-->

الفصل الثامن عشر - جسارة الإنتقام




 - الفصل الثامن عشر - 

غابت الكلمات عنها من اثر الصدمة وهي تنظر إلي اخيها لبرهة ثم رمقته بمزيد من عدم التصديق لتصرخ به:

- انت مش ممكن تكون بني آدم.. ازاي تعمل فيها كده؟ ليه يا جاسر عشان ايه كل ده؟

 تهاوت دموعها ثم صاحت به في حرقة: 

- ليه تعمل كده؟ عشان ايه؟ عشان خاطر كدبـ..

 وما إن كادت تخبره حتى قاطعها "معتز" مسرعًا:

- نور خلاص اهدي.. هي كلها شوية وهتكون كويسة.. الوقت كمان أتأخر ولازم تروحي وتبقي تعالي الصبح 

حاول أن يوقفها عن ما بدأت به ولكنها صرخت به من جديد:

- أنت مش إنسان.. لو حتى حيوان مش هيعمل فيها كده، أنا بكرهك يا جاسر.. نور بالنسبالك ماتت خلاص، لا أنت أخويا ولا أعرفك من النهاردة! متشرفش أكون أخت لواحد زيك

صُدم "جاسر" مما وقع على مسامعه ولكنه استطاع البقاء على هدوءه وجذب "معتز" ذراعها برفق وتوجه معها حتى ابتعدا عن أعينه وضغط زر المصعد حتى آتى وأصبحا بداخله وما إن انغلق بابه احتضنها لتنفجر هي باكية بين ذراعيه..

همس لها وهو يقبل جبينها:

- علشان خاطري متعيطيش..

صاحت بين شهقاتها المتتابعة وهو يربت على ظهرها في حنان: 

- بهدلها خالص يا معتز، دي كانت شبه اللي ميته؛ ازاي جاله قلب يعمل فيها كل ده؟!

رفعت نظرها له لتتقابل فيروزيتاها الباكيتان بزرقاويتيه المتلهفتان عليها وتبادلا النظرات في صمت حتى توقفت "نور" عن البكاء ومعتز لا يستطيع أن يبتعد عنها ليعقد حاجباه وابتلع ناظراً لشفتاها في وله تام وحاول الإقتراب منها ليفيقهما من ذلك التقارب الشغوف صوت المصعد الذي أعلن عن وصولهما فابتعدت هي عنه بإرتباك ليتدارك هو نفسه ثم تبعها للخارج..


     

تحدثت "نيرة" بنعاس وهي بالكاد تستطيع التركيز:

- مش هننام بقا يا حبيبي.. احنا بقينا الصبح تقريبًا.. 

قابلها "رامز" بعقدة حاجبه التي عكست انزعاجه فتسائلت بقلق 

- مالك يا رامز فيه ايه؟!

زفر في ضيق ثم أقترب منها وعانقها ليطبق على جسدها بعنف واحتياج ثم همس بأذنها مُجيبًا:

- قلقان.. قلقان أوي يا نيرة

حاوطت ظهره بذراعيها وأخذت تمسده في رفق ليستطرد:

- أنا حاسس إن سيرين مش كويسة، كلمتها مردتش عليا، ومراد مردش بردو عليا، خايف يكونوا مخبين حاجة عليا!

حاولت أن تهدأ من قلقه لتقول:

- طيب متقلقش كده علشان خاطري، جربت تكلم طيب أنكل هشام أو دادة منى؟!

اجابها في وهن ودفن وجهه بعنقها: 

- كلمته النهاردة وكان صوته طبيعي وهيتجنن ويعرف سيرين عملت ليه كده معاه وأنا مرضتش أتدخل، ودادة منى لو كلمتها أكيد هتقلق زيادة..

اشتد ذراعيه يضمها إليه اكثر ليهمس بصوت نادم:

- أنا آسف يا حبيبتي بس أنـ..

 قاطعته بعد أن ابتعدت لتقابل نظراته بجدية:

- هششش.. أنا عمري ما شوفتك قلقان كده، تحب نسافرلهم دلوقتي؟!

