-->

الفصل الخامس عشر - جسارة الإنتقام


 



 - الفصل الخامس عشر - 


تنويه هام:

ليس بالضرورة التحدث عن السادية أو ادراج مشهد مرضي كي تُعرض احدى الصور المخفية في المجتمع للعيان وتطرح الفكرة أنني اؤيد السادية او مثل تلك الممارسات المريضة..

ونصيحة لجميع القراء رجال ونساء إذا واجهتوا تلك الشخصيات يجب عليكم الإبتعاد على الفور او امداد هؤلاء المرضى بمساعدة احدى المختصين!

     

اشمئزت ملامح "شرف الدين" وتسارعت انفاسه ليحدثها بنبرة حادة:

أنا أكدولي في البنك إنك أنتي اللي قولتلهم يسحبوا الفلوس بنفسك!

اتسعت عيناها لتجيبة متسائلة في استنكار نافر مما استمعت إليه:

- شوية الحيوانات دول هتصدقهم وتكدبني أنا يا شرف؟!

قست ملامحه ليعاتبها في حرقة وهو لا يصدق انه يفعل كل هذا بصديق عمره:

- هويدا حرام عليكي أنا حتى لو عملتي كده فيه مش عاوز أعرف أسباب، الراجل مراته ماتت والبنت اتيتمت! ظروفه بقت صعبة جداً.. نديله فلوسه ومش عاوز أعرف حاجة!

ردت بصياح:

- حرام عليك أنت عاوز تضيع تعبنا وشقانا.. أنـ...

ظلا يتجادلا ولم يرى أحد منهما ذلك الطفل الذي بدأت عنده عدائية من نوع آخر في النمو، كلما استمع لهما دمر كل شيء ولكن أي شيء ليس يخصه وليس له، ربما أثاث، كتب، تحف، لوحات معلقة على الجدار وهذا كان كرد فعله كلما سمعهما يتشاجران!!

تسائل "شرف الدين" في صدمة عندما رأى ذلك الدمار بالمنزل:

- ايه ده يا جاسر؟! أنت اللي عملت كده؟"

لم يحصل من "جاسر" سوى على إماءة ولم يبد له أي تعابير ليهتف متسائلًا:

- ليه يا حبيبي تعمل كده؟

اقترب ليحتضنه والده ليجد تشنج جسده واضحا ولم يعطه أي رد وشرد تمامًا ولم يبادله حتى العناق ليخرج من عناقه مهرولا لغرفته بالأعلى ثم وضع وجهه بكفاه وهو لا يدري لماذا حدث كل ذلك لطفله ليتمتم في استياء:

- منك لله يا هويدا!

     

نظر لها مبتسماً بسخرية وهو يمرر سبابته على شفتاه ثم اقترب منها حتى حاوطها بجسده الرجولي وبات الجدار خلفها ولكن لم تتغير تلك النظرة الجسورة بعيناها قيد أنمله فهمس ليأتي صوته كفحيح الأفعى وأنفاسه المحملة بآثار ما احتساه منذ قليل الممتزجه برائحة سجائره تنهال منه:

- ماشي يا حيلة أبوكي.. بكرة تقوليلي ارحمني يا سيدي بس ساعتها مش هارحمك، ولو عاملالي فيها دكر أوي ابقي استحملي للآخر!

شعرت "سيرين" بالإنزعاج من تلك الغطرسة التي لا يتوقف عن التمادي بها ونظرت له بإندهاش وسخرية وابتسمت مجددا ولم تعد خائفة من مواجهته خاصة أنها متأكدة أن مراد الآن قد خدر والدها وربما هو في طريقه إلي خارج البلاد لتتكلم بنبرة مُستفزة:

- بقولك ايه! .. أنت مريض مش كده؟ لو أنا عاملة فيها دكر ومفياش ريحة الأنوثة ومسواش في سوق الحريم وكل الهبل اللي بتقوله ده يبقا بالعقل كده عمري ما هيفرق معايا إني أشوفك وأنت نايم مع واحدة وسخة من اللي تعرفهم!!

ولو أنا فعلاً ست وشوية القذراة اللي أنت مبتبطلهاش دي هتأثر فيا يبقا ليه كده متسترجلش وتقولي محروق مني أنا وأبويا كده ليه؟! واجهني باللي عندك! بدل ما أنت غرقان في قذارتك خليك راجل كده و...

