-->

الفصل السابع - وكر الأبالسة - Den of Devils

 

الفصل السابع


❈-❈-❈


" لسان النساء مكنسة الشيطان"

مثل روسي

❈-❈-❈

 


منذ عدة ساعات. . 

بعد أن اقنعته بمجرد بعض كلمات بأنه لو سيمكث في هذا المنزل إذن عليه على الأقل أن يبدو بمظهر لائق، وأن بالرغم من تلك الطريقة التي تتعامل بها اخته "رفيدة" معه إلا إنها في النهاية لم تعرف طوال حياتها إلا مجال العمل، القطنين بهذا المنزل، هي و "ياسر" زوجها وليس هناك أمرًا آخر.. 

لن تتقبل بالطبع رجل ظهر هكذا فجأة ليُدمر لهم كل ما تعاون والديها وخالتها وزوجها على تشييده لسنوات، لذا الأمر لا يزال صعبًا عليها في أن تتقبله وتبسط ذراعيها له كي تجمعهما معانقة حميمة بكل معاني الأخوة والد.. لا تزال هذا الخطوة يبعدها الكثير عنه، وأخته صعبة المراس.. وستأخذ وقتًا طويلًا كي تتأقلم.. 

اتجها سويًا بسيارة "إيناس" لواحدًا من المجمعات التجارية الشهيرة ذات الصيت التي يعرفها الجميع ولا تخلو من الكثير من العلامات التجارية الشهيرة واقنعته كذلك أنهما سيتسوقا أيضًا من أجله فهو قد آتى إلي هنا ويفقد الكثير من متعلقاته وعليه أن يحضر أشياءه إن كان سيُقيم مع الجميع!

في حقيقة الأمر بالنسبة لها، كان "جاد" مجرد شيئًا لتشغل به فراغها، بالرغم من الود الذي تدعيه على ملامحها وحديثها الذي اقنعته به وذلك الحماس وتلك الطاقة التي تشع منها بضرورة الذهاب هنا وهناك، إلا أنها وحيدة! وكل ما رغبت به هو أن تكون مع أحد.. رجل جديد قد يبدو جذابًا فقط مع بعض اللمسات البسيطة.. وهي مستعدة للغاية بأن تملئ وقت فراغها به! وكانت تستمتع للغاية وهو يقص عليها قصته التي استمعت لها هذه المرة على لسانه وليس على لسان صديقتها وشعرت بالتأثر من أجله.. 

على كلٍ، لو أن "جاد الشهابي" ستتحسن علاقته بأخوته مثل ما يقول هو ستكون ربحت أمام الجميع، ولو أن "جاد الشهابي" سيتم التخلص منه من قِبَل "رُفيدة" وأخيها "راغب" فستكون هي على اتفاقها مع صديقتها ولن تخسر، هي فقط تقوم بإبعاده عن المنزل قدر المستطاع، وفي كل الحالات تشغل وقتها بأي شيء جديد عليها.. 

اتجهت لأحدى الشماعات المُعلق عليها الملابس ثم جذبت احدى القمصان التي قد تلائمه فهي بعد مناقشة صغرى معه لم تستمر لأكثر من دقيقة تيقنت أن رجلٌ مثله لا يُحب الملابس الرسمية كثيرًا، وهما بالفعل قد ابتاعا حوالي أربع حُلل رسمية سيكفوه إلي الآن! 

أضافت القميص إلي ما تحمله بالفعل ثم قالت:

- يالا أدخل قيس دول كمان علشان نبقى خلصنا جزء كبير النهاردة!

رفع حاجباه بملامحه المُداعبة دائمًا التي بدأت في التعود عليها ثم سألها بسخرية:

- جزء كبير.. هو لسه في اجزاء تانية؟

ابتسمت له ثم حدثته بثقة:

- أنت جاد الشهابي.. عايز الناس تشوفك ازاي؟ أنت خلاص حكمت على نفسك تعيش وسط ناس مبيفرقش معاها غير المظاهر، وبكرة لما تروح الشركة هتعرف بنفسك.. 

تريثت لبرهة بعد أن اقتبست من كلماته التي أخبرها بها عندما سألته عن خُطته فيما يُريد فعله لاحقًا ثم أضافت بسأم:

- وبعدين احنا هنقضيها نظرات ولت وعجن.. ما تخلص بقى يا عم جاد! عايزة اشرب شوية قهوة يصحصحوني!

أومأ لها بالموافقة على حديثها بينما قال:

- عندك حق..

اتجها سويًا لغرفة القياس بينما جلست بعفوية واضعة كلتا يداها بين ساقيها وضمتهما من الأعلى بينما نهايتهما كانتا مبتعدتان وشردت بأمر هذا الرجل قليلًا.. هي لم تعرفه سوى لساعتان أو أكثر قليلًا.. ربما ثلاث ساعات.. ولكن كل ما يبدر منه وبعد كل هؤلاء الرجال الذين تعاملت معهم ولا يتصفوا سوى بالحقارة شعرت أن هذا الرجل مختلف كثيرًا.. 