أندهش من سؤالها ونظر لها بتعجب وانعقد لسانه وظل يتفحصها في صدمة تامة لتضيف بإبتسامة:

- أنا عنيدة شوية وياما طلعت عينك بس أنا مقدرة أن ممكن يكون حصل حاجة ومحتاجينك ومخبين عليك بسبب اننا فيhoneymoon ولسه عرسان.. تعالى نرجع بالطيارة بتاعت باباك، لو كل حاجة تمام وكويسة نرجع تاني، ولو لقدر الله فيه حاجة يبـ..

قاطعها جاذبًا اياها في عناق قوي وتشبث بكلتا ذراعيه بجسدها وتحدث في امتنان:  

- بجد يا نيرة عمري ما هنسهالك، أنا متشكر اوي، أنا آسف، غصب عني بس، أنا بجد مش عارف أقولك ايه..

ادعت ملامح المُزاح لتقول في تحذير مداعبة:

- خلاص بقا متخلينيش اوريك وشي التاني ومتتعودش مني على كده بدل ما ارجع في كلامي! وأنت عارف عيلة وأعملها!

 ابتعدت عنه وتطلعت ملامحه وابتسمت له ليقبل جبينها في مزيد من الإمتنان إليها ولتفضيلها ما يشعر به على تلك اللحظات الثمينة التي تمنتها هي منذ الكثير من الوقت ونهض مُقبلًا يداها ليساعدها على النهوض هي الأخرى وتوجها ليستعدا لعودتهما مرة أخرى..

     

ناولها كوب من القهوة ساخناً لتأخذه "نور" وأحاطت كلتا يداها بالكوب لتستمد منه الدفء وشردت بالفراغ أمامها وحتى الآن هي لا تستطيع استيعاب ما حدث، انعقد لسانها وغابت عنها الكلمات وتأثرت ملامحها بشكل شديد وارتسم الحزن على فيروزيتاها التي طالما صرخت بالحياة..

تنهدت وهي تشعر بثقل تود أن تتخلص منه بأي طريقة لتتكلم بصوت مهتز:

- تعرف يا معتز.. الحاجة الوحيدة اللي بابا وصاني عليها قبل ما يموت مقدرتش اخد بالي منها.. الحقيقة مقدرتش اقولهاله.. حتى سيرين نفسها مقدرتش اواجهها وأقولها كل حاجة بصراحة.. أنا السبب في كل اللي حصلها ولو..

قاطعها وهو ينظر لها بجدية وملامحه رافضة أن تُلقي اللوم بأكمله عليها:

- متقوليش كده.. أنتي مش السبب، السبب هو أخوكي، تفتكري أنا ولا أنتي ولا حتى أمه بنفسها لو قالتله أنا ضحكت عليك كل السنين دي هيصدق بسهولة؟ أنتي مش فاهمه جاسر عنيد ازاي؟ دماغه أنشف من جبل بحاله ولا حد في الدنيا يقدر يرجعه عن اللي بيفكر فيه!!

 فكرك إني محاولتش معاه؟! مرة بالهزار ومرة احنن قلبه عليها وانها مالهاش ذنب ومرة احايله واقوله هنعمل اللي أنت عاوزه بس نعدي الكام يوم دول على خير..

هو خلاص بقا عامل زي الأعمى، واضح إن فعلاً هويدا هانم عرفت تخليه ميشوفش غير اللي هي عاوزاه وبس.. أنتي كمان يا نور بنت في الأول وفي الآخر عمرك ما هتحسي بوجع راجل شايف أمه قصاده سنين موجوعه وهي بتقوله راجل أغتصبني!!

بصي واسمعي كلامي ده كويس، اياكي تلومي نفسك تاني لحسن أجيبلك أخوكي ميت تحت رجليكي لو ده اللي هيريحك!! أنا مش قرطاس قدامك عشان أشوفك كده وافضل ساكت، وجاسر ده هطلعلك عينه حتى لو رسيت على إني أقاطعه ومعرفوش تاني..

