الفصل السادس - وكر الأبالسة - Den of Devils
الفصل السادس
❈-❈-❈
السكوت يغيظ الشيطان
مثل بلغاري
❈-❈-❈
تلفتت رأسه يمينًا ويسارًا في خضم إنزعاجه الشديد من تلك الكلمات التي ألقاها "ياسر محفوظ" زوج اخته على مسامعها وللحظة شعر برهبة مدفونة بداخله ولكن هذا ليس بوقتٍ للخوف الآن، عليه أن يعلم جيدًا ما الذي كان يقصده هذا الحقير الذي بمنتهى الدناءة ذهب ليتحدث لرجل للآخر للتو دخل حياتهم عن فضيحة ما لأخته!
ابتلعت تلك الفتاة التي ترتدي ما يبدو زيًا موحدًا وقد أدرك ذلك عندما رآى أخرى مثلها مُقبلتان نحوه في تعجب ليسأل كلتاهما في غضب:
- رفيدة فين؟
اجابته احدى الفتيات بتوتر اتضح عليها بعد أن عكست ملامحه الغاضبة شعور الإرتباك بالنفوس:
- حضرتك ممكن تتفضل وهنبلغها، بس نقولها مين؟
انزعج من عدم ادراك تلك الفتاتان له بينما وجد إمرأة تبدو ربما في آخر عقدها الخامس وعلم ذلك من تلك العلامات العاكسة لعمرها الحقيقي التي بجانبي عينيها ولكنها لا تبدو عاملة هنا بل ربما هذه هي خالة أخته وأخيه وازداد تيقنه عندما تسائلت بعلوٍ شديد:
- مين ده وعايز ايه؟
اجابتها واحدة برسمية:
- بيسأل على مدام رُفيدة..
تفقدته مليًا بتفحص اسفل نظارتها وبعد ثوانٍ من تمحيص بوجهه وجدت تلك الملامح المتشابهة بينه وبين كلًا من "راغب" و "رفيدة" لتلعلم أنه الأخ المزعوم لتزم شفتاها بإستياء وتوجهت له بالسؤال:
- عاوزها في ايه؟
رمقها بنظرة غاضبة ثم قال مُجيبًا:
- الله يهديكي يا ست انتي خليكي على جنب، أنا بسأل على اختي.. هي فين؟
اطلقت زفرة من شدة دهشتها لإجابته التي تفتقر ولو لذرة واحدة من آداب الكلام وشعرت وكأنما تلقت إهانة شديدة للتو وهو يتحدث لها بمثل ذلك الإستخفاف الهازئ لتهمس بصدمة لأحدى الفتيات:
- اندهوله رُفيدة تتصرف معاه.. وعرفوها إن ميصحش بيت محترم زي بيتنا أي حد يجي فيه من غير ميعاد!
امتعضت ملامحه رامقًا اياها في تساؤل، ولكنه لم يكن تساؤل فحسب، بل كانت ملامح مستنكرة مستفهمة يصحبها بعض السُباب المكتوم الذي لم ينطق به بعد ولكنه لحقها عندما التفتت للمغادرة وصاح بها:
- بصي يا حاجة انتي من دور أمي بردك ومش هاغلط فيكي.. أنا جاد الشهابي زيي زي رفيدة وراغب الشهابي بالظبط واجي هنا وقت ما أحب.. سمعتيني يا حاجة ولا اعيد تاني؟
كررت بهمسٍ لم يصل لمسامعه:
- حاجة!
ابتلعت في صدمة لو أن كان عليها التعامل مع هذا الرجل في الأيام المُقبلة خاصةً بعد موت زوج اختها "أنور" الذي وقع منذ أيام وها هو يرث فجأة بأمواله، يُلقب نفسه بإسمه ولكن كل ذلك لا يهمها هي.. ما يهمها هو ذلك المنزل الذي افنت سنوات عمرها به، لن يحدث به أمرًا دون موافقتها أبدًا..
التفتت ناظرة له بحقد مكتوم بينما علم جيدًا أنها لن تنال من التحدث معه سوى المزيد من الإهانة لشخصها، ليكون إذن التكلم مع "رُفيدة"، "راغب"، وابنها الذي طال سفره ولا تعلم متى سيعود! ولكن في الوقت الحالي لن تتنازل لتتكلم مع هذا الشاب وستلتزم السكوت التام!
تبع الفتاة ولم يتقبل الإنتار غير أن زوجها تحدث عن فضيحة، هو يتذكر كلماته جيدًا، فلن يكون من الجيد التحدث بوسط بهو هذا المنزل على مرمى بصر الجميع!
التفتت الفتاة عندما شعرت به خلفها لتحدثه برسمية:
- حضرتك ممكن تستنى وأنا هندهالك..
نظر لتلك الفتاة التي تعامله معاملة الضيف غير المرغوب به إطلاقًا ليقول كي يُصرح أنه لن يُعامل هكذا:
- لا ملوش لزوم استناها.. أنا هطلعلها معاكي فوق!
❈-❈-❈
منذ عدة دقائق..
بعيدًا آلاف الكيلومترات، بالدار البيضاء تحديدًا، وبواحدًا من تلك الفنادق التي تطل على مياة البحر الأبيض المتوسط ولا يتخذها نُزلًا سوى الصفوة خرجت "رغدة" من الحمام المُلحق بالجناح الفُندقي الذي يمكث به "سلمان" منذ أن آتى إلي هُنا ليتواجد بفعاليات واحدًا من احدى المهرجانات السينيمائية ملازمًا إليها غير مُضيعًا ولو القليل من الوقت دونها..