لمحت نفسها بمرآة أمامها أثناء شرودها فأخذت تُعدل كم خصلات شعرها وهي تنتظره ليظهر فجأة من غرفة القياس ليسألها بتردد:

- لا البتاع ده غريب اوي.. أنا مش هاجيبه! ايه ده انتي بتضحكي على إيه؟

نظرت له بإبتسامة أظهرت نصاع اسنانها البيضاء ثم هتفت به وهي تتجه نحوه:

- ده إيه الجمال والحلاوة والشياكة دي يا عم جاد.. هياكل منك حتة يا ناس.. لا ده أنا كده اغير بقى امشي معاك لا تتعاكس مني! إيه هو اللي مش عاجبك؟ ده حلو ومخليك موديل.. شوف هتاخد أوسم رجل في العالم..

ابتسم لها هو الآخر تلك الإبتسامة التي تُعد مزيجًا غريب من الخجل والجرأة بآن واحد بينما في ثوانٍ اختفت ابتسامتها وأطرقت برأسها إلي احدى الجوانب لتختفي ابتسامته لما رآه من ملامح على وجهها ثم قالت بتوسل:

- ما تخلصني يا عم.. ما تخلصني ابوس ايديك رجليا هلكت من اللف..

رفع حاجباه في تعجب ثم تسائل ساخرًا:

- ألاه! أمال إيه اللي هياكل مني حتة وضحكة من الودن دي للودن دي..

زمت شفتاها لأحدى الجوانب وهي تقول ساخرة:

- وياريته عاجب يالا أمشي اخلص..

دفعته بيداها للداخل حيث غرفة القياس ليزداد تعجبه من هذه المرأة بينما قالت من جديد:

- اخلص يا عم ابوس ايدك!

دخل ليحدق بملامحه بالمرآة فجأة ليجد نفسه مذبذبًا وأخذ يسأل نفسه، لماذا وافق تلك المرأة المجنونة على الذهاب معها؟ ولماذا يفعل كل ما يفعله الآن بإبتياع الملابس والتسوق كالمجنون؟ لقد حتى أصبح يملك هاتفًا قد أنفق به ثروة صغيرة وهو لا يعرف كيفية استخدامه بعد! 

هل هذا لأنه يريد التشبه بهم؟ أم مواكبتهم وملائمتهم؟ أم على الشيطان أن يُشبه بقية الشياطين حتى يستطيع التعامل معهم؟ هو لا يعلم ما الذي يفعله بهذه اللحظة تحديدًا! 

وما عن تلك المرأة الغريبة التي لا تملك أي حدود في التعامل؟ تدفعه بيدها، تلمسه بين الحين والآخر، منذ قليل كانت بمنزل الشيطان الأعظم ووكر الأبالسة العظيم والآن هي بصُحبته تثرثر معه وتلازمه بل وتقول أنها تُساعده، ولكن شيئًا ما بداخله يخبره بأنها ليست مثلهم.. فهي لا تُشبه "رُفيدة" ولا تملك غموضًا مثل أخيه "راغب" وليس هناك بها ولو ذرة غطرسة مثل ما رآها بأعين البقية!

ربما لاحقًا سيعرف المزيد عن هذه المرأة ذو الضحكة الرنانة الرائعة بمزيجها الغريب بين الفِتنة والمرح الذي لم يجدهما بإمرأة قط.. هذا لو تعامل مع النساء من الأساس طوال سنوات حياته التي أُفنت خلف القضبان!

انتهى ليأخذ تلك الملابس للخارج وقام بالدفع بتلك البطاقة التي لا تشكو كثرة انتهاكه اياها ولم تتوقف عن العمل اليوم، جزءًا بداخله يشفق عليها.. لو أن "سعد" يراه الآن سيُلقبه بالمجنون حتمًا.. حسنًا سيترك "سعد" ليُعلق هاكمًا على تصرفاته غدًا فهو سيتم الإفراج عنه وسيذهب لصحبته على كل حال!

تركا المتجر الأخير لهما برحلتهما اليوم لتتحدث "إيناس" متسائلة:

- - بقولك، فاكر ركنا العربية فين؟

أومأ لها لتسأله مجددًا بجدية شديدة:

- بجد ولا بتحور وعامل نفسك فاكر وخلاص؟

طأطأ برأسه قليلًا وهو ينظر لها بصرامة وأجابها:

- أنا لسه خارج من السجن، عارف يميني من شمالي ولسه عقلي فيا متخافيش

 ابتسمت بتريث على ما قاله ونظراته تلك المُعبرة التي بدأت في التأقلم عليها وقد فهمت منها ما يُريد قوله حتى قبل أن ينطق بكلماته لتقول:

- خلاص يا عم جاد متاكلنيش بعنيك.. هاجيب قهوة واجيلك.. خد..

ألقت له بمفاتيح سيارتها بينما أمسك هو بها بعفوية لتقترح:

- اجيبلك معايا؟

أومأ لها ثم اجاب:

- ماشي.. 

ضيقت ما بين عينيها ثم استفسرت بعفوية:

- بتحبها ازاي؟

ابتسم لها ثم قال:

- كل اللي يجي منك حلو! 

ابتسمت له وهي تهز رأسها بالموافقة ثم ذهبت لتختفي بين الجمع ليذهب هو الآخر بإتجاه السيارة وهو يُفكر بأمرها، حسنًا.. لقد وجد بها دعمًا لم يجده بأحد من الأبالسة اخوته وخالتهما تلك المرأة القبيحة!! 

