-->

الفصل الثالث عشر - جسارة الإنتقام


 


 - الفصل الثالث عشر - 

ابتعد عنها بعد أن أحتاج كلاً منهما للتنفس واراح جبهته على خاصتها موصداً عيناه لتندمج أنفاسها المتوترة مع أنفاسه المحترقة شوقاً للمزيد حاولت اكثر من مرة التحدث بعد مدة من محاولات عدة لإدراك ما فعله للتو ولم تدري لماذا لا تستطيع هي الأخر أن تتحكم بجسدها وبذلت جهد لتستطيع الوقوف فاستندت بالجدار خلفها عله يدعمها فهمست في النهاية في خجل وهي مُغلقة عيناها في احراج:

- معتز.. ابعد..  

فتح عيناه ليلاحظ وجهها الذي لم يبارح أحلامه يوماً قد تحول للحمرة وفجأة لم تعد ابنة خالته التي تمتاز بالقوة والشجاعة التي طالما تحدث عنها الجميع فهمس أمام شفتيها:

- أنا استنيت كتير اوي.. مبقتش قادر ابعد عنك.. 

وضع يده على خصرها مشجعاً اياه ذلك المنظر أمامه لتفتح عيناها في صدمة وزجرته في حدة أو هكذا ظنت:

- مينفعش يا معتز لو حد دخل وشافنا هيقـ..

قاطعها مسرعاً: 

- لو حد شافنا هاتجوزك حالاً ومش هيفرق معايا مين اللي شافنا حتى لو جاسر نفسه

التهم شفتيها مرة أخرى ولكنها هذه المرة امتلئت شغف طاغي وازدادت وتيرة أنفاسه ليحترق وجهها بالكامل ليزداد عنف قبلته مرغما شفتيها على السماح للسانه بأن يجوب داخل فمها ثم شعر بيداها تدفعاه وتوسلته في رفض:

- كفاية أرجوك يا معتز

لم تعلم أن أنوثتها تفتك به بل وازادت رغبته المتأججة بتقبيل شفتاها مرة أخرى ليبتسم لها ثم قال مداعبًا:

- طول ما انتي ما بتقولي معتز بتاعتك دي مش هاقدر ابعد عنك.. 

كاد أن يُقبلها مرة أخرى ليقاطعهما الهاتف الذي أجاب عليه "معتز" بحنق شديد:

- افندم.. لا مش معايا.. أوك هكلمه أنا.. سلام

تحدث لتنظر له بأعين متسائلة في استفسار ليتحدث في ضيق وانزعاج عاقدًا حاجباه:

- يعني أفضل لامم نفسي عنك عشان أخوكي ودلوقتي بردو أخوكي يبعدني عنك.. أنا طهقت في عيشتي!!

انتهزت الفرصة لتبتعد عنه عندما رآته يعبث في هاتفه ثم سألته:

- ماله جاسر؟؟

اجابها في تلقائية:

- مراحش الشركة من الصبح ومحدش عارف يوصله والبيه اهو موبايله مقفول

تعجبت سائلة:

- هيكون راح فين يعني؟

تنهد وهو يطالع هاتفه ثم تمتم في استياء:

- أخوكي محدش يعرفله.. وبعدين اكيد هاعرف

سألته من جديد:

- هتدور عليه؟

تأفف في غضب هذه المرة لتنطلق الكلمات من فمه بتلقائية:

- آه وماله.. ما أنا مقطوع لجاسر بيه.. جاسر بيه راح.. جاسر بيه فين.. جاسر بيه جه.. ده بقا بيجيلي في كوابيس ومبقتش اعرف انام طول الليل..

التوت شفتاها في سخرية لترد عليه في تهكم:

- يا حبيبي.. لا والله صعبت عليا

رفع وجهه نحوها ثم نظر إليها رافعاً احدى حاجبيه في غيظ ثم قال:

- بقى اول مرة تقوليلي حبيبي تقوليهالي كده؟! ماشي يا ست نور.. أنا وراكي والزمن طويل.. معاكي لآخر الأسبوع الجي تفكري ويكون الرد جاهز.. سلام!