توجهت له بإبتسامة لترمقه لا يزال يتململ بالفراش بعد ليلة أمسٍ أو احدى ساعات الصباح الأولى لليوم، أو منذ يومان، هي لا تتذكر حقًا، ومجرد حقيقة مقاسمة الفراش مع "سلمان يكن" يجعل العديد من النساء تفقدن شعورهن بالوجود بأكمله حولهن.. بالطبع لن تشعر بالوقت ولا أين كانا ولا كم كانت الساعة حينها.. ولكنها واثقة من مرور اكثر من يومٍ ونصف معه بتلك الغرفة وهذا الفراش!
توسعت ابتسامتها بينما اقتربت لتجلس بالقرب منه في مقابلته على طرف الفراش وهي تنظر لمظهره الناعس وشعره غير المُرتب من آثار النوم مختلطًا بآثار أخرى لا تريد التفكير بها الآن لتحاول التحلي بقليل من العقل والواقعية ثم سألته:
- هتفضل نايم.. احنا بقالنا كذا يوم هنا من ساعة ما المهرجان خِلص.. مش هنرجع مصر ولا إيه؟
همهم بنعاس ثم جذبها مجبرًا جزء جسدها العلوي من اعتلاءه وهمس لها بالقرب من اذنها:
- الناس بتقول بونجور، صباح الخير، هنفطر إيه.. مش يالا كده نرجع مصر.. لسه اليوم في أوله حتى..
تركت تحركات شفتاه وهمسه الدافئ دغدغات أجبرتها على الإبتسام رغمًا عنها لتحاول اخباره بجدية:
- ماشي هكلم الريسبشن يبعتولنا الفطار، وبونجور يا سلمان.. اصحى بقى، خد شاور، وشوف هنعمل ايه! أنا عندي تصوير هيبدأ من أول الأسبوع الجاي ومش هاقدر اقعد هنا اكتر من كده..
حمحم محاولًا التخلص من نعاسه بعد أن نهضت هي وتوجهت لتجد ما تستر به جسدها متخلصة من تلك المنشفة التي كانت تغطيها وتركته خلفها لتتوجه في طلب للطعام لهما فهي تشعر وكأنها لم تتناول الطعام منذ آلاف السنوات! ربما هذه نتيجة لكثير من الممارسات التي استسلمت لها بالكامل بين ذراعيه..
انتهى من الإستحمام واكتفى بإرتداء احدى الأثواب النظيفة التي تخص الفندق ومشط شعره محدقًا بإنعكاس صورته بالمرآة واعاد التفكير من جديد بما يود فعله واترك لنفسه ثوانٍ كي يُفكر قبل حسم قراره!
يفصله عامان عن سن الأربعين، وبحثه عن العشق الذي شعر به مرة بالسابق قد أصبح يصيبه بالملل الشديد، يبدو أن مثل هذا العشق لا يتواجد بالعمر سوى مرة واحدة ومن عشقها فَضلت صديقه عليه، حسنًا إذن.. تفكيره بخطوة الزواج من "رغدة" قد تكون هذه هي النهاية لرحلة البحث.. لقد أخذ قراره منذ أن هاتفته منذ عدة أيام..
جميلة، بل فاتنة، ناجحة للغاية بعملها، صديقته منذ سنواتٍ كثيرة، صديقة بالإضافة لمنافع أخرى بالطبع.. ربما منذ أن بدأ في تصميم الأزياء وكان شابًا بالعشرينات من عمره تعرف عليها حينها، قد يكون الآن هو الوقت المناسب لتتويج صداقتهما بالزواج، حسنًا، ليس هذا فقط بل عند تناغم جسديهما الذي بمجرد حدوثه يجعله يتناسى من هو وما حدث له بالسابق منذ سنواتٍ عدة وهو يعتليها أو هي من تفعل، ايهما أقرب!
لو عليه أن يصف مشاعره نحوها سيقول إذن أنها عزيزة عليه، غالية للغاية ولا يستطيع رفض طلب لها، مهما مرت السنوات ومهما عرف من نساء يجد كلاهما في النهاية طريق واحد يجمعهما بمقابلة أو مكالمة وبعدها يتطور الأمر ثم ينسحب احدهما لإنشغاله.. ربما بالزواج لن يضطر أيًا منهما للإنسحاب هذه المرة..
توجه ليُحضر خاتم الزواج الماسي الذي كان يُخفيه ثم وضعه بجيب الثوب وتناول هاتفه ثم توجه للجزء الخارجي من الجناح حيث سيتناول كلاهما الطعام ليجدها ترتدي ثوبًا يُظهر الكثير من مفاتنها وجسدها الرشيق فارع الطول وهذا أكثر ما يجذبه بها حقًا! هو لا يكره أكثر من إمرأة قصيرة عليه المعاناة كي يتعامل معها.. أمّا "رغدة" فكل ما بها من مظهر خارجي يقارب المثالية التي لا تشوبها شائبة!
اقترب ليجلس بجانبها واضعًا هاتفه على المنضدة حيث انتظرته ليتناولا الطعام سويًا وإبتسامة سعيدة تعلو ثغره ومزاجه بدا رائقًا للغاية بينما تحدثت وهي ترمق هاتفها:
- بص، الفستان مجنن الناس.. كمية tweets مش ممكن على الـ design بجد شكرًا أنا مبسوطة اوي ومش عارفة اشكرك ازاي!