ظل مُنتظرًا اياها وهو يرمق السيارة التي اكتظت بتلك الحقائب وتذكر تلك الأموال التي بالغ في الإسراف بها ببزخ، حسنًا.. بعد سنواتٍ من الحرمان هذا حقه وهذه أمواله وسيفعل ما يشاء حتى لو سيُسرف على المظاهر!

ليس هذا كل ما بات يملكه على كل حال، لا يزال يملك حصة ضخمة من الأسهم بشركات الشيطان الأعظم، ولوهلة سأل نفسه، لو كان التوقيت مختلف هل كان سيستطيع الظفر بكل هذا؟ ربما لقد وقف القدر إلي جانبه بهذا الشأن.. ولكنه لا يأمن مكر الشيطانان أخوته.. وعلى "سعد" أن يُساعده بذلك، أليس كانت دراسته في مجال التجارة؟ لابد وأنه يعلم شيئًا أو اثنان عن الأموال!

فاق من شروده على تلك الجلبة التي استمع لها و "إيناس" تركل بقدمها السيارة ثم حدثته بإنزعاج:

- خد القهوة من ايدي وحطها مكان الكوبيات في التابلوه.. 

ناولته احدى الأكواب التي مد يده وجذبها منها وسرعان ما التفتت هي لتجلس بمقعد السائق بينما وجدته يُعاني قليلًا في محاولة للبحث عن مكان الأكواب فكبست احدى المناطق بجزء التخزين الداخلي للسيارة وهي تتمتم بين ضحكاتها العفوية:

- بتعمل إيه بس، مكان الكوبيات اهو.. أنت مُشكلة يا عم جاد

هز رأسه بينما تفوه بسخرية:

- معلش بقى لامؤاخذة، مش ابن ذوات ولا ليا في العربيات اوي..

أطلقت زفرة مصحوبة بصوتٍ مُرهق ورفعت شعرها تعقده ببعضه البعض ليتابع ما تفعله وقد اتضحت عنقها بتجلي له بينما فالت بخفوت متنهدة:

- بكرة يبقى ليك متقلقش..

أخرجت من جيب سترتها قداحتها وعلبة سجائرها لتقدمها له مهمهمة بإقتراح أن يتناول واحدة ليضع هو يده بمنتصف صدره قائلًا:

- لا اعفيني مبدخنش.. كان أيام الشقاوة من باب التجربة كده وربنا هداني..

رمقته بنظرتها المتلاعبة المرحة ثم قالت:

- ماشي يا عم جاد..

أشعلت احدى سجائرها وتوسدت كرسي السيارة وكأنها تُلقي بكامل ثقل جسدها عليه ثم أغلقت عينيها وهي تستنشق أولى الأنفاس من سيجارتها وقالت بصوت خافت هادئ للغاية:

- أحلى حاجة في أي خروجة لحظة الجراج دي.. هدوء كده بعيد عن دوشة المول جوا وحاجة عظمة.. بهرب دايمًا ليها بعد مشوار طويل ولف زي النهاردة كده..

التفت أكثر بمقعده نحوها ثم حدق بها ليجدها تدلك عنقها أسفل شعرها المرفوع وساد الصمت الشديد بينما شعرت هي بالإستغراب لتفتح عينيها وتفقدته بتساؤل من عينيها لإطنابه النظر بها بهذه الطريقة فقلبت شفتاها ثم سألته بتلقائية:

- مالك بتبص كده ليه كأنك أول مرة تشوفني؟

جذبت كوب قهوتها لترتشف منه ليضيق احدى عينيه وهو يتفحصها بينما تسائل وهو يُشير بيده بحركة دائرية:

- هو ولامؤاخذة ايه المغزي؟

انطلقت احدى ضحكاتها التي كادت أن تلفظ ما بفمها بفعلها وابتلعت بصعوبة وهي تعيد كوبها لمكانه بالسيارة ثم استطاعت بقايا ضحكتها الرنانة أن تجد الحرية وفرت من حنجرتها لتقول:

- يخربيتك ده أنت بتسجع! لامؤاخذة ايه المغزى! ده أنت مُشكلة يا عم جاد بجد!

ابتسم ابتسامة لم تقابل عينيه بينما كرر تساؤله بطريقة أخرى:

- لا بجد، ايه الحوار ما ترسيني.. تعالى ونشتري حاجات ولف وفرهدة.. ايه اللي في دماغك! الحداية مبترميش كتاكيت يعني!

