الفصل السبعون - شهاب قاتم
الفصل السبعون
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
الإنسان مهما حاول أن يخدع نفسه ويتعامى عن الحقيقة فإنها تظل تطارده إلي أن تنفجر في وجهه كالقنبلة الزمنية في أي لحظة..
وبقدر ما نهرب من الحقيقة بقدر ما يكون انهيارنا أمامها نهائيًا..
وبقدر ما تتضاعف أمامها الآلام والمشاكل حتى لنتمنى حين نجد أنفسنا أخيرا أمامها لو كنا قد وفرنا على أنفسنا عذاب الهروب والمطاردة وخداع النفس، وواجهناها منذ البداية وتحملنا تبعات تلك المواجهة بشجاعة..
فلا أحد يستطيع أن يتجاهل الحقيقة حتى النهاية، ولا أحد ينجو من تبعات ما جنت يداه ذات يوم مهما طال الفرار، ومهما كان ماهرًا في خداع الآخرين.. وخداع نفسه..
(عبد الوهاب مطاوع - خاتم في إصبع القلب)
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
حينما يريد المرء النجاة فهو يحاول بكل ما تبقى لديه من مقدرة على المواصلة، المقاتلة والمثابرة .. هذه هي الفرصة الوحيدة أماماها، لقد أدركت الآن أنها لن تستطيع أن تصرخ بوجهه وتخبره بالإبتعاد .. عليها أن تكون اذكى منه هذه المرة!!
توجست وهي تمضغ ما يُطعمها اياه في هدوء وبصعوبة استطاعت ألا تنظر بعينيه وحاولت الهروب من بنيتيه التي اصبحتا تصيباها بالخوف فمنذ انعكاس تلك الألهبة على وجهه وهو يقوم بحرق الرجل وهي لا تستطيع نسيان كيف بدت ملامحه وخاصةً عينيه .. مجرد تلك الذكرى بمصاحبة قتله لآخرين حرقًا بالنيران أو بأسلحة تجعلها ترتعد وكأنه خلق لقتل البشر .. مميت!! هذا كل ما تدركه .. هو مميت ولا ينجو منه أحد!
قدمت شفتاها بعفوية لتكمل هذا الطعام فهي لا تزال تشعر بالتشويش ولا تستطيع أن تهتدي لخطة واضحة بعد في كيفية الخلاص منه والهروب والعودة إلي مصر وأكملت دون أن تنظر له ليباغتها بجذب الطعام بعيدًا فأشرأبت عسليتيها إليه في تلقائية لتلتقي بخاصتيه الحائرتان وهو ينظر لها نظرة أجفلت حواسها لتحمحم وهي تبتلع وظلت ناظرة له في هذا الجو الكئيب وتلك النسمات الباردة في هذه الغرفة التي لم تظن بأحلك كوابيسها أن ستتواجد بها يومًا ما!
ضيق حادتيه وهو يتفحصها مليًا ليتسائل في همس بنصف ابتسامة متغطرسة:
- إيه؟ خايفة تبصيلي؟!
أومأت بالإنكار سريعًا وارتجفت شفتاها وهي على مشارف التكلم ثم اجابته بصوت مهزوز:
- أأنا .. أنا بس يعني.. مكنش قصدي اضربك بالمسدس.. والأوضة هنا غريبة ومضايقة إنك لسه رابطني في السرير.. وبابا وماما وفريدة أنا..
اجهشت بالبكاء الحقيقي بالرغم من أن بداخلها كانت تقرر أن تزيفه بينما آتى وحده من جديد ليتفقدها "شهاب" بأعين تلتمع بتساؤلات شتى؛ بل وارتياب جلي ولم يتأثر ببكاءها وأمال رأسه إلي احدى الجوانب وهو يرمقها بمزيدًا من التفحص ليتنهد في النهاية وتحدث بنبرة مودعة لأي شعور قد تتبين خلاله ما يكنه لها:
- عايزة تفهميني إنك نمتي صحيتي فجأة بقيت صعبان عليكي وبتبرري اللي عملتيه..
قلب شفتاه في وهو لا يُصدق كل هذا العرض الباهر أمامه ليتناول نفسًا مطولاً وتمتم ساخرًا:
- نفس المصايب!
نهض فجأة بعد أن ترك الصينية جانبًا لتنكمش هي على نفسها بغتة لتستمع لزفراته المتهكمة من فعلتها ومن جديد حاولت ألا تتلاقى اعينهما ليُكمل بمزيد من التحكم:
- هنشوف! هنعرف كل حاجة!
زفر أنفاسه وتوجه ليقوم بفك تلك الحبال حول يداها ثم احتوى وجهها وأجبر رأسها على العودة للخلف لتلتقي اعينها الضالة وسط تفكيرها بالنجاة بعينيه التائهة في خضم محاولاته لتخمين ما قد تُفكر به هذا المرأة العنيدة ليشرد كلًا منهما في طريقه الخاص ولكنه سرعان ما همس مُحذرًا:
- البيت هنا أأمن من البيت التاني.. فيه أكتر من خمسين راجل حوالين البيت.. أنا فضيتلك خلاص وخلصت كل حاجة وانتي نايمة علشان متشوفيش حاجة متعجبكيش!
حاولي الكام يوم الجايين يعدوا على خير من غير جنان.. أنا روحي في مناخيري وقربت اجيب اخري.. بلاش تطلعي أسوأ ما فيا لغاية ما الكام يوم دول يعدوا.. هنبقى كويسين سوا.. هنرجع حلوين.. اتفقنا يا حبيبتي؟
ابتسم ابتسامة لم تتأثر بها عينيه التي ضيقهما بطريقة غريبة واشتدت قسوة كفاه على وجهها فسرعان ما وجدت نفسها تومأ له في ارتباك شديد لتتوسع ابتسامته واقترب ليقبل جبهتها رغمًا عنها بالرغم من محاولتها في الارتداد بجسدها للخلف كي تبتعد عنه وكذلك لم يكترث بتلك الإرتجافة في جسدها وهمس من جديد:
- متنسيش تكملي اكلك.. بكرة صيام ومش عايزك تتعبي.. الف هنا يا حبيبتي!
ابتعد لتتلاقى اعينهما لترمقه في تعجب وهي ترى تحول ملامحه مائة وثمانون درجة وهو يبتسم إليها بملامح عاشق يتهلل وجهه لمجرد النظر إلي حبيبته بينما تركها وغادر للخارج.
تابعته بعسليتاها المرتعدتان إلي أن غاب عن بصرها لتطلق نفسًا بطيف من الراحة وتذكرت أنها تتعامل مع مريض قد مزقه المرض إربًا.. لقد تأصلت بداخله السيكوباتية منذ زمن بعيد.. كل ما لديه من حجج واعذار بأنه يريد أن يتغير.. كل ما كان يخبرها به.. كل تلك الأكاذيب بأنه أُرغم على أن يكون قاتلًا.. كل شيء كان مجرد خدعة وحيلة فقط كي يتملكها!