أطلق ضحكة هاكمة على ما تقوله ليغمغم:
- آه لو تعرفي الفستان ده خلاني اعمل إيه!
ذهب عقله ليتذكر تلك الفتاة التي تجبره الصدفة على الإرتطام بها بين الحين والآخر وطريقتها الشرسة وصوتها الحاد العالي فضلًا عن تلك الخلفية الإجتماعية التي تنحدر منها وتوضحها كلماتها الغريبة ثم تذكر كيف كانت صرامتها وقت قياسها للثوب وردود افعالها الغريبة ليهُز رأسه مستنكرًا فهو لولا طولها الذي يماثل طول "رغدة" تمامًا شبه تطابق جسديهما لِما كان تحمل التعامل معها ليتوقف عن تفكيره بها ثم قال بنبرة هادئة:
- بس علشان خاطرك هاعمل أي حاجة..
نظرت له بطرف عينيها في استغراب لكلماته ثم وجدته يضع هاتفها جانبًا وتلمس يدها بنعومة وهو يعتدل بجلسته حيث يُصبح في مقابلتها ليتفحص عينيها مما جعلها ترتبك قليلًا من فعلته وسألته بعفوية:
- سلمان فيه ايه؟
رطب شفتاه بينما تريث قليلًا قبل التحدث متفقدًا اياها بملامحه الهادئة ثم تحدث لها بعد بُرهة وهو يُزيد من احتواء يده لخاصتها:
- رغدة احنا نعرف بعض من اكتر من عشر سنين، عمري ما بحس إني مبسوط وعلى طبيعتي غير وأنا معاكي.. دايمًا نتكلم، نخرج، نتقابل، وفي الآخر الأيام بتشغلنا وفجأة بنسكت.. أنا مبقيتش عايز السكوت يطول ما بيننا، مبقيتش حابب كل شوية تبعدي عني..
تعجبت تقاسيم وجهها لتضيق ما بين حاجبيها وتفقدت يده التي تحتوي يدها ثم وجدت يده الأخرى تُخرج شيئًا من جيب ثوب الإستحمام لتجده قد أخرج صُندوق مخملي صغير ثم رفعت عينيها لتقابل خاصته الفاتنة بينما همس لها متسائلًا:
- تتجوزيني؟!
سيطرت الدهشة على وجهها للحظات، ما الذي حدث هذه المرة؟ لطالما التقيا كثيرًا بل هما يعرفان بعضهما البعض منذ بدء الخليقة، ما الذي حدث ليعرض عليها الزواج؟
ابتلعت ثم نظفت حلقها لتسأله بدهشة:
- سلمان أنت بتهزر ولا بتتكلم بجد؟
فتح الصندوق الصغير الذي كشف عن خاتم ماسي آسر أنفاسها يحتوي على ماسة ضخمة بمنتصفه وبين نظرات موزعة بينه وبين ذلك الخاتم وجدته يرمق الخاتم بطرف عينيه ثم أعاد نظره لها وتسائل مجيبًا اياها:
- تفتكري بهزر..
شحب وجهها قليلًا ثم ارتسم شبح ابتسامة في صدمة على شفتاها بينما ألح متسائلًا مرة أخرى:
- موافقة؟
توسعت ابتسامتها بينما أومأت له بالقبول لتعانقه وهي تهمس:
- طبعًا موافقة..
بادلها العناق في حفاوة ثم فصل عناقهما في هدوء وأخذ الخاتم ليضعه حول اصبعها وهما يتبادلان الإبتسامات السعيدة بينما همس بمكر:
- دلوقتي بقيتي خطيبة سلمان يكن.. يعني يلاقيكي موجودة 24/7 .. مش بس لما تحتاجيه ولا لما تتقابلوا صُدفة!
ضيقت عينيها نحوه ثم عقبت بقليل من التحفز المازح:
- وأنت دلوقتي بقيت خطيب رغدة الكومي، يعني تلاقيك موجود.. مش تكلمها علشان one night stand!
رفع حاجباه في دهشة مأخوذًا بتسميتها لعلاقتهما بأنها عبارة عن "ليلة عابرة" ليعقد حاجباه وأخبرها بإبتسامة:
- لا يا رودي لأ! اللي ما بيننا مكنش one night stand وبس.. انتي فاهمة كويس اللي ما بيننا، وبعدين بسيطة، لو مكوناش بنحس بنفس المشاعر مكوناش دايمًا كملنا سوا وكنا لما واحد فينا قابل أو كلم التاني مكنش قبله مرة واتنين وتلاتة!
تريثت لبُرهة مُفكرة بإبتسامة وعينيها تبحث عن مدى تصديقها على كلماته من رفضها بداخلها لتقول في النهاية بتنهيدة:
- عندك حق!
توسعت ابتسامته لها بخبث شديد وعينيه تحمل صبيانية لا تُناسب أبدًا جاذبيته الرجولية ليهمس وهو يقربها له:
- كده بقيتي خطيبتي، sex partner، وقريب مراتي..
