الفصل الخامس والستون - شهاب قاتم
- الفصل الخامس والستون -
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
أخفضت رأسها إليه وهو يتوسد صدرها، شفقتها ارغمتها على أن تعانقه، أن تكون هنا من أجله، عاطفتها تجاهه يبدو وأنها لن تتخلص منها أبدًا..
تعلم جيدًا أنها تعشقه، تعشق ذلك الطفل بداخله، هذا الفتى الصغير الذي يقف امامها وهو يبكي مخبرًا اياها بكل شيء تريد ولا تريد أن تعرفه.. يلعب من جديد على نقطة ضعفها.. أو يستغل ما هي عليه.. يستغل بها ذلك الحنان الفطري بأن تكون أمًا ووالده.. يا له من محتال!!
يستحيل أن يتعرق رجل بهذه الطريقة بصحبة ملامحه الهلعة وكل ذلك البُكاء والإرتجافة التي انتقلت من جسده لتنعكس على جسدها ويكون كل ذلك مجرد كذب وخداع..
تنهدت وهي تشرد بالفراغ بعد أن رفعت رأسها ثم تذكرت كلمات "كلوديا" من جديد لتشعر بإختلاط مشاعرها مرة اخرى وسألت نفسها، لو قضى معها عشرة سنوات ولم يُخبرها بشي عن ماضيه، لماذا إذن اخبرها هي؟
يستحيل أن يكون كاذبًا في الكثير من الأشياء.. كراهيته لأبيه بعد اكتشاف ما فعله بوالدته.. تلك الحرقة التي يتحدث بها عندما يذكر امر انتهاكه.. تلك الأيام الجيدة ببداية زواجهما.. لو اجتمع أهل الأرض بأكملهم على أن يخبرونها أنه كاذب في تلك الأمور ستدافع عنه بنفسها..
كيف!! فقط كيف لديه القدرة على البكاء وهو مريض بهذا الطريقة ويكون كاذبًا؟ عندما واتته الحمى وعندما انتقل له ذلك الفيروس، يستحيل أن يكون كاذبًا!! كل تلك الأوقات تجعلها تُصدق في كل ما يقول..
ولكن لا.. ذلك الإنتهاك الوحشي على أرض المرأب لا تزال تتذكره.. تتذكر عندما نظر بعينيها وهو يلكمها.. تلك الصفعتان في منزل والدها.. تهديده اياها، محاولة إيذاءه لوالدها، ما فعله من تغير رهيبالذ بين ليلة وضحاها!
ولكن لا.. كلمات المعالج.. منذ أن بدءا معه نهاية بجلسة اليوم .. هذا المعالج الذي يبعد عنهم آلاف الأميال بدولة أخرى تمامًا وقد قام بحجز مواعيده من مجرد موقغ الكتروني.. لو هي مضطربة أسيكون المعالج مضطرب هو الآخر واشفق على حاله؟! يستحيل.. لا تدري.. ما فعله بعائلة "بدر الدين".. ضربه وعنفه مع "كلوديا" بتلك الطريقة ومدافعته عنها وحمايتها منها.. أيريد قتل رجال مافيا؟ هل هذا يعني أنهما سيُقتلان؟
اخفضت رأسها وهي تنظر له بتقزز وشفقة.. عطف منها وقسوة من عقلها.. تقبل ورفض.. وفي آن واحد بالتساوي عشق وكراهية!!
شعرت برأسها تكاد تنفجر من كثرة الأفكار، وكأنما هناك رجفة كهربائية برأسها، وها هو بين ذراعيها يتشبث بها كما الأطفال لتتشتت اكثر.. من تعانق؟ الطفل أم الرجل الذي تزوجته؟
وأيًا منهما الأول الذي اعطاها أمل بالحياة من جديد أم الآخر الذي انتهكها أم هذا النادم الذي يحاول إصلاح ما افسده الرجل الثاني، أم ربما الرجل الرابع الذي سيعود للقتل والمافيا والعصابات!!
أتعانق القاتل أم المُغتَصَب أم المُغتَصِب؟ أتعانق المسلم أم الملحد؟ الرجل الذي يعشقها أم من يريد الإنتقام منها على كذبتها؟ رأسها يؤلمها.. تشعر وكأنها ليس لها ملاذ من كل ما تشعر به.. حقًا لا تتمنى سوى الموت والراحة الأبدية من كل ما يمر عليها!
تساقطت دموعها وهي في حالة متناقضة من احتقاره والتقزز منه ومن الشفقة والعشق له!! تريد أن تضمه إليها أكثر وفي نفس الوقت تريد أن تدفعه بكل ما لديها من قوة ليُبرح أرضًا!
يأس لا نهائي وحلول لا تظهر أيًا من اطرافها.. أليس هناك ولو أمل وحيد في مجرد حل.. حل لكل هذا..
لو تركته سيجدها ولو هربت سيجدها.. تطلب الطلاق سيرفض.. وما شأن التوكيل.. هل تستطيع خلاله تطليق نفسها؟ ولو فعلت ألن يتصدى لأهلها ولكل من عرفتهم يومًا ما!
ازداد وهنها وتعالى نحيبها لتبكي بحرقة، لأول مرة لا تدري ما الذي تريده وهي لطالما كانت واثقة، مثالية، تفعل الصواب.. أمّا الآن وبعد تلك العلاقة التي استنزفتها قد باتت مجهولة الهوية لا تهتدي حتى لنفسها ولا لأبسط الرغبات في الحياة!
انتفض جسدها بشدة اثر ذلك البُكاء ولم تنتبه لحالها ولا حتى لو استيقظ وكأنها تم عزلها عن الدنيا بما فيها وهي تسقط في نوبة بُكاء ظنت أنها لن تخرج فقط آلمها ولا شهقاتها بل ستنتزع روحها معها!
نهض في فزع شديد وهو ينظر إليها وصاح في رُعب:
- فيروز مالك.. في ايه اللي حصل؟
نظرت له بمقلتين تصرخا باليأس والهوان، لا تستطيع النطق، ألا تُخبره دموعها بشيء؟ هل تترجم ملامحها أي شيء يستطيع فهمه أو ادراكه؟ هل ذلك النحيب ليس بكافيًا؟ ألا يستطيع فهم ما تمر به؟!
