-->

الفصل التاسع والستون - شهاب قاتم


 - الفصل التاسع والستون -

     

~ لستُ املك للأمر شيئاً ، ولست تملك شيئاً ، وهناك أوقات يكون فيها أي قرار سيئاً ، ويجب اختيار القرار الذي يجلب أقل مقدار من الندم

(أمين معلوف)

     

بعد مرور يوم..

مساء الرابع والعشرون من أبريل عام 2020..

ابتسم "بدر الدين" لكلاهما بإقتضاب وهو يتفقد وجه "فريدة" التي قد فرغ للتو من توقيع عقد زواجها كأحد الشهود ليشعر بالحسرة على ما يحدث لها وامتن كثيرًا لإمتلاكه عائلة كبيرة لو كانت ابنته في نفس موقفها لوجدت الكثير مما سيقومون بدور الشاهد على عقد الزواج وليس رجلًا غريب مثله على العائلة بأكملها.. 

تبادلا عبارات التهاني والمباركة في اقتضاب وترك "أسما" معها وتوجه لخارج المنزل الذي يمكث به "هاشم" ووالدته وهو يُفكر بأن "شهاب" هو الذي أخبر اخيه أن يجعله هو الشاهد على عقد زواجه.. من جديد هذا الرجل يجعله يشعر بالحيرة! 

فابنه يرى أنه من كان وراء كل تلك المُشكلات التي حدثت، في نفس الوقت يدعوه هو واخيه في اقل من ثلاث شهور للشهود على عقدي زواجهما، وأيضًا لو كان هو خلف كل تلك المشكلات التى وقعت بالعمل وهو من وراء حادثة "سليم" و "إياد".. لماذا قام بزيارته قبل سفره؟ ولو كان يريد أن يؤذي الجميع كيف في غضون أيام آتت كل تلك العقود الجديدة؟!

زفر في ضيق وهو يتوجه للخارج واتجه نحو "سليم" و إياد" اللذان يبدو أنهما غارقان في محادثة هامة للغاية ولم يستطع منع نفسه من أن يسترق السمع لحديثهما:

- عارف أنا اللي ضايقني إنك اعتبرتني غريب عنك.. كان ممكن تقولي يوم ما عرفت إنه لسه عايش وتحكيلي وتفهمني إيه اللي حصل.. انت عاملتني كإنك بتعامل طفل صغير مش هيعرف يتصرف أو واحد مش قريب منك!! واحنا المفروض اخوات يا سليم! 

رمقه في لوم ليشعر الآخر بالندم بينما تابع "بدر الدين" الإستماع لحديثهما وهو يشعر بتأنيب الضمير ببشاعة ليتحدث ابنه بصوت بالكاد يُسمع وقال:

- إياد انت اخويا.. ومكنتش عايز اخبي عليك.. بس ده بدر! انت عارف كويس إن لو الدنيا كلها شاورت عليه وقالوا إنه جاني عمري ما هصدقهم! 

أومأ له بإقتضاب وشرد امامه ليردف بنبرة منكسرة في تساؤل:

- تفتكر لو كان خالي سابه، كان ممكن في يوم يبقى إنسان كويس؟ أو تفتكر كان ممكن يقرب مني أنا واخواتي؟ 

التفت نحوه ليُضيف وهو ينظر له:

- تفتكر كنت هبصله في يوم زي ما انت ما بتبص لخالي؟!

نظر إليه في حيرة وهز كتفاه كإجابة منه على عدم المعرفة فأومأ "إياد" بإقتضاب شديد وعاد لينظر أمامه متنهدًا بحرقة ليتمتم بصعوبة كلمات تمنى أنها ستصلح من الأمر قليلًا:

- بص.. اللي مبيتعلمش من اللي بيحصل حواليه يبقى غبي.. ماما جالها كورونا، أهل فريدة ماتوا بين يوم وليلة، الحادثة اللي حصلتلنا.. حتى الشركة في ثواني كانت هتنهار وفي ثواني بقينا احسن بكتير، كل دي اسباب تخليني اشوف إن ممكن في ثانية نخسر بعض او حتى نخسر حياتنا.. وأنا معنديش استعداد افرط في اخويا وصاحبي وابن خالي بعد السنين دي كلها!

انفعل "بدر الدين" كثيرًا وقاربت عيناه على ذرف الدموع بما يراه أمامه عندما تعانقا اسفل نظره ليبتسم في مرارة وظل ناظرًا لهما وهو يشعر بالفرحة وفي نفس الوقت لا يزال يشعر بتأنيب ضميره له على ما فعله منذ سنوات واكتظت عيناه بعبرات لم تتوقف سوى بصوت "شاهندة" التي أخرجته من عزلته وافكاره:

- ايه يا بدور اللي موقفك لواحدك؟ 

التفت إليها لتقرأ الحزن بعينيه ولمحت تلك الدموع المكتومة بهما لتضيق ما بين حاجبيها في تعجب وقبل أن تسأله نظرت في نفس الإتجاه الذي كان شاردًا به لترى تواجد كلًا من "إياد" و "سليم" سويًا لتبتسم بإقتضاب شديد واعادت نظرها إليه وحدثته قائلة:

- متقلقش.. عمر ما إياد وسليم علاقتهم هتبوظ.. الموضوع كله إنهم كانوا محتاجين وقت مش اكتر.. وكلها كام يوم واضمنلك إن إياد هيرجع الشركة تاني ولا كأن فيه حاجة حصلت وهيبقوا سمنة على عسل!

