-->

الفصل الخامس - وكر الأبالسة - Den of Devils

 

 


الفصل الخامس


❈-❈-❈


"إن للشيطان مكائد ، فمن وفق لمعرفة طرائقه فيها كان من الناجين"

يوسف السباعي

❈-❈-❈

خلال الأيام السابقة . . .

لقد كانت عدة أيام غريبة للجميع، بالرغم من أن هناك من كان يتعجب طوال هذا الوقت، وهناك من يحاول احكام خُطته كي تنجح نجاحًا مُبهرًا، وآخرون كانوا يُكملوا خُطتهم بالفعل لأجل البقاء ولكن لم يخل الأمر من الإستغراب.. الكل يحاول أن يحكم شباك مكيدته كي يلوذ بما يريد..

فبداية بمجرد فتاة تغيرت نظرتها نحو صبي وسيم كانت تعرفه منذ الصغر إلي نظرتها إليه كرجل آخر تمامًا جذاب يُشع بالرجولة لا يستطيع أحد الوقوف أمامه مهابةً مما فعله.. كان كالليث وهو يهرع بتلك اللكمات ويصيح بالجميع بصوتٍ جهوري ولم يقو أحد على الرد عليه.. هذا هو تمامًا من تريد تزوجه وليس مجرد شاب يعمل لدى اخيها! 

ولقد تيقنت كذلك من أن أخيها على صواب، فيبدو أن "رحمة" لا تعتبره أخٍ على الإطلاق.. تلك النظرة التي رآتها على وجهها كان برهان أكثر من كافي لتتأكد أنها تكن له المشاعر.. ولكن بعد هذ المرة التي ذهبت لها بها لن يتسنى له الإقدام على أي نوع بينهما من العلاقة سوى علاقة أخت وأخٍ فحسب..

تعجبت قليلًا من رؤية "وداد" الواقفة أمام باب بيتها ولكنها حاولت التعامل بطريقة صائبة خصوصًا بعد تلك الإبتسامة التي تحاول صاحبتها أن تُظهر عن طريقها ودها الشديد:

- أهلًا يا وداد.. اتفضلي..

سرعان ما دلفت للداخل وهي تتفقد منزلهم البسيط للغاية ثم تحدثت بصوت مسموع:

- معلش يا رحمة يا اختي جيتلك من غير معاد بس ما صدقت كده الدنيا هديت جيتلك على طول..

تبعتها "رحمة" حيث جلست الأخرى واغلقت الباب ثم قالت من باب اللباقة:

- لا تتفضلي في اي وقت.. تحبي تشربي حاجة؟

ظلت واقفة ناظرة لها في انتظار ردها على سؤالها وتفقدتها لتجد ملامحها غير المريحة بالنسبة لها دائمًا تتهلل بود لم تكن عليه يومًا ما ليزداد استغرابها بينما اجابتها:

- لا يا حبيبتي أنا مش جاية اتعبك أنا يعني جاية علشان اقولك إنها مش مستاهلة كل اللي عمله اخوكي واخويا والدنيا منفاتة، واحنا بردك ولاد حتة واحدة وجيران وابويا وابوكي الله يرحمهم كانوا اصحاب.. خايفة لا تكوني زعلانة من يومها

تنهدت وهي تجلس في مقابلتها ثم عقبت قائلة:

- حصل خير يا وداد

اطلقت ضحكة تتصنع خلالها الخجل الزائف ثم تكلمت بملامح متلاعبة لم تطمئن "رحمة" لها وشعرت وكأنما هناك أمرًا خلف زيارتها اياها:

- أصل بصراحة يا حبيبتي ومخبيش عليكي يعني رزق اخويا عايز يتجوزك، بس هو أصله هو وجاد أخوكي عمرهم ما كانوا بيتفقوا واخوكي زودها حبتين، مش اخوكي بردك؟

زيلت حديثها بهذا التساؤل لتزفر الأخرى بحنق بينما اجابتها بلهجة قاطعة:

- لو على رزق فأنا صعب عليا اقبل واحد متجوز اصلًا وعنده أولاد وكمان مش بفكر في الموضوع دلوقتي.. ولو على جاد فرزق هو اللي جاله لغاية عنده وبدأ بالوحِش .. والوِحِش ميتردش عليه غير بالوحِش ولا انتي شايفة ايه؟ لو قلبنا الترابيزة رزق هيسيب اخته تسمع كلام زي السم ويسكت؟

مصمصت شفتاها وحاولت ألا تدع تلك الكراهية تنفذ على ملامحها وسلطت تركيزها على مقطع وحيد فقط من كلماتها لتعقب متعجبة:

- ليه مش بتفكري، ده انتي زي القمر وألف من يتمناكي ورزق شاريكي واللي هتطلبيه هينفذه من غير كلام!

ابتسمت لها بإقتضاب وردت مُعقبة:

- عادي يعني يا وداد مش بفكر في الموضوع زي ما انتي متجوزتيش لغاية دلوقتي.. ولا هو الجواز بيبقى بالعافية؟ وبعدين سبق وقولتلك إني مش هاقبل اتجوز واحد متجوز!

