-->

الفصل الثالث عشر - وكر الأبالسة - Den of Devils

 




الفصل الثالث عشر


❈-❈-❈



"كل إناء بما فيه ينضَح"

مثل عربي..


❈-❈-❈


ضيق عينيه ناظرًا لها بإستفهام بينما جذبت هي عليها ملحفتها الصوفية التي كانت تحاوط بها ذراعيها وملابسها التي لا تليق سوى للنوم كي تحتمي من برد الشتاء وارتبكت لوهلة ولكنها قابلته بنظرات متحفزة واستمعت لسؤاله:

- انتي بتعملي إيه في البيت ده؟


هي بالفعل كانت تبحث عن سبب منطقي لتواجدها وهي من كانت تحاول أن تتفادى رؤيته إلي أن ينتهي "جاد" وأخيها من أمر "ياسر" وفكرت أكثر فثلاثتهم قد اتفقوا مُسبقًا أن لا أحد يعلم شيئًا عن الأمر بينما لا يعلم أحد ما حدث بينها وبين هذا الشخص المتعجرف أمامها لتحاول النطق ولكن لم تستطع فحدثها بلذاعة:

- انتي مصممة تعانديني! قولتلك متدخليش البيت ده وبرضو مفيش فايدة.. 


اقترب نحوها وملامحه تعج بالغضب من رؤيتها لتمنعه هي بصياح:

- لا بقولك ايه، أنت مبتعرفش تتكلم غير لما تلزق.. اياك تقرب مني، خطوة كمان وهفرج كل البيت ده باللي فيه عليك! سامعني ولا اكرر كلامي؟


وزع اشاراته بسبابته بينها وبينه وهو يشتق من كلماتها متشدقًا:

- بقى انتي، بتكلميني بالأسلوب ده وبتهدديني في بيتي اللي مش عايزك فيه! 


رفعت كتفيها بتلقائية ولا زالت تُفكر فيما لو نفذ كل تُراهاته التي في النهاية تكون ليست لها أي اساس وإنما مجرد كلمات تافهة مليئة بالتعجرف والإستهجان الشديد لها ولكنها امتلكت شجاعتها وردت مُعقبة:

- آه.. اكلمك انت كده وأكلم مليون زيك.. ما دام مفيش احترام في أسلوبك وكله تهديد وتيجي تقرب مني يبقى اتكلم كده واكتر من كده كمان!


رفع احدى حاجباه بينما تابعت هي بصلابة:

- بقولك إيه، أنا هنا ضيفة في البيت ده.. مش عاجبك قعدتي تروح تتكلم مع جاد.


ظل مثبتًا لنظراته عليها بينما شعرت هي بالغرابة من ملامحه لتتوتر ثم التفتت لتغادره آخذة خطواتها كي تبتعد وتصعد حيث الغرفة الماكثة بها فهتف كي يوقفها بلهجة آمرة:

- استني عندك.. احنا لسه كلامنا مخلصش!


التفتت له رامقة إياه بإستهجان شديد ثم أشاحت بيديها وأكملت طريقها تاركة اياه خلفها ليشعر بالغيظ يتآكله فتبعها بخطوات سريعة وكاد أن يقترب منها كي يوقفها فالتفتت من جديد لتجده خلفها وهرولت مسرعة ليندفع بتلقائية ممسكًا بذراعها وغضبه بات يحول بينه وبين رؤية كل ما حوله بالحياة ورفعت يدها لصفعه ولكنه أمسك بها ليدفعها لأحدى الحوائط ولهث بغضب بين أسنانه المُطبقة:

- انتي لازم تتعاملي بطريقة قذرة علشان تتلمي.. قولتلك مش عايز اشوف وشك في البيت ده، بس انتي عاندتيني ونفذتي اللي في دماغك، أنا هاخليكي تمشي من البيت ده حالًا واعرفـ..


- سلمان.. سلمان..


أوقفه صوت والدته المُنادي عن الحديث ورفع يده ليضعها على فمها بتلقائية كي لا ترفع صوتها من جديد وحاول أن يُهدأ من حدة غضبه وأدرك أنه لا يفصله عنها سوى مسافة قليلة للغاية وهو بالفعل مُلتصقًا بها.. يتفقد ما ظهر من وجهها وملامحها اليافعة من أسفل يده.. وتلك الزُرقة المخيفة بعينيه لم تُسهل الأمر عليها هي الأخرى ودفعت أنفاسها للإرتباك!


رؤية أي أحد لهما بهذا الوضع قد يقلل من شأنه فهذه الفتاة في النهاية من كانت تعمل ممرضة وتتقاضى أجرًا على عملها وقد يرتاب الكثيرون بالأمر وخاصةً والدته التي لن تتهاون لو علمت أنها قد ألقت بكلماته عرض الحائط ولا تزال هنا بالرغم من تحذيره لها بألا تفعل.. قد تجعل حقًا ليلتها مُزرية وستلقي بها أمام بوابة المنزل دون تراجع عن رأيها! وهو في غنى عن كل ذلك.. هو لا يُريد إيذاء أحد..