توجه خارجاً دون أن يعطيها فرصة للتكلم لتغرق هي في زوبعة أفكار جديدة عليها تماماً لم تكن تتوقع أن تطرق على عقلها يومًا من الأيام!..


⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢


صاحت "سيرين" في حنق بالغ وهي تتحدث إلي صديقيها ولا تستطيع نسيان ما حدث اليوم:

- أنا بجد قرفت وزهقت من الحرباية دي

عقب "رامز" قائلًا في جدية:

- بصي بكلامك ده كله أكيد فيه مصيبه.. جاسر ولا أمه أكيد فيه سبب قوي ورا كل اللي بيعملوه فيكي ده.. لازم تعرفي ايه هو!

كذلك أكد "مراد" على كلماته فقال:

- رامز معاه حق يا سيري.. بس سيبكم شوية الاخبار السقع عنه دي زمانها جابت داغه

شعرت بالضيق لتهمس في وهن بعد أن تنهدت:

- يالا.. من عمايله السودا

حاول "رامز" أن يغير هذا الحزن الذي لمحه على وجهها فصاح مازحًا:

لا لا جو النكد ده أنا ماليش فيه.. أنا عريس وفرحي كمان تلت ايام! اظبطوا كده وفرفشوني شوية

التمعت عينيها ونست ضيقها في ثوانٍ وتحدثت في حماس:

- عندك حق.. تعالوا نسهر عندي النهاردا والكسبان يلاعبني..

امتعضت ملامحه ليرد في رفض قاطع:

- وده ليه إن شاء الله.. مفيش لعب غير بفرق الاجوان.. فاكرني اهبل ولا إيه!..

 نظرت له متصنعة الحُزن والشفقة عليه لتقول:

- يالا زي بعضه، هاشفق عليك عشان هنجوزك بس..

نظر لها "رامز" بحنق بينما مازحهما "مراد" ليقول بنبرة انتصار:

- الحمد لله لسه موقعتش في الفخ! شمتان فيكوا جداً معندكوش فكرة ازاي.. 

التفتت نحوه وزجرته بخشونة كما الرجال:

- ما تتلم ياض بدل ما امسخر بكرامتك الأرض لما تتنيل وتعملها!

رفع كلتا يداه في استسلام ليقول:

- لا يا سيري يا بيبي أنا كده تمام التمام.. مش عاوز اتنيل ولا اعملها

شردت قليلاً بعسليتاها كمن تفكر في شيء ثم تحدثت بنبرة تحمل شبح خُطة وقالت:

- أنت تتجوز غصب زيي وأنا اللي اختارلك عروستك.. مممم.. احنا نجوزك الحرباية، شوية وعدتها تخلص بس إنما ايه.. جوازة لقطة..

انفجر "رامز" ضاحكاً عندما استمع لإقتراحها بيننا عبست ملامح "مراد" ليزجرها في ضيق:

- ليه يعني من همه ياخد قد أمه؟.. أنا سايبكم وماشي عيال تسد النفس

ضحكت من ردة فعله لتوقفه عندما نهض وتصنع المغادرة:

- اهدا كده بس يا واد يا ابو غمزات حلوة.. هجوزك ست ستها ولا تزعل 

نظر لها بطرف عينه ثم تهكم قائلًا:

- اه ادخلي عليا بالحبتين بتوعك.. والنبي لو جاسر سمعك بتقولي كده هيقطع رقابتك

أردفت بغضب وعبوس حقيقي:

- وأنا هاقطعله ايده..

سألها في جدية عندما آتيا على ذكره:

- هو فينه صحيح؟

هزت كتفيها وعبست ملامحها أكثر لتجيبه:

- ولا أعرف..