اختلفت ملامحها وهي ترفع احدى حاجباها في اعتراض وتحفزت تقاسيم وجهها ونهضت لتقول بإمتعاض:

- طيب ماشي يا رحمة براحتك.. أنا بس كنت جاية علشان النفوس متبقاش شايلة من بعضها.. وأخويا وأخوكي في الأول وفي الآخر جيران وولاد حتة واحدة وعمر ما اللي حصل ده كان هيرضي حد من اهلنا الله يرحمهم! سلام يا حبيبتي.. 

لم تكن حينها "رحمة" بغبية كي لا تفهمها عندما كررت أنه اخيها لأكثر من مرة، ما الذي تريد قوله؟ فهي لم تصدق ذلك الود الزائف أبدًا الذي آتت به، وقد اكتفت من كثرة وصف "جاد" أنه أخيها، فهو لم يكن ولن يكون!

هو بالنسبة لها أول فتى خفق قلبها له، الوحيد الذي تمنت أن تكون زوجته وأن تحمل أطفاله.. انتظرت لسنوات حتى تراه خارج ذلك السجن الكريه، بالرغم من رؤية العديد من الرجال خلال عملها ولكن تتيقن أن مشاعرها نحوه لم ولن تشعر به تجاه رجل آخر أبدًا..

تذكرت ما حدث كذلك عندما هداها عقلها لمقابلة الرجال أثناء عملها لتتذكر ما فعله ذلك الوقح منذ أيام.. لولا فقط ادراكها أنها لن تستطيع الوقوف أمام رجل مثل "سلمان يكن" لكانت مزقت وجهه المتغطرس بأظافرها إلي أن تُفسد ملامحه..

ما الذي ظنه حينها؟ أنها ستكون واحدة من تلك الفتيات رخيصات الثمن مثل اللاتي يعملن معه؟ لم تصدق وقتها جرأتهن الشديدة وملابسهن الفاضحة وضحكاتهن الرقيعة وهي فقط تمر لعدة ثوانٍ إلي الداخل معه، هذا، فضلًا عن اخلاقهن التي لا تختلف سوءًا عن كل ما سبق!

أظن أنه سيبتاعها بثمنٍ بخسٍ وسبب تافه كإرتدائها احدى الأثواب وبعدها ظن أنها ستسمح له بالإقتراب، يا له من وقح يفتقر لكل معان المروءة!


جذبها بقوة عاقدًا قبضته أكثر على معصمها وهو يسير نحو سيارته المصفوفة بالمرأب آخذًا خطوات سريعة مما اجبرها على اللحاق به وهي مُرغمة كي لا تسقط أرضًا بينما حدثها بلهجة آمرة:

- تعالي أنا عندي موضوع مهم محتاجك فيه.. هديكي اللي انتي عايزاه.. 

التفتت رامقة اياه بدهشة شديدة بينما صاحت به:

- تديني ايه أنا مش عايزة منك حاجة، وبعدين ما تلم نفسك هو أنت بتجرني زي شوال البطاطس كده ليه وازاي تسمح لنفسك تعاملني كده.. أنا شغالة ممرضة محترمة مش حاجة تانية!

دفعها بقوة إلي السيارة وهو لا يُصدق مدى سوقية تلك الفتاة الوحيدة التي جسدها مثل جسد "رغدة" تمامًا فهو لم يجد ولو فتاة واحدة يستطيع أن تقوم بقياس الثوب أمامه سوى هذه الفتاة الغريبة..

قام بتوصيد السيارة ثم فتحها لما يكفي بركوبه سريعًا وشرع في القيادة وصوته يهدر آمرًا:

- هتقيسي فستان هشوفه عليكي وبعدين ابقي امشي.. اعتبريه اي شغل part time وهي هتبقى مرة وخلاص!

رفعت حاجباها وتباعدت شفتاها مأخوذة بمزيدًا من الدهشة من كثرة غروره وتغطرسه الشديدان ثم صاحت به:

- هي عافية ولا عافية.. بقولك ايه يا مجنون انت أنا ولا عايزة منك شغل ولا حاجة.. نزلني من العربية احسنلك..

رمقها بطرف عينيه بمزيد من تغطرسه وتسائل:

- انتي نسيتي نفسك ولا إيه، انتي ازاي تتكلمي معايا بالأسلوب ده؟

امتعضت ملامحها اكثر لتجيبه بحاجب متأبي آخذًا في الإرتفاع:

- ما هو البيه اللي ينسى نفسه ويسمح يقرب من واحدة بيعاملها بالطريقة دي يبقى يستاهل كل اللي يحصله.. بعد اسلوبك ده هتتعامل على كيفي وبالأسلوب اللي اشوفه لما تكون بجح معايا يبقى تستاهل!