جذبها بقوة ثم انعطف بها مجبرًا اياها أن تهرول معه إلي المرأب ثم هسهس بغضب سيطر على ملامحه:

- استني هنا واياكي تطلعي ولا الاقيكي مشيتي.. يا أنا يا انتي في البيت ده!


التفت ليغادر بد أن تأكد أنها بأحدى الأركان المنزوية عن انظار الجميع ثم هدأ من نفسه وارتدى وجهًا دبلوماسيًا من تلك الأوجه التي تليق بعدسات المصورين ثم ذهب للخارج باحثًا عن والدته ليُلاقيها بملامح مُعتدلة ثم حدثها:

- ايوة يا حبيبتي أنا هنا..


تفقدته بإبتسامتها المعهودة التي لا تفارق وجهها لتزفر زفرتها الشهيرة عند تعجبها واقتربت منه متسائلة:

- انا بدور عليك عايزة اخد رأيك في حاجات كتيرة، قالولي انك طلعت تتمشى.. الجو برد أوي يا سلمان يا حبيبي.. تعالى ندخل جوا شوية..


ابتسم لها بإرهاق ثم قال:

- أنا ضغط كتير summer collection.. spring collection.. special orders.. (مجموعة الربيع، مجموعة الصيف، طلبات خاصة) حاجات مش بتخلص.. سفر ومواعيد وكمان الخطوبة.. أرجوكي شيلي انتي عني موضوع الـ ceremony (الإحتفال الخاص بطقس كزواج أو خطوبة مثلًا) ده.. اختاري المنيو اللي تحبيه، الـ decorations كل اللي نفسك فيه اعمليه.. ورغدة كمان انتي وهي شايفكو كويسين مع بعض وهي ممكن تهتم بالحاجات دي احسن مني.. اعزمي اللي تحبيهم بس ياريت ميبقاش عدد كبير.. we just want to make it simple and small (احنا بس عايزين نخليه بسيط وصغير).. غير كده أنا فعلًا دماغي فيها حاجات كتيرة.. 


نظرت له بإهتمامٍ شديد ثم سألته بلهفة وهي تربت على كتفه:

- مالك يا سلمان؟ فيه حاجة يا حبيبي تعباك؟ خد break من كل حاجة لو تحب.. لو عايز تأجل لسه معانا وقت كمان؟ ممكن تسافر وتغير جو وتريح اعصابك!


أومأ لها بالإنكار ثم تحدث بقراره الذي حسمه بالفعل منذ أن فكر بإرتباطه من "رغدة" فهو لا يُريد تأجيل شيء

- لو أجلت هرجع تاني اكون مضغوط .. ولسه بعد كده لازم احضر الإجتماعات الأخيرة بتاع تقفيل السنة مع رفيدة وراغب.. لسه هاشوف أنا ورغدة بيت ونختاره علشان لو حبينا نقعد هنا شوية وهناك شوية ولسه هيبقى محتاج ترتيبات.. غير شغلي أنا اصلًا.. كل ده مينفعش يتأجل.. please ريحيني من ضغط التفاصيل الصغيرة.. أنتي بجد أنسب حد في الموضوع ده.. سلمان يكن ميجيش جنبك حاجة في الـ planning (تخطيط) والـ organizing (تنظيم).. 


أنهى كلماته بإبتسامة رائعة ثم قبل يدها لتنظر له بودٍ أمومي لا يتضح على ملامحها سوى له هو فقط لتربت عليه وأومأت له بالموافقة بالرغم من النيران التي اندلعت بداخلها عندما استمعت أنه سيترك المنزل وحدثته بثقة مُبتسمة:

- حبيبي متقلقش.. ركز في شغلك وفي كل اللي انت عايزه.. وأنا سيبلي كل حاجة تانية.. good luck في حياتك كلها يا سلمان وأنا معنديش في الدنيا اغلى منك وهاشيل عنك الحِمل.. اهم حاجة اشوفك مبسوط..


تفقدها بإمتنان وابتسامة صادقة لتسأله هي:

- تحب ابعتلك حد بحاجة تشربها أو تيجي تدخل تقعد جوا؟


أومأ بالإنكار وحدثها ممتنًا:

- أنا هتمشى شوية وبعدين هاطلع انام علشان مُرهق اوي.. bonne nuit


تفقدته بإهتمام شديد وتوسلته قائلة:

- معلش علشان خاطري.. حد يعملك حاجة دافية ويجبهالك علشان تهدي اعصابك قبل ما تنام.. bonne nuit يا حبيبي..


أومأ لها بالموافقة لتتركه وتغادر وبمجرد ابتعادها بالقدر الكافي عاد من جديد ليتفقد سليطة اللسان التي تركها منذ قليل ولم يدرك أنها استمعت لكل ما دار بينهما وبمجرد تلاقي اعينهما شدت هي من قطعة القماش الصوفية تزمها بقوة حول جسدها بينما أطلق نظرات مُحذرة من عينيه وسألها محذرًا:

- بمنتهى الإحترام ومن غير كلام كتير، بتعملي ايه في البيت ده؟


عقد حاجباه ثم اعتدل بشموخ واضعًا يديه بجيبيه وتفقدها مليًا لتجيبه هي:

- قولتلك ضيفة هنا.. قاعدة يومين وماشية! 


