الفصل السابع والثمانون - شهاب قاتم
- الفصل السابع والثمانون -
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
إبليس: هل تعرف أنني أعجب أحيانا لنفاق ابن آدم، وقدرته على مسح ذنوبه في ذقننا نحن، أو ذقن النساء..
يقول الرجل لابنه عندما يكبر: اتلحلح ياولد وصادق فتاة ولا تكن مثل القفل..
ويقول نفس الرجل لابنته: أذبحك لو رأيتك تكلمين أحداً أو تنظرين من الشباك..
يرتكب الرجل ذنوبه فيقول عنه المجتمع انه دبور وجدع، فإذا أخطأت المرأة مرة واحدة وصمها المجتمع واعتبرت ساقطة..
يتزوج الرجل ثم يسمح لنفسه بالحرية المطلقه.. في نفس الوقت الذي يطالب فيه زوجته بالوفاء المطلق..
لم يزل الرجل في المجتمعات المتخلفة يعتبر أن أخطاءه حلال وأخطاء النساء هي الحرام..
(أحمد بهجت)
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
بعد مرور شهر. . .
عقلها يتمزق بالمعنى الحرفي للكلمة.. شتات منذ تلك الليلة التي غادر بها تاركًا اياها أمام كذبة أو حقيقة.. سواء هذا أو ذاك لقد ودعها معانقًا اياها بصدمة لا تزال تحتوي وجدانها بأكمله!
عادت من جديد إلي الطريقة الرسمية.. ربما لم يُجد أنهما اصبحا أصدقاء حتى ولو بعد سنوات.. يملك رأسًا كالفولاذ.. لا يتوانى عن التفكير بها كإمرأة بعد كل ما سببه لها!
ولكن هذا لابد له من نهاية.. لن تعيش بقية حياتها في صراع بسببه.. يكفي إلي الآن أكثر من عشرة سنوات تحاول معه.. لابد وأن تضع نهاية وحدود لتفكيره بها بتلك الطريقة..
تركت عملها بعد أن استطاعت الإستئذان وتوجهت نحو منزله وبداخلها براكين من الغضب، منذ أن استمعت له وتأكدت من حقيقة كلماته إليها وحكمها الشرعي لا تزال دمائها تغلي برأسها وبالكاد حتى تستطيع النوم بتلك الأيام المنصرمة!
صفت السيارة بالخارج ثم توجهت لتطرق الباب وبعد حوالي دقيقتان آتى ليفتح الباب وتلاقت اعينهما لتحمحم وحدثته:
- ممكن ادخل..
لانت شفتاه بإبتسامة بسيطة لم تحمل لا الغضب وفي النفس الوقت لا تحمل السعادة وافسح لها الطريق إلي الداخل لتتوجه بمنتهى الأريحية وبدأت في صنع القهوة لها لتسأله هاتفة به:
- اعملك قهوة معايا؟
تعجب مما تفعله ليتنهد ثم اجابها بهدوء:
- ماشي..
ظلت تدعي الإنشغال بما تصنعه بينما استغرب هو مجيئها وما تفعله وانتظر واقفًا خلفها وانتعشت برأسه بعض الذكريات عندما نهضت وصنعت القهوة بمنزله يومًا ما بعد أن سقطت في النوم فتوجس قليلًا مما سيأتي بعد ذلك الصنيع إلي أن انتهت والتفتت نحوه ممسكة بالكوبان لتسير إلي احدى الكراسي وتبعها هو في صمت وقبل أن يسألها ما الذي آتت من أجله تحدثت هي:
- أنا سألت فعلًا على اللي أنت قولتهولي وأتأكدت وطلع كلامك صح..
عقد حاجباه في تعجب عندما لم يستطع قراءة ملامحها فسألها بنبرة هادئة:
- وقررتي إيه؟
ادعت التعجب لتجيبه سائلة:
- في ايه بالظبط؟
ابتسم بقليل من الغيظ فهو يعلم جيدًا أنها ليست بهذا الغباء ليقول بتحذير:
- فيروز! ارجوكي متعمليش إنك مش فاهمة أنا اقصد إيه!
ابتسمت بتهكم ولكن دون مبالغة لترمقه بمقلتين متوسعتين للحظات ونظرات الخزي تنهمر منهما لتتناول نفسًا مطولًا فأوشك على التأكد من أن التالي سيكون رفضًا موجعًا واشتدت عقدة حاجباه لتتكلم قائلة:
- بص يا شهاب.. أنا الورق اللي معايا بإسمك اللي الكل يعرفك بيه هنا بيقول إنك طليقي وأبو البنت، ولو على مصر.. ده لو روحنا يعني في يوم من الأيام وحصل والناس اكتشفت إني عايشة وأنت مطلوب في قضايا كتير صدقني محامي لسه متخرج جديد هيعرف يجيبلي ورقة بطلاقي منك.. مفيش رجوع!!
نطقت كلمتيها الآخيرتان مشددة النطق على جميع حروفهما ثم ارتشفت من قهوتها بمنتهى البرود ليشعر هو بالغضب من طريقتها التي استفزته كثيرًا وحاول أن يسيطر على غضبه ليمرر أصابعه بشعره وهز رأسه بالتفهم وتريث قليلًا لتبدأ هي ملاحظة كثرة تحرك جسده التي تعتادها عند توتره ليسألها بإقتضاب:
- ليه؟!