عقد حاجباه في استفسار لتفهم تلك التساؤلات الجلية على ملامح اخيها واجابته حتى قبل أن ينطق بتساؤلاته وعقدت ذراعيها في تحفز وقالت:

- الدنيا واقفة يا بدر.. إياد وأسما كانوا هيعملوا شركة صغيرة.. بعد كل اللي بيحصل بسبب كورونا اللي عنده business لسه شغال بيمسك فيه ومبيسبهوش.. وأنا بنتي مش غبية وإياد ذكي في الشغل والاتنين أجلوا قرارهم خالص لغاية ما الدنيا تهدا ويا عالم هتهدا امتى.. 

ابتسمت بعذوبة ومصداقية وتابعت: 

- متقلقش يا بدر، أنت ربيت صح سواء سليم ولا إياد.. استحالة تعب السنين ده كله ميجيش بفايدة! وبعدين لو مكنتش أنت اللي مربي إياد كنت وافقت إنه يبقى جوز بنتي برضو؟!

تعجب بصوت خافت مهزوز يدل على وهنه الشديد:

- تفتكري؟

أومأت له بالموافقة بينما اقتربت منه وعانقته في اخوة وبعدها غيرت مجرى الحديث تمامًا:

- صعبانة عليا أوي فريدة.. يعني جوازها في ظروف زي دي، اختها بعيد عنها، اهلها ماتوا.. حاجة صعبة اوي.. 

أومأ لها بإقتضاب ثم حدثها في جدية هامسًا:

- ابقي اسألي عليها دايمًا يا شاهي.. البنت لسه صغيرة اوي وتقريبًا ملهاش حد غير اللي بيقولوا انه عمهم ده اللي اكتشفت انه قريبهم من بعيد أصلًا..

أومأت له وهي تتنهد وحدثته قائلة:

- متقلقش.. فريدة دي انتيمة أسما وبتعتبرها اختها.. زي بنتي بالظبط! ولغاية ما فيروز وجوزها يرجعوا هحاول على قد ما اقدر اسأل عليها وازورها بإستمرار..

بمجرد الإتيان على ذكر "شهاب" عاد "بدر الدين" للإرتياب والتشتت مرة أخرى في أمره وبداخله مالت كفة تصديق أنه تغير وبات رجل أفضل بعقله بالرغم من حديث "سليم" الذي لا يتوقف عن اأنه السبب في كل ما حدث لهم منذ شهران كلما صادف وتذكرا أمره!

     

السابع والعشرون من أبريل عام 2020..

يُدرك الآن بعد فوات الأوان أنه قد تغير وتغيرت حياته رأسًا على عقب بسببها هي، كما غيَّر هو الآخر بها وبحياتها كل ذرة لتصبح إمرأة أخرى تمامًا غير تلك التي رآها منذ ثماني شهور!.. 

للحظة شعر بقلبه قارب على التوقف عندما رآها مُلقاة أرضًا من عدة أيام.. مجرد فكرة موتها تجبره على الخوف والتراجع عن أي شيء في الحياة فقط ليراها أمامه حية تملك روحًا.. آمنة من جميع المخاطر .. ألا يرى أنه الوحيد الذي يعرضها للخطر الحقيقي؟! أم أنه أعطى نفسه الحق بأن يفعل كل ما يريده معها لأنه في النهاية واثقًا أنه يعشقها.. حتى ولو كان سيؤذيها؟!

في طيات هذا الظلام الذي يمكث به مرتقبًا أن تستيقظ في أي لحظة، لم يعد يشعر بالخوف مثل ما كان يفعل دائمًا.. لم يعد يخيفه أي أمر اعتاد أن يشعر بالذعر منه لطالما هي بجانبه ستصبح حياته القاتمة بأكملها أفضل.. أو ربما لن تصبح.. كل ما يهم أنها بجانبه وأمام عينيه!

حتى ولو كانت فاقدة لوعيها، أو مُخدرة، أنفاسها المنتظمة التي تلفظها في سكون لأيام تجعله يطمئن بأنها لا تزال على قيد الحياة.. لم تنتحر ولن يسمح لها أبدًا بأن تغادره.. حتى ولو كان بالموت..

اقترب نحو السرير الذي تتوسده، تحامل على تلك الآلام التي تفتك بذراعه بعد أن أطلقت عليه احدى الرصاصات يومها، ورغمًا عنها عانقها دون أن تشعر.. أغلق عينيه.. وتمنى لو استيقظت فاقدة لذاكرتها، يا ليتها تنسى كل ما مر بينهما كي يبدأ معها من جديد.. ولكن الأمر ليس بأمنية، وليس بحلم يقظة .. 

لقد ارتكب الكثير من الجرائم والفظائع بحقها، وكل ذرة دماء بعروقه تتيقن أنها لن تغفر ولن تسامح .. ولن ييأس هو أبدًا!! سيحاول من جديد!