قاطعها بصفعة شديدة ارتطم على أثرها رأسها بالجدار وتكاد تقسم أنها رآت جميع الألوان تندفع أمام عيناها ثم صرخ بها بقسوة وغضب:

- راجل غصباً عن اشكالك الزبالة!!

جذبها من شعرها ليتوجه خارجا واجبرها ان تتبعه، ومن سرعة خطواته لم تستطع ملاحقتها فسقطت رغما عنها على ركبتيها لينظر لها بأعين ربما بدت سوداء.. ذهبت تلك الزرقة بهما، وتحولتا لقتامة ليلة حالكة لم يهل قمرها بعد ليهسهس هازئًا:

- وقعتي ليه يا حيلة أبوكي، بقا فيه دكر يقع الوقعة دي؟

تفقدها بهيمنة وتعالي اتضحا بعينيه كشمس الصباح وهو لا يزال ممسكاً بشعرها الذي شعرت أنه ربما أقتلعه بين يداه ليحصل منها على ضحكة وكأن كل الذي يفعله معها لا شيء على الإطلاق لتتحدث بنبرة تحمل آثار الضحك:

- ما.. ما قولتلك.. إنك هتمد ايدك وتبهدلني هتعالج وأقفلك تاني وتالت ورابع ولا هيحوق فيا.. أقولك.. تاني.. يا قاتل يا مقتول يا ابن هويدا هانم

سحق أسنانه وجذبها خلفه ولم يكترث لعظامها التي تضررت بعنف أثناء نزوله الدرج الخشبي ليستمر في أخذها خلفه عنوة ثم ألقاها على الأرض أسفل قدماه بينما هي لم تعطه الفرصة فنهضت فوراً حتى لا تُشبع تلك السادية بداخله على أن يراها أسفل قدماه وصاح بين أسنانه التي صُرت غيظاً من افعالها:

- ده أنتي مستبيعة بقا!

لم يعد يُصدق تلك الجرأة وعدم الإكتراث الذي يراه بعينيها فصفعها مرة أخرى بقوة وشدة أعنف من الصفعة الأولى لتقع على أثرها أرضا ولهث متشفيًا وهو يراها من جديد ضعيفة اسفل قدماه، علها الآن ترتدع بفظاظته، علها تجعله يشعر بأنه الرجل الذي بيده زمام الأمور ..

جذبها من شعرها لأحدى أركان الغرفة مرغمًا جسدها على النهوض ومزق كل ما عليها من ملابس لتقهقه عاليا وحافظت على ابتسامتها الهازئة غير المكترثة وأردفت بصلابة كما عهدها دائمًا:

- ايه يا جاسر بيه عايز تشوف جسم اللي متسواش في سوق الحريم، حتة القميص اللي لابساه مكانش مداري اوي.. ايه عينك مش قادرة تستنى!

بظرت له بجرأة بينما بداخلها هي متعجبة لما يفعله لينظر لها بغل وهو يصر أسنانه أكثر حتى كادت أن تتحطم ثم تركها وذهب لُيحضر شيئا فتنهدت بترقب وعيناها مسلطة عليه خوفا من أن يراها ثم أمسكت هاتفها الذي لم يلاحظه هو بجيب قميصه الذي ارتدته وبعثت بسرعة برسالة

"نفذ بسرعة"

ارسلت تلك الرسالة إلي "مراد" ثم قامت بإلغائها من سجل الرسائل ووضعت الهاتف بجيب قميصه الممزق لتراه مُقبلا نحوها وعيناه ينهمر منها الكراهية والشر الخالصان ممسكاً بحبل في يده ونظره مسلطاً على عسليتاها وهي الأخرى نظرت له بإنتصار بينما أنفاسها المضطربة قد ارتعدت منه!

حدثها فجأة بلهجة مُحذرة في هدوء مريب ارتابت له ثنايا قلبها:

- دي آخر فرصة هديهالك إن ما اتعدلتيش معايا!

نظراتها المندهشة من تغيره هكذا في لحظة أنهالت من عسليتاها دون أن تسيطر عليها أو حتى تلاحظ انها تنظر له بها بينما اقترب منها بهدوء ليقف أمامها واضعاً يداه بجيوب بنطاله وانساب الحبل من إحداهما وهو يتطلع لها بنظرات لم تستطع فهمها، كل ما تعرفه أن الذعر والوجل سيطرا عليها بالرغم من تماسكها أمامه ظاهريا..