عقلها لم يعد يجد اجابات.. تائهة في خضم عشقها وكراهيتها على حد سواء.. لو يستطيع فقط أن يُفسر لها ما الذي تريده ستصدقه.. في هذه اللحظة قد وصلت إلي تقبل أي شيء.. حالة من اليأس قد غرقت بها حتى لو اراد أن يغتصبها لن تمنعه!
عقد حاجباه وهو لا يدري ما الذي أصابها ليسألها بنبرة مرتعدة:
- ايه اللي ضايقك؟ ايه اللي حصل؟ كلوديا ولا فيه ايه؟
اتنتابها حالة من قنوط لا مفر منه، إحباط.. أو ربما روحها تُنتزع منها وهي لا تدري.. أهذا هو تعريف الموت؟ هي لم تعرف بحياتها شعورًا أكثر إيلامًا من هذا الذي تشعر به!
لقد فقدت ثلاث اجنة.. وجنين آخر وزوج في يوم واحد.. لقد عانت من إنكار شديد للكثير من الوقت.. فقدت عملها.. ودعت شغفها بالحياة.. مرت بالكثير من الأوجاع.. استمعت بالسابق لحالات شتى تؤلم بقسوة .. ولكن الآن، هذا الوجع الذي لا يتوقف بكل ذرة دماء بجسدها يبدو كالموت!! لا تستطيع تفسيره سوى بهذا!
رمقها في قلة حيلة وهو لا يدري ما الذي يحدث لها، خائبًا حتى في معرفة ما تشعر به، لماذا يحدث هذا دائمًا؟ إلي الآن يستطيع قراءة وتخمين كل الوجوه سواها هي!! ما الذي تريده؟ لو فقط اخبرته بأنها تريد أي شيء لأعطاه لها.. حتى ولو طلبت الطلاق منه في هذه اللحظة وهي تبكي بهذه الطريقة لن يرفض لها شيئًا!
عانقها بقوة بين ذراعيه علها تهدأ، أو حتى تدفعه، ولكنها باتت خائرة القوى كالجماد ولا يدل بها على الحياة سوى صوت بُكائها..
ربت عليها، ضمها أكثر علها تُصدر أي ردة فعل، لها أن تُبرحه ضربًا وتُسقط صراخها على مسامعه، ولكنها لا تفعل شيء.. لا تفعل أي شيء على الإطلاق.. سوى الإنتحاب!
عدل من جلسته وهو يجذبها إليه أكثر ثم همس بأذنها:
- اهدي يا فيروز.. اهدي وهاعملك كل اللي انتي عايزاه! بطلي عياط ارجوكي..
هل يتوسلها لتفعل؟ أحقًا يريد أن يفعل ما تريده؟ حسنًا.. هي لا تدري ما الذي تريده.. بكل ما فيها تريد لهذا العناق أن يدوم إلي أن تلفظ آخر انفاسها وفي نفس الوقت تريد أن تبتعد عنه لأبعد مسافة ممكنة.. ربما تود أن تغلق عيناها وتفتحهما لتجد نفسها أصبحت بقارة أخرى.. أو كوكب آخر.. لا تعرف ولا تدري!!
همست بين نحيبها وجسدها ينتفض بين ذراعيه:
- ليه يا شهاب؟ ليه؟ أنا عملتلك ايه علشان نوصل للي احنا فيه ده؟ ليه عملت كده؟ أنا حبيتك اوي.. حبيتك بجد بس ليه وصلتني للحالة دي؟
اهتز جسدها بقوة وهو بالكاد يستطيع تفسير كلماتها المنطوقة بين نشيجها الهيستيري ليُمسك بذراعيها ونظر لها في ندم:
- أنا آسف.. عمري ما هاعمل حاجة تضايقك تاني
رمقته بنظرة بالكاد أظهرت لون مقلتيها التي لم يرهما بهذا الشكل قبلًا، لون باهت لا يتعرف عليه مُحاط بُحمرة انفجرت بعينيها وكأنها باتت عيني إمرأة أخرى.. نظرات تُعبر عن آلمها، آلمها الذي سببه لها بيداه.. فقط لمجرد ظنه أنها تستحق الإنتقام.. يا له من غبي ليوصلها لتلك الحالة!
لأول مرة يرى إمرأة امامه تبكي فيشعر بالآلم، ليست كمثل أي مرة من قبل، لقد رآها تبكي مرارًا، ولكن ملامحها تلك التي يجلس أمامها كالخائب في انهزام يلم بكل ذرة دماء في جسده ويعتصر له قلبه كلما ازدادت الثواني التي ترمقه بها كادت أن تُهلكه..
تنفس بصعوبة هذا لو كانت الهواء قد مر إلي رئيتيه بالفعل لأنه يشعر وكأنه مختنق لا يقوى على التنفس وهو يرى عجزها هذا ليهمس في اصرار:
- طيب ممكن اعمل ايه يخليكي كويسة؟ عايزة ايه وأنا اعمله؟ اطلبي اللي انتي عايزاه وأنا مش هرفضه! أرجوكي كفاية عياط وقوليلي والله العظيم هاعمل اللي تقوليه!
ازداد نحيبها وازدادت تشنجات جسدها ليعانقها من جديد ولم يشعر بأي ردة فعل تُذكر منها ليهمس لها:
- عارفة.. أول ما شوفتك كنت هتجنن من حاجتين.. أول حاجة ان اكيد فيه سبب غير المستشفى اللي عايزة تبنيها.. تاني حاجة كنت هموت واعرف لون عينيكي..
كل ما الوقت عدى ما بيننا كنت برجع اجري عليكي تاني زي العيل الصغير اللي كان تايه من امه ولقاها.. وبين يوم وليلة لقيت فيكي البنت والست والأم والصاحبة والعيلة اللي مكنتش في يوم احلم إني الاقيهم! مكنتش عايز اي حاجة من الحاجات دي ويوم ما عرفتك كل حاجة اتغيرت وبقيت عايز كل ده.. بس مش عايزه غير معاكي!
انهمرت دموعه في حرقة بينما بدأت كلماته في أن تُهدأ من بُكائها بعض الشيء ولكنه تابع في آلم:
- حبي مش عارف ابينه ولا اتكلم عنه .. يمكن ابتديتي تفهمي الحتة دي فيا لأني يمكن ميت جوايا مشاعر كتير زي ما الدكاترة ما بيقولوا.. بس حبيتك اوي.. لو كنتي طلبتي مني اموت علشانك ولا اجيبلك نجمة من السما كنت عملتها.. مكنتش هتأخر عنك!
