الفصل الثامن والثمانون - شهاب قاتم
- الفصل الثامن والثمانون -
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
و لقد كان رجوعي شيئا مزريًا، ولكن ما العمل؟ ..
لم يبق لديّ ذرة من الكرامة، و حقّ لي أن أقول دون أن يكون في قولي شيئا من المبالغة: أني أقلّ الناس كبرياء..
(كنوت همسون)
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
ظل ناظرًا نحوها إلي أن دخلت المنزل وأغلقت الباب ثم ظل متفقدًا ذلك البيت الذي يمتلئ بالدفء ولم يجده سوى به ثم أخرج هاتفه وطبع احدى الأرقام التي لن ينساها أبدًا ليأتيه صوتها:
- بربك أيها الوغد أتحتاج تسع سنواتٍ لعينة حتى تحدثني!
تعجب من معرفتها له فهذه هي المرة الأولى التي يُحدثها بها، كيف عرفت أنه هو المتصل؟ تنحنح عاقدًا حاجباه ثم سألها متحدثًا بالإيطالية:
- كيف عرفتِ أنه أنا؟
استمع لضحكتها الساخرة بخفوت لتأتيه اجابته بتساؤل منها:
- ابق اصدقائك بالقرب منك وابق اعدائك اقرب.. وأنت بين هذا وذاك.. ألا تظن ذلك؟
ابتسم بتهكم ولا تزال عينيه تنظر نحو المنزل الذي تمكث به كلتاهما بينما سألها مرة أخرى:
- أتحدث بجدية كلوديا، كيف عرفتِ أنه أنا؟
زفرت في إرهاق ثم اجابته:
- بربك ايها الغبي.. منذ أن تلقيت ذلك الإتصال منك منذ سنوات عرفت صاحبه بسهولة، لذا كنت فقط أتابع الأمر من وقت لآخر.. كما أن تخبرني أن اقتل إمرأة ليس من عاداتك.. ما اعرفه عنك ليو أنك تحرق بدماء باردة دون أن تهتز لك شعرة.. لذا انتابني القلق وكان علي التحقيق في الأمر حتى اعرف ما يحدث لك!
همهم بالتفهم ليعاود تعجبه:
- ولماذا لم تحاولي انقاذي مثلًا أو رؤيتي؟
تنهدت وتريثت لفترة قبل أن تجيبه متسائلة:
- أتتذكر آخر لقاء بيننا عزيزي؟
فهم ما تُرمي إليه ليبتسم من جديد هازئًا بينما تابعت هي:
- هذا ما تستحقه لإخراجي من حياتك بهذا الشكل من أجل الخرقاء البريئة.. ربما لو كنت عدت إليك محاولة أن اخرجك من هذا المخزن بالإسكندرية لكنت صنعت بعض الجلبة والضوضاء حولي وليس هذا بقرار حكيم لدون لتوه استولى على عائلة مافيا بأكملها.. كما أنك لم تطالبني بإخراجك من سجنك أو أيًا ما كنت تظن أنك محتجز به!
هز رأسه بالموافقة ليسألها مُكررًا تعجبه من أمر معرفتها بكل ما حدث له:
- انتِ تعرفين الحقيقة إذن، هل كل ذلك من تتبعك لرقم هذا الشرطي الغبي؟
صدحت ضحكتها المميزة واجابته بنبرة ممتلئة بالفخر بنفسها:
- عندما حرقت تلك الغبية صممت على معرفة كل ما حدث، وبمجرد رؤيتها للنيران تحدثت في ثوانٍ وأملك ذلك التسجيل لها إلي الآن، يا لها من عاهرة.. قلبت حياتك رأس على عقب ليو.. ولكن لمَّ لم تخبرني بأن آتي لإنقاذك؟
ابتسم بوهن ليجيبها متنهدًا بسخرية على حاله:
- وقتها لم اشعر بأنني احتاج للإنقاذ.. كان معرفة أن تلك الفتاة الغبية ستموت على يديكِ أكثر ما اراحني وقتها.. أنتِ تعرفين ما الذي يُمثله الإنتقام لي..
مطت شفتاها بإمتعاض ثم سألته:
- والآن، ما سبب هذه المكالمة، معروفًا، انتقامًا لا تقدر عليه، أم ماذا راي؟! أيها الأب فاقد الساق المُطلق!
توسعت ابتسامته على مناداتها اياه بإسمه الحالي لإدراكه من جديد أنها تعرف عنه كل شيء ليجيبها بنبرة هادئة:
- لا أريد شيئًا كلوديا، فقط أردت أن اطمئن على حالك..
تعجبت من اجابته لتسأله سريعًا:
- هل أنت مصاب بالحمى؟
قهقه بخفوت واجابها:
- لا لست مصابًا بالحمى
ضيقت ما بين حاجبيها وهي تستنشق من سيجارتها ثم سألته:
- هل هو السرطان؟ وبائًا جديدًا؟ هيا أخبرني.. هذ ليس أنت..
لانت شفتاه ورمق المنزل لمرة أخيرة بعد أن لاحظ عدم وجود الأضواء من احدى النوافذ بعد الآن وشرع في القيادة عائدًا لمنزله وأكمل حديثه إليها:
- لست مريضًا بأي شيء.. أنا فقط كنت أريد أن أسألكِ سؤالًا واحدًا.. ما الذي فعلته معكِ حتى يجعلك تعشقيني إلي هذا الحد بالرغم من افعالي التي لا تُغفر معكِ؟
ابتسمت ثم زجرته بنبرة مُحذرة:
- لا تغتر بنفسك ايها العاجز!
