-->

الفصل السادس والستون - شهاب قاتم

 


 - الفصل السادس والستون -

     

في المساء
يتفتح شوقي إليك
حقلاً من أزهار الجنون الليلية ..

آه كل تلك الأسوار بيننا ..

آه بيني و بين وجهك
ليل طويل من الفراق ..

و ريثما يطلع الصباح
ستلفني الكوابيس كالكفن ..

(غادة السمان)

     

دوي الإنفجار بالغرفة مع ارتجافة جسده وهو يضمها بهذه الطريقة جعلتها في حالة هلع، لا تدري ما الذي يحدث.. شعرت بالرعب ومرت الثواني كالسنوات وكأنها لا تريد أن تنتهي.. 

بدأت احدى المياة تنهمر من السقف ببعض الأماكن، أو ما تبقى من نظام الحماية من الحرائق ولا يزال يعمل ليرمقها بأعين الطفل الخائف، المفزوع على امه من أن يصيبها مكروهًا ثم هتف بها:

- انتي كويسة؟! حصلك حاجة؟

فجأة توجع لتنظر له في هلع وهي لا تدري ما الذي تقوله ليُدرك أن قميصه قد ناله بعض النيران فخلعه بسرعة واصبح عاري الصدر وفي نفس الوقت دخلت "كلوديا" وهي ممسكة بأحدى الأسلحة بيدها ثم نظرت إلي كلاهما في تفحص شديد بأعين تتأكد من أنهما بخير ثم تحدثت إليه بالإيطالية:

- المنزل يُداهم ليو.. علينا الوصول للقبو بأي طريقة!

أومأ لها في جدية ثم نهض وجذب يد "فيروز" ليوقفها بينما سيطر عليها الرعب الشديد ليذهب إلي منتصف الغرفة وازاح بقدمه بقايا البساط المدمرة من الإنفجار وانخفض وهو يجذب احدى الأخشاب التي قد اثرت بها النيران وفجأة انفتح احدى الأبواب تؤدي إلي درج ليدفع جسد ها امامه لتسبقهما وتبعها لتأتي "كلوديا" ببقايا البساط فوق هذا الباب المسطح واغلقته خلفها..

تخبطت في تلك الظُلمة وسرعان ما انتشرت الأنوار التي لا تعلم من أين آتت لتفاجئ امامها بكمية اسلحة لا نهائية بكل مكان وتوجهت "كلوديا" لتتقدمهما وكأنها تحفظ المكان عن ظهر قلب ثم توجهت لأحدى الهواتف وقامت بتشغيلها وهي ترتدي احدى السترات العازلة للرصاص وتتسلح في نفس الوقت وكذلك فعل "شهاب" لتنظر لكلاهما في هلع شديد والخوف يسيطر على كل أنملة بجسدها..

توجه نحوها وهو يرغمها على ارتداء سترة مثله ثم هتف بها بجدية وانفاس متسارعة:

- اهدي وركزي.. فاكرة كل اللي كنا بنتدرب عليه الفترة اللي فاتت.. الموضوع مفيهوش هزار.. 

التفت خلفه ليُعطيها بعض الأسلحة فأومأت له وبدأت في التراجع وهي تنظر له بذعر احتل رماديتيها وتهادى إلي مسامعها صوت "كلوديا" الذي يتحدث بأحدى الهواتف ولكنها لم تفهم شيئًا وسرعان ما رآتها تحول بينها وبينه لتحدثها في غضب وتأهب وصاحت بها في جدية:

- إذا كنتِ تريدين الموت لكِ أو لزوجك العزيز فاستمري ايتها الخرقاء.. ابكي لاحقًا وليس الآن!!

أخذا كلاهما يجبراها على حمل الأسلحة التي وجدت نفسها فجأة ترتدي اثنان منهما حول كتفيها وبيدها اثنان اخرون وهي لا تزال تشعر بهيعة كل ما يحدث حولها ومن ثم ذهب هو ليُمسك باحدى الاجهزة اللوحية التي تتحكم بالمنزل بأكمله واغلق كل المنافذ والأبواب بأكملها ليقلل من حركة الدخول والخروج إليه وهو يأمل أنها لا تزال تعمل ولم تصب بالدمار..

توجهت "كلوديا" نحو احدى الأبواب وكادت أن تفتحه ليهتف بها موقفًا اياها:

- انتظري! لقد بدأوا بالنيران أليس كذلك؟! 

لم تفهم كلمة مما قاله عندما تحدث بالإيطالية بينما تابعته "كلوديا" بعينيها ويده تحمل احدى الأجهزة تشبه اسطوانة غاز وفي النهاية متصلة بأنبوب ذو فوهة وعلقها بجسده ففهمت ما هو مقدم عليه لتزم شفتاها وأومأت له ثم  سألته:

- هل انت مستعد؟

أومأ لها بالموافقة بينما فتحت احدى الأبواب التي تقود لخارج المنزل فتقدمتهما بينما حمى جسد "فيروز" خلفه ورمقها بلمحة سريعة وحاول أن يُطمئنها:

- متخافيش.. خليكي جانبي واي حد تشوفيه اضربيه على طول!

