس غاضبة وتمسك بتلك العصا في يدها وبيدها الأخرى سكينًا حادًا وانتظرت استيقاظه بفارغ الصبر ولم تغمض عينيها منذ ليلة أمس..
لقد أذاها هو فلتؤذيه هي الأخرى.. أتعلم ما الذي ستفعله به؟ هي فقط ستجعله يعيش حادثة إغتصابه مجددًا!!
لن تتوقف حتى تستمع لنشيجه قهرًا مثل ما فعل بها.. بفعل ذلك المُهدئ الذي سيجعله خائر القوى ستتحكم به تمامًا بعد أن قيدته مثل ما قيدها منذ قليل..
تلك الإهانة لن تتخلص منها إلا عندما تُصيبه بالمثل ولن تنتهي عن أفعالها به حتى يتوسلها أن تكف!
ابتلعت في مرارة وهي تتذكر تلك المرة، مرة من مرات عدة استطاع بها أن يكسب شفقتها وتعاطفها، بل وعشقها له..
"عارفة بعد لما سابتني.. أنا فضلوا يشتموني ويضربوني و.." تحشرج صوته وأجهش بالبكاء بطريقة جعلتها تشعر وكأنها تتحطم بالكامل وشعرت وكأنها على أتم استعداد أن تفعل ما لا يخطر على عقل بشر كي يتوقف وألا يستمر بتلك الطريقة
"بهدلوني.. أنا معملتش لحد حاجة.. انا مكنتش كده" همس ببكاء مرير لتضمه هي إليها أكثر وتربت على ظهره وشعرت بحرارة جسده الملتهبة كالجحيم التي انتقلت من نصفه العلوي العاري لجسدها لتحس هي الأخرى بتلك الحمى البشعة التي يواجهها!
"يوم الزلزال، يوم اتناشر، انا بكره الزلازل وبكره اليوم ده"
قاربت على الصراخ به أن يكف، لأول مرة لا تستطيع تحمل بكاء من أمامها، لم يشابه هذا الأمر احدى الحالات التي قامت بعلاجها ولا بإعترافات مسجون قد قتل بلا رحمة ثم تيقظ بعد فوات الأوان، الأمر كان أشبه بآلام تنتقل إلي قلبها مباشرة بقربهما الشديد هذا
"أنا والله ما ضايقت حد، بس.. بس.."
اهتز جسديهما معا من شدة نحيبه ورجفات جسده التي لا تتوقف من بكاءه المرير فحسمت أمرها بالتدخل الآن ليفاجئها هو بالمزيد صارخا بحرقة لم يصرخ بها أبدا بحياته بأكملها
"ليه اغتصبوني يومها؟ ليه عملوا فيا كده.. ليه يا فيروز ماما سابتني علشان يؤذوني كده؟ ماما هي السبب، اغتصبوني بسببها! بقيت عايش بالعقدة دي لغاية النهاردة.. ليه حصلي كده؟ ليه؟!"
انهمرت احدى دموعها في صمت تام وهي تشعر بإحتراق يتآكل وجهها أسفل مجرى الدموع لتجففها في قسوة كادت أن تجرح وجهها من شدتها وهي تتذكر أن هذا أول عناق جمعهما سويًا.. يا لها من ساذجة!!
نظرت إليه بدعم ولكن تعاطفها الشديد طغى عليها وهي تنظر لعينيه التي قاربت على ذرف الدموع وتابعته بعينيها وهو ينهض ليُمسك بسجائره بينما نهضت هي لتأخذ السجائر من يده سريعًا وهي تزجره بنبرة لا تحتمل النقاش:
- سجاير وأنت تعبان أنت بتهزر مش كده!!
زفر بحرقة وهو ينظر لها متفحصًا عينيها وخلل شعره ثم صرخ بآلم ليتحول حديثه بالنهاية ليصبح همسًا يسيطر عليه الإنكسار:
- أنا زهقت من الكلام.. أنا مش قادر اتكلم عن اللي حصلي.. مبقدرش!! مبقدرش اتكلم في الموضوع ده يا فيروز..
وضعت يدها على ذراعه في دعم وعفوية بينما نظرت له بعينيها بتوسل وقالت:
- عمرك ما هتقضي على الوجع اللي بتحس بيه ده غير لما تواجهه وتتكلم!! شهاب أيًا كان اللي هتقوله هيفضل ما بيننا.. عمر ما نظرتي ليك هتتغير.. جرب حتى!
