الفصل السادس عشر - جسارة الإنتقام
- الفصل السادس عشر -
ظل جاذباً اياها وهو بداخله قد قرر أن يريها بأم عينيها ما فعله ابيها بأمه، لن يستطيع الإنتظار أكثر، يكفيه ثمانية عشر عاماً من الإشتعال بنيران الإنتقام بداخله، وبالرغم مما يدفعه للإنتقام رغماً عن أنفه وجد نفسه يتباطئ لبرهة وهو يعيد التفكير؛ أهذا هو قراره النهائي؟ أليس والدها هو السبب بكل شي؟ هي ليست السبب الرئيسي، أبيها هو من فعل فعلته القذرة يوماً ما؛ أيفعلها وينتقم منها الآن أم يظل يعاملها بما لا تقبل وسيكفيه الأمر بينما يأخذ ثأره من والدها نفسه؟
كاد أن يغادر وهو لا ينفك عن التفكير بها وما إن عليه أن يفعلها أم لا، ربما تردد للحظة، أسبب عدم خوفها وجرأتها الشديدة هما من أوصلاه للتفكير في تنفيذ ثأره الآن؟
بين زوبعة أفكاره أوقفه صوتها عندما تعجبت في دهشة زائفة وهي التي كانت تنتظر هذه المكالمة بفارغ الصبر:
- مين اللي هيكلمني دلوقتي؟!
حاولت أن توقفه ليلتفت ناظراً لها بغطرسة واستهزاء على عكس كل ما فكر به ويدور بداخل عقله فذهب نحو هاتفها وهو قد قرر أن يهشمه أمام عينها ليجد اسم "مراد" ظهر بالشاشة ليسحق أسنانه غضباً بعد أن أنفجرت تلك الصور بمخيلته عندما كانا سوياً أسفل نظره أكثر من مره وآخرها وهما معاً منذ قليل ليجيبها ساخرًا:
- مستغربة يا حيلة أبوكي مين بيكلمك دلوقتي؟ واحد من الواطين بتوعك
سكت لبرهة وبعدها اجاب المكالمة وبنيته أن يحدث "مراد" بطريقة لاذعة وبيت له النية أنه سيمطره بوابلًا من السُباب والألفاظ النابية وسينهاه عن معرفة "سيرين" للأبد تحت أنظارها المتعجبة علها تشعر بالقهر أو حتى ترتدع ولو بمثقال ذرة ورد صارخًا "بمراد" وفعَّل مكبر الصوت حتى تستلذ مسامعها بكل ما سيدور بتلك المكالمة:
- عاوز ايه يا روح أمك؟!
فلم تجد غير صمته الذي تعجب لبرهة ولكنه اردف صارراً أسنانه بغضب خوفاً من أن يكون قد تعرض إلي "سيرين" بأي شيء:
- بابا هشام.. مات.. تعالوا بسرعة!
صرخت "سيرين" وهي تحاول بكل ما تملك من قوة انفعال أن تتصنع الصدمة التي قد تقع بها عند موت والدها:
- بابا.. مراد أنت بتقول ايه.. مراد رد عليا؟ بابا تعبان مش أكتر.. طب أتأكد.. بابا أكيد كويس
رد بجدية قائلًا:
- تعالي بس يا سيـ..
أنهى "جاسر" المكالمة ثم نهض متوجها نحوها وحمل جسدها الضئيل بين يداه متجها بها لأعلى و نظر لها نظرات مبهمة وكأنما تلك الظلمة أختفت من عيناه لتعود للزرقة الصافية ولم تحصل منه على أي كلمات تُذكر وظل حاملًا اياها صاعداً بها إلي غرفته لتصيح به في جسارة وهي تدعي التأثر لخبر وفاة والدها:
- فكني وابعد عني.. مستني ايه تاني؟ مش مكفيك الموقف اللي أنا فيه؟!
تبادلا النظرات في صمت، هي لا تعلم لماذا يحدقها بتلك النظرات غير المفهومة، بينما هو غرق بأفكاره، أتستحق هي منه كل ما يفعله بها؟ أليس هو من آراها حقيقته السادية بنفسه منذ قليل؟ لماذا يحاول التراجع الآن؟ أتلك الملامح الظاهرة عليها عندما عرفت بموت أبيها جعلته يشفق عليها قليلاً؟ أسيتراجع عن فكرة إنتقامه بلحظة هكذا؟
توسلته بضعف تصنعته وحاولت أن تظهر الدموع بعسليتاها؛ حاولت أن تبدو متأثرة قدر الإمكان حتى بالرغم من أنها تعلم أن كل هذا ليس حقيقي:
عاوز ايه تاني؟ فكني وخليني اروح أشوفه قبل ما يبعد عني خالص.."
لم تحصل منه على اجابة لكل ما تفوهت به وكأن عقله لا يدرك ما تقوله؛ ظل يحل كل تلك العقد حول جسدها الضئيل أسفله، ثم تطلع بها مجدداً بملامح مبهمه فحملها مرة أخرى فصرخت به:
- أنت ايه اطرش مش سامعـ..