التفت مطيلًا النظر إليها في حالة من عدم المقدرة على الكلام ليتصاعد غضبه بداخله ثم حدثها بلهجة قاطعة:

- بقولك إيه، متنسيش انتي بتتعاملي مع مين بدل ما اقطع عيشك من المكان كله، كل اللي عايزه منك هو نص ساعة هتقيسي الفستان وخلصنا وهدفعلك فلوس على اللي هتعمليه.. مش عافية ولا غصب ولا إجبار! احترمي نفسك واتعاملي بإسلوب احسن من كده لغاية ما تخلصي ومش عايز اسمعلك كلمة!

تلقت تهديده بمنتهى الغضب الذي اشتد عليها بفعل كلماته وصرخت به:

- عيش ايه اللي تقطعوا.. ده انتو كلكوا مفتريين صحيح متتخيروش عن بعض سواء أنت ولا ولـ..

توقفت من تلقاء نفسها عندما أدركت أنها كادت أن تُصرح بأمر "جاد" بأكمله ليلتفت لها بغرورٍ شديد ممتنًا بداخله أنها صمتت أخيرًا ولم يكترث لما نطقت به.. فهو في النهاية لا يريد منها سوى أن تُجرب هذا الثوب ليراه أمامه قبل ارساله إلي "رغدة" ومن سوء حظه وحظها أنها المرأة الوحيدة التي رآى مدى التشابه الشديد الذي قد قارب التماثل بين جسد كلتاهما..

استمر تفكيرها مصحوبًا بعدة زفرات مستنكرة فعلته معها ولكنها فكرت قليلًا أن إذا فعلت الأمر وانتهت منه لن يكلفها شيء.. ربما هي تكسب وقتًا بعيدًا عن ذلك المنزل الذي لا تأمن شر من فيه، وبالمقارنة منذ أن دخلت بقدميها هذا المنزل، يبدو أن "سلمان" هو الوحيد بينهم الذي لا يفتعل مُشكلات.. حسنًا.. سوى ارتطامه بها وحسب..

هي كل ما أرادته أن تكون بجانب "جاد" في مثل هذا اليوم الذي سيواجه به اخوته، تريد أن تعلم ما الذي سيحدث معه حينها، ترغب أن تكون أول من تلقاه بعد تلقيه أولى صدمات صعاب التعامل مع هؤلاء الأبالسة ولكن ربما يبدو أن ما يحدث لها الآن قد يكون لمصلحتها بأن تبتعد عن هذا المنزل بكل من فيه.. 

سرعان ما وجدت نفسها في مرأب غريب وقد توقفت السيارة ليُملي الآخر عليه كلمته:

- انزلي.. 

فعلت حين يفعل هو وعقدت ذراعيها بملامح ممتعضة بينما سارت بجانبه على مضض وبعد التواجد بأحدى المصاعد وجدت نفسها فيما يبدو شركة تعج بأثاث غريب وكل من به على قدمٍ وساق يبادلون "سلمان" كلمات التحية التي ردها بإقتضاب وبمجرد دخوله أخطر احدى الفتيات:

- خدي قياستها وبعدين خليها تقيس فستان رغدة الكومي على ما اجيلك!

تركها مع تلك الفتاة التي حدثتها بأن تذهبا دون الإلتفات أو الإكتراث إليها لتقلب شفتاها بمزيد من التقزز تجاه غطرسته وصحبت الفتاة التي ناولتها الثوب بينما بمجرد رؤيتها اياه لم يمر الأمر بالنسبة لها وكأنه مجرد ثوب.. لا بل هذا احدى ملابس النوم ربما، حتى ملابس نومها لا تكشفها مثل ما سيفعل هذا الثوب! 

دار بينها وبين الفتاة حوارًا عن أن تساعدها بعد أن أخذت تلف احدى ادوات القياس حولها وكذلك دونت طولها الفارع متبوعًا بقياس وزنها ولكن "رحمة" رفضت  بشدة، فهو مجرد ثوب وسترتديه وسينتهي الأمر، ماذا ظنت تلك الغبية؟ أنها ستتركها ترى جسدها مثلًا؟

دلفت غرفة القياس وخلعت بنطالها وتلك الكنزة التي تعتلي قميصًا قطني طويل الأكمام بينما ارتدت الثوب فوق القميص وخرجت من غرفة القياس لتجد "سلمان" يحدق بورقة سريعًا وبمجرد رؤيتها زفر بضيق وخلل شعره وتحدث إلي مساعدته:

- ايه اللي هي عملاه ده.. خلصيني أنا مش هافضل معطل نفسي علشان بروفا!

أومأت له الفتاة بالتفهم بينما اقتربت من "رحمة" وحدثتها بتوسل:

- ارجوكي حاولي نخلص علشان متأذنيش في شغلي.. ممكن تقلعي الـ top ده علشان يشوف الفستان عليكي وبعدين هتمشي على طول..

طأطأت برأسها نحو تلك الفتاة التي تعتبر اقصر منها ثم حدثتها برفض قاطع بصوت قاصدة أن يصل لمسامعه:

- اقلع ايه إن شاء الله، ده هيبين جسمي كله لو قلعته، أكتر من كده مش هاقدر اساعدك معلش! 

عقدت ذراعيها في تحفز بينما استاء "سلمان" بما يراه ومسح على وجهه وتمتم بداخله:

- كانت فكرة في منتهى الغباء!