هل هكذا يُطمئنها؟ تقتل؟ هل يُخبرها أن تقتل؟ لن يحدث.. لن تفعلها.. لن تستطيع أبدًا أن تقدم على هذا!! 

سار ثلاثتهم لتتحدث "كلوديا" في همس إليه بالإيطالية:

- سيأتي بعض الدعم في أي وقتٍ الآن ليو.. نريد فقط أن نكسب بعض الوقت! 

همهم إليها في تفهم وما إناقتربوا من نهاية ذلك السرداب حتى قابلهم احدى الرجال المشهرين لأسلحتهم وكاد أن يلتفت وهو يتفقد المكان حوله فتوقفت "كلوديا" وتقدم "شهاب" وفي لمح البصر أطلق نيرانًا من هذا الأنبوب بينما أطلقت هي من سلاحها طلقة برأسه من احدى الأسلحة الكاتمة للصوت لتسقط الأسلحة من يد "فيروز" في رعب وهي تشاهد ما حدث لهذا الرجل! 

التفت نحوها وهو ينظر لها في تأهب غاضبًا وانخفض بجسده ليُمسك بسلاحيها ثم نهض وهتف بها في همس:

- فيروز ارجوكي.. مش وقته!! 

اجبرها على الإمساك بالأسلحة بين يديها وهي تبتلع في ذعر وفجأة مدت "كلوديا" ذراعها لتجبر كلاهما على الإلتصاق بالجدار عندما استمعت لخطوات احدى الرجال القادمة وبمجرد قدوه عاجلته برصاصة بقدمه ليسقط واخرى بمنتصف رأسه واقتربت لتجذب جسده لداخل السرداب وكذلك من قُتل قبله كي لا يراهما البقية! 

نظرت إلي جثتي الرجلين أسفل قدماها ليتضاعف هلعها بما يحدث ليصل إليهم رجلًا ثالثًا وصرخ عاليًا:

- لقد وجدت الوغـ..

توقف عن الكلمات عندما أطلق "شهاب" بأحدى الرصاصات بقلبه مباشرة لتنظر "فيروز" في ذعر له لتصيح "كلوديا" بهما:

- سيطري على نفسك ايتها الخرقاء.. استعد ليو لقد وجدونا!

بدأوا في الخروج بخطوات حذرة ليشعل هو تلك النيران بينما بدأت "كلوديا" في سحب احدى الرشاشات وهي تضرب بعشوائية وبدأت ترى البعض بينما التفت هو موجهًا ظهره إليها كي يحميها ونظر بالأعلى ليصيب احدى الرجال من الشرفة وعاجل آخر كاد أن يُصيبهم وتعالت اصوات إطلاق الرصاص حولهم! 

لهث بشدة وهو ينظر نحو "فيروز" بغضب وهتف بها:

- لو ملحقتيش نفسك محدش هيلحقك! 

نظرت له في خوف بينما لاحظت شبح رجلًا يتقدم نحوهم لتقدم سلاحها بتلقائية وخوف بسرعة واصابته في قدمه فهي يستحيل أن تقتل أحدًا حتى ولو كان قاتلًا ليلتفت مسرعًا نحو اتجاه اشهارها لسلاحها وعاجل الرجل برصاصة في رأسه.. 

تقدموا ليجبر "شهاب" جسد "فيروز" بأن تواجه معهما ليُصبح ظهرها بظهرهما ليكونوا دائرة على حذر وأصبحت ظهورهم في تلاصق ولم تتوقف أصوات الرصاصات حولهم.. 

كلما وجد "شهاب" أو "كلوديا" احدًا عاجلوه في تلك الظُلمة برصاصات قاتلة بينما شعرت هي بالخوف والرعب وهي لا تدري كيف لها أن تقتل نفسًا بشرية في خضم هذا الظلام القاتم وكأنما لن يأتي الصباح عليها أبدًا.. 

ولكنها قد تقتل أيضًا في خضم هذا الحرب.. شعرت بمزيد من الهلع والخوف بينما اندفع الادرينالين بجسدها والأصوات المرعبة من الرصاص وصرخات الرجال وتلك النيران التي يحرق هو بها مناطق عدة عند الأبواب المؤدية إلي المنزل باتت تُفقدها عقلها.. 

فجأة صاحت "كلوديا" بصوتها:

- لقد وصل الدعم.. احترسا.. لا نعلم كم رجل بالمنزل وكم رجل بالخارج بعد! 

سار ثلاثتهم من جديد لتتركهما "كلوديا" وذهبت نحو احدى الرجال الذين تعرفهم ليتقدم "شهاب" بصحبة "فيروز" إلي احدى أبواب المنزل وتفقد جهاز الحماية ليجد أن من بالداخل قد فصل التيار الكهربائي ليبتسم ساخرًا ونظرت هي له في غير تصديق بينما آتى بالأنبوب وأشهره نحو الباب وبدأ في اطلاق النيران نحوه!

