الفصل التاسع والثلاثون - مملكة الذئاب Black
الفصل التاسع والثلاثون
وصلت ميلسيا للقصر بعد غروب الشمس.... هى
وليو بعد رحله العوده التى إستغرقت نصف النهار.... لبعد المكان الذى كانوا يقيمون به....
كانت ميلسيا تتمنى أن تلتقى بالفتى الحداد حين تصل للقصر.... إلا أنها أصيبت بالدهشه
حين رأت دوغلاس هناك... والذى لم يأتى للعاصمه منذ موت الملك وألتر أوين.... ولكن هذا
لا يمنع فرحتها من رؤيته هناك.... إقتربت ميلسيا من الواقفين وحيتهم جميعا.... وخاصه
دوغلاس الذى أخذ النصيب الأكبر بهذا الترحاب..... كما تعرفت على شقيقه ساب الهادئه.....
إلا أنها شعرت بوجود خطبا ما..... ولم يمر وقت.... ووقف كلا من ماكس وألفين للذهاب
إلى إكمال أعمالهم....
وما أكد لها هذا حين أتى ليو يتبعها بعد
أن حيتنم ميلسيا..... وقال بمرح وهو يبحث بعينه عن شئ ما: بما أن العم دوغلاس هنا....
إذا أين هو ساب؟!.... أم أنه لا يعلم بوجودك عمى دوغلاس.... لاحظت ميلسيا توتر الجميع
حين تم ذكر إسم ساب..... إذا هناك شئ قد حدث...... إلا أنها لم تعلق وخاصه أن كيت هى
من قامت بالرد على ليو.... قائله بهدوء حزين: بلى إنه يعلم بوجوده كما أنه هنا....
ولكنه مع الملك الأن يتناقشون بأمر ما....
أومأ لها ليو وهو يقول بإبتسامته المشرقه:
إذا سأذهب لاقوم بتغيير ملابسى حتى ينتهى ساب من أعماله.... لأننى إشتقت للجلوس معه...
أومأت له كيت فتركهم راحلا لغرفته....وجهت ميلسيا سؤالها ل كيت قائله بصوت هامس....
بعد أن وقفت بجوارها حتى لا يسمعهم أحد الحاضرين: ماذا هناك كيت؟!.... ما الذى يحدث؟!.....
لماذا جميعكم جالسون متجهمين بهذه الطريقه.....
نظرت لها كيت وأخبرتها بهمس ما حدث منذ
قليل بإختصار..... وأنه بعد معرفتهم بالحقيقه من ألفين وماثيو....... كان ديفيد أول
من ثار كما لم يضع الوقت وذهب غاضبا لمكتب الملك....ومن المؤكد أنه أخبر الملك وساب
عن الحقيقه التى كان يخفيها الملك.... كانت ميلسيا تنظر لها بصدمه كبير وهى تستمع
لهذه الأحداث المتلاحقه..... التى حدثت خلال فترة غيابها وبعد إنتهاء كيت من حديثها
سقطتت كلاهما بصمت مطبق..... منتظرين خروج ساب من غرفه الملك كما يفعل دوغلاس....
كان ساب مازال ينظر للملك بتشوش كبير....
منتظر تفسيره للأمر رغم أنه من المتوقع... أن يشعر ساب بالغصب الشديد تجاه الملك....
بل ويثور عليه بعد سماعه لما قاله ديفيد...... إلا أنه لم يخرج من فمه سوى سؤال واحدا
قاله بهدوء شديد: هل ما يقوله صحيح؟!.... هل مات جايك من أجل لا شئ ؟!....
وكأن ما حدث له منذ قليل قضى على أخر ذره
مقاومه وطاقه داخله..... لهذا طالبه بتفسير بعد خروج ديفيد....
نظر له الملك ببرود شديد غلف عيناه... لأنه
يعلم أن ساب سيهاجمه بالكلام كما يفعل دائما... لهذا تحدث ببرود قائلا: لا أظن أنك
ستعى ما سأقوله.... فها هو صديق الطفوله لم يعى شئ مما أفعله....فهو إلى الأن يظن ما
أفعله لا قيمه له...... لهذا لا أظنك ستعى السبب الذى جعلنى أقوم بعدم إخبارك بشئ.....
