-->

الحلقة الأولى ج ٢ - غير صالح للزواج

 


الحلقة الأولى ج ٢
النصب العاطفي،
عندما يتحول الوِدّ إلي سلعة مقابل طاقتك؛ فأعلم أنك في علاقة سامة. 

°°~°°~°°

رنين هاتف اميرة من جعلهم يصمتوا و الذي كان بجوار وائل علي الطاولة فنظر فيه ثم رفع نظره لاميرة بنظرة ارعبتها.. صمتت امه تراقب الذي سيحدث في حماسة كما سكتت ياسمين خوفا من عروق رقبة وائل التي انتفخت و وجهه الاحمر من شدة الغضب و انكمشت أميرة برعب رغم عدم معرفتها او تخمينها حتي لهوية المتصل. 

اقترب وائل من أميرة في هدوء و امسك مرفقها فحفر اصابعه في ذراعها و بيده الاخري اخذ الهاتف الذي مازال يصدع صوته في المكان و سحبها اتجاه غرفته فارتسمت بسمة علي شفتي امه تتسع شيئا فشيئا فهي تعلم عصبية ابنها و تتوقع انه سيضرب تلك الملعونة مما يعني انتهاء الزيجة ثم هبطت ابتسامتها عندما خطر علي بالها تمسك الفتاة به فابنها فرصة لا تعوض لأي فتاة و بالتأكيد تلك المنحلة تربية امها سوف ترضي بأي شيء مقابل ان تصبح زوجته و في بيته و تأتي لتصبح هي سيدة هذا المنزل و لكن هذا في أحلامها فإن استطاعت الخلاص من يدي وائل فستكون تحت يديها هي و يا ويلها مما ستلقاه مقابل تزوجها من سيد الرجال. 

دفعها وائل للغرفة مما ادي لتعثرها و اوشكت علي السقوط لكنها تمالكت نفسها بسرعة.. اغُلق الباب بهدوء و استدار لها ببطيء كأنه يتعمد إدخال الرعب إلي نفسها بتمهله الغريب.. اقترب منها بهدوء و كانت قد سقطت دموعها بالفعل من الخوف و تمنت لو يُغشي عليها في تلك اللحظة المشئومة.. رفع يده بالهاتف مما ادي لاطلاقها صرخة صغيرة مع تخبئة وجهها بيديها لاعتقادها انه سيصفعها و لكنه ظل صامت و صوت تنفسها العالي و رنين الهاتف هما الذين يتخللون صوت الصمت في الغرفة.. ابعدت يديها ببطيء عن وجهها ثم انزلتهما عندما لمحت هاتفها و لكن غيمة دموعها أعاقت قرأتها لهوية المتصل و لم تجريء علي رفع عينيها له و لكن رفعتهما عندما تكلم بصوت خافت مرعب و منذر بالشر 

-"مسجلة رقمه عندك ليه و ازاي و امتي؟" 

رفعت كفوفها تمسح عينيها فقد بدأت تبكي بشهقات مرتفعة و امتلئت مقلتيها بالدموع ثم لمحت اسم المتصل اخيرا "أسامة عبدالله - موقع"  فارتفعت شهقاتها تلقائيا و حاولت التحدث اكثر من مرة و فشلت و انتظرها هو بصبر يحسد عليه.. يتلذذ برؤية دموعها و مشاهدة ارتجافها، يثيره رعبها و يأجج الرغبة بداخله اتجاهها و لكنه يجيد تمالك نفسه أمامها رغم أن صغيرته مهلكة في خضوعها

ابتلعت ريقها و كفكفت دموعها قدر استطاعتها ثم اجابت بصوت خافت متقطع 

-"عش.. عشان لما كنا سوا فالموقع"

فامسك ذراعها فجأة ليلويه خلف ظهرها و همس 

-"كملي" 

-"عشان لما كنا سوا فالموقع كنا هنروح سوا انا و.." 

ضغط علي ذراعها حتي سمعا طقطقة عظامها فصرخت من شدة الألم و لم تستطيع أن تكمل فقط بكت و ارتفعت شهقاتها مجددا و عندما ازداد ضغطه صرخت 

-"انا و صحابي.. صحابي البنات" 

فهمس من بين أسنانه و قد حرر يدها قليلا

-" كملي"

-" الموقع كان بعيد و اتفقنا هنروح كلنا سوا فخدت أرقام كل المهندسين اللي كانو معانا و هو واحد منهم" 

-"كان فين الموقع ده" 

-" كان في**** "

ترك يدها فجأة و امسكها من غطاء رأسها المعقود بربطة مهملة لعملها في المطبخ مع والدته و قال بنبرة اهتز لها قلبها داخل صدرها من شدة خفقانه رعبا 