 منذ تلك اللحظة التي تدخلت بها "كلوديا" لتوقفها عن التمادي وفقدانها لعقلها وهو يعيش حالة من تريث وهدوء يرعباه، يعلم أنه بعد أيام قليلة قد يغادر معها ولن يعود إلي هذه الحياة مرة أخرى وإمّا سيلاقي حتفه وقد لا يستطيع أن يحميها!! 

عليها أن تستيقظ، تُنهي ذلك الأمر السخيف معه، والبقية ستأتي بعدها.. أهم ما يريده الآن أن تكون على قيد الحياة وستأتي البقية لاحقًا عندما يغادرا إيطاليا سويًا دون رجعة!..

فتح عينيه، نظر لهالة جسدها في تلك الظلمة، أدرك فقدانه للكثير من الأوقات الحميمية معها، كما تيقن أن كل ما تمنى أن يحصل عليه معها قد بات بعيد المنال..

ضمها إليه أكثر واستنشق رائحة شعرها لتكون تلك الأنفاس بمثابة صفعة شديدة له من ذكريات شتى وسعادة حقيقية اضاعها بمنتهى الإستهتار في لحظة واحدة دون تفكير منه في عواقبها.. 

انسابا جفناه بتلقائية في انغلاق تام وكأنه يريد أن يأسر هذه الثواني للأبد وتنسم المزيد من شذاها الذي تتميز به عن أي إمرأة أخرى قد مسها قبلها ليستيقظ في النهاية على لوعة اشتياقه إياها وذكريات أولى أيام زواجهما بدأت في المرور أمام عينيه ليفتحهما في تأهب عندما استمع لآناتها التي أطلقتها كدلالة واضحة على بداية استيقاظها .. 

ابتعد مسرعًا وكتم واحدة من تأوهاته عندما تحرك ذراعه وهو يستند عليه كي يغادر السرير مسرعًا وارتقب أن يرى تعبيراتها عندما ينمو إلي علمها حقيقة أنه قام بتخدير جسدها لكل تلك الأيام الماضية وهو يحاول أن يجد حلًا في تلك المصائب التي تتساقط على رأسه دون هوادة! 

ابتلعت وهي تشعر بظمأ شديد وصداع برأسها، هل هذا لأنها كانت صائمة؟! أم لذلك الشيء الذي ارتطم برأسها؟ هل هكذا يشعر كل من قتل نفسه؟ تريد أن تتناول بعض المياة.. هل هذا هو القبر؟ يبدو دافئًا للغاية، لماذا يقول عنه الجميع أنه موحش؟ على الأقل هي لا تستمع إلي صوته الكريه الآن وهو يوقظها! 

ولكن مهلًا.. هي تشتم رائحته جيدًا.. أليس هذا عطره؟ هل آتى معها إلي القبر أم مات معها؟! لقد انتحرت بعد أن أطلقت عليه النار بذراعه ولكن هل ماتا سويًا؟! 

زفرت في ضيق وفتحت عينيها لترى سقفًا غريب عليها وصداع لعين تشعر به، هل يُصاب الأموات بوجع الرأس؟! أليس كافيًا كل تلك الآلام التي يشعر بها المرء في حياته؟ أعليه تحمل الآلام بقبره أيضًا؟! 

هذا اللعين جعلها تنتحر ولن يغفر الله لها! أو ربما سيغفر لها.. هل هذا وقت الحساب؟! 

استفاقت أكثر وهي تضيق زمرديتيها في بصيص ضوء قد انعكس لا تدري من أين وهي تحاول التعرف على هذا المكان الذي تتواجد به لتبدأ في النهوض جالسة لتجد أمامها وجهه من جديد لتُلقي برأسها للخلف في ضيق وغيظ ثم تحدثت في وهن:

- يا ريتني كنت موت نفسي وخلصت منك! والله بقيت بتمناها من ربنا كل يوم.. أموت وارتاح منك! 

تحاملت على هذا الوجع في رأسها وحاولت النهوض لتجد كلتا يداها مُقيدتان بالسرير لتبتسم في سخرية وتلاقت اعينهما لتسأله في استهزاء جلي:

- وخايف على نفسك لا أضربك تاني ولا خايف اهرب، ولا يمكن خايف من حاجة تانية أنا معرفهاش؟! 

رمقها في جدية دون أي تعابير على وجهه بلمحة سريعة ثم شرد في غير اتجاه وجهها وتجاهل سخريتها بينما شرع في إملاء أوامره بنبرة امتازت بالثبات الشديد:

- كارلو عازمنا احنا الاتنين على عيد ميلاده.. بعد عيد الميلاد هنسافر.. مش هنرجع ايطاليا تاني! كل ده هيخلص خلاص!

استمع لهمهماتها المستهزءة لتردف بإستخفاف:

- ويا ترى عازمك ليه؟! مش انت سبت كل ده خلاص؟ بعدت عنه من سنين؟ إيه اللي هيخلي زعيم العصابة عايزك!  