التقط أنفاسه المتسارعة بعدما أنفجر ناطقًا بكلماته الغاضبة لها لتراقبه فيروزيتاها في ارتباك لتلاحظ صدره يعلو ويهبط غضباً ليتلجم لسانها مرة أخرى وبدون مقدمات أراحت رأسها على كتفه في وهن و همست بنبرة حزينة:

- أول مرة أحس إني محظوظة اوي كده بحد بس.. خوفتني اوي وكلامك رعبني..

 التفت لها متعجباً لكلماتها فتابعت:

 - زمان كنت فاكرة إن جاسر بيحبني أكتر من أي حد وفجأة بعد عني 

تنهدت بآسى ثم أكملت: 

- بعد كده بابا قربلي اوي لغاية ما ماما فضلت تقول بنت أبوها راحت بنت أبوها جت وفي لحظة المرض خطفه مني.. أما بقا ماما فطول عمرها كانت قريبة من جاسر وحتى في الآخر أكتشفت انها انسانة أنانية وكدابة، وأنت يا معتز جاي تقرب مني وتحسسني أن ليا ضهر وسند، عارف أنا ممكن يجرالي ايه لو بعـدت عنـ..

 قاطعها متفحصًا عيناها في لهفة: 

- عمري ما اقدر ابعد عنك، ساعتها يبقى الموت اهونلي.. أوعي أسمعك تقولي كده تاني 

ابتسمت بمرارة ثم لمعت عيناها بعبرات لتتساقط دموعها في بكاء وكلمته بصوت مرتجف:

- أنا فعلاً محظوظة بوجودك جانبي ومعايا.. لما بحط نفسي مكان سيرين دلوقتي بترعب!! 

زفرت بآلم ثم أكملت:

مهما كان مفيش راجل جنبها، يمكن أصحابها لكن فين الأب؟ فين الراجل اللي بيحبها وبيخاف عليها؟!

نظرت له بضعف ليزدرد وهو لا يدري ما الذي عليه قوله أو كيف سيواسيها بكلمات لتطنب بالمزيد وهي تحاول أن تُخرج ولو قليلًا من عبء ما تشعر به:

- تعرف.. جاسر لما فضل يكلمني عنها ليلة ما جيتلك وقولتلك على كل حاجة حسيت انه ممكن يكون بيحبها، يمكن كان فيه مشاعر جواه ليها، كلامه وشكله ساعتها مكنش ينفع يتفسر غير كده، كنت مبسوطة عشانه، أول مرة أحس أنه اتغير وقولت يمكن لقى نصه التاني.. 

حسيت انها شبهه اوي، قوية وعنيدة زيه وجريئة ومبتخافش من حاجة، بغض النظر عن انه كان ساعتها تايه ومش على بعضه بس كنت فرحناله اوي.. يجي بعد كل ده ويعمل في الإنسانة اللي المفروض ابتدى يحبها كده؟ يا ترى لما تفوق احساسها هيكون ايه وازاي؟ 

أنا للحظة بتخيل نفسي مكانها حسيت إني مرعوبة، ما بالك هي؟

لم يستطع "معتز" أن يتحمل ملامحها الحزينة أكثر من هذا ليحتضنها محاولا أن يهدأها وهو بالكاد يُصدق ما يخبرها به:

- متقلقيش.. كل حاجة هتتصلح وهتبقا أحسن..

تحدثت بوهن بين ذراعاه وهي تتشبث به:

- استحالة يا معتز.. استحالة سيرين تسامحه.. مفيش واحدة اتكسرت بالشكل ده تسامح أبداً

 قاطعهما رنين هاتفه الذي تفقد المتصل بشاشته ليجد رقم لم يسجله من قبل اجاب هاتفه بينما نظرت له "نور" بأعين متسائلة وفي غضون ثانية أوصد "معتز" عيناه ثم امتعضت ملامحه وبدأ في التحدث للطرف الآخر: 

- هي معايا أنا ونور وجاسر.. هبعتلك العنوان حاضر

أنهى المكالمة وهو يرسل العنوان إلي "مراد" لتشعر بالخوف من القادم فهتفت به في تأنيب:

- ليه يا معتز قولتله؟ ده ممكن يـ..