تزايد نحيبه في آلم جرى بعروقه مجرى الدماء بينما قل نحيبها هي وكأنما يمتص تلك الحالة التي كانت عليها ليتحول هو لها وتابع بصوت متحشرج باكي:
- بس انا اتغابيت.. ما أنا معرفش حاجة غير إني اخد حقي.. من يوم ما كنت عيل وأنا الحاجة الوحيدة اللي ريحتني ولقيت فيها راحتي إني احرق العيال اللي كانوا في مدرستي.. كبرت على ده.. إني اخد حقي واخوف الناس فيعملولي حساب.. بقيت بتبسط وأنا بأذي.. وأنا بحرق.. وأنا بغتصب وبفتري..
بس جيت لغاية عندك وكنت أول مرة اعرف يعني ايه وجع لما عملت فيكي اللي عملته!
انتفض جسده كما كان جسدها ينتفض منذ قليل وتوقفت عن النحيب تمامًا ليجهش هو بالمزيد وأكمل في حرقة متألمًا:
- لما لقيت اللي حبتها راحت وبقت واحدة تانية.. واحدة أنا اللي عملتها بإيديا.. مكنتش اعرف ان كل يوم هيعدي عليا هابقى كده.. أرجوكي كفاية.. مبقتش قادر لا اعذبك ولا اعذب نفسي اكتر من كده!
إنك تكوني قدامي بالمنظر ده بيخليني اكره نفسي.. وانا عمري ما كرهت نفسي.. بقيت بقرف من وشي في المرايا!!
تعالت شهقاته ولم يعد يشعر اهي من تعانقه أم هو الذي يفعل أو ربما تآلف جسده مع جسدها ليكونا عكازًا هاوي من آلام أبدية وعذاب يلتهم روح كل منهما في نهم قاسي كل منهما يستند عليه لا يدري أي منهما أينفعهما أم يفترسهما بضراوة ليهمس في تلعثم:
- كفاية يا فيروز.. خلاص.. خلاص هاعمل اي حاجة ترضيكي.. طلاق.. بُعد.. اللي هتطلبيه هنفذه!
ارتجف جسده بشدة لا يدري أخوفًا مما ستقول أم من بكائه وشهقاته المتوالية، لا يريد أن يبتعد عنها، يشعر بالرعب مما قاله، ولكنه لن يحتمل أن يراها كالجسد الذي تُنتزع روحه بتلك الملامح..
بكت من جديد على بُكائه لتصرخ بحرقة:
- ما المشكلة اني بحبك.. بحبك ومش عارفة اسامحك.. مش عارفة اثق فيك تاني ومش قادرة ابعد عنك!
نظر لها كالعاجز، تلك العبرات التي لا تتوقف من اعينهما وتلك الآلام التي يشعر كلاهما بها لم تعد ترأف بأي منهما ليهمس في توسل:
- طيب متبعديش.. لو بعدتي روحي هتطلع!
في تلك اللحظة تحديدًا، ببنيتيه الباكيتين، بذلك الهمس المتألم، بتلك الملامح التي عشقتها، هذا الطفل والمراهق الذي احبته وهذا الرجل الذي لا هوية له، بكل ما فيه وبكل ما هو عليه، لا تريد اكثر من أن تصدقه..
ارتجفت شفتاها لتبكي في قهر سائلة بنبرة يُغلفها الفزع والإرتعاد:
- ولو مبعدتش.. تفتكر هاقدر اثق فيك في يوم؟
أومأ لها واجهش ببكاء مرير وهسهس في وهن بصوت مزقه البُكاء:
- هتثقي.. هاعمل كل حاجة علشان ترجعي تثقي فيا!
نظرت له في حيرة شديدة والتشويش الذي سيطر على عقلها بات لا يُقهر، وفي لحظة من ضعف تمسكت بشعاع امل ضئيل منكسر لتهمس له:
- لو اي حاجة حصلت يا شهاب تاني انا مش هارحمك!
حبس انفاسه من ذلك التهديد الغريب عليها تمامًا وتلك النظرة التي فشل في فهمها لتُردف بعد أن حاولت امرار بعض الهواء لرئيتيها:
- قوم نام على الكنبة! تصبح على خير..
ابتعدت عنه إلي الطرف الآخر من السرير ثم جذبت ذلك الغطاء عليها وحاولت بين الحين والآخر أن تُسيطر على شهقاتها إلي أن هدأت تمامًا وأخيرًا استطاعت النوم بعد أسوأ ليلة قضتها في حياتها!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
صباح الخامس عشر من أبريل عام 2020..
وقف بالمطبخ يحضر الطعام لها وله هو أيضًا بينما دخلت "كلوديا" وهي لا ترتدي سوى منشفة قصيرة لتحدثه في تهكم عندما رآت ما يفعله:
- الوغد يعد الطعام للخرقاء.. يا له من منظر خلاب للإستيقاظ!!
تنهدت وهي تعقد ذراعيها ثم سألته ساخرة:
- متى موعد الشجار بينكما اليوم؟ لقد عانيت كي أنم من أصوات بكائكما وصراخكما بالليلة الماضية، هل لك أن تخبرني كي استعد لتلك الضوضاء؟
زفر في حنق ثم توجه نحوها بنظرات مُحذرة تكاد أن تحرقها من كثرة غضبه:
- كلوديا.. ألن تتوقفي عن عهرك؟ ما الذي تريديه؟ وما شأنك اعد لها شيئًا أم لا؟
رفعت احدى حاجباها في تحدي ثم سألته في تصميم:
- ما الذي حدث بينكما حتى تتحولا من عصفوري حب إلي تلك الحالة البائسة؟ ما الذي يجعلك تترجاها وتتوسلها طوال تلك الأيام؟
نظر لها في حيرة ولم يشعر بالثقة بها كالمعتاد ليُجيبها سائلًا بنبرة ساخرة:
- ما رأيك أن تغادرين؟ تذهبي لمنزلك اللعين.. أو تذهبين لقتل فرانك.. ما رأيك أن تمنين علي بألا أرى وجهك القبيح كل يوم؟
ابتسمت له في عهر وهمست في دلال انثوي طاغي:
- اوه ليو.. أنفاسك المتسارعة، اقترابك مني للغاية، تلك النظرات المخيفة بعينيك الداكنتين لا تجعلني أُفكر سوى بتقبيل قدماك حتى تشعر بالسأم.. اتتذكر؟! كنت افعلها إلي أن تشعر بالملل الشديد فتجذب جسدي وتضاجعني بعنف وانت تقتلع شعر رأسي بين يداك!