التوت شفتاها إلي ابتسامة جانبية تعج بالسخرية اللاذعة ومن ثم تقهقرت زمرديتاها في هذا الضياء الخافت لتبتعد عن ملامحه في اسرع وقت.. هي لم تعد تطيق النظر إلي تلك الملامح أمامها فوجهه لا يُذكرها سوى بخيبتها وفشلها اللانهائي وسذاجتها معه في اختيارها له وموافقتها على كل ما به يومًا ما! 

حاول التحدث لأكثر من مرة بينما همس بصعوبة في النهاية:

- مش عارف عايزني في ايه.. بس اللي أنا متأكد منه إن كده خلاص.. آخر مرة هاشوف فيها كارلو واخر مرة هتكون ليا علاقة بالعيلة دي! 

اقترب منها لتنظر له وجسدها بأكمله قد دخل في حالة تأهب من تواجده بجانبها لتنظر له نظرات اشمئزاز بينما بادلها بنظرات لوم هائلة ليهمس لها متابعًا:

- اطمني مش هتشوفيني تاني وانا بحرق حد.. ولا هتضظري تقتليني ولا تقتلي غيري! هانت يا فيروز! 

استمعت لنبرته التي امتلئت عتابًا ولكنها فضلت الصمت وتجاهله الشديد عله ييأس ويغادرها دون رجعة، فكل ما فعله لا يستحق عتابًا أو مناقشات أو حتى آسف أو ندم.. ما فعله لا ترى له إلا حلًا واحدًا.. أن يُسجن وبعدها تحصل على الطلاق منه للأبد وستعمل بكل جهدها أن تنساه.. وسوى ذلك لا تملك أي حلول ولا تتقبل إلا هذا الحل! 

أرغمها على النظر إليه عندما سألها بصوت مهزوز:

- انتي فعلا كنتي هتموتي نفسك يا فيروز؟! للدرجة دي بقيتي عايزة تبعدي عني؟

ارتفعت مقلتيها الغائبتان خلف عبرات الحسرة لتسري نظراتها إليه كخناجر مسمومة تمزقه لأشلاء وبريق دموعها الأسيرة دفع بنيتاه للتأثر هو الآخر لتهمس مجيبة بنبرة متألمة تصرخ بالإحباط:

- انا ممكن اعمل أي حاجة علشان ابعد عن شيطان زيك.. الموت بقى اهونلي من إني المحك قدامي! 

انهمرت احدى دموعه ليعقد حاجباه وهو يجفف أسفل عينه اليسرى وحمحم في محاولة ألا يبكي وابتلع ملوحة عبراته لينهض متمتمًا:

- مش هاسيبك تموتي ولا هتشوفيني شيطان تاني! خلاص.. مبقاش فيه حاجة تاني هتحصل.. كلها كام يوم وهنبعد عن كل حاجة! أنا هاصلح كل اللي حصل!

ابتسمت في سخرية ثم اردفت وهو يغادر للخارج:

- وأنا مبقتش عايزة صُلح ولا عايزة حاجة غير إني ابعد عنك..

توقف لوهلة عن أخذ الخطوات لخارج غرفتها وابتلع وهو يكز أسنانه في محاولة ألا يترك غضبه يعمي عيناه ليحمحم في استدراك لما يجب عليه فعله الآن وتوجه حتى يحضر لها بعض الطعام فهي منذ أربعة أيام لم يدخل لجسدها سوى مُغذيات سائلة حُقنت بها كل عدة ساعات!

     

منذ أربعة أيام.. 

هرول نحوها وشعر بقلبه يُقتلع من مكانه والصدمة قد سيطرت على كل ذرة دماء تجري بعروقه، كيف سقطت أرضًا وهي لم تُطلق النار على رأسها ولم يستمع حتى لصدى العيار الناري؟ يستحيل أن تكون هذه هي النهاية! لن يتركها لتغادره بمثل هذه الطريقة أبدًا..

توقف من تلقاء نفسه بعد أن أدرك أن "كلوديا" قد جعلتها تفقد وعيها بفعل مؤخرة السلاح الذي تُمسك به في يدها ليتنفس الصعداء بعد أن حل مكان صدمته الطمأنينة التامة بأنها لم تمت ولقد سقطت اثرًا لفقدانها لوعيها ليس إلا!!

عقدت ذراعيها في تحفز وهي تنظر له ثم تعجبت قائلة:

- إلي أين ستصلا بما تفعلاه؟ أنت مصاب بعيار ناري وزوجتك الخرقاء كانت على وشك الإنتحار.. متى ستكفا عن الشجار كالأطفال.. بربك ليو.. متى ستنتهيا عن كل ذلك الهراء؟! 

تنهد ناظرًا لها بجدية ثم رمق ذراعه ليحدثها متجاهلًا سؤالها:

- أظن انني احتاج بعض المساعدة هنا!

لمحها تومأ له بالموافقة وقالت:

- ساعدني أولًا أن نضع تلك الخرقاء على سريركما أم تود أن أنادي بعض الرجال ليفعلوا؟!

رمقها بنظرة غاضبة اربكتها قليلًا لتستطرد:

- حسنًا حسنًا.. لا تنظر لي هكذا.. كنت امازحك ليس إلا! 