ولكنها ستفر وستهرب لا محالة.. يستحيل أن يكون هذا قدرها.. أن تُكمل في زواجها من قاتل.. وحتى لو كان صادقًا بكل ما ادعاه بالسابق وبكل ما يدعيه الآن..
ما الذي سيحدث بعد عشر سنوات لو بقيت معه؟ سينجبان طفلًا أو ربما اثنان؟ هل ستستيقظ هي وهما ذات ليلة على انفجار؟ احدى الحرائق التي سببها هو؟ أم ربما على صوت تلك المرأة العارية وهي تخبره بأن يساعدها؟!
ابتسمت في وهن وتواترت دموعها دون إنقطاع ولا توقف، دون أن يصاحب بكائها أي شهقات ولا صوت يُذكر! كانت كالجماد تمامًا.. لو نظر إليها احد لا يعرفها سيظن أنها مشلولة لا تستطيع التحرك! لقد نبث عقلها بين طيات انكارها الذي دام لقرابة الثلاث سنوات ليجد الكثير والكثير من غبائها وسذاجتها لتشعر بإعتصار قلبها بين ضلوعها على كل ما فرطت فيه من نفسها وروحها!
لم يعد يُهم شيء.. إمّا تبتعد عنه أو تبتعد عنه.. بحيلة، خُدعة، كذبة، سلاح، موت.. أي شيء، ولكنها لن تقوى على تحمل المزيد من الفجائع التي قد تطرأ من شخص مريض مثله!
هذه المواجهة قد تأخرت للغاية .. لقد كان عليها أن تكون بكل هذا الوضوح تلك الصراحة قبل أن توافق أن تكون زوجة وعاشقة لرجل مثله، كيف حدث هذا؟! كيف تركت إنكارها يخدعها بمثل هذه الطريقة إلي أن وصلت لإنفجار روحها الذي لم يبق على أية مشاعر بداخلها؟ لقد التُهمت احاسيسها فقط لخداع انغمست به بمنتهى السذاجة والغباء!!
لقد انتشلها هو بذكاءه ومكره، بأفعاله الطفولية، كالفتى الصغير الباحث على عناق وهي بكل بساطة قدمته له دون تردد ولا إكتراث بأنها توقع نفسها في براثن من لا يرحم! الأمر ليس بيده، هو لن يفهم ما معنى العشق أو الحب يومًا ما.. ربما بعد التعرض للكثير من الصدمات.. وهي لم تعد تلك المرأة التي تستطيع أن تحارب من أجل أن تنجح.. كل ما تريده الآن هو الأمان والطمأنينة ليس إلا! تريد التخلص من هذا القاتل!
لقد تسلل بكل ما هو عليه بمنتهى الخبث والحرفية في دمائها حتى باتت لا تستطيع اكمال يومها دونه! بطفوليته، بجاذبيته، بتلك الهالة الخطرة التي تحيطه طوال الوقت، وبتلك البنيتين الباحثتين عن الحنان والشفقة منها، استطاع أن يجعلها تشعر بالعشق من جديد! لا تصدق كيف فعلتها ولكن كل ما تصدقه هي أنها ستتخلص من هذه الورطة!
عليها أن تكون أذكى.. وعليها أن تبتعد.. حتى ولو كان عليها أن تكذب عليه، أن تخونه أو حتى تقتله! وبالطبع عليها أن تسبقه بخطوة كي تستطيع الفرار!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
بعد مرور يومين..
شعرت بقليل من الراحة نسبيًا بعد أن استمرت في تلك الهدنة غير المنطوقة بين كلاهما، دون اتفاقيات وتوسلات وبكاء ووعود واهية كما اعتادت منه.. هذان اليومان كانا كفيلان بأن يلهماها بعض الراحة .. ولو كانت بنسبة ضئيلة!
وفي نفس الوقت كانا كفيلان بأن تتملكها حالة من الذعر لا نهاية لها، فهي لم يمر عليهما يومان مثل اليومان المنصرمان، هدوء مبالغ به يجعلها تشعر وكأنما هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة بالتأكيد..
زفرت أنفاسها بتأني وأغلقت عينيها وهي تشعر بتلك المياة الدافئة تغمر جسدها بأكمله وحاولت من جديد التفكير .. لو أنها اخبرت "كارلو" ما الذي سيمنعه من قتلها، وخصوصًا بعد احاديث "شهاب" معها بكم أن المعلومات تلك لو علم احد انها تعلمها سيقتلونها بلا محالة!
ماذا لو بعد ثمانية أيام وجدت "فرانك" أمامها؟ هل يُمكن أن يُساعدها؟ هل لو اخبرته بأن كلًا من "شهاب" و "كلوديا" يُخططا لمقتله سيضمن لها أن تذهب عائدة إلي مصر؟!
ولكن هي لا تعرفه ولا تعرف كيف سيقوما بقتله، هي لا تعرف شيئًا أبدًا! لابد لها من أن تحاول معرفة الخطة بأكملها حتى تستطيع التفاوض مع "كارلو" أو "فرانك" وفي نفس الوقت دون أن يشعر "شهاب" بأي من هذا!
شهقت فزعًا عندما شعرت بأنامله على خصرها لتلتفت نحوه بأعين متسعة في ذهول شديد وتقهقرت للخلف بعيدًا عنه وهي ترمقه في تحذير وحاولت أن تداري مفاتنها بعيدًا عن مرمى بصره ولكن ما فاجئها هو أن عينيه لم تترك خاصتها واققترب كالعادة دون اكتراث لما قد تريده هي وجذبها رغمًا عنها من معصم يدها!
ابتلعت في شعور بالوجل وعجت ملامحها بالنفور لتهتف به:
- بعد اذنك.. احنا لسه مش كـ..
لم يتركها تُكمل كلماتها وقاطعها بنبرة واثقة هادئة للغاية حملت في طياتها تهديد شديد اللهجة:
- اهدي.. أنا عارف إننا مش كويسين وبنحاول.. متقلقيش.. خدي كل الوقت اللي انتي عايزاه!
ضيقت ما بين حاجبيها وهي تنظر له وكادت أن تمنعه، تركله أو تعنفه على ما يحدث، ودت أن تصفعه وتبصق على تلك الملامح الكاذبة، تريد أن تصرخ به وهي تخبره كم تكرهه ولا تطيق رؤيته ولكن لن ينتج عن كل ما ترغب بفعله سوى أن تُعجل بإنعدام فرصتها الوحيدة في أن تهرب منه.. صبرًا إذن!
تفقدها لبرهة ليراها تبتلع، تحدق به أكثر من اللازم، لم تجذب يدها بعيدًا ولم تندلع ألهبة غضبها مثل ما يعتاد منها، تنقلت عينيه من عسليتيها إلي كلًا من وجنتاها وشفتاها ليبتلع ورغمًا عنه بدأت بنيتيه في اختلاس النظرات إلي مفاتن جسدها وبالرغم من أنه زوجها، وكذلك لن تستطيع هي منعه ولا أحد سيستطيع فعلها، ولكنه بداخله شعر وكأنما هناك أمرًا خاطئا بفعلته.. وكأنه ليس مصرح له أن يرغب بها ويريدها كإمرأته وزوجته!