اطلق زفرة بخفوت ساخرًا ثم سألها من جديد:
- فقط اجيبي سؤالي، لماذا بكل مرة احتجت لكِ بها لم تخذليني؟ ما الذي دفعك لعشقي ومساعدتي إلي النهاية؟
استمع لتنهيدتها واستغرب من صمتها الذي طال ليأتيه اجابتها بعد مُدة:
- لقد ساعدتني بالكثير من الأشياء ليو، وبالرغم من انني قاتلة وربما اجتمع بي أسوأ خصال الأرض ولكن لدي بعض المبادئ.. لقد آزرتني بل واعطيت لي عائلة بأكملها حتى نهاية حياتي.. أنا وأنت نعرف أنني أكره الوحدة أكثر من أي شيء.. وإضافة على ذلك نحن لا نختار من نعشقه ايها الغبي.. حسنًا أنت لا تريدني وتريد تلك الخرقاء.. ما العمل إذن؟ هذا ليس بسبب كي يجعلنى انسى مواقفك معي بداية من الوهلة الأولى التي رأيتك بها ونهاية بتنصيبي دون على تلك العائلة!
فكر في كلماتها جيدًا، نحن لا نختار من نعشقه، الأمر ليس بيد أحدٍ وإلا كان سيتخلص من عشقه إلي "فيروز" في لمح البصر أو حتى بعد سنوات ولكنه لم يستطع فعلها!
تعجب كذلك لإجابتها ليسألها بتلقائية:
- ولكنك لم تفعلِ المثل مع إل! لماذا فعلتِ هذا معي خلال تلك السنوات؟
ضحكت بسخرية شديدة واجابته:
- ايها الغبي أنا ربما قمت بخيانته مثل ما فعل معي هو.. هو من بدأ.. ولكنني لم اقتله، لم أخنه بالعمل، ولم أتخل عنه أبدًا.. فمثل ما اعطاني حياة بديلة بدلًا من شرودي بشوارع ايطاليا، لقد قمت بإعطائه الكثير من الصفقات الناجحة وعملت معه على أمور العائلة بأكملها مما جعله في نظر كروتشيتا الأفضل على الإطلاق.. أم نسيت دوري بين مستشار وجنود وأكثر من كابو؟! لقد كنت حلقة الوصل لتلك العائلة بأكملها.. وفي النهاية قام بخيانتي.. لذا كان علي رد الصاع!
أدرك أن كلماتها منطقية ليجدها تتابع:
- ولكن بدلًا من خيانته وقعت في عشق وغد غبي مثلك!
تنهدت بعمق لتضيف بفخر:
- ولكن بعد كل تلك السنوات كلوديا دائمًا تربح! أليس كذلك؟
ابتسم على كلماتها وأومأ بالموافقة ليقول بتنهيدة هو الآخر:
- نعم.. دائمًا تربحي كلوديا.. أنتِ تستحقي العائلة بأكملها.. مبارك لكِ
آتاه صوتها المتعجب مرة أخرى:
- أهذا كل ما أردت أن تتحدث بأجله؟ فقط سؤالي عن الذي يدفعني لمساعدتك؟
اجابها بتلقائية وهو يترجل من السيارة:
- لقد اجبتكِ على هذا السؤال.. أردت أن اطمئن عليكِ ليس إلا..
همهمت في عدم تقبل لإجابته ثم قالت دون اكتراث:
- حسنًا، سأحاول أن اصدقك..
توقف يتفقد سماء الليل القاتمة التي شابهت روحه، ربما كان عليه الرحيل عن هذه الدنيا في هدوءٍ وعتمة حالكة كما كانت حياته بأكملها ليقول بإمتنان:
- شكرًا لكِ كلوديا.. طوال حياتي كنت أنتِ الصديقة ولكن وقتها لم أقدر ذلك..
تعجبت من فعلته وكلماته الغريبة لتضيف ببعض المرح:
- ولا تنسى أننا حظينا بممارسات جامحة لن تشاركها لإمرأة أخرى ولم تفعلها!
قهقه بخفوت ليقول:
- وهذا أيضًا.. شكرًا لكِ مرة أخرى..
لم تشعر بالراحة من كلماته لتسأله بنبرة جادة:
- ليو هل أنت بخير حقًا؟ هل هناك أمر لا تخبرني اياه؟
اجابها بإنكار استطاع تلفيقه ببراعة:
- أنا بأفضل حال.. لا تقلقي..
تريث لبرهة ثم أضاف مسرعًا:
- لعلي احتاج معروفًا.. ارسلي لي اعتراف ابنة عمي.. ربما يُفيد يومًا ما..
ضحكت بخبثٍ لتقول:
- عودًا حميدًا أيها الجندي الصالح.. لطالما جمع ليو كل أمرٍ عله يُفيد!! سأرسله لك أيها الوغد..
تناولت نفسًا ثم زفرته لتضيف بنبرة مقترحة:
- أنت الوحيد الذي املكه من الماضي أيها الغبي.. ربما سأذهب للمكسيك الشهر القادم.. هل سأراك حينها؟
ابتسم بوهن وهو يُدرك أنه لم يعد له سوى دقائق بهذه الحياة ليجيبها بإجابة مُحنكة:
- ربما.. سأحاول أن أراكِ..