بالرغم من السخرية والغضب، التهكم والصراخ، الكلمات المؤلمة التي تجعله قد يود قتل نفسه آلاف المرات.. كبحت كل هذا بداخل رأسها وحاولت أن تُسكت من تلك الأصوات لتزجرها بعنف وتمالكت صوت هادئ بين صخب آلامها لتجيبه مستفهمة:
- معلش.. نرجع كده لحوالي شهر فات، كان إيه ردي أول ما أنت قولتلي إننا لسه متجوزين؟
حاولت الحفاظ على هدوئها وهذا ما نجحت به إلي الآن وسرعان ما أضافت:
- وأرجوك ركز لأن أنت مبتنساش حاجة يا شهاب!
حدقها بأعين التمع بها الغضب من كثرة سيطرتها على مشاعرها أمامه فهذا لم يكن يتوقعه، كان ينتظر صراخها، بكائها، أو أي ردة فعل سوى تلك الطريقة الهادئة التي تتحدث بها فرطب شفتاه ليهمس مجيبًا وعينيه لا تتركان خاصتها:
- قولتيلي دفعتله كام!
أومأت له في تفهم ثم سألته:
- وده كده ميُعتبرش مؤشر لأي حاجة؟
زفر بضيق محاولًا أن يتمالك نفسه فهو لا يريد الغضب أمامها ليتحدث سائلًا بنفاذ صبر:
- وإيه آخر الألغاز اللي بتتكلمي بيها؟
تفقدته مليًا وحاولت السيطرة على رغبتها المُلحة بالصراخ به ثم اجابته بهدوء:
- اعتبر إن ده مؤشر لحياتنا إذا رجعنا لبعض.. شك، انعدام ثقة، مفيش أمان.. أنا من جوايا مش واثقة غير في إنك فعلًا بتحب كاميليا، بقيت شاطر في شغلك الجديد وبتابعه كويس وما شاء الله نجحت فيه، بطلت مبالغة في شياكتك الـ over، إنسان محترم وكويس وصاحب عزيز وغالي أوي عليا، إنسان واعي وبيحاول يكمل علاجه..
توقفت وعينيها لا تغادر داكنتيه لتبتسم بمرارة وأردفت بحسرة:
- الحاجات الكويسة دي أم بنتك اللي شايفاها فيك.. إنما فيروز اللي كنت هتموتها في مصر من أكتر من عشر سنين، دي ماتت يومها.. مبقتش موجودة.. الست اللي حاولت تحبك وحاولت تعالج وصدقتك كل مرة كنت بتقول إنك هتتغير فيها ماتت خلاص.. ابقى ادعيلها بالرحمة!
تنهدت وأشاحت بوجهها بعيدًا عن ملامحه وتركت ما تبقى من قهوتها على احدى الطاولات أمامها ثم همست له:
- احنا مفيش ما بيننا رجوع، وأنت راجل غريب عني وأنا مش شايفاك غير طليقي وأبو بنتي.. وعلشان كرامتك واحترامي ليك ومعزتك وغلاوتك عندي ومش هننسى طبعًا إنك اتغيرت وبقيت بتحترمني وبتقدرني.. طلقني.. برضاك.. من غير عصبية ولا ضرب وحرق.. علشان ميبقاش الطلاق المرادي باطل..
سواء طلاقك كنت قاصده ولا مش قاصده، وقع ولا موقعش.. عصبية ولا من غير هتطلقني تاني ومش هاقبل أي معاملة ما بيننا غير لما تطلقني واسمعها منك تاني وأنت مدرك للي بتعمله.. أنا استحالة أقبل أكون على ذمتك حتى ولو قدام ربنا وحتى لو متجوزتش تاني طول حياتي..
نهضت لتغادره بعد أن قالت تلك الكلمات التي حاولت أن تنتقيها بعناية، ربما تحمل بعض التهديد في طياتها ولكن هذا كل ما استطاعت أن تصوغه بشكل لا يسبب آلمًا لأي منهما أكثر من ذلك وقبل أن تخطو خطوة واحدة وجدته يُمسك بمعصم يدها موقفًا اياها لتكون أول مرة يلمسها بها منذ أكثر من ثماني سنوات فتشنج جسدها وحدجته بنظرة جعلته ينصهر آلمًا ولم تكن نظرة فحسب، بل تبعها صراخ شديد منها بمنتهى الفزع:
- سيبني واياك تلمسني تاني..
رمقها بغضب يحاول أن يكتمه صاحب آلمه هو الآخر ثم صرخ بها:
- ليه.. ليه بتعملي كل ده.. محتاجاني اتغير تاني في ايه؟
صرخت به من جديد بنبرة مرتعدة مليئة بالغضب والرفض:
- شهاب سيبني.. مش عايزة الموضوع يتطور أكتر من إني اقولهالك بالكلام ونرجع لزمان نمد ايدينا على بعض..
تعالت انفاسها في ذعر من لمسته على يدها وكل ما شعرت به هو تجدد ما فعله بها منذ سنوات وهو يكبلها ويصرخ بأذنها مُجبرًا اياها على تحمل عذابه لتتخبط اسنانها لا تدري خوفًا وآلمًا أم غضبًا ليجد جسدها يرتعش بين يده فترك يدها وهو يقول بتصميم:
- مش هتخرجي من هنا غير لما نتكلم في كل حاجة.. كل حاجة مأجلين نتكلم فيها من سنين!
حاولت أن تهدئ من أنفاسها بعد أن تخلصت من تلمسه لها وجاهدت بينها وبين نفسها أن تُسيطر على شعور الخوف الذي انتابها بعد ما فعله بمجرد لمسة واحدة ايقظت تلك الليلة بأكملها في عقلها لتشعر وكأن ما حدث قد حدث أمس وليس من أكثر من ثماني سنوات لتستمع لصوته هادرًا بغضب موقظًا اياها من معاناتها على معاناة أخرى تمامًا:
- اعمل ايه تاني.. أنا بحاول اثبت إني كويس على قد ما اقدر.. بوافقك على كل حاجة ما بيننا بتختاريها.. كل ده، سنة فاكرك ميتة واربع سنين في المصحة ومن ساعة ما خرجت.. كل ده ميثبتش إن شهاب اتغير.. أنا غصب عني لو اي راجل في مكاني وشاف اللي شافه هيصدق إن مراته بتخونه!