قاطعها وهو يتفقد الوقت بساعة يده:

- بصي مينفعش نكدب، هيعرف كده كده سواء دلوقتي أو بعدين!! الساعة بقت تمانية الصبح والوقت سرقنا ومحسناش..

تسائلت في حزن بعد أن ادركت ان الساعات مرت بسرعة:

- تفتكر سيرين فاقت؟!

هز كتفاه في عفوية ثم جابها:

- مش عارف.. تعالي نطلع نشوفها

     

دخل غرفتها مهرولاً ليشعر بالشلل التام بجسده، لا يستطيع أن يتحرك، بالكاد تنفس ما إن وقعت عيناه عليها، لم يدرك كم وقف ينظر لها في صدمة تامة، لا يدري ما الذي حدث لها، كل تلك المعدات حولها وأنبوبة المغذي التي حُقنت بيدها ما سببها؟ أحدث حقاً ما كان يشعر به؟ هل يُعقل أن "جاسر" قد تعرض لها وضربها ليلة أمس؟!

توجه نحوها بخطوات مرتبكة ثم همس متلعثماً بوهن :

- سيري.. أنننتي سمعـ.. سامعاني!! سيرين..

تحجرت الدموع بعينيه فلاحظته "نور" من خلفه التي لم تستطع كتم دموعها وتوجهت خارجاً بينما نادها بصوت يكاد يُسمع قد خُفي من صدمة رؤيته لها هكذا:

- سيرين! 

ابتلع الدموع بحنجرته وهو لا يدري ما الذي حدث بها و آتى صوته مبحوحاً ممتزجاً بدموعه التي جففها حتى يستطيع رؤيتها علها تُجيبه:

- اصحي يا حبيبتي أنا مراد.. سامعاني؟ اصحي وقوليلي مين عمل فيكي كده؟! جاسر صح؟! أنا كنت حاسس إن فيه مصيبة هتحصل، حقك عليا أنا السبب.. اصحي بس وقوليلي عمل فيكي ايه وأنا أموتهولك، سيرين مبترديش عليا ليه؟!

 صرخ بها لينفجر الغضب بصوته فجأة واحدة  وحاول "معتز" الذي دخل لتوه أن يحدثه بهدوء:

- مراد هي لسه مفاقتش ومينـ..

 ألتفت له متحدثاً بين أسنانه التي التصقت ببعضها البعض وهو يقاطعه بغضب عارم:

- عملتوا فيها ايه!! الكلب ابن خالتك عمل فيها ايه!! أنا هاشرب من دمه لو اللي بفكر فيه حصل فعلاً

توجه للخارج كالمجنون ثم أقترب من "جاسر" وأخذ بتلبيبه وصاح به:

- عملت فيها ايه يا حيوان؟ أنت آخر واحد كنت معاها امبارح!! أنطق وقولي بدل ما أموتك..

نظر له "جاسر" في غطرسة دون إكتراث يُذكر وزجره ببرود:

- نزل ايدك دي يا شاطر واتكلم عـ..

 لم يترك له الفرصة أن يُكمل وقاطعه بلكمة على فكه ليتدخل "معتز" بسرعة ليفرق بينهما وهو يحاول ألا يتصاعد الأمر:

- اهدوا يا جماعة فرجتوا علينا الناس!! مينفعش كده

أبعد "مراد" جاذبا اياه من ذراعه ثم وقف أمامه ليصرخ هذه المرة بكلاهما وهو يتحول تمامًا من هذا الرجل النبيل الهادئ الوديع لرجل شرس ذو بأس:

- أنا مش هاهدى غير لما أعرف ايه اللي حصلها، فين الدكتور الزفت اللي عالجه! ده انا هموتكوا انتو وهو!