أضافت بمرح وابتسامة استشعرها من نبرتها:
- أريد أن أرى ابنتك أيضًا..
رفع حاجباه وأومأ بالرفض ونبرة ضاحكة:
- ستقتلنا الخرقاء لو فعلتها!
شاركته ضحكته لتقول:
- هيا.. سيكون وقتًا لطيفًا.. فلتخبرها أنني العمة كارلا.. وهي كاميليا.. لقد كنت احاول أن أُرثي نفسي بأن حرف اسمها الأول مثل حرف اسمي تيمنًا بي..
هدأت ابتسامته ليضيق بإرهاق:
- وهذا قد تقتلني عليه فيروز كذلك..
تنهدت بصحبة صوت وهي تهمهم لتتحدث إليه:
- لقد أرسلت لك اعتراف تلك العاهرة بكل ما فعلته، هيا.. لدي الكثير لأفعله، لا زلت في بداية اليوم.. انتبه على حالك!
ابتسم لها وحدثها بإمتنان:
- شكرًا لكِ كلوديا.. وأنتِ أيضًا اعتنِ بنفسك!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
لم تكن غبية وهي تلاحظ تعلق ابنتها بحقيبتها للغاية، وكذلك تصميمها اليوم على أن تخلد للنوم دون احدى القصص التي تعشقها، لذا كان عليها إدعاء أن الأمر تلقائي وأنها لم تلحظ أي اختلاف يبدر بها بالرغم من أن توديعها لوالدها الليلة زاد عن الحد المعتاد وشعرت أن هناك أمرًا يخفياه عنها..
تنقلت بمنتهى الهدوء إلي غرفتها وتفقدتها مليًا لترى انتظام انفاسهاوهي ترتدي احدى الأثواب التي تكشف من جسدها، ستكون ذريعتها لو استيقظت فجأة بأنها كانت تريدها أن تراها بملابس مثل بقية النساء..
انتشلت بمنتهى الهدوء حقيبتها وأخذتها إلي الخارج وصعدت الدرج متوجهة إلي غرفتها لتغلق الباب خلفها بإحكام ثم بدأت في تفقد حقيبة الظهر الخاصة بها لتجد ظرفًا ورقيًا كُتب عليه "إلي روز"..
بدأت في فتح الظرف الذي كان ثقيلًا نوعًا ما لتتوسع عينيها شيئًا في شيئًا وبدأت الدهشة في الإنفجار على ملامح وجهها بأكمله كلما رآت أن هناك أحدى الأوراق التي تُفيد بأنها الواصية على كل أملاكه ومشاريعه إلي أن تبلغ ابنتهما السن القانوني لتولي الوصاية الكاملة على نفسها..
هناك مبلغًا ضخمًا تركه لها بإحدى الحسابات، وآخر بإسم ابنته، عوائد من تلك المبالغ والحسابات.. وأخيرًا هناك خطابًا منه بخط يده لتبدأ في قرائته:
- لو بتقري الكلام ده يبقى أنا ميت.. مش هقول كلام كتير.. بس أنا مش قادر أعيش من غيرك.. مش عارف أكون الصاحب والأب والراجل الكويس اللي انتي عايزاني أكونه!
انتي مش قادرة تسامحي وترجعيلي وأنا مش قادر ابطل احبك، مكانش قدامي حل تاني.. شكرًا على كل حاجة حاولتي تعمليها، وشكرًا على الفرص اللي انتي اديتهاني.. بس مش هاقدر أعيش باقي حياتي بعذاب إني شايفك ومش عارف أقرب منك ولا قادر اخليكي تحبيني وتقبليني من أول وجديد.. واللي عملته فيكي مستاهلش اتسامح عليه..
أنا وانتي وصلنا لطريق مسدود.. يمكن فعلًا قربنا من بعض يؤذينا ويخلينا أسوأ.. كان لازم واحد فينا يبعد عن علشان التاني يقدر يكمل..
أنتي أم شاطرة.. مفيش حاجة هتفشلي فيها.. ست قوية وهتقدري على كل حاجة ولما حسبتها لقيت إن وجودي زي عدمه.. يمكن اريحك ببعدي ويمكن كاميليا هتزعل شوية.. بس لا انتي محتجاني وهي زي ما عاشت من غيري سنين انتي هتقدري تعوضيها..
يمكن زمان مكونتش افكر في الانتحار وكانت فكرة كلوديا بس أنا وصلت لإن ده الحل الوحيد ليا وليكي..
بحبك..
كانت بالفعل واقفة بمنتصف غرفتها لتتمتم في دهشة:
- هتنتحر يا غبي.. حسبي الله ونعم الوكيل!
سرعان ما توجهت لترتدي أي ملابس وقعت أسفل عينيها وبسرعة تناولت هاتفها وهي تحاول الوصول إلي "كايت" صديقتها وبعد ثالث محاولة آتاها صوتها الناعس:
- ماذا هناك روز؟
حاولت السيطرة على أنفاسها المتسارعة وهي تجمع تلك الأوراق بنفس الظرف من جديد لترد قائلة:
- كايت.. اعتذر عن اتصالي ولكن هل لكِ أن تحضري للمنزل الآن.. على المغادرة لأمرٍ هام وكامي نائمة.. لن استطيع أن اتركها بمفردها أرجوكِ..