اقترب منها وهي ترمقه بملامح ممتعضة بينما تفقد الثوب مليًا وابتعد ليتفحصها ثم اشار بإصبعه بحركة دائرية لتزفر حانقة وفعلت على مضض بينما هو يتفحص الثوب على جسدها.. هي نفس طول "رغدة" ولكن أقل منها وزنًا بكيلو جرامان، يبدو أنه استطاع انجاز العمل.. 

لو فقط ترتدي هذه الغبية احدى حملات الصدر المناسبة لكانت وفرت عليه الكثير، ولكن هذا ما تأخذه جراء تعاملك مع فتاة غير مناسبة.. عل كلٍ لقد اطمئن الآن بأن الأمر يبدو جيدًا.. 

لمح شعرها الطويل الذي لن يناسب ثوب كهذا وحتى تلك الطريقة التي تقف بها لن تكون الأمثل لتجسيد عمله ولكنه يتيقن أن بمجرد لمس جسد "رغدة" لهذا الثوب سيجعله يبدو أفضل بمئات المرات!

اقترب قليلًا وهو يتابع خصلاتها الطويلة، هل لم تقصر هذه الفتاة شعرها ولو لمرة واحدة منذ أن ولدت؟ قلب شفتاه بهذا التساؤل ومد يده ليرفع شعرها كي يتسنى له رؤية المزيد من التفاصيل بالثوب الذي غاب أسفله بينما التفتت له بشراسة شديدة وهي تنهاه وتزجره:

- أنت اهبل ولا بتستعبط.. بقولك ايه أنا هغير هدومي ومش هاقبل المسخرة اللي بتحصل دي.. فاكر نفسك تقرب من بنات الناس عادي!

رفع احدى حاجباه في ذهول وقال بغطرسة مشيرًا بيده إلي مساعدته:

- اديها فلوس ومشيها..

قلبت شفتاها في تقزز عندما تذكرت هذا الموقف الذي بالطبع لم تستطع أن تقصه على "جاد" فهي تتذكر جيدًا ما فعله بـ "رزق" وإن فعل المثل مع "سلمان" سيكون رد فعله ليس بجيد! 

ولكن هذا لم يُشغلها أكثر من انشغالها بأمران، اولهما أن اخيها "سعد" سيعود بعد أسبوع وثانيهما أن والد "جاد" وابنائه الأبالسة بعد علمهما قد يؤذوه ويؤذوها وكل ما تريده هو الإبتعاد عن تلك اللعبة برُمتها! ربما لم يكن عليها الإقتراب للغاية منهم ولكنها تعلم إن عاد بها الوقت ستفعلها من أجله! معادلة كانت صعبة بالنسبة لها، فكل ما يريده "جاد" تفعله هي دون تفكير، وفي نفس الوقت هي الفتاة التي لا تريد إثارة المشاكل بأي طريقة .. النزاعات والجدالات لم يكنا طريقتها في الحياة وتعشق الهدوء والبساطة بعيدًا عن العراك أيًا كان سببه!

حسنًا لقد ابتعدت الآن، لقد تم نقل "أنور" للمشفى بذلك اليوم الذي كانت تنتظرهما به "رُفيدة" اخته في حالة حرجة حيث اشتد عليه المرض، ولقد تأجل حديثهما منذ ذلك اليوم.. ولكن غيابه منذ الصباح هو ما يُقلقها، وعدم اجابته على هاتفه يجعل خوفها يتصاعد بينما هي مُلازمة لبيتها!

قررت أن تذهب لدوامها بالمشفى على أن تتحدث مع "جاد" لاحقًا، بالتأكيد سيخبرها بكل ما دار بينه وبين اخته وكل ما توصل إليه مع تلك العائلة.. هي فقط لا تدري لماذا لا يُحدثها كالمعتاد منه بعد ذلك اليوم..

❈-❈-❈

في نفس تلك الأيام لم يختلف حال "رفيدة" كثيرًا وهي تنظر إلي جسد والدها الممدد على سرير المشفى وشعرت وكأن الحياة بأكملها تُصمم على الإنهيار فوق رأسها وكأن تآمر الجميع بصحبة القدر على أن تكون هي المتضرر الوحيد بكل ما يحدث!

لقد ظنت أنها ستستطيع هي واخيها أن يتخلصوا من "جاد" في لمح البصر ولكن يبدو أن التوقيت في صالحه، ففي ذلك اليوم الذي كانت تنتظره كي تتحدث معه تم نقل والدها للمشفى ومنذ ذلك الحين وهو في غيبوبة تامة!

لا تصدق أنها من تساعده بنفسها بعد أن لح عليها "راغب" بأن الإنتخابات لم يفصلها عنه سوى عشرة أيام من اليوم، وعليهما أن يتصنعا معه الهدوء إلي ان يفرغ من هذا الأمر وبعدها سيتخلصا منه للأبد..