توسعت عيناها في ذهول وصدمة وهي تنظر لملامحه التي تبدو غير مُتأثرة بالمرة وبُنيتيه ينعكس عليها آثار اللهيب الحارق لتلتمع بطريقة اصابتها بالمزيد من الذعر لترتجف ملامحها وهي كل ما تتمناه أن تكون في عداد الموتى لتنتهي من كل ما يحدث حولها وتنتهي معرفتها بهذا الرجل ذو الملامح المخيفة امامها..

استمعت لخطوات فالتفتت للخلف لتصيب الرجل بذراعه وبقدمه في هلع شديد ولم يكن امامها سوى ذلك وإما ستقتل لا محالة ليلتفت "شهاب" عندما شعر بما يحدث خلفه ونظر نحو الرجل الذي قد سقط بالفعل وسلاحه بجانبه ولكنه لم يمت بعد!! 

رمقها بنظرة جعلت الدماء تتجمد في عروقها وكأنه سيقتلها هي بدلًا من هؤلاء الرجال لتجده ينظر إلي الرجل الذي يحاول بإستماتة الوصول إلي سلاحة الذي سقط منه وعاد بتلك العينتين التي جعلتها تكره ذلك اليوم الذي عرفته به وصرخ بها آمرًا:

- اقتليه!!

هزت رأسها في إنكار وهمست به في تلعثم:

- مش.. مش هاقدر.. شهاب أنا مش..

ارغم جسدها على الوقوف أمامه حيث لو اطلق الرجل ستستقر الرصاصة بها لا محالة وصرخ بأذنها:

- بقولك اقتليه!!

أخذت تهز رأسها في رعب شديد شديد وتكونت الدموع بعينيها وهذا الرجل بات قريبًا للغاية من حصوله على سلاحه ليصرخ بها بنبرة جعلت يدها تندفع فورًا إلي القضاء على الرجل امامها ورفعت سلاحها نحو الرجل:

- انتي غبية!! لو مموتيهوش هتموتي انتي! اقتليه بقولك! 

أطلقت رصاصة لتصيبه برأسه وهي تبكي في وهن وخوف هائل ليلتفت واجبرها على التقدم معه إلي داخل المنزل على حذر شديد لتصرخ به باكية بتلعثم وهول مما حدث وهذا الرجل يفقد حياته على يدها:

- ليه خلتني اقتله.. ليه.. أنا .. 

عاجل احدى الرجال امامه برصاصة في منتصف رأسه والتفت إليها بأنفاس لاهثة وصرخ بها في غضب دون أن يدرك ما الذي يقوله:

- يا نقتل يا نتقتل.. ومش هاستنى اشوفك ولا اشوفني ميت الليلادي! سامعة! 

فجأة استمعا لصوت رجل يتحدث بالإيطالية:

- وأخيرًا ايها الوغد.. 

التفت وهو يُشهر سلاحه وفجأة حالت "كلوديا" بينهما لتتلقى احدى الرصاصات بدلًا منه في احدى ذراعيها ولكنها استطاعت أن تصيبه في منتصف رأسه وبعدها بقلبه! 

التفتت نحوه بملامح متألمة لتصاب "فيروز" بالذهول مما حدث وهمست في وجع:

- الرجال يتفقدون المنزل.. آه.. لقد قتلنا أغلبهم! 

اخذ مسرعًا اسلحتها وتوجه بها إلي واحدًا من الحمامات وتبعتهما "فيروز" في رعب وتأهب وهي تنظر حولها للمنزل المدمر الذي قد نال رصاصًا أو نيرانًا والمياة المنسابة بأرضية المنزل وقابلت احدى الرجال في طريقهم ليخبره "شهاب" شيئًا بالإيطالية بينما لم تفهم معناه!

اجلسها على حافة المغطس وسرعان ما توجه إلى صندوق الإسعافات لتنظر "فيروز" نحو الباب لتجد ثلاث رجال امامه يشهروا اسلحتهم وظهورهم موجهة إليها فعلت أنهم يقوموا بحمايتهم لتلقي بالأسلحة أرضًا ليعاجلها مُحذرًا وهو يجفف الدماء التي تنهمر من مكان إصابة "كلوديا" وقال:

- خللي المسدس في ايدك! منعرفش ايه اللي هيحصل! 

بدأ في ايقاف الدماء وشرع في استخراج الرصاصة بمنتهى التركيز بعد أن سكب بأحدى مطهرت الجروح وهو يُمسك بملقط طبي وهي تحاول كتم صراخها بأعجوبة لتصرخ به بشيء بالإيطالية وحاولت التحمل قدر المستطاع بينما ضحك وحدثها بالإنجليزية:

- هذا لإغضابي بالأيام الأخيرة كلوديا.. تحملي قليلًا..

مجددًا صرخت بالإيطالية لتنظر هي لهما وكأنهما معتادان على تلك الأشياء، وكأن كل ما يحدث حولهما طبيعي للغاية، ولم تسأل نفسها سوى سؤال واحد.. كيف وافقت على أن تكون هذه حياتها؟! يستحيل أن تنغمس معهما في هذه الحياة!! عليها الفرار بأي طريقة!

تعالت صرخاتها وقبضت على احدى ساقاه وأصابعها تنغرس بها وهو يستخرج الرصاصة ثم القى بها أرضًا لترمقه في غيظ شديد وأخذت "فيروز" تتابعهما في رهبة تامة لتجده بعدها يخيط مكان استخراجه للرصاصة بمنتهى البراعة بينما توقفت هي عن الصراخ وهي كلما انغرست الإبرة بذراعها ينتفض جسدها..