شعرت "نور" بالذعر من مظهره وابتعدت عنه خوفا من أن يتعرض لها بشيء ليصرخ من جديد:

- فين الدكاترة اللي في الزفتة دي، هطربقهالكوا فوق دماغكوا، ايه مفيش ممرضات، مفيش حد، جايين تخبوها هنا بعد ما بهدلتوها..

صاحت واحدة من الممرضات اللاتي هرولن ما إن سمعا صوته الهادر برواق المشفى أمام الغرفة:

- خير يا فندم فيه ايه؟ اقدر أساعد حضرتك ازاي؟ 

صرخ بالممرضات أمامه الاتي ارتعدن من مظهره المخيف:

- سيرين هشام منصور اللي جوا في الأوضة دي، ايه اللي جرالها وجات هنا ازاي؟! هتنطقوا ولا أطربق المستشفى دي على دماغكوا

تحدثت أحدى الممرضات في فزع متلعثمة وهي تتقدمه بسرعة كي يتوجه معها نحو غرفة الطبيب المعالج وتبعها بنفاذ صبر:

- حضرتك أتتتفضل معايا عند الددكتور حسام.. هو اللي .. اللي متابع معاها!

 توجه "معتز" واقترب من "نور" بسرعة وهتف في لهوجة:

- نور امشي من هنا دلوقتي.. مش عارف هاسد ازاي بين مراد وجاسر وبالذات لما يعرف اللي حصلها، أنا يادوب الحقه قبل ما يعمل حاجة.. أخلصي وثواني الاقيكي في البيت وابعتيلي رسالة تطمني عليكي لما توصلي..

كاد أن يذهب ثم نظر لها مجددا بعد أن توقف وهمس بخوف:

- خدي بالك وانتي سايقة

قبلها من جبينها مسرعا ولم يكترث لنظرات "جاسر" المتعجبة لفعلته وهرول مسرعاً ليلحق بـ "مراد"..

     

 تسائل "مراد" في صدمة مأخوذًا بما سمعه من الطبيب بصوت مبحوح:

- يعني مش ممكن تخلف، سيرين مش هاتكون أم؟!

اجابه في تأثر:

- أنا مش هاخبي عليك، احنا مستنين انها تصحى ونشوف، هو التمزق نفسه جه في عنق الرحم، جسمها اتشنج وعضلات الرحم حصلها انقباضات عنيفة وأصلاً تكوين جسمها نفسه ضعيف غير أن دي أول مرة ليها وواضح أنه كان عنيف جداً معاها، والدم اللي نزفته كان كتير.. 

احناعملنالها عملية عشان نعوض الجرح في العنق نفسه ونقلنالها دم بدل اللي فقدته.. لو حالة الرحم مش هاتكون مستقرة ممكن نضطر نشيله خالص

صُدم أكثر مما أخبره به وهو لا يدري ماذا يقول أو يفعل ليتدخل "معتز" في محاولة منه أن يُطمئن "مراد" قليلًا:

- بس أنت طمنتني وقولتلي أن المؤشرات لغاية دلوقتي كويسة وإن شاء الله هتتحسـ..

 قاطعه "حسام" بآسى واضح على ملامحه:

- المؤشرات الحيوية طبيعية، لكن لسه مش عارفين حالة الرحم

 زفر في استياء بما استمعا إليه والتفت متفقدًا وجه "مراد" الذي بدا وكأنه فقد الحياة لتوه فتنهد في قلة حيلة وهي لا يدري كيف سيمر كل هذا مرور الكرام!!

صدح صوت هاتف "مراد" الذي أجابه دون أن ينظر به ليتخلل ذلك الصمت المريب بين ثلاثتهم وهمس بحرقة بصوت كساه الآلم:

- أغتصبها.. مش هتخلف تاني..

فاضت عيناه بالدموع المكتومة فأصبح لا يستطيع الرؤية وتحدث كالطفل الخائف: 

- أنا السبب، أنا اللي سبتها، أنا مش عارف أعمل ايه 

وانهي المكالمة وأرسل العنوان إلي "رامز" ليرتعد "معتز" مسبقًا مما سيحدث بأي لحظة الآن وتوجه للخارج بينما حاول "حسام أن يُهدأ من حالته:

- مراد أنا في صف سيرين، ومعاكوا لغاية الآخر، أنا كتبت التقرير بكل حاجة تجبلها حقها، هي بس من حقها أنها ترفع قضية عليه لما تفوق، وهفضل جنبكم ومش هاسيبكم.. متقلـ..