الآن تم اثبات نسبه، تنازل له والدها عن الإرث وبعدها ذهب في ثبات تام، حتى مجرد قضية حجر في مثل هذا التوقيت لن يستطيعا البدء في إجرائتها وكل ما عليها هو الإنتظار ولكن هل يُمكن أن تصبح الأمور أسوأ؟

لا تدري ما الذي كانت لتفعله دون صديقتها "إيناس" التي تراها خلسة وتتحدث معها بعيدًا عن أعين الجميع حتى تستطيع التخلص من "ياسر" هو الآخر الذي تبين أن القدر متآمر معه، تكتشف أنه خائن في نفس الوقت الذي تكتشف فيه أخ ووالد يوشك على مفارقة الحياة!

بالرغم من كل ما تستطيع فعله وما ارتوته من والدتها بحنكة التصرف في الكثير من الأمور تشعر وكأنها عاجزة بالرغم من توفر الكثير من الوسائل التي تملكها للفتك بكل من يُفكر بأن يؤذيها..

استمعت لطرقات على الباب وبعدها دخلت "إيناس" لتنظر لها صديقتها بحزن وهي تبتلع بصعوبة لتعانقها بحفاوة بينما شعرت "رفيدة" اخيرًا أنها تستطيع الإفراج عن كل ما تحبسه في هذا العناق بعد أن استمر اختناقها لعدة أيام..

همست لها بتأثر وحزن:

- خلاص كل حاجة حصلت زي ما احنا عايزين.. هنوديه في ستين داهية!

ابتعدت عنها قليلًا لتتفقد ملامحها وسألتها بقلق:

- انتي متأكدة إن محدش شافك وانتي جاية؟

ابتسمت لها بإقتضاب كي تلائم ملامحها هذا الموقف العصيب واجابتها بثقة:

- ما يعرف ولا يولع حتى.. احنا خلاص مسكنا عليه الفيديو ومبقاش ليه حاجة عندك..

أومأت لها بالتفهم وذهبت لتجلس لتسألها "إيناس" متعجبة:

- فيه إيه بقى اللي هحكيلك هحكيلك؟ إيه اللي حصلك اليومين اللي فاتوا؟

ابتلعت بصعوبة ورطبت شفتاها لتبدأ في قص الأمر برُمته عليها:

- راغب مترشح في انتخابات مجلس النواب.. كان معين حد يدور ورانا كلنا علشان لو فيه أي حاجة ممكن تأثر عليه أو تخليه ميكسبش.. عرف إن بابي كان متجوز واحدة ومخلف منها.. عرف في نفس اليوم اللي جيتلك فيه البيت..

اندهشت لما تستمعه منها رافعة حاجبيها لتلتفت لها الأخرى بإبتسامة هاكمة وأضافت:

- الجواز ده مكنش متسجل، وبيقول إن مامي كانت تعرف وهي اللي قالتله يتجوز علشان يخلف، ويوم ما كانت حامل فيا أنا وراغب بابي بِعد عن الست دي هي وابنها.. وفضلوا سنين ميعرفوش عنهم حاجة لغاية ما في يوم الولد بنت التانية اللي اتجوزها جاله واللي عرفته إن بابي سجنه علشان ميعملوش مشاكل..

ازداد اندهاشها لتتمتم مأخوذة بتلك القصة:

- مش عارفة اقولك ايه، بس باباكي غلط يا رفيدة هو ومامتك، مكنش ينفع يسجنه.. ده مهما كان ابنه! على الأقل من زمان كان طلقها وسابلهم فلوس ولو يعني متجوز واحدة مش زي طنط ناريمان فأكيد كانت ممكن تقبل..

تنهدت بعمق واراحت جسدها بالأريكة خلفها وهمست لتُكمل:

- المشكلة مش في كده ولا اللي حصل زمان، دلوقتي هو خرج من السجن وقِدر يدخل بنت ممرضة عندنا وعمل تحليل DNA وراحله من غير ما احنا نعرف وخلاه يتنازله عن الميراث زيه زينا وكمان يمشي في إجراءات إثبات النسب يا إما هيقول للناس على كل حاجة..

أكملت بدلًا منها بنبرة ساخرة:

- وطبعًا راغب قالك وافقيه لغاية ما يخلص الإنتخابات علشان سُمعته! انا مش فاهمة بيحصلك ليه كل ده ورا بعض كده ليه!

التفتت لها بشبح ابتسامة ساخرة وهزت كتفيها كإشارة على عدم معرفتها بينما احتدت ملامح "إيناس" وهي تُفكر بالأمر لتسألها:

- ومين عِرف الموضوع ده؟

رطبت شفتاها واجابتها بتنهيدة:

- أنا وراغب وبابي.. وطنط سوزان عرفت من جواسيسها اللي في البيت.. أنا كنت هتكلم معاه بس ملحقتش ونقلنا بابي المستشفى يومها!

ضيقت ما بين حاجبيها وهي تستفسر منها بإنزعاج:

- هي طنط سوزان لسه حِشرية زي ما هي كده؟

توسعت ابتسامتها وهي تجيبها:

- لا.. بقت أسوأ من الأول!