أجابه ساب بهدوء وهو يسير إلى المقعد الذى
كان يحتله منذ قليل ليجلس عليه قائلا: حسنا فلتجربنى.. ف أنت لن تخسر شئ....كما أن
هذا أقل شئ تقدمى لى بعد ما حدث....ألا تظن ذلك؟!... نظر له الملك بطريقه تعجب منها
ساب.....إلا أنه تقدم هو الأخر وجلس أمامه بالمقعد المقابل له..... وهو مازال ينظر
له بذات الطريقه الغريبه..... التى لا يستطيع ساب فهمها.... هل هى نظره شك لأنه يشك
أنه لن يفهم حديثه؟!.... أم هى إمتنان لأنه قرر أن يسمعه قبل أن يطالب بحقه؟!.... أم
كلاهما معا؟!.....
إلا أن ساب قرر أن يستمع له مادام لا يملك
الطاقه اللازمه لمشاجرته..... كما أنه متيقن أن الملك لم يكن ليفعل شئ كهذا إلا لسبب
قوى.... هذا ما عرفه عنه طوال المده التى مكث بها هنا بقصره.... لهذا أعطاه حقه بإيضاح
ما قام به..... بدأ الملك حديثه بشرود: كنت صغيرا حين توفيت أمى.... وبعد وفاتها بفتره
قرر أبى إرسالى لأخيه الأصغر..... وخاصه حين أصبح يشك بجميع من حوله...... أنهم يريدون
قتلى وقتله للإستيلاء على ملكه...... فأصبح متوترا وغاضب وحريص بكل تعاملاته.......
رغم أنه كان عكس هذا بالماضى..... فقد كان حكيما يحب رعاياه.... وينصر الضعيف كما أنه
كان كثير التبسم..... ولكن كل هذا إختفى بليله وضحاها.....
حتى أن شكه أوصله للشك بالمقربين منه ك
دوغلاس وقد كان الأقرب إليه..... وكاد يقتله إلا أن دوغلاس إستطاع إثبات برائته من
كل ما وجه إليه.... لهذا عاد دوغلاس وأصبح هو الوحيد المسموح له بمخاطبه الملك...كما
كان كل ضغط الملك موجه نحوى....فقد كان دائما يخبرنى أن لا أثق بأحد..... لأنه إذا
فعلت سيأتى الوقت ويخون هذه الثقه..... ولن يقوم بتدميرك أنت بل سيدمر كل ما تحب.......
ثم يتركونك أنت تدمر ذاتك بذاتك....
توقف الملك عن الحديث وهو يبتسم بسخريه.....
إلا أن ساب أعاده من شروده بسؤاله: وما الذى حدث حتى يتغير هذا الملك الحكيم من ثباته
لشكه بأقرب أصدقائه؟!..... كما أظن لو أن والدتك كانت معكم لأختلف الأمر حينها أليس
كذلك؟!....
نظر له إستيفان بذات الإبتسامه الساخره
وهو يقول بطريقه لم يعهدها ساب عليه..... إلا أنه إستمع له بكل جوارحه..... إستيفان
رغم إبتسامته الساخره إلا أنه لم يستطيع مدارات الألم الذى ظهر جليا بعيناه..... حين
قال بصوتا ذو نغمه مميزه: وأنا كنت أظن مثلك..... وخاصه أننى لم أكن على علم بموت أمى
بل الأصح أنها لم تمت بل قتلت على يد أبى الذى أحبها أكثر من أى شئ بالحياة..... هنا
إتسعت عينى ساب صدمه مما سمعه إلا أنه لم يقاطعه......
أكمل إستيفان: لقد قام أحد قادته بزرع الشك
بقلبه تجاه أمى...... التى وقعت بفخه ليس لأنها أحبته وأردت خيانه أبى كما أخبره هذا
الوضيع.... بل لتساومه على حياتى حتى لا يقوم بقتلى..... إلا أن هذه الحقيقه لم تظهر
لأبى سوى بعد موتها..... مما جعله يصاب بالجنون الجزئى.... ولا يثق بأى شئ يسمعه أو
حتى يراه..... كما ظل حبيس غرفته لمده طويله حزنا على فراق زوجته وحبيبته..... التى
تسبب بقتلها خاصه بعدما عرف من الذى تسبب بكل هذا....والمفاجأه أن من فعل كل هذا كان
صديقه منذ الطفوله.... لهذا قرر إعتزل الجميع حتى أنا..... مما جعل البلاد ضعيفه وقتها
ومطمع لجميع الحاقدين.... إلا أن دوغلاس أمسكها بقبضه من حديد حتى يستعيد أبى عقله
وعافيته.....