قاطعه صارخًا:

-بعد ايه؟ بعد ما عاشت يتيمة الأم وبالعافية شافت أبوها طول حياتها؟ عايز تهديني وأنت بتقولي أنها ممكن تتحرم من أنها تكون أم طول عمرها؟ 

تلجمت لسانه عن الحديث بعد هذا الصراخ وكلماته التي لن يهون من وطأتها أي كلمات فأخبره في النهاية "حسام" بآسى:

- إن شاء الله منضطرش نشيل الرحم.. ادعيلها والكام ساعة الجايين هيحددوا

توجه للخارج كالمجنون باحثاً عن "جاسر" ليلمح "معتز" يحدثه متأهبًا:

- امشي يا جاسر بسرعة، حسام هيدي مراد التقرير، سيرين ممكن متخلفش تاني، أنت متعرفش أنا سمعت ايه جوا، احتمال يشلولها الرحم، وكمان رامز شاكله جاي على هنا و.. 

قاطعه بعجرفة وعدم اكتراث:

- وانا هخاف من عيلين ولا ايه جرا ايه يا معتـ.. 

قاطعه بلهاث غاضبًا صارخًا به في اشمئزاز:

- يا اخي اخرس بقا وكفاياك برود، أنت دمرت حياة بنت لسه قدامها المستقبل بطوله واحتمال تحرمها من انها تكون أم للأبد ولسه جواك الجبروت ده كله؟ أنت مبتحسش! معندكش دم؟ مفيش جواك شفقة ولا رحمة؟ ذنب بنت زيها ايه؟ 

ابوها راجل وسخ، وماله، نجيب حقنا منه، بلطجية ولا فلوس ولا حتى تجبر بنته تتنازلك عن كل حاجة لكن مش تدمر بنت صغيرة بالبشاعة والافترا ده، دي اصغر من أختك، متخيلتش للحظة وأنت بتقرب منها أن ممكن نور تكون مكانها؟ مخوفتش إن أختك ممكن تقع في ايد راجل زيك؟ 

أنت ازاي شخص أعمى كده؟ للدرجادي الانتقام عمى عينك وكمان قلبك؟ طول عمري بقول عليك ذكي بس فعلاً مشوفتش أغبى منك حد، أنت بتنتقم بنفس وساخة أبوها يعني مفرقتش عنه حاجة وسويت نفسك بيه.. 

امشي يا جاسر من قدامي، أمشي لغاية ما أعرف هاتصرف ازاي وسيرين حالتها هتكون ايه، أنا بجد لولا احساسي بالمسئولية ما كنتش هاقف هنا للحظة واحدة ولا أبص في وشك بعد كل اللي عرفته عن حالتها

تلقى لومه وتأنيبه الشديدان ناظرًا له في صدمة وكاد "معتز" أن يغادره ليجد من يلكم "جاسر" كالمجنون وهو يصرخ به:

- عملت فيها ايه يا ابن الو***؟ أنا هوديك ورا الشمس، هامحي اسم جاسر شرف الدين ده من الوجود، هاخليك تندم على اللحظة اللي فكرت تمد ايدك عليها

صرخ به "رامز" بهيسترية وهو يسدد له اللكمات ببراعة ونظر له بأعين سوداء فاحمة كعين الشيطان ولكن "جاسر" لم يتركه وأصبح يسدد له هو الآخر اللكمات وبالكاد فرقهما "معتز" ليصرخ في غضب وهو يحول بينهما بأعجوبة:

- امشي يا جاسر بقولك!