زمت شفتاها بإمتعاض بينما أطنبت بتعجباتها:

- وياسر معرفش؟

أومأت لها بالإنكار ومجرد الإتيان على ذكر اسمه آلمها لتقول:

- المفروض إنه ميعرفش، بس مش واثقة إذا كان عرف من ورايا ولا لأ!

لاحظت توجعها فأمسكت بيدها في مؤازرة وهمست لها:

- يغور.. يعرف ولا ميعرفش.. ده هيروح في ستين داهية بعد الـ porn movie اللي هيبقى على كل ويب سايت في الدنيا.. صاحبتك هتزنجفه!

ضيقت ما بين حاجبيها في استياء لتزجرها:

- إيناس انتي بقيتي بتتكلمي كده ليه؟ انتي اتغيرتي اوي ازاي كده؟

تشربت ملامحها بالسخرية وهي تعيد رأسها للخلف دون إكتراث وقالت:

- من القاعدة في الشوارع وحياتك.. جو الشوكة والسكينة والإتيكيت مبقاش يلزمني خلاص..

شعرت بالآسى من أجلها وهي تراها تكتم أوجاعها خلف سخريتها المعهودة لتسألها:

- احكيلي يا ايناس إيه اللي حصل في الفترة اللي بعدنا فيها عن بعض؟

أومأت بملامح مستنكرة وأردفت مجيبة:

- احكيلك ايه بس بمصايبك دي.. نخلص كده منك الأول وبعدين هبقى احكيلك على رواقة وسيجارتين وابعبع بكله.. فهميني انتي الأول هتعملي ايه مع اخوكوا ده؟

قلبت شفتاها لتجيبها بقلة حيلة ونبرة بالكاد تستطيع نقل صوتها المبحوح خلالها:

- أنا اتكلمت معاه بعد ما نقلنا بابي هنا، بيتكلم بتهديد وإن ده حقه، وراغب قالي تخلص بس الإنتخابات ونبقى نخلص منه، بس كده خلاص، طلعتله بطاقة بإسم أنور الشهابي وبقى ليه في الميراث وكل ده مؤقتًا بس لغاية ما الإنتخابات تخلص وبابي يفوق ويغير الوصية، ودلوقتي المفروض أصلًا هيجي ياخد الورق سايباه مع السواق، ومش عارفة هنعمل إيه.. أي قضية حجر في الوقت ده أو أي خطوة قانونية راغب هيقول استني بعد الإنتخابات!

شعرت بالحزن من أجل تلك الملامح الممزقة أمامها لتحاول تغير تلك الحالة المزاجية وقالت:

- ما تيجي كده نقوم نشوفلنا أي coffee نشربها وسيجارتين انتي عرفاني حريقة.. تعالي وبطلي نكـ..

لم تُكمل جُملتها عندما استمعا لطرقات على الباب دخل منها شخص لم تعرفه وسرعان ما تأهبت "رفيدة" وهي تنهض ناظرة له في تحفز وحدثها ساخرًا:

- مش عيب عليكي لما تسيبي لأخوكي الكبير حاجته مع السواق.. اعتبرينا أهل يعني!

كادت أن تتحدث بينما تدخلت "إيناس" بمنتهى اليقين أن صديقتها لن تمانع وبالرغم من أن المخطئ الوحيد هو والدها ولكنها عقد ذراعيها في تحفز وحدثته زاجرة:

- أنت مش اخدت اللي انت عايزه.. اتفضل من غير مطرود!

رفع حاجباه وهو يبتسم ابتسامة لم تُظهر أسنانه ولكنها بيّنت تلك الغمازتان على جانبي وجهه بالرغم من أن ما يفعله سوى لا يدل عن نظرات متلاعبة متحفزة لجدال ليصدح بصوته الساخر:

- ولامؤاخذة هي مين الأمورة؟ أخت تانية معرفهاش؟

زفرت "رفيدة" لتلك النبرة التي باتت أكثر ما تكرهها ولملامحه وكلماته التي تفتقر لأقل آداب التعامل لتقول بلهجة قاطعة:

- ميخصكش هي مين.. اديك اخدت كل اللي انت عايزة.. اتفضل امشي..

ازداد ارتفاع حاجباه وهو ينظر لكلاهما وهمس هاكمًا:

- هو انتو متعرفوش غير الفلوس.. اللي مربكوش مقلكوش ازاي تعاملوه وهو بيموت.. 

تنهد وهو يتجه صوب فراشه وأضاف:

- بس يالا أنا جاي اشوفه قبل ما يموت يمكن اعرف اشمت فيه زي ما ساب أمي تموت! يمكن اتعلم ابقى أسوأ منه.. 

كادت أن تتجه "إيناس" نحوه لتصيح به لتوقفها "رفيدة" ممسكة بيدها كي تمنعها عن الذهاب ونظرت لها بتوسل ألا تفعل فهي لا تحتاج للمزيد من الكلمات مع هذا الرجل الغريب الذي بات عليه التعامل معها وحدها، وكالعادة "راغب" ابعد ما يكون عن الدعم.. وما يزيد الأمر تعقيدًا هو محاولة إخفاءه عن زوجها!