نظرت له بملامح مرتجفة شارفت على البكاء، هذا ما لم تكن تريده أبدًا، أن يتحول الأمر من مجرد نقاش إلي هذه الحالة من النزاع والتنازل بأشياء لن تُفيد أيًا منهما لتهمس بين دموع خانتها وانهمرت أمامه:
- دي المُشكلة، إنك مصمم يبقى فيه ما بيننا علاقة ست وراجل وحب.. وضحتلك مليون مرة إن التغيير بيكون علشان الإنسان، علشانك وعلشان حياتك في المقام الأول.. وبعدين علشان البنت اللي ملهاش أي ذنب تطلع بين أب مجرم وأم كانت هبلة وغبية واختارت اختيار غلط بسبب حبها لأبوها..
أنا مطالبتكش من يوم اللي حصل ما حصل إنك تتغير علشاني ولا تثبتلي اكتر من إنك أب يُعتمد عليه! ولو أنا غلطانة وأنت اللي معملتش حاجة غلط ولو أن اللي أروى عملته كان بسبب عمايلك فيها فأظن اخدت جزائي واتحرمت من كل حياتي وكل الناس اللي بحبهم!
أطبق أسنانه في غضب من كلماتها ليصرخ بها:
- ليه مش قابلاني بعد كل ده.. اعمل ايه تاني.. توبت وندمت واتعالجت وبقيت كويس و..
صرخت به مُقاطعة اياه بقهر مزقها وانعكس على كل كلمة نطقت بها:
- علشان مثبتليش أي حاجة حلوة ما بيننا غير البنت.. أنت مكونتش الراجل الطيب الحنين اللي بيقدرني وفجأة فهم إني كنت بخونه، لأ أنت معملتليش أي حاجة كويسة غير شوية كلام.. هتغير وهابقى كويس ونحاول واديني فرصة وأنا سامحتك وقبلتك بدل المرة مليون مرة!
ارتجفت ملامحها وهي تبكي بآسى لترمقه ولم تعد تتملك أدنى سيطرة على كلماتها لتقول بنبرة مهتزة:
- ارجع لزمان.. زمان اوي اوي.. كام مرة كدبت عليا؟ كام مرة قولت إنك هتتغير؟ كام مرة قولتلي إن دي آخر مرة؟ هتقولي إن الظروف هي اللي خلتك تعمل كده؟ هتقولي إنك كنت إنسان مُغيب ومش فاهم إنك بتعمل إيه زي ما طلقتني؟
جففت دموعها بعنف حتى ظنت أنها جرحت وجهها من شدة احتكاك اصابعها به لتهمس بصوت امتلئ بالنفور والكراهية:
- الست يوم ما جوزها بيغلط فيها غصب عنه زي ما بتقول بيبقى سايبلها موقف حلو تتسند عليه، ذكريات جميلة تفتكرها وتسامح، موقف رجولي محترم تقول معلش ده ياما وقف جنبي.. إنما أنت سيبتلي ايه غير البنت اللي كنت بتمناها من ربنا؟ طيب لو قولنا إن كاميليا احلى حاجة في الدنيا، وإنك فعلًا ابوها، فاكر حِملت في كاميليا امتى؟ وأنت بتغتصبني.. وأنت بتحرقني وبتشوهني.. وأنت بتطلقني وفاكرني خاينة!!
رمقته بمزيد من الآلم والقهر وشهقاتها دفعت جسدها بكامله للإرتجاف لتقول بمرارة:
- هددتني.. خطفتني.. كنت بتعمل الغلط وأنا بعدي وبسامح.. هددتني تاني بأهلي.. حتى من أول لحظة جمعتنا كراجل وست واتنين متجوزين بمنتهى الخبث والذكاء اجبرتني على الإغتصاب مع إنك في أوقات تانية كنت بتبقى طبيعي جدًا وبتقدر تتحكم في نفسك.. فاكر إيطاليا؟ فاكر كل اللي حصل هناك وأنا في بيت واحد أنا وأنت وواحدة ست معندهاش أي مشكلة تقرب منك بمنتهى القذارة وهي قالعة هدومها؟
أومأت بالرفض وهو ينظر إليها بندمٍ شديد فهو لا يستطيع أن يقول أنها كاذبة ولكنها من دفعته لفعل الكثير من الأشياء وقتها التي كان ربما لو تصرف تصرُف آخر لما وصلت بهما الحال إلي هذه الطريق المسدودة وقبل أن يتحدث آتاه الإجابة على ما يُفكر به:
- لو كنت عنيدة واخترت من الأول اختيار غلط ودخلت في حياتك بدون أي طلب منك فأنا اتحملت للآخر.. لو أنا اللي بوظتلك حياتك فأنا اديتك بداية تانية وحياة احسن مليون مرة من اللي كنت عايشها.. حاولت كتير إن اكون جنبك واكون ست كويسة معاك بس إنك تصدق إني خاينة؟ إنك تعذبني بالمنظر ده وعايزنا نرجع؟
ابتسمت بسخرية شديدة بين كلماتها ودموعها لا تتوقف وتهكمت متابعة:
- جاي تقولي إنك اتعصبت ومكونتش عارف إنك بتطلقني.. بقى شهاب الذكي مكنش فاهم هو بيعمل ايه؟ مكنش حاسس ولا مُدرك هو بيقول ايه؟ روح إسأل الشيخ ولا إمام المسجد تاني.. أنت قولتلي بالحرف مش ده اللي انتي كنتي عايزاه، مش قبل ما اعذبك انتي طالق.. فاكر؟ بعد ما قطعتلي جسمي بالسكاكين، وبعد ما حرقتني وبعد ما اغتصبتني بمنتهى القسوة.. طيب عندك فكرة عن وجعي ساعتها؟
بكت من جديد وتعالى صوت نحيبها ليجد نفسه هو الآخر يبكي بشدة من ملامحها أمامه لتهمس بآلم:
- عندك فكرة عن جسمي اللي أول مرة ابصله في المراية كان بعد ما ولدت البنت لا كان يحصلي صدمة ويجيلي اجهاض.. أنا مقدرتش ابص لجسمي في المراية غير تلت مرات.. تمن سنين بحالهم وأنا جبانة ومرعوبة وكل ما ابص لنفسي بيبقى مبرر إني مديلكش ثقتي.. حتى من ناحية البنت..