-" كدابة.. انا اللي بعت المجموعة اللي نزلت **** ولاني عارف انه **** و بيبصلك منزلتوش معاكو اصلا" 

همست بارتجاف و هي تتأوه من ألم انتزاع خصلاتها تحت غطاء رأسها من قوة يده 

-"نزل.. والله نزل.. بكر معرفش يجي و استأذن فنزل مكانه" 

نفض يده عنها و تلك المرة لم تتمالك نفسها و اختل توازنها فسقطت أرضا فزحفت للخلف و ضمت ركبتيها إلي صدرها و بكت فهتف محذرا

-"لو سمعتلك حس هكسر عضمك كله مش دراعك بس" 

فوضعت كلتا يديها علي فمها تكتم شهقاتها بينما هو امسك الهاتف يحظر الرقم ثم رماها به فسقط بجانبها بعد ان ارتطم بالحائط و تهشمت شاشته ثم تحدث أمرا بصوته الذي كانت تحبه و أضحي يفزع روحها داخل جسدها 

-"تقومي تروحي دلوقتي و تليفونك ميتفتحش و لينا كلام تاني بكرة فالشركة أما عن ال**** ده فأنا هشوف حسابي معاه كويس" 

ظلت تنتفض و هو يتابعها ببرود تلملم اشلاء روحها التي تمزقت رعبا و تحاول الاستقامة بعد ان ظنت انها عدلت حجابها و ادخلت خصلاتها المتقطعة داخله و الحقيقة ان شكلها كان مزري بالاضافة لوجهها الأصفر و أطرافها المثلجة فخرج اخيرا و تركها بعدم اهتمام و لم يشعر حتي بالإشفاق عليها فمن أخطأ يُعقاب و هي اخطأت ويجب ان تنال جزائها

❈-❈-❈

جلسن يستمعن للاصوات الخارجة من الغرفة من صياح و صراخ بمشاعر متضادة تماما ففي حين سعادة ام وائل بما يحدث و كأن توقعاتها صدقت بأن تلك الفتاة فعلا منحلة و ها هي تصيد رجال محل عملها و أن ابنها لن يخرجها من تحت يده إلا أشلاء اثر أفعالها المشينة و لذلك لها كل الحق في انهاء هذه الزيجة حفاظا علي ابنها و علي شبابه و ذريته التي يجب أن تكون من فتاة صالحة لها اب و رجل يقف لها و يربيها علي الالتزام و الاستقامة. 

و علي غير المتوقع كانت ياسمين تبكي خوفا علي اميرة من وائل فهي في النهاية فتاة ضعيفة و هشة و لن تستطيع الدفاع عن نفسها أمام رجل كوائل.. حاولت أكثر من مرة دفع خالتها و تشجيعها علي الدخول لانقاذ الفتاة من براثن وائل ولكن قُوبلت بالتوبيخ من خالتها بأن قلبها ضعيف كما ان تلك الفتاة تستحق ما يحدث لها و ذلك ما لم تقتنع به مطلقا فسواء كانت تريد طردها من حياة وائل أم لا فهي لا تريد أذيتها بهذا الشكل و تعلم انها فتاة جميلة و ستجد من يتزوجها مجددا فهي مازالت بِكِر في كل الأحوال 

فُتح الباب فجأة و خرج وائل و ذهب إلي المرحاض فهتفت أمه و كأنها ترمي الأخشاب في اللهب لتزيد اشتعاله

-"ربنا يهد القوي المفتري.. متزعلش نفسك ياحبيبي هما تربية النسوان كدة حالهم مايل و ملهمش راجل يقولهم لا ولا عيب علي حاجة.. طلقها و من بكرة اجوزك ست ستها" 

و لكن كالعادة لم يهتم بما تقوله و تابع طريقه ليأخذ حمام يهديء به جسده المشتعل.. المشتعل إثارة و ليس عصبية فشكلها و هي ترتجف بأطراف باردة ، و هي تبكي ماسات تبلل وجنتي وجهها الشاحب ، و هي تتوسله ليصدقها ،و هي متكومة في الأرض رعبا و فزعا منه بحال مزري.. كل ذلك كافي لإشعاله و إذا لم يبتعد عنها الان لربما انتهي الأمر بنزيفها جراء اعتداء وحشي منه لتكتمل تلك الصورة المريضة في مخيلته 