إلي هذا الحد كنا فاسدان.. الملل نفسه يدفعنا لممارسة الجنس الوحشي.. والآن تهرول خلف إمرأة لا تسمح لك بالإقتراب منها وتصفعك.. كان يُمكنني التخيل أن تعشق أي إمرأة سوى عاهرة مثلها..
ابتسم إليها ابتسامة لم تلامس عينيه وفي لمح البصر صفعها بقوة جعلتها تشعر بطعم الدماء بفمها واحاط عنقها بيده لتتوسع ابتسامتها وحدثته بنبرة مُغرية:
- عزيزي ليو.. أنت تعلم أنني اعشق عنفك.. ما كنت انت عليه وهي لا تتقبله كنت اعشقه.. أنسيت ليو؟! هذه ليست الطريقة المُثلى كي توقفني أن ادعوها بالعاهرة!! أهذا الذي اغضبك اليس كذلك؟
تلمست يده حول عُنقها وهي تمرر أناملها على تلك العروق البارزة بها وهي ترتفع اكثر لتنتهي من يديه وتبدأ في تلمس ذراعه بينما نظر لها في غضب لا نهائي وهشم اسنانه إلي أن استمع كلاهما لصوت احتكاكها ليتحدث بنبرة شابهت اللظى التي تلتهم كل من امامها:
- إلي الآن لا زلت جيدًا معك واتذكر مساعداتك لي.. ساترك عنقك بدلا من أن ازهق روحك بيدي.. وسيكون اخر تحذير لك! هل لدينا اتفاق؟!
رمقته ويده تشتد على عنقها وبالغ هو وكذلك فعلت هي الأخرى لتبالغ في تحملها للإختناق واعينهما لا تتفارق بنظرات نارية لترفع يدها في استسلام ثم همست وهي تسعل:
- حسنًا حسنًا.. لدينا اتفاق
تنهد وهو يترك عنقها ثم توجه ليكمل الطعام ولم ير أيًا منهما "فيروز" التي رآت كل ما حدث ولكنها لم تفهم حرف من تلك الإيطالية التي تحدثا بها.. لتقع من جديد في مشاعر مشتتة! أهو يُعنفها لأنه غاضب كما تُخبر ملامحه؟ أم يفعل لأنها تحب مثل تلك الأشياء؟
توجهت إلي المطبخ ليرها فتحول مائة وثمانون درجة ليبتسم لها بمصداقية اثارت الريبة بقلبها وتوجهت لصنع القهوة فأوقفها ثم حدثها مانعًا:
- افطري الأول وبعدين اشربي القهوة..
نظرت له في شك وهي تحاول البحث عن الكلمات الصائبة لقولها بينما أومأت على مضض بالموافقة فتابع بإبتسامة:
- لو كنتي اديتيني خمس دقايق كنت جبتلك الأكل لغاية السرير!
ابتسمت في سخرية ثم حدثته بنبرة هازئة:
- على ما تخلص مع العريانة هانم مش كده؟!
صاحت "كلوديا" من على مسافة بالإنجليزية بنبرة انتصار:
- احدهم يشعر بالغيرة.. هذا جيد.. شكرًا لك ليو لما علمتني اياه من العربية!! اشعر انها لغة مُفيدة للغاية هذه الأيام
جذبت يدها بحدة ثم تركته وذهبت لينظر "شهاب" نحو "كلوديا" نظرات مميتة تكاد أن تقتلها من على مسافة ليُحدثها في غضب:
- حسنًا كلوديا.. عندما يموت فرانك، لن يكفي إلا بلاد بيننا.. ولو رأيت وجهك صدفة سأقتلك في ثوانٍ!
صدحت ضحكتها واقتربت منه لتحدثه بصوت مصحوب بآثار الضحك وقالت سائلة في استهزاء:
- ماذا عن كارلو كروتشيتا؟! هل نسيت ألبرتو كروتشيتا؟ توسكانا، ساسيتا، اعدائك بلومبارديا، قتلك إل تشينو الذي لا يعلم عنه احد سواي، انتقاماتك.. هل تتذكر ذلك الشاب الذي كان اول من حرقت بيداك، الأخ الأصغر لماريو روسو!! ماذا عن سيلفيا انجلو؟ اوه بربك ليو.. القائمة طويلة للغاية! ولسوء حظك أنا من يستطيع حمايتك!
أنا وانت عزيزي كهذه!
توقفت وهي تشعل احدى سيجارتها ونفثت دخانها بوجهه في انوثة واستفزاز ليشعر بالغيظ واحتدمت ملامحه بنيران الغضب:
- لا تستطيع الحصول على النيكوتين اللازم سوى بقداحة تعمل مثلك وسيجارة جيدة مثلي!! ولحسن حظي وبشاعة حظك لا أقرر الإقلاع ابدًا.. مثلك أيها الجبان!!
ابتسمت في انتصار لتنفث المزيد من دخانها بوجهه ثم التفتت وتركته متجهة إلي غرفتها بعد أن اشعلت برأسه القليل من الذكريات غير السعيدة بالمرة!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
دخل الغرفة بعد أن طرق على الباب حاملًا الطعام لكلاهما وقد صنع القهوة فنظر إليها ليجدها اوشكت على انهاء الصلاة فانتظر في صمت وهو يتابعها بعينيه وهو يحاول أن يتعرف على حالتها الآن، هل كانت مجرد غيرة، غضب، أم مجرد انزعاج طفيف وقد تخلصت منه!
انتهت ونهضت لتخلع ملابس الصلاة وهي تتحاشى النظر له تمامًا وارتدت احدى اوجه التجاهل خاصتها ليخمن أنها لا تزال غاضبة مما حدث منذ قليل فنهض واتجه نحوها وامسك بيدها في رفق ثم سألها:
- لسه مضايقة من كلوديا مش كده؟
اطلقت ضحكة ساخرة في خفوت وهي تنظر إلي الأرضية وتحاشت النظر إليه تمامًا ثم اجابت ساخرة:
- خلاص بقى معدتش تفرق.. عريانة هانم ولا مافيا ولا اي حاجة.. صدقني انا بقيت متوقعة كل حاجة!