توقف إستيفان ليتنفس بقوة ثم بلل شفتاه
مكملا وقد تجعد ما بين حاجبيه:والشئ الغريب أنه كان لا يطلب رؤيتى سوى لأخبارى بأمر
واحد فقط....كان يقول دائما أنه لا يجب أن أثق بأحد....ليس هذا فقط بل جعلنى أقسم له
على ألا أقع بنفس خطأه....
إلتقت عينى إستيفان بعينى ساب وهو يقول:
أعلم أنك قد تظن أننى كنت صغيرا حينها.... إلا أننى أتذكر عدد المرات التى جعلنى أقسم
بها هذا القسم...لقد كان 574مره....كان على مدار عاما ونصف.... كل يوم بتمام الخامسه
صباحا يأمر بإيقاظى حتى يخبرنى بخيانه الجميع له وأنه لا يجب أن أثق بأحد....
حتى ترسخ هذا بذهنى فلم أعد أستطيع الثقه بأحد.....
توقف إستيفان عن الحديث ثم وقف عن المقعد
الجالس عليه.... وإستدار جالسا على مقعده وهو يقول: الأن وقد علمت ما السبب وراء عدم
إخبارى لك بخطتى..... كما لم أخبرك بكل هذا حتى أقوم بتبرأت نفسى من دم هذا الشاب....
بل أنا أعلم أننى المتسبب الأول والوحيد بموت هذا الصبى.... ولكن لأقول لك شئ لم تلاحظه
أنت..... هذا الفتى هو السبب ببقائى أنا وأنت وماثيو على قيد الحياة إلى الأن.....أتعلم
حقا ما الشئ الذى أثار تعجبى؟!.... أنه الصبى قد مات من أجل ثلاثه أشخاص لا يعرف من
هم؟!.... حتى لا يعلم ما هى أسمائهم؟!....
رمش ساب بعينه فهو يدرك صحه حديث الملك
الذى ختم حديثه قائلا: هو لم يمت من أجل لا شئ كما قلت ساب...... بل مات من أجل ثلاث
أروح كتب لهم الحياة مقابل موته هو..... بعدما توقف الملك عن الحديث ظل ساب شاردا ينظر
أمامه.....وكذلك الملك لا يعرف إلى الأن كيف أخبره عن ماضيه.... وهو لم يفعلها سابقا......
وكل من يحيطون به يعلمون لأنهم عايشوا ذلك معه لهذا هم على علم ودرايا بما حدث....
ولكنه لا ينكر شعوره بالراحه حين أخرج بعض مكنون قلبه ل ساب دون أن يشعر بالندم.....
شعر ساب أنه يريد أن يعلم ما الذى حدث للصغير
الذى تخطاه الملك فى حديثه.... ليس فضولا بل شعر أنه يريد أن يطمئن أنه لم يصيبه أذى
أقوى من الذى عايشه.... لهذا حمحم ساب وهو ينظر له.... وسأله بهدوء: أنت لم تخبرنى
بعد ما الذى حدث ل للصغير إستيفان بعد وفاة أمه وإبتعاد أبيه؟!.... توقف ساب عن الحديث
وهو ينظر له بحزن حاول مدارته.... وهو يكمل قائلا: من المؤكد أنه شعر بالخوف والوحده....
خاصه وأنه أصبح وحيدا.... كما أظن أنه حاول عدم إظهار ذلك لأحد.....بل أنا متيقن أن
شخصا مثلك قد أظهر للجميع.... أن كل ما حدث ويحدث شئ لم يؤثر به.... أليس كذلك؟!...
ظل ساب ينظر للملك وهو يقول بنفسه.... أن
سؤاله لم يكن فضولا لمعرفه ما حدث...... بل لأنه تمنى لو أن أحدهم قام بسؤاله هكذا
سؤال..... يقسم داخله أنه كان ليخبره بكل ما حدث...... يقسم أن يخبره وهو يصرخ ويبكى
ألما وحرقتا وإنكسار ما لقاه بصغره من عذابا وخوف..... يقسم أن يبكى ك طفل مات كل أحبائه
وماتت معهم طفولته فبكى على ما ذهب ولن يعد..... يبكى لما أصبح عليه....أصبح جسدا لا
يحمل داخله سوى بقايا... بقايا طفلا مات دون أن يشعر به أحد.....