تنهدت في تفكير بينما اردفت بنبرة غائبة في افكارها:

- على فكرة أنا خايفة ابن الحرباية ده يعمل حاجة.. رامز أنت تظبط الناس اللي هيدارو بابا ويسفروه برا وأول ما نرجع من فرحك هنحطله حاجة في العشا واول ما ينام مراد ينقله.. أنا حاسة إن غياب الزفت ده وراه حاجة.. قلبي مش مطمن

 تصلبت ملامح "رامز" بينما شعر "مراد" بالقلق لما استمع له منها ليصيح الأول في انفعال:

- يعني ايه وأنا هبقا مسافر أنا ونيرة.. عاوزاني أكون مش موجود جنبك لما ده يحصل؟

نظرت له في آسى ثم تنهدت وحاولت أن تُقنعه:

- معلش يا رامز.. مش هاقدر استنى على ما ترجع من سفرك.. سافر أنت واتبسط أنت ونيرة، وبعدين بكرة كل حاجة تبان وبابا يرجع.. مش بجد يعني!!

رد مُعقبًا في تهكم:

- اه ياختي اعمليلي فيها زي أبو قلب حساس مخترع الحاسة السادسة.. فيها ايه يعني كلها أسبوعين وهاجي تاني!

اخبرته في توسل لا نهائي:

- معلش، اعمل اللي بقولك عليه وخلاص

زفر "رامز" في تأفف بينما سألها "مراد" في قلق:

- سيرين أنتي مخبية علينا حاجة؟

أومأت بالإنكار ثم همست مجيبة:

- لا أبداً .. بس مش مطمنة وخلاص

 تسائل مجدداً ليتفحصها كلاً منهما في اهتمام:

- طيب ايه اللي يخليكي تقولي إنك مش مطمنة لجاسر؟

زفرت في انزعاج من كلاهما ومن تلك النظرات والتساؤلات لتصيح بهما:

- يووه يا مراد.. وأنت كمان متبصليش كده، قولت مش مطمنة وخلاص.. واحد بعمايله الزبالة طبيعي ابقى مش مطمناله.. وبعدين كفاية كلام عن الزفت ده ومحدش يجيب سيرته الزبالة بقا.. عندنا فرح وعريس وكده..

عقب "رامز" على حديثها في تهكم:

- حوش يعني البت بتعرف ترقص وهتهيصلنا

نظرت له بإمتعاض وملامحها في ثوانٍ تغيرت لتشابه ملامح الرجال ثم زجرته:

- فاكرني رقاصة يا روح ماما!

ضحك "رامز" ليقول في قلة حيلة بين ضحكاته:

- اقسم بالله ما شوفت منها اتنين

عقب "مراد" هو الآخر ليقول:

- ولا أنا يا اخويا

غيرت مجرى الحديث لتسألهما في جدية:

- اخبار الشغل ايه؟ كله ماشي زي ما اتفقنا؟!

اجابها "رامز" اولًا في جدية وترك المزاح جانبًا:

- بصي أنا ظبطت حواز التلت شركات اللي هامسكهم وبردوا شركة مراد واتغيرت الأسامي خلاص، والعملا اللي زمزقوا معانا خفضنالهم شوية، يعني عملنالهم من حوالي عشرة لعشرين في المية تخفيض على أي حملة جاية

أضاف "مراد" هو الآخر ما توصل له في تلك الأيام:

- أغلب الشركات برا تمام.. فيه شوية اتباعوا وشوية داخلنا فيهم شركا وعموماً كله موجود في الايملات والعقود والاتفاقيات اهي يا ستي.. وودايعك خلاص في البنك ناقص تروحي وتمضي بقا..

تنهدت في راحة ثم قالت:

- فل اوي.. هاروح البنك بس يمكن بكرة، بس وسعوا كده أما اروح أشوف المز الكبير واقعد معاه شوية قبل ما يوحشني!

صاح "رامز" مودعًا اياها:

-  طريق السلامة اعسلية

بينما ودعها "مراد" في قلق:

- خدي بالك من نفسك يا سيري

ما إن أوصدت الباب خلفها حتى همس إلي "رامز" في جدية:

- أنا قلقان عليها اوي!