دفعها بأحدى يداه لتسقط أرضًا وهبط حتى يُصبح قريبًا لمستوى جسدها على الأرضية ثم بدأ بتقيدها وهي حتى لم تبد أي أعتراض بالرغم من ملامسة يده الدافئة لجسدها العاري وبالرغم من أنها أول مرة يلمسها رجل هكذا ولكنها برعت في عدم إظهار خوفها..

قيد يدها خلف ظهرها مارًا بصدريتها التي لم يخلعها، يعلم جيداً أنه إذا رآها مثل ما بحلمه لن يستطع التحكم في نفسه وقد يتطور الأمر بينهما في لحظات عدة..

لأول مرة يشعر بالخوف من اقترابه من إمرأة بتلك المشاعر التي اندفعت بداخله فجأة عندما اقترب منها الآن، وكأنها تتحكم به وتؤثر عليه وسرعان ما نفض ذلك التفكير بعيدا عن رأسه ثم أمسك بباقي الحبل ليعقده حول فخذها وساقها التي أنثنت أسفله حتى يشل حركتها ليستقر الحبل جانب سروالها الداخلي بينما ترك ساقها الأخرى محررة وبكل ما يملك من سيطرة نهض واضعاً يداه بجيوبه ونظر لها بغطرسته ثم ابتسم نصف ابتسامة لم تلامس عينه ليتهكم مستهزءًا وقال:

- ياه على الذل اللي أنتي فيه يا بنت هشام!!.. اللي يشوفك دلوقتي ما يشوفكيش من شوية

نظرت له بجسارتها المعهودة وابتسمت هي الأخرى لتستفزه ثم حدثته لتسقط كلماتها غير المبالية على مسامعه:

- اللي يشوفك دلوقتي وأنت بتعمل كده فيا يقول خايف مني عشان كده بتربطني بالمنظر ده.. بس يالا أما نشوف مين اللي هيضحك في الآخر ومش هيخاف!

سرعان ما تسارعت انفاسه غضبًا من كثرة استفزازها اياه وصفعها حتى سال الدم من شفتيها ثم جذب شعرها هامساً بأذنها بغل لا نهائي:

- خايف يا وسخة يا بنت الـ*** من حتة واد زيك.. ودين أمي لافرجك!

دفع رأسها ليرتطم بالجدار ثم نهض باصقا على جسدها في افتراء صريح وتركها ليجلس على كرسيه والآن فقط لاحظت "سيرين" تلك الفتاتان التي كانتا ينتظراه فذهبا نحوه راكعتان وأخذا في تقبيل حذاءه في نهم!

     

تمتم "مراد" في قلق بصوت لا يُسمع وهو يهرول لاحقاً "هشام" قبل أن يغادر:

- يا ترى ابن الكلب ده بيعملك ايه؟!

صاح منادياً اياه ليتوقف:

- بابا استنى..

التفت له "هشام" ليسأله بإبتسامة: 

- ايه ماشي كده بدري ليه؟

اجابه بإبتسامة ودودة:

- بدري ايه يا مراد يا ابني؟ الساعة بقت واحدة ونص.. اتبسطوا أنتو يا حبيبي وأنا هاروح..

ربت على كتفه في طيبة ثم كاد أن يغادر و"مراد" لا يعلم كيف سيقنعه بالذهاب معه ليُفكر سريعًا ثم تلعثم قائلًا:

- طب .. طب بابا .. أنت معاك السواق؟!

أومأ له بالإنكار ثم اجابه بنفس ابتسامته الطيبة التي يعهدها الجميع منه:

- لا.. قولت مالوش لزوم أقعده لوقت متأخر زي ده وأكدره معايا..

تنهد متحدثاً وهو يرسم ابتسامة على شفتاه:

- طب هوصل حضرتك وبالمرة بقا أعملك عشوة حلوة من ايدي

لم يود أن يشق عليه وكذلك اراد منه ان يستمتع بالوقت المتبقي مع "رامز" وكذلك "سيرين" فحدثه في رفض:

- مالوش لزوم يا حبيبي خليك مع رامز وأكيد هلاقي سيريـ..

قاطعه مسرعًا:

- لا سيرين مشيت هي وجوزها من بدري وكده كده رامز عيلته معاه

 بدأ في المشي معه ليتبعه "هشام" وتكلم قائلًا:

- اتاري مش لاقيها.. كنت فاكرها روحت!

جيد للغاية انهما بدءا في التحدث عنها فانتهز الفرصة ليقول:

- صحيح يا بابا كنت عايز اتكلم معاك شوية لو تسمحلي يعني بخصوص سيرين!