كانت نظرات الملك له تحمل الصدمه فى بدايه
الأمر إلا أنه أسرع وعادت ملامح البرود تسود وجهه... وكاد يجيب ساب الذى لم يعطيه الفرصه
مكملا: وها أنت تفعل ذات الشئ للمره الثانيه أمامى أيها الملك الحكيم..... إرتفع حاجب
الملك من طريقه حديث ساب....... إلا أنه سأله ببرود: وما هذا الذى فعلته للمره الثانيه
أمامك؟!....
أجابه ساب بهدوء: حين أتى ديفيد وأخبرنا
بما حدث ظهر الحزن والصدمه بعيناك مما فعله..... إلا أنك أسرعت بتغير ملامحك للبرود
الذى يخافه الجميع..... والذى تحتمى أنت خلفه..... والأخرى حين أخبرتك الأن عن ذاك
الطفل الذى لم يجد أحد يقتحم وحدته فأصبح هو والخوف أصدقاء......
نظر له الملك بمزيج من التعجب والحده بذات
الوقت تعجب لأنه أصبح يفهمه بسهوله.... وهو الذى كان كالأحجيه لكل من حوله...... لأنه
لم يكن واضحا ومكشوفا أمام أحد مثل الأن...... فقال بحده طغت على تعجبه وهو يرفع إحدى
حاجبيه دليل على سخطه: ألا تظن أنك تخطيت الكثير من الحدود بحديثك هذا؟!....
أدرك ساب أن سؤاله كان من الأسأله المحزوره
لدى الملك..... الذى تضايق من حديثه... إلا أن ساب قال بإبتسامه مرهقه: أتعلم
سيدى أن كلانا متشابهين إلى حد ما...ف أنا مثلك لا أحب أن أكون مكشوفا لأحد كما أنت......
ولكنى أصبحت ك الكتاب المفتوح معك خاصه حين أخبرتك بما حدث معى.... وأنا لم أخبر به
أحد حتى دوغلاس.... كما أننى من محبى الكتمان إلا أننى أخبرتك بما حدث معى.... ليس
هذا فقط بل فعلت الأسوء وبكيت أمامك أكثر من مره.... رغم أننى أقسمت ألا أفعل لأن هذا
يظهر ضعفى الذى لم أظهره لأحد من قبل..... إلى أننى خالفت قسمى وعدت إليك وبكيت......
أتعلم لما بكيت أمامك؟!.... وأخبرتك بسرى كما فعلت أنت وتحدثت إلى منذ قليلا؟!....
لأن كلانا وثق بالأخر دون أدنى شعورا منا....حتى وإن لم تعترف أنت بهذا.... فأنا سأعترف
به...... أنا أثق بك ملك إستيفان......
رمش الملك بعيناه وهو يستمع لهذا الحديث
من فم هذا الصغير......وليس هذا فقط بل مقترنا بعهد ثقه لم يمنحه هو لأحدا من قبل......
وقف ساب من مقعده وقال بثبات: أظن أن السيده قد إستعادت وعيها لهذا يجب أن أذهب لأطمئن
عليها..... أتسمح لى بالذهاب؟!...
كان ساب ولأول مره على الإطلاق يطلب أذن
الخروج من الملك بهذه اللباقه.... وهذا جعل إبتسامه هادئه ترتسم على شفتى الملك...الذى
أومأ له موافقا فبادله ساب الإبتسام وخرج من مكتبه بهدوء شديد...
تحرك ساب تجاه غرفه الحكيم الذى يعالج بها
مرضاه إلا أنه توقف فجأه.... وغير مسار طريقه بعد أن سأل أحد الحرس عن شئ ما.... وظل
يسير يمينا ويسارا من خلال بعض الردهات...... إلى أن وصل للمكان المنشود...... ثم قام
بطرق الباب وإنتظر لبعض الوقت ثم عاد ليطرق الباب مره أخرى..... إلا أنه إنفتح بحده
من قبل ديفيد...... الذى كان ينظر بحده ثم تغيرت ملامحه للهدوء..... حين رأى أن الطارق
كان ساب فتنحى وسمح له بالدخول.....
دخل ساب وأغلق ديفيد باب غرفته وهو يقول
ل ساب بإرهاق: فالتسترح ساب... أعلم أنك أتيت من أجل ما قلته بمكتب الملك أليس كذلك؟!...
أومأ له ساب وهو يجلس على الأريكه..... وديفيد يجلس مقابلا له على فراشه..... كاد ديفيد
يوضح له السبب وراء ما قاله...... إلا أن ساب أوقفه قائلا بهدوء: ولكنى لا أريد معرفه
السبب وراء هذا لأن الملك قد أخبرنى به.....