فجأة صاح رجل من هؤلاء الثلاثة أمام الباب لترتجف "فيروز" خوفًا من صوته بينما رد عليه "شهاب" بشيء لم تفهمه ونهضت "كلوديا" بعد أن انتهى وتسلحا من جديد لتُمسك الأخيرة فوهة سلاحها وضربته بمؤخرته على ذراعه بقوة وصاحت به بالإيطالية:

- هذا لأنك تعمدت إيلامي ايها الوغد..

نظر نحوها وكأنه لم يتأثر على الإطلاق ثم توجه نحوها لتبتعد بجسدها عنه للخلف في رعب ليرمقها بنظرات جعلتها تبتلع وجذبها كي تذهب معهما:

-يالا علشان هنمشي..

خرجت خارج الحمام بصحبتهما لتجد الرجال قد احضروا لثلاثتهم احذية وسترات ثقيلة بعد أن اشتد البرد في هذا الليل لترتدي مثلهما هي الأخرى ورغمًا عنها سارت معهما وهؤلاء الرجال يتوجهوا معهم نحو عدة سيارات تتشح بالسواد.. 

دار حوار قصير بين رجل لا تعرفه بالإيطالية لكلًا من "شهاب" و "كلوديا" ومن ثم دخلوا لواحدة من تلك السيارات ليجلس هو بالمقدمة بجانب السائق وكلتاهما بالخلف وانطلقت السيارة التي تقدمتها اثنتان وتقهقرت اثنتان خلفها ليبدو كموكب مهيبًا وشعرت هي بالرعب التام من كل ما يحدث حولها! 

رمقتها "كلوديا" بنصف ابتسامة ثم تحدثت بالإنجليزية:

- لقد تلقيت رصاصة اخرى بدلًا منك ليو.. تدين لي الآن بمعروف أو رصاصة!! الإختيار يعود لك.. 

زفر في ضيق بينما حدثها بالإيطالية حتى لا تفهمهما "فيروز" وقال بجدية:

- لا تجعليها تغيب عن عينيكِ أبدًا إلي أن انتهي من معرفة من خلف هذا.. لا هواتف.. لا إتصال بقاعدة البيانات لأي سبب كان!! هل هذا مفهوم؟ 

بالكاد استطاعت ان تترجم كلمتان او ثلاثة لإقتراب الإيطالية من الإسبانية ولا تعرف ما الذي يقصده بالهواتف، ولا تدري بما يقصد بألا تغفل.. كادت أن تنهار تمامًا لتنظر بعيدًا من النافذة بجانبها واقتربت على البكاء ليصدح صوت "كلوديا" بعد أن شعرت بها تنظر نحوها بلمحة سريعة وتحدثت بسرعة شديدة بالإيطالية:

- بربك! لماذا تفعل بها ذلك! ما الذي يحدث بينكما بحق الجحيم؟! 

لم يجبها وفجأة توقفت السيارات لتلاحظ "فيروز" بعض رجال الشرطة من ملابسهم ونزل احدى الرجال من أول سيارة تتقدم الموكب ليدور حوار بينه وبين احدى رجال الشرطة بعدة لحوالي دقيقتان ومن ثم دخل الرجل بالسيارة وفُتح الطريق امامه وسمحوا له بالمرور واستكملت باقي السيارات طريقها!! 

     

لم يمر سوى دقائق لتتوقف السيارات أمام منزل أكبر بكثير من الذي كانوا يمكثوا به لطيلة الأيام الماضية.. رجال حراسة يبدوا عليهم البأس يحيطوا المنزل، حديقة واسعة، ومرأب عملاق احتوى الخمس سيارات وكأنهم لا شيء..

تركوا السيارات و "كلوديا" تصيح نحو الرجال بلهجة آمرة بشيء لم تفهمه، ولا تريد فهمه، بل يكفي ذلك الذعر الذي يجري بدلًا من الدماء بعروقها، ويكفي ملامحه التي لا تريد الغياب عن ملامحها واللهيب ينعكس على وجهه في طيات الظلام القاتم!! 

تمنت لو أن ما حدث كان كابوس، هل يمكن هذا؟ أن يكون واحدًا من كوابيسه التي قصها عليها وهي فقط بها وستستيقظ عما قريب؟ هل هي تغوص في ماضيه بسبب تلك اللحظة من الضعف التي واتتها منذ ساعتان ونامت بجانبه لتحلم بهذا الكابوس؟ 

لو كانت تحلم.. لماذا لا تستيقظ؟ لماذا لا ينتهي ذلك الكابوس؟ هي لم تتزوج رجل بتلك الوحشية! هذا لم يكن هو، أم أن كل ذلك كان حقيقي؟ هل قتلت؟ نعم لقد فعلت.. لقد قتلت احدى الرجال بيداها!!