لم تستطع التحمل أمام تلك النظرات الجذابة التي لطالما انهمرت من عينيه وجذبها في قبلة شغوفة جعلت جفونها تصطدم معًا في رغبة شديدة منها بالشعور فقط بشفتاه وهي تُسجي خاصتها بهدوءه الذي يبالغ به كل مرة إلي أن تبلغ عنان السماء بين يداه وكل هذا فقط من قُبلة لا يُتقنها رجلٌ سواه!
قاطعهما رنين هاتفه لتفترق قبلتهما عندما احتاجا للتنفس ليتبادلا النظرات فيما بينهما وهمس بحقد:
- انا كرهت اللي اتصل ده أيًا كان مين وهيتحط في البلاك ليست خلاص!
جذب هااستتفه حانقًا دون تفقد هوية المُتصل ليُجيب بملل:
- مين؟
آتاه صوت والدته الباكي وهي تهتف بحزن:
- أنا اتهزأت في بيتي يا سلمان.. الحقني يا حبيبي..
❈-❈-❈
استمعت لطرقات على باب غرفتها لتتعجب لتلك السرعة فهي قد أنهت المكالمة مع "إيناس" منذ قليل واخبرتها أنها ستأتي من أجلها، لن تستطيع أن تأتي في غضون دقائق قليلة، وكذلك اخيها وزوجها ليسا بمتواجدان.. الطارق إمّا خالتها وإمّا ابنتها.. وهي لا تريد لأاي منهما أن تراها بملامحها الباكية للغاية هكذا..
جففت دموعها وهي على يقين تام أنها لن تزيل آثار البُكاء.. فلطالما منعت نفسها عن البُكاء طوال حياتها لأنه يُغير ملامحها ويعكس صورة ضعفها لكل من يعرفها ولكل من لم يقابلها ولو لمرة في حياتها، لذلك حربها مع البكاء مستمرة طوال عمرها لأنها ببساطة ليست إمرأة ضعيفة!
توجهت نحو الباب وقد أعدت سبب البُكاء، رحيل والدها وأمها في أيام متقاربة وسنوات متباعدة.. سيقنع هذا الأمر أيًا كان من هو، ولكن صدمتها كانت عندما رآت واحدة من العاملات بالمنزل متبوعة بهذا الكريه الذي يُصمم أن يُذكرها بخيبتها وهزيمتها أمامه:
- مدام رُفيدة.. بيقول إنه أخو حضرتك وعايزك..
أومأت دون أن تنظر لها بينما رمقته بحقد ونظرة مطولة لتبتلع الفتاة ثم شعرت بالإرتباك حيث لم تُخبرها بشيء وذهبت بينما لم يتوقف نزاع النظرات النارية بين اعينهما ليتسائل بنبرة منزعجة بالكاد تفلتت بين أسنانه وملامح يلوح عليها الغضب:
- فضيحة إيه اللي جوزك بيتكلم عنها؟ وشكلك مبهدلة كده ليه؟ هو مَّد ايده عليكي؟
ابتلعت بإرتباك اخفته بمنتهى البراعة، ليست هي المرأة الضعيفة التي ستهرول كي تحتمي بأخٍ لم تلده أمها، هي لا تعرف هذا الرجل، والأسوأ أنها لم تعرف حقًا ما الذي قصده زوجها فالأمر الآن بعد الزواج يستحيل كشفه، ولكن "رُفيدة الشهابي" لطالما وجدت حلًا لكل مُشكلة.. فسرعان ما وجدت الحل، السكوت.. عدم التحدث بالأمر.. لتُلقيه بوجهه دون تردد حتى ولو أنها تضطر للكذب الصريح:
- أنا معرفش أنت بتتكلم عن إيه، وبعدين أنت مين أصلًا علشان تدخل ما بيني وبين جوزي ومالك أنا مبهدلة ولا لأ! جاي تكون الأخ الحنين.. لأ برافو.. طمعان في إيه تاني مخدتهوش؟! اخدت فلوس واسهم.. عايز أقولك يااه أخويا حبيبي اللي معرفتهوش من سنين.. آسفة.. الـ option ده مش عندي.. تروح تدور عليه في أي حتة غير هنا!
حسنًا، لم يفهم تلك الكلمة التي تفوهت بها باللغة الإنجليزية ولكن يبدو من فحوى الحديث أنها لا تريد رؤية وجهه وأنها لا تزال مُعلنة لحالة الحرب تلك بهيئتها التي تصرخ بعد التقبل له ولكنه لن يفعل عكس ما تعود وتربى عليه فقال بتساؤلات عدة:
- هو ولامؤاخذة مش اللي واقف قدامك اخوكي، ولامؤاخذة في الكلمة برضو، أنا لو لقيت ست غريبة عني محتاجة حاجة مش هتأخر عليها.. لكن من سوء حظي وحظك اننا ولاد راجل واحد.. قصري يا رُفيدة وقولي ما له جوزك وفضيحة إيه اللي بيتكلم عنها؟
رمقته من اعلاه لأخمص قدمه وعقدت ذراعيها لتردف بإستعلاء:
- لأ أنا مش محتاجة حاجة من حد.. اتفضل روح ساعد أي واحدة في الدنيا غيري.. ومظنش أنا اللي جريت وراك وقولتلك ساعدني!
ضيق عينيه غاضبًا وهو يرمقها مليًا ليومأ بالتفهم عدة مرات لتضيف هي:
- يالا امشي ومتجيش هنا تاني.. اديك اخدت حقك في ورث بابي.. مظنش بقى فيه أي حاجة تربطنا غير كده!