فنظر له ديفيد بتعجب فى البدايه قائلا:
حقا فسر لك السبب وراء ما فعله..... ياليتنى ظللت معكم حتى أستمع أنا الأخر لما قاله....
أنهى حديثه بسخريه وهو ينظر بعيدا عن ساب..... الذى رأى الألم ظهر جليا بعيناه.....
فأجابه ساب ببساطه: أجل ياليتك بقيت حتى تستمع إلى ما قاله.....
عاد ديفيد لينظر له بتعجب مره أخرى قائلا:
ماذا تقصد؟!.... أجابه ساب بثبات وهو ينظر لعينى ديفيد قائلا: أتعلم أن أول شئ رأيته
على وجهه بعد خروجك حين كان ينظر لمكانك....كان ينظر بصدمه وألم..... إلا أنه عاد لبروده
المعتاد حين لاحظ أننى أنظر إليه..... تحركت حدقتى ديفيد تشتتا من حديث ساب الذى أصابه.....
فأكمل ساب قائلا: كما أنه أجابنى بسخريه
حين طالبته بإخبارى لماذا لم يخبرنى بما خطط له....
قائلا كيف له أن يخبرنى السبب.... وأقرب
الأشخاص إليه يفسر ما يقوم به على أنه مرض يجب أن يتخلص منه......
ثم توقف ساب عن الحديث.. وإنتظر وهو ينظر
ل ديفيد الذى إشتعلت عيناه ألما وغضبا وقال: اللعنه على كل هذا.... إن كل ما يفعله
ليس سوى مرضا كما قلت..... ف أنا لم أخطأ بشئ..... من يفعل ذلك بأقرب الأشخاص لديه
كما يقول هو.... إذا فهو واللعنه مريض..... لأنه لا يعطيهم الثقه كما يعطونه هم...
أنهى حديثه بنفس مهتج ووجها مائلا للإحمرار من شده إنفعاله......
لم تتغير ملامح وجه ساب الذى قال بثبات
وهدوء: إذا أنت تقول أنه لا يسمح لك بفعل ما تشاء.... بل يطالبك أن تفسير كل ما تقوم
به لأنه لا يثق بأحد.... كما أظن أنه قد يقوم بعزلك من منصبك ووضع شخصا أخر مكانك إذا
لزم الأمر.... أهذا ما تقوله؟!....
نظر له ديفيد بعينى متسعه وهو يقول بحده:
واللعنه أنا لم أقل هذا..... بل إنه..... قاطعه ساب قائلا بصوتا مرتفع ولكن ثابت: إذا
هو يثق بك.. من يجعلك تجلس يمينه يثق بك...... من يجعلك تصدر الأوامر دون الرجوع إليه.....
كما يفعل الملوك يثق بك..... من يجعلك تخرج غضبك عليه أمام أخرين يثق بك.... والأهم
أنه يحبك ولا يريد خسارتك.....توقف ليأخذ نفسا قويا ثم أكمل: أخبرنى سيد ديفيد أنت
تحب ليو كما أعلم أنك تحبى أليس كذلك؟!....
أومأ له ديفيد موافقا فأكمل ساب:إذا ما
الذى سيحدث إذا تطلب منك إرسال أحدنا لمهمه كالتى ذهبت بها مع الملك..... من تأخذ منا
أنا أم ليو.... أجابه ديفيد بدون تفكير: من المؤكد أنت لأن ليو لا يستطيع التصرف بمثل
هذه الأمور.....
ظهرت إبتسامه هادئه على وجهه ساب وهو يرد
عليه قائلا: إذا أنت لا تثق ب ليو؟!... أم إنك تراه غير جديرا بالذهاب معك؟!.... كاد
ديفيد يجيبه إلا أن ساب لم يعطه فرصه وسأله مره أخرى قائلا: سؤال أخر إذا ذهبت لمكان
مرموق لتخاطب ملوك وحكماء من تأخذ منا..... أنا أم ليو....
نظر له ديفيد وهو يجيبه بهدوء... بعد أن
جلس وقد فهم المغزى من حديث ساب وقال: سأخذ ليو.... فرد عليه ساب: إذا ما الذى فعلته
أنت.... أخذت كلا منا بالمكان الذى يصلح له.... ليس لإنك تفضل واحدا منا على الأخر....