تفقدت ساعتها لتغمغم بنعاس ولكنها نهضت جالسة على فراشها:
- بعد منتصف الليل روز! هل جننتِ؟ ألا يُمكنك إرجاء الأمر إلي الصباح؟
توسلتها وهي بالكاد تستطيع تحمل الأمر:
- أرجوكِ كايت.. أنا لا أملك سواكِ ربما لاحقًا استطيع تفسير الأمر!
تنهدت وهي تتوجه لتأخذ سترتها وارتدت احدى الأحذية وامسكت بمفاتيح سيارتها لتقول وهي تغادر منزلها:
- حسنًا.. خمس دقائق وسأصل.. ولكن سأحتاج لتفسير كل ذلك لاحقًا.. وداعًا..
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
ارتجفت أصابعه وهي تتوجه نحو مضاد الإكتئاب الذي قد احضره منذ يومان، لا يزال به الكثير المُتبقي لأخذ حياته بأكملها مرتان.. ولكن هل ستكون هذه نهايته؟!
شعر بالتردد لوهلة، ولكن ما العمل؟ أن يعود ليُصبح عضوًا هامًا بأحدى عائلات المافيا الصقيلية؟ أن يضاجع "كلوديا" من جديد؟ أن يتوسع في عدة مطاعم لا تليق سوى بالصفوة الذي لم يكن منهم ولم ينتسب إليهم يومًا ما بالرغم من كل ما حققه؟
تذكر كلمات المعالج من معاناته من نوبة يأس لا تتوقف عن اجتياحه كلما رفضت هي أن يعودا سويًا، ولكن هل عليه أن ينتظر بجانبها مُدعيًا أنه صديقها الأقرب ووالد ابنتها إلي أن تتزوج رجلٌ غيره؟!
ولكن بما يفعله لن يرى ابنته مرة ثانية.. هل تبدو كنسخة مُصغرة منها، ستكون مثلها يومًا ما.. وقد لا تقبله بحياتها لاحقًا إذا عرفت الحقيقة.. قد يكون جيدًا أن يرحل عن حياتها وهي تُحبه بدلًا من أن تكرهه مستقبلًا وتنظر له بكراهية شديدة عند علمها الحقيقة!
تنهد في تردد وهو يشعر بالخوف بداخله، ارتجفت ملامحه، ازدادت عقدة حاجباه وهو يشعر بالحيرة! كانت فكرة غبية على كل حال بأن يقتل نفسه..
ازداد توتره ليبدأ بالتحرك كثيرًا وحيرته تزداد، ليُذكر نفسه مرة أخرى بأنها لن تكون له، لن تسامحه، لن تتوقف عن التصميم بأنها ليست سوى والدة ابنته، سيتذكرا الماضي وسيؤلمان بعضهما البعض وستصبح الحياة بينهما مُرة لا يقدر أي منهما على تذوق سوى لذاعتها الموجعة..
سكب تلك الأقراص بيده التي لم يحصها حتى ونظر لها بيده ثم تناول هاتفه ليقوم بإرسال اعتراف "أروى" إليها بعد يومًا من الآن وطبع رسالة إليها بها بعض الكلمات القليلة ثم تناول اكمل ما بيده وانهمرت دموعه في صمت على ما وصل إليه.. لم يرد انهاء حياته، حياته التي ظن أنه سيفعل بها الكثير ولكن ربما هذا هو الحل الوحيد الذي تبقى له..
على كلٍ.. أن يُنهي حياته بنفسه أفضل من أن ينظر لعكازه وعجزه وتحركه بصعوبة ورؤيتها أمام عينيه وكل ما بها يُخبره أنهما لن يعودا من جديد ليُصبحا سويًا مرة أخرى!
فليغفر له الله فعلته! أو لا يغفر.. قاتل مثله حتى ولو غفر الله له بالسابق لن يغفر له إرادته في أن يحصل على غفرانها ومسامحتها وعشقها من جديد..
لقد أُرهق من كثرة أحلامه التي لا تتحقق كاملة، وبما أن هذه هي حياته فله الحق في أن يُنهيها.. لا ضرر من ألا تكتمل هي الأخرى..
ربما كانت قاتمة وهذا الفعل الوحيد الذي بدوره سيُبدل هذه القتامة إلي الأبد ويخلصه ويُخلصها من ظلام روحه الأبدي!
تجرع ما بيده دفعة واحدة متناولًا تلك الأقراص التي لم يعي أنها ثماني وعشرون قرصًا ستصيبه بآلم حاد وقد يتعرض لنوبة صرع لا يعلم عنها شيء!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
جلست عاقدة ذراعيها، ترمقه بمنتهى الغضب لساعات، لا يزال لا يغيب عن عينيها جسده الذي يتشنج بمنتهى الصعوبة بعد أن وقع بنبوبة صرع بسبب كثرة الأقراص التي تناولها!
أود إنهاء حياته؟ أهذا ما تستحقه منه بعد كل تلك المحاولات؟ ألهذا الحد لا يكترث سوى لنفسه؟ ستُريه!