توجه كلاهما ليحملا جسدها بينما خرج كلاهما ليغادرا الغرفة كي يستخرجا تلك الرصاصة بذراعه فحدثته مقترحة:

- لماذا لا تذهب إلي الأسفل وسأحضر الأدوات وسآتي! 

أومأ لها في تفهم وتوجه للأسفل فتابعته بعينها إلي أن تأكدت من مغادرته فأحضرت مسرعًا الأدوات اللازمة لإستخراج الرصاصة والضمادات والمطهر ولكنها أولًا توقفت عند غرفة "فيروز" ثم همست للحارسان بجدية: 

- لو آتى إلي هنا لا تسمحا له بالدخول قبل أن اخرج! 

أومأ كلاهما إليها في تفهم لآوامرها لتدخل مسرعة وحقنتها بمخدر لن يجعلها تستيقظ سوى بعد عدة ساعات وفي لمح البصر فرت إلي الخارج وهي تتوجه للأسفل وبداخلها تتضرع ألا يفسد الأمر اكثر بعد ما تلقته من اخبار صادمة للغاية ولن تحتمل شجار هذان الطفلان ولا حتى الإنتظار بصحبتهما إلي أن يغادرا وينتهي أمر مساعدة "شهاب" لها بأمر قتل "فرانك"!

اقتربت منه وهي تناوله احدى المشروبات الكحولية التي تجرعها مسرعًا ثم أخذت تستخرج له الرصاصة وشرعت في الحديث لتسأله:

- ما الذي حدث هذه المرة ليو؟ هل كذبت من جديد؟

أومأ لها بالإنكار ليُجيبها بإختصار:

- تشعر بالصدمة لموت والديها! 

ارتفع حاجباها في دهشة مما تستمع إليه لتردف:

- أوه! هذا أمر بشع.. لو كان لدي والدان لكنت الآن اقتل من قتلهما! 

ابتسم في سخرية ثم تمتم شاردًا:

- ولحسن حظي تظن انني قتلتهما!

ضيقت ما بين حاجبيها وهي تتفقده في تساؤل:

- وهل فعلت؟!

رفع بنيتيه إليها في حقد ثم صاح بها:

- انتِ كذلك كلوديا! هل فقدتِ عقلك مثلها؟

تحرك للنهوض ليتوجع بشدة وهو يكتم آناته بمنتهى الغضب وأطبق أسنانه وهو يحاول التغلب على آلام ذراعه لتحمحم واكملت ما تفعله بينما همست به:

- لقد تلقيت اتصالا من البرتو.. يتوقع كارلو رؤيتي أنا وأنت وزوجتك في حفل يوم ميلاده.. سيقام بالمزرعة مثل كل عام!

التفت لها بوجه تعجبت ملامحه في استفسارات شتى لتردف قائلة:

- لا أدري شيئًا عن هذا الأمر ليو! أنا حتى اشعر بالقلق! لا تتهمني وتنظر لي تلك النظرات!

تريث لبرهة مفكرًا ليسألها بنبرة غائبة تمامًا في التفكير:

- ما الذي يقصده بدعوتي أنا وفيروز؟ ما الذي يريده منها؟! وكيف سيفعلها ويُلفت الأنظار بأوضاع البلاد تلك؟!

تنهدت في قلق ثم انهت ما تفعله واجابته بصوت مهزوز:

- اشعر وكأن هناك امرًا كارلو يعد له! وأنت تعلم ما يستطيع كارلو فعله.. ولقد سمعت كذلك أن البلاد ستبدأ في تخفيف الإجراءات الخاصة بالحجر بداية الشهر المقبل.. مما يعني في نفس توقيت الحفل!

نظر إليها بجدية وتسائل بنبرة غارقة في التفكير وهو يحاول أن يبحث عن تخمين صحيح: 

- هل لا زلتِ تثقي بألبرتو؟! 

أومأت له بالموافقة ليتبادلا النظرات في صمت وكل منهما يُفكر جيدًا ليشرد بالمزيد من التفكير بينما همس:

- هناك ثلاث تخمينات.. مجرد حفل ويدعوا الجميع مثل ما اعتاد.. وهذا ما استبعده تمامًا.. والتخمين الثاني أنه سيقتلني أنا وأنتِ.. أمّا الثالث فهو ما يقلقني.. 

صمت لبرهة لتصيح به:

- تحدث ايها الوغد.. بم تُفكر؟! 

التفت زافرًا أنفاسًا مطولة بعد تفكير عميق ليرد في النهاية قائلًا:

- كارلو يريد أن يعيدني إلي العائلة مرة أخرى أو يحتاج إلي بشيء ما! لذلك يود أن يهددني بفيروز وقتلها.. انتِ تعلمين طريقته.. لذلك آمر بأن احضرها معي.. إما التنفيذ وإما قتل زوجتي أمام عيني! 

اطلقت زفرة معترضة لتحدثه ناهية:

- لا نقترب من النساء والأطفال.. هذه هي القوانين.. بربك ليو قل شيئًا آخر!