حاول ألا يستجيب لحدسه هو الآخر لينهاه قائلًا:

- متقلقش يا مراد.. خير إن شاء الله.. مفيش حاجة هتحصل!


⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

تحدثت "هويدا" في هاتفها بصوت منخفض كي لا يستمع إليها احد:

- سيرين هشام منصور.. هبعتلك كل عناوينها اللي عندي.. عايزاك تتابعها في كل لحظة، حتى لو في الحمام.. في شغلها.. في بيتها.. متسيبهاش! تكون ضلها

آتاها الرد من الطرف الآخر قائلًا:

- تحت أمر حضرتك بس يعني..

فهمت ما يشير إليه فبادرت وقاطعته:

- هديك اللي أنت عايزه.. بس ديه واحدة ممرمطة سمعتنا في الأرض.. واخدة زيها مينفعش تشيل ابن جاسر شرف الدين ولا تليق بعليتنا، عندها اتنين اصحاب مبتفارقهومش.. رجالة.. اظنك فهمت أنا عاوزة أوصل لإيه بالظبط!

رد الطرف الآخر في تقبل وتحدث في ثقة:

- متقلقيش يا هانم.. اديني يومين تلاتة بالكتير وكل اللي أنتي عاوزاه هيوصل لحضرتك.. 

أنهت هويدا مكالمتها وعلى شفاهها ابتسامة انتصار لتهمس متوعدة بشر:

هوريكي يا بنت سلوى اللي تقرب من ابني اخرتها ايه.. مش كفاية أمك تاخد أبوكي مني.. كمان عاوزة تاخدي ابني اللي تعبت في تربيته.. بكرة تشوفي وتعرفي مين هي هويدا الأنصاري وتقدر تعمل ايه!

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

صاح صوت رجالي لم تتعرف "سيرين" عليه عندما ناداها بنبرة متسائلة وهي تغادر من بوابة الشركة:

- سيرين هشام منصور! 

 التفتت ونظرت له بإستغراب لتجيبه سائلة:

- ايوة.. حضرتك تعرفني؟!

تطلعت هذا الرجل الذي بدا وسيماً كاللعنة بشعره الأسود وابتسامته الساحرة وعيناه الزرقاوتان التي للحظة بدت رمادية اللون في وضح النهار فصاح عقلها فجأة: 

- أنا متجوزة!! وجاسر مز.. بس الواد ده قمر  

نفضت هذا التفكير بعيداً بينما اجابها:

- أنا أدهم.. أدهم سامي مصطفى الإبياري.. أنا ابن خالك.. وقريبك من بعيد بما إن جدي وجدك إخوات..

بمجرد سماعها كلماته تحولت ملامحها للغضب الشديد لتحدثه في تهكم عاقدة ذراعيها:

- لا والله!! وعايز ايه بقا يا ابن خالي؟! فجأة كده قلب أبوك حن وادالك الإذن تسأل على بنت عمتك؟!

زم شفتاه ليتنهد ثم اجابها في هدوء:

- اديني فرصة بس وهفهمك كل حاجة.. ممكن نقعد في مكان هادي نتكلم؟!

ازداد غضبها وألقت تلك الكلمات من فمها دون تفكير:

- ولا هادي ولا نادي.. وأصلاً بقا مشغولة وورايا حاجات كتير، وبعدين ايه اللي يثبتلي إنك ابن خالي.. مش يمكن تطلع بتحور؟! وعاملي فيها بقا منظر ووسيم وبنت عمتك مش هتقولك لأ!! روح يالا يا شاطر شوف وراك ايه أعمله!

سمعت ضحكة رجولية لم تسمع مثلها من قبل تصدر منه ورد بصوت لا زال يحمل بعض القهقهة:

- ده أنتي طلعتي حكاية.. الله يسامحك يا بابا..

مد يده في جيب سترته الداخلي ليقدم لها جواز سفره ثم قال: 

- ادي يا ستي الباسبور.. ارتاحتي؟! خدي أتأكدي لا اطلع بحور ولا حاجة..