حاولت تناول بعض الهواء وهي لم تعد قادرة على التنفس بين بُكائها لتقول متسائلة:
- لو الطلاق ده وكل اللي أنت عملته مكنتش واعي ليه وكان من كتر عصبيتك وصدمتك.. كنت هتعمل فيا ايه؟
نظر لها بملامح مرتجفة وهو يحدقها بآلم نادمًا على كل ما فعله لتصرخ هي به:
- جاوب على سؤالي واياك تكدب.. اياك.. كفياك كدب عليا بقى..
تنهد بصعوبة بين بُكائه وهو ينظر لها وأومأ بالإنكار متوسلًا اياها ألا يفعل لتصيح به ببكاء:
- انطق وجاوب عليا، لو كنت واعي للي حصل وأنا كنت خاينة فعلًا كنت هتعمل فيا ايه؟
أومأ بالرفض مرة ثانية ثم توسلها بهمس:
- بلاش اجاوب على السؤال ده..
ارتجفت ملامحه والدموع لا تتوقف عن التساقط من عينيه بينما هي الأخرى شعرت بالقهر لتصرخ بين نحيبها:
- انطق وجاوبني.. لو كنت واعي ساعتها للي بتعمله كنت عملت ايه؟
لتقتله لو تريد ولكنه لن يجاوب على سؤالها واكتفى بهز رأسه بالإنكار وبكى في صمت شديد ولم يتخلل صمتهما سوى اصواتهما الباكية لتصرخ به من جديد:
- بعاملك بمنتهى الصراحة، رميت نفسي في علاقة مع واحد زيك وأنا بحاول معاك، ومجرد سؤال مش قادر تجاوبني عليه، وأنا بعد كل السنين دي لسه بحاول احافظ يكون ما بيني وبينك علاقة محترمة.. كان المفروض ارميك في السجن بإيديا.. كان زماني مرتاحة من كل اللي بيحصل ده!
شعر بالذل الشديد وهو يبكي أمامها فكل ما تقوله وما مر بينهما يُدرك جيدًا أنه لم يترك لها سوى الآلم لتعود صارخة به من جديد وملامحها أخذت شكلًا لأول مرة يراها به فقد بدت في حالة جنون تامة:
- لو مجاوبتش على سؤالي تاني أنا هنزل مصر حالًا وهاخد البنت وعمرك لا هتشوفني ولا تشوفها تاني.. مكنتش اظن إني اوصل للمرحلة القذرة دي ما بيننا والوي دراعك.. بس انت مسبتليش حل تاني.. كنت هتعمل فيا ايه لو كنت خاينة فعلًا وأنت واعي ومُدرك للي بتقوله؟ علشان عارفة إن كدبك ملهوش نهاية أنا لو طلعت برا البيت ده من غير ما أعرف الحقيقة صدقني مش هتشوفني لا أنا ولا كاميليا تاني..
رمقته في غضب شديد وحزن منها على ما آل إليه الحديث بينهما ثم همست له:
- أنت كنت ماشي ليلتها من البيت وأنت ناوي تطلقني.. قولتلي إنك هتسيبني وتطلقني لو ده اللي أنا عايزاه.. جاي دلوقتي بتكدب كدبة جديدة بإني لسه مراتك مش كده؟ لو مش واعي كنت عملت ايه؟ انطق رد عليا! لو كنت فعلًا فاهم بتعمل ايه كنت هتتصرف ازاي؟
تحول همسها الذي بدأت به لصراخ شديد بينما أشاح بنظره نحو الأرضية في خزي ولم يستطع النظر بعينيها ثم همس بين بكائه المرير وجسده بأكمله يرتجف:
- لو كنت أتأكدت من خيانتك كنت اخدتك برا مصر واحبسك في مكان.. كنت استحالة المسك تاني.. هاحرقك واستنى لما تتعالجي واحرقك تاني.. كتير.. على سنين.. كنت هاشيلك الرحم علشان تتحرمي من الولاد طول عمرك زي ما كنتي مش عايزة حمل يحصل واحنا في المانيا..
اجبرك تنامي مع رجالة تانيين غصب عنك زي ما خونتيني و.. و.. حيوانات كمان.. مكنتش هموتك غير لما تموتي حتى لو بعد خمسين سنة!