توقفت من تلقاء نفسها عندما وجدت نفسها معه بالحمام فصاحت متسائلة بنبرة مرتبكة:
- أنت هتعمل ايه؟
لم يعطها اي اجابات وأغلق الباب عليهما وفتح صنبور المياة لترتعب هي من مجرد فكرة تواجده معها وهي بالكاد ترتدي ما يحيل مفاتنها عنه ثم مد يده ليحرر صدريتاها ونظر لثدييها ليتذكر ذلك الحلم عندما لثم حلماتاها الورديتين فأخذ يبتلع حتى رآت ذلك البروز بعنقه يتحرك فتراجعت للخلف بخطوتان مرتبكتان وحاولت أن تداري جسدها بيدها فاقترب بتلقائية جاذباً اياها من احدى رسغيها ليهبط بمستوى جسدها وكادت أن توقفه ولكنه كان أسرع لينزع سروالها الداخلي فوقفت أمامه عارية تماماً لتصرخ به:
- أنت عايز ايه تاني؟ ابعد عني.. ايه فجأة كده لسانك اتربط.. مبتردش ليه عليا يا ابن هويدا هانم؟ ولا موت أبويا خلاك متلجم؟ رد عليا بقولك!
مجددا لم يجبها بالرغم من أن واقع كلماتها عليه كان ليستفزه مثل السابق فتوقف لينهض أمامها وهو ينظر لها بزرقاويتاه الصافيتان ثم خلع بنطاله ليجذبها من يدها لكابينة الإستحمام ليقفا سوياً أسفل المياة، عاريان تماماً، هو لا ينفك عن تحديقه بعسليتاها بينما هي لا تستطيع تفسير كل ما يفعله ولأول مرة تشعر بالخجل من اقترابه الشديد منها وهي تحاول بشتى الطرق ألا تنظر له مباشرة ولم تتوقف عن الشعور بالخوف والرعب التام..
آتى صوته هامساً بعد طول انتظارها اياه كي ينطق بأي حرف:
- هشام مات خلاص.. فاهمه يعني ايه؟
بين قطرات الماء وارتباكها تعجبت لسؤاله عندما تلمس أسفل ذقنها ليجبرها أن تنظر له، هي لا تدرك حقاً ما يعنيه فأومأت بالنفي لتجده يقترب منها مرة آخرى بعد برهة من الصمت ليلثم شفتاها بنعومة شديدة خالفت كل ما فعله منذ قليل من ساديته الضارية مع تلك الفتاتان..
لم يفصل قبلتهما وأطنب بتلامس شفاههما سويًا وكلما حاولت الابتعاد اقترب منها أكثر حتى حاوط جسدها بأكمله الذي ارتطم بالجدار خلفها بصعوبة لفرق الطول بينهما، وبالرغم من رغبة تذوقه لشفتاها الورديتان التي لا تندثر بداخله وعدم رغبته في الابتعاد عنهما أبداً..
يريد المزيد من ذلك الارتجاف بشفتيها ومقاومتها له وحتى تلك العسليتان تزجرانه عما يفعل ولكنه لا يستطيع الابتعاد حتى ولو أنهما بتلك الظروف الغريبة، وبالنهاية ابتعد لحاجته لإلتقاط أنفاسه وهي أيضاً وما إن بدأ في التقاط أنفاسه حتى صفعته بكل ما تملك من قوة فنظر لها بغرابة ولأول مرة ترى الخوف بعينيه وكادت أن تتحدث ولكنه بادرها هامسًا بلهفة:
- أنسي.. أنسي كل حاجة.. أنسي كل اللي حصل، نطلق قدام الكل واتنازلي ليا عن الورث وبعيد عن الناس نفضل متجوزين وأنا هعملك كل اللي أنتي عاوزاه
ضيقت ما بين حاجبيها في تعجب لتحدثه بنبرة استنكار واضح ولم تفهم أي كلمة مما قالها:
- أنت بتكلمني في ايه وأبويا ميت ولا..
قاطعها محاولاً أن يخبرها بأي تفسير عله يبدو منطقياً:
- موت هشام معناه إني لازم أنتقم منك أنتي.. بلاش تخليني أعمل كده.. خلينا نستخبى بعيد عن الناس، مش لازم يعرفوا اننا لسه متجوزين.. أنتي مش فاهمه أمي لو..
لم تشعر هي بالنار التي أججت صدره فجأة مندلعة به لينهال على عقله زوبعة من التفكير بأن الإنتقام الذي يريده بات كل عبأه يقع عليها هي وحدها خاصة بعد موت والدها!
صرخت به مقاطعة اياه:
- بردو هويدا هانم! بص أنا مش فاهماك ولا فاهمة كلامك ده.. كفاية عليك كل اللي عملته فيا؛ على الأقل سيبني اروح أشوف أبويا لآخر مرة في حياتي!
تحجرت العبرات بمقلتيها وهي تتمنى بداخلها أن تتخلص من بطشه وافترائه والإنتهاء من ذلك الرجل الذي رآته لأول مرة على حقيقته هذه الليلة ولم تجد سوى أن ترمقه بإحتقار وتقزز ثم تركته ثم توجهت للخارج وهي حتى لا تدري ماذا سترتدي..