خرجت أميرة بعد قليل محاولة التوازن و حتي الآن لا تعلم كيف ستذهب لبيتها و لا بمن او حتي كيف تتصل بأحد حتي يساعدها فقدميها لا تحملها و بالتأكيد لن تلجأ لوائل.. لم تستطيع النظر في اعينهم خجلا مما بالتأكيد سمعتاه و مما يرونه الان من شكلها المزري.. فكسر شكلها قلب ياسمين و أقسمت بداخلها ان لا تسعي مجددا للتقرب من ذلك المتوحش الهمجي بينما امسكت نفسها ام وائل حتي لا تزغرد فرحا من نصرة ابنها لها علي تلك العاهرة و لم تضع في مخيلتها و لو لثانية أن ربما لو كانت لها ابنة لوضعت في هذا الموقف كذباً و افتراءً و عُنفت ظلماً 

❈-❈-❈

عادت أميرة إلي منزلها بعد أن استقلت احد سيارات الأجرة و وقفت في حوش بنايتهم تعدل من هندامها قبل أن تستقل المصعد و تصعد لشقتها

فتحت باب شقتها ثم دخلت فوجدت كالعادة والدتها تجلس أمام التلفاز و ترتدي عويناتها لتَخيط بعض المفارش فسلمت عليها و قبلت يدها و جلست معاه قليلا و لم يخفي علي السيدة زهرة شحوب ابنتها التي اجابتها بأنها مرهقه فقط لا اكثر فاليوم كان طويل من ذهاب إلي العمل ثم إلي بيت وائل و سألتها عما حدث هناك فقالت اميرة بمحاولة لاصطناع عدم الاهتمام و هي تنظر للتلفاز

-"يعني يا ماما.. كانت زيارة عادية.. قابلوني كويس و ياسمين كانت هناك و ساعدتهم في الغدا و كلت و جيت مع وائل"

و رغم ارتعاش الاسم و هو يخرج من فمها لم تلاحظ امها و انما قالت و هي تمصمص شفتيها

-" و هي جايبة اللي اسمها ياسمين دي ليه بقي.. طبعا قصدها تضايقك عشان هي عارفة اننا فاهمين ان البت دي بتلف عليه و عايزاه.. الولية اللي اسمها فايزة دي حرباية بصحيح وقال ايه اصل تعبانة فمطبختش و هي عايزة تختبرك قصادهم قال ايه يعني بتعجزك متعرفش انك اسم النبي حارسك ست بيت زي الفل "

و بعد قليل من الوقت من حديث السيدة زهرة عن أم وائل و خالته و ابنتها قالت ما شل تفكير اميرة الشاردة نوعا ما عن حديث امها كله ولكن لسوء حظها هذا ما لقطته آذانها

-" بس تعرفي يا أميرة يا حبيبتي انا عارفة اه انهم مش بيحبونا بس انا اللي مطمني حب وائل ليكي و انه راجل و هيحميكي منهم ان شاء الله.. دلوقتي اموت و انا مطمنه عليكي انك في ضل راجل بيحبك و هيصونك و يراعيكي"

ابتسمت اميرة ابتسامة متعبة و ها قد ذهبت فكرة إخبار امها بما حدث فلا تريد أن تكسر قلبها و تقلقها عليها.. قالت اميرة بصوت مجهد لتنهي تلك المحادثة و تدخل حصنها المنيع و هو غرفتها لتبكي ألمها و تشكو إلي الله ضعفها و قلة حيلتها و تشتت تفكيرها بين قلبها و عقلها 

-"بعيد الشر عنك يا ماما متقوليش كدة" 

-"ياحبيبتي هو الموت شر و بعدين مين فين ضامن عمره.. الواحد كبر و بقي رجله والقبر خلاص" 

-"لا متقوليش كدة ربنا يديكي الصحة..  انا هقوم انام بقي تصبحي علي خير" 

-"و انتي من اهل الخير يا نور عيني" 

❈-❈-❈

بعد مرور يومين.. 

بعد ركوبها احدي وسائلات المواصلات متجهه لبيت اميرة اتصلت به كالعادة حتي يصل الاتوبيس إلي وجهته 

-" الو.. ازيك يا سامح"

-"ايوه يا ست الكل عاملة ايه انتي "

-" انا الحمدلله كويسة.. راكبة و رايحه لأميرة"

تحدث باستغراب عاقدا حاجبيه و هو يعمل علي حاسوبه الشخصي 

-"اميرة مين؟!.. اه اميرة افتكرت افتكرت.. طب و رايحه ليه.. حصلت حاجة تاني مع اللي اسمه وائل ده؟ "

سحبت نفس عميق لرئتيها ثم اخرجته قائلة

-" سامح.. انا قررت احكي لاميرة " 

ترك ما في يده و انصت باهتمام واضعا مرفقيه امامه علي المكتب الزجاجي يسمعها من سماعة الأذن 

-"تحكيلها ايه بالظبط؟"