رد "هشام" بتلقائية:

- طبعاً يا ابني اتفضل

 ركبا السيارة وشرع "مراد" في القيادة ليتسائل في حيرة:

- هو ليه بحس إن جاسر جوزها صعب كده ويعني.. معلش آسف في الكلمة.. مش بيحبك وبصاته بتبقا غريبة وهو بيبصلك؟

ابتسم له بمرارة واعترت ملامحه الحزن لسؤاله الذي استمع له واجابه بنبرة تحمل الآلم:

- بص يا مراد.. جاسر ده أنا مربيه على ايدي.. كان طفل حنين اوي وذكي ودايماً بيضحك وكنت بعتبره ابني البكري لأن سلوى أتأخرت شوية في الخلفة

 ابتلع ثم اراح رأسه على كرسي السيارة خلفه وتابع: 

- شرف الدين لو هقولك كان أخويا مش هتصدقني، كنا قريبين اوي من بعض زيك كده أنت ورامز وسيرين

ابتسم بمزيد من الآسى وأكمل:

- جت هويدا ربنا يسامحها بقا وقالت اني سحبت كل اللي في حسابي وكمان واخد من خزنة الشركة مبالغ كبيرة تانية وشرف الدين مكنش بيحب حد قدها، طبعاً صدقها وأنا علشان كنت بخاف عليه مرضتش ادافع عن نفسي قدامهم، سيبتهم كده يقولوا ولا يصدقوا اللي يصدقوه، ما هو بردو لما ينخدع في صاحبه أكيد البيت والأولاد ومراته اللي بيحبها هيهونوا عليه حاجات كتيرة..

لكن يا ابني اللي بيحب واحدة بقاله سنين لو اتخدع فيها ممكن يتكسر بالذات لو مراته وأم أولاده، ربنا ما يوريك الكسرة ديه أبداً..

 تنهد بحزن بينما ترجلا من السيارة فتبعه "مراد" بملامح متجهمه حتى دلفا المنزل فصاح له وهو يتسائل بتعجب:

- طب بابا معلش، ليه الست دي تعمل كده؟ ايه السبب ورا ده كله؟

نظر له "هشام" محافظًا على ابتسامته التي لا تُظهر سوى حزنه الواضح:

- لا ده بقا موضوع عاوزله قاعدة..

حاول ان يمازحه قليلًا عله يُخرجه من ذلك الحزن الذي يبدو عليه وقال:

- طب موحشكش الواد مراد ودردشته الحلوة؟ قولي بقا تشرب ايه مع حاجة خفيفة كده لحسن مكلتش لقمة في الفرح والله ورامز فضل يقولي روح وهات واعمل وود

ابتسم له بإقتضاب وأومأ له بالموافقة:

- اعملي شاي بس متقلهوش عشان اعرف انام واعملي اي حاجة خفيفة..

ابتسم له بعذوبة وحدثه في مرح قائلًا:

- ثانية والعشا الملوكي يبقا جاهز"

توسعت ابتسامته وأومأ له بالقبول وفجأة آتى على ذاكرته عُرس "شرف الدين" و "هويدا" ليتمعن في الكثير من التفاصيل بذلك اليوم البعيد الذي مر عليه أكثر من ثلاثون عامًا ولأول مرة يدرك لماذا كانت ملامحها حزينة وابتسامتها مُجبرة وكلما نظر لها صدفة وجدها تنظر له فهز رأسه بإنكار وتجهمت ملامحه مرة اخرى وتسائل بينه وبين نفسه كيف لإمرأة أن تفعل كل ذلك؟! 

 آتى "مراد" وهو يحمل بعض الشطائر وكوبان ثم ناوله ما يخصه بخوف وهو يدعي بداخله ألا يلاحظه وانتشله من شروده بفعلته وقوله:

- لا ده احنا سرحانين بقا ومش هنا.. 

رمقه في تفحص ثم جلس "مراد" أمامه ليشرع في تناول الطعام ليشجعه على تناول ما يخصه هو الآخر وحدثه في تعجب:

- قولي بقا ايه اللي عاوزله قاعدة ده؟

تنهد قبل أن يُجيبه ثم تكلم في جدية:

- مراد أنت زي ابني وأنت بالذات غير رامز، رامز لو عرف اللي هقولهوله ده ممكن ساعة عصبية يقول لسيرين بس أنا مش عاوزها تعرف حاجة عن الكلام ده

رفع حاجباه وسرعان ما رد قائلًا:

- متخافش يا بابا والله أنا ما اقـ..