تنهدت بعمق بعد أن هدأت ضحكتها والتفتت بمقعدها وثنت احدى ساقيها أسفل منها حتى تستطيع مقابلته وتُصبح في مواجهته ثم اجابته مُتسائلة:

- عايز الصراحة ولا الحقيقة؟

نظر لها بملامح جدية وبتلك الأعين المُعبرة التي تصرخ بها أن تكف عن المزاح وتجيب تساؤله ففعلت بعد أن ارتشفت من كوبها واستنشقت من سيجارتها:

- أنا ارسيك يا عم جاد على الحوار.. بصراحة رفيدة زي ما أنت عرفت هي وجوزها مش تمام، أنكل أنور لسه ميت، مامتها كمان ماتت في نفس الأيام دي من كام سنة، وأنت شايف قد ايه انتو مع بعض سمنة على عسل فقولت أفصل بين القوات شوية.. منها بغير جو، ومنها أنت وهي متتخانقوش، وادينا اتبسطنا اهو أنا وأنت بعد اللف ده كله! ولا أنت متبسطش واحنا سوا ولا ايه الحوار؟ ما ترسيني أنت كمان؟

أنهت كلامها بأحدى الغمزات من عينيها في مرح بينما تفحصها لثوانٍ لتقول هي:

- واديك هتجرب إيناس وتعرفها، بكرة تعرف هي جدعة ولا زي الباقين، وبعدين كلام في سرك الدنيا والعة وأخواتك مش سهل تتعامل معاهم.. ومكنش حد هيلف معاك اللف ده زيي! أنت كسبان صدقني من الكام ساعة دول ومتقلقش أنا اهو معاك مكسبتش حاجة غير رجليا اللي تعبت من اللف.. هارش يا عم جاد ولا إيه؟

جعلته كلمتها تبتسم ليسألها بعفوية وهو يتفقد ملامحها:

- هو ولامؤاخذة، انتي ليه غيرهم، مش بتتكلمي زيهم كده، تحسيهم غيرك بيتكلموا من طرتوفة مناخيرهم إنما انتي جدعة وبنت بلد؟

ابتسمت في زهو وإعجاب بنفسها بينما اجابته قائلة:

- شوفت، أنت اللي قولت بنفسك إني جدعة وغيرهم.. وبعدين بكرة تعرف مين إيناس كويس.. وبتكلم كده علشان أنا مش قاعدة في البُرج العاجي ومن الشركة للبيت ومن البيت للشركة، لا أنا حياتي غيرهم خالص..

تنهدت على ذكر الأمر بينما غيرت مجرى الحديث سريعًا وسألته:

- ها، تحب نروح وبيتك وبيتك ولا عايز تروح في حتة؟

رمقها بإبتسامته تلك التي تبدو مزيجًا من الجرأة والخجل ولا تدري كيف يفعلها ثم اجابها:

- لا، بيتك بيتك.. الساعة بقت حداشر إلا تلت وأنا عندي بكرة مشاوير كتيرة..

همهمت في تفهم وكادت أن تتحدث بالمزيد ولكن صدح هاتفه الجديد بالرنين لينظر له كالمشلول الذي لا يعرف كيف عليه استخدامه فآخر هاتف استخدمه كان يحتوي على ازرار أما هذا فهو عبارة عن شاشة ملساء ليس بها شيئًا سوى رقم المتصل الذي علم أنه "رحمة" وعلامتان واحدة حمراء والثانية خضراء للرد أو الرفض بينما لا يعرف كيف يستخدمه!

شعرت بمأزقه وهو ينظر للهاتف لتبتسم بإقتضاب وسألته:

- عايز ترد على اللي بيكلمك؟ 

أومأ لها لتمد احدى اصابعها وهي تجيب ثم همست له:

- بندوس هنا كده..

وضع الهاتف على أذنه سريعًا ليأتِه صوتها بلهفة شديدة:

- جاد.. أنت كويس؟ أنت فين بقالك كام يوم مش بشوفك؟

حمحم ثم اجابها بتلقائية:

- يعني يا رحمة، مشغول في شوية حوارات.. على فكرة أنا كان بقالي كذا يوم ببيت في الدُكان بس باجي متأخر وبمشي بدري أوي!

استمعت "إيناس" جيدًا لتلك التفاصيل لتشعر بالشفقة عليه قليلًا، أهو يقيم بحانوت ما ولا يملك منزلًا؟ كيف يتعايش؟ سلطت نظرها على الطريق بينما وجدت سلة للمهملات وانتظرته حتى يُنهي جُملته:

- وانتي عاملة ايه؟ رزق الكلب فتح بقه معاكي تاني؟

تحدثت "إيناس" بتلقائية وهي جالسة بجانبه:

- جاد هات كوبايتك لو خلصت علشان فيه باسكيت ارميها..

أومأ لها بتلقائية بينما اعطاها الكوب بينما شعرت "رحمة" على الطرف الآخر بالتعجب وتسائلت:

- هو أنت مع مين يا جاد؟

اندفعت غيرتها العمياء لتتسائل بهذا السؤال ليُجيبها:

- هابقى احكيلك بعدين، المهم قوليلي، عمل حاجة تانية الواطي ده؟

لم يُعجبها إخفاءه الأمر عنها، لقد استمعت لصوت أنثوي ولن تترك الأمر ليمر مرور الكرام هكذا بينما فكرت قليلًا، لو اخبرته أن هناك شيئًا ما فبالطبع سيكون هنا في أقرب وقت فأجابته:

- بصراحة اخته جاتلي وقعدت تقول كده كلام ممنوش فايدة واحنا أهل وبتاع وحصل خير وهو مش مبطل في الرايحة والجاية بيلسن بكلام زبالة زيه!

تعالت أنفاسه بغضبٍ شديد وهو يستمع لتلك الكلمات لتشعر هي بإنزعاجه لتقول مسرعة:

- بس يعني مفيش حاجة حصلت! متقلقش أنا كويسة!