استمر في الإبتسام بينما طالعت جواز سفره ثم عبست ملامحها وسألته في تحفز:

- جاي ليه دلوقتي؟!

 مدت له يدها بجواز السفر ليستعيده منها واضعاً اياه بسترته مرة أخرى ليجيبها:

- عيب يعني نتكلم في الشارع.. ممكن نقعد في حتة الأول وبعدين هحكيلك كل حاجة!

وافقت على مضض لتقول:

- ماشي..

توجهت "سيرين" بسيارتها بعد معاناة أن تستقل معه سيارته لترفض رفض قاطع وتبعها هو الآخر بسيارته التي لا تقل عن سيارة كتلك التي يملكها "جاسر" لتتحدث إلي نفسها: 

- وأنا خلاص بقيت محاطة فجأة كده بالمزز أم عيون زرقا الممالينين! سبحان الله بجد!

صفت سيارتها وخرجت تنتظره ليجلسا سوياً بأحدى المقاهي البسيطة لتتبين ما الذي يريده ابن خالها..

 صاح بغضب حينما وجد "جاسر" يهاتفه من رقم غريب غير مسجل لديه:

- اديني تفسير واحد وقولي أنت فين من الصبح..

رد ببرود:

- أنا في امريكا.. يومين بالظبط وراجع

زفر في ضيق من تصرفاته التي لا تنتهي ليتسائل في تهكم:

- حبك العط دلوقتي وسايب كله يطربق فوق نافوخي؟!

رد مرة أخرى بمزيدًا من البرود:

- يا دماغ البهيمة أنا هامضي عقد مع شركة هنا هيغطي على اللي حصل من كام يوم، وعلى فكرة النقص اللي حصل بسبب المحاجر والفحم كله هيتعوض، وبالنسبة للترخيص خلص كمان..

هز رأسه في تعجب ليقول بنبرة استفاهمية:

- نفسي أفهم بتخلص كل حاجة بسهولة كده ازاي؟

تهكم قائلًا:

- لما تغلبني في الشطرنج هبقى أقولك بخلصها بسهولة ازاي، قولي صحيح أخبار جوازي عاملة ايه؟؟!

اجابه في تلقائية مازحًا:

- واضح إن الواد يا بت مكسرة الدنيا بصورها معاك والتليفون برا مسكتش عن الناس اللي عايزين يعملوا معاك لقاء يا عم المشهور

لم ير عقدة حاجباه التي ارتسمت عندما لقبها مجددا بهذا اللقب وتعجب للصمت الذي دام للحظات فتسائل: 

- جاسر أنت معايا؟!

اجابه ببرود:

- آه.. هبقى اكلمك تاني

حدثه مسرعًا خوفًا من أن يُنهي المكالمة فهتف به:

- أنت راجع امتـ.. 

وكعادته لم يعطه "جاسر" الفرصة له ليكمل ما يريده منه لينهي المكالمة ببرود ليتمتم :  

- الله يحرقك يا جاسر على اليوم اللي طلعت فيه ابن خالتي..

تنهد بقلة حيلة ثم تذكر "نور" وتذكر تلك القبلة صباحاً ليبتسم وهاتفها لتجيبه هي بعد مدة:

- ايوة يا معتز..

توسعت ابتسامته عندما سمع صوتها وهمس إليها في مداعبة:

- ايوة يا روح معتز..

حمحم في ارتباك ثم زجرته في جدية:

- لو سمحت يا معتز مينفعش تكلمني بالأسلـ..

قاطعها مباغتًا اياها بسؤال لم تتوقعه:

- بذمتك مش بتفكري فيا من ساعة النهاردة الصبح؟! إلهي تعدمي ابن خالتك يا شيخة ما تكدبي؟!

لم ير تورد وجهها وتلك الإبتسامة التي ارتسمت على شفتاها لتجيبه في تلعثم:

- بصراحة يعني.. بفكر في موضوع الجواز.. فاجئتني ومش..