وبآخر لحظة من الوقت الضائع، دائمًا ما ينتهي كل شيء.. ندرك الحقائق، وتسقط كامل الأقنعة، ويضرب ضوء الشمس المنقذ من ليل الأوهام أعيننا بلا هوادة ليتسرب آلم الواقع إلي اجسدنا ليلازمنا طوال حياتنا!

انهمرت الدموع من عينيها بعد أن ادركت أنها تعيش بالواقع، كل هذا يحدث، أو حدث، أو سيحدث.. إنكار.. حالة الإنكار تسيطر عليها مرة أخرى.. لا تريد أن تتذكر وجهه.. وأصوات الرصاص.. تلك النيران.. الإنفجار بالغرفة.. هل قتلت حقًا احدى الرجال؟! 

اجهشت بالبكاء وقدماها تتحركان بمنتهى التلقائية وهي يسير بجانبها كلًا من "كلوديا" و "شهاب" الذي اوقفها وحاول أن يُفيقها من هذا البكاء الهيستيري الذي انتابها فجأة! 

احتوى وجهها بين يداه وحاول أن يهدأها وحدثها بنبرة حازمة:

- اهدي يا فيروز.. خلاص مفيش حاجة.. احنا كويسين ومفيش حد هيقدر يعملنا حاجة هنا! 

لم تتوقف ليُمسك بكلتا ذراعيها وهو يحاول أن يهزها في قسوة بعد أن فشلت كلماته في منعها عن البكاء وهو غير مستعد لحالتها تلك التي سيطر عليها حالة من الهلع الشديد وقاربت على الهذيان ليصيح بها هادرًا:

- فوقي.. فيروز.. بقولك مفيش حاجة هتحصل! 

استمر نحيبها في الإزدياد ليزداد معه غضبه وكاد أن يهشم اسنانه من فشله في السيطرة عليها ليصرخ بها مرة أخرى بشيئًا قد يُحضر ذهنها من تلك النوبة المهيبة من بكائها وقبضتاه تزداد قوة علها تشعر بأي شيء يجعلها تعود لأرض الواقع:

- فوقي! فوقي بدل ما هاكلم حد تاني يقتل اهلك! 

صاح بالإنجليزية إلي "كلوديا" علها تُصدقه:

- احضرِ لي هاتفًا كلوديا اريد أن اتخلص من رجل وإمرأة وابنتهما بمصر..

نظر لها نظرة فهمتها جيدًا فتظاهرت بالذهاب في تأفف من تلك الخرقاء التي يبدو وأنها ستكون عائقهما لليوم!! 

صرخ بها بلهجة مهيبة علها تستيقظ:

- لو مفوقتيش قبل ما الموبايل يوصل هموتهم يا فيروز! فوقي.. اصحي من اللي انتي فيه! 

هز جسدها من جديد لترفع نظرها إليه وهي تنظر إلي ملامحه ودموعها لا تتوقف عن الإنهمار وفجأة وقعت في نوبة ضحك أثناء بكائها! 

لاحظ تحول حالتها لتُصبح أسوأ ليطبق أسنانه وهو ينظر إليها نظرات مميتة وشعر بالعجز الشديد على أن يتعامل معها ولكنه ترك احدى ذراعيها وثبتها بقبضته الأخرى بقوى وصفعها بمنتهى القوة ولولا قبضته لكانت سقطت أرضًا! 

تفقدها بأنفاس لاهثة ليجدها توقفت عن البكاء والضحك معًا لتنظر له وكأنها استيقظت للتو لتنظر له بينما تفقد ملامحها وأصابع يده التي تركت أثرًا على وجهها ثم حدثها في ثبات ونبرة فارغة من المشاعر:

- اهدي.. مفيش حاجة هتحصل خلاص! 

رمقته في غير تصديق بينما كاد أن يقربها إليه ليعانقها لتدفعه بكل ما أوتيت من قوة بعيدًا عنها وابتعدت عنه وهي تنظر له في رعبٍ شديد وهي تومأ بالرفض ليرمقها بنظرات قاتلة ليعقد حاجباه في جمود وأدرك أنه سيعاني معها لاحقًا ولكن أولًا عليه إنهاء شيئًا ما!! 

اقترب منها وهي تحاول الإبتعاد بينما اشار بسبابته مُحذرًا اياها وحاول كبح غضبه ولم ير تحول ملامحه التي جعلتها تُصاب بالذعر فهو منذ ثوان كان يبدو غاضبًا والآن هو يبدو هادئًا وكأن شيئًا لم يكن وشعرت بإختناقها بأنفاس محبوسة لا تريد مغادرة رئيتيها لتقع كلماته على مسامعها كي تصيبها بالفزع:

- انا رايح اشوف مين اللي عمل كده فينا.. اهدي.. حاولي تفوقي وهنتكلم لما اخلص!! 

تابعته بمقلتيها المليئتان بالرعب وهو يلتفت ويغادرها لتنطلق تلك الأنفاس لتخلف لها آلام لا تظن أنها ستستطيع التغلب عليها أبدًا..

     


جلست على احدى الارائك وهي تضم ساقيها إلي صدرها ممسكة بهما في حالة مختلطة من تأهب، فزع، آلم، والشعور التام بمصيبة حلت بها ولن تستطيع الهرب منها!