وفي وسط كل ده كنت هاطلقك علشان اديكي أمل إني اسيبك وبعدين أكمل تعذيب فيكي! أنا يومها محستش بنفسي.. كنت استحالة اتصرف التصرف ده.. بس أنا بحبك وعمري ما كنت اتصور نفسي بعمل اللي بعمله.. علشان كده مشوفتش يومها قدامي ومكونتش عارف أنا بعمل ايه! أنا ممكن استحمل اي حاجة غير إن الست تخونني زي ما عشت سنين وأنا فاكر إن أمي ست خاينة!
شُل جسدها وهي تنظر له في دهشة مصدومة مما استمعت له ليزداد نحيبها دون أن تشعر ومزقها الآلم بعنفٍ لتتأكد أن ما حدث لها كان أقل بكثير مما قد يفعله وهو واعيًا لتصرفاته لتحاول أن تبتلع وجاهدت أن تمرر بعض الهواء لرئيتيها لتجده ينهض باكيًا بصعوبة بسبب قدمه واقترب منها ليهمس:
- قولتلك بلاش اجاوب.. انتي اللي صممتي.. أنا آسف.. والله العظيم هاقبل كل حاجة تقولي عليها.. بس سامحيني.. سامحيني أنا بجد مبقتش زي زمان! كل حاجة اتغيرت.. أنا حتى هاطلقك لو عايزة بس متبعديش عني.. بعد ما نحاول آخر مرة مع بعض.. هتلاقي كل حاجة اختلفت واتغيرت!
نظرت له بعبرات تُذرف من بين جفنيها بلا توقف وأخذت خطوة للوراء مبتعدة عنه وهي تخلع كنزتها عنها في عنف كي تُريه فقط جُزءًا صغيرًا مما فعله ليتوقف هو مأخوذًا بالصدمة مما تفعله وقبل أن يجد سببًا مناسبًا وجدها تلتفت بجسدها المشوه أمامه ليستمع لصراخها الذي قارب على تمزيق حنجرتها بآلم:
- ازاي اسيبك تقرب مني تاني وأنت اللي عامل فيا كده؟ ازاي ده هيتغير.. ازاي ده هيختلف؟ حتى لو مكونتش طلقتني ولسه على ذمتك.. ازاي أقبلك تاني في حياتي كراجل وزوج وحبيب؟ أنا بقيت بترعب لو موجود معايا لواحدي.. أنا مش قادرة اسامح.. مش قادرة انسى..
نظرت له في غلٍ سيطر عليه قهرها الشديد وهمست بمرارة:
- كل حاجة بتتكرر، زمان ابتدينا كأصحاب وبعدها معالجة وبعدها حب وجواز بعد ما اقنعتني انك بتتغير.. بتمشي تاني بنفس الطريقة بس على فترات ابعد.. بتثبتلي إن التمن سنين اللي فاتوا غيروك ولكن هتفضل زي ما أنت لدرجة إني حاسة إن كلامنا هو هو من عشر سنين ولا حاجة فيه اتغيرت بنفس الدموع والمحايلة والطريقة.. حقيقي يا ريتني ما عرفتك في يوم ولا صدقتك!
التفتت ولم تستطع أن تواجهه وهي ترتدي سترتها مرة أخرى وابتعدت عن مرمى بصره بينما جلس هو باكيًا على الكرسي خلفه بعد عدم مقدرته على تحمل ذلك المنظر وهو يحاول استيعاب كيف فعل بها ذلك وكيف تحملت هي؟ بل وكيف تلفظ بما نطق به منذ لحظات؟!
لم يعد بمقدوره إصلاح شيئًا، واليأس كان سبيله الوحيد بأن يظل دونها لما تبقى من حياته، ما رآه وما دار بينهما كان النهاية الوحيدة لكلاهما، لن يكون هناك المزيد من المحاولات!
خلال بعض الدقائق التالية حاول كلًا منهما التحامل على آلامه والتغلب عليها ولم يستطع أي منهما مواجهة الآخر بسهولة ليتجرع كلًا منهما تلك الكلمات اللاذعة التي نطقا بها لتأتي هي بعد مُدة وهمست دون أن تنظر له:
- لو فعلًا بينك وبين نفسك وقدام ربنا مكونتش واعي أنت بتقول ايه ومُدرك لكلامك فأنا لسه على ذمتك.. اعتبرني بقى ميتة.. اعتبرني خاينة وصدق اللي تحبه واللي تتصوره.. اعتبرني غلطانة من البداية واني السبب في كل حاجة.. بس عمري ما هارجع اتعامل معاك ولا ابص في وشك غير بعد ما تطلقني.. أنا ماشية ولما تحب تشوف كامي الواتساب موجود!
أخذت خطواتها متجهة نحو باب منزله كي تغادر ليهتف بحرقة باكيًا:
- هطلقك.. هاعمل اللي انتي عايزاه.. بس فيه طلب واحد!
التفتت له وقبل أن تصرخ به تلاقت اعينهما ليُخبرها في توسل:
- تعملي عملية تجميل وتخلصي من كل التشويه ده.. ده أنا عملته فيكي وحقك إنك تعيشي زي باقي الناس من غير التشويه ده.. لأي سبب يحصل وكاميليا جت تواجهك أو شافت جسمك.. مش هتقدري تفضلي لابسة هدوم تغطي جسمك كله!
تواترت الدموع من عينيها ليقترب هو منها مُتابعًا في ترجي:
- أنا هاخد البنت، كأنها قاعدة معايا يومين.. تاخدي اجازة وتعملي العمليات.. ساعتها هطلقك! ارجوكي وافقي.. وبمجرد ما تخلصي العمليات هطلقك، قبل حتى ما تطلعي من المستشفى!