قاطعها من جديد مسرعًا:

- لا بقولك ايه، الكل عارف إنك ذكية فمتجيش تستعبطي عليا.. أنتي فاهمة إني قصدي لما بوستـ..

شعرت بالخجل ولم تدعه يكمل قص ما جعلها تقع في حالة ارتباك منذ مغادرته اياها فزجرته في انفعال:

- أرجوك متتكلمش كده!!

ابتسم لخجلها الذي شعر به ليسألها في خبث:

- ايه بتتكسفي يا قطة؟!

زفرت بضيق وصاحت به:

- آه.. وبتكسف اوي كمان، ويكون في علمك مش عشان حصل اللي حصل ده يبقا موافقة والدنيا بمبي.. أنت.. أنت.. أنت لخبطتني كده وقولت كل حاجة مرة واحدة ورا بعض ورا بعض.. ومش معنى إني أبان جامدة وقوية ومستقلة كده.. إنما أنا أصلاً..

قاطعها وهو يُكمل كلماتها:

- رقيقة وبتتكسفي وعلى نياتك..

أنا عارف يا نور.. أنا حبيتك من أيام ما كنتي طفلة، أيام ما كنتي بتتضايقي من صاحبات جاسر البنات وتيجي تقعدي معايا.. عارفة يا نور، أنا متأكد إنك إنسانة محترمة وقوية وجامدة في شغلك وكنت دايماً براقبك من بعيد، أجبرتيني أحبك أكتر، جواكي حلو أوي، بالرغم من إن ليكي كيانك ومش محتاجة لحاجة ولا لحد جنبك 

إنما صممتي تقفي جنب سيرين وتفتحي عين جاسر على الحقيقة، شفتك النهارة وانتي بتبصيلي زي ما كنتي بتيجي تتحامي فيا زمان من حركات صاحبات جاسر، نفس الإحتياج اللي كان في عينيكي لباباكي وانتي مستنياه كل يوم بعد الشغل وفي الآخر تطلع مامتك اللي بتجري على جاسر وتاخده بالحضن فتفضلي قاعدة على جنب ومتجريش عليها..

أنا حافظك، عارف امتى بتخافي وايه اللي بيزعلك وامتى ضحكتك بتطلع من قلبك بجد.. عارف بتحبي ايه وبتكرهي ايه ودايماً بتحبي الفساتين وبتحبي الأكل الحادق أكتر من الحلو وعارف بتحبي تسرحي شعرك ازاي..

وعارف كمان إني جبتهالك كده خبط لزق واتسرعت في اللي عملته الصبح.. بس صدقيني مبقتش قادر اخبي أكتر من كده..

أنا كنت هاجي واتقدملك لما لسه كنتي في تالتة جامعة وقولت خلاص هيكون ناقصلها سنة رابعة، نتجوز في الأجازة وتبقي تخلصي السنة دي في البيت وأنتي معايا، بس ساعتها عمو شرف ابتدى يتعب ومكانش الوقت مناسب، بعدها أنا وجاسر اخدتنا دوامة الشغل والشركات وعمرنا ما خلصنا ولا هنخلص منها..

أنا بحبك من زمان، عمري ما بصيت لغيرك، ولا حتى عايز غيرك.. أنتي ليا يا نور، وأنا مستني موافقتك.. ومفيش حاجة في الدنيا هتمنعني إني ابعد عنك غير الموت.. حاولي بس ماستناش أكتر من كده بدل ما أعمل فيكي زي اللي عملته الصبح

 تريث لبرهة حتى يسمع منها أي رد ولكن صمتها زاد من تلك الصدمات التي وقعت ببراثنها واحدة تلو الأخرى وذهلت من معرفته اياها إلي هذا الحد ليأتي صوته متسائلًا:

- نور انتي معايا؟!

همست لتجيبه متنهدة في تعجب: 

- آه

ابتسم على تلك الحالة التي انتابتها ليسألها:

- قولتلك كتير مش كده؟!