أطلق زفرة متأففة ليتلمس اسفل ذقنها ليرفع إليه عيناها فوجدها تبدو عسلية بمنتهى الوضوح فابتسم في مصداقية ثم همس لها:
- عريانة هانم!! حلو الإسم ولايق عليها!
توسعت ابتسامته وهو يهز رأسه في انكار ثم أردف وهو يتفحص مقلتيها ببنيتيه:
- أنا اعرف كلوديا والمافيا من اتناشر سنة.. كلوديا تحت اهى وقاعدة معانا بقالها كتير.. تفتكري لو عايز ارجع لحد فيهم ايه اللي يمنعني؟!
ضيق عينيه بنظرة استمتاع لا تعرف ما سببها ليستطرد بثقة وهو يقترب إليها:
- أنا قبل ما اشوفك كنت مصمم ومقرر اني اخلص من كل ده.. وخلصت فعلًا منه في يوم من الأيام!! واقدر اخلص منه تاني وتالت ورابع.. الموضوع ده مفيهوش نقاش يا فيروز!!
توسعت ابتسامته اكثر لتنزعج لماذا يضحك هكذا لتتعجب في انزعاج:
- وايه اوي المضحك في الموضوع؟
قهقه بخفوت وقد بدت ملامح وجهه سعيدة للغاية لتضيق ما بين حاجبيها في غيظ وقبل أن تبدأ في منعه منعها هو بالإجابة:
- شكلك حلو اوي وانتي غيرانة!
اختلفت ملامحها ثم انكرت تمامًا ما يقوله:
- لا وهاغير من واحدة زي دي ليه يعني!
التوت شفتاه بإبتسامة جانبية في استمتاع واقترب إليها اكثر حتى باتت تشعر بإنعكاس انفاسه ليهمس لها وهو يرفع احدى حاجباه في خبث:
- ما انتي بطل.. هتغيري ليه صحيح!! بس ده معناه اني لو قربت منها مثلًا او بوستها.. حضنتها.. مش هتضيقي مثلًا؟
رمقته في غضب شديد ليحدق بملامحها ودام الصمت بين كلًا منهما لوهلة لتعتريه رغبة في تقبليها فلاحظت اختلاف ملامحه واقتراب حاجباه في تأني حتى اصبح وجهه بالكامل مُختلفًا وتثاقلت انفاسه ورآت بنيتيه قد انتقلا من عينيها إلي شفتاها لتمنعه هي في ذكاء:
- كان الصح اني اقولك طلقني امبارح لما قولتلي هتنفذ اللي انا عايزاه! مش كده؟
نظر لها في انزعاج وهو يحمحم وسيطرت على ملامحه انعدام الثقة بها وكذلك اللوم فحمحم ثم همس بصعوبة وجدية شديدة:
- أنا آسف.. أنا قربت منها علشان .. علشان ضايقتني وهي دايمًا بتلاقي الفرصة في انها تعصبني!! ده اسلوب كلوديا من زمان..طريقة قذرة كد علشان اقوم اضربها ودماغها مصممة اني لسه زي زمان! بس صدقيني مبقاش فيا حاجة زي زمان خالص!!
تنهد وملامح الحزن لاحت على وجهه فجذبها في رفق وهما يتجها نحو الطعام الذي اعده:
- يالا علشان نفطر..
اجلسها رغمًا عنه لتتنهد في قلة حيلة ثم رمقت الطعام في استغراب وقد لمح عيناها المتعجبتان وامتدت يدها لتتناول كوب القهوة وارتشفت منه فتحدث مُفسرًا وهو يلاحظ عدم رغبتها في تناول الطعام الغريب عليها:
- ده شيكيتي.. وده ترابزينو..
أشار لكل صنف على حدة ثم تابع:
- شيكيتي ده تقدري تقولي زي العيش كده وبيتحط عليه اي حاجة.. هو يمكن اول مرة تجربيه بس ده بالتونة والجبنة وعليهم كاكاو.. هو مشهور في فينيسيا بس انا بحب ازود الجبنة بتديله طعم حلو والزيتون كمان..
والترابزينو ده عبارة عن بيتزا ساندويتش.. بياكلوه في فينيسيا برضو..
قدم إليها الصحن فتناولته بإقتضاب وشرعت في تناول الطعام ليفعل هو الآخر المثل ليهمس بنبرة اشتياق لم تستمع لها ابدًا منه سوى الآن:
- أنا فعلًا نفسي اروح فينيسيا.. البلد دي جميلة.. تحسي إنك ماشية وسط تصميمات حلوة اوي.. زي ما تكوني عايشة في لوحة! والبيوت اللي حوالين المياة!!
تنهد وهو يشرد لوهلة ثم التفت نحوها بملامح حماسية وقال:
- لما الحظر ده ينتهي اكيد هنروح في يوم.. ممكن نقعد هناك شوية!! انا عارف انتي بتحبي البحر بس الموضوع في فينيسيا هيعجبك اوي.. ممكن نركب يخت او جندول ونلف في الأسواق، تحسيهم مصريين زينا بالظبط.. والأكل بتاعهم حلو اوي!
رمقته بقليل من الإستغراب ثم سألته في تلقائية:
- مش قولتلي انك كنت بتدرس في باليرمو؟
أومأ لها بالموافقة وهو يبتلع بعضًا من طعامه ثم اجابها:
- اه.. لو عايزة تدرسي عمومًا يا اما باليرمو يا اما تورينو.. بس تورينو في الشمال..
همهمت في تفهم وتذكرت عندما اصطحبها إلي "باليرمو" عندما آتيا إلي هنا وآتاها صوته مرة أخرى:
- يا ريتنا استغلينا الوقت واحنا في اي حتة تانية.. بجد دي ندمان عليها.. بس هيجي الوقت متقلقيش وهنعمل حاجات كتيرة..
ارتشفت من قهوتها وهي تنظر له، بدا يافعًا للغاية وهو يتحدث هكذا عن مجرد تعلقه بعدة بلاد واماكن فسألته:
- انت بتحب ايطاليا اوي كده؟!