حدثها بإقتضاب ليقول بلهجة لا تقبل النقاش:

- يا واطي يا وسخ.. أنا هاوريه وانتي يا رحمة اقفلي دلوقتي واستنيني أنا جايلك! 

ابتلعت وهي تشعر بالإرتباك لتتراجع عما قالته بينها وبين نفسها، ربما لم يجب عليها أن تخبره بما حدث فقالت بتوسل:

- خلاص يا جاد يعني هي الكلمة بتلزق ولا هو نازل من السما.. خلصنا خلاص وأنا مبردش عليه أصلًا..

زفر بتأفف شديد ثم صاح بها:

- هتفضلي تجادلي بقى.. سلام يا رحمة!

التفتت نحوه وكلاهما قاربا من منزل "أنور الشهابي" بينما سألته بعفوية:

- إيه ده فيه إيه؟ فيه مُشكلة ولا حاجة؟

سلط نظره أمامه بينما اجابها بإقتضاب:

- لا دي اختي.. عيل رخم كده بيرخم عليها علشان قاعدة لواحدها، أنا مش فاضي وسعد لسه هيخرج بكرة والناس اللي بتحشر مناخيرها في كل حاجة عندنا في الحتة مبيخلصوش.. بس رزق ده كلب وشكلي هادخل فيه السجن تاني!

تعجبت من كلماته، فما تعرفه أن "رُفيدة" هي أخته، ربما يملك أختًا من والدته، ولكن هذا ليس شأنها فقالت محاولة المزح معه:

- ما تهدى يا وحش، سجن إيه بس ولا أنت حبيت القاعدة هناك..

التفت لها بملامح شديدة الغضب لتتراجع سريعًا عن مزاحها السخيف قائلة:

- خلاص خلاص بلاش بصاتك دي.. كل اللي اقصده إن كل مُشكلة وليها حل.. لو أختك فيه حد بيضايقها هاتها وقعدها معاك في البيت لغاية ما تشتروا بيت تاني.. 

التفت متفقدًا اياها متعجبًا لتتكلم بسرعة نافية أي تحمل للمسئولية:

- بس أنا مقولتلكش حاجة.. أنت ادخل افرد عضلاتك عليهم كده زي ما عملت الصبح وسوزان دي اديها على بوزها وغير كده محدش هيعملك حاجة! ولو الدنيا قفلت منك أوي أنا بيتي موجود لو حابب تقعد عندي يومين مفيش مُشكلة.. 

نظر له مليًا ولاحظ شدة دعمها له فلم يطمئن بالكامل لها بعد، فهو ليس بساذج ولكنه سيرى ما نهايتها معه ليتسائل بعفوية:

- هو يعني لامؤاخذة في السؤال.. الوقت أتأخر وانتي معانا من الصبح في البيت ودلوقتي معايا، مفيش حاجة وراكي.. وبتقولي بيتي، هو انتي عايشة لواحدك، اهلك فين يعني لغاية دلوقتي مسألوش عليكي ولا كلموكي! مبيقلقوش عليكي وانتي خارجة مع راجل غريب متعرفيهوش؟

كان هذا القول قاسيًا عليها، هذا كل ما تريد أن تبتعد عنه، نظرات الرجال لها مهما تظاهرت بأنها إمرأة قوية لا تهاب شيئًا، ها هو رجل آخر ونفس القصة تتكرر من جديد.. السؤال عن أهلها وأُسرتها ولماذا هي إلي الآن لم تعود لمنزلها، وهل تملك أسرة أم لا، وكل تلك التراهات العفِنة التي تريد أن تهرب منها بأي طريقة! 

التفتت لتنظر أمامها وهي تمر عبر البوابة الخارجية للمنزل بينما اجابته بإقتضاب وهي تنطق الكلمات بمقوت:

- عادي.. أنا متعودة بروح متأخر وما دام معايا عربيتي مفيش حاجة هتحصلي

شعر باقليل من الندم وهو يتحدث معها بتلك الطريقة، فهو لم يقصد الأمر ولا يقصد أن يُزعجها، كل ما في الأمر هو إجراء مقارنة سريعة بين إمرأة مثلها وبين "رحمة" ليجد أن ملامحها تُخبر بأنه أفسد الأمر ولكنه يجد كلماته عادية بنفس الوقت مما آثار حيرته لعدة لحظات..

❈-❈-❈

عودة إلي الوقت الحالي. . 

رمقته في صدمة وهي تنظر له، هل هذا هو زوجها؟ ابن خالتها التي عرفته منذ الصغر؟ هل حقًا فعلها وقام بصفعها بشدة أم هي كانت فقط ترى احدى الكوابيس بمنامها؟! 

ابتلعت في هول مما فعله بينما نظر لها هو لاهثًا بغضبٍ شديد لتتسائل هي بهمس مشدوهة بفعلته:

- انت بتضربني يا راغب علشان بتكلم معاك.. 