همست بإبتسامة خجولة بالرغم من انعدام رؤيته لها:
- على فكرة الساعة بقت اربعة الصبح وعندنا شغل بكرة
همس معقبًا على حديثها:
- عارف.. بس أنا ياما نمت بدري وصحيت بدري.. كلامنا سوا دلوقتي بالدنيا وما فيها بالنسبالي واهم من أي شغل واي حاجة في الدنيا كلها
صمتت حتى تأكد هو من تأثير كلماته عليها ولم يرى ابتسامتها التي توسعت رغمًا عنها لتحمحم وحاولت السيطرة على خجلها وسألته:
- هو أنت هتقول لجاسر امتى؟!
أردف مسرعًا:
- مش لما أعرف ردك الأول؟
قضمت شفتاها محاولة التحكم في تلك الإبتسامة التي لا تنفك عن الإرتسام على شفتاها وسألته في همس:
- أنت شايف ايه؟!
تنهد ثم تكلم قائلًا:
- بصي يا حبيبتي.. ماليش أنا في حركات الدلع دي واللعب بالأعصاب كفاية بقالي سنين بعاني، اللي شايفه إني هاتجوزك بمزاجك أو حتى غصب عنك
لم تصدق ما سمعته فصاحت غاضبة وعبست ملامحها:
- يعني ايه الغصب والكلام اللي بتقوله ده يا معتز؟ طب مش موافقة!
همهم في استمتاع وهمس متوسلًا:
- طب قوليها مرة تانية معلش!
رفعت احدى حاجبيها في تحفز وأردفت:
- مش موافقة، عجبك عجبك، مش عجبك أنت حر!
أطلق صوت تأتأة دلالة على رفضه ثم توسلها مرة أخرى:
- لا مش دي، واحدة معتز بس!
زفرت في ضيق من تغزله بها وطريقته التي تفلت منها بالموضوع الهام الذي كانا يتناولاه فيما بينهما لتجره قائلة:
- شوف بقوله ايه وبيقولي ايه!!! تصدق أنا غلطانة إني سهرانة معاك لغاية دلوقتي، مفيش جواز ومفيش معتز ومفيش اي حاجة ونام وتصبح على خير!
تسائل مستنكرا في تعقيب على كلماتها:
- بقا يا هبلة فيه حد يتخانق مع حد يقوله تصبح على خير؟!
ضحك رغماً عنه لتشرد "نور" قليلاً بصوت ضحكته ولكنها زجرت نفسها لتحدثه بنبرة حانقة:
- متصبحش على خير.. انا هنام!
سألها متلهفًا:
- طب هنتغدا بكرة سوا زي ما اتفقنا؟!
صممت على ضيقها لتجيبه ناهية:
- ومفيش غدا بكرة ولا زفت.. سلام
ابتسم متخيلًا ملامحها العابسة التي يعشقها ثم رد قائلًا:
- وأنتي من أهله وهاتجوزك يا نور يا حبيبتي
أخبرها ثم أنهى المكالمة قبلها ليتركها بذلك الإنفجار من التفكير الذي أشتعل بعقلها..
اقتربت منه بإبتسامة وسألته:
- بتفكر في ايه؟
التفت ناظرًا لها واجاب قائلًا:
في المجنونة دي اللي قلقاني عليها!
تنهدت وهي ترمقه بطيف انزعاج طفيف:
- يا رامز بجد ده وقته يعني؟! تصدق أنا غلطانة إني وافقت أتجوزك!
ابتسم لها بخبث ورد سائلًا بنبرة مداعبة:
- ومين اللي كان لسه مبسوط من شوية ولا تحبي أأكدلك بنفسي تاني؟"
لتتورد نيرة من تلك الإبتسامة ونظرته اللعوبة ليهمس هو بأذنها بعد اقترابه منها:
- ايوااا.. نجيب ورا بقا ونظبط دلوقتي
قبل وجنتها ثم قبلها على جبينها وتوسدت صدره بيننا هو اراح ظهره على الوسادة خلفه وتنهد بعمق ليحدثها بكل ما يًقلقه:
- نيرة حبيبتي، أنا عمري ما حبيت ولا هحب حد قد ما بحبك، أنتي غالية أوي عليا، كان نفسي حتى جوازنا ميجيش بسرعة عشان تعملي كل اللي نفسك فيه، وغصب عني لو بالي مشغول بمواضيع سيرين لكن أنتي عارفـ..
قاطعته بجدية لتحدثه بهدوء:
- رامز أنا فهماك ومقدرة وحاسة بيك، فاهمه إنك بتحب سيرين زي اختك وبتخاف عليها، وعارفة إن ظروفها اتهببت خالص بظهور جاسر ده في حياتها من يوم ما اتجوزته، أنا كمان ساعات بكون over في غيرتي عليك، مش من سيرين بس او شخص معين بس أنا نفسي كلك على بعضك كده تكون ليا على طول، سميها أنانية أو حتى غيرة زي ما تحب بس فعلاً مبقتش بحب ابعد عنك!
ابتسم ليقربها منه وهو يعانقها إليه اكثر وأخبرها:
- وانا اوعدك عمرنا ما هنبعد أبداً عن بعض..