ابتسم لها ولم تلامس ابتسامته عينيه ليتشدق هازئًا:

- لا يغادر احد العائلة إلا بالموت .. هذه هي القوانين .. أنسيتِ كلوديا؟! 

مسحت على وجهها في حنق لتتمتم:

- تلك الخرقاء ستكون لعنتك ليو!! اسمعني جيدًا!!

حمحمت وهي تبتعد عنه قليلًا واخذت حذرها جيدًا ثم تابعت:

- لقد قمت بتخديرها حتى تـ..

نهض ليتجه نحوها فابتعدت عنه وقاطعها:

- ألن تكفِ عن عهرك.. ما شأنك بها كلوديا؟! 

رفعت سبابتها في تحذير وتأهبت جيدًا فهي لا تأمن مكره واجابته مسرعة:

- اذهب بها إلي نابولي.. امكثا في منزلك هناك إلي يوم مولد كارلو.. سننتهي من تلك الحفل وستذهب أنت وهي بعيدًا.. وسأحصل أنا على انتقامي وانتهى الأمر.. لابد وأن فرانك سيحضر الحفل وسننهي الأمر هناك! 

كان لابد وأن اتأكد أنها لن تستمع إلينا، لا زلت لا أثق بها.. كما أنك لابد وأن تُفكر جيدًا.. بعيدًا عن الشجار معها! وعندما ينتهي كل ذلك لك أن تقتلا بعضكما البعض حتى! لا شأن لي بك أنت وزوجتك الخرقاء!

أطرق برأسه إلي احدى الجوانب في لوم شديد ونظر لها بتحذير لتزفر حانقة واردفت:

- حسنًا ليو.. أنا لا يعجبني هذا! بربك لقد سأمت شجاركما وصراخها.. منذ قليل كادت أن تنتحر وأنت اوشكت على الموت.. اذهب بها لمنزلك.. إمّا تصلح من هذا الأمر بينكما وإلا تقتلها وتنتهي من أمرها! انتما لستما بطفلان أيها الغبي! أنت تعشقها وهي تغلي كالبركان كلما رآتني بالقرب منك.. تعشقان بعضكما البعض.. فلترمم تلك العلاقة البالية وإمّا اقتلها ولترتاح من كل ذلك الشجار!

كلانا يعلم جيدًا أنك لا تسامح في الكذب والخيانة! 

رمقته في جدية ثم تابعت هامسة:

- اعمل على ألا تكون تلك الخرقاء عائقًا وإلا سأقتلها بنفسي ليو! وصدقني أنا لا أريد أن اخسرك بعد اكثر من عشر سنوات لعينة بسبب إمرأة! 

هيا سأبلغ الطيار بأن يستعد وسأوفر لك الحراس وسأحدث احد افراد الشرطة كذلك كي تغادرا دون مشاكل.. ولكن احذر أن تحضرها يوم الحفل بنفس شجاركما.. حل الأمر وإلا اقتلها ليو ولا تضيع المزيد من الوقت عليها!

أخذ يفكر لوهلة.. ماذا لو اختار أن ينجو بنفسه وبها؟ هل ستنتهي تلك العائلة لو فعل ما يُفكر به؟! ليس لديه سوى ذلك الإختيار.. عليه أن يُنهي هذه العائلة للأبد!

كادت أن تغادره ليوقفها قائلًا بهمس شديد:

- ماذا لو ساعدتك بما تريدين وتخلصت من كارلو وفرانك وحتى أي رجل يزعجك.. سأبقى على من تريدين وسأتخلص من أي احد لا تريديه!! هل لكِ أن تبعدين المافيا بأكملها عني للأبد؟! 

ضيقت ما بين حاجبيها في استفهام شديد ليستطرد في استفسار:

- هل لدينا اتفاق؟ هذا معروف هائل كلوديا.. أنا وأنتِ نعرف هذا جيدًا! سيكون بمثابة تسوية لكل القديم بيننا وسأُمكنك من إدارة هذه العائلة بأكملها طوال العمر.. ما قولكِ في هذا؟!

أومأت له بالموافقة لتتنهد وهو تتفقده ثم سألته:

- ما الذي ستفعله ليو؟ ما الذي تخطط له؟

اشار بسبابته في تحذير ثم وضعها على شفتاه ثم ابتسم نصف ابتسامة ليقول:

- سأخبرك لاحقًا.. هيا.. سأغادر في غضون دقائق! اخبري الرجال أن يستعدوا!

     

عودة إلي اليوم الحالي..

ابتسم بمرارة وهو يتذكر كم كان حاذقًا بحفاظه على كل تلك المعلومات بالعائلات المعادية لعائلة "كروتشيتا".. الآن سيُبيد "كارلو" وكذلك "فرانك" وكهدية منه سيقتل "ألبرتو".. البقية بأكملها تقع على عاتق "كلوديا" .. لها أن تكون هي الدون الجديد، تأتِ بمستشار آخر.. تعين أيًا من أفراد العائلة.. هي بعد "ألبرتو" على كلٍ في أن تكون الزعيم المرتقب..