أومأ لها وهو يتناول نفسًا مطولًا ثم زفره في هدوء وابتسم بقليل من السُخرية ثم تكلم وهو يشرد ببنيتيه بعيدًا:
- أنا عمري ما فكرت اجي ايطاليا.. كنت عايز ادرس في المانيا مثلًا.. أو النرويج.. فرنسا.. قدمت على كذا منحة زمان.. وايطاليا جاتلي صدفة.. فقدمت كتحصيل حاصل وكانت اخر حاجة قدمت عليها.. والوحيدة اللي قبلتني! مع اني مكنتش بفكر فيها خالص!!
التفت نحوها ليحدق بها إلي أن تعجبت من كثرة تحديقه ليُحدثها وهو يتلمس احدى ساقيها لتخفض رأسها في تحفز نحو أنامله التي تتلمسها ثم قال:
- ايطاليا دي انتي! زيك بالظبط.. مكنتش ناوي احب ولا اروح للحب برجليا بس انتي الوحيدة اللي حبتها والوحيدة اللي قبلتني!
رفعت نظرها إليه لتجده يبتسم بإنكسار ثم ابتعد عنها وأكمل طعامه ولا تصدق انهما لم يخوضا تلك الاحاديث من قبل فسألته:
- بتحب ايه تاني في ايطاليا؟
همهم مُفكرًا ثم حك مؤخرة رأسه والتفت اليها على الأريكة ليجلس القرفصاء ليجيبها مطنبًا بالحديث:
- بحب الأكل الجنوبي اكتر.. البيتزا في نابولي تحفة.. هم اللي عملوها اصلا.. والبلد دي من ضمن الحاجات اللي حببتني في الطبخ.. وميلانو والعمارة بتاعت ليوناردو دافينشي كان عبقري جدًا فيها.. وتمثال فيرنيني في روما والمتاحف وكنيسة سان بيتر في الفاتيكان.. دي من اكتر الأماكن اللي بحبها..
وكان دايمًا نفسي وانا صغير يبقى معايا فلوس كتيرة علشان اجيب يخت، واخده من باليرمو لغاية سردينيا.. علشان دي تُعتبر مكان الأغنيا في ايطاليا غير سيسيليا خالص!
تفقدته بإبتسامة وهو يجلس امامها كالفتي المراهق ذو الأحلام العديدة فسألته:
- وجبت اليخت؟
همهم وهو يومأ لها ثم اجابها:
- جبته وروحت سردينيا وكنت لوحدي.. مكنتش عايز حد معايا.. بس المرة الجاية هاروح معاكي انتي بس!
ضيقت ما بين حاجبيها وهي تحمحم وتذكرت ذلك الوضع الذي هما فيه وتفكيرها هل ستستمر معه أم لا لتقول بنبرة مترددة:
- انا عايزة ارجع مصر.. صدقني كل حاجة هناك وحشتني..
ضيق عينيه وهو يتفقدها ثم حدثها في حماس:
- في مكان في ميلانو اسمه ميتشكيني، مليان مصريين ومحلات زي عندنا بالظبط.. لو روحتيه هتحسي انك في مصر مش في ايطاليا!
أومأت على مضض بينما حدقت بطبقها وأخذت قطعة من الطعام لتمضغها على مهل وتريث ليتلمس أسفل ذقنها ونظر إليها مطولًا وحدثها في ندم:
- أنا آسف إن ضيعت لحظات حلوة كتيرة ما بيننا.. أنا مكنتش فاهم انا بعمل ايه! بس هاعوضك عن كل حاجة.. هنروح اي مكان نفسك فيه، هوريكي اماكن كتيرة حلوة.. وهنرجع مصر.. بس احنا تقريبًا من ساعة ما اتجوزنا مروحناش غير اماكن قليلة اوي.. ادينا فرصة نتفسح شوية لما الدنيا ترجع تفتح تاني وبعدين هنرجع مصر.. اتفقنا؟!
رمقته في حيرة وهي تحاول البحث بملامحه عن الصدق بعسليتين صافيتين فأومأت له بإقتضاب ليخفض يده ثم تحدث بمزيد من الحماس:
- هناخد لفة كبيرة اوي في ايطاليا، روما، ولو عجبتك الحاجات الأثرية دي ممكن نروح نشوف المتحف المصري في تورينو بس مش هنطول هناك لأني مبحبش التناكة اللي فيهم شوية دي..
وبعدها نروح مكان روميو وجولييت في فيرونا اظنه هيعجبك.. ولو عايزة اعرفك اماكن المافيا كلها تتفرجي عليها من بعيد.. فيه هنا في سيسيليا كوسا نوسترا، وندرانجيتا في كالابريا، وكامورا في كامبانيا.. وفيه كمان ساكرا كورونا اونيتا في بولجيا.. بس متخافيش احنا على وفاق معاهم لأن دول اكبر تنظيمات واللي يخسرهم يبقى غبي!!
ابتسم في سخرية وتحولت ملامحه للجدية عندما رأى ملامحها تتغير في ضيق ليضيف بهمس واصرار:
- فيروز.. انا عايز اوديكي المانيا او الدنمارك.. ممكن يكون فيه علاج علشان الحمل!!
شعرت بالرعب من مجرد انجابها طفل منه وفي نفس الوقت تلك الملامح الملامح التي يتحدث بها وأنامله التي تبعد احدى خصلاتها القصيرة خلف اذنها بينما رمقها في انزعاج رآته بعينيه ليتكلم متوسلًا:
- شعرك ابتدى يطول.. متقصيهوش تاني!
ابتعدت عنه في شعور بالآلم عندما تذكرت كيف بدت وهي تحدق بالمرآة وتقصر شعرها ليلاحظ ذلك عليها فأخرج هاتفه ثم نظر بعدة اشياء يتفقدها وحمحم ثم غير مجرى الحديث ليقول:
- أنا اعرف كذا حد في مصر وامريكا.. خليتهم يمضوا عقود كتيرة مع شركة بدر الدين.. يعني..
توقف من تلقاء نفسه عندما رفعت رأسها إليه وهي تنظر له في تعجب ليُكمل بنصف ابتسامة مقتضبة:
- علشان يعوضوا الخسارة اللي أنا كنت السبب فيها!!