توسعت عيناها في حيرة ورفعت رأسها تتفقد وجهه:
- تفتكر موت باباها عدى على خير؟
هز كتفاه وهو يجيبها:
- مش عارف؛ ده اللي قالقني، بكرة الصبح هكلم مراد
نظر لها في خبث ثم أخبرها ممازحاً اياها بإبتسامة وهو يعتليها:
تعالي بقا نشوف موت نيرة هيعدي على خير ولا لأ؟!
صرخت به في نهي غير مصدقة:
- هتعمل ايه تاني يا مجنون؟ ده احنا لسه من شوية يادوب يعني!! مش كده براحة شوية!
همس بمكر لها ليقول:
- هاعمل كتير اوي.. ومتخافيش كله هيبقى بالراحة!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
تكلم "مراد" عندما دخلت "سيرين" غرفة والدها في عجالة ولاحظها بطرف عينيه:
- وقعتي قلبي.. أنا كنت فاكر انك مش هتعرفي تيجي
رفع عينيه ليتفحصها وما إن نظر إليها حتى تعجب من ذلك المعطف الذي ترتديه وغطاها بأكملها فأدرك أنه لا يخصها ولكنها لم تجيبه ولم تجيب نظراته المستفسرة وذهبت لتجلس بجانب "هشام" لتهمس له:
- احنا مبقاش قدامنا وقت... لازم نخلص كل حاجة دلوقتي
أومأ لها في جدية ثم سألها:
- هو جاسر تحت؟
أومأت بالنفي وزجرته بحدة:
- لأ ومتجبليش سيرته ارجوك
تسائل "مراد" وهو يتفحص ملامحها التي عرف منها جيداً أنها تخبأ شيئاً ما ثم تسائل مجددًا:
- أنا حاسس إن فيه حاجة مش مظبوطة، ورد عليا بأسلوب غريب، ايه اللي حصل؟
تنهدت وطأطأت رأسها ثم همست بصوت متردد:
- بعدين.. مش وقته خالص
تريثت لبرهة ثم تفحصت "مراد" في لهفة لتسأله:
- دادة منى او حد من الحراسة شاف حاجة أو دخل هنا؟"
أومأ لها بالإنكار لتشعر بالطمأنينة لعدم اكتشاف احد شيئًا عن الأمروأخذا يعدا كل ما يلزم كما أتفقا مسبقاً وبالرغم من أن موت "هشام" ليس بحقيقي ولكن "سيرين" بدأت في ذرف الدموع دون إرادة منها لا تدري هل لتخيل موت والدها يومًا ما أم لما عانته هذه الليلة الغريبة؟!
ما إن أخرجا جسده سوياً بأحدى السيارات التي كانت تنتظره في المرأب عادت هي لغرفته مرة أخرى لتنفجر بالبكاء أسفل نظر "مراد" الذي تعجب لها كثيراً فكلاهما يعلمان مسبقًا بأن هذا بأكمله ليس حقيقي..
تسائل "مراد" الذي ذهب ليقف أمامها ونبرته لا تبشر بالتراجع عن إعطاءه تفسير منطقي:
- سيرين في ايه؟
اجابته في صياح وهي تنتحب:
- مفيش قولتلك بعديـ..
قاطعها وهو لم يقتنع بإجابتها:
- ايه اللي حصل خلاكي كده؟ استحالة يكون موضوع بابا هشام وأنا فاهمك كويس وبردو سايبك في الفرح كويسة! اتفضلي قوليلي ايه اللي حصل لأني مش هامشي من هنا غير لما أعرف
نظرت له وازداد بكاؤها في شدة لتتكلم بين نحيبها:
- معرفش، معرفش ايه اللي حصل، جاسر سادي وهينتقم مني أنا وقالي انسى كل اللي حصل ونطلق قدام الناس ونفضل متجوزين وموت بابا معناه إن أنا هاتحمل كل حاجة و كلمني بطريقة غريبة وأنا مش فاهمه حاجة من اللي بيعمله و..
انفجرت الكلمات من شفتاها وهي تبكي ومظهرها يبدو كمن تهلوس بكلمات غير مفهومة فما كان منه إلا أن يعانقها وهو يحاول تهدأتها قدر المستطاع وربت على ظهرها في حنان:
- هششش.. اهدي يا سيري وكل حاجة هتكون كويسة.. بطلي عياط بس
أومأت بالإنكار لتهتف في همس واحتلتها الآن الصدمة بعد أن شعرت بالأمان لتواجده بجانبها وبدأت في الإفصاح عما حدث:
- ده مجنون، أنا خايفة منه، ممكن يعمل فيا زي البنـ..
توقفت من تلقاء نفسها بينما تعالى بكائها وهي تذكر ما فعله بتلك الفتاتان وهو أيضاً يجذبها من شعر رأسها قبل اتصال "مراد" لتسارع بالحديث مرة أخرى:
- لولا أنك أتكلمت مكنتش عارفة كان هيعمل فيا ايه، أنا استحالة اكون معاه في مكان واحد لوحدنا أبداً، أنا مش عايزة أعرف الإنسان ده تاني
بكت بهسترية مجدداً وهو لا يستطيع فهم آي شيء مما تخبره به فهمس لها بنبرة هادئة:
- ممكن بس تهدي عشان أفهم أنتي بتقولي ايه؟ هعملك كل اللي أنتي عايزاه حاضر!