نظرت له بكراهية ممتزجة بالآلم قهرًا ثم همست به:
- عايز ترتاح مش كده.. عايزني ابقى طبيعية تاني.. ده هيريحك.. صدقني إني فيه جوايا حتة اتبسطت لما شوفتك وبصيت في وشك وأنت موجوع بسبب اللي عملته فيا زي ما اكون شمتانة فيك.. أيًا كانت خطتك المرادي فأنا كل اللي بفكر فيه هو أؤذيك ازاي بمجرد ما بتحاول معايا.. لو فاكر إن ده هيرجعني ليك يبقى أنت بتؤذي نفسك قبل ما تفتكر إن رجوعنا هيريحك!
أومأ لها بإنكار ورد بصوتٍ متحشرج بالبُكاء:
- أنا عمري ما هرتاح بعد اللي شوفته، وخلاص مبقاش فيه خطط.. بس مش ذنبك تعيشي بالمنظر ده بسبب واحد مريض زيي! أرجوكي وافقي، ده آخر طلب هطلبه منك.. مش بتشرط عليكي بس أظن من حقك تعيشي من غير التشوهات دي! والبنت ملهاش ذنب في يوم تشوفك كده.. لو فعلًا عايزاني اتحمل مسئولية سيبيني اتحمل مسئولية الموضوع ده..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
بعد مرور اربعة أشهر. . .
اقتربت في خوفٍ شديد من ذلك الحمام المُلحق بغرفة المشفى الذي أجرت بها أكمل عمليات التجميل اللازمة بتلك الجلسات التي ظنت أنها لن تنتهي أبدًا بين أشعة ليزر وزراعة جلد ببعض المناطق نهاية بتوحيد لون بشرتها والعديد من المصطلحات الطبية التي كانت لا تفهمها حقًا وكانت في غنى عنها! ولكنه لم يتوقف عن أن يُحدثها في الأمر حتى بات الإستسلام لما يُريده حلها الوحيد معه!
كانت كثيرًا ما تحاول الهروب من أسئلة ابنتها إلي أين هي ذاهبة ولماذا باتت تسمح لها بالمكوث مع والدها كثيرًا ولماذا لم تحضر إلي العمل ولكنها كان عليها فعلها، ربما من أجل ابنتها، قد يكون من أجل طلاقها هذا لو صدق فيما اخبرها به، وجزءًا ضئيلًا من أجل نفسها.. هي لم تغفل عن أخذ الصور واللقطات العديدة حتى تُذكر نفسها أنهما لا يُمكنهما العودة!
لن تنكر أن منذ مواجهتهما الأخيرة شعرت بالراحة، بل الكثير منها وكأنها كلما حدثته هو عن الأمر ورآته يتألم مثل ما تألمت هي لسنواتٍ وحدها بتلك الملامح والذكريات المريرة شعرت بأن الآلم بات تحمله أسهل، أو ربما لأنه الوحيد الذي يعرف من هي ويعرف حقيقة الأمر بأكمله، لا تعرف ولكنها منذ ذلك اليوم وهي أفضل..
غريب أنه الجاني وبمجرد عدة كلمات معه تشعر أنها أفضل، لا تريد أن تؤذيه بكلماتها، لا تريد أن يعيدا فتح تلك الجروح التي قضت على حياتهما، ولكن ربما لأن مصيرهما واحدًا الآن تشعر بمثل تلك الراحة..
انتهت من خلع ملابسها ثم التفتت لترمق ظهرها الذي تغير كثيرًا لتشعر بإرتجافة شديدة تسري بجسدها، ورغمًا عنها تساقطت عبرات شعرت بأنها تُريحها أكثر.. أخيرًا وبعد كل تلك السنوات تشعر وكأنها هي نفسها.. المرأة التي كانت تعرفها يومًا ما.. ربما بشعر أقصر قليلًا ولكنها قد تداوم على ألا تقصره بعد الآن!
أخذت تتحرك وهي تتفقد نفسها مرارًا وتحدق بتفاصيل جسدها ولم تستطع أن تمنع تلك الدموع التي قد تُطلق عليها دموع فرحة.. نوعًا ما بعد تلك اللحظة شعرت بالمزيد من الراحة، لا تدري هل لتيقنها أن تلك العلامات التي لازمت صورتها المؤلمة مُخيلتها عن نفسها قاربت على الإضمحلال أم لأنها رآت انعكاسها في المرآة الذي يبدو مألوفًا..
جففت دموعها وآتى على ذكرها آمر زواجهما الذي لم يُبت به إلي الآن، لا تدري إلي متى سيظل يماطل في هذا الأمر، أم لديه أملًا؟ أم أرادت هي من يدفعها ويُجبرها على إزالة تلك التشوهات فوافقت وراقها الأمر؟
شعرت بالحاجة الشديدة إلي "هبة" لتتساقط احدى دموعها قهرًا، فبالرغم من إمتلاكها أصدقاءًا الآن ولكن لا يوجد أي منهم يعرف الأمر بأكمله، لو كانت هي معها لكان الأمر أيسر بكثير، تريد البوح لأحد عن كل ما يؤلمها، يستمع إليها فقط عن كيف تحملت تلك السنوات وهذا التشويه ولكنها لن تستطيع!
طرق الباب الخارجي للغرفة التي تُبدل بها ملابسها لتجفف وجهها وحمحمت آخذة سترتها وزمتها عليها وسرعان ما وضعت غطاء رأسها وتوجهت لترى من الطارق لتجده "شهاب" فرمقته في تعجب واستغراب وكان أول ما تسائلت به ملهوفة في قلق:
- أنت.. أنت ازاي هنا، كامي فين؟
اجابها بملامحح لينة ونبرة هادئة دون أن تترك داكنتيه خاصتها:
- عند كايت.. هنروح ناخدها سوا.. ممكن ادخل؟
زفرت بضيق وافسحت له المجال فدخل وأغلق الباب لتتعجب من جديد:
- بتقفل الباب ليه فيه ايه؟
تنهد والتفت لينظر إليها وتفقدها لعدة ثوانٍ وفشلت في قراءة ملامحه ليجيبها:
- أنا عايز اتكلم معاكي شوية!