تفقد عينيها لثوانٍ ولم يجد ما يقوله فمد يده ليجذب علبة السجائر منها لتنظر له في تعجب وتحذير وأعادت يدها خلفها ليُقترب هو منها أكثر وهو يحاول الوصول إلي يدها الممسكة بسجائره فمد يده نحو يدها المثنية خلفها بينما منعته هي ليصيح في النهاية بغضب:
- فيروز متنرفزنيش، هاتي السجاير!
أطلقت زفرة متهكمة وهي تنظر له بجرأة بداكنتيه ثم قالت بثبات:
- مش وأنت تعبان يا شهاب.. وبعدين احنا اتفقنا إننا هنتكلم في حاجات كتير النهاردة وأنت مش بتساعدني خالص على فكرة باللي أنت بتعمله ده..
زفر من جديد ثم اقترب إليها أكثر حتى كادت أن تنعدم بينهما المسافة وهو يتفحص عينيها بداكنتين شاردتين تمامًا بعسليتيها ثم تحدث بهدوء نافى غضبه منذ قليل وسألها:
- عايزة تعرفي إيه؟
تنهدت وهي تنظر إليه ولم تنزعج من اقترابه منها بل تابعت حديثهما وكأنها ليست تلك المرأة التي لا تسمح لرجل بالإقتراب منها بهذا الشكل وركزت كثيرًا في تغيرات ملامحه ثم قالت:
- عايزة أعرف اليوم اللي أنت مش عايز تتكلم عنه حصل فيه إيه.. أو كلمني عن غادة.. أو حياتك بعد ما خلصت الجامعة أنت عمرك ما كلمتني عنها..
بحث بنظرات مترددة داخل عينيها ثم ابتعد ليوليها ظهره ومرر أصابعه في شعره ثم آتى صوته خافتًا في آلم استطاعت لشعور به حتى من على تلك المسافة:
- اليوم ده قولتلك إني خلصت مدرسة، و..
مسح على وجهه وهو لا يظن أنه سيخبر احدًا بهذا الأمر ليتنحنح في محاولة لطرد تلك الصعوبة التي تُعقد لسانه بينما انتظرت هي في هدوء لتستمع إليه فعاد للتحدث من جديد قائلًا:
- أول يوم بعد ما الموضوع اتعرف قولتلك إني اتخانقت في المدرسة، تاني يوم كان فيه معايا اولاد في المدرسة، تقدري تقولي استحلفولي.. بعد ما خلصت لقيتهم اتجمعوا حواليا وخدوني مكان زي.. زي خرابة ومصنع أو مكان مهجور و..
عاد ليحمحم من جديد وابتلع تلك الغصة بحلقه وحاول أن يسيطر على أنفاسه المتسارعة ثم همس بآلم:
- اعتدوا عليا، ضرب، و..!!
سكت لبرهة وهو يحاول البحث عن كلمات حتى يصوغ ما تعرض له ليأتي صوته خافتًا مصاحب لبكاء جاهد أن يوقفه ولكن لم يستطع ليُكمل هامسًا:
- كان فيه واحد عامل فيها بلطجي المدرسة ابن راجل معلم عندنا في الحتة، مسك عصاية و..، اعتدى عليا بيها في نفس اللحظة اللي حصل فيها الزلزال سنة 92.. أظنك فهمتي كده اللي حصل!
أطلق زفرة وهو يمسح عينيه اللتان ذرفتا الدموع في تواتر لا ينقطع ولكنه التفت إليها لينظر لها بالنهاية وملامحه في ثوانٍ تحولت من ذلك الرجل المجروح المتألم لآخر يُشبه احدى المجرمين ونظر لها ببنيتين تبث الرعب في النفوس ليهمس بنبرة مقيتة:
- بس متقلقيش، أنا اخدت حقي منهم يوم ما ولعت فيهم ووقفت اتفرج عليهم!!
قست بشدة على تلك العصا الممسكة بها وحاولت ألا تتفلت شهقاتها ولكنه لم يترك لها حلًا آخر.. تتذكر معاناته وملامحه، تتذكر تعاطفها معه ووقوعها في عشقه.. ولكن ذلك العشق لم يكن كافيًا حتى يمنعها ويوقفها عن إيذاءه.. ستحرقه هي الأخرى بآلام ظن أنه لن يختبرها مجددًا..
دوامة انتقام.. انتقام تام يغرقهما بشدة لأعماق محيطًا من آلام.. لقد استخدم ذكاءه وهي الأخرى تستخدم ذكاءها.. كلاهما يؤلمان بعضهما البعض في حالة من همجية وحيوانية تامة لا تمت للإنسانية بصلة..