كما أننى أريد أن أخبرك أمرا ما... حين نفقد الكثير من الأشخاص الذين نحبهم.... يصيبنا
مرض التشبس ورفض الفقدان..... لهذا إذا صادف وظهر طريقا مليئ بالخطر والموت أمامى...أنا
لن أخبر من أحب به.... بل سأمضى به وحدى لأنهم إذا أدركوا مخاطر هذا الطريق سيتشبسون
هم بى.... وعندها قد أفقدهم هم أيضا كما فقدت من قبلهم..... ولن يكون المسبب لموتهم
سوى حبهم لى.... فيصبح الألم حينها مميت... لهذا أفضل مواجهة الموت وحدى حتى لا يصاب
أحدهم بخدشا بسيط... إنه ليس مرضا سيد ديفيد كما تظن.....بل إنه خوفا من فقدان أحب
الأشخاص على قلوبنا......
وقف ساب وسار تجاه باب الغرفه... وديفيد
لم يتحرك من موضعه حين إستوعب عقله ما قاله ساب كاد ساب يخرج.... إلا أنه إلتفت قائلا
بهدوء: ليس شرطا أن أعطيك ثقتى بكلمه فى حديث دار بيننا... بل قد أعطيها لك من خلال
موقفا حدث فيما بيننا.... وأنا أرى أن الفعل أفضل بكثير من الحديث... وخاصه حين يكون
موضوعه الثقه.... فكثيرا من الناس تتحدث دون أن يفعلوا ما يقولون به.....
ثم خرج مغلقا الباب خلفه بهدوء... وهو يبتسم
ببعض الصفاء وداخله يردد أن هذا أقل ما يقدمه للملك.. بعد الذى قدمه هو له.... وسار
تجاه غرفه الحكيم....
وصل ساب أمام غرفه الحكيم وقام بطرق بابها
بهدوء.... وإنتظر حتى يأذن له بالدخول.... وبالفعل سمع صوت الحكيم يأمر الطارق بالدخول....
فتح ساب الباب ودلف بهدوء وهو يبحث بعيناه عن جسد السيدة التى سقطت فاقده للوعى بين
أحضانه...... وبالفعل وجدها نائمه على ذات الفراش الذى إحتله ل شهرا كامل.....
إقترب من فراشها ثم وقف أمامها ينظر لها
وهى تغط بسبات عميق..... ثم سأل الحكيم قائلا: هل ستصبح بخير؟!.... أجابه الحكيم الذى
ترك كتابه وينظر له بهدوء: أجل ستصبح بخير لا تقلق.... نظر له ساب وإبتسم بهدوء قائلا:
أتمنى ذلك......
قال له الحكيم بود: تقدم يا صغير وإجلس
أمامى لتستريح..... فأنا أرى الإرهاق الشديد يحيط بك....
كاد ساب يرفض إلا أن الحكيم لم يعطه فرصه
قائلا بهييته: لن أكرر حديثى أيها الصغير هيا فلتجلس الأن.... إبتسم ساب وسار إلى أن
جذب مقعد وجلس عليه أمام الحكيم.... وقال بذات الإبتسامه: أتعلم أننى أكره تلك الكلمه؟!.....
أجابه الحكيم بإبتسامته الرزينه: أعلم...
لكننى لا أرى الضيق بعيناك حين أقولها لك... لهذا لا ضير من قولها أليس كذلك؟!....
رد عليه ساب بتأكيد: لا ضير كما قلت أيها الحكيم.....
أومأ الحكيم وهو يسأل ساب بهدوء: من المؤكد
أن
ما فعله ديفيد قد يكون أغضب الملك... وألمك
أليس كذلك؟!.... أجابه ساب بشرود: بل أصاب الملك بالحزن لتهور السيد ديفيد.... وأصابنى
بالصدمه البحته.....
تنهد الحكيم بحزن وهو يقول: هذا هو ديفيد
على قدر حبه لك يكون غضبه.... ولأنه يحب الملك إشتعل غضبه.... لأنها ليست المره الأوله
التى يفعل بها الملك هذا..... إلا أننى أعلم السبب الذى يجعل الملك يفعل هذا..... وحاولت
أنا وأصدقائه إخباره بهذا أكثر من مره..... وبطرق مختلفه..... إلا أنه لم يستمع لأى
من أحاديثنا..... كما كان يقول دائما أننا نخشى من الملك لهذا لا نستطيع أن نوجه له
أى إتهام بأخطائه.... لهذا توقفنا جميعا عن التفسير له بعدما فقدنا الأمل فيه... كما
أن الملك يعامله بطريقه خاصه..... لأن له مكانته بقلبه لهذا لم نعد نتدخل فيما بينهم.....