آتيا كلا من "حسام" و "مراد" مهرولان خلفهما بينما لم يستجب "جاسر"  وصاح وهو يحاول أن يلكمه هو الآخر مرة اخرى:

- ضافر أمي ديه أنضف من مليون واحدة زي الهانم اللي بتجري وراها يا مـ*** 

تركه مبتعدًا وخلع احدى طفايات الحريق المعلقة بالرواق وتوجه نحوه وهو يُصيح به:

- أنا مـ*** بردو ولا أنت اللي خـ** فاكر نفسك راجل ورايح تتشطر على واحدة ست؟ ده أنا هاعلمك الرجولة من أول وجديد يا روح أمك.. مالك بيها ومحروق منها ليه؟ عشان أمك الواطية اللي متسواش فـ..

صرخ "معتز" مقاطعًا:

-  خلاص بقا .. الحق حوشه يا حسام بسرعة..

حاول أن يبعد "جاسر" بكل ما اوتي من قوة بينما لاحظ "رامز " يحاول أن يضربه بأحدى طفايات الحريق!

حاول أن يتوسله وهو يدفعه حتى وصل للمصعد: 

- امشي يا جاسر، ارجوك كفاية.. ابعد دلوقتي وابقا تعالي بليل.. امشي من هنا!

أخيرًا استمع له على مضض وغادر بينما بقيا "حسام" و "مراد" كي يوقفا ويهدئا من رَوع "رامز" الذي ثار بطريقة مرعبة التف جميع المحيطين بهم في المشفى على اثرها للمشاهدة أو التدخل..

     

فكر وهو يقود سيارته متجهًا للعودة.. هو  متأكد من أن انتقامه منها كان مبالغ به، يريد أي عذر ليخفف عنه ما فعله، يبحث عن أي مخرج من تلك المتاهة التي وجد نفسه بها ليتحدث إلي نفسه والامه تكاد تهشمه من تلك الدوامة التي اعتصرته بداخلها:

- كلكوا بتلوموني؟ كلكوا شايفني الجاني؟ حتى أنت يا معتز مش حاسس بالنار اللي جوايا، أنت الوحيد اللي صارحتك بكل حاجة، أنت عارف أكتر من أي حد أمي بالنسبالي ايه، أنت الوحيد اللي مخبتش عنه حاجة وفهمتك أنا موجوع انا وامي ازاي! 

أمي كانت بتتكوي قدامي كل يوم وهي بتحاول تقنع أبويا بأعذار واهية بدل ما تجرحه، أستحملت لوحدها سنين وجع ميتحملوش جبل، سهرت كل يوم موجوعة ومحدش يعرف عنها حاجة، أبويا من طيبته عمر ما دماغه تجيبه أن يشك في صاحب عمره..

امي اللي ربتني وكبرتني ووقفت جنبي لغاية ما بقيت جاسر شرف الدين اللي بيخاف منه رجاله بشنبات مستخسرين فيها انتقملها من بنت الوسخ اللي اخد شرفها ولا حتى احترم حرمة بيت صاحبه..  

أنا عارف إن بعد كل ده محدش هيقدر غيرك يا امي، انتي الوحيدة اللي هتحسي بيا وتقدري أنا عملت كل ده ليه! هي الوحيدة اللي هتطبطب عليا وهتعذرني يوم ما اقولها إني كنت ابتديت احب سيرين غصب عني!

أكمل في طريقه متوجها لوالدته التي قد فعل كل ذلك لأجلها هي فقط، ظن أنها ستتقبله وستثني عليه، قاد بسرعة شديدة حتى ينتهي هذا الطريق ويُصبح معها ويخبرها بكل ما حدث..

صف سيارته أمام البوابة ثم صعد مسرعاً ليرى أمه، يريدها أن تحتضنه، أن تثني عليه، أن تخفف من وطأة كل ما حدث.. يريد البوح لها بالكثير من الامه بعد أن يخبرها بأنه قد نال بثأرها كما وعدها طوال تلك السنوات الماضية، سيخبرها عن تلك الزوبعات التي واجهها من أجلها، سيحتضنها مرة واثنان وثلاثة وهو يبوح لها بتلك الالام التي تخللت صدره كلما نظر إلي "سيرين".. 