حاول أن يوقفها عن بكاؤها وهو يتفحصها بنظرات حريصة وأمسك بذراعيها منتظراً أن تهدأ فبدأت بكفكفت دموعها ونظرت له هي الأخرى لتحدثه بجدية:
- بص جاسر مش سهل، واللي شوفته معاه بعد الفرح مكانش سهل ومتسألنيش ايه هو، وقالي أنا هوريكي بابا عمل في أمه ايه، وأول ما عرف إن بابا مات لما أنت أتصلت أتغير معايا خالص وقال كلام غريب كتير زي اننا نفضل متجوزين في السر ونطلق قدام الناس وهيعملي كل اللي أنا عايزاه واتنازل عن الورث، وبعد ما كان متعصب وأسلوبه مخيف كده فجأة اتغير وبقا هادي خالص، وفضل يقولي كلام زي إن بموت أبويا هينتقم مني أنا بس وهو مش عايز يعمل كده ولا مش عايز حد يعرف حاجة..
تنهدت في حيرة ثم أكملت وانهمرت دموعها:
- أنا عارفة إن كلامي ميتفهمش وأنا أصلاً مش فاهماه بس مش عارفة هو عايز مني ايه، شوية احسه مبيكرهش حد في الدنيا زيي وشوية..
زفرت بحنق وهي لا تدري ماذا تقول لتتابع بصعوبة:
- بحس إنه.. مش عارفة، عايز يقرب مني، أو، أو، آففف.. مراد كل حاجة متلخبطة وأنا مش عارفة حتى أنا حاسه بإيه ولا هو بيعمل كده ليه
أخبرته بين شهقاتها المتلاحقة وحيرتها التي ازدادت لتحصل على نظرات مبهمة من "مراد" الذي بالكاد فهم شيئاً مما قالته فحاول أن يحدثها بقليل من المنطقية:
- فاكرة لما كلمتيني وحكتيلي الكلام اللي قالهولك يوم ما اتصورتوا؟
توقف عن المتابعة لتومأ له بالإيجاب فعاد للتحدث مجددًا:
- وكلامه ده من شوية، كل ده مش شايفة أو حاسة بحاجة؟
سألها لتومأ له بالإنكار فتابع:
- سيرين كل اللي بيحصل منه ده معناه أنه بيكره باباكي لسبب محدش يعرفه غيره، لكن أنتي مكنتيش في حساباته أصلاً واللي أنا شايفه لما قالك نتجوز في السر ونتطلق قدام الناس يبقا فيه حاجة هو عاوز يخبيها وجوازكم عايز يديله فرصة حتى لو هو فيه بينه وبين باباكي حاجة!
نظرت له في حيرة بينما زفر "مراد" كل ما برئتيه وخلل شعره في ضيق لتتعجب من كلماته:
- يعني بتقول ايه؟! تقصد أنه متجوزنيش غصب وأنه عاوزنا نكمل جوازنا عادي و..
قاطعها بعد أن تأتأ في اعتراض:
- مش كده.. مش ده قصدي
نظر لها بعينيها في توسل واطنب بحديثه:
- هو أنتي اتحطيتي في طريقه بسبب اللي باباه قاله قبل ما يموت، بس كل اللي بيقوله وبيعمله بيثبتلي أنه عاوزك، مش هاقول بيحبك، شايفك مختلفة وده فعلاً..
قاطعته بغضب:
- مختلفة وبيحبني ايه وزفت ايه، بردو تاني يا مراد هتقولي نفس الكلام، أنت متعرفش عن الإنسان ده حاجة
سألها لتعقد ذراعيها وتنظر له بعسليتان لازالت تحمل آثار البكاء:
- طيب أنتي عايزة تعملي ايه دلوقتي؟ تحبي تطلقي منه؟!
اجابته سائلة بإستهزاء:
ويبقا كل اللي عملته ده مالوش لازمة؟!
سألها من جديد:
- لو مش عايزة تطلقي منه يبقا الحل ايه؟!
اجابته وهي تعبس بملامحها في خشونة معتادة منها:
- مش عارفة بس مش عاوزة أقعد معاه في بيت واحد لوحدنا وخلاص!
أومأ لها في تفهم وحاول أن يوافقها فقط إلي أن تُصبح أفضل:
- خلاص خليكي الكام يوم الجايين هنا وأنا هافضل اجيلك كل يوم وعلى ما رامز ونيرة يرجعوا كمان هنكون كلنا معاكي، اتفقنا؟!
أومأت له بالموافقة ثم ردت بإقتضاب:
- ماشي.. اتفقنا
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
همس لها في احتياج شديد:
- وحشتيني ومش قادر استنى الكام ساعة الجايين على ما اشوفك
انزعجت ملامحها لترد بإستياء زاجرة اياه:
- يعني ده وقته.. بابا سيرين مات امبارح بليل وأنا رايحالها دلوقتي!