زجرته من على مسافة متحدثة بنبرة هادئة:

- اديك شوفته.. اتفضل اطلع برا بدل ما اندهلك اللي يخرجك..

التفت لها بملامح متعجبة واتجه نحوها وهو يتسائل:

- انتي مش طيقاني ليه؟ هو انتي زي اللي خلفك! القسية فيكو وراثة مش كده؟ مع إن لا أنا ولا انتي ولا راغب لينا ذنب في حاجة.. ما تتعاملي معايا عِدل يمكن الزمك في يوم ولا تحتاجيني!

سخرت ملامحها بشدة وابتسمت له بإستهزاء لترد عليه بإستهجان مبالغ به:

- لا متقلقش اللي زيك عمره ما يلزمني ويوم ما احتاج مش هحتاجك..

رمقته من اعلى رأسه لأخمص قدماه في اعتزاز بنفسها بينما استمع ثلاثتهم لصوت صافرة من احدى الأجهزة الطبية خلفهم فهرع الجميع نحو الفراش ولم تكن تحسب "رفيدة" أن في لمح البصر أثناء استهزائها منه سيكون والدها يفارق الحياة!

❈-❈-❈

عودة إلي اليوم الحالي. . .

جلجلت ضحكته بعد أن أدرك أن مهما ادعى من مشاعر زائفة الآن لن تُفيده ولن تُعزز من موقفه أمام "رُفيدة" التي برعت في محافظتها على هدوءها ونبرة صوتها المنخفضة ولا تزال تتعامل مع الأمر وكأنه احدى الصفقات التي ستحصل عليها مثل ما أرادت وتفقدها بملامحه المخادعة ليجدها ترتقب قوله التالي بمنتهى التريث ليعلم أن منذ هذه اللحظة ستتحول اللعبة تمامًا من مجرد زوج خائن ارتكب خطأ إلي رجل آخر لا يقبل التهديد، ولم تترك له حلًا سوى الرد بالمثل.. 

نهض متنهدًا بعمق ثم حدثها بنبرة هادئة مثل نبرتها:

- حبيبتي.. خلينا نعتبرها نزوة ومش هتتكرر، ياسر محفوظ حبيبك لو كملتي في تهديداتك ليه انتي اللي هتتؤذي مش هو.. 

اختتم كلماته بإبتسامة جعلت دمائها تغلي بداخلها ولم يتقبل كبريائها ما قاله ولكنها عقبت بثباتٍ مُتكلمة:

- لأ! مش رُفيدة الشهابي اللي هتقبل إن واحد يؤذيها.. وأنا وأنت فاهمين وعارفين كويس أنا اقدر على إيه.. بلاش نطول الكلام عن كده علشان مش هيبقى ليه لازمة.. تطلقني وتتنازل بهدوء يا إما الناس كلها هتتبسط بالفيديو بتاعك وانت بتخوني.. وأكيد ده هيأثر على سمعة اخواتك البنات ومامتك هتتصدم فيك غير مبيعاتك ووضعك وساعتها هيبقى طلاقي سهل اوي منك، بس هيبقى غصب عنك يا ياسر مش برضاك!

فعلت هي الأخرى المثل بإبتسامة حاربت بداخلها أن تتحلى بها شفتاها الفاتنتان لتختلف ملامحه في لمح البصر ليتسائل بجدية:

- يعني عايزاني اطلقك واسيبك لواحدك بين راغب واخوكي اللي طلعلكوا بين يوم وليلة وسلمان، مش كده يا مدام رفيدة؟

رمقته بإستعلاء وهو يأتي الآن على ذكر اخيها "جاد" الذي لم تستطع إخفاء أمره خصوصًا بعد وفاة والدها لتجيبه بلهجة قاطعة:

- لأ أنا مش لواحدي، عندي إيناس اللي بمليون راجل، عرفت انها ببساطة كانت هي اللي صح وانت اللي غلط، وسواء راغب ولا جاد فهم مشكلتي مش مشكلتك.. وأنا وأنت فاهمين كويس اوي استغلالك لسلمان اللي لو كنت اتجوزته مكنش هيبقى خاين وحقير زيك!

قلب شفتاه في إعجاب واتضحت عقدة حاجباه في صدمة مُزيفة لم تفارق ابتسامته الهاكمة ليتمتم بمنتهى الهدوء:

- طيب شوفي يا روفي يا حبيبتي.. طلاق مبطلقش، والفيديو اللي معاكي لو بس حسيت إنك بتفكري مجرد تفكير تبعتيه لحد أو أي حد شافه غيرك انتي واللي اسمها ايناس أنا مش هاسكت.. خافي من راجل حبك وقرب اوي منك وعرف عنك كل حاجة! 