رفع عينيه إليها وهو عاقدًا لحاجباه ورآت طيفًا من الغضب يلوح على تقاسييم وجهه ليباغتها بإرغامه لجسدها كي تتحرك وتواجهه بظهرها لتشعر بأنفاسه تمتزج بإحتدام غريب ولم يجعل الأمر شاقًا عليها حيث أنهى معاناتها مسرعًا وهو يهمس بالقرب من أذنها:
- أنا عارف كويس إيه اللي غيرك معايا بعد ما كنا خلاص قربنا نكون كويسين!! اللي عملته يوم ما قتلت الناس قدامك خوفك.. غصب عني بس مكنش قدامي غير الحل ده!! غصب عني إني اجبرك تيجي معايا إيطاليا!
لهثت انفاسه واتسعت عينيها في ذعر عندما شعرت بيده تتنقل على جسدها بصحبة سائل الإستحمام لتتحدث بصوت مهزوز وهي تشعر بأنها محاصرة، لو بالغت في منعه سيعود لبكائه كالطفل الذي لا يود السكوت، ولو تركته ليفعل ما يريد ويستمر به ربما سيرتاب بأمرها؛ وعلى كلٍ، لم يعد مهمًا ما تريده ولا ذلك الإشمئزاز الذي يسيطر على دمائها والتقزز والغثيان اللذان يتحكما بها كلما تلمس جسدها!
تشجعت قليلًا وحاولت السيطرة على انفاسها المنفعلة في شتات من الإشمئزاز والتردد لتظن أن تنهاه بحزم ولكن آتت نبرتها مهزوزة:
- شهاب بعد إذنك.. أنا مش مرتاحة وانت معايا كده.. أرجوك أنا لسه محتاجة وقت شوية على ما اقدر اتغلب على trauma بتاعت الـ..
قاطعها من جديد بنبرة حادة لن تغادر سوى شفتي رجل مُعذب مما جعلها تسخر بداخلها على براعته في الكذب:
- عارف.. عارف وفاهم ده كويس.. بس أنا مش عايزك تفضلي تخافي مني.. وعمري ما هاجبرك تاني إنك تنامي معايا أو أجبرك على حاجة زي اللي حصلت.. بس احنا في وقت خلاص مبقاش ينفع فيه إنك تخافي مني أو أنا مثقش فيكي!
ابتلعت في تأني ثم شعرت بإسفنجة الإستحمام تمر على جسدها وليس أنامله هذه المرة لتضارب مشاعرها بين الخوف الذي يسيطر عليها بينما تدفه هي بعيدًا كي لا يقشعر جسدها ويلاحظ هو ذلك، وبين الإستغراب والتعجب من كل ما يفعله معها، إن لم يكن سيجبرها على التواجد معه، ما الذي يرده إذن؟!
ارغمها من جديد لى الإلتفات لتواجهه ليتفحصها لوهلة فتهربت هي، وكأن حتى قد صممت مسبقًا على أن تفر من نظراته المتسلطة التي ربما بالسابق كانت تظنها احتياج شديد لها أمّا الآن فلقد اختلف الأمر، نظراته لم تعد تذكرها سوى بكم هو ماكر ومخادع وكم كانت هي ساذجة غبية!
رمقت تلك الرغبة في عينيه لتتجمد الدماء بعروقها لتخبره في تردد وهي تحاول ألا تفسد الأمر كي لا يرتاب بها:
- معلش .. أنا مش مرتاحة .. ممكن تسبني.. وهنكمل كلامنا لما اخلص واخرج! ارجوك يا شهاب! انا لسه مش عارفة ارجع زي الأول!
أخفض بصره من جديد لمفاتنها وهو يرطب شفتاه لتخفض عينيها إلي جسده لتلاحظ استجابته التي تتلائم كثيرًا مع ذلك اللمعان الشغوف ببنيتيه وارادته بها ليفاجئها من جديد بترويه بعسليتيها وتقاسيم وجهه تزاد قتامة وشدة ليحدثها بين أسنانه المُطبقة بنبرة اتضح عليها المشقة:
- فكرك كل اللي بيحصل سهل عليه؟! تفتكري أنا عايز كل ده؟! فاكرة إني فضلت تلت سنين اجمع بلاوي عن كل واحد في عيلة كارلو وعملتلهم مهمات صعبة اوي علشان يسبوني امشي وبعدها سنتين ونص عيني في وسط راسي وانا بخلص من وليد ولا ببعد عن كلوديا والمافيا، هاجي بين يوم وليلة ارجع بمزاجي؟!
نبرته باكية بينما وجهه بأكمله تتساقط عليه الدموع الممتزجة بالمياة، أم هي المياة فقط وهو يدعي ويزيف بكاءه؟! هي ببساطة لم تعد تثق به!
تسارعت أنفاسه وهو يحاول أن يواجه رغبته الشديدة بها وذلك الشعور الذي يدفعه بأن يضاجعها اسفل المياة كي يشعر بقليل من الراحة! شهران دون ممارسة للجنس كان أمرًا لا يُحتمل ولكنه سيحاول التفكير بأمر آخر!
حارب تلك الإثارة التي تملكته ليطعنها في مقتل لينظر إليها وحدثها في توسل بنبرة صرخت بالتضرع الهائل:
- كلوديا مموتة ولا يجي مية واحد! عارفة يعني إيه؟! أنا وانتي بعيلة زي عيلة بدر الدين مش هناخد في ايديها حاجة! الفكرة إنها عايزة توقع حد مش سهل، وعارفة إني دايمًا بعرف اتصرف..
لو كنت رفضت إني اساعدها كانت هتأذينا! لو مكنتش زي ما كنت زمان قدام الناس اللي قتلتهم وخوفتي لما شوفتيني بموتهم كانوا ببساطة قالوا إني بقيت ضعيف، مش محمي، لا من كارلو، ولا من العيلة كلها ولا حتى كلوديا..
انتي معندكيش فكرة أنا عندي اعداء قد ايه! فيروز ارجوكي حاولي تفهميني! أنا بحاول.. بحاول في كل الجهات.. بحاول اخلص من كلوديا ومن اللي هي عايزاه وبحاول اكون انا وانتي كويسين وبحاول اتعالج، وبحاول اقرب من ربنا، وبحاول احميكي واحمي نفسي.. أنا حاسس إني في دوامة مش هاطلع منها!
كادت أن تضحك بينما هو يبكي بالفعل، ما الذي حولها له؟ أباتت مريضة بإستمتاعها بمعاناة غيرها؟ أتتحول الآن إلي إمرأة سادية؟ هل هو معدي حقًا إلي هذا الحد؟!