اخفضت صوتها كأنها مراقبه و وضعت كفها تحجب فمها 

-" عن أكرم يعني.. انا فالمواصلات "

فهمس مقلدا ايها و هو يكتم ضحكه

-" طب وانتي بتوطي صوتك ليه" 

ثم انفجر ضاحكا فضحكت هي الاخر بخفوت و هي تستمع لصوت ضحكته العذبة الجالبة للبهجة و السعادة ثم سألته في تعجب 

-"أنت لسه فالمكتب ولا ايه" 

-"اه يا ستي ورايا شغل متلتل لسه مخلصتوش"

-" مش هتيجي عندنا الفرع بقي" 

-"لا جاي ان شاء الله "

-" امتي طيب"

-" امتي امتي يا سامح.. هو النهاردة ايه طيب؟" 

-"النهاردة الاربع" 

اصدر صوت معاملات حسابيه بفمه ثم ضحك و اجابها بابتسامه حلوة بعد أن اخذ نفسا عميقا

-" اممم يبقي علي يوم الاتنين الجاي بعون الله "

تقافز قلبها من السعادة داخل صدرها فسامح هو زميل العمل في الفرع القديم و الذي يعمل به اكرم طليقها فانتقلت لفرع اخر بعد الطلاق كما زادت علاقتها بسامح متانة 

سامح هو شاب يصغرها بسنتين اعذب يعيش بمفرده هنا حيث اهله توفوا بحادث سيارة مروع و هو الوحيد الناجي منها و اقام مع عمه في الارياف ثم انتقلا كلاهما للحضر ليكمل دراسته بكلية الهندسة و توفي عمه منذ 4 أعوام 

بعد طلاق نورهان كانت تحتاج إلي من تبوح له بمكنون صدرها و سبب طلاقها الحقيقي و لم تجد احسن من ذلك الصديق الوفي الذي اثبتت الايام وفائه 

تشعر اتجاهه ببعض المشاعر التي لا تستطيع تفسيرها حتي الآن فمنذ حبها لأكرم او ما كانت تظنه حب و هي تكذب اي تفسير لمشاعرها من قلبها و تتجاهل سعادته و قفزاته عندما تسمع صوته او ضحكته او تقول اسمه كما أنه لم يصارحها بشيء وهي غير مستعدة لخسارته كصديق ابدا 

-"صحيح مقولتيش.. صاحبتك اميرة دي حصل معاها حاجة تاني؟" 

-"بص هو انا معرفش بالظبط بس هي مش بتيجي بقالها يومين و فونها مقفول و هو متعصب و مزرجن كدة و مش مظبوط فأظن انهم اتخانقوا تاني" 

❈-❈-❈

فتحت السيدة زهرة الباب للطارق 

-"ازي حضرتك يا طنط انا نورهان صاحبة أميرة "

ابتعدت السيدة زهرة عن الباب لتسمح لها بالدخول قائلة 

-"اتفضلي يا حبيبتي اهلا وسهلا "

-" جاية اتطمن علي اميرة عشان بقالها يومين مش بتيجي الشغل "

فضحكت أم اميرة قائلة 

-" ايوه بتقول مكتئبة وملهاش نفس تنزل.. دلع العرايس بقي هنعمل ايه " 

-" مين يا ماما"

هتفت اميرة من غرفتها فردت عليها امها

-" دي نورهان صاحبتك يا أميرة.. ادخلي يا نورهان اتفضلي ياحبيبتي" 

-" ممكن ادخل اوضتها"

-" اه ياحبيبتي طبعا اتفضلي.. اجي اوصلك ولا عارفة السكة" 

فضحكت نورهان و أجابت 

-" لا عارفاها.. شكرا يا طنط "

❈-❈-❈

طُرق الباب فتركت أميرة حاسوبها و قالت بصوت جاهدت لتخرجه 

-" إدخل"

دخلت نورهان و صُدمت من شحوب وجه أميرة و اصفراره فقطبت حاجبيها و جلست بجوار أميرة علي سريرها لتستفسر 

-"ايه يابنتي مال وشك بهتان كدة ليه؟ مالك مش بتيجي الشغل ليه"

ثم اخفضت صوتها لتسألها بهمس

-"اتخانقتي مع وائل تاني ولا ايه" 

فنفت اميرة بوجهها و هي تكبت دموعها ثم ادعت عدم الاهتمام و سألت بهمس أيضا 

-"اشمعنا يعني قولتي اننا متخانقين" 

-"اصله بيجي بقاله يومين متعصب اوي و بيقعد يزعق.. بس انتو متخانقين صح متكدبيش عليا" 