اقترب صوبها لتبتعد هي عنه آخذة خطوة للخلف ليرفع حاجباه في تعجب شديد وأردف محافظًا على ابتسامته:

- أنا هاسيبك يومين، تهدي نفسك، وتفكري، وتحسبي كده ياسر قِبلك زمان ازاي من غير ما يفضحك بين اهلك وبين الناس اللي تعرف سيدة الأعمال العظيمة، وعايز لما ارجع تكوني قررتي هنعمل إيه.. بدل ما الكلام اللي معايا يتعرف وساعتها سُمعتك مش هتبقى زي الأول.. ويومها هتبقي متطلقة وكمان مفضوحة.. خدي بالك من نفسك يا حبيبتي! 

توسعت ابتسامته لها بتهديده الهادئ فهو لم يُكشف كامل أوراقه لها بعد ولا تزال اللعبة مستمرة بينما رمقته هي في استهزاء شديد ومقوت شاعرة بالغضب يجتاح دمائها وتابعته بنظرة كارهة إلي أن غادرها وهي لا تُصدق أن هذا الرجل الذي كانت تعده الشيء الوحيد في حياتها الذي يُخفف عنها أصبح أشد وأكثر من ظلمها يومًا ما.. 

زفرت ببكاء بعد أن استمعت لباب غرفتيهما يُغلق وانهمرت دموعها في قهر على ما استمعته منه ولم تستطع التفكير ولا التخمين ما الذي قد يفعله وما تعنيه تلك الكلمات وكل ما استطاعت فعله هو الإنهيار بعد التماسك قدر استطاعتها ولكنها في النهاية بشر! ولم تشعر بالحاجة إلي "إيناس" مثل شعورها تحديدًا بالإحتياج الجارف لها الآن فتوجهت إلي هاتفها لتُحدثها..

ولو بلغت مكائد الشياطين عنان السماء، ولو امتلك البعض مفاتحها، هناك القدر الإلهي الذي لا يصمد بوجهه مخلوق، ولندم كل من بهذا الوكر لا يعرف أيهم ما يُعنيه هذا.. 

أكمل "ياسر" خطواته صوب الخارج بملامح شيطانية تصمم على عدم الخروج من هذا الحصن بأكمله خالي اليدان، فهو ليس بغبي ليوافق على ما تقوله زوجته العزيزة، لو كانت ستفضح أمره بما تملكه مؤخرًا، عليها إذن أن تستعد للفضيحة بما امتلكه سابقًا.. 

مشى متابعًا طريقه للخارج ليلمح بعينيه ذلك الرجل الذي عفه للتو يوم إجراءات إعلام الوراثة ليبتسم له بملء فيه فاتجه نحوه تمامًا ولحقه قبل أن يدلف إلي الداخل واوقفه بنظرات مستنكرة وهو يرمقه بإستعلاء ليُفكر بسرعة بإستخدامه كأولى أوراق الضغط عليها فرجل مثله وبطريقته وكلماته والخلفية التي ينحدر منها قد تساعده كثيرًا فيما يُريده ليوقفه قائلًا:

- اهلًا يا جاد ازيك.. كنت عايزك في موضوع كده!

ابتسم له بينما شعر الآخر بعدم الإرتياح له فهو منذ رؤيته لهذا الرجل ومعرفته أنه زوج أخته لم يشعر نحوه سوى بالإنزعاج وعدم التقبل ليتابع هذا الكريه بقية حديثه:

- اختك مكبرة حبة مواضيع كده ملهاش لازمة.. ياريت تعقلها بما إنك اخوها يعني..

نظر له بمزيد من الإستعلاء وابتسامة هازئة ارتسمت على فمه وهو يتفقده لينزعج "جاد" من نظراته ليستمع له يُضيف:

- مش عايز افضحها واكبر المواضيع اوي، وهي هتضر جامد هي وراغب.. وأنا باقي على اللي كان ما بيننا.. حاول تهديها.. سلام يا..

تريث لوهلة ليزفر في ضحكته الخافتة بإستهزاء وهمس:

- يا اخوها..

تركه وغادر ليلتفت "جاد" متابعًا اياه إلي أن اختفى عن عينيه وازداد تعجبه وهو يتذكر تلك الكلمات، فضيحة ماذا؟ ما الذي قد يملكه على إمرأة مثلها يستطيع أن يُهددها به؟ وما الذي حدث بينهما ليُخبر رجل للتو دخل حياتهما بتلك الكلمات؟ أهو دنيء لهذه الدرجة الشديدة؟

جعله ذلك اللقاء يتناسى خوفه وتوتره الدفينان الذي كان يتمزق بينهما منذ قليل، استطاع "ياسر" تحويل ذكريات آلمته إلي غضب وفضول بما قد يحدث في الخلفية بين اخته وزوجها، جعل الدماء تغلي بعروقه بسبب نظراته المُستهزءة التي لا يعلم ما الدافع لها..

اسرع بخطواته إلي الداخل وطرق الباب مرارًا لتستقبله واحدة من العاملات وقبل أن تسأل ما الذي يريده ومن هو فلا أحد يعرف من هو بعد وكل مرة قابلهما بها كانت خارج هذا المنزل، دخل عنوة ليهدر صوته الجهوري الغاضب مناديًا وهو يمط الأحرف:

- رُفيدة!!


يُتبع..