بكى من جديد بينما ارغمها على الالتفات مرة اخرى وجذب جسدها رغمًا عنها وجعله يرتطم به حتى اختفى بين ذراعيه وكادت أن تركله ولكنها منعت نفسها بأعجوبة حتى لا تُفسد كل ما تحاول فعله منذ أن استيقظت وفقط همست في خوف عله يبتعد:
- أرجوك .. كل ما بتقرب مني مش بشوف غير صورتي في المراية وانت ضاربني .. صوتك واحنا في الجراج و..
قاطعها وهو يحاوط جسدها بقوة:
- هشش.. اليوم ده عمره ما هيتكرر.. أنا بحبك اوي يا فيروز.. بحبك ومحتاجلك.. مش حاجة إني.. إن أنام معاكي أو.. فيروز أنا!!
اجتاح حلقه غصة نافذة بالكاد استطاع التغلب عليها ليهمس بصعوبة:
- أنا مكنتش عارف إن اليوم اللي فطرت فيه إنه اول يوم رمضان وبعد كده صومت! مش هاكدب عليكي.. اه اتبسطت وانا بحرق الناس والراجل! واتبسطت اوي.. انتي عارفة لما بحرق حد بشوف مين؟! بشوف زمايلي اللي في المدرسة يا فيروز وهما بيولعوا قدامي.. صوت اللي بيصرخ راجل او ست وهو بيتعذب بالنار بيفكرني بصوتهم!
بيفكرني قد ايه استقووا عليا في يوم من الأيام وأنا كنت ضعيف ومش قادر ادافع عن نفسي.. بس دلوقتي أنا قوي.. اقدر ادافع عن نفسي من اي حد.. ممكن أأذي أي حد يقربلي أو يقربلك! أي حد يهددني أو يهددك أنا هموته.. همحيه من على وش الدنيا!
اجهش بالبكاء لتبكي هي الأخرى، ولكن هذه المرة لم تستطع أن تواجه نفسها بالسبب، هل من عناقه لها الذي تتمنى الفرار منه أم بأحدى طرقه الماكرة استطاع أن يجدد الشفقة بداخلها من جديد؟!
تقسم لنفسها لو حدث ذلك ستقتل نفسها أو ستقتله لا محالة!
ارغمها على الإستدارة وأحاط وجهها بكفيه ليهمس بها:
- غصب عني.. أنا مختارتش إن حياتي كلها تبقى وحشة.. يمكن كنت طماع وكافر بس استحالة اكون أنا السبب في كل اللي حصللي من وأنا صغير!
ابتلع عبراته المرة كالعلقم وهمس بملامح بائسة لتدعوا بداخلها ألا تستجيب لأي منها وألا تتأثر بها فهي تعلم جيدًا كلما صدقت تلك الملامح وقعت في وطأة أشد وبالًا من التي تسبقها:
- اسمعيني.. أنا متعود على كل حاجة غلط وحرام بس خلاص!! خلاص مبقتش عايز حاجة منهم ولا عايز حد في الدنيا غيرك! أنا هاعملك كل اللي انتي تقولي عليه.. صلاة صوم ، أي حاجة.. أنا خليت هاشم يشهد بدر الدين على جوازه هو وفريدة.. وكتبتلها تلت فيلات بإسمها.. حطيتلها مبلغ كبير في البنك!!
هنفذ كل اللي تقولي عليه وكل اللي انتي عايزاه.. بس متسبنيش.. متبعديش عني..
مرر أصابعه في شعرها ومن جديد احتوى وجهها بين يديه ليبكي بمرارة وتحشرج صوته مستعطفًا:
- احنا كنا كويسين لولا الناس اللي جت.. فاكرة؟! .. احنا بمجرد ما الدنيا تفتح وعيد الميلاد ده يخلص هنسافر.. هنمشي بعيد في مكان عمرنا ما روحناه.. هعوضك عن كل الأيام اللي عدت علينا هنا وفي مصر!!
أنا عارف إنك تعبتي معايا.. سواء في علاجي ولا من تصرفاتي.. عارف إني زودتها.. بس أرجوكي.. أنا محتاجك.. مش هاقدر اعيش من غيرك!
هعمل اي حاجة تثبتلك إني اتغيرت بس ارجوكي يا فيروز حسسيني إنك بتحاولي.. أنا محتاجك.. محتاج حضنك!! أنا خايف.. خايف من اللي هايحصل يوم عيد ميلاد كارلو! خايف حاجة تحصلي أو تحصلي وساعتها مش هاقدر.. مش هاقدر.. الدنيا من غيرك هتبقى صعبة اوي عليا.. متبعديش عني ارجوكي!
استغاثها بنيتيه ثم جذبها بقسوة ليقبل رأسها ومن ثم كلتا يداها في نهم موزعًا قبلات عديدة في امتنان صريح وعانقها مرة أخرى وهو يتشبث بها بكلتا ذراعيه لتشعر هي وكأنها باتت كالجماد، كقطعة ثلج لا تستجيب لتلك الألهبة التي تؤجج مشاعره التي باتت تثق بأنه يزيف اغلبها..
وحتى ولو كانت مشاعره تحمل قدرًا من الحقيقة بما انها هي الوحيدة التي وصلت لكل ما عاناه من صدمات وتوصلت لكل هذا بسبب تعاطفها مع كل صدمة على حدةٍ، هي لم تعد تثق بالزمن الذي ستستمر خلاله تلك المشاعر، هل ستستمر لساعة أم يوم أم شهرًا؟! لقد فقدت كل ذرة أمل بأن يُعالج أو أن يُصبح أفضل..
أسوأ ما يكون أن تفقد الثقة التي كابدت أن تحصل عليها.. في تلك العلاقة السامة التي تجمعهما.. الثقة باتت أمرًا مستحيل الحصول عليه.. نعم، الثقة المتبادلة.. هو لا يثق بأي احد ولا حتى نفسه بينما هي فقد فقدت الثقة والأمان والطمأنينة وكل المشاعر الإيجابية التي تحتاجها المرأة ولا ينفك يذكرها بكل ما فقدته بمجرد نظرة واحدة منه إليها!
ابتعد قليلًا عنها ليتفقد وجهها بملامحه الباكية ليتكلم في لهوجة شديدة وتسارعت الحروف وهو ينطقها:
- فرانك.. فرانك أنا هموته! هتصرف في حد يحطله سم وابقى كده خلصت.. وهنهرب.. كارلو مش هايعرف يوصلي.. ولا أي حد تاني!! هنعيش سوا!! أرجوكي حاولي معايا.. متسبنيش!
أومأت له بالموافقة وهي يُدرك جيدًا أنه لتوه قد وضع سلاحًا ملقمًا بأكمله بين يديها كمن يصرخ بها أن تقتله وتنتحر بعدها بتلك المعلومات التي اخبرها بها للتو، ولكن مقدار انعدام ثقته كان أكبر من خوفه على حياتهما معًا..