وضعت خصلتها خلف اذنها و لم تنظر في عينيها و هي تجيب 

-" يعني شدينا مع بعض شوية عشان الشقة و الحاجات اللي هنشتريها و كدة" 

تعلم انها تكذب و لكنها قررت خوض الموضوع مباشرة 

-" عموما مش موضوعنا.. انا جاية احكيلك علي شوية حاجات النهاردة كانت السبب في طلاقي و هسيبك تفكري مع نفسك براحتك هو وائل ممكن يعمل كدة ولا لا"

تناولت نفسا عميقا و كتمته في صدرها قليلا ثم زفرته لتحاول الاسترخاء وألا تبكي وابتلعت ريقها وبدأت بالسرد 

-"أكرم طليقي.. كا.. كان سادي"

ظهر علي أميرة الاهتمام كما ظهر عدم الفهم فحركت رأسها كعلامة للإستفسار فأجابت نورهان شارحة

-" يعني بيحب الضرب ،التعذيب، كل غلطة ليها عقاب و هكذا في كل أمور حياتنا"

حمحمت و تابعت بخجل 

-"حتي علاقتنا الخاصة" 

-" ازاي يعني" 

-" كان بيضربني و احنا مع بعض و بيربطني و كان بيشوف أفلام إباحية و بيصر اني اشوفها معاه و بيخليني اقلد الحيوانات" 

مسحت دموعها التي سالت و تكلمت بين شهقات خرجت من حلقها كالنار في الهشيم ثم تابعت و هي تنظر لنقطة ما كأنها في عالم آخر و تضحك بسخرية من نفسها و من تقبلها لتلك المعامله لسنتين 

-" هو اصلا كان بيتعامل معايا زي الحيوانات.. كان مش طبيعي و همجي.. يوم دخلتي قضيته فالمستشفى بعد ما جالي نزيف.. كان بيجبرني اخد منشطات جنسية بالعافية و اذا مرضيتش بيحطها فالاكل من ورايا.. كان يخاصمني باليومين و ميكلمنيش و مسميه صمت عقابي حتي فالشغل كان الكلام بيني و بينه من خلال السكرتيرة.. و يمنع عني الاكل ساعات و أهلي ساعات.. اتسبب في إني شيلت الرحم و مش هقدر ابقي أم ابدا.. كان ساعات بيخلع ضوافري و يقطع شفتي بالموس و يحلق شعري او يحرق.. "

توقفت عن الحديث و كأنها عادت للواقع عندما قفزت اميرة من السرير فجأة تضع يدها علي فمها و اتجهت للمرحاض لتتقيأ.. ما هذا العذاب؟ كيف تحملت؟ كيف استطاعت تلك البطلة مواصلة حياتها و عدم الإقدام علي الانتحار؟ هل من الممكن أن يفعل وائل بها ذلك؟ هل من الممكن أن يأذيها بهذه القسوة؟ هل يمكن أن يفقد اعصابه لتلك الدرجة؟ 

❈-❈-❈

تشعر بالمرض و الضعف و القهر.. هذا اليوم الثالث و لم تذهب للعمل.. لقد اكملوا يوم أمس هي و نورهان اليوم يبكين و عندما توقفوا عن البكاء اخيرا ذهبت نورهان بعد عناق صامت حار بينهما تشكو صديقتها ما عانته يوما و اخيرا حمدت الله علي إنقاذها من تلك الحياة و ذهبت.. كيف يوجد هذا النوع من البشر في الحقيقة و كنا نظنه مجرد تمثيل في الأفلام لا ينقل الواقع قط 

هاتفها مازال مكسوراً و لم تفكر في إصلاحه و ها هو اليوم الثالث لم تري وائل و هو لم يهتم أيضا و لم يحاول الاتصال بها او يراها.. و هي مازالت تفكر لم تنم منذ أمس و عقلها كذلك.. هل من الممكن أن وائل يفعل بها ذلك أيضا فهو يمد يده عليها و بشكل قاسي دون أي مراعاة لألامها و لكنه يعتذر و اعتذارات حارة أيضا يكاد يتذلل فيها بأسف.. و لكنه هذه المرة لم يعتذر! 