خلاصه قولى أن الملك قد فعل ما فعله لأن له أسبابه يا صغيرى.... لهذا لا تتحامل عليه
مثل ديفيد أفهمت؟!....
أومأ له ساب بإبتسامته الهادئه وهو يقول:
شكرا لك أيها الحكيم.... كما أننى سأخذ حديثك هذا بعينى الإعتبار..... نظر له الحكيم
بموده وحب وقال: كنت أظنك ستأخذ منى مجهودا كبيرا...... إلا أن عقلك أفضل من ولدى....
وهذا شئ جيد.... أنهى حديثه بمرح....
مما جعل ساب يبتسم بإتساع وهو يقول بمشاكسه:
إذا تقول أن عقل السيد ديفيد لا يستوعب بسهوله.... إذا سأخبره بهذا حين ألقاه.....
فرد عليه الحكيم بمزاح هو الأخر قائلا: فلتخبره ف أنا لم أوصفه بشئ ليس فيه.....
حاول ساب عدم إخراج صوت حتى لا يقوم بإزعاج
السيدة النائمه....ف تحمحم ساب ثم سأل الحكيم وليم وهو ينظر للسيده النائمه: متى ستستيقظ
من سباتها؟!.... أجابه الحكيم وهو يبحث عن شئ بين رفوف أدويته: غدا صباحا.... فقد أعطيتها
مهدأ قوى حتى تهدأ اعصابها.....
مع إنتهاء حديثه وجد ما كان يبحث عنه ف
أخذه.... وعاد ل ساب ثم قدم له قاروره صغيره بحجم الأصبع وقال بعمليه: خذ هذا العلاج
إنه جيد لحاله الإرهاق التى تصيبك بين كل فنيه والأخرى.... أخذها منه ساب وشكره....
فعاد الحكيم مره أخرى وظل يبحث بين أشيائه..... ثم عاد بخيط وإبره ومطهر والعديد من
قطع القماش الذى يستخدمه بهذه الحالات.... ووضعهم على الطاوله.... ثم جذب كرسيه وجلس
بجوار ساب..... الذى يحمل جسده العديد من الخدوش....
وهو يقول له بتفحص: لقد أعطيتك علاجا للأرق
الذى تشعر به.... والأن لأقوم بتطهير هذه الجروح.... أدرك ساب أن لا مفر.... فقرر الجلوس
صامتا حتى ينتهى الحكيم من عمله..... قام الحكيم بتخيط الجرح الذى بيده أولا.... بعد
أن أتى بقطعه قماش مبلله ليمسح عنها الرمال والدماء العالق بها.... ثم طهرها وقبل أن
يبدأ بخياطته.... قال ل ساب بهدوء: قد تشعر بالألم يا صغير..... أومأ له ساب.... فبدأ
الحكيم وقام بتخيطه بطريقه جيده..... ثم قام بلف يده حتى لا يصيبها شئ ثم قام بتطهير
باقى جروحه وعالجها.....
وبعد إنتهائه قام وذهب ليغسل يده.... وعاد
فوجد ساب قد وقف وهو يقول: إذا لأخرج حتى أرى البقيه وحين تشرق شمس الصباح سأكون هنا...
حتى أطمئن عليها وأشار للسيده النائمه.... أومأ له الحكيم وخرج ساب من غرفته.... وهو
ينظر للقاروره ثم قام بتقريبها من أنفه يشتم رائحتها.... ثم إبتسم وهو يقول بصوتا هامس:
الكافا إذا... إختيار جيد أيها الحكيم.... ثم أبعدها عن أنفه وقام بوضعها فى إحدى جيوبه....
بعد خروج ساب من غرفته ظل مكانه ولم يتحرك
لمده لا بأس بها.... وهو يتذكر حديث ساب وحديث والده وأصدقائه المشابه لحديث ساب....
كما ظل يتذكر كل المواقف التى حدث بينه وبين إستيفان منذ الصغر إلى يومنا هذا.... خلال
هذا كانت عيناه قد إمتلأت بالدموع بسبب ما فعله اليوم وبالأيام والسنوات الماضيه.....
أغمض ديفيد عيناه فسقطت دموعه التى كان يحبسها..... وخرجت تنهيده قويه منه ثم قرر شئ.....