ادعت أنها تفرك عينيها وهي تزيح تلك الدموع التي لا وجود لها وهي تبتلع دموعها ونظرت إليه لتزيف نظرات التعاطف لتبتسم له ثم همست:
- هسامحك بس أنا محتاجة وقت.. أنا يوم ما اختارتك وحبيتك كنت عارفة إن القرار صعب.. وكنت فاهمة إن اختياري صعب وإن بالذات حالتك مش هتتعالج بسهولة!
بس متجراش حاجة.. هنفضل سوا.. هافضل جانبك ومعاك..
شابكت اصابعهما وهي تُمسك بكلتا يداه لتنظر لها بإبتسامة منكسرة ادعتها ثم رفعت نظرها نحوه وتكلمت:
- اللي انت مريت بيه مش سهل! إنك تفضل عايش وانت بتفتكر إن زمايلك اغتصبوك.. وأنت بتحاول تدافع عن نفسك وانت ضعيف.. فقرك واحتياجك للأم.. بعد كده صد غادة ليك وعيشتك الصعبة اول ما جيت إيطاليا وشغلك.. بخل باباك.. المافيا وكلوديا والقتل وكلام وليد وإل تشينو وكارلو!!
أنا فاهمة كل ده ومقدراه! مقدرة إن مرضك مفيش علاج ليه.. حتى بعد سنين لو اتعالجت هيفضل عندك نسبة! بس أنا هافضل جنبك! أنا بحبك.. وقابلاك بكل اللي انت فيه!
يمكن الفترة الأخيرة اللي شوفته كان صعب لدرجة خلتني انسى كل حاجة صارحتني بيها.. وبعدها موت بابا وماما!! أنا محتاجة وقت واوعدك كل حاجة هتبقى كويسة!
ابتسمت بإقتضاب وادعت البكاء اسفل هذه المياة بينما بداخلها شعرت بمذاق انتصار محبب لقلبها.. للتو قد آلمته بتذكيره بتلك الفجائع!! هذا لو كان لا يزال يشعر من الأساس!!
عيَّرته دون أن يشعر، أو ربما شعر ولاحظ.. إما يقتلها إذن وإما ستفعل هي.. لم يعد هناك بها مثقال ذرة من تعاطف لمخادع خبيث مثله! ولكنها ستفر منه لا محالة وستجعله يدرك أنها تحاول! لقد نجح في تحويلها لمريضة بإحتراف بارع!
ابتسمت له في وهن مدعية مجاهدة نفسها أن ترسم تلك الإبتسامة على شفتاها لتهمس له:
- معلش ممكن تسبني بس اخلص وهاخرج نقعد سوا ونتكلم اكتر؟!
أومأ لها وهو يتفحصها بملامح تحولت تمامً وغابت عنها المشاعر ولكن هذه لم تكن أول مرة، لقد اعتادت تقلباته المزاجية ومحاولاته اللانهائية في الكذب والخداع وأخذ العهود التي لن يستطيع الوفاء بها، وأخيرًا وليس آخرًا؛ محاولاته كي يُحلل ما تفعله.. ولكن ستباغته!
رفعت احدى كفاه بتأني هائل وأخذت توزع نظراتها في تردد بين أنامله وبين عينيه لتقبل يده بشفتان مرتجفتان بينما تابعها هو ببنيتيه الحادتين بطريقة جعلتها تشعر بالذعر بداخلها لملامحه المخيفة ولكنها اجبرت ابتسامة ولم تجعله يرى ما يدور بداخلها ولا حتى يقترب منها كي لا يشعر بخفقات قلبها المتسارعة في خوف منه فبادلته النظرات لتضيف بهمس مترجية:
- شهاب.. أرجوك!
أومأ لها في تفهم بينما ولاها ظهره وشرع في الاستحمام مسرعًا لتتابعه هي بعينيها وسرعان ما انتهى وتوجه للخارج وأمسك بأحدى المناشف وهو يحيط خصره بها لتتنفس هي الصعداء لمغادرته اياها فأطلقت كل ما احتوت رئيتيها من انفاس وهي تتمنى بداخلها أنه صدق انها تحاول ان تتغير معه وقد قبل عقله الماكر تلك اللحظات التي تشاركاها منذ قليل كعربونًا وبداية للصلح الزائف بينهما!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
لا يدري ما الذي ستفعله معه! هل له أن يثق بتلك التراهات؟! هل له أن يتوسلها مرة أخرى؟! لم يعد يعرف ما الذي عليه فعله معها.. هو فقط يريد اكتساب بعض الوقت وعلى أي حال سيرى ما الذي ستفعله بما عرفته عن فرانك! أمّا الآن فسيتأكد ما إن كانت تحاول حقًا هذه المرة أم ما الذي تريد الوصول إليه!
انتظرها أمام باب الحمام بعد ان ارتدى ملابسه المنزلية وصنع لها احدى المشروبات الدافئة وقام بتهيئة المدفأة وجلس في ترقب ظهورها ليستمع لإغلاق مجفف الشعر لتتسلط بنيتيه على الباب وبمجرد ظهورها ابتسم لها وهو يراها لا ترتدي شيئًا سوى المنشفة فلد تأكد جيدًا منذ قليل أنها لم تضع أي ملابس بالحمام!
تلاقت اعينهما لتحمحم هي وكادت أن تتوجه لغرفة الملابس فأوقفها لتنظر له في ارتباك ليحدثها بنبرة هادئة:
- اشربي ده..
تناولت الكوب منه على تردد وابتلعت متوترة وكل ما آتى على عقلها هو تلك الذكرى عندما وضع لها النبيذ بالطعام فحدقت بالكوب ربما لوقت اكثر من اللازم لتشعر بيده تتناول يدها وتقدمها بخطوتان فسارت معه لتجد أن المدفأة تعمل وكذلك هناك فراء ابيض اللون وضع أرضًا ويعتليه شراشف بيضاء قطنية لترمقه في توجس مستفهمة بعد ما رآته ليبتسم لها ابتسامة بشوشة في لين وهدوء لو عاد بها الزمن لكانت وقعت لها كالضحية التي تُساق للنحر بلا محالة!
هزت رأسها في استفسار وهي تتسائل بعسليتيها المتوهجتان بالقرب من ضوء المدفأة ليجيب سؤالها الذي فهمه:
- متقلقيش.. مفيش حاجة هتحصل.. اقعدي!
حمحمت وهي تومأ بالموافقة ولكنها همست في ارتباك وهي تنتشل يدها من خاصته:
- حاضر.. هارح البس هدومي و..
أومأ لها بالإنكار لتتوقف من تلقاء نفسها ناظرة إليه بأعين اتسعت في ارتباك ليتكلم بإبتسامة جذابة للغاية في هذا الضوء الخافت وبعدها ابتلع لتلاحظ عنقه وبروزها يتحرك فأخذت خطوة تلقائيًا للخلف لتتوسع ابتسامته وحدثها في خفوت:
- متخافيش.. مش هاجبرك على حاجة.. أنا وعدتك.. اسمعي الكلام بس واقعدي! واشربي اللي عملته قبل ما يبرد!