قاطعه متنهدًا:

- عارف يا ابني..

تناول احدى الشطائر وارتشف من الشاي الذي صنعه "مراد" وتحدث بالحقيقة التي حدثت منذ سنوات:

- في مرة كنا مسافرين.. في أول حمل سلوى، كنت مبسوط جداً ان الدكتور طمنا على الحمل المرة دي، ومكنتش عارف أنام، روحت اقعد على البحر شوية..

 ارتشف رشفة ثم أكمل: 

- قابلتني هويدا ساعتها وقالتلي انها بتحبني من زمان.. اتصدمت ساعتها طبعاً ودماغي كلها فكرت في شرف الدين وأنا مكنتش ببصلها غير انها أختي ومرات أخويا وصاحبي.. 

أنهى أول شطيرة وهما يتكلمان بينما امتدت يداه للأخرى تحت أنظار "مراد" المترقبة ليرى أن عينا "هشام" بدأت في الإنزعاج ولكنه تابع:

- ليلتها أعترفتلي وعرضت.. نفسها.. عليا أنننت فاهم..

لاحظ تغير صوته ولعثمته ليصيح في دهشة زائفة:

- ايه يا بابا مالك أنت كويس؟

حمحم وهو يحاول التغلب على ذلك الدوار الذي شعر به ليتحدث بصوت مهزوز في تلعثم:

- لا دماغي تقلت.. شويــة.. عايز أنــام 

لم تمر سوى ثوانٍ ليسقط نائماً في مقعده فأخذ "مراد" طبقه وطالع الوقت ليجدها عبرت الثالثة صباحًا بقليل فتنهد وهز رأسه بإنكار بعد أن نقله بسريره ثم تطلعه ناظرا له بحزن وذهب لغرفة "منى" وطرق الباب لتفتح بعد مدة وآثار النوم بادية عليها وحدثها بنبرة يتضح عليها الآسف والتأثر:

- دادة منى.. دادة منى.. بابا هشام.. بابا مات!

استمعت له لتقع في حالة من الذهول وصاحت به:

- ايه اللي بتقوله ده؟! هشام بيه! ده كان كويس.. النهاردة كان زي الفل!! ازاي بس!

 لم يُصدق نفسه وهو يخبرها بتلك الكلمات وبالرغم من معرفته أن كل هذا مزيفاً تحجرت الدموع بعيناه وهمس:

- آمر الله يا دادة.. ادعيله..

     

ظل ناظراً لها بتشفي وانتصار لم تدر لماذا يفعل بها كل ذلك؟ كأن لذته كمنت في اذلالها بتلك الطريقة المهيمنة والمخذية! أيثبت انه بعنفه وبغطرسته وظلمه وافترائه أنه رجلًا مثلًا؟!.. 

وتلك الفتاتان التي لا تعرف من أين له بهما، كأنهما آليتان لا ينكفا عن تقبيل حذاءه ولعقه بشراهة لتتقزز لما تراه من عريهما وآناتهما المتلذذة بما تفعلاه فازداد احتقارها له أكثر واشمئزازها منه وبين الصمت صدح صوته آمرًا باللغة الإنجليزية:

- كفى!

توقفتا على الفور ما إن آمرهما بأن يكفا ثم انتظرتاه مطأطأتان رأسهما للأرضية جالستان على أربع في خضوع وإذعان تام له كمن تحلمان بتلقي اوامره فاندهشت بغرابة لما تراه وانزعجت كثيراً ليبتسم "جاسر" لها بخبث وعيناه تبدو غريبة للغاية، لم يكن مخيفاً من قبل هكذا، يبدو مهيمناً بمرضية شاذة من نوعها وظلت تراقبه بعسليتاها حتى وجدته يخلع سترته ملقياً اياها أرضاً ليتبعه قميصه ومن جديد تحدث إلي الفتاتان:

- اخلعا حذائي!

توجهت له الفتاتان على الفور وكأن آمره لهما بعثهما من الموت لتبدأ كل واحدة منهما بخلع حذاءه ثم جوربه وأخذتا يقبلا قدماه فتقززت لدرجة شعورها بالغثيان والإشمئزاز الهائل بما تراه يحدث امام عينيها وامتعضت ملامحها لفعلهما ذلك ليقهقه هو عندما رآى ملامحها المتقززة ثم جذب قدماه مبتعداً عنهما جاذباً احدى الحبال المتدلية لترتفع "سيرين" بنظرها لتتابع ما يفعله، والآن فقط بدأت تلاحظ تلك الغرفة التي هي بها..