سيخبرها بمشاعره التي لم يشعر بها من قبل تجاه اي إمرأة أخرى سوى ابنة "هشام".. لقد أنتقم لها كما وعدها ووفى عهده معها، هي الوحيدة التي ستخفف ذلك الثقل على كاهليه بمشاعره المندفعة نحو ابنة من اعتدى عليها!..

فهي الوحيدة من تستطيع أن تواسيه وستتفهمه دون الجميع، فقط يريد أن تحتويه مثلما اعتاد منها.. وهرول بسرعة صاعدًا إلي أن أقترب من غرفتها ليتوقف وهو يستمع صوت أخته التي بدت تتجادل مع أحد:

- أنتي أم أنتي؟ أنتي زوجة حتى؟ مش كفاية خدعتي بابا السنين دي كلها لا ده انتي خدعتي جاسر ابنك الراجل كمان..

زعلانة ومموته نفسك عشان موت هشام منصور اللي كنتي بتقولي عليه انسان مش كويس.. ده أنا مشفتش ربع الحزن اللي في عنيكي دلوقتي يوم ما بابا مات..

أنتي فاكراني مش عارفة كل حاجة؟ فاكراني مش عارفة أنك كنتي بتحبي ابو سيرين ولما حاولتي معاه والراجل طلع محترم روحتي سرقتي فلوسه وفهمتي جاسر انه أغتصبك؟

أنتي ازاي جالك قلب تفتري كده؟ عارفة جاسر عمل ايه؟ جاسر ابنك حبيبك أغتصبها.. فاكر انه كده جاب حق امه الست المحترمة اللي استحملت عشان خاطر بيتها ميتهدش!

تصدقي مكسوفة من نفسي وأنا شايفاكي قدامي مش محترمة، خسارة فعلاً إني ابص في وشك ولا اعرفك تاني، انتي مش بني آدمة.. انتي دماغك دي دماغ شيطان، دمرتي بيتك وابنك وبنت ملهاش اي ذنب بلعبتك القذرة وكل ده عشان ايه؟ عشان راجل محترم اختار بيته ومراته وبنته ورفض انه يخون صاحبه معاكي؟

أنا عمري ما كنت أتوقع في يوم أن امي اللي جابتني للدنيا تكون بالشكل ده.. بحمد ربنا على كل مرة قولتيلي فيها اني بنت أبويا،
الله يكون في عون جاسر يوم ما يكتشف حقيقة أمه ويعرف قد ايه أنتي قذرة وكدابة وكدبتي عليه كل السنيـ.. 

صرخت بها "هويدا" لتصفعها بقوة موقفة اياها عن الحديث:

- احترمي نفسك يا بنت أنت بتكلمي أمك

امسكت بوجهها في قهر وحدثتها باكية:

- أمي؟! بذمتك أنتي أم بعد كل ده؟! ياريتني كنت يتيمة الأم ولا اني اواجهك في يوم بكل ده!

زجرتها بقسوة قائلة:

- اخرسي أنتي مش فاهمه حاجة،عيلة صغيرة لا راحت ولا جت، متعرفيش يعني ايه تكتمي حبك في قلبك سنين وفي الاخر يضيع منك لواحدة تانية

رمقتها في آسى وحزن من رؤية والدتها في هذا الموقف ثم قالت:

- صدقيني يا امي انا مش صغيرة، في سني ده كنتي مخلفة جاسر وست متجوزة بس يا خسارة مفكرتيش في بيتك وجوزك للحظة واحدة وروحتي تعرضي نفسك على راجل تاني.. 

صرخت بها في حقد وغضب من كلماتها التي لم ترد أن تستمع للمزيد منها:

- اخرسي وامشي اطلعي برا البيت ده ومش عايزة اشوف وشك فيه تاني واياك تجيبي سيرة لأخوكي بحاجة!

التفتتا كلتاهما في صدمة إلي صوت "جاسر" الذي صدح بهدوء بالغرفة حولهما:

- أنتي اللي هتطلعي برا البيت ده دلوقتي حالاً!

#يُتبع . . .