تسائل "معتز" بإندهاش:
- ايه ده؟ أنا معرفش حاجة، حصل امتى؟
اجابته سائلة:
- هو جاسر مقالكش؟!
اومأ بالإنكار ثم اجابها:
- أنا معرفش حاجة عنه من امبارح، هو ايه اللي حصل؟
تريثت "نور" لبرهة ثم تنهدت في ضيق وقصت عليه الأمر وقالت:
- أنا حكيتلك أهو، وبعدين غريبة أوي أنه مش معاها، حتى لو كان بينهم ايه المفروض يكون جنبها في وقت زي ده.. أنا خلاص داخلة عليها اهو وأنت شوف جاسر فين وهاته وتعالى!
أنهت مكالمتها معه وهي تشعر بأن هناك شيئاً ليس على ما يرام وكأنما هناك أمراً سيئاً سيحدث بينما "معتز" ود أن يتجنب "جاسر" تماماً ولكن رغماً عنه عليه أن يتدخل ويثنيه عن أفكاره الإنتقامية التي ستحركه تجاه "سيرين"
اتصل به وسرعان ما حاول أن يمازحه عندما أجاب مكالمته:
- نقول مبروك بقا حماك مات؟!
اجابه متسائلًا في برود شديد:
- عاوز ايه يا معتز؟
تعجب ليجيبه سائلًا:
- ايه اللي عاوز ايه؟ حماك ميت وسايب مراتك، تفتكر الناس تقول عليك ايه؟ وبعدين ليه مقولتليش أول ما عرفت؟ أنت فين أصلاً؟!
زجره ولكن نبرته ليست غاضبة حادة مثل كل مرة:
- مش قولتلك متقولش مراتك دي؟!
تعجب ليرد بعفوية:
- ما هي مراتك في الأول وفي الآخر.. وبعدين هتعمل ايه دلوقتي؟! مش هتروح وتكون جنبها وتـ..
قاطعه بنبرة حالكة غريبة:
- لا طبعاً ازاي.. لازم أكون جنبها، ما هي بنته في الأول وفي الآخر..
لم يطمئن معتز نهائياً لتلك النبرة المتهكمة التي تحدث بها "جاسر" ليستفسر في ترقب:
- أنت بتفكر في ايه؟!
ادعى التلقائية وقال:
- هكون بفكر في ايه يعني؟!
تنهد في حنق شديد وقال:
- جاسر بلاش ألغاز.. البنت أبوها مات وهو السبب مش هي، اياك تكـ..
قاطعة بنبرة جامدة في برود لا نهائي:
- أبوها مات وهي اللي هنتقم منها!! ومحدش هيقدر يقف قدامي
ازدرد "معتز" في خوف مما استمع له ثم حاول أن يُثنيه عما يدور في رأسه:
- طب تعالى بس نتقابل عندها ونعدي الكام يوم دول على خير علشان الأخبار والعزا وابقا أعمل اللي أنت عايزه بعدين..
أنهى "جاسر" مكالمته بغته كما هي عادته وهو يبتسم بسخرية وتمتم هازئًا:
- فاكر هيحايلني زي العيال! دي هويدا الأنصاري!! أمي.. محدش عمره هيحس بيا وبيها!!
ألقى نظرة أخيرة على مظهره الأنيق بتعالي مبالغ فيه ثم نثر بعضاً من عطره وتوجه للخارج حتى يستعد لها وتمتم أثناء طريقه إلي لمنزلها:
- أنا هريح نفسي خالص منك، هاكسرك صح، هاكره نفسي فيكي بالعافية..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
مر اليوم بأكمله بتلقائية تتناسب مع موت "هشام" وارتدى الجميع الأسود، ذرفت "سيرين" بعض الدموع التي صدقها كل من رآها، هي وحدها من يشعر وكأنما والدها ذهب حقاً وليس مجرد خدعة أمام الجميع، كلما ألتقتا عسليتاها بفيروزيتيه شعرت بالخوف الذي لم تظهره له وتماسكت قدر الإمكان لتذكر نفسها بأن حولها "مراد" والعديد من الأشخاص وهو لن يتجرأ على فعل أي شيء أمامهم ولكن هناك شعوراً بداخلها يخبرها بأن تبتعد عنه قدر ما استطاعت وألا تدع الفرصة بأن يجتمعا أبداً..
لم يظن يوماً أنه سيواجهها هي، سيقع عبأ الانتقام بداخله عليها، تتحمل أو لا أو لتفعل ما تشاء، هو لم ينتظر كل تلك السنوات عبثاً من أجل اللا شيء، ربما تباطئ كثيراً عندما التفت لتلك المشاعر الوليدة تجاهها ولكنه لن يتقهقهر بسبب حفنة مشاعر لإبنة ذلك الرجل الذي لطالما عكر صفو حياته وآلمه كثيراً، لطالما كان بارعاً بإخفاء ما يشعر به، ربما هي فقط من تستطيع أن تستفزه ولكن لن يسمح لها مجدداً بأن تفعل هذا، فهي لم تعرفه حتى الآن..
توجهت نحوها "نور" لتودعها وقالت:
- هعدي عليكي الصبح ومـ..