نظر إليها في تفحص بينما تجهمت ملامحها ولم تجد الكلمات كي تُخبره بها ليتنهد هو عاقدًا حاجباه ثم تناول المتبقي من قهوته ونهض مخبرًا اياها:
- أنا هقوم اصلي تكوني خلصتي الفطار، نروح نجري ونتمرن شوية!!
تركها وهي تقع في الحيرة من امرها من كثرة تصرفاته الغريبة.. لا تدري اتستجيب إلي مشاعرها التي ترغمها على تصديقه هذه المرة أم تستمع لصوت عقلها الذي يصرخ بها بأنه يستحيل أن يتغير أبدًا!!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
عصرًا في نفس اليوم..
شعر بالغضب الشديد ليصرخ بها:
- وحتى لو كنتي المدير العام ده يخليكي تسمحي لحد يمضي العقود الجديدة بنفس المبلغ من غير ما ترجعيلي؟
اجابته "أروى" بمنتهى الهدوء الذي استفزه:
- أولًا قرار زي ده هيفدنا جدًا وانت متأكد إن شركات ومصانع الأدوية بقت مهمة ازاي اليومين دول.. ثانيًا بعد المشاريع الجديد اللي دخلت دي كلها مش هيفرق ابدًا معانا اننا نجدد عقد او اتنين لمدة تلت سنين بنفس المبلغ! لو بصيت للقرار نفسه اللي اخدته هتلاقينا احنا الكسبانين!
كاد "سليم" أن ينفجر من غضبه اللاذع وهو لا يدري ما الذي يدفعها لمعاملة هذا المسمى بـ "عمرو صفوت" بهذه الطريقة في الآونة الأخيرة ولكنه حاول أن يكظم غيظه ليحدثها بلهجة زاجرة تحتوي على التحذير الواضح:
- أنا مش فاهم ازاي بقيتي بالإستهتار ده وانتي فاهمة كويس إن اي شركة خدمات اليومين دول بتجبر اللي قدامها بالمبلغ اللي تحدده علشان التعقيم بالذات والكمامات!! أول وآخر مرة تاخدي قرار من غير ما ترجعيلي.. اياكي!! اتفضلي على مكتبك!
أومأت في برود استفزه ليعقد قبضتاه قبل أن يهشم شيئًا ونهضت لتغادره وعلت ملامحها ابتسامة منتصرة لتُمسك بهاتفها ثم هاتفت "عمرو" الذي باتت قريبة منه للغاية عن طريق "لميس" خطيبة اخيها "عاصم" وهي تشعر بالراحة الشديدة لإغضاب "سليم" بهذه الطريقة الشديدة:
- ها إيه الأخبار؟
آتاها تساؤله لتجيبه بقليل من الدلال:
- ده مش سؤال برضو!! العقود في الطريق وهتوصلكوا النهاردة!
توسعت ابتسامته ليحدثها في امتنان:
- بجد يا أروى انتي عملتيلي خدمة العمر.. شكرًا
همهمت في هدوء وأردفت في انوثة شديدة:
- لا كده بقا هستنى منك عزومة لما الدنيا ترجع تشتغل تاني..
ضحك بخفوت ثم رد قائلًا:
- مليون عزومة لو تحبي..
تصنعت الإستغراب قليلًا لتهتف سائلة في تلقائية برعت بتزيفها:
- صحيح بما إنك دكتور.. كنت عايزة اسألك كده على حاجة لواحدة صاحبتي عندها مشكلة جامدة شوية مع جوزها.. نفسها تخلص منها بأي طريقة لأنه مجننها بصراحة.. بيعمل فيها حركات مش طبيعية وهو دكتور!!
تريثت لبرهة ليعقب في عفوية:
- اه طبعًا قوليلي..
حمحمت في قليل من التردد لتردف مسرعة:
- بص الأفضل لما نتقابل.. معلش هستأذنك ورايا شغل كتير..
ابتسمت في خبث ليأتيها صوته:
- تمام وانا تحت امرك في اي وقت!
ودعته وانهت المكالمة وها هي بدأت في توطيد علاقتها به دون أن يشعر احد بعد أن باتت مقتربة للغاية من "لميس" لدرجة ذهابها لمقر عملها أكثر من مرة إلي أن لعبت الكثير من الصُدف رؤيتها إلي "عمرو" واصبحا اصدقاء بالفعل وبالقريب العاجل ستستغل تلك الصداقة - أو العلاقة التي ستُقنعه بها - عن قريب..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
بعد مرور اسبوع..
الحادي والعشرون من أبريل عام 2020..
وقفت أسفل المياة الدافئة وهي لا تدري متي ستنتهي تلك الأيام! تشعر بقليل من التحسن بذلك الهدوء، لا يُقلقها فقط سوى أمر تلك المافيا التي تشعر وكأنها ستدمر كل شيء بحياتها.. تصميمه على استخدامها للسلاح وتدريبها كل يوم على الكثير من الفنون القتالية التي نوعًا ما باتت تخرج الكثير من الطاقة السلبية بداخلها..
صدقته عندما استيقظ أكثر من مرة في فزع شديد من كوابيسه التي يراها وهو نائمًا ولكن منذ ثلاث ايام قد توقفت وكذلك توقف هو عن قص ما بها من احداث لتشعر بتحسنه قليلًا في هذا الأمر!
تعجبت وهي لا تصدق أنه لا يزال ملتزمًا بكل شيء وبكل تصرف منطقي حتى في اقترابه منها بات يحافظ على الكثير من الحدود التي وضعتها هي.. وكذلك باتت منبهرة من مدى جديته في الجلسات العلاجية التي يتلقاها بصحبتها وكذلك تفعل هي الأخرى..
يناقشها بالدين كثيرًا هذه الأيام وكأنه يبحث عن شيء ما، أو مبرر، أو ربما يحاول أن يستحث احدى الرغبات بداخله بزيادة الإيمان أو التصديق هي لا تعلم!!
لا تزال تشعر بالتشتت والخوف أن ينقلب كل تغيره هذا رأسًا على عقب.. لا تزال تفتقر إلي الثقة به مجددًا.. كما يقلقها عنفه الشديد كلما تعامل مع "كلوديا" التي لا تدري كذلك إلي متى ستقيم معهما!
يتحول بشكل مخيق عندما يكون معها.. يبدو حقًا كرجل عصابات مرعب.. يتملكها الخوف من أن هذا الرجل لا يزال موجود في اعماقه بطريقة أو بأخرى.. مجرد حقيقة أنه لم يتغير في هذا الشأن يُفزعها..