من جديد يتصاعد غضبه، كلمة منها، لا بل ملامحها كفيلة بأن تجعله يشعر بالجحيم تمر في عروقه بدلًا من دمائه ولكنه حاول المُحافظة على الهدوء بقدر الإمكان وسألها مرة ثانية:

- اشمعنى.. معندكيش بيت؟ جاوبي سؤالي من غير كلام كتير.. ايه السبب اللي خلاكي تيجي هنا؟


زفرت بضيق ثم اجابته بإرهاق:

- ما قولت ضيفة واسباب تخصني مالكش دعوة بيها وبعدين ولا عليت صوتي ولا اتخانقت ولا أي زفت.. يا اخي بقى ارحمني.. انت منين ما تشوف وشي تتخانق! ايه مبتزهقش.. مبتتعبش! 


كالعادة علت نبرة صوتها وتعالى غضبه، لن يستطيع هو تغير أكثر من أربعة وعشرون عامًا، ولن تستطيع هي أن تُصبح مسالمة غير مستفزة وهي تلتهم هدوئه الفطري الذي يمتاز به مع كل إنسان على وجه الأرض سواها هي وحسب..


انطلق نحوها لاهثًا بغضب وصرخ بها:

- انتي مبتفهميش مش كده! أنا بقى هوريكي.. 


جذبها من احدى ذراعيها بقوة ومشى تجاه البوابة الرئيسية وهي تحاول التخلص مما يفعله بها وبنفس الوقت تنتبه ألا يسقط ما تحيط به ذراعيها وكذلك مُقدمة صدرها وتمنت بداخلها لو لم تستمع لصوت رأسها بأن تذهب للخارج وأخذت تلعن نفسها مرًا وقوة غضبه هو لم ترأف بها ولا به واندفعت لجسده حتى اصبحت قوته بأكملها تفوق خاصتها على المقاومة لتصرخ به:

- والله لا الم الناس عليك.. سيب ايدي بقولك.. اقسم بالله لو ما سبتني هفضحك في وسط اهلك! 


تحدث بأنفاس غضبه المتسارعة وهو لا يتوقف عن السير:

- كلمتك قصاد كلمتي.. كلمتك من الأول بالذوق ودلوقتي هتضطري تترمي في الشارع ببجامتك دي.. وابقي وريني جاد بتاعك هيعمل ايه! مش بعيد ابيته هو كمان برا البيت ده.. مفيش حاجة هتمنعني غير إنك تجاوبي السؤال.. 


أكمل طريقه وظنت أنه فقط يتلاعب بكلماته وبما يفعله لتتوقف عن اخذ الخطوات التي يرغمها عليها بالفعل لتوشك على السقوط ولكن وجدت جذبته كانت قوية بالفعل، هو لا يمزح إذن:

- أصل.. أصل عندنا ضيف في البيت وميصحش اقعد معاه علشان البيت صغير.. جاد قالي اقعد هنا على الأقل هيكون فيه اوضه مقفولة عليا مش زي بيتنا خالص..


توقف وهو ينظر لها متفحصًا اياها ليلاحظ ابتلاعها وتوترها فضيق عينيه متسائلًا  بإرتياب في أمرها بعد أن تملكته القليل من الشفقة تجاهها:

- وهو انتو تستقبلوا زوار واحنا نشيلكوا ولا ايه مش فاهم! وبعدين ضيف ايه اللي يخرج اصحاب البيت منه؟ انتي بتكدبي؟


 توسعت عينيها وهي تنظر له بشجاعة بالرغم من توترها الذي انتابها وهي تكذب فهي ليست معتادة على الأمر وأومأت بإنكار وحاولت أن تُنهيه عن التفكير بالأمر وقررت أن تشتته بالحديث في أشياء أخرى تمامًا:

- وانا هكدب ليه يعني.. لو عليا مش عايزة اقعد في البيت ده ثانية! لا بطيق اصحابه ولا بطيقك انت بالذات ولو مكونتش مضطرة مكونتش عملت كده.. لا تفتكر إني داخلة الجنة ولا حاجة! وبعدين نزل ايدك بدل ما اقطعهالك يا سلمان يا يكن!


لا تتوقف، لا تنتهي، ولكنها من فعلت به هذا، لتتلقى إذن هذه الصفعة الكلامية المُهينة بإلحاقها اياه غضبًا لاذعًا هزم كل المرات التي غضب بها بالسابق ولم يرأف به وهو يدفعه للخطأ المحض ولم يرأف بها وهي تتعرض للإهانة الخالصة:

- تقطعي ايد مين يا زبالة انتي.. واحدة زيك مش لاقية اوضة تلمها، معهاش حق بيت تقعد فيه، جاية تقعد في بيتي وبيت عيلتي وكمان بتزعق، ما انتي لو كنتي بنت ناس ومتربية ومتعلمة مش جاهلة ومتخلفة زي اللي ربوكي بطريقتك دي كنت عرفتي تحترمي بيت الناس اللي انتي قاعدة فيه! يالا امشي اطلعي من هنا وروحي مكان ما جيتي للمكان القذر اللي انتي جاية منه و..