قطع حبل افكارها طرق الباب فظنت انها نورهان و لكنه كان وائل فلقد سمعت امها ترحب به و تخبره ان ينتظر حتي تنادي اميرة التي اصطنعت النوم حتي لا تقابله خوفا من اللقاء و المواجهه 

-"أميرة قومي يا حبيبتي.. قومي يا ضنايا.. وائل برا عايز يشوفك.. اصحي بقي" 

-"معلش يا ماما مش قادرة اقوم عايزة انام" 

-"الله.. انتو متخانقين ولا ايه؟" 

فاضطرت أميرة للقيام بسرعة ففي النهاية لا تريد كسر قلب امها 

-"لا يا ماما مفيش حاجة.. هقوم اهو"

بعد قليل دخلت أميرة غرفة الجلوس فقام وائل الذي كان يتحدث مع السيدة زهرة بسلاسة و تقدم إلي أميرة يقبل رأسها و يحدثها في اشتياق وكأن شيئا لم يكن.. و في حوار مع امها علي غيابها عن العمل خافت أميرة بشدة ان يخبر امها ان هاتفها مكسور و انه لا يعلم شيء عنها منذ ثلاثه ايام ولكنه قال ما قطبت جبينها من أجله استغرابا و كم كانت تود أن تضحك بأعلي صوتها سخرية من طريقة جديته بالحديث و كأنه يتحدث بصدق 

-"مهو انا يا طنط اللي قولتلها تاخد اجازة كام يوم تريح فيهم اعصابها المشدودة عشان قُرب معاد جوازنا يعني"

و ربط علي وجنتها بحنان و هو يقول بنظرة دافئة 

-"حبيبتي تعبانة من الشغل و من تجهيزات الفرح و الشقة كمان"

دمعت عينا السيدة زهرة من الفرح بعلاقتهما وحبهما لبعضهما البعض 

-" ربنا يخليكو لبعض يا ولاد ويمد في عمري و اشوف عيالكو "

فنظر لها و أمن علي دعائها بصوته العذب.. و بعد تناول طعام الغداء و الحديث مع والدتها و سكوت و شرود اميرة طوال الغداء و مشاركتها البسيطة في الحديث التي تتمثل في إجابة الاسئلة الموجهه إليها فقط استأذن وائل من ام اميرة ان يصحبها إلى شقتهما ليأخذ رأيها في بعض الاشياء التي تخص الترتيبات و الأثاث فرحبت أم أميرة بالفكرة لتخرج أميرة من تلك القوقعة التي احاطت بها نفسها قليلا هذه الأيام و بالطبع فشلت اميرة في الهروب من هذا الموقف 

❈-❈-❈

خرجوا من السيارة بعد أن توقفت أسفل البناية التي تحوي شقتهما الجديدة و صعدوا بالمصعد و مالزال الصمت مسيطر علي الأجواء بينهما حتي فتح باب الشقة و أشار لها بيده أن تدخل اولا فدخلت و بأعماقها خوف مما سيأتي كما رعب من وجوده خلفها في مكان سيغلق عليهما بمفردهما.. دخل و أغلق الباب و استدار بسرعة يسحبها من غطاء رأسها فصرخت بألم و سالت دموعها بسرعة من شدة الوجع فهمس في اذنها بعد أن كمم فمها بيده الاخري 

-"انا مش قولتلك من اربع أيام تروحي الشغل عشان نكمل كلامنا.. ها؟" 

هزها بيده الممسكة بحجابها 

-"مبتسمعيش كلامي ليه؟..عايزاني أؤذيكي ليه؟..عموما كل غلطة و ليها عقابها و انتي اللي طلبتي" 

لقد سمعت هذه الجملة سابقا.. لا لا لن تحتمل ما كان يحدث في نورهان.. هي ليست قوية مثلها.. هل سيغتصبها أم ماذا؟.. 

سحبها اتجاه المطبخ بعنف تحت همهماتها تحت كفه ثم نفض يده عنها و هو يهتف بتحذير 

-" تقفي مكانك و تغمضي عينيكي و مسمعلكيش حِس"

فتراجعت عند الحائط بسرعة و اغلقت عينيها بشدة كأنها ستهرب من الواقع اذا فعلت ذلك و تغاضت عن ما تسمعه من اصوات فتح ادراج و إشعال الموقد 

-"و انتي مغمضة.. انا بقول اهو و انتي مغمضة تفكي زراير الاسورة بتاعت القميص في ايديكي الاتنين و ترفيعهم و تفكي اول كام زرار من صدر القميص.. و لو فتحتي عينك هتشوفي مني حاجات مش هتعجبك" 

نفذت كلامه و هي تخفض رأسها لاسفل لكي لا يشاهدها اذا فتحت عينيها و ظلت تنتفض و كل ما يأتي في رأسها هو أنه سيغتصبها 

اخرج من جيبه كيس بلاستيكي شفاف يحتوي علي شموع بيضاء فأخذ شمعة و اتجه للموقد ليسخنها و هو ينظر علي قميصها الداخلي القصير و صدريتها الظاهران من صدر القميص و يبرزوا مفاتنها بسخاء فلعق شفتيه ثم ابتلع ريقه و حول نظره إلي ما يفعله 