انتهت لتلتف برداء الإستحمام وخرجت لتجده للتو انهى صلاته فرمقته بلمحة سريعة ثم توجهت لغرفة الملابس وأغلقت الباب عليها في ارتباك وتأكدت من إحكام غلقه وارتدت ملابسها بسرعة ثم جففت شعرها وتوجهت عائدة للغرفة وشعرت بإرادتها في النُعاس بعد هذا اليوم الطويل وتوجهت نحو السرير لتجده غادر الغرفة ثم وجدت الشرفة لا تزال مفتوحة وينبعث منها نسيم لين هادئ فاتجهت إليها وهي تُفكر في الإستمتاع بالقليل من هذا الهواء الربيعي..
خرجت لتجده واقفًا بالشرفة وكادت أن تعود للداخل فأوقفها بتلقائية قائلًا:
- أنا كنت هادخل.. لو عايزة توقفي انتي هنا..
اوقفته في عفوية لتقول:
- لأ.. خليك.. أنا حسيت الجو حلو قولت هاطلع دقيقة كده وبعدين كنت هاقفلها علشان أنام!
ابتسم بملامح غريبة لتتعجب سائلة:
- ايه اللي يضحك فيه ايه؟
هز كتفاه في عفوية ثم اجابها:
- أنا مبحبش أنام في الأوضة وهي مقفول الشباك او البلكونة فيها.. ومبحبش انام في الضلمة.. انتي عكسي في حاجات كتيرة!
تناولت نفسًا مطولًا ليشعر بالقل وتمتم إلي نفسه:
- شكل النفس ده وراه حوار!
تحدثت هي الأخرى بإبتسامة:
- ما أنا فعلا مبعرفش انام غير في الضلمة.. بس بسيبك تفتح نور، من حقي تقفل البلكونة.. واحدة بواحدة!! وبعدين انت اصلًا نومك غريب جدًا.. بتسحب الغطا وبتتقلب كتير وأنا بقلق من اقل صوت جنبي وانا نايمة!
رفع حاجباه متعجبًا:
- ده بجد الكلام ده.. أول مرة اعرف!
أومأت له بالموافقة ثم اضافت:
- وبتعرق كتير علشان اظن ان ده بسبب إن مناعتك ضعيفة.. أنا شايفة تروح لدكتور لو في فيتامينات أو حاجة..
أومأ لها بالموافقة ليقول:
- حاضر.. لما نروح المانيا طيب!
أومأت له وتذكرت ما اخبرها به منذ أيام لتحمحم قائلة:
- انا داخلة انام.. ابقى اقفل البلكونة.. تصبح على خير!
التفتت لتغادر فأوقفها وهو يُمسك بيدها في رفق ثم حدق بملامحها في ذلك النور الطفيف الذي تسرب من الغرفة وهمس في توسل سائلًا:
- ممكن اطلب منك حاجة؟
نظرت له ثم أومأت بأن يتابع فسألها هامسًا:
- ممكن انام جنبك على السرير النهاردة؟
ارتبكت وتغيرت ملامحها ليبادر مسرعًا وهو يرمقها في توسل:
- لو توافقي طبعًا.. وصدقيني مفيش تحرش جسدي غير بريء.. ولا بريء حتى!
ابتسمت بإقتضاب عندما تذكرت تلك المُسميات ثم أومأت بالموافقة المقتضبة من قِبلها وتوجهت للداخل فتبعها ولم الشرفة ولا حتى ستائرها بينما قد دلفت بالفعل أسفل الغطاء وهي تحافظ بشدة أن تكون على احدى طرفي السرير وهي تشعر بالإرتباك الشديد بداخلها..
نظر إلي جسدها القابع أسفل الأغطية ليتناول نفسًا مطولًا ثم توجه إلي السرير ليأخذ هو الجانب المقابل للشرفة بينما أخذت هل الطرف الآخر وبالرغم من خوفه، حاول التغلب عليه ومواجهته وأغلق الأنوار بالكامل في الغرفة ليتعالى ذهولها الذي شعرت به من فعلته..
همست بصوت خافت في استرخاء:
- مش لازم تقفل النور لو حابب ..
ابتلع متنهدًا ثم عدل نومته ليصبح على جانبه حتى يراها وهمس هو الآخر إليها:
- أنا سبت البلكونة مفتوحة وهتدخل نور.. واحدة بواحدة.. مش كده.. وبعدين طول ما انتي جانبي مش ببقى خايف.. لا من الضلمة ولا الكوابيس!
فتحت عينيها لتتفقد ملامحه في ذلك الضوء الخافت الذى تسرب من الشرفة ليبادلها النظرات ببنيتيه اللامعتين لتهمس له في توسل بكلمات لا تدري من أين آتت:
- أنا مش عاية ابوظ حاجة المرادي.. ارجوك يا شهاب تفضل زي ما انت.. المرة الجاية لو حصل حاجة أنا مش هاقدر احاول تاني..
أومأ لها ثم اقترب منها قليلًا وتحدث هامسًا وبداخله شعر بالمصداقية:
- متخافيش.. مفيش حاجة هتحصل تاني..
اقترب منها اكثر وكادت أن تمنعه ليقبلها في تريث على جبهتها ثم همس لها:
- تصبحي على خير..
ابتعد سريعًا ليخلف لها ظهره وانتقل على الجانب الآخر ليُصبح في مقابلة الشرفة التي يتسرب منها اشعة ضوء طفيفة وكي لا تنزعج منه بينما استمع كلاهما لشيء ثقيل ارتمى ارضًا ففتح عينيه ليُدرك بعينيه انها احدى القنابل قد القاها احد من اسفل الشرفة لتستقر بها وفي لمح البصر التفت ليجذب جسدها وحاوطه وهي تشعر بالرعب مما يفعله ليحتميا كلاهما خلف السرير ارضًا من الجهة التي كانت تنام بها بينما دوى الإنفجار بداية من الشرفة لينتقل إلي الغرفة الماكثان بها..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .
66 يوم الأحد الموافق 7 - 2 - 2021 الساعة التاسعة مساءًا على مدونة رواية وحكاية وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرين ساعة على الواتباد
ملحوظة : الرواية في حدود 80 فصل..
دمتم بخير