أوقفته بصفعة قوية بيدها الأخرى التي لم يُمسك بها ولم تكترث لسقوط ما يسترها ونظرت له بصلابة لتهمس به بروحٍ احترقت لتذكيرها بوالدها ووالدتها وأعينها مليئة بدموع مكتومة:

- أهلي اللي ربوني هم احسن ناس في الدنيا.. اياك تجيب سيرتهم على لسانك.. كفاية إن جوز خالتك هو السبب في موت ابويا وأنا محترمة غصبًا عن عينك يا سافل! ولو على البيت هسيبه حالًا ولو هبات في الشارع يبقى اكرملي.. اشبع بيه انت واللي خلفوك!


قد لانت قبضته بالفعل عندما رآها تبكي وعندما ذكرت أمر والدها وزوج خالته لتستطيع هي أن تتخلص منه وجذبت هذه الملحفة الصوفية وهي تضعها عليها وسرعان ما توجهت للأعلى بينما هو التفت متبعًا ايها بصدمة مما يتعرض له ومن كل كلمة تخرج من فم هذه الفتاة!


لم تعلم أن هناك أعين تُشاهد هذا العراك من بعيد، ولم تعلم أن هناك أجهزة رصد لا تتوقف عن العمل بهذا الوكر تنقل كل ما تراه لسيدة المنزل "سوزان بدوي" التي ستفرح بالفعل لشجارهما فهي لا تطيق هذه الفتاة ولا أخيها وتنتظر بفارغ الصبر أن يخرجا من هذا المنزل دون رجعة!


❈-❈-❈

في نفس الوقت..


انتابته حالة الشلل الجسدي كلما نظر إليها بل وانعقد لسانه وتابعت أعين "إيناس" التي وصلت بعدها بثوانٍ هذه النظرات بينهما لتتحدث "رُفيدة" في النهاية:

- أنا عايزة اشوف ياسر.. خليني ادخل! 


لهجة آمرة بمنتهى الغرور.. لم تتغير سيدة الأعمال الشهيرة منذ أن تركها بالإجتماع منذ خمس أيام.. بالرغم من ملامحها الباكية وتلك الحمرة على ملامحها التي اختلطت بنصاعة وجهها المثالي ولكن بمجرد أن تتحدث تصيبه حقًا بإرتباك ممزوج بالغضب!


حاول تمالك نفسه وعقد ذراعيه ثم نجح في تكوين كلمة واحدة بنبرة استفهامية:

- ليه؟


تفقدت ذراعاه المفتولتان وتلك الأعين العميقة بملامحه وقد دفعها هذا للجنون لتزجره بنبرة مرتفعة قليلًا من غيظها الشديد الذي سببه لها سؤاله:

- هو ايه اللي ليه، بقولك عايزة اشوف جوزي! ايه المشكلة في ده؟ حاسب عايزة ادخل!


هز كتفاه بتلقائية وتكلم بمنتهى السيطرة والهدوء الذي خالف اضطراب خفقات قلبه وهو يتفقدها وعقب بإقتضاب:

- البيت بيتي مش بيتك..


لوهلة شعر بإنتصار بداخله لتتوسع هي عينيها في دهشة من هذا البارد أمامها الذي يشابه المبنى الطويل الفارع بالرغم من هذا الكعب الذي ترتديه بالفعل ولكنه يُزعجها ويجعلها تشعر بالضآلة أمامه لتقول بثقة:

- قولتلك هادخل يعني هادخل..


دفعته وهي تُقدم على الدخول بينما لم يحرك ساكنًا وبالرغم من لمساتها التي اصابته بالشتات وشعر بالإرتباك منها إلا أنه برع في السيطرة على ملامحه لتزفر هي في غيظ شديد بينما تحدث هو بهدوء:

- ميصحش اللي بتعمليه يا مدام رفيدة.. ده انتي اول مرة تنورينا! عيب اللي بتعمليه ده..


لم تستطع "إيناس" أن تُمسك ضحكتها التي قهقهت بها من هذا المنظر الذي لأول مرة تُشاهد به صديقتها لتلتفت لها بأنفاس مغتاظة وهي تزجرها بعينيها مما دفع "سعد" نفسه للإبتسام وهو يتفقدها بنظرات راغبة بهذه المرأة على استحياء، فهي متزوجة، أخت "جاد" نفسه، وبعيدة للغاية عنه كالبدر في تمامه وهو يُشاهد بأحدى الأركان المنزوية المختنقة على سطح كوكب الأرض البائس من زاوية بعيدة تسللت من بين ضيق البيوت حول منزله البسيط للغاية! 