كل شيء يسيطر عليه السواد، الجدران غير مطلية وتبدو اسمنتية كجدران السجن وكذلك الأرضية، سلاسل متدلية وكذلك حبال من السقف، العديد من الأسواط رُصت بترتيب على احدى الجدران تبعاً لطولها من الأقصر للأطول، أكثر من حزام أيضاً علقا بجانب الأسواط، بينما احتل جدار آخر مجموعة من الحبال الملفوفة بشكل دائري أختلف سمك كل حبل عن الآخر، وأسفلهم العديد من الأصفاد المعدنية تدلي كل مفتاح خاص بتلك الأصفاد منهما..

هناك أكثر من منضدة مرتفعة حوالي خمسة منهم تحوي كل واحدة أربع أدراج.. أختلفت تلك الغرفة كثيراً عن عصرية بيته الآخر.. بدا كل شيء هنا قديماً والتفاصيل تبعث الوجل والرعب بنفس أياً كان، كل التفاصيل بدت موحشة وباردة وكأنما تعبر عن سواد وقتامة شخصيته المتعجرفة المتغطرسة التي ظهرت عليه أول مرة بالمصعد وازدردت بخوف ما إن أدركت تلك الحقيقة..

فاقت من تطلعها لتلك التفاصيل على صوته الذي صاح آمراً بالفتاتان أمامه:

- انهضا!

آمرهما بالوقوف لتفعلا فوراً فجذب إحداهما من شعرها ليرفع يدها ويربطها عالياً ثم فعل هذا بالأخري وكلاتهما خاضعتان تماماً دون اي اعتراض..

لم تأخذ "سيرين" سوى القليل من الوقت لتستوعب ما أخبرهما به من آوامر غريبة وكأنه حتى قارب على اخباره كلتاهما أنهما ليس مسموح لأي منهما بالتنفس لتقع في كراهية غطرسته اكثر بينما اجابتاه الفتاتان:

- مفهوم سيدي!

هي حقاً لا تُصدق أنه لتوه أخبرهما بأنهما لا يحق لهما الحديث ولا الاعتراض أو عدم الطاعة.. لقد سلبهما للتو من حقوق بسيطة من حق أي انسان على وجه الأرض.. والأسوأ أن كلتاهما ذعنتا له..

لا تصدق أنه اخبرهما بأنهما هنا لمتعته ولرضاءه فقط وما صدمها أكثر أنهما موافقتان على مثل تلك المرضية!.. لقد قرأت عن هذا كثيراً ولكن كيف له أن يجردهما من كلمة الأمان التي تعتبر من أساسيات تلك الممارسات..

ظلت ترتقبه بخوف وفزع، عيناه بدتا وكأنهما ليستا آدميتين من كثرة ما تبعثه بالنفس من ذعر.. هي تحاول بشتى الطرق أن تتماسك وألا تظهر خوفها ولكن للحظة واحدة تعجبت بداخلها لتهمس في خوف بداخلها:

- هو بجد ممكن يعمل معايا كده؟ 

هزت رأسها بإنكار بينما نظر لها بعيناه المخيفتان وابتسم لها بشر خالص ليرتعد قلبها وتزداد ضرباته وهي تستميت ألا يظهر هذا على ملامحها..

لم يعطِ الفرصة لعقلها بإدراك هذا فلف حول كل قبضة من قبضتاه سوطاً وانهال عليهما في جلدات متتالية عنيفة تأثر جسد الفتاتان على اثرها..

أصوات الصراخ التي لو سمعها أحد سيرتعد امتزجت مع ضحكاته الشريرة  المتعجرفة بإنتصاره المقزز الذي لا اساس له من الصحة ولم تلمح بمظهره المخيف لمسه من الرحمة، وكأنه لن يتوقف أبداً.. 

تلك الجروح على جسد كل منهما وكأنها تدفعه لفعل المزيد وألا يتوقف مهما حدث، ذلك الدمار الذي يسببه بكلتا يديه يبعث بنفسه نوعاً من الرضاء والراحة لا يستطيع اي شيء آخر اشباعه بتلك الطريقة..