لم تتقارب جفونها بلقاءٍ ولو لمرة واحدة وهي تتفقد ملامحه طوال هذا الوقت الذي تخلله مغادرتها لتجهيز ابنتها للمدرسة ثم العودة لتمكث معه مرة أخرى، بداخلها جزءًا من تأنيب الضمير، والكثير من الإنزعاج لطفوليته الشديدة، انتحار لا يُليق سوى بالمراهقين حقًا وليس رجل بمنتصف الأربعينيات من عُمره..
ماذا لو لا تريد العودة إلي بعضهما البعض؟ ألا يُكفيه ابنته؟ عمله وحياته ونظر الجميع له كقدوة؟ عشقها له كصديق ووالد ابنتها ليس إلا؟ ولماذا لا يذهب لأي إمرأة أخرى؟ هي لا تريد أن تحرمه الحياة بأكملها!
تتأكد بداخلها أنهما لو عادا لبعضهما البعض ستؤلمه بدل المرة التي تحدث كل عدة أشهر مرات بشكل شبه يومي.. ستجعله يكره حياته من كثرة ارتيابها وتذكرها للماضي بكل ما به.. هذا الغبي لا يعلم مِقدار الضرر الذي سيقع عليهما لو فقط عادا سويًا مرة أخرى!
تنهدت وهي تُفكر، ما الذي ستفعله أو ستقوله عندما يستيقظ؟ لن تستطيع اعطائه المزيد من الآلام وإلا قد يفعلها مرات أخرى.. يجب عليها أن تُحدثه بحقيقة ما تحمله إليه من مشاعر وتعطيه سببًا في الحياة من جديد.. عليها أن تتذكر "كاميليا" التي قد تظل بهذه الصدمة لسنوات من عمرها..
لوهلة شعرت بالسخرية، أعليه أن يؤلمها مثل ما تألم هو بفقدان والدته في نفس العمر؟ ألم يُفكر بأي أحد سوى نفسه وهو يفعلها ويقدم على إنهاء حياته؟ يا له من غبي قاسٍ حتى يُعرض نفسه ويعرضها هي نفسها لأمر كهذا!!
ظلت تفكر وانتظرت استيقاظه إلي أن فعل وبمجرد إدراكه بما فعله وأين هو الآن رمقته في غضب امتزج بالحزن والخزي من فعلته لينظر لها بملامح مُرهقة مليئة باليأس وقبل أن يبادر بكلمات لن تُفيد سرعان ما توجهت لتنادي احدى الأطباء حتى يطمئنوا من مؤشراته الحيوية وأن الآثار لتلك الأقراص قد زالت أو قد يحتاج المزيد من العناية.. فلقد أصبح كلاهما خبيران في جلسة المشفيات تلك التي تكررت لآلاف المرات!
كالعادة.. انتظار وارتقاب من الأطباء والممرضة كي يقوما بأعمالهم واخبروهما متى الوقت الذي سيُسمح له به بالمغادرة ودون الطبيب احدى الملاحظات ثم توجه للخارج لتجلس من جديد أمامه عاقدة ذراعيها في تحفز وهي تتفقده بمزيد من الغضب الذي تفاقم عند مغادرة الجميع!
تفلت لسانها رغمًا من أنها لم تود قول شيئًا قد يسيء من حالته المرضة الناقمة على الحياة بأكملها ولكن هذه المرة تفلت دون شعورًا منها لما تقوله:
- تاني.. انتحار تاني.. ويا ترى بقى جزء من الخطة المرادي بمساعدة كلوديا، ولا بمساعدة كاميليا ولا ملقتش حل غير الحل المتخلف ده!
ابتلع بجهد واضح ثم تحدث ليقول:
- أنا..
قاطعته دون السماح له بالثرثرة بنفس الكلمات التي اعتادت أن تستمع لها منه:
- أنت إيه!! أنت إنسان أناني.. عايز تحرم بنتك منك.. عايز تحرمني من الإنسان الوحيد اللي في كل البلد دي يعرفني ويعرف حقيقة كل حاجة.. حتى الكلمتين اللي بقولهم في وقت عصبية وبيريحوني عايز تحرمني منهم مش كده؟
رمقته بتعاسة واضحة وخذلان من فعلته وتابعت بحرقة:
- أنا مبقاش ينفع اتعامل مع راجل كزوج وحبيب وحضن.. سامحتك.. ومصحباك.. مش قادرة اعمل اكتر من كده.. بعامل الرجالة بحدود وتلقائية وأنت الوحيد القريب مني.. غير كده مفيش! مش عارفة افكر في حب وجواز تاني.. لا هيكون فيه احسن من ماهر ولا هيبقى فيه أسوأ من عمايلك اللي انت عملتها فيا! خلاص بقى.. جبت أخري.. ايه اللي مش قادر تفهمه؟ ليه مصمم على اللي في دماغك؟
انهمرت دموعها في حُزن وقد ضاق بها ذرعًا كل ما تحاول به لتشعر وكأنها وحيدة تمامًا في هذا الدرب الذي شيدته بمشقة مجهدة لتهتف بحرقة:
- قولتلك يا شهاب إنك الوحيد اللي حبيته، بس كتر الصدمات خلاني قفلت من فكرة الجواز نفسها.. يعني ايه بتحبني.. طب وبعدين؟ بنتك دي متستحقش يكون ليها أب يحبها ويفضل جنبها؟ عايز تحرمها منك بعد ما اتعلقت بيك علشان يجيلها صدمة تفضل تعاني منها سنين وفي نفس السن تقريبًا اللي حصلك فيه صدمتك زمان؟ انت إيه يا أخي بقى.. مش عايز تكبر وتفوق أبدًا؟! مش عايز تتحمل نتيجة اخطائك ولو لمرة واحدة؟
تباعدت شفتاه لتكون احدى الجُمل لتمنعه بشراسة وصاحت به:
- هتقول إيه؟ مش قادر تعيش من غيري؟ بنتك مالهاش أي ذنب في إنسان غلط مليون غلطة.. وأنا ماليش ذنب استحمل بدل المرة مليون! قولتلك في رجوعنا دمار ليا وليك!