ابتلع محاولًا إلهاء نفسه عن تأثيرها عليه وقد نجح بالفعل للحظة قدر ما تحدث بهدوء:

- أنا مستعد أوصله كل الكلام اللي انتي عايزة تقوليهوله.. وخليكي واثقة إن أنا وجاد اتكلمنا معاه اكتر من مرة وقولنا كل اللي ممكن يتقال بس للأسف هو عند رأيه! يا التسجيل المفبرك اللي معاه يا إما مفيش طلاق!


زفر تلك الأنفاس التي حبسها وهو يتمالك نفسه بأعجوبة امامها ولكن تصاعد غضبها هي من كلماته لتزجره بتعجرف:

- وانت مين انت علشان تدخل بيني وبينه ولا تمنعني اتكلم معاه! هتنسى أنا مين ولا إيه!


صفعته كلماتها الشديدة بالإهانة ولكنه واجهها بفتور هائل وثقة ظاهرية وكأن الكلمات لم تؤثر به ليعقب بإقتضاب:

- لا العفو.. ازاي انسى!


شعرت "إيناس" بأنها يجب عليها التدخل كي لا يتصاعد الأمر بينهما، فصديقتها قد تُصيبه بالمزيد من الإهانات وهي أكثر من تعرف أن "سعد" هو الذي يساعدهما الآن فيما يتعلق بزوجها الخائن!


نظفت حلقها ثم جذبتها للخلف قليلًا وحدثتها:

- استني بس.. علشان منبهدلش كل اللي احنا عمالين نعمله معاه بقالنا كام يوم وهو ميعرفش إن ليكي علاقة خالص بالحوار وفاكر الموضوع كله جاي من جاد.. ممكن كده تهدي وتفهميني عايزة تقوليله ايه؟


تفقدتها بجدية ثم عقدت ذراعيها وأخذت تطرق بحركات متوالية بأناملها على شفتاها وهذا ما تفعله دائمًا عندما تُفكر ولكن آتى صوتها متوسلًا:

- عايزة اتكلم معاه.. عايزة اننا نحاول مع بعض تاني.. 


دمعت عينيها وقد فهمت "إيناس" انها قريبة للغاية من نوبة انهيار جديدة فأومأت لها بتأكيد ثم حدثتها مُقترحة:

- تعالي ندخل، نسمع سعد وهو بيكلمه، أو نستنى جاد يجي ويفاتحه في الموضوع.. عايزاكي تسمعي بودانك هيقول ايه من وراكي.. هو كدب عليكي كتير يا رُفيدة ومش هاينفع تعيديه تاني، واظنك جربتي بنفسك اللي حصل ما بيني وبينك بسببه.. علشان كرامتك حتى!


رمقتها بتوسل شديد وحُزن من أجلها علها تستيقظ من هذه العلاقة المُدمرة التي لا تريد التنازل عنها حتى بعد أن اتضحت الحقائق أمام عينيها لتومأ لها في النهاية بالموافقة فتنهدت ثم سألتها:

- عايزة تقوليله ايه؟ 


تريثت لبرهة وهي تُفكر، لم تلحظ تلك الأعين العميقة التي تتفقدها في وله تام.. لم تعلم أنها حين تفكيرها بتلك الكلمات التي ستُنطق على لسانه كان يُفكر أن هذه المرأة ستُصبح لعنة عليه.. ويبدو أن الأمر لن يُصبح مجرد انجذاب لفتنتها وحُسنها الآخاذ.. بل هناك غضب لا نهائي يتصاعد بداخله كلما تيقن أن زوجها يريد مساومتها إما العودة بإجبارها وإما ينشر عنها تسجيلًا مُلفقًا غير صحيح!! أي رجل قد يصل لهذه الدناءة مع إمرأة مثلها؟! 


رطبت شفتاها بحركة تلقائية ليبتلع هو وأخذ يتابعها وزمت شفتاها بمزيدًا من التفكير ثم التفتت نحو صديقتها في النهاية لتجيبها:

- قوليله.. أو قوله..


حمحمت وهي تنظر بإتجاهه لتتلاقى أعينهما وحاول التوقف عن التحديق بها كي يستمع لما تقوله وبالرغم من كل ما يدور داخله من اضطراب بالنظر إليها لم يتضح عليه أي شيء وصغى لكلماتها جيدًا:

- قوله إن جاد.. ميعرفش اللي بيحصل وإن.. 


توقفت من تلقاء نفسها وهي تحاول أن تُفكر قليلًا ثم تابعت بثقة:

- قوله إنك سمعتني أنا وجاد بنتكلم.. وجاد هو اللي عايز يبعدنا عن بعض.. وأنا موافقة إن مفيش طلاق زي ما هو عايز ومفيش فيديوهات هتطلع بس على شرط.. يمشي خالص من الشركة.. ملوش دعوة بالشغل نهائي.. والتمويل اللي بنموله بيه هيوقف.. 


تعجب كلًا من "إيناس" و "سعد" لما يستمعا له وتفقدها كلاهما بإستغراب لتستطرد هي بتنهيدة عكست آلامها ونبرة مُهتزة:

- وأكد على كلامك إن.. إني واثقة إنه مش هيفرق معاه الفلوس علشان فيه ما بيننا حب واستحالة نبعد عن بعض! 