رفعت احدى حاجباها وهي تنطق بتلك الكلمات ليقابلها بنصف ابتسامة ثم رفع حاجباه ليقول:
- لا ازاي.. عيب برضو ده احنا ولاد راجل واحد.. وأنا مع المثل اللي بيقول اللي ملوش خير في أهله ملوش خير في حد.. أنا يا حبيبتي جاي علشان اقعد معاكم هنا!
توسعت ابتسامته بينما أخذتها الصدمة مما استمعت له وتسائلت هازئة:
- تقعد فين معلش مش فاهمة؟
التف بمكانه وهو يمدد يداه الممسكة ببعض الأوراق ثم اجابها وكأنه ظفر بشيء ما:
- هنا.. في البيت.. جنب اخواتي.. رفيدة وراغب الشهابي.. سيدة الأعمال والباشا عضو مجلس النواب عن قريب إن شاء الله! مش أنا جاد الشهابي برضو!
أطلقت ضحكة ساخرة ثم تحولت بعدها ملامحها للجدية وهمست بتحفز:
- امشي بدل ما اندهلك الأمن يرموك برا!
تفقد تقاسيم وجهها المُحذرة ليضحك ساخرًا بقهقهات متوالية إلي أن ظهرت أسنانه واتضحتا غمازتيه التي برزتا على جانبي وجهه ثم أهدأ من سخريته مُدعيًا صعوبة الأمر وكأنه أمرًا مثيرًا للضحك لتشعر هي بالغيظ الشديد بينما قال بنبرة متمزقة من كثرة الضحك:
- الأمن اللي دخلني.. حد برضو يخرج واحد من بيت أبوه! مش البيت ده أنور الشهابي ليه فيه جزء.. وأنا ابنه ووارث زي ما انتو وارثين! يبقى حقي اقعد هنا واستقبل ضيوف كمان.. ولو فكرتي تكلمي الأمن ولا الشرطة هيبقى بتسجني اخوكي وواحد قاعد في بيت ابوه وليلة كبيرة كده..
قلب شفتاه وحاجباه آخذا في الارتفاع فوق مُقلتان منتصرتان ليُضيف:
- غير طبعًا الباشا اللي هيتعمله دوشة قبل الإنتخابات اللي خلاص يادوبك!
انخفض حاجباه وهو يُنكس رأسه قليلًا متفحصًا عينيها وهمس بإنتصار:
- بلاش تتعاملي مع واحد رد سجون يا ترى اللي وراه مساجين زيه ولا يمكن ولاد حواري وهيفضحوكوا.. احسنلك تخلينا حلوين مع بعض.. ولو فاكراني مُشكلتي في الفلوس بس مكنتش جيت لغاية هنا وفرق معايا ايه اللي بينك وبين جوزك!
التفت على صوت تلك الخطوات ليجد تلك المرأة التي كانت بالمشفى مع اخته وأخرى لم يعرفها بعد ولكن من كلمات "رحمة" إليه توقع من ملامحها أنها زوجة أخيه التي وزعت النظرات المُستغربة بينهما وتحدثت بإرتباك:
- إيناس جت وكان بقالي سنين مشوفتهاش فطلعت معاها لغاية هنا.. تحبو اقول لحد يعملكوا حاجة تشربوها أو لو محتاجين حاجة؟
كانت بالطبع تقصد "رُفيدة" وحدها بالحديث دونه ليتحامل بداخله على كرامته التي تؤلمه بشدة ولكنه قرر الدخول هنا ليلهو مع الشياطين فعليه إذن أن يكون شيطانًا ليرى أخته تومأ له بالإنكار وابتسامة مقتضبة ثم اجابتها:
- ميرسي يا نانسي..
ليبدأ الجدال إذن فلن ينفع السكوت هذه المرة خاصةً بعد أن تأكد أنها زوجة أخيه ليعقب هو الآخر متهكمًا:
- متشكرين يا مراة اخويا على حسن الضيافة! مش عارف اودي كرمكم فين والله!
ضيقت "نانسي" ما بين حاجبيها في تعجب لطريقته ولما يقصده فهي لا تعرف من هذا الرجل بعد لتلتزم الصمت بينما تدخلت "إيناس" سريعًا لتجذبه من يده بجرأة في لمح البصر إلي داخل غرفة أخته بينما صاحت:
- اقفلي الباب يا رفيدة!
نظرت له بتحفز شديد وليرفع حاجباه ولم يتوقع حقًا تلك الحركة السريعة منها بينما أومأت "رفيدة" بإقتضاب إلي ابنة خالتها وأغلقت الباب لتتكلم "إيناس" بصوت منخفض كي لا يستمع إليهما أحد:
- بقولك إيه، أنت جاي بقى وناوي تعمل مشاكل في البيت ولا إيه؟ أنت مش اخدت اللي أنت عايزه، ما تورينا عرض كتافك ولا أنت لازقة بغرا!
ابتسم لها ابتسامة لم تقابل عينيه بعد أن وجد أخيرًا بين هؤلاء الأبالسة شيطانة تتحدث نفس لُغته ليقول بهدوء:
- آه أنا لازقة بغرا.. وبيت أنور الشهابي بيتي زي ماهو بيت اخواتي.. وبعدين لامؤاخة في السؤال، تطلعي مين كده وانتي بتتأمري؟
التفت نحو أخته وسألها بتهكم لائمًا:
- مش تعرفينا برضو بدل ما أنا اطرش في الزفة كده!