تفقدته بخزي، أكثر ما يؤلم المرأة هو أن يُمارس عليها رجل عنفه بغتة دون أن تتوقع أن تأتي الإهانة جُرعة مؤلمة كالخناخر وعليها أن تبتلعها بحنجرتها دفعة واحدة متحاملة على كل اوجاعها، كانت تظنه في يومٍ عزيزًا عليها، كان لطالما بالرغم من كل افعاله تشفع له لأنه يحترمها في النهاية، ولكن هل ستكون هذه هي نهايتهما بعد سنوات، وطفلة؟! 

ابتلعت في قهر واحدى دموعها تنساب بينما هو ازداد غضبه ليس فقط لكلماتها ولكن على ما فعله، هو لم يكن يظن أبدًا أنه سيفعل ذلك، لا يدري من أين آتى تصرفه بينما تسائلت هي بنبرة ممزقة بين الخزلان والخيبة:

- بترفع ايدك عليا علشان بس طلبت منك نتكلم! 

اقترب نحوها متلعثمًا وهو يحاول البحث عن كلمات اعتذار لم يستطع لسانه نطقها:

- أنا.. أنا معرفش أنا.. أنا كنت مضغوط وكلامك كان..

وجدته يحاول تلمسها لتبتعد عنه ثم قاطعته بلهجة شديدة:

- لا أنت استحالة تقرب مني.. أنت خلاص.. أنت بالنسبالي مش أكتر من أبو بنتي! ابعد عني يا راغب..

رطب شفتاه وازدادت عقدة حاجباه وتعرق ارتباكًا دون أن يُلاحظ ما الذي يحدث له وحاول الإمساك بها وأنفاسه متعالية ثم قال بصوتٍ مهتز:

- نانسي استني.. أنا مقصدش.. وطريقتك اللي اتكلمتي بيها كانت صعبة جدًا.. أنا آسف بس.. 

شعرت بلمسته فوقها تحرقها كالنيران وأخذ جسدها يشع بحرارة بالرغم من أنهما بفصل الشتاء لتومأ بالإنكار ثم قالت:

- لا أنت استحالة تقرب مني تاني بجد..

ابتعدت عنه ذاهبة لغرفة الملابس وهي تجذب رداءًا أطول كي يستر المزيد من جسدها فكل ما ترائى لها هو الذهاب مبتعدة عنه لأي مكان وحتى لو كان عليها أن تُقضي الليلة بغرفة ابنتها "سيلا" ولكنه تبعها ليُمسك بها هاتفًا:

- نانسي.. استني بس.. أنا مقصدتش، كان غصب عني! أنا آسف بجد! 

اقترب منها وهي ترمقه في صدمة، أوصل به الجنون لمثل هذه الدرجة حتى لا يعرف ما الذي يفعله؟ ما الذي تغير بشأنه؟ ما الذي دفعه ليُصبح رجلًا آخر غير الذي عهدته لسنوات عمرها بأكملها؟ 

اقترب منها أكثر ليهمس لها:

- أنا آسف.. 

ازداد اقترابه وهي شاعرة بالصدمة، لا تعرف حقًا ما الذي طرأ ليُغيره بمثل تلك الطريقة! وما فاق صدمتها هو مباغتته اياها بصدمة اكبر، هو يحاول تقبليها رغمًا عنها! 

دفعته بيديها وهي ترمقه بإستهجان واحتقار لم يغادره الصدمة بينما همست له مشدوهة بما يفعله:

- لأ، أنت بقيت مش طبيعي بجد! 

هرولت للخارج وهي تغلق الرداء كي تحكمه حول خصرها وأكملت بخطوات واسعة للخارج وذهبت خارجة إلي الحديقة وبمجرد شعورها بنسمات الهواء البارد انهمرت دموعها في قهر!

أبعد كل ذلك الصبر والتحمل سيكون عليها الآن أن تتعرض للعنف وتتلقى الصفعات على يده؟ ما الذي فعلته كي يتصرف معها هكذا؟ أهذا جزائها بعد صمتها الذي دام لأشهرٍ وسنوات؟ هل جرحت كبرياءه لهذه الدرجة الشديدة حتى أصبح لا يستطيع التحمل؟ وماذا عن كبريائها هي كزوجة وكإمرأة تُدفن أنوثتها يومًا بعد يوم؟

علاقة حميمة غير متواجدة من الأساس، لا يضعها كأولوية ولو ليومًا واحدًا في الشهر، لا يتحدث معها سوى بإقتضاب، والآن فقط لمواجهته بكل هذا يكون رده أن يصفعها؟! 

انهمرت المزيد من دموعها شاعرة بالخيبة والندم، ربما لم يكن عليها الإنتظار لكل هذا الوقت، ربما لو كانت واجهته منذ سنوات لما كان عليها أن تُفجع على هذا العنف من زوجها!! 

لم تلاحظ اقتراب "إيناس" و "جاد" الذي لاحظ بكاؤها فتوجه نحوها بعفوية ليقول:

- يا ساتر يارب.. خير.. انتي كويسة؟ 

انتبهت "إيناس" التي كانت في طريقها بجانبه لترى إن كانت "رُفيدة" لا تزال مستيقظة فتوقفت بجانبه لتسألها بإهتمام هي الأخرى:

- نانسي انتي كويسة؟ فيه حاجة حصلت؟

نظرت لكلاهما أمامها بينما أومأت بالإنكار وهي تجفف دموعها ثم اجابتهما بإقتضاب:

- لا أنا تمام.. أنا بس كنت حاسة بخنقة وارتحت لما عيطت.. تصبحو على خير.. 