همست من جديد في ذهول:

- آه

سألها في مزاح:

- طب ايه؟

لا تزال تحت واقع الصدمة لتجيب في عفوية:

- آه 

وما إن همست بها مجدداً حتى أوصدت عيناها وهزت رأسها بإنكار لما تفوهت به للتو وشعرت بغبائها الشديد لتسمع قهقهاته التي غضبت منها في البداية ثم شردت في سماع تلك البحة الرجولية بها..

أهدأ من ضحكته ثم سألها مداعبا:

- طب تتجوزيني؟! قولي آه بقا المرادي وخليكي جدعة!

صاحت حانقه وهي تزجره:

- بس بقا يا معتز

تأكد من وجهها الذي عبس الآن وهو يعشقها عندما تعبس ملامحها ليضيف بنبرة ماكرة:

- بصي.. طول ما انتي بتقولي اسمي كده مش هاهدى غير لما اتجوزك!

زفرت متأففة وهي لم تواجه قط مثل تلك المحادثات لتنهاه قائلة:

- ايه اللي بتقوله ده بس..

أردف مسرعًا في نفاذ صبر:

- بقولك ايه أنا أصلاً على تكة ومستحمل بالعافية، فبلاش معتز بتاعتك دي بدل ما أخوكي يشرب من دمي ويقتلك أنتي كمان!

نهته مجددًا في استياء ثم اضافت سائلة عندما آتى على ذكر اخيها:

- بطل قلة ادب بقا.. وصلت لجاسر صحيح؟!

اجابها في تلقائية:

- ايوة يا ست البنات وصلتله، وأصلاً كنت مكلمك عشان أقولك إنه سافر يومين أمريكا وراجع على طول.. شغل يعني!

تنهدت في راحة ثم ردت بنبرة ظهر بها الإمتنان:

- طيب الحمد لله!

حدثها في تهكم:

- مبسوطة أوي ياختي.. ماشي يا جاسر وديني لما ترجع لخليك تجوزنا!

رفعت احدى حاجباها في تحدي ثم سألته:

- ومين قالك إني وافقت؟!

اجابها ظنًا منها أنها ستستجيب لتلك الرومانسية فقال:

- قلبي قالي

ردت بما لم يتوقعه ابدًا بنبرة ساخرة:

- طيب يا عاشق يا ولهان.. تصبح على خير.. 

أنهت المكالمة بسرعة دون أن تعطيه الفرصة للتحدث وهي تحتضن هاتفها وتتنهد بإبتسامة ليتحدث معقبًا على فعلتها في امتعاض:

- ايه يارب العيلة دي؟! هي وأخوها كده.. صبرني يارب 

نهض بمزاج تعكر بسبب فعلتها مغادراً لمنزله ولأول مرة يشعر أخيراً بمثل هذه السعادة منذ وقت طويل تمنى أن يصارحها بالكثير من مكنونات قلبه..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

تمتم "جاسر" لنفسه بعد الكثير من التفكير وتذكير نفسه بمن هي وحاول إجبار نفسه على كرهها والتركيز على إنتقامه منها فقط دون الإلتفات لتلك المشاعر الطائشة بداخله..

- تاني يا جاسر.. تاني بتفكر فيها، مش قولنا بقا خلاص وإنك هتنتقم منها وبس!! دي بنت هشام! أنت مش حاسس يعني.. وبعدين لا ذوقك ولا بتطيقك فيه ايه تاني يخليك متفكرش فيها..

 تنهد "جاسر" وهو يلوم نفسه ليقف بشموخه المعتاد ينظر لناطحات السماء أمامه من نافذة احدى البنايات العملاقة التي تقع بالولايات المتحدة الأمريكية: 

- أنت هتنتقم منها هي وأبوها وبس وهتكسرها مش أكتر من كده.. وعموماً اليوم لسه في أوله، أخلص العقد وأحرق في دمها شوية بقا وبالمرة كمان اقضيلي يومين بمزاج، اهو أحسن من النسوان الزفت اللي في مصر.. على ما واحدة ترضيني صح بتكون طلعت عيني إنما هنا عارفين هما بيعملوا ايه!!