من بدأ؟ من سبب الآلم للآخر أكثر؟ من يؤذي من؟ دوامة عاصفة لا نهاية لها سوى بموت احدهما.. لن تستطيع اصلاحه ولو بلغ عشقهما منتهاه.. ولن يستطيع تعويض ما فعله وما سيفعله بها.. وتلك العلاقة المستنزفة للمشاعر لن تنتهي سوى بموت حتمي للآخر وترك واحد منهما بلا روح ولا حياة!
نزعتها المُسيطرة ومرضه المؤذي لن يستطيعا الإندثار بالعشق، لن يكفي في حالتهما، مع أول اختبار له ولها طغى عميان الأذى على عين كل منهما..
ما فعله بها انتهاك، وما ستفعله به انتهاك.. آلام لا ملجأ لها منها ولا ملاذ.. وآلام ستجعله في حالة من رعب شديد عانى منه سبعة وعشرون عامًا..
لقد كان بالثاني عشر من أكتوبر عام ألف تسعمائة واثنان وتسعون.. الساعة الثالثة.. وقت حدوث الزلالزال أليس كذلك؟ هواء بارد في جو خريفي كئيب.. لتستعيد كل ذلك!
توجهت للخارج وهي تحاول أن تتماسك بين تلك الدموع التي تهطل بلا إنقطاع على وجهها وهي تعلم أن كا ستفعله به سيؤلمه حد اللعنة ولكن لن تستطيع إلا أن تؤلمه كما فعل بها..
آتت بالجهاز اللوحي ليُصبح الجو أكثر برودة بعد أن عدلت من درجة حرارة المنزل بأكمله ثم توجهت لترتدي سُترة ثقيلة كي لا تشعر بالبرودة مثله وآتت بدلوًا وضعت به مياة مثلجة وقطع من الثلج ثم توجهت حيث الغرفة المٌقيد بها في الظلام القاتم!
أغلقت الباب خلفها كي لا ينبعث ولو بصيص ضوء إلي الغرفة حتى تُعذبه على أكمل وجه ثم ألقت بتلك المياة المُثلجة عليه ليشهق مستيقظًا في فزع ولكن مفعول ذلك المُهدئ الذي حقنته به تركه في حالة من عدم التركيز..
فتح عينيه ليجد نفسه في ظلام دامس فابتلع في قلق من إنعدام الضوء بالغرفة حوله ووجد نفسه في حالة إسترخاء غريبة عليه متوسدًا السرير أسفله على بطنه فحاول الإستدارة ليجد كلًا من يداه وساقاه مُقيدتان بشدة ولم يستطع التحرك لتنطبق أسنانه في غيظ وحاول استرجاع احداث ما تم أمس برأسه ليعلم أنها تظن أنها ستنتقم منه بتلك الطريقة على ما فعله معها..
ولكنه لا يعلم كيف ستكون وطأة انتقام إمرأة ذكية تعلم كل ماضيه!!
هتف مناديًا في خفوت:
- فيروز.. بطلي استهبال وفُكيني بدل ما اوريكي بجد أنا ممكن اعمل ايه!
امتعضت ملامحها في تقزز واحتقار شديدان لا تدري منه أم من فعلتها وتوجهت لتُمزق بنطاله بذلك السكين وألقته أرضًا ليخلف صوتًا جعل رجيف قلبه يتسارع في جنون وهي تتلمس تلك المنطقة وقبل أن يستطيع ان يحذرها أو يستقيظ من ذلك الرعب والرهبة التي تملكت كيانه شعر بتلمس عصا لخلفيته دون التوغل بها ليصرخ مستغيثًا في توسل شديد!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .
60 يوم الأحد الموافق 24 - 1 - 2021 الساعة التاسعة مساءًا على مدونة رواية وحكاية وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرين ساعة على الواتباد
61 يوم الثلاثاء الموافق 26 - 1 - 2021 الساعة التاسعة مساءًا على مدونة رواية وحكاية وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرين ساعة على الواتباد
62 يوم الخميس الموافق 28 - 1 - 2021 الساعة التاسعة مساءًا على مدونة رواية وحكاية وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرين ساعة على الواتباد
63 يوم الأحد الموافق 31 - 1 - 2021 الساعة التاسعة مساءًا على مدونة رواية وحكاية وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرين ساعة على الواتباد
في شهر اتنين هاخد اجازة هاخدلي كام يوم افصل فيهم علشان أنا مش إنسان آلي وربنا .. ووالله ما شايلة الأجزاء ولا بحتفظ بيها.. أنا بكتب وبنشر على طول.. بس لسه مش عارفة الاجازة هتكون امتى بالظبط..
دمتم بخير