هو لم يتغير.. لا يتغير.. ولن يفعل.. رجل سيكوباتي مريض بشدة.. يقتل دون رحمة.. دون شعور بالذنب.. دون خوف ودون تردد.. كيف لها الهروب منه الآن؟! 

تواترت دموعها في السقوط دون أن تدرك أنها تفعل، ملامحه بصورته المُرعبة المميتة لا تبارح عقلها، أحقًا جعلها تقتل؟ أأوصلها لهذه المرحلة من الخراب؟ لقد جعلها قاتلة في لحظة.. لحظة واحدة فقط جعل منها قاتلة بمنتهى البراعة!! 

كيف كانت ملامح هذا الرجل؟ ثلاثيني.. اربعيني! هل يملك أُسرة؟ هل لديه زوجة تحبه؟ ربما والدان وعائلة واخوة!! هل اصبحت هي السبب في يُتم طفل، اثنان، أم ثلاثة؟ هل هناك إمرأة باتت ارملة بسببها؟ ممن تزوجت؟ من هذا الرجل الذي رآته؟ 

يحرق ويقتل ويضمد جرح ويصرخ بها بتلك الطريقة!! لقد فعل كل هذا فعلًا.. هذا ليس بحلم ولا كابوس.. هذه حياتها وهذا هو الواقع!! 

الحل الوحيد هو الهروب.. تريد هاتف.. أي هاتف.. هل هناك من سينقذها؟ لا تزال حركة الطيران متوقفة! إلي من تذهب؟ كيف تلوذ بالفرار منه؟ هؤلاء الرجال بالخارج.. وتلك المرأة العارية.. و هو قبلهم.. هل سيتركها؟! 

لم تعد أعصابها تتحمل بكاء تلك ولم يعد النبيذ يقلل من الآلم اللعين بذراعها لتدرك أنها تحتاج شيئًا أقوى وزفرت في ضيق ثم حدثتها:

- يكفي ايتها الخرقاء.. تلك المداهمة كانت لا شيء.. عليكِ أن التعود والتأقلم على ما رأيتِ! 

التفتت نحوها بعد أن اخرجها صوت "كلوديا" من افكارها لتنظر لها في صمت مصحوب بحالة من الذهول والصدمة الشديدة التي لا تستطيع الإستيقاظ منهما لتُكلمها مرة أخرى بنبرة تلقائية للغاية:

- هذه الحياة ليست لضعاف القلوب.. هذا الرجل الذي تعشقيه لديه قلب من فولاذ.. عليكِ التعامل مع هذا كي لا تفقدي عقلك!

أي عقل هذا الذي تُحدثها عنه؟ ألديها واحدًا؟ يا لها من ذكية حقًا!! لو كان لديها عقل منذ البداية لما وقعت في تلك الحفرة الجحيمية التي لا نهاية لها!! 

ابتسمت إليها في هدوء ثم حدثتها سائلة بفضول لا ينتهي:

- ما الذي يحدث بينكما؟ لماذا تتشاجران؟ لماذا يُصمم ليو على منعك من استخدام الهاتف؟ لماذا تصفعيه وتصرخي بوجهه؟!! لقد كان عشقكما ملحمي.. ما الذي حدث بعد زواجكما؟! 

ابتلعت ملوحة دموعها في قهر عذبها وهي لا تدري ما الذي فعلته اسئلتها بها، جعلتها تتذكر كل شيء، جعلتها تتذكر مرضها، غبائها وسذاجتها، وهمها الذي عاشت به ليالٍ لا تنتهي!! 

سيطرت عليها انفاس شهقاتها التي باغتتها اثر نحيبها المتواصل ونهضت وهي تشعر بالإختناق وبحثت بعينيها عن أي نافذة أو شرفة لتتجه نحو احد الأبواب فلحقتها "كلوديا" وصاحت بها:

- إلي أين تظنين أنكِ ذاهبة؟! 

التفتت لها في سخرية واضحة وصرخت بها بإنجليزية بالكاد استطاعت تجميعها لتكون منها جمل:

- أشعر بالإختناق.. لا استطيع نسيان رائحة تلك النيران!! هل يمكنني الحصول على بعض الهواء أم جعلك رقيبًا علي.. أريد التنفس.. فقط بعض الأنفاس.. هل سيمنعني كلاكما من التنفس الآن!! 

انهمرت دموعها من جديد ثم اكملت صراخها بها لتنظر لها الأخرى في ذهول:

- لماذا لا تذهبي إليه؟ لماذا أنتِ معي؟ هو لكِ بالكامل!! هذا القاتل، رجل العصابات، هذا الرجل الذي يغتصب النساء لا شأن لي به! لم اعد اريده.. هو ملكك.. هيا اذهبي اليه..

انفعلت للغاية وهي تشير بيده نحو الباب الذي دخلوا منه وازداد اجهاشها بالبكاء وتملكها الغضب لتصرخ بها بنبرة صوت أعلى:

- اغربي عن وجهي أو حتى اذهبي إليه!! أنا لم اعد اريد رؤية أي منكما أيها القتلة! 