لمحت ابتسامة الانتصار تزداد على شفتاه وكذلك نظرات السعادة بما يفعل تنهال من عيناه، اشتعلت تلك الرغبة والنشوة بلمعان حدقتاه القاتمتان ليبدو مرعباً أكثر، حاولت أن تهدأ من روعها وهي تظن أن الفتيات لن تستطيع الصمود وستنهار كلاً منهما بأي لحظة الآن..

علا نحيبهما، صراخهما، دوي صوت السوط كلما جلدهما، زمجرته وتلك الأصوات التي تصدر من حنجرته عندما تصرخ أياً منهما..

لم تستطع أن تنظر أكثر؛ تود لكل هذا أن ينتهي.. أوصدت عيناها كي لا تراه بذلك المظهر، عيناه المرعبتان، غاب ذلك اللون بهما ليخل محله سواد قاتم، جسده يتصبب عرقاً.. جسد تلك الفتيات لم يعد بأجسادهما موضع إلا وارتسمت علامات السوط بهما.. اعتصرت عيناها أكثر علها تتخلص من تلك الصور المفزعة بمخيلتها ولكن دون جدوى!

كان كل هذا جديداً عليها، ربما رآته بالأفلام او قرأت عنه ولكنه مختلف تماماً عندما وقعت عيناها واختبرت اذناها كل شيء.. كان الحل الوحيد أن توصد عيناها، الا تنظر له وهو بتلك الوحشية والسادية الضارية، تتمنى بداخلها ألا يفعل هذا بها بيوم..

تنتظر أن يهاتفها "مراد" بأي وقت الآن حتى تعلم بموت أبيها المرتقب حتى تتفلت من كل ذلك، تود الهروب وألا تواجه هذا الشخص الذي تحول له "جاسر" بلحظة واحدة.. لقد عهدته فظًا، ولكن أن يصل به الحال لهذه الدرجة، هذا لم تتوقعه ابدًا!

أفاقها صوته من التفكير الذي حاولت أن تُغرق عقلها به علها تهرب لحظياً مما يفعله:

- بصيلي يا حيلة أبوكي! 

 فاجئها بإلقاء احدى الفتيات أمامها حتى لامست رأس الفتاة ركبة "سيرين" لتجده يجذب شعرها ويجلسها على أربع فأصبحت الفتاة أمامها جاثية على أربع و"جاسر" خلفها ليبرطها بإحكام وفجأة تغيرت ملامح الفتاة وسيطر على وجهها ملامح الآلم واللذة في آن واحد..

حدثها بأنفاس لاهثة وهو يحدق بعينتاها في شر وجسارة:

- عارفة يا حيلة أبوكي إن متربتيش ممكن أعمل كده فيكي وبسهولة اوي كمان!

نظرت له بإحتقار امتزج بالجرأة والكره الشديد لما يفعله أمام عيناها.. ظل يدفع بتلك الفتاة مخترقاً اياها دون رحمة أو لحظة توقف واحدة، صرخاتها وارتجافها زاد من رعب "سيرين" وهي حتى لا تدري كيف وجهها وملامحه.. أظاهر كل ذلك الذعر الذي بداخلها أم إنها لا زالت تستطيع التظاهر بالجرآة؟..

ظلت ترتجف الفتاة أمامها، زاغ بصرها وتعالت صرخاتها حتى بلحظة صمتت تماماً وظنت "سيرين" أنها غابت عن الوعي لتدوي ضحكة "جاسر" على ملامحها التي قرآها بينما دوت خفقات قلبها بداخلها في عنف شديد حتى ظنت أنه يستمع لها!! 

فك تلك العقد من حول الفتاة ثم آتى بالأخرى والقاها على الفتاة الأولى واخترقها بعنف أكثر من الفتاة الأولى لتتعالى صيحات الفتاة وأدركت أنه يضاجعها بممارسة لا تحل حتى بين الأزواج فشعرت بالفزع وتمنت لو يكف الآن عن ما يفعله..

ظل يضاجعها وهو جاذباً شعرها بيده حتى ارتجفت أسفله أكثر من مرة بينما نظرته كانت مسلطة على "سيرين" التي كرهته بكل ذرة دماء تسير بعروقها أكثر من ذي قبل.. لو حتى حملت له جزءاً ضئيلاً من اي شيء قد يبدو حتى شفقة فقد تلاشى بداخلها تماماً..