جففت دموعها بعنف شديد وتابعت بصوت باكي:
- كفر، جواز كان باطل، اغتصاب اكتر من مرة، عذاب وكدب وانتقام وبهدلة.. هبقى شكاكة قولتلك.. مش هاصدقك.. هخلي حياتنا جحيم.. عارف لو رجعنا لبعض اول يومين هيبقوا كويسين وأنا استحالة اتجرأ واسيبك تلمسني.. تقوم هرموناتك داخلة في الموضوع وخناق منك إني مش عايزاك تقربلي وأنا أشك فيك.. لا مني هاسمحلك تقرب من ست تانية وهقول خاين، ولا مني هاسمحلك تعملها.. كاميليا بقى في وسط كل ده هتطلع شخصية معقدة كارهة الجواز!
إيه الصعب في كل ده إنك تفهمه.. راجل عنده حاجة واربعين سنة، صعب يترجم ده بعقله ويفهمه!
رفع حاجباه بدهشة وتمتم:
- هرموناتي!
توقف عن البكاء وهي ترمقه بغضب متقززة لتصيح به:
- بقى من كل كلامي ممسكتش غير في الكلمة دي! أنت شخص تافه والله وأنا غلطانة إني بقول كل ده.. أنا كنت سيبتك تموت احسن!
عجت عينيها باللوم الشديد له ليتنهد هو ثم همس بإرهاق:
- أنا آسف.. بس ملقتش حل غير ده!
حزنت ملامحها من جديد لتهمس له مُعاتبة اياه:
- مش ممكن يا شهاب.. كل دي سنين علاج ومحاولات وحياتك الحمد لله اخيرًا بقت كويسة بدل ما تتوب لربنا وتتمسك ببنتك وبالبداية الجديدة بعيد عن كل اللي يعرفك والمافيا وكلوديا وكل القرف ده رايح تنتحر! يعني حتى مفرقش معاك إنك هتسبني لواحدي؟
ابتسم بإنكسار ليجيبها بنبرة ساخرة:
- لواحدك ايه؟! ما انتي عندك حياتك واصحابك وكامي وشغلك و..
قاطعته بحرقة ونبرة مقهورة:
- وأنت في وسط كل ده الوحيد اللي يعرفني بجد.. اللي يعرف مين فيروز.. اللي لما بتكلم معاه برتاح.. احسن من أي دكتور وصاحبة وزميل.. يا شهاب بقى اكبر تعبتني والله.. أنا بعد كل اللي حصلي ده فكرت في كاميليا وخلتها الدافع إني اكمل حياتي مع إن واحدة زيي مكنتش نسيت وكنت أنا اللي موت نفسي.. حرام عليك بقى!
زفر بتعب وتفقدها بأعين امتلئت بالدموع ثم همس متسائلًا:
- يعني انتي عايزاني اعمل ايه دلوقتي؟
تفقدته مليًا ثم اجابته بنبرة مُرهقة:
- عايزة ايه!! عايزاك تعيش.. حب كامي.. قرب منها اكتر.. اتجوز حتى لو تحب! لكن متروحش تموت نفسك وتنتحر.. بنتنا بكرة تكبر ويبقالها حياتها، إنما لا أنت ولا أنا لينا غير بعض.. حتى لو اتجوزت، محدش في الدنيا هيعرف كل حاجة عني غيرك.. أنا مش بكرهك يا شهاب! أنت غالي عندي وبعزك ومبسوطة إنك اتغيرت، بس حب كراجل وجواز مش هاقدر.. هنؤذي بعض جامد اوي!
تبادلا النظرات لعدة لحظات لتهمس له بمصداقية:
- أنت باباها.. لما ببصلها مش بفتكر غيرك.. بعد كل محاولاتي إن يبقى عندي طفل الوحيد اللي ربنا جعل نصيبي معاه هو أنت.. مش هاقدر اكرهك.. لكن بمجرد فكرة جوازي أنا وأنت بتفتح في القديم وبرجع افتكر كل حاجة! روح اتجوز واختار إنسانة كويسة بس متموتش نفسك.. روح كبر شغلك.. ربي البنت معايا.. قدامك مليون حاجة تعملها لكن تنتحر وتسيبنا.. مش حل أبدًا!
تنهد كلاهما ليتوقفا عن الحديث بل والنظر لبعضهما البعض ليقول هو في النهاية بسخرية:
- اتجوز! تصدقي اني كلمت كلوديا امبارح ومحستش اي حاجة من ناحيتها! مبقتش اقدر احب غيرك!
اتسعت عينيها في ذعر وصرخت به:
- كلمتها! يخربيتك يا أخي.. أنت بجد اتجننت! أنا غلطانة.. والله غلطانة!