تفقدها مليًا لتتسائل "إيناس" بما ود هو أن يتسائل به ولكنه سرعان ما أدرك لماذا هي تفعل ذلك قبل حتى أن تجيب:

- وهو ليه عايزة توصليله ان جاد اللي رافض وعايز يبعدكوا عن بعض؟


هزت كتفيها بعفوية ثم اجابتها مُفسرة:

- عادي.. واحد وخايف على أخته.. ولما سمع انها عايزة ترجع لجوزها اللي بيهددها رفض! 


أكمل "سعد" الحوار بعقله، وإذا وافق على ما تقوله إذن "جاد" هو الشخص السيء الذي يريد أن يُفرق بينهما! يا لها من داهية! بالرغم افتتانه بها ولكن ها هي تُبرهن له أن عقلها ليس بهين نهائيًا! لقد انتهت انتخابات أخيها، ستعود لزوجها، وكما اختلقت قصة في ثوانٍ معدودة ستتخلص من "جاد" في لمح البصر! كيف لها ألا تملك ولو القليل من الإمتنان تجاهه! 


- سعد.. ايه يا باشا، روحت فين؟


حمحم عندما نبهه صوت "إيناس" الهاتف به وحاول التماسك بينما اجابها:

- ادخلوا من غير صوت واستنوا واسمعوا كويس رده بودانكم.. 


رمقها بنظرة أخيرة منزعجة استترت خلف ملامحه الثابتة ودخل للغرفة التي كبله كل منه هو و "جاد" بها بعد أن استطاعا أن يفقداه الوعي بسهولة بحقنه بأحدى المخدرات الطبية التي ساعدت "رحمة" بالحصول عليها بسهولة بسبب عملها بأحدى المشفيات وتفقده بنظراتٍ محتقرة ثم حدثه بإستهجان:

- مش ناوي تخلص نفسك وتخلصنا من الفيديو اللي معاك وتجيبه؟ وبالمرة تخلصني من وشك، اصلك تقلت علينا اوي في القاعدة في بيتي ومش عارف اخد حريتي!


ابتسم له وهو يومأ له بالإنكار ثم اجابه مستهجنًا:

- لا.. هزهقكم لغاية ما هامشي من هنا على رجليا زي ما جيت.. وساعتها هرميك انت والكلب التاني في السجن! زي ما كنتو فيه طول عمركوا!


كادت "رُفيدة" أن تندفع بينما امسكت بها صديقتها أن تنتظر فهذا ليس ما لقنته أن يسأله عنه وأشارت لها أن تنتظر ولم تر كلتاهما "سعد" وهو يبتسم له بإقتضاب ساخرًا ويحدقه لوهلة ثم تحدث له بنبرة مُقترحة:

- طيب شوف يا ياسر.. بما إني قرفت من قاعدتك معانا هنا.. وأنا كده كده زي ما بتقول عمري كله ضاع في السجن فعادي ادخله تاني، وجاد اخويا وصاحبي واخيرًا اخد حقه والدنيا ضحكتله.. وزي ما ضيعت سنين من حياتي علشانه ممكن اضيع تاني.. فمش بعيد أخلصهم منك، أو فيه حل تاني.. 


تنهد ليتابعه بنظرات متفحصة وجلس أمامه ثم استطرد مُكملًا:

- أنا سمعت جاد ورفيدة بيتكلموا، هي موافقة ترجعلك علشان الفضايح.. ولا تشهر بيها بالفيديو المفبرك اللي ماسكه عليها.. وحتى كانت بتقول انها مش عايزة طلاق ولكن هتتنازل عن كل مسئولياتك في الشركة وهتوقف تمويلها لمشاريعك هتوقفه، دي حتى كانت بتتخانق هو وجاد إنك بتحبها واستحالة تؤذيها.. وهي هتموت وتعرف انت فين دلوقتي وهو رافض خالص يقولها! 


لا يُصدق حقًا أنه يلعب دور الوسيط في هذه اللعبة السخيفة بين إمرأة افتتن بها وبين زوجها الدنيء ولكنه بعد قضاء أيام مع هذا الرجل الحقير يعرف أنه أوشك على النطق بشيء سيجعل "رفيدة" تتراجع ليُضيف سائلًا:

- ها قولت ايه، تخلص ولا اخلص انا منك بمعرفتي! مسمعتش اللي بيقول المسجون اخو المجنون؟


ابتسم له وضحك ثم قهقه لتنظر "رفيدة" إلي صديقتها في تعجب تام بينما خفقات قلبها لا تتوقف عن التصاعد بسرعة جنونية لتستمع له وهو يُجيبه:

- ومين الأهبل اللي عامل اللعبة دي، هي ولا هو، ولا تكونش انت فاكر إن واحد زيك وجاد بتاعك ده هتعرفوا تلووا دراعي.. !