تنهدت في ارهاق فهذا ليس ما تحتاجه الآن.. لتوها كانت تفكر بالكثير والجدال معه ليس أفضل ما تمنت أن يحدث فقالت بنبرة مُتعبة:
- أرجوك كفاية.. مفيش كلام ما بينا ولا معاملة غير لما تطلـ..
قاطعها قبل أن تُكمل حديثها بإبتسامة حزينة ونظرة لا تُنبأ سوى بالندم ليأتي صوته كالمهزوم:
- مش هاخرج من هنا غير واحنا مطلقين..
شعرت بالإستغراب واستكانت قليلًا بفعل كلماته وقبل أن تتبادر الكلمات التي ستلفظها على لسانها توجه ليجلس وأشار لها:
- اقعدي..
توجهت في هدوء وجلست وسرعان ما حدثها متسائلًا:
- عاملة إيه دلوقتي؟ لسه ناقص جلسات كتير؟
أومأت له بالإنكار واجابته بإقتضاب:
- لأ مش اوي..
هز رأسه متفهمًا وحمحم محاولًا أن يطرد تلك الغصة بحلقه وحاول التحدث بتلقائية:
- يمكن اسلوبي كان مش كويس وانا بحاول اقنعك وبساومك إن الطلاق قصاد العمليات بس أنا معرفش اسلوب تاني..
استمعت لهذا الآلم جليًا بنبرته لترد قائلة:
- لو كنت طلقتني وبعدها اقنعتني كواحد صاحبي وحد قريب ليا ويعرفني كنت وافقت! وصدقني أنا عملت كده علشان كاميليا..
هز رأسه من جديد لينهض وجلس بالقرب منها وهي تتفقده في تأهب وارتجافة فُجائية اندفعت لجسدها لتسأله بإعتراض واضح:
- أنت بتعمل ايه؟
نظر لها مُبتسمًا بإنكسار شابه نبرته وهو يُجيبها:
- متقلقيش.. صدقيني مش هنخرج من هنا غير واحنا مطلقين.. استحمليني الخمس دقايق دول!
رمقته في تحفز وقبل أن تنطق بأحدى اسئلتها بادر هو بالحديث:
- أنا عايز اشكرك، يمكن من غيرك في حياتي مكونتش وصلت للي وصلتله دلوقتي.. بنت وحياة كاملة ونجاح وفرصة تانية، حتى فكرتي فيا وإنك تطلعيلي شهاداتي بالإسم الجديد..
ابتسم بوهن وكادت أن تتكلم ليمنعها:
- أنا فاهم إن ده علشان كامي، وعارف إنك ضحيتي بكل اصحابك وحياتك وكل اللي يعرفوكي.. ده مش سهل على حد زيك! شكرًا يا فيروز..
همس بإسمها لتطاطأ رأسها إلي الأرضية في آلم اجتاحها خاصة وانها للتو كانت تُفكر بوجود "هبة" إلي جانبها وكأنه يعلم ما تمر به لتستمع لتنهيدته التي شابهت اللهيب المستعر وهو يعاود التحدث مرة أخرى:
- أنا غلطت، وغلطي يمكن عمرك ما تسامحيني عليه.. أو نقول غلطاتي الكتيرة.. بس متنكريش إني حبيتك!
رفعت رأسها لتنظر له بعبرات حجبت مُقلتيها عن خاصتيه الباكيتان ليهمس بصعوبة بنبرة مُتحشرجة:
- يمكن طريقتي في حبك غلط، أناني وقاسي وعملت حاجات كتيرة مش كويسة بس أنا وانتي عارفين كويس إن عمري ما حبيت ولا هاحب غيرك.. مش عارف ليه! يمكن علشان انتي اللي عرفتي عني كل حاجة واتعلقت بيكي ولا ايه اللي حصل ساعتها بس أنا حبيتك بجد وعمري ما عرفت الحب غير معاكي..
ابتسم بسخرية محاولًا امرار بعض الهواء إلي رئيتيه وقال بتنهيدة لا تدل سوى عن قهره اللاذع:
- وأنا ضيعت الحب ده! كنت دايمًا بلومك وبرمي الغلط عليكي إنما أنا اللي كنت دايمًا ببقى غلطان!
انهمرت دموعهما في صمت واخفضت من بصرها مرة أخرى ليباغتها بتلمس كف يدها وقبل أن تبادر برفضه ومنعه بصحبة تلك النظرة الملئية بالتحذير قال بإبتسامة حقيقية:
- أنا خايف اكتر منك.. ولا نسيتي إني دلوقتي بقيت عاجز ولو عملت أي حاجة غلط أو أكتر من لمستي لإيدك هتوجع جامد
لم تشعر بالراحة لتلمسه اياها فقالت بتحفز:
- شهاب أرجوك ابعد ايدك عني..
هدأت ابتسامته لأخرى منكسرة ثم همس لها:
- يمكن لو كنت لقيت أم زيك في يوم ما كنتش وصلت للي وصلتله..
تفحصته لوهلة بعد أن استمعت لتلك النبرة الغريبة للغاية منه فهي بعد أكثر من عشر سنوات تستمع لها منه ليرفع يدها بغتة ثم قبلها سريعًا فصاحت به في ارتباك:
- شهاب لو سمحت قولتلك متـ..