نهضت لتغادر فأوقفها متحدثًا بحزم:
- كلوديا طلعت تعرف عننا كل حاجة.. فضلت مراقبة معاذ لما كلمتها من رقمه وكانت عارفة هو مخبيني فين وكمان عرفت حقيقة اللي حصل من أروى قبل ما تموتها!
التفتت ناظرة له لتتسائل بإستهزاء:
- والمرادي كلمتها ليه، تساعدك في خطة الإنتحار ولا ترجعني ليك ولا تربي كاميليا معاك علشان أنا أم مش كويسة؟
ابتسم متهكمًا على كلماتها ثم اجاب أسئلتها المُستهزءة:
- علشان اعرف ايه اللي خلاها تحبني وتساعدني بعد ما طردتها من اوضتك وانت في المانيا وبعدها ساعدتني ولا كأن فيه حاجة حصلت ما بيننا.. أنا موضوع الحب ده لا فاهمله ولا نافع فيه!
امتعضت ملامحها ورمقته بإشمئزاز وتوجهت لتغادر فأوقفها بنبرة مُرهقة:
- مش هاينفع اقوم اجري وراكي زي زمان.. لا بقى فيا صحة وأظن أنا وانتي كبرنا على الحركات دي!
توقفت لتزفر حانقة وسألته على مضض:
- عايز إيه يا شهاب؟
ابتسم ساخرًا وكأن ما تسأله لو اجاب عليه بمصداقية ستحققه له ليجيبها قائلًا:
- تعالي اقعدي علشان نتكلم..
التفتت رامقة اياه بإرهاق وقالت بنبرة فارقها الصبر منذ سنوات:
- بقالنا اكتر من عشر سنين بنتكلم.. والله تعبت! ناقص تلحد وترجع إيطاليا وتعذبني كمان مرة وكده يبقى كررت حياتنا تاني بحذافيرها!
توجهت لتجلس في يأس على كرسي بالقرب من فراشه وسألته:
- عايز ايه يا شهاب؟
تنهد وهو يتفقدها ثم اجابها متحدثًا حاجتين:
- الحاجة الأولانية.. أنا مش هجاول اننا نرجع لبعض لغاية ما أموت.. لو هموتبكرة هحاول برضو! ومش هاعرف لا اتجوز ولا احب غيرك.. هاعمل كل اللي تقولي عليه حاضر.. بس حتة اني ابطل افكر في الموضوع دي تنسيها!
زفرت بغضب ممزوج بالإجهاد من تلك الكلمات ثم سألته:
- والحاجة التانية؟
ابتسم نصف ابتسامة لم تلمس عينيه واجاب:
- أنا مخلصتش الحاجة الأولانية.. بصي لو اتجوزتي تاني هزعلك.. اعتبريه تهديد بقى ولا اي حاجة بس انتي حرة.. هزعلك وازعله ايا كان هو مين!
رفعت حاجبيها في دهشة وعينيها اتسعت وهي تتفقده ليُكمل مُسرعًا:
- اه هو كده.. هحاول اكون ي ما انتي عايزة بس اني ابطل احبك او احاول معاكي مش هاعرف.. نخليها ايه، مرة كل شهرين؟
هزت رأسها في انكار ونهضت لتغادره بينما اوقفها وهو يقول بإبتسامة صادقة:
- معلش مكونتش اعرف انك هتعيطي علشاني وهافرق معاكي.. أنا كنت فاكر إنك اكتر واحدة هترتاح لما اموت نفسي..
رمقته بلوم في طريقها للخارج وملامحها لا تزال منزعجة من كلماته ليوقفها مجددًا:
- استني لسه مقولتلكيش على الحاجة التانية!
نفخت في تآفف شديد والتفتت نحوه:
- بجملة هبل.. عايز ايه يا شهاب؟
تفقدها ثم سألها:
- هو انتي متأكدة إن عينك ساعات مبيبقاش لونها اصفر؟ والله وانتي بتعيطي من شوية كان لونها غريب جدًا..
هزت رأسها وقالت وهي تتوجه للخارج:
- أنا رايحة اشوف اجراءات المستشفى.. حسبي الله ونعم الوكيل في تفاهتك!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
بعد مرور ست سنوات..
جلس كلاهما بمقعديهما كما اعتادا حفلات التكريم التي لا تنتهي لإبنتهما لتشعر بعينيه يتفقداها ثم تسائل بإنزعاج ونبرة خافتة:
- يعني سيبتي كل ألوان الدنيا وملقتيش غير حجاب أخضر؟
التفتت ناظرة له على مضض وقالت مجيبة في تحفز:
- أنا حرة البس اللي أنا عايزاه! وبعدين لايق مع لون عينيا!
تفقد ملامحها مليًا ثم حدثها بتحفز مماثل لتحفزها:
- طب إيه رأيك إن لونها دلوقتي عسلي مش اخضر!
رفعت حاجبيها دهشةً منه فهو يبدو أنه لن يتوقف عن افعاله الطفولية أبدًا لتوجه نظرها أمامها ثم زجرته:
- خليك في حالك.. وبعدين يا أخي ما تشوفلك واحدة وتتجوزها وبطل تتشاهد في جمال عيوني!
تنهد ليهمس بطيف حُزن بنبرته:
- لو كنت قادر اشوف حد غيرك اصلًا مكنش زماني بتحايل عليكي سنين ترجعيلي..