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

استمعت في اهتمام للطرف الآخر الذي يحدثها:

- حضرتك يا هانم قاعدة معاه من الصبح

تسائلت في تعجب:

- ممم.. وده يبقا مين ده كمان؟!

اجابها الرجل مسرعًا:

- حضرتك اديني بس لغاية الصبح ما يطلع هكون عرفتلك كل حاجة عنه!

همهمت على مضض ثم استكملت المكالمة معه:

- ماشي.. وابعتلي صور النهاردة

رد الرجل في رسمية:

- تمام يا هانم تحت آمرك.. 

أنهت المكالمة لتبدأ في لمس الإنتصار الحقيقي، أو هكذا ظنت لتبتسم في خبث وهي تهمس إلي نفسها:

- والله يا بنت سلوى لا تشوفي ايام سودا أسود من الأيام اللي أنا عيشتها وأنا قلبي محروق على هشام يا.. يا بنت الحرامية!! 

ضحكت بصوت مرتفع امتلئ بالشر وهي تذكر تلك الكلمة التي نادتها بها وظلت تتوعدها داخلها فهي لن تسمح أبدًا بإستمرارية هذه الزيجة ولن تدوم طالما "هويدا الأنصاري" تريد هذا!..

⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢

تحدثت في انفعال شديد:

- طمع، طمع، طمع!!! أنا بجد مش قادرة أفهم الناس بتعمل فعلاً في بعض كده عشان الفلوس.

تنهد "أدهم" في آسى ثم عقب على حديثها قائلًا:

- معلش.. يالا اهي غلطة غلطها بابا الله يرحمه وأنا ماليش دعوة بيه.. عموماً أنا خلاص هاستقر هنا في مصر

تسائلت بفظاظة:

- وأنا أعملك ايه يعني؟

ابتسم في تعجب ثم تابع حديثه معها:

- بصي أنا معرفش أنتي كده مع الكل ولا عشان مضايقة مني بس أنا فعلاً ماليش ذنب في حاجة وبكرة الأيام هتثبتلك كل ده، وعلى فكرة أنا عديت على باباكي في الأول عشان أسلم عليه ومكنش عنيد كده زيك!

 رمقته بتلك العسليتان الجريئتان ثم تسائلت بالمزيد من تلك النبرة الصلبة التي تجعلها تبدو كالرجال:

- ماشي أهلاً وسهلاً أعملك ايه بردو؟!

 لاحظت ابتسامته تتلاشى وتحولت ملامحه للضيق ليقول:

- يا بنتي أنا ابن خالك.. أنا مش عدوك، واللي عمله بابا زمان أنا ماليش دعوة بيـ..

قاطعه صوت هاتفها الذي اجابته بسرعة:

- ايوة يا رامز.. ما يولع بجاز وسخ وأنا مال أهلي.. عمل ايه يعني.. من امتى الكلام ده؟!.. طب أقفل أنت دلوقتي..

نست تماماً من يجلس أمامها لتفتح احدى مواقع الأخبار التي تهتم فضائح المشاهير ثم كتبت اسم "جاسر شرف الدين" لتنفجر غضباً وتتعالى أنفاسها مما رآته ومن ثم أغلقت شاشة الهاتف وألقته بحقيبتها بغل وغضب شديدان لينظر إليها "أدهم" ثم لاحظ اختلاف ملامحها ليسألها:

- سيرين أنتي كويسة؟

تأففت لتندفع به كما هي عادتها:

- يا اخي حلوا عني بقا ده مش ممـ..

فجأة تريثت بعد أن صاحت به في غضب ثم نظرت له وابتسمت عندما واتتها تلك الفكرة:

- وريني بقا يا ابن خالي يا حنين!! تيجي معايا فرح كمان تلت أيام؟!

ارتفع حاجباه في دهشة وهو يهز رأسه بإنكار ليجيبها بإبتسامة:

- هاجي يا مجنونة..

#يُتبع . . .