كرهته وكرهت كل شيء به وكل تصرفاته، هي الأخرى بات لديها تلك الرغبة في الانتقام منه بأي شكل من الأشكال وأصرت بداخلها أن تنتقم منه لتفيقها فجأة من افكارها أصوات زمجرته عالياً لتراه ينهض أمامها هي والفتاتان ولأول مرة تخجل من منظره، جسده فارع الطول الرجولي بتلك العضلات واللمعة المخيفة التي تنبعث من عيناه وابتسامته المرعبة؛ جعله كل هذا يبدو وكأنه كائن آخر ليس بآدمي، كائن مخيف ربما تقرأ عنه بالأساطير..

أمسك بعضوه واخذ يمرر يده ذهاباً واياباً حتى أفرغ ماء رجولته عليهن هم الثلاثة والتقط أنفاسه لبرهة وهو ينظر نحو "سيرين" وحدها بنظرة تشفي وكأنها هي التي كانت معه وليس تلك الخاضعتان..

ارتدى بنطاله مرة ثانية ليجذب شعر الفتاتان والقاهما خارجاً رامياً كل واحدة باحدى شيكاته ثم دلف مرة أخرى لينظر إليها بغطرسة وغرور ثم اتى باحدى الكراسي واضعاً اياه أمامها ليقترب بجزعه سانداً رسغيه على ركبتاه وشبك أصابعه وخرجت منه ضحكة مستهزءه لتحدث جلبة بحنجرته تحرك ذلك البروز بها على اثرها فخافت أكثر وهي تدعو بداخلها ألا يظهر هذا عليها.. 

أخبرها بنبرة هادئة للغاية ونظرات فيروزيتاه متلذذة بمظهرها المقيد هكذا أسفل قدماه:

- شوفتي الشـ**** اللي مش بتسمع كلامي ممكن أعمل فيها ايه؟ ولعلمك دول كانوا حلوين وشاطرين ومفيهومش شغل النمردة اللي فيكي ده يا حيلة أبوكي.. نعقل كده والصوت العالي وابن هويدا واللسان اللي عايز قطعه ده نبطله، لحسن ورحمة أبويا هوريكي إن كل اللي حصل ده يبقا ولا حاجة في كل اللي هاعمله فيكي وانتي مش باينة من الأرض كده!

 ابتلعت في خوف وتظاهرت بالجرأة ولن تدعه يتملكها بساديته تلك مهماً كان فقالت بصوت مهزوز:

- يعني الصوت العالي وكلمة ابن هويدا وكلامي بيضايقك؟! ماشي يا جاسر، اتفقنا، هبطل كل ده بس على شرط!!

رفع احدى حاجباه في نفور وعنجهية ليعقب قائلًا:

- وانتي بتشرطي عليا يا حيلة أبوكي يا وسـ **..

قاطعته بإبتسامة متغطرسة هي الأخرى فقد تعلمت منه شيئاً أو اثنان وقالت:

- اهدى بس.. خلينا نكمل اللعبة للآخر، زي ما الحاجات دي بتضايقك أنا هبطلها خالص وهاريحك منها.. بس أنت كمان قولي بنتقتم مني كده ليه وأنا ماعملتلكش حاجة؟ ليه دايماً كاره أبويا؟ ايه اللي حصل بيخليك تعمل كل ده؟!

سألته بجرأة وجسارة منيعة وكأنها لا تكترث لكل ما حدث من قليل لتنفجر الدماء الساخنة بعقل "جاسر" من عدم خضوعها له ولو حتى لثانية كما كادت عروقه في الإنفجار غضباً على ذكر ذلك الموضوع ليسحق أسنانه ثم تحدث لها بهدوء في تساؤل وهو يحاول السيطرة على غضبه الشديد:

- عاوزة تعرفي ليه بعمل كده؟!

أومأت له بالموافقة ليبتسم بشر حتى ظهرت أنيابه ولم ترى تلك الإبتسامة طوال الليلة بأكملها ليتصاعد خوفها بداخلها وهو يهمس بنبرة متوعدة:

- طب تعالي وأنا أوريكي!

 جذبها من شعرها خلفه كي يغادرا وهي لازالت مُقيدة  ثم تمتم في تلذذ شديد:

- بس افتكري إن أنتي اللي سألتي! 

تعالت ضحكته في سخرية مما أوشك على فعله بعد عدة لحظات بها ولم تكترث بالآلم ولكن كل ما ارتعدت منه هو ضحكته المخيفة التي لا تبشر بخير أبداً!

#يُتبع . . .