اشار نحو كوبها ثم رفع حاجباه بإماءة أن تفعل لتتردد هي وسرعان ما قرأت بعينيه أن يرتاب بعدم ثقتها به وبما يقدمه إليها لتتناول من الكوب بكمية كبيرة فقط لتثبت له أنها ثق بها ولم تكترث لمدى سخونة مشروبها لتشعر بجحيم بفمها وبدلًا من أن تفعل شيئًا يدعو للتقزز ابتلعته دفعه واحدة لتشعر وكأنما الجحيم مرت من فمها إلي معدتها مسببة لها الشعور بحريق لا يريد الإنتهاء!
ابتسم على ملامحها وهو يراها تتألم ولا تدري ما الذي تفعله، ساقها التي ضربت به الأرض أسفلها كالطفلة المتذمرة جعلها تبدو شهية للغاية في عينه أكثر ولا يدري ما الذي يحدث اليوم فهو يريدها بشدة ولا يعرف ما الغريب الذي يدفعه للشعور هكذا خاصة هذه الليلة!
لانت ابتسامته واقترب ليُمسك بالكوب منها بينما تسائل:
- حد يشرب حاجة سخنة كده؟ اقعدي .. اقعدي!
رمقته بعسليتاها المنزعجتان في عتاب صريح وكأنما قصد ما حدث لها ليردف مسرعًا:
- انا معملتش حاجة علشان البصة دي.. انتي اللي غلطانة.. محدش يشرب حاجة سخنة بالطريقة دي!
استمعت لنبرته المستمتعة كما يبدو من ما حدث لها بينما لكزها دون مبالغة لتسقط على الشراشف خلفها فابتلعت وهي ترفع رأسها لأعلى وصاحت في رفض:
- لو سمحت يا شهاب.. مش علشان بقالنا يومين بنتعامل بهدوء يبقى خلاص هـ..
ضيق عينيه نحوها وهو يرمقها في تلذذ وانخفض بجسده ليجلس امامها مقابًلا لها جاثيًا على ركبتيه فتعجبت له وذهب بكل صبرها وهدوءها بعيدًا وقاطعها بصوت واثق هادئ وكأن كل الأمور بينهما في افضل حال:
- علشان بقالنا يومين بنحاول، وقبلها كنا بنحاول، يبقى لازم نكمل.. متقلقيش ولا تخافي مني!
زفر بعمق وهو ينظر إليها في جدية ثم تابع هامسًا:
- أنا يمكن بضغط عليكي اننا نرجع كويسين! بس إني اعمل معاكي نفس اللي عملته قبل كده عمرها ما هتحصل!
حاولت الحصول على بعض الدعم وهي تدفع ذلك الفراش اسفلها بكلتا يداها بعد أن احكمت ألا يظهر من جسدها اسفل تلك المنشفة شيئًا ولكنه جذب احدى ساقيها ليرغم جسدها على التمدد وتكلم مُحذرًا:
- يا ريت بلاش تديني برجلك في وشي فاضطر اعاملك بنفس طريقتك!
ابتلعت وهي تنظر له، شعرت بالإرتباك الشديد وهي تحاول البحث برأسها سريعًا عن مقصده مما يفعله، والذي بالطبع يُنافي كل كلماته التي يتفوه بها.. كيف لن يرغمها على شيء وهو يفعل ما يفعله؟!
لقد تحملت هذان اليومان بأعجوبة، نعم قد راقها الهدوء النسبي وهي تُفكر كيف تتخلص منه، ولكن أن يصل عقله المريض بأنها قد تسمح له بممارسة الحب معها فهي قد تختار الإنتحار أو الموت قبل أن يفعلها!
كادت أن تركله لتجده يُمسك بكلتا ساقيها بقوة شديدة ارغمتها على التآوه من وطأتها لينظر لها وهو لا يزال جالسًا على ركبتيه ليهمس بإبتسامة:
- افتكري إني حذرتك يا حبيبتي!
سرعان ما تحكم جيدًا في جسدها بأن يجعل وجهها مقابلًا للفراش بينما اتسعت عينيها في ذعر مصحوب بالذهول من افعاله التي لن تخلو ابدًا من وقاحته.. هو يُرغمها حقًا!! هي لا تتخيل أن ذلك الوجه الباكي من قليل وهذا الرجل الذي كان يُثرثر ألا تخاف وألا تشعر بالقلق وأنه لن يجبرها على فعل شيء بينما هو بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ دفعها لتسقط ارضًا وهي ترتدي منشفة الإستحمام على ذلك الشيء الذي يشبه الفراش ويثرثر بتحذيرات واهية بينما يُكره جسدها بهذه الطريقة أن يتمدد بهذا الشكل اسفل يداه!! ستقتله لا محالة!
دفعت بيدها الفراش اسفلها وهي تحاول الحصول على الدعم الكافي كي تنهض بينما باغتها بإعتلاء جسدها ثم ضغط بحدة على احدى الفقارات بظهرها لتصرخ متألمة فاقترب هامسًا بأذنها:
- ارجوكي متخلنيش اتصرف بطريقة مش كويسة! قولتلك مش هاجبرك على حاجة.. بس ده ميمنعش اننا نحاول نقرب من بعض.. اعقلي يا فيروز!
زفرت بحنق بالغ وهي لا تعرف اتثور ليه وتترك نفسها لذلك الغضب وتنهج نفس النهج القديم معه قبل أن يمكثا بهذا المنزل سويًا أم تجاريه فيما يريد إلي أن تنتهي تلك الأيام وتستطيع الهروب منه!
لاحظت توقفه عن تلمسها وكادت أن تنهض ليهدر صوته محذرًا ياها:
- فيروز.. ارجوكي بلاش.. مش هتحايل عليكي اكتر من كده!!
ابتلعت وهي تشعر بالتخبط، ما الذي يريده منها؟! يريد في ثواني أن يتحكم في الأمر بأكمله، بين ليلة وضحاها يريدها أن تُسامحه على تواجد القاتل بداخله.. أم ربما يريدها أن تسامحه على اجباره لها بأن تقوم بقتل رجل.. يريدها أن تذعن بإبتسامة أنه لا بأس من أن يقوم بحرق احد الرجال.. وبالطبع لا يريدها أن ترتاب في انه هو من قتل والديها فقط ليرغمها على التواجد معه!!
يُمكن أن تسامحه بالطبع، لقد فعلتها مئات المرات من قبل، ولكن هذا عندما كانت إمرأة ساذجة تعتمد على انكارها للأمور والهروب من الواقع كي تصبح معه في كل وقت وفي كل مكان! ولكن هذه المرأة المُنكرة لفجائع القدر لم تعد بداخلها.. لقد أخذت قرارها بأنها لابد وأن تفر وتهرب منه ولن تتنازل عن هذا مهما فعل ومهما حاول أن يفعل!