لو أصبحت إمرأة مثلها هي من تتحكم في عائلة "كروتشيتا" هنا لن يستطيع أحد أبدًا المساس به.. هو لا يفعلها لأجلها بل من أجل نفسه ومن أجل أن يعيش تلك الحياة التي تمناها مع "فيروز" ويتخلص من كل تلك الأيام السوداء والتاريخ الكريه الذي لم يرغب به في يوم من الأيام!

انتهى من تحضير تلك الصينية التي تحمل الطعام ثم امسك بها وتوجه إلي الغرفة التي تمكث بها ولم يعد يستطيع التفكير سوى بأمر واحد.. الإنتهاء من مقتل تلك العائلة وإبادتها بأكملها وسيترك الدليل ليكون التنظيمات الروسية وكذلك عائلات المافيا القديمة التي تعادي "كارلو" منذ سنوات! 

دخل ليفتح الأنوار لتتأثر عسليتاها بشدة بينما وضع الصينية بالقرب منها لتشرأب بنظراتها لتلك الغرفة التي تمكث بها ليحتل وجهها الذهول الشديد مما تراه! 

هي تجلس في واحدًا من الغرف السادية التي تعج بالمعدات الخاصة بتلك الممارسات المريضة.. ما الذي يريد فعله معها.. يريد أن يقتلها بعد أن قام بقتل اهلها أليس كذلك؟! 

نظرت إليه بإحتقار شديد ليعقد حاجباه في تريث ووأمسك بكوب العصير الذي اعده لها ثم قرر أن يُنهي تلك التساؤلات التي اندلعت على وجهها كما اللهيب تندلع لتلتهم حقولًا من ورود ذبلت بفعل يداه:

- مكنش قدامي حل غير إني اكتفك.. علشان لا تنتحري ولا تموتيني ولا تشوفيني وأنا بعمل حاجة مش عجباكي!

رفعت حاجباها في ذهول مستنكرة ما تستمع له ثم نظرت نحوه دون أن تتلاقى رموشها وابتسمت له وسألته:

- وناقص تقولي لو مسمعتيش الكلام هربطك واضربك واعاقبك ! مش كده؟! 

ظلا يتبادلان النظرات إلي أن فاق الأمر احتمالها وتساقطت دموعها في صمت ليقترب منها مجففًا دموعها بإبهامه بالرغم من محاولاتها في الإبتعاد عن لمسات يديه في تقزز هائل بينما همس بها:

- متسمعيش الكلام، وأنا استحالة اعمل حاجة من اللي بتقولي عليها! 

تنهد متريثًا لبرهة وارغمها على النظر إليه ليهمس في توسل:

- مش محتاج منك غير عشر ايام بس.. وبعدها هنسافر إيطاليا.. ههنخلص من المافيا.. كارلو وعيلته وكل حاجة.. حتى كلوديا! أرجوكي استحمليني.. اخر عشر ايام.. بعد كده هاعملك كل اللي انتي عايزاه! 

رمقته وهي لا تصدق حرفًا واحدًا مما يقوله.. لقد نال ببراعة عدم ثقتها .. وبما فعله بالأيام الماضية هو لم يكن يحاول التخلص من أمر العائلة مثل ما يقول فحسب، لا؛ بل كان يستمتع بكل ما يفعله من قتل وحرائق.. لا تزال تتذكر وجهه وملامحه عندما انعكس عليها اللهيب ليبدو كشيطان في قاع الجحيم..

وتلك الملامح التي يحاول أن يستعطفها بها الآن لن تملك عليها سلطانًا.. ليس مجددًا.. لن تكون بنفس درجة السذاجة والغباء ولن تُصدق أيًا من وعوده! 

ولكن عليها أن ترب، أن تكون ذكية.. أذكى منه ومن تلك المرأة العارية على أن تهرب للأبد منه.. عليها أن تعود إلي مصر في أسرع وقت كما أن عليها أن تتصيد الفرص كي تفعلها! 

ابتلعت وادعت الإرتباك لتتحدث بصوت مبحوح في تردد:

- وبعد العشر أيام؟! هترجعني مصر؟! 

أومأ إليها ورد مسرعًا:

- هنسافر بس المانيا نطمن عليكي علشان موضوع الحمل وبعدين نرجع مصر.. ولو حتى عايزاني اجيبلك فريدة وهاشم معاكي أنا معنديش مشكلة.. هاعمل كل اللي تقولي عليه! 

رمقها ولمعت عينيه بدموع مكتومة وهو لا يصدق أنه يُقيدها كي تستجيب له بينما بادلته النظرات وادعت البكاء في البداية ليتحول نحيبها من مجرد إدعاء إلي حقيقة.. لقد تذكرت لتوها أن والديها قد ماتا.. ومجرد الفكرة لا تستطيع الصمود أمامها أكثر من هذا! 

حاول أن يجفف دموعها ولم تعد تستطيع التفلت منه لتُصاب باليأس والإرهاق الشديد لينهاها ومد الكوب لها وكلمها بنبرة هادئة اقرب للتوسل من الآمر:

- اشربي.. انتي بقالك اربع ايام نايمة! لازم تشربي سوايل كتير

رمقته في ذهول وأعين متسعة لتتكلم بصوت متخبط بين كلمات شتى وهي لا تستطيع تخيل كيف فعلتها:

- ازاي اربع ايام.. انا.. انا فاكرة إن في حاجة خبطت في راسي من شوية و.. ازاي اشرب انا صايمة.. ابعد عني العصير ده!