اخذ الشمعة و هي مازالت مغمضة عينيه و وضعها بسرعة ساخنه علي جلد صدرها مباشرة ليحرقها فصرخت أميرة فاتحه عينيها و انزلقت بجسدها لاسفل تبكي و تصرخ من الألم فتركها هو و عاد للموقد يسخن الشمعة من جديد ثم عاد إليها و امسكها من معصمها بشدة فظلت تتأسف له و لكنه لم يبالي و وضع الشمعة علي معصمها فصرخت محاولت جذب يدها من يده ولكن لا مفر 

-"انا اسفة.. انا اسفة مش هعمل كدة تاني.. والله انا اسفة هسمع الكلام.. هسمع الكلام.. والنبي سبني.. كفاية" 

أعاد الكرة مع يدها الاخري كذلك و كان صوتها قد اختفي من الصريخ و عيناها ألمتها من البكاء المستمر كما أن هناك ناراً تشتعل في كلا معصميها و أعلي صدرها 

أغلق الموقد و تركها متكومة في الارض و خرج و كانت هي فاقدة من الطاقة ما جعلها تنام علي الارض في وضع الجنين تنتفض 

دخل إليها بعد قليل و رأها فألمه قلبه هذه المرة من انكسارها و تكومها فاقترب و جلس بجانبها علي الارض و ظل جالسا يحدق بها ثم سحبها من مرفقها ليرفعها و لم تملك من الأمر غير التنفيذ فسحبها لصدره يحتضنها وكأنها سيكسر عظامها و يدخلها لصدره العضلي فعلى بكائها مجددا و سالت دموعها من عينيها التي ظنتها جفت من كثرة البكاء بينما هو يقبل رأسها بين الحين والاخر و قد سقط وشاحها من شده له.. شعرت بماء يسقط علي وجهها.. مرة و الثانية و الثالثة ثم رفعت رأسها لتفجيء بهذا الكيان الضخم الذي تستند عليه تسيل دموعه فنظر لها بحنان العالم كله و همس بالاسف فتألم قلبها للمشهد اكثر من تألمه مما حدث له فرفعت كفها رغما عنها تمسح دموعه فبكي كطفل صغير و ضمها اكثر لحضنه ثم همس لها.

-"انا اسف.. مسمحاني؟" 

فنظرت له و سالت دموعها علي وجنتها التي مسحتها بنفس الكف الذي مسحت به دموعه فاختلطت دموعهما علي وجهها ثم انخفضت رأسها فهمس لها مجددا 

-"طب مش انتي بتعتبريني باباكي.. و الابن لما بيغلط الاب بيعاقبه.. اهو حتي بصي"

فرفعت عينيها مجددا تتابعه و هو يفتح ازرار قميصه و يريها بطنه العضلي مشوه بالحروق و العلامات 

فوضعت كفها علي فمها تمنع شهقه كادت تخرج و سالت دموعها اكثر و لم تعي انها المرة الاولي التي تشاهد بها جسده عاري.. بينما ظل هو علي حاله و همس مفسرا بين شهقاته

-" انا لما كنت بغلط بابا كان بيعمل معايا كدة بردو فمتزعليش مني ماشي.. انا مش قصدي ازعلك.. عادي انا بعلمك الصح و الغلط.. و انتي متعرفيش و مضايقة عشان باباكي ميت فمحدش عمل معاكي كدة انما ده الطبيعي.. انا بحبك انتي مش هتسيبيني صح.. انا بحبك اوي والله" 

و كانت من شدة الضغط تريد الصراخ بأعلي صوتها فاحتضنته فجأة متأوهه بألم بصراخ بينما دفن هو وجهه في عنقها يبكي كالاطفال متذكرا عقاب والده له عندما كان يخطيء بحرقه بالشموع و جرحه بالسكاكين الساخنة 

ابتعد عنها قليلا ليمسك وجهها بين كفيها و يحدق في شفتيها و يبتلع ريقه و ثم يرفع نظره إليها كأنه يستأذنها فاغمضت هي عينيها تريد ان تنال ذلك الشعور الذي تتوصف فيه الروايات و يا ليتها لم توافقه.. 

كان شعور همجي، قاسي بكل ما تحمل الكلمة من معني.. هل هذه هي القبلة إذا؟ هل ذلك الشعور ما تتمناه الفتيات؟.. لا تريده.. لا تريد تجربته مجددا.. هذا شعور مؤلم ليس به ما سردوا من حب و عشق بالمرة.. ليس به مودة! .. ليس به رحمة! 