فكرت بسرعة.. هل عليها أن تعامله بنفس الطريقة التي تتبعها معه مؤخرًا أم تنهض لتصرخ بوجهه! هي تشعر بالتذبذب بين الأمرين ويبدو أن تشتتها دام لوقت اكثر من اللازم لتشعر بشيء سائل يُسكب على ساقيها وكادت أن تتحرك فعاد يضغط على احدى فقارات ظهرها مرة ثانية لتلعن بداخلها وكتمت توجعها منه ليتكلم في بنبرة مُحذرة:
- قولت متتحركيش! وقولت مش هاجبرك على حاجة!
لم تعد تستطيع التحمل لتصرخ به:
- انت ازاي بتقول الكلمة وبتعمل عكسها.. انا بجد مبقتش طايقة بجاحتك اللي بتتعامل بيها معايا.. تقول في كلام وتوعد وهاعمل وهاعمل وفي نفس الوقت كل كلامك بيبقى كدب!
زفر في سأم من صدها إياه بينما لم يتوقف عما يفعله وبدأ في توزيع ذلك الزيت الذي سكبه على قدميها بأنامله وتكلم في هدوء:
- فيروز.. انا مش بقول الكلمة وبعمل عكسها.. انا بحاول اقرب منك واثبتلك إن كل حاجة هتكون احسن.. أنا مش عايز اقرب منك بالطريقة اللي انتي فكراها!!
تردد قليلًا في محاولة منه لإنتقاء كلماته كي لا يُفسد الأمر بالتحدث بكلمات خالية تمامًا من أية مشاعر تُذكر.. فلقد بدأ بملاحظة افساده للأمر بينهما بأفعاله التلقائية وكلماته وهذا ما لا يريده خصوصًا بتلك الأيام التي يواجهاها سويًا!
حمحم ثم استلهم الثقة الزائفة التي برع في اظهارها جلية لا يتخللها شائبة بالرغم من اهتزازه الذي يشعر به بداخله:
- اولًا الفجر قدامه ساعتين.. وانا لو عايز اقرب منك تاني ساعتين مش هيكفوني! ثانيًا أنا شايف قد ايه انتي لسه مصممة تاخدي جنب مني.. وأنا مش هاقدر افضل مكمل في الحوار السخيف ده! انا مش غبي علشان مفهمش انتي بتحاولي تعملي ايه!
ابتلعت في وجل بينما تنهد هو وهو يمرر كلتا كفيه في تدليكات لطيفة وكل منهما ذهبت رأسه لتعتنق احدى الأفكار التي لا تبارح رأسهما.. فهي تريد الهروب.. أمّا هو فيريد عهدًا منها أنها لن تتركه وستبقى بجانبه دائمًا وأبدًا..
توجست لو كان ما يقصده انه يعلم بحقيقة تزييفها لمعاملتها معه بالأيام الماضية فإن كل محاولاتها ستضيع هباءًا وسيكون عليها أن تبدأ من جديد وهي بالكاد تحتمل أن تلاحظه من على مسافة.. ورؤيته حتى ولو صدفة باتت أكثر ما تكرهه في الحياة!
اقترب منها للغاية وهو يحافظ على توازن جسده ألا يسقط فوقا منها بينما شرعت يداه في تلمس ظهرها الذي جذب من عليه المنشفة وهمس وكأنهما بأفضل حال:
- أنا عارف إن انتي الأيام اللي فاتت كان المفروض اكون جنبك.. والمفروض كنتي تبقي جنب اختك.. المفروض مكنتيش تبقي هنا في وسط كل اللي بيحصل بس..
توقف من تلقاء نفسه قاصدًا أن ينثر أنفاسه بالقرب من اذنها وتابع همسه:
- أنا قولتلك إني مقدرش اكون من غيرك! سواء بنتخانق ولا كويسين.. انتي بقيتي كل حياتي خلاص! مش هاقدر ابعد عنك في يوم!
اشتدت حركات يداه على جسدها وهو يدلكه بخبرة ليست بالبهينة وابعد عنها ليتفقد جسدها بين يديه ليقر بفداحة غباءه الذي اجبره على فقد جسدها الذي كان يعانقه نائمًا، مستيقظًا كل ليلة وضحاها..
رطبت شفتاها وهي تحاول ألا تطنب التركيز فيما يفعله بصحبة هذا الدفء وتلك الروائح العطرية التي تساعد على الإسترخاء، كان الأمر اصعب من ان تخطط لأي شيء سوى ان تبتعد عنه.. وبسرعة!
حمحمت في محاولة لإستجماع بأسها معه ثم حاولت أن تعيد يدها للخلف لتوقفه قائلة:
- شهاب هنكون كويسين اكيد.. بس انا مش قادرة لسه اتـ..
امسك كلتا يداها عاقدًا قبضة حول كل واحدة منها بينما هددها بوضوح بإبهاميه في تحذير واقترب مجددًا من اذنها ليهمس:
- مش عايز اوجعك.. ولا عايز اجبرك! مبقولكيش تسامحيني.. في نفس الوقت مش عارف ابعد عنك!! غمضي عينك يا فيروز!
ازداد توجسها مما قاله لتبتلع وشعر بتشنج جسدها اسفله ولم يُسيطر عليها سوى صوته وبضع لقطات من ذلك اليوم المشؤوم بالمرأب.. تمامًا وضعية جسدها الآن اسفل جسده تُذكرها بالأمر من جديد بالرغم من انه بالكاد يتلمس جسدها سوى بيداه التي تعملان على تمسيد جسدها بأكمله دون أن يُسبب لها الآلم!
تسارعت انفاسها في لهاث مشمئز، مأخوذة بحالة بدأت تشعر خلالها بالذعر من تواجدها اسفله عارية وكادت أن تتحدث فبادرها هو:
- لسه شايف إنك مغمضتيش عينك.. حاولي تسمعي الكلام! صدقيني لو سمعتي كلامي كل حاجة هتعدي وهتبقى كويسة!
ارتجفت كلًا من شفتاها بذقنها وهي تحاول منع تفلت البكاء منها لتوصد عيناها بعد أن لاحظت بطرف عينها أن هناك مرآة امامهما وشعرت بقهرها الشديد لإدعائها الضعف والهوان.. هي لا تريد أن تترك بداخله مجالًا للشك وإلا لن تضمن ايذاءه لأقرب الناس إليه كاخته وبالطبع ي تتوقع أنه سيؤذي اختها لو هربت منه!
فليقتله "كارلو" هذا أو حتى "فرانك" الذي يثرثر عنه أو يجبره احد على العودة إلي المافيا وستفر هي!.. لابد وأن تخبر واحدًا منهما بكل شيء.. عن خطة السم تلك وأنه سيُقتل.. ولكن عليها اولًا ضمان أن أيًا من ستخبر بالحقيقة سيضمن لها ان تعود سالمة إلي مصر!
ابعد المنشفة تمامًا وسكب المزيد من احدى قوارير الزيت ليتفقد كل ما مرت يداه عليه في اشتياق وولع بإرادته اياها واستمر فيما يفعله ليبدأ في إدراك ان جسدها يلين اسفل لمساته ويستجيب نوعًا ما له لتلمع بنيتيه بالرغبة وكل انملة بجسده ترغمه أن يستجيب لتلك الشهوة التي تطغى بعروقه ولكنه لن يفعلها.. وإلا سيكون مخطئًا امامها.. ومعها!