زفر ضاحكًا بسخرية ارتجت بها ملامحه ليقول بثقة متابعًا:

- ده لا أنت ولا جاد ولا مساجين الدنيا ولا ولاد الكلب انور الشهابي هيعرفوا يمسكوا عليا حاجة ولا يلووا دراعي.. وروح قول بقى للكلاب اللي باعتينك سواء هو ولا هي ولا حتى لو بتقول الكلام ده من نفسك، شروطي تتنفذ، ومفيش تمويل هيوقف ولا هسيب المجموعة كلها، يا إما هفضحها.. وآه.. احب اعرفك إن الفيديو مش مفبرك وحقيقي اوي وهي واضحة زي الشمس فيه! وهيعجب الناس جدًا..


استغرب لماذا يؤكد أن ما يملكه عليها حقيقيًا وليس مُلفقًا وتفقده وهو يرفع احدى حاجباه وتكلم بنبرة مُحذرة:

- وعلى فكرة.. كلها مسألة وقت وهمشي من هنا برضاك أو غصب عنك.. أهلي بقى يبلغوا، الناس في الشغل تسأل.. هيوصلولي كده ولا كده.. وصحيح.. ابقى بلغ بنت الكلب اللي باعتاك ولا اخوها اللي عامل فيها راجل إن فضيحة الست غير فضيحة الراجل!


ابتسم بهدوء ثم أشاح بنظره في غير اتجه وجه "سعد" الذي نهض ولتوه التفت ليجد "رفيدة" أمام باب الغرفة وتفقدته بغضب وهي تلهث بشدة وسلطت عينيها عليه وهو جالس مًكبلًا على فراش حديدي بسيط ليتفاجئ من تواجدها ولكن ملامحه كانت ثابتة لا يتضح بها أي مشاعر لتهمس له متوعدة:

- أنا هوريك هي مين رفيدة الشهابي اللي سمعت شتيمتها بودنها.. مش هاسيبك يا ياسر إلا وأنت متبهدل! يا أنا، يا أنت! 


التفتت لتغادر بخطوات متعجلة وتابعها كلًا من صديقتها و "سعد" الذي اغلق باب الغرفة خلف ثلاثتهم ليستمع اكملهم لصوت "جاد" الصارخ مُكررًا إسمها:

- رفيدة..


اندفع كالرصاصة بالمنزل وملامحه تبدو مُهيبة من كثرة غضبه ليصيح بها:

- ايه اللي جابك هنا؟ ازاي تعملي كده من غير ما تقوليلي؟ فهميني كنتي بتعملي ايه؟


لم تكترث ولو لكلمة واحدة مما تستمع له ودفعته بيديها بكل قوتها لتستكمل طريقها نحو الخارج وهي بالفعل علمت ما الذي ستفعله، فالغبي الوحيد هو الذي لا يتعلم مما يحدث حوله، وهي ليست بغبية.. هي فقط مجرد فتاة متزعزعة الثقة بنفسها واتاها لحظة من خوف على فقدان رجل كان يُمثل لها الحياة بأكملها.. 


أهذا هو رده؟ فليكن إذن.. وبالرغم من العشق الذي ملئها بالضعف ولحظة وحيدة فقط من الإنهيار تحكمت بها وأرهقتها بنعاسٍ من الهوان.. استيقظت أخيرًا وأدركت أنها على وشك إعلان الحرب.. وستفعل ولن تترك هذه المعركة سوى بإنتصار سحيق! ستمزق هذا الرجل مثل ما مزق ثقتها به وكما نصبته ملكًا متوجًا على عرش حياتها ستجعله أقل من عبدٍ ذليل! 


صرخ بها اخيها مرة اخرى:

- خدي هنا استني رايحة فين؟


همست له "إيناس" بسرعة بينما جذبه "سعد" في نفس الوقت:

- اديني شوية بس تهدى واتكلم معاها وأعرفك هيحصل ايه! انا لازم الحقها!


هرولت خلفها بينما منعه "سعد" من الذهاب خلف كلتاهما وزجره بنبرة جادة:

- استنى متبقاش عبيط.. متتسرعش يا جاد.. واقعد أنا عايز اتكلم معاك!


❈-❈-❈

راجع تلك الكلمات التي وجدها كانت قاسية للغاية، لم يقل بحياته يومًا مثل هذه الكلمات لأي إمرأة ليخلل شعره زافرًا بضيق ثم ذهب تابعًا اياها وتوجه حيث الطابق الخاص بالزوار متخذًا المصعد كي لا تراه والدته وتُشغله بأمر التجهيزات التي لا تنتهي وتفقد الغرف سريعًا ليجد احدى الغرف مُضاءة من أسفل الباب فوقف ليطرق الباب لأكثر من مرة ولم يحصل على إجابة وبعد تردد منه قام بفتح الباب على مُكثٍ ليجدها تتجول في الغرفة وهي تجمع اشياءها بحقيبة ظهر صغيرة وقد بدلت ملابسها بالفعل..


تابعها بعينيه ليجد ملامح الغضب لا تزال تسيطر على وجهها ليتأفف مما هو مُقبلًا على قوله ولكنه لن يُعاند ما ينتهجه مع الجميع فقال بصدق بالرغم من هيئته المتعجرفة التي لا تتغير أبدًا:

- أنا آسف على الكلام اللي قولته مكونتش اقصد اقلل منك أو من والدك ووالدتك.. بس انتي كمان اللي وصلتيني لكده!