قلبت عينيها في إرهاق فهذا لا تحتاجه الآن بينما زجرته في النهاية:
- بقولك إيه، زي ما شوفت مفيش حد طايقك هنا.. امشي احسنلك بالذوق! بلاش تعمل لنفسك مشاكل أنت مش قدها!
رفع حاجباه من جديد في تحفز بعد أن عقد العزم على صُنع المشكلات حقًا:
- مشاكل!! أنا اوريكي المشاكل!
اندفع سريعًا للخارج بينما هبط الدرج بخطوات سريعة وسرعان ما تبعتاه كلتاهما بعد تبادل نظرات الإستغراب ليقف قبل نهاية الدرج الداخلي للمنزل بقليل ثم صاح بصوته الجهوري:
- يا جدعان.. يا أهل البيت ياللي هنا.. انتو يا ناس اسمعوا..
سرعان ما اجتمع كل من في المنزل بأكملهم على تلك الجلبة وذلك الصوت لتتمتم "إيناس" خلفه:
- لا ده باينه مجنون بجد..
التفت حوله وهو ينظر للجميع مليًا ثم صاح من جديد:
- للي لسه ميعرفش أنا مين، أحب أقولكم أنا بنفسي.. أنا جاد الشهابي ابن أنور الشهابي، أخو رفيدة هانم وراغب باشا الكبير.. وناوي تستضيفوني هنا يومين أصلي لسه جاي من الـ..
التفت نحو "رُفيدة" التي سيطر الوجوم على وجهها قبل أن يتلفظ بحقيقة أنه قد خرج لتوه من السجن الذي دام لسنوات ورآها تبتلع بينما تابع:
- لسه جاي من سفر طويل.. وهانوركم هنا شوية.. اعتبروني صاحب بيت!! وادي قاعدة!
جلس على احدى الدرجات أسفله في تحفز وكادت "رُفيدة" أن تتحدث بينما جذبتها صديقتها سريعًا وهي تنظر لها ألا تفعل وأشارت لها أن تصعدا لغرفتها لتذهب معها على مضض وبمجرد دخولهما للغرفة أخبرتها بمنتهى الهدوء في توسل:
- ولا كلمة، ولا تردي عليه.. سيبيه لما يزهق وهيمشي من نفسه!
تسارعت أنفاس "رُفيدة" في غضب ثم همست بغل:
- لو كان بس راغب مش مترشح لإنتخابات كنت عرفته احنا مين كويس اوي، هو فاكر نفسه إيه! مش مكفيه الفلوس لأ ده عايز يتدخل في حياتنا ويسأل ايه اللي حصل بيني وبين ياسر.. وقاعدة ايه اللي عايز يقعدها معانا في البيت أنا مش فاهمة!
زمت شفتاها واقتربت منها لتهدئتها وهي تُربت عليها ثم قالت متسائلة:
- معلش.. كلها يومين والإنتخابات تعدي، واهو اكيد بيقول كلام وبكرة بعد ما الكل يعامله بقرف هيمشي.. وهو عرف اللي حصل بينك وبين ياسر ازاي فهميني؟
انتابتها حالة من الحزن الشديد لتجيبها بقلة حيلة بعد أن أومأت بالنفي:
- معرفش يا ايناس.. فجأة جه وقعد يسألني فضيحة ايه اللي هيفضحني بيها وأنا أصلًا مش عارفة ياسر مخبي ايه.. أنا حاسة إني في يوم وليلة كل حاجة اتقلبت في حياتي ومش فاهمة ليه كل ده يحصلي.. اكتشف انه خاين وفي نفس اليوم اعرف موضوع جاد الزفت ده وبعدها موت بابي ويجي واحد ميعرفش اي حاجة عننا ياخد ميراث على الجاهز وراغب مانعني اتصرف..
تنهدت بوهن وعينيها بدأت في الإمتلاء بالدموع:
- حاسة إن كل حاجة بتنهار حواليا وحتى إني ادافع عن نفسي قدام ياسر وافضحه الموضوع هيسمع وهيأثر على راغب! أنا تعبت اوي من كل حاجة! بجد تعبت!
عانقتها في مؤازرة بينما أخيرًا تهاوت دموعها في قلة حيلة لتهمس لها صديقتها:
- اهدي بس يا روفي وبعدين مش فيه حاجة حلوة حصلت ورجعنا نتكلم تاني.. مش كل حاجة وحشة يعني! فيه حاجة بسيطة حلوة وسط كل المصايب دي..
نظرت بعينيها لتومأ لها وهي تجفف دموعها لتجذبها نحو أريكة مقابلة لسريرها ثم هتفت بها:
- احكيلي بقى حوار جاد وزفت ياسر ده!
هزت كتفيها وهي تُحدثها بنبرة تحمل بقايا دموعها:
- مفيش.. ياسر مشي على طول، جه جاد وفضل يسأل فضيحة ايه!
احتقن وجهها بالغضب لتتمتم:
- يا ابن الكلب يا حيوان، اكيد قال لجاد حاجة! والتاني ده طنط سوزي number 2 وشكله حِشري اوي.. طيب معرفتيش ياسر يقصد ايه؟
أومأت بالإنكار ثم حدثتها قائلة:
- مفيش غير الموضوع اللي انتي عارفاه، ده اللي يقدر يمسكه عليا.. بس هيقول ايه.. اتجوزتها وفضلت معاها سنين وهي كانت مش virgin مثلًا! طيب مين هيصدقه!