وأدرك أنه لابد من فعل ما قرره الأن.....
لهذا قام بمسح عيناه وقام مسرعا يخرج من
غرفته ذاهبا لمكتب إستيفان...ولم يأخذ منه الأمر سوى ثوانى وأصبح أمام مكتبه.... فتنفس
بهدوء يحاول التخفيف من حده توتره.... وقام بطرق الباب هذه المره.... بدلا من أن يقتحم
المكان كما فعل قبل قليل وإنتظر إلى أن سمع الأذن بدخوله.....
وبالفعل دلف ولكن حين رأه إستيفان رفع حاجبه
تعجبا وقال بسخريه: السيد ديفيد يقوم بطرق الباب لماذا لم تدلف كما فعلت منذ قليل؟!....
تحمحم ديفيد وهو مازال واقفا..... ثم رد عليه بسخريه هو الأخر: لم أعد أعرف ما يعجبك
حقا؟!.... لا طرقى ل بابك يعجبك ولا أقتحمى له..... ما الذى أفعله لك؟!...
أدرك إستيفان أنه أتى ليتصالح معه ككل مره....
لهذا فعل ما يفعله معه ككل مره.... ووقف من مقعده وتقدم من ديفيد وقال بإبتسامته الهادئه:
فالتفعل ما تراه مناسب يا صديقى.....
نظر له ديفيد بأسف وحزن وقال: أنا أعت...
إلا أن إستيفان أوقفه قائلا بثبات: إياك أن تقولها..... وإلا زللتك بها لعام مقبل أيها
الخاسر.... يشير على هزيمته أمام ساب اليوم..... فإبتعد عنه ديفيد وهو يرمقه بسخط مزيف
قائلا: اللعنه على صداقه تجعل الصديق يفعل هكذا بأصدقائه....ثم إبتسم حين رأى إبتسامه
إستيفان له....
فقال ديفيد بحب:إذا نحن لسنا متخاصمان...فرد
عليه إستيفان ومازالت إبتسامه الهادئه ثابته على وجهه قائلا:ومنذ متى ونحن نتخاصم أيها
الغبى؟!...
فنظر له ديفيد بغضب مزيف: لا تقل غبى....
ظل هو وإستيفان يتجادنا لبعض الوقت.... ثم جلسوا يتحدثان لبعض الوقت بأمور المملكه.... دون أن يتطرقوا إلى أى شئ مما حدث...... لأن هكذا هم الأخوه..... يخطأ أحدهم بحق الأخر.... فيسامحه أخاه قبل حتى أن يطلب الأخر الغفران منه....
خلال هذا أردت ميلسيا أن تقوم بتغيير ثيابها
ثم تعود مره أخرى... لهذا إستأذنت من العم دوغلاس والفتيات للذهاب لغرفتها..... وبطريق
ذهابها تقابلت وجها لوجه مع ساب.... الذى أومأ إليها ليحيها بإبتسامه بسيطه..... وكاد
يتخطها إلا أنها أوقفته قائله: أتذكر أننى طلبت منك سابقا أننى أريد التحدث معك بأمر
ما ساب.....
إلتفت لها ساب وقد تذكر هذا الأن وقال بأسف:
أعتذر منك أميرة ميلسيا.... فصدقا تراكم الأعمال قد جعل ذاكرتى تصاب بالنسيان.... فردت
عليه ميلسيا بهدوء: لا بأس ساب.... لكنى أريد التحدث معك الأن....
فقال لها ساب بأسف: أعتذر منك مره أخرى
لأننى لابد أن أرى دوغلاس الأن.... ولكننى أعدك أن نجلس ونتحدث معا قريبا..... وإلتفت
وليكمل طريقه إلا أن حديث ميلسيا أوقفه... وجعل قلبه يتوقف عن النبض كما جعل عيناه
تمتلأ بالدموع..... ميليسا بإنفعال من تهرب ساب الدائم منها: أنا أرى فتاة بالحاديه
عشر تشبهك تحمل الكثير من الجروح بجسدها كل يوم بمنامى..... منذ اليوم الذى ساعدتنى
فيه على الإستيقاظ من سباتى ساب..... وأنا أريد تفسير لما يحدث معى الأن..... ولن أنتظر
أكثر من هذا....
أغمض ساب عيناه وقد سقطت دموعه.... وهو
يقول بصوتا هامس وهو يضغط على يده بقوه قائلا: إنها سابين.....
يتبع