صرختها هي ما افاقته و دفعها له فابتعد عنها و اخذا يلهثان و هو مالزال محدقا في شفتيها فرفعت ظهر يدها لتمسحهما لتفجيء بدماء و قبل محاولتها ان تقوم جذب وجهها بين كفيه الكبيرين يلعق شفتيها بلسانه و يطبع قبلة خفيفة عليهما فابتعدت بسرعة تقوم من امامه و تلملم حجابها و خرجت من المطبخ تلملم اشيائها لترحل من هذا المكان 

❈-❈-❈

مر اليوم و استمرت اميرة في غيابها عن العمل بعد أن اخذت لها نورهان شهادة مرضية و استمرت الحياة كما هي.. و لكن أميرة من لم تعد كما هي فقد فقدت تلقائيتها و عفويتها و اصبحت تتعامل بحذر شديد مع الكل كأنه سيكشف امرها و اصبحت تخاف من كل شيء تذعر و تصرخ في نومها تحلم بكوابيس و لم يخفي علي امها ذلك بالتأكيد و لكن الفكرة الان ليست في من يعرف و من لا يعرف.. الفكرة في وائل.. ماذا ستفعل معه؟ وائل مريض؟ وائل معقد؟ هو بالتأكيد ليس طبيعي.. او ربما هي ربما المشكلة بها و هي السبب ربما هي اخطأت كالعادة ربما قلة تجاربها هي السبب 

دخلت تغتسل و يا ليت الماء يغسل الهموم أيضا يا ليتها تتخلص من ألمها او يتوقف عقلها عن التفكير قليلا.. لا تريد شيئا حاليا قدر احتياجها لتنام بسلام و في هدوء بدون كوابيس مزعجة و بدون افكار لا تتوقف.. 

❈-❈-❈


يوم الاحد صباحاً.. 

فتحت أميرة المصعد لتدخل ذاهبة إلي عملها و لكن يداً ما لمست كتفها فصرخت بأعلي صوتها و انكمشت علي نفسها كطفل صغير مذعور و كانت اليد لعواطف التي شهقت أيضا من صرخة اميرة و تفلت ثلاث مرات داخل صدر عباءتها

-"بسم الله الرحمن الرحيم.. في ايه يا أميرة فزعتيني حرام عليكي.. انتي يا بت ممسوسة ولا ايه بتصوتي كدة ليه" 

فحاولت أميرة سحب الأكسجين لصدرها اكثر من مرة ثم قالت بهمس بعد ان ابتلعت ريقها 

-" انا.. انا اسفة.. ازيك يا عواطف" 

-"الحمدلله يا حبيبتي مالك بس.. استني اجيبلك مايه بسكر تفوقك "

و دخلت شقتها و اتت بعد قليل فوجدت اميرة جالسة علي احدي درجات السلم فقالت و هي تضرب رأسها 

-" يووه ينيلني نسيت اقولك اتفضلي.. قومي يا حبيبتي قومي متقعديش كدة.. استني خدي بوق الاول من الكوباية دي احسن تدوخي "

فاخذت منها اميرة الكوب و شكرتها و جلست بجانبها عواطف تربط علي ظهرها و لاحظت ارتعاشها و رجفتها من لمستها 

-"مالك يا حبيبتي فيكي ايه.. و بتترعشي كدة ليه "

فحاولت اميرة الابتسام و اجابتها

-" مفيش حاجة متقلقيش عليا انا كويسة.. انا اتخضيت بس "
ثم استقامت تنفض ملابسها فساعدتها عواطف فارتجفت من لمستها مجددا و فودعتها و استأذنتها سريعا لترحل. 

❈-❈-❈

طُرق باب مكتبها فشقهت بخوف فتسارعت انفاسها و لما هدأت ابتلعت ريقها و سمحت للطارق بالدخول و كان وائل فاصفر وجهها فترك باب الغرفة مفتوح عن قصد حتي لا تخشاه و هذا طمنئها قليلا بالفعل

-"صباح الخير"

أجلت حلقها و ردت عليه و هي تنظر في الأرض 

-"صب..صباح النور" 

فاقترب من مكتبها و دار حوله مما جعلها تتنبه لأي حركة يمكن ان يفعلها و ماذا سيفعل فالباب مفتوح!! 

فاقترب منها و قبل رأسها و هي واقفة فقد وقفت استعدادا لأي شيء منه.. همس لها

-"متزعليش مني.. انا بحبك اوي بجد" 

ثم تركها و رحل.. 

بعد قليل كلمتها نورهان علي هاتف المكتب انها سترسل لها من يأخذ هاتفها للصيانة كما اخبرتها ان وائل ذهب لعمل خارج الشركة فتنفست الصعداء 

و لكن كانت تلك فرصة ذهبية لأسامة فطرق باب مكتبها و عندما سمحت له بالدخول دخل 

-"ازيك يا أميرة" 

يتبع.