قاطعتها "سيرين" بسرعة لتحاول ألا تغادرها وتنتظر معها حتى لا تتركها وحدها بوجود "جاسر" فهتفت بها:
- طيب ما تخليكي والوقت أتأخر أصلاً
ابتسمت بإقتضاب مراعاة للظرف الذي تمر به وأومأت لها بالموافقة لتقول:
- أنتي أول مرة تطلبي مني حاجة وأنا مش هاكسفك.. خلاص هاستنى زي ما انتي عايزة"
نظرت نحو "معتز" بطرف عينها ليتوجه نحو "سيرين" وودعها بلباقة:
- طيب.. هامشي أنا.. لو أحتاجتوا حاجة في أي وقت كلموني
أومأت له بإمتنان ثم أقترب من "جاسر" ليهمس له بأذنه:
عدي الليلادي على خير ولايمها، الراجل لسه ميت مكملش كام ساعة!
ابتسم "جاسر" بسخرية كتعقيب وإجابة على كلماته ولاحظت "سيرين" ملامحه التي باتت أكثر ما يُرعبها فحولت نظرها عنه على الفوروتحدث إلي "معتز" ناظرًا له نظرة جامدة فارغة من المشاعر:
- مش محتاج توصية يا ابن خالتي!
أستمع الجميع لصوته الذي بدا متوعداً أكثر منه داعماً للموقف فامتعضت ملامح "معتز" بينما تعجبت "نور" لنبرته وملامحه وغادرت "سيرين" للأعلى على الفور فتبعها "مراد" ليجدها دخلت غرفة والدها وأوصدت الباب خلفها فطرقه حتى تسمح له بالدخول وتسائل بصوت مسموع كي تسمعه:
- سيري.. ممكن أدخل؟!
ما إن أدركت أنه "مراد" فتحت له باب الغرفة لتسمح له بالدخول ثم أوصدته عليهما ليستفسر في هدوء:
- ليه مشيتي بالطريقة دي مكنش ينفـ..
قاطعته متحدثة بعصبية وارتباك لاحظهما جيدًا:
- أنا حاسة إن فيه حاجة مش طبيعية، مش قادرة أكون معاه في مكان واحد! بحس إني مش على بعضي يا مراد..
عقد حاجباه في تعجب ثم حدثها متسائلًا:
- أنتي بجد خايفة منه؟! أنا هنا وهبات الليلادي وأخته كمان هتكون هنا، ودادة منى ونهلة وأميرة والحراسة يعني أنتي مش لوحدك، أنا أول مرة أشوفك كده، هو عملك ايه؟ أنتي مخبية عليا حاجة؟!"
رمقها بجدية هائلة بعد ملاحظته لخوفها الذي لا يظهر عليها بسهولة لتهمس في تلعثم:
- معرفش.. مفيش حاجة بس.. بس حاسة إن فيه حاجة هتحصل..!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
زجرته "نور" بلهجة غاضبه من تصرفه الذي بدر منذ قليل:
- جرا ايه يا جاسر أنت بتعاملها كده ليه؟ لو أنا مكانها تحب جوزي يعمل معايا كده ويعاملني بالأسلوب ده؟ ده أنت بتضحك وبتتصرف عادي وحتى مش مراعي إن باباها لسه ميت
نظر لها بنصف ابتسامة لم تلامس اي من عينيه وحدثها ببرود:
- لا يا نور، عمرك ما هتكوني مكانها.. اللي زي دي واحدة مش متربية وأنتي متعرفيش حاجة عن أ..
سكت من تلقاء نفسه عندما لاحظ أنه كاد أن يبوح لأخته بكل شيء لتبادر هي:
- ما تقولي، فتحلي عنيا.. مالها سيرين إنسانة محترمة وباباها الله يرحمه كويس وكان صاحب با..
زجرها بنبرة غاضبة مقاطعًا:
- اسكتي ومتقوليش كده تاني، أنتي متعرفيش حاجة، على نياتك ومصدقة أوي أنها محترمة، بصي يا نور لو فتحتي معايا الموضوع ده تاني لا أنتي أختي ولا أعرفك! أنتي فاهمه؟!
أصبحت ملامحه قاتمة بشكل غريب وعدل في ثواني عن بروده ثم تركها وتوجه للأعلى لتتنهد هي خلفه في حيرة لتمتم في آسى على ما يحدث بينهما:
- والله مظلومة هي وأبوها معاك.. نفسي تعرف الحقيقة النهاردة قبل بكرة
أمسكت بهاتفها لتتحدث إلي "معتز" عازمة على أن تجد حل حتى يعرف "جاسر" حقيقة الأمر وخداع والدتهما في أقرب فرصة ممكنة..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
ربت "مراد" على ظهرها بينما لم يجد أي كلمات منطقية لقولها حتى يجعلها تهدأ غير معانقتها:
- اهدي بقا ومتعيطيش.. كلنا معاكي وهو مش هيعملك حاجة، وبعدين لو كان عايز يعمل كان عمل من زمان، مالوش لز..