التفتت وغادرت من هذا الباب الخلفي بينما تعجبت "كلوديا" من تلك الكلمات التي استمعت لها وتعجبت للغاية مما سمعته وكادت أن تدفع نصف حياتها ثمنًا لتعلم ما الذي حدث بينهما ليجعلها تكرهه هكذا وتذكرت كلماته في نفس الوقت تذكرت حالتها لتشعر بالشفقة عليها قليلًا عندما لاح بعقلها ذلك الشعور الذي انتابها عندما قامت بالقتل أول مرة في حياتها!

تنهدت ثم توجهت لهاتفها وقامت بمهاتفة احدى الحراس وحدثته بلهجة آمرة:

- تلك المرأة التي آتت معي إلي هنا.. اياكم وان تسمحوا لها بمغادرة المنزل او اعطائها هاتفًا أو حاسوبًا.. سوى هذا دعوها تفعل ما تشاء.. هل هذا واضح؟! 


     


وقف بأحدى الغرف القريبة من المرأب حيث صفوا السيارات التي آتوا بها إلي هنا.. غرفة واسعة.. فارغة من كل شيء سوى طاولة جانبية حملت بعض السكاكين، طاولة كبيرة بمنتصف الغرفة مثبتة في الأرضية، وبأحدى الأركان التابعة للغرفة هناك اسطوانة غاز متصلة بأنبوبًا ذو فوهة متوسطة الحجم وبجانبها احدى طفايات الحريق، وبمنتصف الحائط هناك نافذة حديدية تطل على البحر مباشرة من الخارج ومن الداخل كانت أمام الطاولة الكبيرة!

رمق ذلك الرجل الذي استطاع رجال "كلوديا" أن يُمسكوا به واجلسوه مقيدًا على احدى الكراسي بمنتصف الغرفة ويظهر عليه اثار الضرب المبرح ثم رمى بسيجارته أرضًا ودهسها بحذاءه وتوجه بملامح هادئة للغاية نحو الرجل ووقف مستندًا بيداه على خصره ثم وجه له سؤالًا واحدًا بمنتهى البرود:

- من أرسلكم؟!

رفع الرجل رأسه له وابتسم بسخرية شديدة له ثم بصق أرضًا لتنخفض بنيتيه نحو بصاقه ليجد أن بعضًا منها قد تلمس حذاءه ليحدثه الرجل متهكمًا:

- ولو قتلتني ايها الوغد لن تعرف أبدًا! 

همهم له في إدراك وتجمد جسده ليُصبح كالجماد حتى جفناه لم يتقابلا ولم يعبر عن الروح به سوى تلك النظرات التي رمقه بها ليبدو كالمجنون، أو كأحدى الليوث التي تتلبد فريستها قبل الإنقضاض ليلتفت بطريقة غريبة متوجهًا لتلك الطاولة.. 

امسك بأحدى السكاكين متوسطة الحجم ومرر اصبعه في تعامد عليه ليتأكد هل هو حاد أم لا وعندما تأكد صاح بالإيطالية للرجال بالخارج:

- احتاج بعض المساعدة! 

آتى ثلاث رجال ليشير لها إلي الطاولة الكبيرة ففهموا وفكوا قيد الرجل ليذهبوا به نحو الطاولة ثم قيدوا اربع اطرافه بها حيث اصبحت رأسه نحو النافذة وقدماه في اتجاه الغرفة، ووقفوا ثلاثتهم بعيدًا عنه بينما توجه "شهاب" نحوه وخلع سترته وكذلك السترة الواقية اسفلها الذي كان لا يزال يرتديها ثم اشار إلي واحدًا من الرجال ليبعدوا ملابسه التي خلعها ليُصبح عاري الصدر وظل الرجل ينظر إليه بكراهية واحتقار في امتعاض قالبًا شفتاه في اشمئزاز.. 

من جديد سأله في هدوء لاذع:

- من أرسلكم؟!

ابتسم له من جديد في سخرية ثم بصق بوجهه ليجفف اثار البُصاق وأومأ في تفهم ليخبره في هدوء مرة ثانية:

- اتمنى أن من أرسلك قد أخبرك عني.. ليوناردو بينسوليو يسألك مرتان.. يعذب مرتان.. ولا أسأل مرة ثالثة وفي ثالث مرة اعذبك بها يكون موتك! 

اتجه نحوه بالسكين ليحدث جروحًا ليست غائرة للغاية على طول ذراعي الرجل بمنتهى التأني والإستمتاع الشديد بينما آن الرجل وزمجر في محاولة لتحمل الآلم الشديد الذي يحدث له! 

لم يكتفِ بذلك ليحث جرحًا من أسفل حنجرته انتهى اسفل معدته بقليل وتعالت زمجرات الرجل ولكن هذا لم يرأف به أبدًا ليحدث جرحان على طول ساقاه كذلك واصبحت ملابسه ممزقة من مرور السكين الحاد عليها ومختلطة بدماء الرجل ليحدثه في برود:

- لقد علمت السؤال.. وعندما تتذكر الإجابة قد يقنعني هذا بأن اتوقف.. 

لهث الرجل وحدثه بحرقة متألمًا:

- لن أخبرك بحرف ايها الوغد.. فلتقتلني وانهي امري!