لم تتوقف عما تفعله وكأنه غير متواجدًا تمامًا ليفشل من جديد في منع غضبه أن يتصاعد وكل ما بها أصبح يدفعه كل ما به للإحتراق من تلك الطريقة والملامح والتحركات التي تجعل نيران الغيظ بداخله تلتهمه دون هوادة ليصيح بها مندفعًا:

- اسمعي.. انتي الوحيدة في الدنيا اللي بتعرف تعصبني.. كل الناس تعرف إني هادي وبسمع اللي قدامي وبعرف اتناقش مع الدنيا كلها إلا انتي.. وكل الموضوع إني.. إن..


حمحم وهو لا يدري ما الذي يقوله ولا ما أوشك حتى على قوله ليخلل شعره بين أصابعه بحركة سريعة وحدثها بنبرة هادئة:

- رحمة! انا لما شوفتك انتي وجاد بتتخانقو كنت لسه عارف إنه ضايق ماما، وانا استحالة اقبل بحد ييجي على كرامتها.. بس الموضوع كله إنك.. إن..


التفتت ناظرة له وهي تعقد ذراعيها بينما هو عانى من جديد في ايجاد الكلمات المُناسبة لقولها ليُدلك جبهته بقوة وتوقف عن عناد نفسه بعد الكثير من السنوات ونظر إليها بأعين متوسعة ثم همس بمنتهى الصدق:

- لما اتكلمتي وحكيتي اللي بينك وبين جاد فكرني بنفس اللي حصلي زمان مع رُفيدة! ومن يومها وأنا اول مرة بعد سنين حاسس إني قادر اتكلم أو عايز اتكلم، ومفيش حد غيرك هيفهمني لأنك مريتي بنفس اللي مريت بيه! ودي اكتر حاجة بتعصبني.. إن كل مرة اجي اتكلم معاكي صوتك يعلى وأنا اتعصب! 


ضيقت ما بين حاجبيها وهي تتفحصه بإستغراب شديد ليزفر بقليل من الراحة بعد أن نطق بتلك المعاناة التي كان يحاول أن يتحملها بالأيام الماضية ثم تحدث سائلًا:

- إيه رأيك، ننسى كل الصوت العالي وعصبيتي وإن كل ما واحد فينا يشوف التاني يخبط فيه؟ ممكن نكون اصحاب، أو على الأقل يوم ما نتكلم أو نتقابل صدفة منضايقش بعض؟ اعتبريني مجرد..


همهم مُفكرًا وهو يحاول ان ينتقي كلماته بعناية ثم تابع:

- مجرد جار جديد متعرفيهوش عايش معاكي في نفس البيت.. قولتي ايه؟


❈-❈-❈




تفقدها وهي تغادر ذلك المصعد بإشتياق شديد ليجدها عاقدة ذراعيها تنظر بالأرضية، هذه هي هيئتها تمامًا وهي مستاءة للغاية تجاه أمرٍ ما.. هو يعرف فتاة لطالما تواجدت معه منذ أن كانا طفلان، كيف له أن يغفل عن تلك التفاصيل التي أجبر نفسه على نسيانها مُرغمًا!


نظرت بوجهه لتجده ينهض عندما اقتربت منه ونظرت له مُتريثة ما سبب أنه آتى بهذا الوقت المتأخر من الليل ليبتلع بتردد وهمس بصوتٍ مُهتز:

- نانسي أنا آسف.. اللي عملته ده كان غصب عني.. معرفش أنا عملت ده ازاي! 


سكت من تلقاء نفسه وتبادلا النظرات فيما بينهما ليترقب هو نُطق كلمة واحدة منها إلي أن فعلت لتسأله بهدوء:

- خلصت؟


تردد قليلًا من ردة فعلها ليحاول إبداء المزيد من ندمه الحقيقي أمامها وتحدث بنبرة متوسلة:

- انتي عارفة انا بحبك قد ايه، وأنا كنت مضغوط من موضوع جاد وموت بابا وبعدها الإنتخابات والشغل وياسر اللي اختفى فجأة بقاله اكتر من عشر أيام.. مكونتش حاسس بنفسي لما عملت اللي عملته.. انا اسف بجد!


مسحت بزرقاويتيها ملامحه وتمنت لو أنه أخبرها بتلك الكلمات بنفس ندمه الشديد منذ اسبوع او اثنان أو شهرًا واحدًا، من نفسه، دون أن يلطمها وهو غاضب.. ولكنه لم يفعل ولن تتنازل هي! 


تنهدت بآلم تحمله منذ سنوات ثم سألته مجددًا:

- خلصت؟


أومأ لها بالموافقة لتومأ هي الأخرى وحدثته بمنتهى الهدوء:

- مبروك الإنتخابات.. أظنك فضيت شوية علشان كده جيتلي.. عمومًا كويس اننا نكون بعيد عن البيت واحنا بنتكلم.. يا ريت تبدأ تمشي في اجراءات الطلاق! 


يُتبع..