زم شفتاه في ضيق وهو يتفقدها ليبتلع وأردف في ثبات وكأنه لم يخطأ بحقها:

- أنا اديتك منوم.. سافرنا من سيسيليا لنابولي بالطيارة من اربع ايام.. احنا في كامبانيا يا فيروز!

رفعت حاجبيها وانفرج ثغرها غير مُصدقة لما تستمع له ليجبرها على تناول العصير وهو يضع يده خلف عنقها ثم أضاف قائلًا:

- احنا بليل ومش وقت صيام خالص.. اشربي! 

دفعه بفمها رغمًا عنها وكادت أن ترفض تناول العصير ولكنها فكرت لثانية واحدة.. عليها أن تقنعه بأن الأمر برمته يُفلح هذه المرة.. وبعد تلك العشرة أيام ستتصرف وستهرب لا محالة حتى لو ستمكث باحدى الشوارع بعيدًا عنه.. عليها أن تجعله يُصدق بأنها تُصدقه حتى تحصل على حريتها منه بأي طريقة! ليس لديها اختيار اخر سوى ذلك..

بدأت في الإستجابة وهو تتناول ما بالكوب ليرفع خصلاتها التي اكتسبت بعض الطول خلف اذنها إلي أن لاحظ أنها تناولت كمية كافية فتركه جانبًا وبدأ في إطعامها لتستجيب له على مضض وأخذت تمضغ الطعام بهدوء:

- فيروز.. أنا فيه حاجة هطلبها منك.. الموضوع مفيهوش هزار.. ببساطة ممكن نتقتل احنا الاتنين او واحد مننا يتقتل! 

رمقته في تريث وكأنما تخبره بعسليتيها أن ينطق بما يريده فتابع هامسًا:

- حفلة عيد ميلاد كارلو كمان عشر أيام.. بيعملها كل سنة.. وعايز يشوفني انا وانتي يومها.. اعتبري ده اخر طلب هاطلبه منك.. وأنا اوعدك إن ده هيبقى آخر يوم لينا في إيطاليا.. مش هنيجي هنا تاني! 

ضيقت ما بين حاجبيها لتهمس في تعجب:

- وأنا مالي بحاجة زي دي؟

قلب شفتاه ثم هز رأسه في عدم معرفة وقال:

- معرفش.. بس صدقيني هيكون آخر يوم لينا هنا.. أنا مش هاقدر اسيبك تغيبي عن عيني.. هتيجي معايا؟! 

فكرت للحظة.. "كارلو كروتشيتا" هو الدون كما أخبرها من قبل.. يحاول هو و "كلوديا" الإعداد لمقتل "فرانك" .. لقد استمعت إليهما ذلك اليوم عندما ذهبا للمنزل الآخر بعد تلك المداهمة!! ماذا لو أخبرته بكل ما تعرفه؟ هل له أن يحميها ويوفر لها أن تغادر إيطاليا وتعود إلي مصر في آمان؟! عليها اختيار نفسها هذه المرة حتى تنجو منه!

ابتلعت وهي تنظر له بينما ارتقب ليسألها مجددًا:

- هاعملك كل اللي انتي عايزاه بعدها.. قولتي إيه؟! 

رطبت شفتاها وهي تنظر له لتزفر في تريث ثم ابتلعت وأومأت بالموافقة لتقول:

- فكني يا شهاب.. متقلقش.. مبقاش فيه حاجة تاني ممكن تتعمل خلاص.. وأنا مش هاموت نفسي علشان شوية مشاكل ما بينا.. أنا بس كنت منهارة بسبب موضوع بابا وماما الله يرحمهم.. بس إن شاء الله مفيش حاجة تاني.. 

نظر إليها في تعجب وتوجس قليلًا من تغيرها المُفاجئ لترى الريبة في عينيه لتدعي البكاء ثم همست له:

- خلاص يا شهاب.. أنا مبقاليش حد غيرك!

رمقته في استعطاف شعر منه بالريبة الشديدة ليتفحصها جيدًا ليحاول التعرف على مدى كذبها من مصداقيتها وأجهشت هي بمزيد من البكاء الذي اختلط زيفه بالحقيقة المجردة بأنها ستكون كاذبة من جديد معه ولكن هذه المرة ستتخلص منه للأبد.. بالهروب، بالخداع، وحتى ولو قُتل أمام عينيها من "المافيا" سيكون بمثابة انتصار لها! 

لن تكترث له ولن تلمس الشفقة من أجله قلبها من جديد.. لأنه وببساطة دمر كل شعور كنته له يومًا ما، وعلى يداه تحول كل العشق بداخلها إلي قسوة وخداع لا نهاية لهما! هو لم يترك لها إختيار آخر!

     

#يُتبع . . .

الفصل القادم يوم الأحد الموافق 21 فبراير 2021 على مدونة رواية وحكاية

الرواية في حدود 80 فصل..

دمتم بخير