توقف "مراد" عن الحديث ليرى تلك الفيروزيتان تحدق بهما عندما فتح عليهما الباب لتبتعد "سيرين" عنه وتذهب نحو "جاسر" ونظرت له بغضب يتزايد كما النيران التي تلتهم كل ذرة دماء بعروقها كلما اقتربت منه وصاحت به:
- جاي ليه؟ ممشيتش لغاية دلوقتي ليه؟ ابعد عني بقا مبقتش عايزة أشوف وشك تاني
قابلها بإبتسامة هادئة للغاية لم تتلاءم لا مع صراخها ولا مع موقف موت والدها ليجيبها ساخرًا:
- يصح بردو أسيبك تحضني راجل غريب وأبوكي لسه مرتحش في تربته؟!
نظر نحو "مراد" باحتقار ثم عادت فيروزيتاه إليها ليقترب منها ومسك ذراعها ثم همس بأذنها:
- أنا أولى من الـ*** بردو ولا ايه؟!
ابتعد قليلاً ليقابل نظرتها النارية وبدون أي مقدمات صفعته ليسحق هو أسنانه وصرخت به:
- مراد ده أخويا.. اياك تجيب سيرته على لسانك تاني!!
تطاير الشرار من عسليتاها الناريتان ليبتسم هو لها ثم نظر إلي "مراد" بمزيد من الإحتقار وتهكم قائلًا:
- بعد إذنك يا أخوها عشان من حقي أكون أنا ومراتي لوحدنا شوية!!
بادله نفس النظرات الغاضبة ليأتي صوتها المتحدث في اعتراض ونفور منه:
- لا مش من حقك.. واحنا مفيش بنا جواز ولا غيره، مجرد كلمتين على ورق وفي الأول وفي الآخر جواز مصلحة وأنت اللي تمشي من هنا وايا..
قاطعها "مراد" مسرعًا:
- خلاص يا سيرين!
نظرت له بدهشة واتسعت عسليتاها الناريتان ليُكمل:
- أنا هبات في أي أوضة من أوض الضيوف ولو فيه حاجة هاجيلك..
أخبرها وهو يرمقها بنظرة فهمت منها أن تحاول الهدوء وأن تنتظر قليلًا وأنه سيبقى بنفس المنزل حتى يتدخل لو حدث شيئًا ثم نظر نحو "جاسر" وكلمه بإقتضاب وغضب مكتوم حاول أن يكبحه بداخله:
- يمكن أنت لسه متعرفش سيرين بالنسبالي ايه.. بس بكرة تعرف كويس يا جاسر بيه!!
قابله الآخر بإبتسامة مستهزءة ثم تركهما وغادر ليتبعه "جاسر" موصداً الباب خلفه بالمفتاح ثم وضعه بجيبه ولم يلتفت لتلك التي ترتعد خوفاً منه لتصيح به في خوف:
- أنت هتعمل ايه؟ أمشي أطلع برا ومتقعدش معايا في مكان واحد تاني.. أنت سامعني؟
التفت إليها وعلى ملامحه ابتسامة تليق بشيطان خرج لتوه من قاع الجحيم ثم همس بها في برود:
- مش قولتلك متعليش صوتك عليا؟!
أقترب منها وأخذ خطوات نحوها لتأخذ هي مثلها للخلف لتحاول أن تبتعد عنه ولأول مرة يشعر بخوفها عكس تلك المرات التي تظاهرت بها بالجرأة ليتعجب في دهشة ساخرًا:
- ايه ده.. مش معقول!! خايفة مني بجد؟!
ابتسم لها حتى ظهرت أنيابه وأظلمت عيناه بشكل يثير الرعب بالنفوس لتزجره بصوت مهزوز:
- متقربش مني
توسعت ابتسامته في تلذذ بمعاناتها التي يلمحها على وجهها وقال هازئًا:
- جه اليوم اللي بقيتي تخافي مني فيه يا حيلة أبوكي!
صاحت به وكادت أن تصرخ في نهاية حديثها:
- أنا مش خايفة.. أبعد، أنا بقرف منك.. سامع.. ابعد عني.. هصوت وكل اللي في البيـ..
قاطعها هامساً بأذنها بعد أن حاوطها أمام الجدار :
- هششش.. محدش هايقدر يحميكي مني يا حيلة أبوكي
تعالت خفقات قلبها ونظرت له بوجل لتتسائل بين أنفاسها المتلاحقة:
- يعني ايه يحميني.. أنت.. أنت هتعمل ايه؟!
نظر لها بملامح غريبة لأول مرة ترتسم على وجهه وهو ينظر لها بتوعد وابتسامة خافت منها كثيرًا لتبتلع في ذعر وهو يجيبها في همس:
- هاخد حق تمنتاشر سنة حرقة قلب، مش انتي بنت هشام بردو؟!
أطرق برأسه مميلًا اياها لأحدى الجوانب وفجأة أرغم جسدها الضئيل أمامه على الالتفات لتقابل الجدار بوجهها وشعرت بجسده ملتصقاً بجسدها بالكامل خلفها وهمس بأذنها ليشعر بإرتجاف جسدها اسفل يده التي وضعها على شفتاها مسبقاً حتى لا يصل صوتها لمسامع أحد:
- لا وهاخده هنا.. في أوضته وعلى سريره..
#يُتبع . . .