همس ويداه ترتفع إلي عنقها لتغادر آنات التخلص من بعض التشنجات بعضلات جسدها التي لا تعلم من اين آتت فهي لم تكن تشتكي من شيء وأكمل تدليكه اياها في حركات دائرية بينما إبهاماه ينغرسان بجسدها في تناغم لا نهائي وكأنه خبيرًا بما يفعله لتقع في حالة من الراحة، الإشمئزاز، والكراهية له ولنفسها وللمساته وجسدها الذي استجاب له!
ظلت احدى يداه بالقرب من عنقها بينما الأخرى تنقلت على ظهرها في تريث ليقترب هامسًا في اذنها:
- اهدي.. خلي كل الوجع والطاقة السلبية اللي جواكي تخرج!
رطب شفتاه ثم زمهما وهو يمنع نفسه بأعجوبة ألا يُقبلها بينما شعرت هي بتثاقل جسدها بطريقة غريبة تمامًا وكأنها في منتصف نومها ولكنه لم يستطع ألا يمنع يده أن تغيب بين ساقيها لتفتح عيناها في نفور مما يفعله ليهمس بأذنها مسرعًا:
- انا عايز اشوفك كويسة ومبسوطة.. أنا مش مهم! قولتلك متقلقيش.. مش هاعمل حاجة اكتر من كده!
ساقيها التي حاولت ضمهما كي تعيق حركة يده، ومحاولاتها التفلت منه، ونفورها وخوفها الشديد لم يفلح أي منها وخصوصًا أنه بات ممسكًا اسفل رأسها بصلابة كي يُثبت جسدها من الأعلى ويده الأخرى باتت تتحكم بسهولة شديدة في منتصفها الأسفل وكأنه يسيطر على كل تحركاتها!
ذكرتها تلك اللمسات بأول ليلة لهما معًا، نفس الطريقة بنفس اللمسات التي تدرك جيدًا ما الذي تفعله بمنطقتها لتحاول أن تتوسله عله يتوقف:
- شهاب ارجوك بلاش كده.. انا مش مستعدة لكل ده و..
قاطعها مسرعًا بلهجة لحوحة:
- هششش.. غمضي عينك.. متفكريش في اي حاجة.. اعتبري نفسك في حلم.. انسي انا مين وعملت ايه!!
قصد أن ينثر المزيد من انفاسه بجانب وجهها واقترب ليلمح عينيها ثم همس متوسلًا:
- غمضي عينك!! حسي بإيديا..
ازاد من حركة يده لتلعن ذلك اليوم الذي جعلها تتزوج زير نساء مثله ضاجع الكثير من النساء ليهمس سائلًا بنبرة قاتمة دفعت كل ما بها للإستجابة لما يفعله:
- حاسة بإيديا؟ .. حاسة بيها يا فيروز؟!
كرر سؤاله بعد أن آسرت الصمت وبالرغم من ذلك الإبتزاز الذي تتعرض له على يداه ولكن بات الأمر الآن اصعب من أن تصده أو تمنعه لتهمهم بالموافقة عله يتوقف عن أن يحدثها ليعود من جديد هامسًا بنبرة آمرة:
- جاوبي سؤالي! حاسة بيها؟!
حمحمت وهي تحاول البحث عن صوتها لتهمس بإقتضاب:
- آه!
ابتسم بقليل من الراحة ولكن لم يحصل على ما يريد ليعود لإملاء الآوامر من جديد قائلًا:
- مش ده اللي عايز اسمعه!
ازاد من حدة حركاته لتتفلت احدى آناتها لتتوسع ابتسامته ولهاثه يزداد في مزيد من الرغبة بها ليهمس بالقرب من اذنها:
- ايوة.. ده اللي عايز اسمعه منك بالظبط.. فيروز.. يالا!
دفن رأسه وهو يلثم عنقها بنعومة بينما يده اللعينة لم تعد تترك لها مجالًا سوى الإنصياع لما بدأ به ولأول مرة بحياتها تغادر شهوتها جسدها بصحبة احدى العبرات الحاقدة في قهر من كل ما تواجهه معه!
أهذا ما يحاول فعله؟ أن يجذبها خلال ممارسة الجنس أو حتى الحب؟ أهذا آخر حل لديه الآن معها؟! ألا يرى ولا يدرك أنها لن ستجيب له ولو بعد آلاف السنوات؟!
أن يقبلها بنعومة او يتبع معها اسلوب الهدوء وأن يغدق على اذنيها طربًا بالكثير من الوعود التي تدرك بداخلها أنه ليس لها موثقًا ولن يوفي بها! لقد استيقظت من احلك كوابيسها! لن تستطيع إنكار أنها لابد وأن تبتعد عن تلك العلاقة وهذا الرجل بأي طريقة!
منذ هذا اليوم وهي تحاول ألا يجتمعا بغرفة واحدة، ولا تظهر امامه ابدًا سوى بأكمل ملابسها، حتى استحمامها تفعله عند تأكدها من ذهابه للنوم كي لا يتأخر الأمر مرة أخرى.. هذه المرة لم تكترث هذه المرة بماذا شعر أو بما يريده كرجل تعرض لحالة من الإثارة شديدة للغاية، لن تكون بمثل سذاجتها مثلما كانت معه اول ليلة جمعتهما!
هي ببساطة فقدت الأمان والثقة، واصبح اليأس يتملكها بأكملها، ولم يعد لديها أمل سوى في الفرار منه!
يكفيها فقط أن تبتسم بوجهه كلما التقيا، يكفي الاستماع له، السماح له بعناق على مضض مُفسرة انها لا تزال تشعر بالمعاناة منذ ذلك اليوم بالمرأب ليبتعد من جديد..
تشاركه الطعام، احيانًا الصلاة، يأتي بعض الأوقات ليجالسها كي يشاهدا التلفاز، وبالطبع تُكمل تلك الجلسات معه ولكنها ترتقب أن تنقضي تلك الساعات حتى أن تغادر هذا المنزل! فلم يعد يفصلهما عن ذلك الحفل سوى ساعات وانقشاع ظلمة السماء وتحولها لضياء النهار!
أغلقت الشاشة وتوجهت للسرير كي تنم وحمدت ربها بداخلها أنه لم يكن متواجدًا ولم يكن سوى لحظات من لمس جسدها للسرير ليُفتح الباب في عنف وكذلك الأضواء لتنظر له متفقدة اياه وقد التمع على جبينه اثار تعرقه الشديد الذي يظهر عليه عند نومه بينما اقترب منها وهو يزيح الأغطية ويجذبها من احدى يداها ليهتف بها متأهبًا:
- لازم نمشي حالًا.. البيت مبقاش آمان!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .
موعد الفصل القادم السبت بتاريخ 27 فبراير 2020