همهم "شهاب" في تفهم بينما اشار إلي الركن الذي وضع به اسطوانة الغاز واسطوانة لإخماد الحريق ليذهب احدى الرجال وناوله الإسطوانة المُلحقة بالأنبوب ذات الفوهة والآخر تناول مطفأة الحريق ووقفا في استعداد لتعليماته القادمة!!


     


أخذت تسير لترى أنها اصبحت في سجن.. سجن اسوأ من السجن الآخر.. حياتها اصبحت أربعة جدران وبحر امامها عميق ولا شيء سوى ذلك..

أو ربما هناك أشياء أخرى.. كالقتل.. أو إمرأة عاهرة.. أو واقع آليم يجعلها تستيقظ من مصيبة إلي كارثة.. هي لم تتزوج رجل مريض فحسب! لقد تزوجت مريض قاتل لا يملك شفقة ولا رحمة بين طيات قلبه! 

انهمرت المزيد من دموعها وحاولت امرار بعض الهواء لرئيتيها بين تلك الشهقات التي لا تستطيع أن توقفها وهي تنظر إلي السماء التي بدأ نور الفجر في الإنبثاق بها وهي تضرع أن تنتهي من كل ما تمر به ولو حتى بالموت بينما تهادى إلي مسامعها أصوات أنين غريب.. 

لا تعرف من أين يأتي هذا الصوت؟ يظهر مرة ويختفي الأخرى! أهناك أحد يُعذب في هذا المنزل؟ أهو سجن بالفعل كما ظنت؟! 

حاولت تتبع الصوت الذي يتوقف ثم يعود إلي أن اخذتها قدماها نحو تلك النافذة لتتصلب قدماها عندما استمعت إلي صوت "شهاب" وهو يتحدث بهدوء بنبرة غريبة لم تستمع لها أبدًا! 

انخفضت على ركبتيها وهي تحاول أن تنظر إلي ما يحدث في احتراس وحاذرت ألا يراها أحد لتراه يقف أمام رجل مُقيد على طاولة وبعض الدماء تنهمر من جسده وهناك رجلان يوجها ظهرهما للنافذة بينما وقف "شهاب" امام قدمي الرجل وهو يُمسك بفوهة شابهت تلك الفوهة التي استخدمها منذ ساعتان بمنزله وينظر نحو الرجل نظرات مُرعبة بينما وقف رجل آخر بجانب الباب! 

رآته يبتسم في استمتاع شديد وامسك بتلك الفوهة ليُسلطها نحو الرجل لتتوسع عيناها في ذعر مما يفعله وبدأت النيران في التهام جسد الرجل على الطاولة ليصرخ في آلم هائل بينما حالت تلك اللهيب بينها وبينه عبر النافذة لترى ملامحه التي انعكس عليها لون النار تتحول وكأنه مخلوق ليس بآدمي.. لو كان للشيطان وجهًا سيكون وجهه بالتأكيد! 

أطرق برأسه لأحدى الجوانب وهو يرى الرجل يحترق امامه وجسده وملابسه تُلتهم بين ألسنة النار ليتفاقم شعوره باللذة الطاغية والتمعت عيناه في نشوة لم يشعر بها منذ الكثير من الوقت وعندما ظن أن هذا كافيًا أوقف النيران ثم اشار للرجل الممسك بآلة إخماد الحريق لينثر منها على جسد الرجل الذي بات يبكي في شدة مما يحدث له!! 

توسعت ابتسامته حتى ظهرت انيابة في استمتاع هائل بينما حدثه بالإيطالية سائلًا بنبرة مرحة:

- هل تذكرت الإجابة؟! 

أخذ الرجل يصرخ بينما تنهد هو في راحة شديدة ومن ثم اعاد الكرة من جديد بينما لم تفهم هي ما قاله لتُصبح هي كالجماد من الذهول والذعر لما يحدث للرجل على يداه وانعكاس اللهيب على وجهه يجعلها تشعر أنها تتمنى الموت بدلًا من نظرها إليه وأشار بيده للرجل الذي يحمل مطفأة الحريق لينثر على جسده منها ليبكي الرجل في قهر من العذاب الذي بات لا يطاق!! 

ابتسم بمزيد من الإستمتاع وكلمه مرة أخرى بلهجة محذرة ساخرة في نفس الوقت:

- فرصتك الأخيرة.. هيا.. لابد من أنك تذكرت من الذي ارسلك!

صاح الرجل ببكاء مقهورًا من شدة الآلام التي تفتك بجسده:

- هذا من أجل برونو روسو.. ماريو روسو من ارسلني ايها الوغد! 

توسعت ابتسامته في استمتاع وبالرغم من معرفة من أرسله وجه الفوهة نحوه مرة أخرى لتنهض "فيروز" وصرخت به:

- كفاية حرام عليك! 

     

#يُتبع . . .

الفصل 67 يوم الأحد الموافق 7 - 2 - 2021 الساعة التاسعة مساءًا على مدونة رواية وحكاية وسيتم نشر نفس الفصل بعدها بأربعة وعشرين ساعة على الواتباد

ملحوظة : الرواية في حدود 80 فصل..

دمتم بخير