قاطعها وهو يُمسك بيدها بين كفيه في قوة وهو يبتسم لها في امتنان:
- شكرًا على كل حاجة!
ربت على يدها بين كفيه وتركها وهو ينظر لها وتساقطت دموعه رغمًا عنه ليهمس شاعرًا بقهر يتملكه وآتى صوته مهزوزًا مغلوبًا على أمره بعد يأس تملك كيانه بأكمله:
- انتي طالق.. برضايا ومن غير عصبية ولا اجبار.. انتي طالق يا فيروز!
استند على عصاه ناهضًا ولم يستطع منع دموعه عن التوقف ليهمس ببكاء:
- اجهزي ومستنيكي برا بدل اوبر..
توجه للخارج وهي مُلازمة للصمت ولا تدري لماذا تبكي هل راحةً لتخلصها من الأمر أم لما نطق به أم أن آلم الأمر مرتين أصعب من تحمله ومواجهته مرة واحدة فقط؟
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
تعجبت من عدم ترك عينيه لها بمرآة السيارة الداخلية وهو يرمقها بطريقة غريبة، ربما خالفت كل المرات التي كان عليها مواجهته بها، هل هذا استعطاف وتوسل من نوعٍ آخر أم ماذا؟!
ولكنها لم تتوقف هي الأخرى عن مقابلة عينيه ولم تفر منها مثل السابق، وجدت نفسها أمام تساؤلات شتى بعقلها، هل هذا لشعورها بالراحة تجاه ازالة تشوهات جسدها أم لحصولها منه على الطلاق، أو لأنه لأول مرة يفعل ما تريده هي بمنتهى الهدوء والتحضر كما فعل منذ قليل؟
تحضر وهدوء!! لقد اجبر نفسه على تلمس يدها وسمح لنفسه بذلك وهو يقبلها.. سيظل دائمًا وأبدًا نفس الرجل الذي لو يعرفه أحدًا مثلها ونظر جيدًا لكل ما يفعله سيرى أنه لا يزال يحمل طباعه بداخله في مكانٍ ما..
تنهدت ثم زمت شفتيها بُسخرية واستسلمت أخيرًا ألا تبادله النظرات، ربما تغير ظاهريًا ولكن سيبقى دائمًا وأبدًا "شهاب الدمنهوري" بكل ما هو عليه!!
عقدت ذراعيها وهي تنظر خارج النافذة في انتظار أن تتلاشى تلك اللحظات التي أوشكت على الإنتهاء وتذكرت ما أخبرها به لتزداد سخريتها بداخلها.. لقد احضر بعض الملابس الجديدة إليها والذريعة هذه المرة أن تراها ابنتهما كبقية النساء..
في السابق التهم ذكرياتها مع زوجها الراحل واليوم يلتهم ذكرياتها كإمرأة قوية استطاعت تحمل سنواتٍ وحدها بمنتهى الشجاعة بعد ما مرت به! سيظل نفس الرجل بنفس التفكير ولن يتغير!
تنهدت وهي تحاول أن تُنهي نفسها عن التفكير به وبأفعاله، جيد أنهما وصلا اليوم لتلك المرحلة من الهدوء وأخيرًا تناسى فكرة العودة سويًا، لقد نالت كل ما أرادته منه وانتهى الأمر..
توقف أمام منزلهما لتترجل من السيارة وعقلها حتى لم يُفسر كلماته التي نطقها لإبنتهما وانتظرت "كاميليا" التي حدثتها قائلة:
- سأودعه وسألحق بكِ..
أومأت بالموافقة ثم أخبرته:
- طابت ليلتك راي..
توجهت ببطأ نحو المنزل وبمجرد ابتعادها قليلًا عانق ابنته من جديد بقوة وهمس لها بتساؤل:
- هل تتذكرين ما عليكِ فعله؟
شعر بإنعكاس إيماءتها على صدره بالموافقة ثم اجابته:
- نعم.. سأعطي لها المغلف بالصباح وهي توصلني إلي المدرسة!
همهم وهو يضمها بشدة وسألها مرة ثانية:
- وماذا أيضًا؟
اجابته لتقول:
- سأكف عن ارتكاب الأخطاء وستحضر لي المزيد من الشوكولا وستتناقش مع والدتي أن تتوقف عن عقابي..
فرق عناقهما ثم تفقد وجهها وابتسم لها وقبل جبهتها قبلة مُطولة ليقول في النهاية:
- شاطرة.. اوعي تديلها الظرف غير الصبح.. اتفقنا؟
أومأت له بالموافقة ثم قبلت وجنته لتخبره:
- ليلة سعيدة..
بادلها الإبتسامة وهو يتملكه رغبة شديدة بالبكاء ولكنه منع نفسه بأعجوبة:
- ليلة سعيدة صغيرتي كامي..
ترجلت من السيارة حاملة حقيبتها وتعجبت والدتها التي كانت تشاهدهما من النافذة وتعجبت أنهما ظلا يتحدثان بشيء ما لتلك اللحظات لتشعر وكأنها ليست مدعوة لأمر ما وهناك سر لا تعلمه!!
ظل ناظرًا نحوها إلي أن دخلت المنزل وأغلقت الباب ثم ظل متفقدًا ذلك البيت الذي يمتلئ بالدفء ولم يجده سوى به ثم أخرج هاتفه وطبع احدى الأرقام التي لن ينساها أبدًا ليأتيه صوتها:
- بربك أيها الوغد أتحتاج تسع سنواتٍ لعينة حتى تحدثني!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .
الفصل القادم بتاريخ 8 أبريل 2021
دمتم بخير