التفت لينظر لها مُتعجبًا بينما قال: 

- ده إيه البيت ده اللي كله نكد! حاجة غريبة! 

زمت شفتاها وسرعان ما تناست ما قاله لها منذ قليل بالسيارة وهمست بآسى:

- ده نانسي دي غلبانة وطيبة جدًا.. كل اللي في البيت ده كوم ونانسي دي في حتة تانية خالص.. لو راغب هو اللي زعلها يبقى بجد إنسان معندوش دم!! 

تنهد وأومأ لها بينما تفقدها لوهلة وقال مُغيرًا مجرى الحديث:

- هو أنا يعني حسيت إني بدل ما اكحلها عميتها في الآخر بس شكرًا يعني على جدعنتك معايا!

ضيقت عينيها تتفحصه بإبتسامة لتقرر في النهاية أن كل رجال هذا المجتمع يتشابهوا ويتطابقوا بطريقة غريبة والأمر ليس حصريًا له لتغمز له بعد أن قالت:

- ولا يهمك يا سيدي وبعدين مردودالي يعني.. ولسه فيه ما بيننا رغي كتير.. 

ابتسم لها بمصداقية ثم تنهد وهو يقول: 

- طيب.. أنا بقى هاروح اشوف حكاية رحمة دي.. سلام!

اتسعت عينيها بتعجب وسألته بعفوية:

- وأنت هتروحلها ازاي؟

هز كتفاه ثم اجابها بتلقائية:

- يعني.. مواصلات!

ابتسمت له ساخرة وتنهدت قائلة:

- أنت يا عم جاد على ما تاخد على عيشة ولاد الشهابي هكون اتجننت.. تعالى لما أوصلك يالا!

اندهش منها ثم هز رأسه بالإنكار وقال بلهجة قاطعة:

- لا ميصحش الوقت أتأخر والطريق طويل و..

لم تتقبل منه أي رفض لعرضها الذي لا يزال قائمًا وكانت جادة فيه للغاية، فلو بالنسبة له الوقت تأخر كانت ستذهب هي لتقضي باقي السهرة في مكان آخر وهي بالفعل تشعر بالحماس تجاه تلك القصة التي لا تدري كيف ستنتهي فقاطعته لتحسم الأمر:

- عم جاد!! بلاش هري كتير وحوارات ملهاش لازمة.. هوصلك يعني هوصلك..

كاد أن يتكلم ليرفض من جديد ما عرضته عليه ليلتفت كلاهما على صوت عرفته "إيناس" بينما لم يتعرف عليه "جاد" وما كان سوى "سلمان" الذي آتى على الفور بعد تلفيق والدته "سوزان" لحديث يمزق القلوب وتستحق عليه احدى الجوائز بعد أن صدقه ابنها وحدثه بغطرسته متسائلًا:

- أنت بقى جاد؟

رفع حاجباه وكذلك رأسه لفرق الطول بينهما، فلطالما كان "سلمان" أطول بكثير من الجميع بشكل نوعًا ما ملحوظ في هذا المنزل ليُجيبه بعفوية:

- آه أنا.. وهو لامؤاخذة مين اللي بيسأل؟

أشاح برأسه وهو يضع يده بجيبه بغرور وزهو بينما حدثه بلهجة مستهزئة صارمة:

- امشي اطلع برا البيت ده حالًا بالذوق بدل ما اتصرف معاك بالعافية..

تدخلت "إيناس" لتحول بين العراك الوشيك ثم قالت:

- فيه ايه بس يا سلمان؟

التفت لها بنظرة سريعة بينما لاحظت هي فتاة أو إمرأة تقف خلفه ملامحها مألوفة للغاية وقال بلمحة لها بطرف عينيه بعد أن اعاد نظره إلي "جاد" بكراهية واضحة:

- إيناس متدخليش! وأنت امشي اطلع برا..

رفع حاجباه أكثر بملامح متعجبة ليتسائل:

- سلمان بيه يا اهلًا وسهلًا، انت متعرفش إني ابقى ابن جوز خالتك.. ابن أنور الشهابي.. محدش بلغك!

لم يكترث لمعرفته اياه من جهله به هو كل ما يهم له الآن هي كرامة والدته التي جُرحت على يد هذا الشرذمة لينطق بغطرسة:

- ابنه ولا مش ابنه، الكلمتين دول ميخصونيش.. أنت تطلع حالًا برا بيتنا!

قلب شفتاه وابتسم هاكمًا ثم قال وصوته بدأ يكتسب حدة من طريقة هذا الرجل المليئة بالغرور:

- وهو لا مؤاخذة انت يعني يا سلمان بيه مش هتعرف تخرجني من مِلك أبويا.. زي ما أبوك ليه فيه أنا كمان ليا فيه! وأنا مش عارف كارهني ليه وانت متعرفنيش! وجاي قالب وشك اوي عليا واحنا يعني لسه بنتعرف وبنقول يا هادي..