التفتت له مرة ثانية لتقول بجدية:
- ما كفاية بقى.. أنا تعبتلك.. قولت مفيش رجوع! ارحمني وارحم نفسك!
أومأ لها بعدم الموافقة وتحدث لها بإبتسامة مُنكسرة:
- وأنا قولتلك مش هابطل احاول! أبدًا..
تآففت منه وأمسكت بحقيبتها لتوشك على النهوض وهمست له:
- أنا غلطانة.. هاروح اقعد مع كايت وجوزها..
ابتسم لها حتى ظهرت اسنانه وهمس بتحذير:
- فكري بس تاخدي خطوة وتسيبيني.. مش كفاية مسلسل الأصحاب ده اللي قرفت منه بقالي سنين! استحملي زي ما بستحمل!
التفتت لتنظر أمامها وغمغمت في اعتراض:
- اللهم طولك يا روح.. يارب الليلة دي تخلص على خير..
شعر بالراحة الشديدة لعدولها عن تركه ثم تمتم بغيظ ناظرًا لها:
- أحسن!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
هرول متوجهًا خارج غرفة مكتب والده ليصيح متعجبًا:
- أنا مش فاهم فيها ايه يعني.. أنا مغلطتش في حاجة علشان تتعصب كده!
نهض "سليم" خلفه وهو يتبعه ليصيح به هو الآخر:
- عايز تفورلي دمي على الصبح يا حيوان!
لاقى "سيف" والدته في طريقه ليبتسم لها ثم حدثها بلين:
- يا صباح الجمال على أجمل عيون في الكون..
أمسك بيدها ثم اخفض برأسه ليقبلها فسألته "زينة" في تعجب:
- صباح الخير يا حبيبي.. ايه مالك انت وسليم بتتخانقوا ليه؟
فجأة ارتطم كف والده بمؤخرة عنقه ليقول بحزم:
- الموضوع اللي في دماغك ده تنساه.. خليك متلقح هنا معانا!
تصنع التوجع ولا يزال ممسكًا بيد والدته والتفت له ليقول:
- طبعًا ما أنت مش عارف تظولني واستغليت الفرصة!
التفت نحو والدته ثم اجابها قائلًا:
- أبدًا يا زوزوا يا مُزة عايز ادرس برا واقعد مع خالو آسر اليومين دول وهو مش موافق!
من جديد شعر بتلامس أصابع والده على مؤخرة رأسه وزجره قائلًا:
- مش قولتلك متقولش لمامتك كده!
التفت ناظرًا له بإبتسامة وقال ليستفزه:
- زي ما بتقول لتيتا يا نوري.. على رأيها كلمة بخ مبتروحش!
زفر بضيق وصاح به في حزم:
- طيب بص يا سيف علشان نخلص من الحوار ده سفر مفيش.. اختار الجامعة اللي تشاور عليها وأنا ادخلهالك انما سفر لأ!
قاطعتهم "ليلي" التي آتت لتوها وهي تتحدث بإستعجال:
- بونجور.. بابي شكلك مطول.. أنا كده هتأخر.. أنا هاروح المدرسة مع أونكل اياد وحمزة!
تفقد ابنه بنظرة فهمهما الآخر جيدًا ليهمس له:
- عاجبك كده..
التفت نحوها وحدثها بإبتسامة:
- بونجور يا روح بابي.. أنا هاوصلك يا حبيبتي.. يالا بينا
اختلفت ملامح اخيها الذي قال:
- استنى بس يا حاج.. توصل مين وتسيبني.. أنا خلاص هقدم على الكليات.. نخلص موضوعنا الأول وسيب ليلي تروح مكان ما تروح!
التفت رامقًا اياه بإنزعاج وصرخ به:
- عايزني اسيبها!! كلب صحيح.. قولت مفيش جامعات برا ومفيش آسر..
قاطعهم بنبرة منزعجة لا تزال تحمل آثار النعاس:
- جرا إيه يا ولاد الكلب صوتكم صحاني من احلاها نومة! بتتخانقوا على إيه؟
التفت الجميع نحوه لتقول "زينة" متوسلة:
- تعالى يا خالو حوشهم.. أنا تعبت منهم والله!
افسحت له المجال ليقول "سيف" بجدية:
- لو سمحت.. جدي راجل محترم.. متجمعش وتقول ولاد كلب.. انما انا ممكن تشتمني بأبويا عادي..
رمقه في تحفز ليشعر الآخر بالإستفزاز بينما ذهب نحو جده وتوسله ليقول:
- جدو الله يخليك خللي بابا يوافق إني اقدم برا واقعد مع خالو الكام سنة دول هناك!
اقتربت "ليلي" منه ثم قبلته وقالت بدلال:
- وأنا يا جدو خللي بابا يوافق اني اروح المدرسة النهاردة مع اونكل اياد!
نظر "سليم" لأبنائه بغيظ واحتقنت دمائه غضبًا ليحدثه والده بحزم:
- سيب ولادك وتعالى اقعد معايا في المكتب!
نظر لأحفاده ثم حدثهم قائلًا:
- يالا روحوا اعملوا اللي انتو عايزينه.. وانتي يا زينة صحي نوري وحضرولنا الفطار! وأنت يا كلب يا حيلتها قدامي على المكتب!
⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢ ⬢
#يُتبع . . .
الفصل القادم يوم 10 أبريل 2021 على مدونة رواية وحكاية..
دمتم بخير..