رطبت شفتاها ثم تنهدت وهي تُفكر بينما قالت لتُطمئنها:
- تلقيه بس بيلوش بكلمتين! مش هيقول حاجة ولا هيقدر يعمل حاجة!
نظرت لها بإمتعاض وزجرتها:
- ايه بيلوش دي يا ايناس.. انتي بقيتي لوكال كده ليه.. ده انتي بتتكلمي زي اللي اسمه جاد ده بلبسه وطريقته وكمان هيجي يقعد هنا وسط الناس!! هيقولوا علينا ايه! الناس اللي بتشتغل اكيد هتتكلم وتجيب سيرة الموضوع!
رفعت احدى حاجباها بملامح معترضة بينما اجابتها بتحفز:
- لا متقلقيش طنط سوزي تموتهم لو نطقوا حرف، وعلى فكرة الناس بعيد عن عالم الـ business والـ meetings بقت كلها تتكلم زي بعض سواء معاهم فلوس ولا مش معاهم ولا متعلمين برا حتى!! انتي بس اللي كنتي موقفة حياتك على الشغل وياسر!
تنهدت بعمق بينما دام صمتهما بملامح معترضة من كلتاهما لتسألها فجأة:
- بقولك إيه، هو جاد فعلًا اخد فلوس منكم؟!
التفتت لها وأومأت بالموافقة وقالت:
- ايوة زفت ده اتحوله مبلغ كبير..
نهضت بحماس وهي تقول:
- بسيطة.. انا هخلصك منه اليومين الجايين لغاية ما راغب يخلص انتخابات وساعتها نطلعه برا حياتك خالص.. ولو دخل البيت ده هدخلهولك على النوم وهو مفرهض مش قادر يوقف على رجليه!
اتجهت في طريقها للخارج لتوقفها صديقتها متسائلة في تعجب:
- هتعملي ايه يا ايناس؟
التفتت لتجيبها بإبتسامة خبيثة:
- صبرك عليا.. هزنجفه!!
❈-❈-❈
كان كل ما يحدث حولها في المنزل اليوم يُثير جنونها بشكل لا نهائي!! رجل غريب لا تعرف عنه شيء يدفع والدتها للبكاء ولكنها لم تر ما الذي حدث بينهما، وكالعادة ابنة خالتها "رُفيدة" تعاملها بإقتضاب وسماجة لم تستطع التعرف منها على شيء، وتلك الكلمات التي صاح بها في منتصف المنزل جعلتها تشعر بالخوف من مجرد الإقامة بمنزل واحد مع رجل مثله وكانت ممتنة أن ابنتها غائبة بمدرستها ولم تشاهد ما حدث!
تململت في فراشها وهي في انتظار زوجها الذي تضرع بداخلها أن يُعطيها جملة واحدة لتُطمئنها، يقول أي شيء، يُعانقها حتى.. لماذا عليها تحمل كل هذا وحدها دون وجوده ولو حتى بعدة كلمات لدعمها!
حتى الكلمات لا تجدها منه، كالعادة يتصنع بالرغبة في النوم بعد يومٍ طويلٍ في العمل انهكه وارهقه للغاية، هو حتى لا يلاحظ جفاءه لها، كم من الشهور مرت دون أن تحظى معه بلحظة حميمية واحدة؟ مثلها كمثل بقية الزوجات هي تحتاجه أيضًا! الرغبة والشهوة لم تخلق حصريًا للرجال بينما هي لا تشعر بها النساء.. وكل ما توده مشروع للغاية، هي تريد هذا مع زوجها وليس مع رجل غريب..
ظلت تُفكر في جميع أمور حياتها الباهتة المملة التي لا يتخللها سوى شموس الرتابة والملل إلي أن آتى وبمجرد سماعها لباب غرفتهما نهضت وأنارت المصباح الجانبي لسريرها وتوجهت نحوه وهي ترتدي ملابس نسائية مُغرية أنيقة ستجعل أي رجل مكانه يهتز بداخله كي يتملكها ولكن مع رجل مثله لا تملك بكل زينتها وفتنتها حيلة!
تفقدته بإبتسامة ثم حدثته لتقول:
- استنيتك تيجي.. مرضتش أنام.. وحشتني اوي..
ابتسم بإقتضاب مبالغ به وتصنع نبرة مُرهقة ليبادلها برتابة:
- وانتي كمان!
اتجه ليبدل ملابسه بينما هي تنظر له وسألته:
- عرفت اللي حصل ووجود جاد معانا في البيت وكل ده!
همهم لها بتفهم لتحاول هي السيطرة على انفعالها ألا يطرق باب مناقشتهما القصيرة بالفعل في بدايتها لتسأله بتلقائية:
- طيب وأنت هتعمل إيه معاه؟
التفت لها بعد أن تنهد متصنعًا الإرهاق بينما اجابها بعقدة حاجبان لا تدل سوى على انزعاجه:
- أنا كل مشكلتي في الإنتخابات.. اخلصها وبعدين هفضى لكل حاجة! ساعتها هاعرف اخرجه من هنا زي ما دخل.. خليه كده قاعد لواحده لما يلاقي كل الناس بتعامله بطريقة مش كويسة هيمشي!