رمقه بإحتقار شديد بينما تدخلت "إيناس" مرة أخرى لتقول:

- سلمان بص فيه حاجات كتيرة انت متعرفهاش، أرجوك اهدى دلوقتي وبعدين نبقى نتكلم الصبح.. 

حاولت إعطاءه نظرات توسل وتحذير عله يتراجع بينما لم يفعل وهدر صوته بغضب شديد تعجبت "رغدة" الواقفة خلفه له وكذلك "إيناس" وقد بدأ من في المنزل يستيقظوا على تلك الجلبة:

- لما واحد منعرفوش يدخل ويهزأ أهل البت يبقى مالوش مكان فيه.. يالا امشي اطلع برا بدل ما اجيبلك اللي ياخدك منها بطريقتي!

احتدت ملامح "جاد" بغضبٍ مساوٍ لغضبه بينما تسائل:

- لا معلش أنا مغلطتش في حد ولا في أهل البيت.. هاتلي التخين يقولي إني غلطان وأنا احط صوابعي في عينه! 

استمع كل من في المنزل إلي ذلك الصوت فخرجت "سوزان" من مهجعها وكذلك فعلت ابنتها لتقتربا منه سريعًا كما فعلت ابنة خالته "رُفيدة" وبعض العاملين بالمنزل ليصيح به بإنفعال شديد:

- بقولك إيه، شغل ولاد الحواري ده تاخده وتبعد بيه بعيد عن هنا وتتكلم عِدل احسنلك، ولا متعرفش سلمان يكن ممكن يعمل فيك ايه!

ألن ينتهي من هؤلاء الأبالسة الذين لا تتوقف غطرستهم أم ماذا؟ ها هو يقابل شيطانًا جديدًا بهذا الوكر القبيح! ولسوء حظه يبدو أن الأمر لن ينتهي أبدًا.. ومن كل بئر سيخرج احدى الشياطين ليواجهه!

سرعان ما تدخلت "سوزان" بحنان زائف وهي تمنعه:

- خلاص يا سلمان.. مش وقته.. خلينا ننام والصبح نبقى نشوف هيعمل ايه.. ميصحش كده قدام الشغالين.. 

وكأنها ليست هي التي سممت عقله بلسانها الشيطاني بتزوير كل ما حدث، يا لها من شيطانة هي الأخرى، هي تريد أن تفرق بينهما الآن حتى لا تظهر أنها هي المُخطئة وهي من ادعت زورًا عليه، ولكن ابنها لم يقبل منعها له وقال:

- اللي يغلط فيكي كأنه غلط فيا.. الإنسان ده مش هيقعد ثانية واحدة هنا!

اندهشت ملامح "جاد" بشدة ونظر له ليقول:

- إيه ده، انت فاكرني غلطت في الحاجة؟! دي البركة بتاعتنا دي.. أنا اقدر برضو.. لا حول الله يارب.. أنا ضايقتك لما هللت الصبح.. حقك عليا..

اتجه نحوها أسفل انظار الجميع المندهشة بينما حاول الإقتراب منها وهو يقول:

- ده انتي على راسنا يا حاجة وأنا زي ابنك.. بقى فيه حد يزعل من ابنه.. أنا آسف لو زعلتك.. وادي راسك ابوسها..

نهته وهي تبتعد عنه بذعر وكأنها ستُصاب بالجراثيم لتهتف به:

- لا راسي تبوسها ايه..

اتسعت عيناه أكثر وملامحه يعلوها الدهشة:

- ورب الكعبة ما يحصل، ده انتي بركتنا والبيت ده من غيرك ميسواش.. لازم ابوس راسك ونتصافى..

أمسكت "إيناس" ضحكتها بأعجوبة بينما استغرب ابنها نفسه، لو كان مُخطئًا لما كان اعتذر لوالدته أمام أعين الجميع، أمّا عن "رُفيدة" فشعرت بتقزز شديد من لهجته السوقية وراقبت "نانسي" الموقف في حماس وكأن أخيرًا قد آتى من لا تستطيع والدتها التعامل معه، في حين بقيت "رغدة" واقفة على مقربة وهي تشاهد الأمر كله وكأنه فيلمًا سينيمائيًا لا تدري كيف سينتهي ولا متى ستأخذ دورها للظهور بالشاشة، فهي للتو تم خطبتها له وبالطبع ستتحول الأنظار لها بعد قليل..

ابتعدت عنه "سوزان" ثم قالت:

- خلاص خلاص محصلش حاجة.. يالا ننام يا ولاد!

هنا سكت "سلمان" ولكنه لا يزال ينظر له بمقتٍ شديد وبدأ الجميع في العودة إلي الداخل بينما لاحظت والدته وجود فتاة لا تعرفها فتسائلت بنبرتها التي وكأنها دائمًا تعطي ذبذبات بالتحذير المتواصل:

- مين يا جماعة؟ احنا عندنا ضيوف في الوقت ده من غير ما تبلغوني؟ 

تدخل ابنها وهو يتجه نحو "رغدة" بينما لم تكترث "رفيدة" لمشاهدة بقية المشهد وانتظرت "نانسي" لترى ما المُشكلة الآن التي ستفتعلها والدتها بينما صدمها "سلمان" وهو يعرفها عليها:

- رغدة الكومي.. خطيبتي!

يُتبع..