أومأت له بتفهم ثم اتجهت نحوه آخذة خطوات متريثة ثم همست له:
- راغب.. أنت وحشتني اوي! بقالنا كتير مقربناش من بعض و..
عرف جيدًا ما تفعله بملابسها وزينتها ونبرة صوتها ليقاطعها مسرعًا:
- نانسي!! أنا تعبان من الصبح وعايز أنام! تصبحي على خير!
توجه نحو فراشهما ليتركها خلفة واقفة تتجرع مرارة كلماته وصده لها ولكنها هذه المرة لن تتنازل عن المواجهة فتبعته بخطوات متحفزة وصاحت به متسائلة:
- تعبان في ايه بالظبط؟ ممكن افهم؟ كل ما اجي اكلمك تقولي تعبان، النهاردة وامبارح ومن اسبوع ومن شهور زي كمان اسبوعين جايين.. ما أنت زيك زي رفيدة بتشتغلوا سوا! ايه التعب الفظيع اللي بتشوفه في الشغل؟
تنهد وهو مُغلقًا لعينيه بينما عقدت ذراعيها وأنفاسها متسارعة من كثرة غضبها ليرد ببرود مجيبًا:
- رفيدة معندهاش انتخابات نازلاها!! وسيبيني أنام أرجوكي ولا أروح أنام في مكان تاني!
اطلقت زفرة متهكمة سرعان ما تحولت لضحكة طويلة ساخرة ليفتح عينيه ناظرًا لها لتتسائل:
- انتخابات بقالها سنين وشهور مش كده؟!
رمقته بحُزن اختلط بغضبها لتفجعه بتساؤل آخر:
- لازمة الإنتخابات دي إيه يا راغب.. هتحققلك ايه ناقصك؟ ممكن تفهمني؟
نهض جالسًا ليتأفف ثم غمغم بإمتعاض:
- تمام.. أنا همشي واسيبلك الأوضة.. تصبحي على خير..
لن تدعه هذه المرة دون تفسيرات عِدة تريدها على كل ما يشغل عقلها لتصيح به بمزيد من الإنفعال:
- لا يا راغب مش هتنام غير لما ترد عليا.. ايه لازمة الإنتخابات دي ليك؟ ولغاية امتى كل شوية هتفضل تتحجج بحاجة علشان تبين إنك مشغول عني وإني مش في اولوياتك؟
رمقته في انتظار لمجرد إجابة واحدة ليتنهد وهو يُغلق عينيه بسأم بينما طال انتظارها لتقترب هي منه متحدثة بتهكم:
- طيب ايه رأيك ارد انا المرادي.. مرة من نفسي اقولك حاجة.. تعرف انت بتعمل كل ده ليه؟ عارف ليه شوية فروع جديدة وشوية انتخابات وفجأة سفر ودايمًا اجتماعات وبتقضي حياتك كلها في الشغل؟
ابتسمت له هازئة من تلك التساؤلات وأخذت تقترب منه وهي تُكلمه:
- لأنك ببساطة انسان مهزوز.. مش واثق في نفسك، لا أب قريب من بنتك، ولا أخ قريب لأختك.. وأفشل راجل في الدنيا مع مراته.. فبتسيب كل مشاكلك بدل ما تحلها وتعالجها وتواجهها وبتهرب لأي حاجة تديك شوية ثقة في نفسك زي مركز اجتماعي ولا انتخابات ولا احترام وشياكة ومظاهر من ناس ميعرفوش حقيقة إنك ملكش لازمة في حياة حد!
نهض رامقًا اياها في غير تصديق بينما تنفست عبأ حملته لكثير من الوقت وبالرغم من قسوة كلماتها عليه التي لأول مرة تنطق بها إلا أنه لم يترك لها ولو حلًا آخر بينما أطال من تحديقه اياها لتجد أنها تستطيع قول المزيد ولم تعد خائفة من شيء:
- هتفضل تبصيلي مش كده، اشمعنى المرادي مش عامل نايم وتعبان وعندك شغل الصبح؟ اشمعنى المرادي؟ مستغرب إن نانسي أخيرًا نطقت.. ولا يمكن خايف إن صوتي يعلى وكل اللي في البيت يعرف إن عندك مُشكلة وملمستش مراتك غير من شهور تقريبًا وحتى يوم ما بتقرب مني بتبقى دقيقة.. خايف على نفسك مش كده؟
لم تتلاقى جفونه، ظل يُحدقها في صمت، بالرغم من أن داخله بركان ثائر ولكنه في هذه اللحظة تحديدًا كان أقرب الشبه لوالدته وأخته كثيرًا في السيطرة على الغضب لتفجعه بالمزيد بشبه صراخ:
- اتكلم، قول أي حاجة، اعتذر، حتى اضحك عليا وخدني في حضنك، كلمني ولا ناقشني.. كام مرة اتحايل عليك واحاول معاك بالدوء والحنية والإحترام.. كام مرة قدرتك واديتك مساحتك وصبرت عليك.. انطق بأي حاجة.. قولي حتى بكرة هاقضيه معاكي انتي والبنت وهأجل أي حاجة.. خليك بقى راجل ولو لمرة في حياتك معايا زي باقي الرجالة مع مراتتهم!
هذا ما لم يقب تحمله ليجد نفسه ولأول مرة بحياته يرفع يده عاليًا لتتهاوى على وجهها لتخلف صفعة شديدة لم تتلاقاها هي الأخرى في حياتها!!
يُتبع..